مستقبل الصراعات الإقليمية في القرن الإفريقي

انتهت قمة الاتحاد الإفريقي التي عقدت بإثيوبيا يومي 9و10 فبراير الجاري، والتي جاءت تحت عنوان: “إسكات البنادق… خلق ظروف مواتية لتنمية إفريقيا“ دون تطور إيجابي لحلحلة الخلافات القائمة في القارة الإفريقية، وخاصة في منطقة القرن الإفريقي التي تعج بالخلافات والتوترات الطاحنة، والتي تؤثر سلبا على القارة الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط. ولعل إحدى التحديات الرئيسة في مجال السلام والأمن في إفريقيا، تبدو في كيفية ضمان حلول دائمة للصراعات. إذ إن العديد من المناطق في القارة، شهدت حروباً مسلحة ناجمة عن عودة مشكلات قديمة، حُلت في السابق، أو انتقلت إلى مرحلة الحوار والمفاوضات. كما أن العديد من الصراعات في إفريقيا ذات طبيعة داخلية، وتأتي في شكل حروب أهلية أو صراعات مسلحة داخل حدود الدولة، وتتسم بالعديد من الخصائص الفريدة المستمدة من الهويات الطائفية الدينية أو الثقافية أو العرقية، بجانب الموروثات السياسية والجيوسياسية منذ زمن الاستعمار الأجنبي بالقارة، أو بسبب الصراعات الإقليمية والتدخلات الإقليمية والدولية الراهنة.   وقد تحولت هذه النزاعات الداخلية إلى أزمات إقليمية، حيث أصبحت الفصائل المتحاربة تقوم بتنفيذ عملياتها داخل الدولة وخارجها، وتؤدي هذه الديناميكية إلى تعقيد الصراعات، فضلاً عن تورط عدد لا يحصى من الأطراف الفاعلة فيها واتساع المصالح إلى ما يتجاوز نطاقها الأصلي.   وغالباً ما تتأثر التحديات والصراعات الوطنية في القارة بالجهات الفاعلة الخارجية. ففي ظل الصراعات العنيفة، تتصاعد أدوار الأطراف المعنية وأصحاب المصلحة في هذه الحروب، التي غالباً ما تنشأ من خارج القارة. ويمكن العثور على جهات غير إفريقية تمارس نفوذها على الأوضاع الداخلية في الدول التي تشهد نزاعات، وهو ما دفع شعار “الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية” بالبروز، كرد فعل على التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول.   ويؤكد مؤيدو هذا الشعار أن القارة تحتاج إلى قوتها الخاصة في تفعيل الحلول، التي تأخذ في الاعتبار العوامل التي تتناسب مع ظروفها. إلا أن هذه الأدوار يعوقها عدم كفاية القدرات التقنية والخبرة في بعض الأحيان، والافتقار إلى الإرادة السياسية لضمان التنفيذ والتفعيل المستدام في أحيان أخرى. لكن هناك رؤى أخرى ترى أهمية دور الجهات الفاعلة غير الإفريقية في النظام العالمي المترابط الحالي، خصوصاً في ضوء وجود فجوات في قدرة إفريقيا على مواجهة تحدياتها. أي وبعبارة أخرى، ترتبط مشكلات إفريقيا بتلك الموجودة في العالم (والعكس أيضاً)، وليس من الحكمة منع إسهام الجهات الخارجية في إيجاد حلول لها، بل يجب تقييم الإسهامات قبل تطبيقها أو رفضها.   القرن الإفريقي في بؤرة الصراع   وتعد منطقة القرن الإفريقي إحدى أبرز المناطق المرشحة لتصاعد الصراعات واندلاع الأزمات الإقليمية والدولية  في القارة الإفريقية والمنطقة برمتها. ويقصد بمنطقة القرن الإفريقي -جغرافيا- ذلك الجزء الممتد على اليابسة الواقع غرب البحر الأحمر وخليج عدن على شكل قرن، وهو بهذا المفهوم يشمل أربع دول هي الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، بينما تتسع المنطقة أكثر عند النظر لها من زاوية سياسية واقتصادية لتشمل كينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا.   ويقول بعض الباحثين: إنه وفقا لهذا المفهوم فإنها تمثل منطقة شرق إفريقيا المتحكمة بمنابع النيل والمسيطرة على مداخل البحر الأحمر وخليج عدن، وهي إن لم تكن جزءا رئيسيا من القرن الإفريقي فهي امتداد حيوي له. وتقدر مساحة القرن الإفريقي بمفهومه الضيق (الصومال، جيبوتي، إريتريا، إثيوبيا) نحو 1.9 مليون كيلومتر مربع. ويبلغ عدد سكانها نحو 115 مليون نسمة وفقا لتقديرات عام 2014. وليست أهمية القرن الإفريقي وليدة اليوم، فقد كانت ومنذ العصور القديمة محط أنظار القوى والإمبراطوريات المهيمنة، لأهميتها الإستراتيجية وإطلالها على طرق التجارة الدولية البرية والبحرية، ومنذ القرن الـ 15 ازداد التنافس الغربي على النفوذ بهذه المنطقة، بل وتحول لصراع في حالات عديدة. وبالنظر للأهمية الإستراتيجية التي تشكلها هذه المنطقة الحساسة فقد أصبحت نقطة جذب وتركيز واهتمام من لدن أطراف دولية وإقليمية عديدة تتصارع على مواطن الثروة والنفوذ ومراكز القوة والحضور. وزاد من أهميتها الإستراتيجية كونها تمثل منطقة اتصال مع شبه الجزيرة العربية الغنية بالنفط، فالموانئ وحاملات النفط والغاز والاتجار بالبضائع والأسلحة وعبور الأشخاص عوامل جعلت منها نقطة جذب دولية.   وسعت دول عربية عديدة السنوات الأخيرة لتقوية حضورها في تلك المنطقة نظرا للأهمية الاقتصادية والإستراتيجية لتلك الدول عموما وللبلدان التي يمر نفطها عبر المنافذ البحرية التي تتحكم فيها هذه الدول، بيد أن ذلك لم يكن قاصرا فقط على هذه الدول، فالعديد من دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة وكذلك الصين والهند واليابان وتركيا وإيران وإسرائيل تسعى كلها لتقوية نفوذها بهذه المنطقة.   فأصبحت الولايات المتحدة بعد حرب الخليج الثانية تُولي القرن الإفريقي أهمية جيوسياسية إستراتيجية كبرى، وتجلى اهتمام واشنطن -التي تتمسك بمقولة “الربط بين الأمن القومي الأميركي وأمن الطاقة النفطية” وحصلت بذلك على قدرة مضافة للتحكم في منابع الطاقة بالمنطقة أكثر منذ أواخر القرن الماضي. وعمقت حالة الفراغ العسكري والأمني التي شهدها الإقليم بالعقود الماضية وساهمت في دفع واشنطن للاهتمام به أكثر، خاصة بعد تخلي فرنسا وبريطانيا وإيطاليا -طوعا أو قسرا- عن هذه المنطقة التي كانت تاريخياً مجالا لنفوذها بالتقاسم، وبعد أن بدأ تغلغل الصين بإفريقيا عامة والقرن الإفريقي خاصة. ويراكم الأزمات، تصاعد الاهتمام الروسي بالمنطقة، حيث تضع الأولوية الروسية المنطقة في دائرتها العسكرية، بجانب نهب مواردها الاقتصادية ، خاصة المعدنية والموارد الأولية. قواعد عسكرية ومع أن واشنطن تمتلك -وبشكل معلن- قاعدة عسكرية في جيبوتي، فإن مصادر صحفية تحدثت عن وجود قواعد عسكرية سرية لها بالقرن الإفريقي وما حولها، وتتحدث عن وجود قاعدتين بحريتين في كينيا (مومباسا ونابلوك). وفي إثيوبيا توجد قاعدة أربا مينش الجوية لـ الطائرات بدون طيار منذ عام 2011، ومهمتها الاستطلاع والتجسّس في شرق إفريقيا.   وقد وجدت إسرائيل مجالا حيويا في تلك المنطقة الحيوية، فأسست وجودا عسكريا وأمنيا كما طورت من علاقاتها السياسية مع بعض أنظمة تلك المنطقة وخاصة النظام الإريتري والأوغندي.   كما تعاظمت الأهمية الإستراتيجية للقرن الإفريقي بعد اندلاع الحرب في اليمن وتدخل التحالف العربي عسكريا بقيادة المملكة السعودية تحت ذريعة التصدي لتوسع النفوذ الإيراني. وتقاطع ذلك مع مصالح مجموعة من الدول (أميركا وإسرائيل وبعض دول الخليج) لمواجهة الخطر الذي يمثله النفوذ الإيراني مستقبلا على نفوذها ومصالحها. ولم تكن الصين كقوة عظمى بعيدة مما يجري هناك، فقد حاولت منذ فترة غرس أقدامها في القارة الإفريقية عموما وفي منطقة القرن الإفريقي خصوصا، فبنت قاعدة بحرية في جيبوتي بحجة مكافحة القرصنة وضمان أمن باب المندب.   وعلى المستوى الإقليمي، سعت تركيا هي الأخرى لتعزيز وجودها عبر البوابة الصومالية حيث كثفت من تدخلها الإنساني والتنموي، وعززت وجودها عام 2017 بافتتاح أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها جنوب العاصمة مقديشو لتدريب 10 آلاف جندي حكومي بالصومال،  الذي تمزقه الصراعات السياسية والحروب الأهلية. كما تتسارع الجهود الإماراتية لخلق فضاءات سياسية وعسكرية لها في المنطقة، عبر دعم عسكري لحركات التمرد الصومالية، في إقليم صومال لاند، وعبر التدخلات السرية…

