الفوضى والعنف مستقبل المنطقة بعد اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي دراسة في الدلالات والأبعاد والآفاق المستقبلية
في تقنين لزنا سياسي ممتد لعقود، بين الإمارات وإسرائيل، التي لم تجمع بينهما أية حروب أو صراعات أساسا، وقعت الإمارات وإسرائيل لاتفاق بوساطة أميركية لتطبيع العلاقات، وهو أول اتفاق “سلام” بين دولة خليجية وإسرائيل. وبعد مسار طويل من العلاقات السرية والمعلنة بين الإمارات وإسرائيل، جاء الاتفاق، تتويجا لتلك العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، وهي عمرها قديم وواضح بعدد من الشواهد، التي كان آخرها التعاون في مجال مكافحة فيروس كورونا، لكنّ خروجها حاليا وبهذا الشكل، في الوقت الحالي، هو تحدي للشعوب والحكومات العربية، التي رفضت معظمها مؤخراً، خطة الضم الإسرائيلية، ورفعت الخطوة الإماراتية بذلك الاتفاق، مبادرة السلام العربية من أصول المرجعيات الدولية، التي من الإماكن الاعتماد عليها مستقبلاً، في أيّ مفاوضات فلسطينية أو عربية مع الجانب الإسرائيلي. وذكر بيان أميركي إسرائيلي إماراتي مشترك، الخميس الماضي، أن هناك اتفاقا على مباشرة العلاقات الثنائية بين إسرائيل والإمارات، وأضاف البيان أن هذا الإنجاز الدبلوماسي التاريخي يعزز السلام في منطقة الشرق الأوسط، وحسب نص البيان فقد اتفق البلدان على التطبيع الكامل للعلاقات، وستجتمع وفود من إسرائيل والإمارات في الأسابيع المقبلة لتوقيع اتفاقيات ثنائية تتعلق بالاستثمار، والسياحة، والرحلات المباشرة، والأمن، والاتصالات، والتكنولوجيا، والطاقة، والرعاية الصحية، والثقافة، والبيئة، وإنشاء سفارات متبادلة، ومجالات أخرى ذات المنفعة المتبادلة. وبمقتضى الاتفاق وبناءً على طلب الرئيس ترامب وبدعم من الإمارات، ستعلق إسرائيل إعلان السيادة على المناطق المحددة في رؤية الرئيس للسلام وستركز جهودها الآن على توسيع العلاقات مع الدول الأخرى في العالم العربي والإسلامي، وهو ما نفاه ترامب لاحقا، في حوار مع قناة سكاي نيوز “الإماراتية”، بأن مشروع الضم للأراضي الفلسطينية، لم ولن يتوقف، وانما سيؤجل فقط، حيث غرد نتانياهو على حسابه على تويتر، مؤكدا على التزامه بضم أجزاء من أراضي الضفة الغربية المحتلة، مشدداً على أنه لن يتنازل عن العملية، وصرح بأن قضية الضم ستبقى على الطاولة، وأنها لا تزال على جدول الأعمال، أنا من وضع قضية الضم على الطاولة، وملتزم بها بالتنسيق مع الإدارة الأميركية فقط، وأضاف أن الرئيس الأميركي طلب من إسرائيل أن تنتظر بشكل مؤقت لقضية الضم، ووفق الاتفاق ستنضم إسرائيل والإمارات إلى الولايات المتحدة لإطلاق أجندة استراتيجية للشرق الأوسط لتوسيع التعاون الدبلوماسي والتجاري والأمني. ردود فعل غاضبة الاتفاق أثار غضب الفلسطينيين، والذي اعتبرته الرئاسة الفلسطينية “اعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل”، موضحة أنه “خيانة للقدس والأقصى” واستدعت وزارة الخارجية الفلسطينية، السفير الفلسطيني لدى أبو ظبي، ردا على الاتفاق، وذكرت الرئاسة أنه “لا يحق لدولة الإمارات أو أية جهة أخرى التحدث بالنيابة عن الشعب الفلسطيني”، مشيرة إلى أن “هذه الخطوة نسف للمبادرة العربية للسلام وقرارات القمم العربية والإسلامية والشرعية الدولية وتمثّل عدوانا على الشعب الفلسطيني“. فيما قالت حماس أن تطبيع الإمارات مع الاحتلال الصهيوني “طعنة غادرة لشعبنا واستمرار التطبيع بهذه الوتيرة يشجع الاحتلال على ارتكاب مزيد من الجرائم ضد أبناء شعبنا الفلسطيني” ، مشيرة إلى أنه : “سيبقى الاحتلال الصهيوني هو العدو الرئيس لشعبنا ولأمتنا، وسنواصل حشد كل طاقات شعبنا وأمتنا لعزله وطرده عن أرضنا“. فيما انتقد المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، اتفاق التطبيع بين الإمارات والكيان الإسرائيلي، وقال إن التاريخ سيسجل هزيمة الأطراف التي خانت الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وقال قالن: “بلا شك أن التاريخ سيسجل هزيمة الأطراف التي خانت الشعب