تابع القراءة

إسقاط «حق العودة» في  تصورات «الصفقة الأمريكية».. قراءة تحليلية

قبل الإعلان عن تفاصيل «صفقة القرن الأمريكية» الثلاثاء 28 يناير 2020م، سعت إدارة  الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي ينتمي جميع عناصرها إلى اليمين المتطرف إلى تكريس «الصفقة» قبل ذلك بسنوات؛ حيث اعترفت بالسيادة الإسرائيلية على القدس في 6 ديسمبر 2019م، ونقلت سفارتها إلى القدس في مايو 2018م، كما سعت إلى إسقاط حق العودة لأكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني وذلك عبر استهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا” بتعليق المخصصات الأمريكية التي كانت تقدم لها والمقدرة بحوالي 360 مليون دولار سنويا والتي كانت تمثل حوالي 25% من موازنة المنظمة الدولية المعنية برعاية اللاجئين وفق قرارات الأمم المتحدة؛ وجاءت تفاصيل الصفقة لتلغي تماما حق العودة لأسباب واهية تقوم على أساس الانحياز السافر للاحتلال والعصف بكل القرارات الدولية ونصوص القانون الدولي. وينظر الغالبية الساحقة من الفلسطينيين واللاجئين في الشتات والمهتمين بالشأن الفلسطيني والحقوقي بخطورة بالغة لما تعرضه جوانب “الصفقة الأمريكية” من حلول لقضية اللاجئين الفلسطينيين، إذ أنها تتناقض بشكل صريح وصارخ مع قرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها القرار ١٩٤، وتخالف أيضًا أبسط التعريفات الدولية للاجئ الفلسطيني، وتلغي شريحة واسعة من اللاجئين بطريقة غير قانونية. إضافة إلى أنها تطرح حلولًا مجحفة للاجئين الفلسطينيين من خلال رفضها حق عودتهم إلى ديارهم، كحق طبيعي مكفول وفق القانون الدولي، وتستند على الرؤية الإسرائيلية المسؤولة عن الكارثة الفلسطينية وتتجاهل معاناة ٧٠ عامًا من اللجوء القسري. ووفقا لسجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” فإن عدد اللاجئين المسجلين لديها كما هو في الأول من كانون الأول/ديسمبر 2019 حوالي 6.6 مليون، يعيش حوالي 28.4 في المئة منهم في 58 مخيما رسميا تابعًا للوكالة، تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيما في لبنان، و19 مخيما في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة.([1]) وبحسب التقرير الاستراتيجي لمركز “الزيتونة” للاستشارات والدراسات في بيروت، تُمثّل تقديرات أونروا الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين باعتبار وجود لاجئين غير مسجلين، إذ لا يشمل هذا العدد من تم تشريدهم من الفلسطينيين بعد عام 1949 حتى عشية حرب حزيران 1967 ولا يشمل أيضًا الفلسطينيين الذين رحلوا أو تم ترحيلهم عام 1967 على خلفية حرب 5 حزيران/يونيو والذين لم يكونوا لاجئين أصلا. كما أكد ثبات نسبة اللاجئين الفلسطينيين كشعب مهجر من أرضه كأعلى نسبة لجوء مقارنةً بأي شعب في العالم. وتؤكد نتائج التقرير الاستراتيجي، أن عدد أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج مع نهاية 2019م بلغ نحو “13.350” مليونا نصفهم تقريباً (49.7 في المئة) داخل فلسطين التاريخية، والنصف الآخر خارج فلسطين، أي نحو 50.3 في المئة. وبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين من مسجلين وغير مسجلين لدى وكالة “الأونروا” 8.990 مليون لاجئ، أي ما يعادل 67.4 في المئة من مجموع الشعب الفلسطيني، لافتا إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا يبلغ 6.172 مليون لاجئ، مضيفا، أن 794 ألف لاجئ موجودون في الضفة الغربية، و1.335 مليون لاجئ في قطاع غزة، ونحو 150 ألفاً من أبناء 1948 مهجرون من أرضهم، والباقي خارج فلسطين.   فلسفة الصفقة نحو اللاجئين ووفقا لما ورد عن حق العودة واللاجئين الفلسطينيين في الصفقة الأمريكية المشئومة يمكن رصد الملاحظات الآتية: أولا، الأخطر في فلسفة الصفقة الأمريكية هو إعادة تعريف اللاجئ باعتباره الفلسطيني الذي أخرج من بيته سنة 1948م؛ وترفض أن يشمل التعريف الأبناء والأحفاد وهو التعريف الذي تتبناه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أنروا” التي تأسست سنة 1949م بقرار من الأمم المتحدة لاحتواء أكثر من 700 ألف لاجئ وقتها؛ ولعل هذا هو سبب استهداف الأمريكان والصهاينة للوكالة الدولية؛ فبناء على تعريف الأنروا فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحرر والأردن ولبنان وسوريا وهي الأماكن الخمسة الكبيرة للاجئين الفلسطينيين تصل إلى “5.4” ملايين لاجئ؛ لكن التعريف الجديد الذي تريد أن تفرضه الإدارة الأمريكية ويتطابق تماما مع رؤية الاحتلال  بحصر معنى اللاجئ في: (الفلسطيني المهجر من بيته سنة 48 دون أن يمتد إلى الأبناء والأحفاد) فإنه بذلك يقلص عدد اللاجئين إلى “500” ألفا فقط (نصف مليون لاجئ). وبحسب نص الصفقة: «إن الأونروا، وتعريفها متعدد الأجيال لمن يعد لاجئ، أدى إلى تفاقم أزمة اللاجئين».  وتضيف: «تحت أي ظرف من الظروف، لن يكون الأفراد الذين استقروا بالفعل في مكان دائم (سيتم تحديده لاحقاً في اتفاقية السلام الإسرائيلية الفلسطينية) مؤهلين لإعادة التوطين، وسيكونون مؤهلين فقط للحصول على تعويض». ثانيا، تتبني الصفقة الأمريكية الرواية الصهيونية حول وجود لاجئين يهود لهم حق المساواة مع اللاجئين الفلسطينيين باعتبارهم أيضا ضحايا الأزمة؛  تقول الصفقة «تسبب الصراع العربي الإسرائيلي في مشكلة للاجئين الفلسطينيين واليهود على حد سواء. تقريباً نفس العدد من اليهود والعرب شرّدهم الصراع العربي الإسرائيلي. تم قبول جميع اليهود تقريباً منذ ذلك الحين وإعادة توطينهم بشكل دائم في إسرائيل أو في بلدان أخرى حول العالم. لقد تم عزل العرب الذين نزحوا، بأعداد كبيرة للغاية، ومنعوا من العيش كمواطنين في العديد من البلدان العربية في المنطقة».  معنى ذلك أن فلسفة الصفقة تقوم على أساس تبني رواية المؤسسين الأوائل للكيان الصهيوني حول لاجئين يهود أخرجوا من الدول العربية (كرها!) بعد الإعلان عن قيام “إسرائيل” في 14 مايو 1948م؛ وبذلك تتساوى الدول العربية مع  الكيان الصهيوني في القيام بجريمة الإجلاء القسري؛ فالدول العربية أجلت اليهود و”إسرائيل” قامت بإجلاء عرب من فلسطين؛ وذلك لتصل “الصفقة المشئومة” إلى الأهم وهو المساواة بين اللاجئين الفلسطينيين الذين أخرجوا كرها من بيوتهم ووطنهم بقوة سلاح العصابات اليهودية باللاجئين اليهود الذين تتحدث الصفقة عنهم وهي رواية تم اختلاقها من العدم لأسباب تتعلق بالأمن القومي للكيان الصهيوني في سنوات غرزه الأولى في المنطقة العربية. و«معلوم أن عمليات استيلاء الصهاينة على أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم رافقتها عملية تغيير ديمغرافي ممنهجة، ففي جميع حالات الاستيلاء كانت (الحكومات الإسرائيلية) تجلب أعداداً من اليهود من مختلف أنحاء العالم ليحلوا مكان السكان العرب الفلسطينيين أصحاب الأرض والحق.  وبدأت هجرة أو تهجير اليهود من الدول العربية إلى إسرائيل خلال السنوات الأربع التالية لقيامها عام 1948، والغالبية العظمى لهؤلاء أتت من اليمن والعراق وشمال أفريقيا، وحتى عام 1952 كان لا يزال يعيش في دول الشرق الأوسط نحو 750 ألف يهودي. والثابت أن هجرة اليهود من الدول العربية إلى إسرائيل لم تكن “هجرة إنقاذ من الإبادة والفناء” كما وصفها ديفد بن غوريون (أول رئيس وزراء لإسرائيل). فاليهود العرب لم يكونوا معرضين لهذا الخطر الذي تعرض له يهود أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية أيام النظام الألماني النازي. لكن مؤسسي  الكيان الصهيوني حرصوا على المبالغة في وصف “الأخطار” التي تتربص بيهود العالم إجمالا والدول العربية خاصة، محذرين إياهم من إمكان تعرضهم لكارثة إبادة جديدة لدفع هؤلاء إلى الهجرة، التي اعتبرت في السنوات الأولى لتأسيس (إسرائيل) أهم عنصر من عناصر “الأمن القومي والقوة العسكرية” لها».([2]) ومن الثابت أن…

تابع القراءة

مطلب الحكومة السودانية ببعثة أممية خاصة بين الدوافع والانتقادات

أرسل رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إلى الأمم المتحدة، خطابًا، يطلب فيه إنشاء بعثة أممية لدعم السلام، بموجب الفصل السادس من ميثاق المنظمة الدولية، على أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان. وقد أثار هذا الخطاب العديد من الانتقادات والتساؤلات حول دوافعه، خاصة وأنه يأتي بعد أيام قليلة من لقاء رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان مع رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتيبي بأوغندا، وهو اللقاء الذي لم تهدأ الانتقادات له بعد، كما لم تتوقف التساؤلات حول دوافعه ونتائجه.   طلب حمدوك بين الدعم والرفض: قام رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك بإرسال خطاب إلى الأمين العام للأمم المتحدة نهاية يناير 2020، جاء فيه “يطلب السودان من الأمم المتحدة أن تسعى إلى الحصول على ولاية من مجلس الأمن لإنشاء عملية لدعم السلام بموجب الفصل السادس في أقرب وقت ممكن، في شكل بعثة سياسية خاصة، تضم عنصرًا قويًّا لبناء السلام، وينبغي أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان”[1]. وأوضح البراق النذير الوراق السكرتير الصحفي لرئيس الوزراء السوداني، أن “الطلب يأتي في أعقاب النقاشات التي تدور في أروقة الأمم المتحدة خلال هذا الشهر (فبراير) حول ترتيبات ما بعد بعثة اليوناميد، على أن يكون وجود الأمم المتحدة في السودان، متكاملا ومتوائمًا من الناحية الإستراتيجية، وتحت قيادة واحدة”.‎ و”يوناميد” التي تنتشر في دارفور منذ مطلع 2008، تعد ثاني أكبر بعثة حفظ سلام أممية؛ إذ تجاوز عدد أفرادها 20 ألفًا من قوات الأمن والموظفين، قبل أن يتبنى مجلس الأمن، في 30 يونيو 2017، خطة تدريجية لتقليص عددها. وفي 31 أكتوبر 2019، اعتمد مجلس الأمن قرارًا بتمديد ولاية البعثة عامًا إضافيًّا. ومنذ 2005، يخضع السودان للفصل السابع وفق قرارات مجلس الأمن، الذي يجيز استخدام القوة العسكرية والعقوبات السياسية والاقتصادية ضد البلد المعني، أو أي أفراد يهددون الأمن والسلم، فيما يمنح الفصل السادس الذي تطالب الحكومة السودانية به، إمكانية تكوين بعثة أممية خاصة لدعم السلام، تشمل ولايتها كامل أراضي البلاد، دون أن تشمل قوات عسكرية[2]. وقد انقسمت المواقف حول طلب حمدوك ما بين مؤيد ومعارض، وقد تمثلت أبرز الانتقادات التى وجهت لهذا المطلب في[3]: 1- حالة التعتيم الذي رافق الخطاب، فحمدوك بعث بالخطاب في 26 يناير 2020، لكن لم يكشف عنه للرأي العام إلا بعد مرور 15 يومًا. 2- عدم استشارة المكونات السياسية في البلاد أو الخبراء المختصين بشأن جدوى الخطوة وتداعياتها السياسية والأمنية، ولا يعرف حتى اللحظة إذا ما كان مجلس الوزراء قد ناقش الطلب ووافق عليه، أو هو مجرد قرار فردي من رئيس الوزراء. 3- أن ذلك يعتبر نوعًا من الاستعمار الجديد، وتعليقًا لسيادة السودان، ويضعها تحت الوصاية الدولية، ويسلم مقاليد شأن السودان الدستوري لمجلس الأمن؛ لأن الطلب يعطي مجلس الأمن صلاحيات المحكمة الدستورية، ويجعله قيمًا على سلامة إنفاذ الوثيقة الدستورية، ويضع مؤسسات السلطة الانتقالية تحت قيادة البعثة الأممية المقترحة. فضلا عن أن مجلس الأمن سيمكن البعثة الأممية من التدخل في كافة الأجهزة الأمنية في السودان كله، سواء كانت الشرطة أو الجيش، من حيث تركيبها أو مهامها، كما أن تلك البعثة قد تضم عناصر استخباراتية، يدخلون السودان بأجهزة متطورة لا يمكن السيطرة عليها. 4- تبرير الاستعانة بالبعثة لتحقيق السلام هو أمر في غير محله، فالأمم المتحدة لم تنجح في تحقيق السلام في دارفور؛ حيث فشلت في حماية نفسها من الهجمات، واعتمدت على الجيش السوداني في ذلك، وعجزت عن حماية المدنيين في أبيي، هذا دون إغفال فشلها في دول مثل العراق وفلسطين وليبيا وأفغانستان وسورية. فضلا عن أن البعثات الأممية غالبًا ما تنحاز للحركات المسلحة أو المجموعات التي تدعي التهميش، وعليه كان يمكن الاكتفاء بالاستعانة بوكالات الأمم المتحدة بشأن النازحين واللاجئين. 5- أن حكومة حمدوك هي حكومة انتقالية، لا يحق لها اتخاذ مثل تلك القرارات المصيرية التي تقتصر على الحكومات المنتخبة، فضلا عن أن مثل هذا القرار قد يتسبب في إثارة الخلاف بين المكون العسكري والمدني في السلطة الانتقالية، خاصة إذا كان هذا القرار من قبل حمدوك جاء بدون التشاور مع وزيري الدفاع والداخلية؛ لأن هذا القرار يعني أن هناك انهيارًا في الجيش والشرطة، وحاجتهما لإعادة التشكيل والتدريب والإشراف الدولي. 6- أن هذا الطلب لا يتم إلا إذا كانت البلاد في حالة حرب، أو أن يكون هناك انهيار لمؤسساتها، بينما السودان لا تزال متماسكة، ولها جيش وشرطة وجهاز أمن، ولها مؤسسات قضائية وتنفيذية.   بينما تمثلت أبرز المبررات التي قدمها المؤيدون لتلك الخطوة، والتي قدمها بالأساس السفير عمر صديق مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة، في[4]: 1- أن هذه الخطوة هي جزء من عملية السلام التي تقودها الحكومة الحالية، والتي تقوم بمحادثات سلام حاليًّا في جوبا مع الأطراف المسلحة. وأنه يحق للسودان طلب مساعدة المجتمع الدولي في ذلك الأمر؛ باعتبارها دولة عضوًا في الأمم المتحدة، مثلها مثل كل دول العالم، وميثاقها يحتم عليها دعم الدول الأعضاء، خاصة تلك الخارجة من النزاعات. ويوضح الخطاب الذي أرسله حمدوك احتياجات السودان لجعل السلام مستدامًا بدعم من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، خاصة وأن تلك الاحتياجات تفوق إمكانات السودان المالية والفنية، وتتمثل تلك الاحتياجات في: أولا: بعد السلام سيعود اللاجئون والنازحون إلي ديارهم، وأعدادهم تصل إلى ما يربو على ثلاثة ملايين. فهل بإمكان الوضع الاقتصادي الحالي معالجة إعادة توطين هؤلاء، وتوفير أسباب الحياة الكريمة لهم، أم أن يتم ذلك بمساعدة من المجتمع الدولي؟ ثانيًا: أن المحاربين في الحركات المسلحة يقارب عددهم المليون .. هذا العدد في حاجة إلى معالجة أوضاعهم؛ إما بالإدماج في القوات النظامية، أو إخضاعهم لما يسمى بـال DDR، وهو برنامج التسريح ونزع السلاح والإدماج في الحياة المدنية، عبر تدريبهم لقيادة حياة مدنية مقنعة ومريحة لهم؛ حتى لا يعودوا لحمل السلاح مجددًا. وهذا برنامج فني معقد ومكلف ماليًّا، ولدى الأمم المتحدة الخبرات، ولديها الاستطاعة في جلب الموارد المالية من الدول ومؤسسات التمويل الدولية. ثالثًا: مناطق النزاع -مثل دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وشرق السودان- بها العديد من حقول الألغام، ينبغي نزعها، وهذه عملية مكلفة وتحتاج لجهد فني. ولا يتعدى ثمن اللغم الواحد الخمسة دولارات، أما تكلفة نزع اللغم الواحد فتتعدى الخمسمائة دولار، هذا خلاف خطورة العملية. 2- أن الوجود الأممي الحالي في السودان -سواء في دارفور أو في أبيي- هو قوات حفظ سلام وفقًا للفصل السابع من الميثاق، وهو ما يبيح استخدام القوة؛ باعتبار أن الحالة تشكل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين. بينما ما طلبه رئيس الوزراء هو بعثة سياسية خاصة، وفقا للبند السادس من الميثاق، وهذا معمول به؛ تمهيدًا لإنهاء بعثات حفظ السلام، وهو مطبق في كل الدول التي خرجت من نزاعات مثل كولومبيا وسيراليون وساحل العاج وليبيريا، وغيرها على سبيل المثال. 3- بحكم تشكيل البعثة السياسية الخاصة لن يكون المكون العسكري…