الفلسطيني، وقضيته العادلة“. وعلى النقيض من تلك المواقف، جاءت بعض مواقف الدول العربية مؤيدة للاتفاق، وعلى رأسها مصر، وحملت تلك الأخبار في مضمونها تغيير الدماغ العربية وسيطرة الأفكار الصهيونية على المنطقة، كما أوضحت ثمار توسع الإمارات في المنطقة ومحاولة القضاء على المشروع الإسلامي، وكان السيسي أول رئيس عربي يرحب بالتطبيع والتحالف بين الإمارات والكيان الإسرائيلي، وأيضا أشاد التيار الإصلاحي في حركة “فتح” التابع للقيادي محمد دحلان بـما وصفه “الدور التاريخي لدولة الإمارات في دعم صمود شعبنا وثورتنا، ومساندتها الدائمة لشعبنا في نضاله من أجل الحرية والاستقلال“، بينما ربط الأردن نتائج اتّفاق “السلام” بتصرفات إسرائيل بعده، وفي السياق ذاته، هنأت البحرين الإمارات. دلالات الاتفاق مخاوف إماراتية من تركيا وإيران وحسب “الايكونومست” فالاتفاق سيعزز شراكة استراتيجية، لكن ربما ليس بالشكل الذي يعتقده “ترامب”، حيث ترى أمريكا في (إسرائيل) والإمارات ركيزتين أساسيتين في جهودها لاحتواء إيران، لكن الإمارات لا تخشى طهران كما تفعل تل أبيب وجيرانها في الخليج؛ فالشركات الإيرانية تقوم بأعمال تجارية في دبي ويسافر المسافرون بين البلدين. بينما يشعر الإماراتيون بقلق أكبر إزاء الإسلام السياسي، وخصمهم اللدود في المنطقة ليس إيران، بل تركيا، التي تدعم الإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة وتحافظ على حامية في قطر الصديقة لجماعة الإخوان المسلمين، وتشارك (إسرائيل) أيضًا زعماء الخليج مخاوفهم بشأن الإسلام السياسي. ويكاد يجمع باحثون ومحللون غربيون على أن الهدف الرئيسي من اتفاق التطبيع بين الإمارات و(إسرائيل)، ليس القضية الفلسطينية بالأساس، وإنما تشكيل حلف لمواجهة تركيا والقضاء على ما تبقى من ثورات الربيع العربي، التي تخشاها تل أبيب بشدة وتعلم أنها الخطر الرئيسي عليها. وقال كبيرالمحللين بالمجلس القومي الإيراني الأمريكي والكاتب في عدة صحف ومجلات غربية “سينا توسي”، إن “تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل يتعلق بمواجهة تركيا مثلما إيران“ وفي تغريدة على حسابه بـ”تويتر”، أضاف أن الاتفاقية تهدف إلى “ترسيخ الأنظمة العربية الاستبدادية.. ذكريات الربيع العربي تطارد (ولي عهد أبوظبي) محمد بن زايد و(ولي عهد السعودية) محمد بن سلمان، وهم ينظرون إلى إسرائيل (والدعم الأمريكي) على أنها شريان الحياة“. من جهته، قال الباحث البارز في معهد دراسات الخليج العربي (بواشنطن)، والكاتب والمحلل السياسي في عدة صحف غربية “حسن إبيش”، إن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي “ليس له علاقة بإيران، الكلمة التي تلخص كل ما حدث هي تركيا“، وأشار في حديثه لـ”ناشيونال إنترست” أن توتر العلاقات بين بين الإمارات وتركيا على خلفية الربيع العربي هي سبب هذا الاتفاق، وأضاف أنه عندما دعمت تركيا وقطر انتفاضات الحركات الشعبوية مثل جماعة الإخوان المسلمين، بينما دعمت الإمارات الأنظمة القائمة، توترت العلاقات بشكل أكبر بين الدول الداعمة والرافضة للربيع العربي، وبين أن (إسرائيل) والإمارات تتفقان على أن تركيا والإخوان المسلمين وقطر، الأكثر خطرا عليهما، ولهذا كان الاتفاق. بدوره قال الباحث الغربي “جليل حرشاوي”، في تغريد على حسابه بـ”تويتر”، إن فرنسا تؤيد الخطوة التطبيعية الإماراتية، لأنها تدرك أن من شأنها استهداف تركيا، وأضاف: “مع اندلاع توترات شرق المتوسط ومع تصارع العديد من البلدان ضد تركيا، يبرز الثنائي باريس- أبوظبي بشكل أكبر كتحالف وثيق“. خيانة إماراتية ولعل ما حدث بمثابة خيانة مكتملة الأركان، وجاء من رغبة إماراتية ذاتية، تهدف للتحالف مع إسرائيل؛ حيث بدأت فصول ذلك التحالف بالظهور بعد الربيع العربي، ووقوف الطرفين المشترك، لإحباط ما أفرزته تجارب الانتقال الديمقراطي في بلدان الربيع. فالتطبيع في حقيقته تطبيق معكوس لرؤية مبادرةِ السلام العربية التي أطلقها ملك السعودية (الراحل عبد الله بن عبد العزير)، والتي تشترط الوصول إلى تسوية وإقامة…