تابع القراءة

المشهد العراقي منذ بدء التظاهر رؤية موجزة

انطلقت تظاهرات محدودة العدد، تندد بنقل عبد الوهاب الساعدي القائد العسكري، الذي كان له دور كبير في هزيمة تنظيم داعش؛ حيث انتقل إلى وظيفة مكتبية هامشية، بقرار وصف بالفج والسافر. ولم تعرف الأسباب الحقيقية التي تم بناء عليها إعفاء الساعدي من مهامه. وإن كان الساعدي قد أورد في تصريحات له لوسائل الإعلام أنه تلقى إجابة بخصوص ذلك من قبل رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، فسر فيها أن الإعفاء يدخل في إطار إداري عادي، تم نقله بموجبه إلى إدارة وزارة الدفاع. لكن وسائل إعلام مختلفة تناقلت، بأن قياديين في فصيلين من “الحشد الشعبي”، المقرب من إيران، مارسا ضغوطًا لإبعاد الساعدي من قيادة قوات مكافحة الإرهاب، وتنصيب إحدى الشخصيات العسكرية المقربة من إيران. وفي رد منه، علق الساعدي بأن الإقالة هي “إهانة له ولرتبته العسكرية”، مذكرًا بدوره الكبير في قيادة قوات مكافحة الإرهاب بالقول: “لم أجلب رتبتي من الشارع، وجميع الضباط في قيادة القوات الأمنية الآن، تدربوا على يدي في كلية الأركان. مفضلا أن يحال على التقاعد بدل نقله بهذه الطريقة من مسؤولية الإشراف على قوات مكافحة الإرهاب إلى الإدارة في وزارة الدفاع[1]. رفعت التظاهرات راية رفض التدخل الإيراني في الشأن العراقي؛ حيث أكد المحتجون أن طهران هي من تقف وراء هذا القرار، بدعوى وجود علاقة تجمع المخابرات الأمريكية بالساعدي. سريعًا، تحولت التظاهرات المحدودة إلى انتفاضة شعبية كبرى، دخلت فيها شرائح اجتماعية متعددة، ورفعت سقف مطالبها الاقتصادية والاجتماعية، إلى مطالب سياسية، تستهدف إزاحة النخبة السياسية القائمة برمتها. لقد كانت التحولات سريعة، وسقف المطالب في ازدياد، فالتظاهرات ركزت بعد شعلة البداية على مجموعة من الأهداف الاجتماعية والاقتصادية، التي تلمس السواد الأعظم من الشعب؛ حيث حاول رئيس الحكومة المقال عادل عبد المهدي، القبول بمطالب المحتجين، وقام بتعيين مئات الآلاف منهم، وحاول احتواء الغضب بتخفيض الأسعار، وبزيادة العلاوات، وبتقديم وعود بتحقيق باقي الأهداف. وبالرغم من عودة الآلاف من المفصولين من عملهم، وتعيين آلاف آخرين، إلا أن التظاهرات قد وصلت لمرحلة اللاعودة؛ نتيجة حجم القمع غير المسبوق الذي شهدته التظاهرات، والذي أودى بحياة العشرات. كما أن زيادة أهداف الحراك، تجاوزت فكرة القبول بمجموعة من الوعود التي لن تتحقق، بحسب زعمهم، والتي تكررت كثيرًا طوال الفترات الماضية، فكلما خرجت تظاهرات، انتهت بوعود تهملها الحكومة فيما بعد؛ لذلك أصبح الهدف الرئيس للحراك هو إزاحة النخبة السياسية القائمة برمتها؛ باعتبارها وليدة الاحتلال الأمريكي، ورهينة للسيطرة الإيرانية، وهو ما أفقد العراق استقلاله ومكانته في المنطقة. الرواية الإيرانية تتهم بالتآمر: كعادتها تصرح إيران أن التظاهرات المشتعلة حاليًّا في بغداد ليست طبيعية، وأنها بتحريك من جهات خارجية وأجندات صهيونية وأمريكية، ولا يؤخذ غالبًا على تصريحات طهران فيما يخص أي احتجاجات تظهر في العاصمة أو في العواصم التابعة لها، إلا أن المختلف هذه المرة هو تصريحات أردوغان، التي أيدت الرواية الإيرانية؛ بل ونصحها بأنه ثمة من يريد نقل الاحتجاجات من بغداد إلى طهران. وقال أردوغان: “دعوني أكن صريحًا .. لدينا تكهنات بشأن من يقف وراء هذه الاضطرابات .. كما أننا نظن أنه من الممكن أن تمتد هذه إلى إيران”. واعتبر أن “جدول الأعمال هو خلق انقسامات في العالم الإسلامي، وأن نقف ضد بعضنا بعضا .. فكروا في الأمر: اتخذ العراق مواقف ضدنا .. وحتى إيران اتخذت مواقف سلبية ضدنا .. وأشار أردوغان إلى الشعارات التي أطلقها المتظاهرون العراقيون ضد تدخلات النظام الإيراني، خاصة في المناطق ذات الغالبية الشيعية، والهجوم على قنصلية إيران في كربلاء، متسائلا: “من يقف وراء هذه الاضطرابات أثناء الاحتجاجات العراقية؟”. وأجاب: “نحن نظن بأن الذين بدأوا الاحتجاجات ويستمرون بها هم من يقفون وراء ذلك، وتحليلنا هو أنهم يخططون لمد هذه الاحتجاجات العراقية إلى داخل إيران[2]. من جهتها، علّقت طهران، على تحذير أطلقه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من امتداد أحداث العراق إلى إيران، معتبرة أنه “تحذير مهم جدًّا. جاء ذلك على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سيد عباس موسوي، في مؤتمر صحفي من طهران، قائلا: إن “تصريح السيد أردوغان عن إمكانية امتداد الاضطرابات إلى البلدان الأخرى في مكانه، وتحذير مهم؛ لأن بعض الأيادي الخفية تريد إحداث الخلاف والاضطراب في البلدان الإسلامية. وأشار إلى أن أردوغان “رأى هذه الأيادي الخفية بطريقة صحيحة. معربًا عن تقدير بلاده للرئيس التركي حيال التحذير[3]. ومن خلال هذه التصريحات والتجاوب معها، أخذت التحليلات تبحث عن مقصود الرئيس التركي، وبالفعل تلاه ظهور بعض الخيوط، عندما تمكنت الحكومة العراقية من القبض على بعض المسئولين الذين اتهمتهم بالتواصل مع الإمارات والسعودية؛ حيث أضافت الحكومة أن هذه الدول هي من تقود المؤامرة، وتقول إن هناك علاقة تواصل جمعت بين محمد بن زايد ومحمد دحلان وبين عبد الوهاب الساعدي، حيث انتشرت بعض المعلومات عن تحركات الساعدي قبل إزاحته من منصبه، فقد تواصل مع السفارة الأمريكية، وبالفعل كان يجهز نفسه للسفر لأمريكا، لا سيما وأنه يعرف بأنه الرجل العسكري الأهم في العراق من وجهة نظر البنتاغون، ولذلك قررت إيران الانتقام منه، بدعوى أن هناك تنسيقًا بينه وبين أمريكا والإمارات والسعودية وإسرائيل لإسقاط الحكومة في العراق، وسحب البساط من تحت أقدام طهران. التظاهرات والنخب السياسية: أعلن مقتدى الصدر مذ البداية دعمه للتظاهرات، رغم أن كتلة سائرون التابعة له، كانت هي من اختارت عادل عبد المهدي رئيس الوزراء السابق، ودعمته بكل قوة. لم يقبل المتظاهرون من البداية وجود مقتدى الصدر أو أنصاره، وظلوا على مطالبهم، برفض كل النخب السياسية، وبالفعل أصبح لكل منهم مكان للتظاهر، إلا أن التنسيق بينهم ظل قائمًا، وربما حدثت بعض التفاهمات، التي أدت إلى عودة الجميع في تظاهرة واحدة، إلا أن الصدر تفاجأ بهجوم المحتجين عليه مرة أخرى، وهو ما استفزه، واضطر للانسحاب بأنصاره، وتوجييهم نحو التظاهر أمام السفارة الأمريكية، لا سيما وأنه شن هجومًا كبيرًا على واشنطن بعد مقتل سليماني؛ لخشيته من تحويل العراق، لبؤرة حرب أهلية تدمر البلاد، حيث طالب أنصاره بالاستعداد لحماية العراق في حالة حدوث أي حرب. لم يمر موقف سب الصدر مرور الكرام، وسعى الصدر لإظهار أنه يمتلك مخالب وأنيابًا على أمريكا أن تحذر منها، وبالفعل قام بالتنسيق مع هادي العامري ذراع إيران في العراق، وقاموا بتشكيل حكومة علاوي، وأعلنوا دعمها سريعًا. وبصورة مفاجأة تمت تسمية رئيس وزراء جديد في بغداد، على غير الأعراف الدستورية الخاصة بتكليف رئيس الحكومة الجديد بمحضر رسمي، وخلال اجتماع يشارك به رئيس البرلمان ورئيس مجلس القضاء الأعلى، أعلن وزير الاتصالات الأسبق، محمد توفيق علاوي، توليه رئاسة الحكومة العراقية الجديدة بناء على ترشيح الرئيس برهم صالح، وذلك في تسجيل مصوّر بث على مواقع التواصل الاجتماعي[4]. يبدو أن التصدع الذي حدث في الاتصالات بين مقتدى الصدر وواشنطن كان أكبر مما توقعه الكثيرون، فقد ساهمت الانتقادات والهتافات المناهضة لتيار الصدر في الحراك العراقي في غياب الثقة بينه وبين الأمريكان، وهو ما دفعه للتظاهر…

تابع القراءة

مستقبل السلطة الفلسطينية في ضوء صفقة القرن

يبدو  الرفض الصارم  من  جانب السلطة الفلسطينية لصفقة القرن الأمريكية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حضور رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 28 يناير2020م طبيعيا وإن كان مشكوكا في مصداقيته؛ إذ من غير المتصور أن يكون للسلطة  موقف آخر؛ لكن الأكثر أهمية هو الأفعال والتي تتناقض تماما  مع هذه المبالغة في إبداء الرفض؛ ذلك أن أفعال السلطة في رام الله تصب نحو تكريس الصفقة وتمريرها  لا مواجهتها وإسقاطها. ورغم رفض (أبو مازن) للصفقة إلا أنه أبدى توافقا مع المطالب الأمريكية في نقطة واحدة هي استمرار الحرب على «المقاومة الفلسطينية المشروعة»، وخص بالذكر حركتي حماس والجهاد اللتين أعلن ترامب في مؤتمره العزم على قطع مصادر تمويلهما، فيما قال عباس في المؤتمر الذي عقد رداً على الصفقة: “إننا مستمرون في سياساتنا الحالية، ومتمسكون بالمفاوضات، وملتزمون بمحاربة الإرهاب”.([1]) وقبيل إعلان ترامب عن صفقة القرن، قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، إن السلطة الفلسطينية ستدرس الخيارات كافة، وضمنها مصير السلطة الوطنية، رداً على “صفقة القرن”، وأي قرار سيخرج سيكون مدعوماً عربياً ودولياً، في إشارة إلى خيار حل السلطة الوطنية التي تم تأسيسها وفقاً لاتفاق أوسلوا؛ ومن ثم تتحمل (إسرائيل) مسؤولية الاحتلال بشكل مباشر. وثمة عوامل كثيرة تؤكد هذه الشكوك وتثبت أن موقف السلطة مصطنع  ضمن سياسات  المراوغة  والمناورة منها: أولا، أن السلطة هي من وقعت اتفاقية “أوسلو” في 13 سبتمبر 1993م، برعاية أمريكية وهي الاتفاقية التي شرعنت احتلال الصهاينة لـ78% من أراضي فلسطين التاريخية، واعتبرت المقاومة المشروعة “عنفا وإرهابا” بحسب نص الاتفاقية، بل إن السلطة تعاونت ونسقت بشكل كامل مع الاحتلال طوال الـ25 سنة الماضية ضد جميع أشكال وصور المقاومة الفلسطينية، بل ألزمتها “أوسلو” بتجريم المقاومة وإكراه جميع الفلسطينيين على الاستسلام لمسار المفاوضات العبثية. كما نصت هذه الاتفاقية على نزع أي سيادة فلسطينية على الدولة الفلسطينية الوهمية فلا يوجد جيش فلسطيني ولا سيادة على الحدود والمعابر والسماء والمياه الإقليمية والاقتصادية، وتركت قضايا القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود لمفاوضات الوضع النهائي لكن أشارت إلى تقسيم القدس إلى “شرقية وغربية” وفي حق العودة  أشارت إلى “حق العودة مقرونا بحق التعويض” وهي مؤشرات تحمل  دلالات بإمكانية التنازل والتفريط مستقبلا. ثانيا، أبو مازن، رئيس السلطة حاليا، هو صاحب وثيقة “أبو مازن/ بيلين” وهي الملحق الذي سربته وسائل إعلام عالمية ونشرته صحيفة “القدس العربي”، والتي تتفق مع “صفقة القرن” المشئومة في معظم بنودها، ورغم نفي أبو مازن للوثيقة إلا انه اعترف بأن ثمة مقترحات عرضت بشأن الوضع النهائي.  وبحسب النص الحرفي لهذه الوثيقة التي تناولت تفاصيل ومقترحات حول مفاوضات الوضع النهائي بعد أوسلو ونصت على  أن القدس في  أبو ديس والعيزرية، والأماكن المقدسة تحت السيادة الإسرائيلية في إطار صيغة “الفاتيكان”، والمستوطنات الكبرى باقية، وفترة اختبار نوايا لعشرين عاماً، والدولة المستقلة منزوعة السلاح، وإلغاء الأونروا واستبدالها بهيئة جديدة لاستيعاب النازحين وتوطين اللاجئين في أماكن إقامتهم ودون صخب!  وهذا عين ما نصت عليه “الصفقة الأمريكية الملعونة”. ثالثا، ما أجبر السلطة على رفض الصفقة كذلك أن الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني ترفض هذه الصفقة الأمريكية، حيث  كشفت نتائج استطلاع رأي أجراه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والرأي العام بشأن صفقة القرن أن 94% من الفلسطينيين يرفضون الصفقة، ويرى 84٪ أنه على السلطة الفلسطينية التراجع عن اعترافها بإسرائيل، بينما 77٪ يؤيدون إنهاء التنسيق الأمني، و 78٪ من الفلسطينيين يؤيدون استمرار المظاهرات. بينما يرى 70% من الفلسطينيين أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن لا ينفذ ما يقوله. وفي تعليقها على هذه النتائج ترى القناة السابعة الإسرائيلية أن ذلك يمثل انتصار لخيار المقاومة المسلحة وإسقاطا مدويا لخيار المفاوضات قائلة «أغلبية كبيرة من الفلسطينيين يريدون سحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني ووقف العمل باتفاقية أوسلو واللجوء للعمل المسلح».([2]) رابعا، رغم  الزعيق والضجيج الذي يبديه أبو مازن رفضا للصفقة، فإنه اكتفى بهذا الصوت العالي دون أي فعل أو عمل مقاوم لهذه الصفقة يعزز مواجهتها وإسقاطها، فلم يجر أبو مازن أي إجراء يتماشى مع هذا الخطاب ولايزال التنسيق الأمني يتم على أعلى المستويات بين السلطة والاحتلال. ولم يتم حتى اليوم تفعيل قرار المجلس المركزي الفلسطيني الذي أقره في دورته السابعة والعشرين في 5 مارس 2015م،  بتعليق الاعتراف بإسرائيل ووقف التنسيق الأمني معها؛ وهو ذات القرار الذي تم اتخاذه في الدورة الثلاثين برام الله في 15 يناير 2018م وذلك ردا على اعتراف الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمة أبدية للصهاينة. وهو ذات القرار الذي اتخذه المجلس الوطني في 2016 و2017م وحتى التهديد الأخير، لكن كل هذه القرارات بقيت حبرا على ورق بسبب تجميد أبو مازن لها ورفضه الصارم الخروج من مربع “أوسلو”.([3]) خامسا،  تلويح أبو مازن بحل السلطة هو من قبيل المراوغة والطبل الأجوف والتهديد،  ذلك أنه في خطابه أمام الجامعة العربية  كشف عن حجم التنسيق الأمني حيث شن هجوما حادا على الولايات المتحدة الأمريكية لافتا إلى أن مفاوضات “أوسلو” جرت بإشرافه وإشراف شيمون بيريز بمعزل عن الأمريكيين، ليصل إلى نتيجة أنّ الولايات المتحدة تعيق الحل، وأنها لو تركت الفلسطينيين والصهاينة وحدهم لتوصلوا إلى نتيجة، كما حدث في اتفاق أوسلو؛ لكنه تجاهل بشكل تام دور الاحتلال في إعاقة التقدّم نحو حلّ متفق عليه وفق اتفاق أوسلو!، وفي الاجتماع ذاته، أعلن عباس أنه أبلغ الولايات المتحدة وإسرائيل وقف التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، مؤكّدًا أنهم بعد اليوم لن يحظوا بحماية، أو بمعلومات “أبو أبوهم ما بقدر يحصل عليها”!  وهو اعتراف نادر بحجم الخيانة مع الاحتلال والتأثير العنيف الذي يقوم به التنسيق الأمني لوأد وإجهاض المقاومة في الضفة المحتلة وربما تكون له عيونه في غزة، كما تكشف الدور الوظيفي القذر الذي تقوم به السلطة لحماية أمن الاحتلال. ذلك أن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال يعني بشكل مباشر الإقرار بالفشل التام لمسار المفاوضات والسلام الوهمي وفتح الباب على مصراعيه أمام جميع أشكال المقاومة وهو ما يستلزم إعادة النظر في بنية السلطة وأجهزتها الأمنية ووظيفتها؛ لأنه يمثل انتقالا بالمشروع الوطني الفلسطيني من مرحلة التيه إلى مرحلة الوعي والإدراك وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير وسحب الاعتراف بالاحتلال وإطلاق المقاومة الشعبية الشاملة في الضفة والقطاع المحاصر.  هو انتقال من مربع أوسلو إلى مربع الفعل الثوري المقاوم؛ وهو دور بلا شك  لا يبدو أن عباس مؤهل للقيام به.   مزيد من التركيع ومنذ رفض السلطة قرار الإدارة الأمريكية في 6 ديسمبر 2017 الاعتراف بالسيادة “الإسرائيلية” على القدس عاصمة أبدية؛ تأزمت العلاقة مع واشنطن ورام الله، عندما أعلن عباس أن الإدارة الأمريكية الراهنة لم تعد وسيطا عادلا كما يجب أن تكون، ولا ندرى متى كانت أمريكا وسيطا عادلا. وجاء الرد الأميركي على دفعات متسارعة، تمثلت في إغلاق مكاتب بعثة المنظمة والسلطة الفلسطينية في الولايات المتحدة، وإغلاق القنصلية الأميركية في القدس، وقطع المساعدات الأميركية…

تابع القراءة

المشهد السياسى عن الفترة من 9 فبراير إلى 15 فبراير

أولا: المشهد المحلى * المشهد الوطني: – كيف سيدير النظام مشهد الانتخابات البرلمانية .. ما حدث في الجيزة يخبرنا: توفي “محمد الدسوقي”، الذي كان يشغل عضوية البرلمان عن إحدى دوائر محافظة الجيزة، وأجرت الحكومة انتخابات تكميلية بهذه الدائرة، ترشح فيها “هشام دسوقي” نجل النائب المتوفى، ومحمد أبو العينين نائب رئيس حزب مستقبل وطن. وقد شهدت هذه الانتخابات تجاوزات ارتكبتها الحملة الانتخابية لـ “أبو العينين”؛ حيث اتهمه “الدسوقي” الابن بالبلطجة، ودفع رشى لشراء الأصوات، وتزوير الانتخابات، ووثقها بمقاطع مصورة، أظهرت جانبًا من الفوضى. وقد انتهى المشهد بفوز نائب رئيس حزب مستقبل وطن وفق المؤشرات الأولية للنتائج. فيما لم تعبأ وسائل الإعلام المحلية باتهامات المرشح المنافس “الدسوقي”، ولا بالمقاطع المصورة الخاصة بعمليات الرشاوى والبلطجة، والتزوير[1]. وقد رأى مراقبون فيما حدث: أنه “من الطبيعي جدًّا أن يحدث ذلك وأكثر، وهو يؤشر على ما سيحدث مستقبلا بشكل أكبر”، وأنه “لا يمكن الحديث عن انتخابات في ظل حكم عسكري استبدادي، فالبرلمان صنع في أروقة المخابرات والأجهزة الأمنية بشهادة الجميع، ولا يملك من أمره شيئًا”، وأن “تصرف أبو العينين طبيعي ومنطقي، فهو من بقايا دولة مبارك التي صنع برلمانها رجل الأعمال، أحمد عز (برلمان 2010)”. بالفعل قد تكون هذه الانتخابات التكميلية نموذجًا مصغرًا لما ستكون عليه الانتخابات البرلمانية، خاصة أن النسخة القادمة من الانتخابات البرلمانية ستكون بتنفيذ وإشراف الأمن الوطني، وباعتباره امتدادًا لـ “أمن الدولة” في عهد مبارك؛ فمن المرجح أنه سيلجأ لنفس الممارسات التي كان يعتمد عليها في تنظيم مسرحية الانتخابات في سنوات ما قبل الثورة (يناير 2011)، والتي بلغت نموذجها المثالي في انتخابات 2010. الملفت أن النظام الحالي يحرق مراحل كبيرة في فترات قصيرة نسبيًّا، فما صنعه نظام مبارك في العقد الثالث من سنوات حكمه الثلاثين بدأ النظام المصري الحالي يصنعه رغم عدم مرور 10 سنوات على نشأته. القبلية التي تحكم علاقة قوى المعارضة ببعضها .. عن اعتقال باتريك جورج: ألقت قوات الأمن المصرية القبض على باتريك جورج، الطالب المصري الذي يعد الماجستير في جامعة بولونيا الإيطالية، بمطار القاهرة الدولي خلال عودته من إيطاليا حيث يدرس، ثم اقتياده من قِبل قوة من الأمن الوطني إلى مكان غير معلوم حتى ظهوره أمام النيابة، متهمًا بـ «نشر وإشاعة أخبار كاذبة، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي» من واقع محضر تحريات المباحث، وقد عاد إلى مصر في ساعة مبكرة لزيارة أسرته، ولكن قوات الأمن بمطار القاهرة الدولي أوقفته[2]. لتقرر نيابة جنوب المنصورة الكلية في وقت لاحق حبس “جورج” ١٥ يومًا علي ذمة التحقيق، في المحضر رقم ٧٢٤٥ لسنة ٢٠١٩ إداري ثان المنصورة[3]. اعتقال باتريك جورج جزء من الممارسات القمعية التي يرتكبها النظام المصري بحق كل من يهتم بالشأن العام أو يمارس أي نشاط (بحثي، حقوقي، تنموي)؛ حيث يرى النظام في كثير من هؤلاء عدوًّا محتملا، خاصة أن نخبة الحكم لا تثق سوى فيمن يأتمر بأمرها وخرج من رحم أجهزتها الأمنية. من جهة ثانية تكشف الحملة المنددة باعتقال باتريك جورج الطبيعة القبلية للقوى الحقوقية والسياسية المصرية، وتظهر كيف نال الاستقطاب من وحدة هذه القوى، حتى في القضايا التي تبدو موضع اتفاق الجميع، مثل قضايا الحقوق والحريات، ورفض القمع والاعتقالات التعسفية، فنجد في حال اعتقال من هو محسوب على التيار المدني ينبري المحسوبون على هذا التيار في نداءات واعتراضات مستمرة على هذه الإجراءات، بينما يخيم الصمت على المحسوبين على التيار الإسلامي، وفي حال كان الموقوف محسوبًا على الإسلاميين يحدث العكس، حيث ينبري الإسلاميون في التنديد بما لحق بصاحبهم، فيما يلزم التيار المدني الصمت بصورة كبيرة، وبالطبع يبقى لكل قاعدة استثناء؛ لكن يبقى الاستثناء مؤشرًا على صدق القاعدة وحضورها القوي في الواقع. النقطة الأخيرة: أن الملف الحقوقي وانتهاكات النظام لحقوق الإنسان وحقوق نشطاء المجال العام هي من أهم الملفات التي يجب أن تشتغل عليها معارضة المنفى، من خلال كشف قبح ممارسات النظام بحق المجتمع والمواطنين أمام الرأي العام العالمي. خاصة أنه بحسب مراقبين، فإن أهم العوامل التي أدت إلى سقوط الانقلابات العسكرية في (الأرجنتين وتشيلي وإندونيسيا)، ثلاثة أمور: الأمر الأول: تراجع الدعم الدولي للنظم العسكرية في تلك البلدان، سواءً بفقدانها لإمكانية القيام بالدور الوظيفي المهم، أو للتجاوزات الحقوقية الكبيرة وإغلاق المجال السياسي بشكل كامل، بما يحرج المجتمع الدولي بالاستمرار في تأييد هذه النظم. الأمر الثاني: تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير؛ مما أدى إلى ضجر الشعوب، وتيقن المؤسسة العسكرية أن الضرر سيلحق بالمؤسسة العسكرية ككل في حال استمرار النظام العسكري في السيطرة على الحياة السياسية. الأمر الثالث: الملف الحقوقي، والانتهاكات التي مارستها تلك النظم العسكرية في حق الشعوب الثلاث، وعمومية هذه الانتهاكات إلى حد خارج نطاق تحمل الشعوب[4]. *المشهد السيناوي: قتلى ومصابون في سيناء .. ارتفاع جديد في وتيرة العنف والغموض سيد المشهد: قُتل سبعة جنود وأصيب سبعة آخرون في هجمات نفذها تنظيم «ولاية سيناء»، على ثلاثة كمائن تابعة للقوات المسلحة ضمن سلسلة كمائن «زلزال» الواقعة في محيط قرية الجورة جنوبي مدينة الشيخ زويد. الهجوم الأساسي تركز على ارتكاز «زلزال 15»، والذي نجح المهاجمون بعد مقاومة شرسة من أفراد التأمين في اقتحامه؛ ما أسفر عن سقوط قوة التأمين بين قتيل ومصاب، مشيرًا إلى أن القتلى بينهم ضابطان؛ أحدهما قائد الكمين برتبة نقيب، وآخر برتبة ملازم أول، وخمسة جنود، وجميع المصابين جنود[5]. الرواية الرسمية: قال المتحدث العسكري أن عناصر القوات المسلحة تمكنت من إحباط هجوم إرهابي على أحد الارتكازات الأمنية بشمال سيناء، وتمكنت قوة الارتكاز الأمني من التصدي للعناصر الإرهابية، والاشتباك معها، والقضاء على (10) أفراد إرهابيين، وتدمير عربة دفع رباعي تستخدمها العناصر الإرهابية، ونتيجة لتبادل إطلاق النيران تم إصابة واستشهاد ضابطين و(5) عسكريين آخرين[6]. رواية ولاية سيناء: أعلنت مسئوليتها عن الحادث، ونشرت بيانًا ذكرت فيه مقتل أربعة من مقاتليها، واستشهاد وإصابة 15 عسكريًّا[7]. الهجوم على ارتكازات «زلزال»، جاء بعد أيام قليلة من اشتباكات ضارية وقعت بين القوات المسلحة ومسلحين تابعين لتنظيم «ولاية سيناء»، بالقرب من قرية الجورة أيضًا، وأسفرت عن مقتل ضابط وأربعة جنود، وإصابة ثلاثة آخرين، أثناء محاولتهم تدشين ارتكاز جديد تابع لسلسلة خط ارتكازات «زلزال»[8]. وقد أجبرت القوات على الانسحاب تحت وطأة هجمات التنظيم[9]. ولم تقتصر الاشتباكات والقتل على مدينة الشيخ زويد، ولكن مدينة العريش العاصمة كان لها نصيب أيضًا؛ حيث قتل ضابط احتياط برتبة نقيب تابع لسلاح المهندسين وثلاثة جنود، أثناء محاولة تفكيك عبوة ناسفة جنوب شرق مدينة العريش، بحسب مصدر أمني[10]. كما كان لمدينة بئر العبد نصيب أيضًا؛ حيث قتل قائد اللواء 134 مشاة ميكانيكي التابع للفرقة 18 بالجيش الثاني المصري، ومرافقه، في تفجير استهدف سيارته على الطريق الدولي بمنطقة التلول شرق مدينة بئر العبد شمال سيناء[11]. يرى مراقبون أن الحكومة دشنت سلاسل من خطوط الارتكازات العسكرية الحَصينة، المقامة في مناطق نشاط «ولاية سيناء» الأساسية التي خرج منها،…

تابع القراءة

الأبعاد الأمنية في صفقة القرن.. قراءة في مستقبل غزة والمقاومة

بعد اتفاق أوسلو “1993م” وتشكيل السلطة الفلسطينية، يذكر المتابعون للشأن الفلسطيني أنه في عام 96، قامت حماس بسلسلة من العمليات الاستشهادية، ردا على عملية اغتيال قائد جهازها العسكري المهندس يحيى عياش، فأرسل رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك شمعون بيريز، مبعوثا خاصا إلى رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، هو “يوسي جينوسار” الرئيس السابق للمخابرات الداخلية (الشاباك) الذي أمضى 33 عاما كمحقق مع الفلسطينيين ومشرفا على تعذيبهم. وقد حاول “جينوسار” استثمار أجواء مؤتمر قمة “شرم الشيخ” الذي عقد آنذاك، وتخللته ضغوط شديدة على عرفات، ونقل إليه رسالة خلاصتها أن إنقاذ مستقبل بيريز ومنع وصول نتنياهو إلى السلطة أصبحا بيده شخصيا، ولذلك فإن عليه أن يقنع الرأي العام الإسرائيلي بأنه الشريك المناسب لأي تسوية سياسية؛ ولذلك يتعين على السلطة الفلسطينية أن تشن حربا لا هوادة فيها ضد حركة حماس ونشطائها، وسيكون مفيدا للغاية أن تدعي وسائل الإعلام وأطقم الشبكات التلفزيونية لمعاينة عمليات الاعتقال والمداهمة، والمعاملة القاسية لحماس. ونقل التلفزيون الإسرائيلي عن “جينوسار” قوله لعرفات: «عليكم أن تقوموا بعمليات «إبداعية» من أجل إقناع الرأي العام الإسرائيلي أنكم ستضربون حركة حماس بقوة، عليكم أن تحلقوا لحاهم ورؤوسهم! ومن أسف أن عرفات وقع في الفخ واستجاب للمطلب الإسرائيلي، وشن وقتذاك حملة تجاوزت الحدود التي طلبها مبعوث بيريز. كانت “أوسلو” مشروعا لوأد أي مقاومة فلسطينية، وعلى هذا المسار تأتي «صفقة القرن» وما تحتويه من بنود وتصورات تعتمد في فلسفة بنائها على الهاجس الأمني بشكل سافر؛ فالهدف ليس فقط هو الانحياز للكيان الصهيوني بمنحه القدس عاصمة  أبدية وغير مجزأة، وشرعنة المستوطنات التي بنيت بعد عدوان 1967م في عمق الأراضي الفلسطينية داخل الضفقة الغربية، أو حتى ضم غور الأردن الذي يمثل 30% من جملة ما تبقى من أراضي الضفة لإسرائيل، وليس إسقاط حق العودة لملايين اللاجئين في الشتات؛ بل يتعدى ذلك إلى هندسة الصفقة بشكل يجعل من الدولة الفلسطينية الوهمية الموعودة وأجهزتها الأمنية حارسا وظيفته الأساسية ليس حماية أمن واستقرار مواطنيه بقدر ضمان أمن الكيان الصهيوني؛ فأمن الاحتلال مقدم على أمن “فلسطين الوهمية” في تصورات صفقة القرن، وضمان استقرار الاحتلال له الأولوية على ما عداه في الصفقة الملعونة. الهاجس الأمني، يتجاوز حدود الدور الوظيفي لأجهزة الدولة الفلسطينية الوهمية الموعودة وفق تصورات الذين صاغوا الصفقة، بل تمتد أيضا إلى ترتيبات إقليمية وهندسة مستقبل المنطقة وفق تحالفات تجعل من جميع الدول العربية المنطوية تحت الصفقة خصوصا الدول المجاورة لفلسطين المحتلة وكذلك دول الخليج وتحالف الثورات المضادة، ضامنا لأمن واستقرار الكيان الصهيوني والعمل على دمج الاحتلال في المحيط الإقليمي وفق ترتيبات أمنية وسياسية واقتصادية تمتد إلى عقود طويلة تقوم على أساس التطبيع وشرعنة الاحتلال. القبول بهذه الصفقة على هذا النحو هو صك إذعان واستسلام تام؛ ووصفها بخطة سلام هو من قبيل العبث والتلاعب بالعبارات والألفاظ؛ ولعل هذا هو ما دفع صحيفة “النيويورك تايمز” الأمريكية إلى اعتبار الصفقة  ليس فقط غير مقبولة وتنحاز بشكل صارخ لإسرائيل، بل تستهدف  بالأساس المساهمة في فوز كل من ترامب ونتنياهو بالانتخابات المقبلة في كل من أمريكا و”إسرائيل”؛ بمعنى أنها جزء من الدعاية السياسية والانتخابية  لترامب ونتنياهو ولا يمكن اعتبارها بأي حال خطة تستهدف السلام؛ لأنها أبعد ما تكون عن السلام بمعناه الحقيقي. الحديث عن فشل الصفقة وعدم معقوليتها هو من قبيل الأوهام ما لم يأخذ المعنيون بالأمر الموضوع على محمل الجد؛ فقد كان «وعد بلفور» 1917م  من هذا القبيل مجرد وعد شخصي من وزير خارجية بريطانيا إلى شخص يهودي ليست له صفة رسمية؛ حتى تحول بفعل التصميم والإصرار والتآمر الدولي  إلى حقيقة وكيان اغتصب مجمل فلسطين التاريخية. يسهم في هذه المخاوف أيضا، أن ميزان القوى هذه الفترة مختل، وليس في صالح المخلصين لفلسطين وقضيتها، والتواطؤ والخيانة اليوم أكبر بكثير مما كانت عليه في العقود الأولى من القرن العشرين، وارتبطت مصالح الكيان الصهيوني بمصالح نظم حكم عربية قوية تمتلك المال والنفوذ والتأثير الإقليمي في ظل تغييب قهري للشعوب التي تئن تحت حكم دكتاتوري غير مسبوق؛ الأمر الذي دفع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في تصريحات إعلامية الاثنين 17 فبراير2020م خلال حملته الدعائية التي تسبق انتخابات الكنيست، إلى التباهي بحجم التطبيع والعلاقات العلنية والسرية التي تربط كيانه المغتصب بالدول العربية والإسلامية وأن معظم البلاد العربية والإسلامية تربطها بالاحتلال علاقات باستثناء ثلاثة دول فقط.   الأبعاد الأمنية «القضاء على المقاومة الفلسطينية» هدف رئيس وجوهري في «صفقة القرن» الأمريكية، التي تنص صراحة على تجريد المقاومة الفلسطينية في غزة من سلاحها وصولا إلى تفكيك بنية الحركات والمنظمات المقاومة على رأسها حركتي المقاومة الإسلامية “حماس” والجهاد الإسلامي، وحتى أذرع “فتح” المسلحة التي لا تنصاع للسلطة وتوجهات التحالف الصهيوني الأمريكي. الأمر الثاني أن الدولة الفلسطينية “الوهمية” التي يعد بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الفلسطينيين ستكون منزوعة السلاح؛ ولا تتمتع بالسيادة على أرضها أو سمائها أو حتى مياهها الاقتصادية والإقليمية، ومعابرها ومطاراتها وموانئها  تحت إشراف الاحتلال أو من ينوب عنه؛ فكل ذلك سوف يتولاه الاحتلال. هذه الدولة “الوهمية” ستكون بلا جيش يحميها؛ لأنها سوف تكون تحت وصاية الاحتلال من الألف إلى الياء. والبعد الثالث فيما يتعلق بالملف الأمني في هذه الصفقة الملعونة هو أن السلاح الخفيف الذي سيسمح به لأجهزة الأمن؛ سيكون الهدف منه هو حماية الاحتلال على غرار أجهزة السلطة الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو حتى اليوم، فدور هذه الأجهزة هو وأد أي شكل من أشكال المقاومة وإجهاض أي توجهات مستقبلية تهدد الاحتلال وأمنه واستقراره؛ «فالولايات المتحدة ــ بحسب نص الصفقة ــ  ستدعم إقامة دولة فلسطينية لكن بشروط: الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، ورفض الإرهاب (في إشارة لأعمال المقاومة) بجميع أشكاله، والموافقة على «الترتيبات التي تُلبي الاحتياجات الأمنية الحيوية لإسرائيل والمنطقة»، وبناء مؤسسات فعالة واختيار حلول عملية». وبحسب قيادات في المقاومة (الدكتور يوسف الحساينة حركة الجهاد) فقد أسفر التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة الأمنية والاحتلال عن إجهاض حوالي 40% من العمليات الفدائية والمقاومة ضد الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة خلال سنة 2019م. أما البعد الرابع في هذه الصفقة الأمريكية الصهيونية العربية الملعونة أنها تعتبر سلاح المقاومة شكلا من أشكال الإرهاب وتلزم الدولة الفلسطينية الوهمية التي يعدون بها أن تعلن بشكل واضح وسافر رفضها الصريح لهذه المقاومة تحت مسمى رفض الإرهاب؛ حيث تنص هذه الصفقة الملعونة على أن «أي حكومة فلسطينية ستتفاوض مع إسرائيل يجب ألا تضم أعضاء من حركتي حماس أو الجهاد الإسلامي أو غيرهما، ما لم تكن تلك الحكومة الفلسطينية (بما في ذلك أعضائها من حماس) تلتزم بشكل لا لبس فيه وصراحة باللا عنف، وتعترف بدولة إسرائيل، وترضى عنها إسرائيل تمامًا». خامسا،  الهدف من جعل الدولة الفلسطينية الوهمية مقطعة الأوصال ترتبط فيما بينها بعدة أنفاق وجسور؛ هو هدف أمني بامتياز؛ يسمح للاحتلال بالسيطرة المطلقة على هذه الدولة الوهمية والتحكم في القرار الفلسطيني بشكل مطلق؛ وإجبار…

تابع القراءة

سحب جائزة «أوبرا دريسدن».. محاكمة ألمانية  للسيسي تنتهي بالإدانة

يوم الأحد 26 يناير2020م، تسلم رئيس  الانقلاب عبدالفتاح السيسي، وسام “سانت جورج” هذا العام، من مهرجان دار أوبرا “زيمبر أوبر” Semperopernball بمدينة  دريسدن الألمانية، وسلَّم الجائزة هانز يواخيم، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الألمانية والوفد المرافق له. الجهة التي قدمت الجائزة للسيسي بررت ذلك بجهوده الحثيثة في شتى المجالات خلال السنوات الماضية، خاصةً على صعيد استعادة الأمن والاستقرار في مصر في ظل محيط إقليمي مضطرب، فضلاً عن الدور الريادي في تحقيق التطلعات التنموية للقارة الأفريقية بأكملها، إضافة إلى دوره في مكافحة الهجرة غير الشرعية، والتي كان لها أكبر الأثر على أمن واستقرار أوروبا، لكن الأكثر دهشة أنها أعربت عن تقديرها لجهوده في نشر ثقافة وقيم التعايش السلمي وقبول الآخر وحرية الاعتقاد والتسامح. لا يمكن تفسير ذلك إلا باعتباره نموذجا من نماذج الجهل بمجريات الأمور في مصر وإفريقيا إذا افترضنا البراءة في موقف الجهة الألمانية، أو أنها تمثل نموذجا مفضوحا لدعم جهات غربية للطغيان والاستبداد وقيم الإقصاء والقمع والظلم؛ ذلك أن مصر منذ برز السيسي كقائد للثورة  المضادة في منتصف 2013م، لم تشهد سوى لغة التطرف والعنصرية والكراهية؛ الأمر الذي  أفضى إلى تمزيق النسيج المجتمعي على نحو مخيف وغير مسبوق ويحتاج إلى عشرات السنين لمحو آثار عدوانه على المجتمع وجيل ثورة 25 يناير. السيسي بالطبع احتفى بالجائزة وبالغ في إكرام الوفد الألماني، واعتبر ذلك برهانا على قوة العلاقات المصرية الألمانية التي تطورت خلال السنوات الماضية، كما عدها دليلا على تقدير العالم لدوره خاصة في مجالات الفن والثقافة والتقارب بين الشعوب. في مساء هذا اليوم؛ احتفت فضائيات النظام وكتائبه الإلكترونية بالجائزة الألمانية؛ ونظمت حملة تسويق واسعة النطاق واعتبرتها برهانا على تقدير العالم للسيسي ودوره محليا وإقليميا. وفي اليوم التالي، تصدرت صورة الطاغية السيسي وهو يتسلم الجائزة الألمانية أغلفة الصحف الحكومة والخاصة، وراحت مانشيتات وعناوين الصحف تزف البشرى لأنصاره وشلته بأن الزعيم استلم جائزة ألمانية تقديرا لجهوده الكبيرة في دعم الأمن والاستقرار والتنمية  بمصر وإفريقيا؛ وجاء في مانشيت “الأهرام” «إشادة ألمانية بجهود السيسي في تحقيق الاستقرار والتنمية بمصر وإفريقيا .. الرئيس يتسلم وسام “سان جورج” ويؤكد دعم التعاون الثقافي بين البلدين»، وفي «مانشيت اليوم السابع»:.. (السيسى يتسلم وسام «سان جورج» الألمانى تقديراً لجهوده فى تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية).   محاكمة ألمانية للسيسي ولدار الأوبرا في هذه الأثناء، تعرضت دار أوبرا “زيمبر أوبر” Semperopernball بمدينة  دريسدن الألمانية، التي منحت الوسام للسيسي لحملة انتقادات واسعة، في الأوساط السياسية والثقافية والحقوقية في ألمانيا، ما دفع جهة منح الوسام للدفاع عن قرارها.([1]) أولا، انتقد فرع منظمة العفو الدولية بولاية ساكسونيا في تغريدة على حسابه في موقع تويتر منح الوسام للسيسي واعتبر ذلك “تشجيعاً” لمن “يقمع النقد بالقوة، والمسؤول عن التعذيب والتعسف والاعتقالات ويدوس على حقوق الإنسان بالأقدام”. وأضاف مخاطبا جهة منح الوسام “نحن لا نتفهم إطلاقا قراركم هذا”. ثانيا، كتب النائب في البرلمان الألماني (البنديستاغ) عن مدينة دريسدن في تغريدة يقول “بعد أن حصل أحد أفراد العائلة السعودية المالكة وبوتين، جاء الآن دور السيسي لينال جائزة مهرجان زيمبر أوبر. إنه ضرب من السذاجة وضعف البصيرة. أنا مصدوم”. ثالثا، صحيفة “سكسيشه إس تست” تناولت موضوع منح الوسام للسيسي بطريقة نقدية، وكتبت متسائلة “لماذا يمنح ديكتاتور وسام مهرجان زيمبر أوبر؟”. رابعا، طالب ديرك هيلبرت عمدة مدينة درسدن الألمانية بإيضاح معايير حصول السيسي على الوسام. وأعلن أنه  يدرس عدم المشاركة في مهرجان دار أوبرا “زمبر أوبر” هذا العام (في 7 فبراير 2020) بعد منح السيسي وسام المهرجان هذا العام. خامسا، طالب كل من النائب البرلماني كاي جيرينغ، العضو في لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، عن حزب الخضر، و ايرهارد غروندل، الخبير الثقافي، رئيس دار أوبرا “زمبر أوبر” بالعدول عن قرار منح الوسام للسيسي، وذلك أيضا من أجل تفادي الأضرار التي قد تلحق بدار الأوبرا “المرموقة”، وقالا إن “السيسي مستبد ومعاد للديمقراطية بشكل لا تشوبه شائبة”، وإن منحه الجائزة يعد “إهانة” لجميع المنتقدين السلميين لنظامه. سادسا، أعلن عدد من وسائل الإعلام الألمانية مقاطعة المهرجان كان أولها قناة MDR، ثم تبعتها صحيفة “زيكزيشه تسايتونج” التي كانت على مدى سنوات طويلة شريكا إعلاميا للمهرجان، حيث قالت مجموعة DDV الإعلامية المالكة للصحيفة، على حسابها بموقع تويتر: “إن عدم احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حق التعبير عن الرأي بحرية، لا يتفقان مع موقف دار النشر وفهمها لذاتها، ومع مجالس تحريرها”.   اعتذار غير كاف أمام عاصفة النقد الضارية، دافع المدير الفني لـ”أوبرا زيمبر”، هانز-يواخيم فراي عن قرار اختيار السيسي، وقال في تصريحات لإذاعة وسط ألمانيا في ساكسونيا: “لدينا كشعار على وسام سانت جورج عبارة تقول ضد التيار، وهذا يعني أننا نتخذ أيضاً قرارات مهمة للغاية تتعلق بالتطورات المستقبلية”(ربما كان يشير إلى دور السيسي في صفقة القرن الأمريكية التي تم الإعلان عنها بعد منح الوسام للسيسي بيومين فقط). مضيفا أن هناك رغبة في “بناء جسور ثقافية لخلق لغة وسطية بين المناطق عبر الثقافة”. كما برر اختيار السيسي بأن الوسام ليس تكريما سياسيا بحتا، لأن الجهة المانحة ثقافية بحتة. وأضاف أن الأمر يتعلق في أنه سيتم افتتاح متحف وطني كبير في القاهرة يحتضن الحضارة المصرية. إضافة  إلى أن القاهرة ستشهد أيضا نهاية العام الجاري افتتاح دار أوبرا جديدة. هذه الدفوع الهشة، لم تقنع أحدا، وارتفعت مستويات النقد؛ الأمر الذي أجبر رئيس الدار في 29 يناير2020م على الاعتذار عن منح السيسي وسام المهرجان، معترفا أن ذلك كان خطأ. وقال مدير دار أوبرا دريسدن: «نود أن نعتذر عن هذا المنح للوسام وأن نتبرأ منه، لقد كان منح الوسام خطأ». ([2])   مقاطعة شاملة أمام الاعتذار غير الكافي من جانب دار الأوبرا الألمانية،  واصل مناصرو الحريات والديمقراطية انتقادهم وهجومهم اللاذع للدار([3]): أولا، أعلن مغني البوب “رولاند كايزر” ويوديت راكرس المذيعة في القناة الأولى بالتلفزيون الألماني أنهما يعيدان التفكير في قرار إحياء المهرجان وذلك كرد فعل على منح الوسام للسيسي؛  حيث كتبت راكرس على حسابها بموقع تويتر تقول: “استثارني هذا المنح جدا، وأنا في نقاش منذ ذلك الحين، بصفتي مقدمة الحفل، بشأن ما يجب أن يترتب على هذه الخطوة”. وجاءت تغريدة راكرس عبر موقع تويتر قبل اعتذار فراي. وقال كايزر عبر حسابه على موقع فيسبوك إن “الحدث الثقافي الصاخب” تحول إلى “حدث سياسي”، مضيفا أنه ومنذ الإعلان عن منح الوسام للسيسي فإنه “في نقاشات بشأن النتائج المترتبة بالنسبة لي على المنح”. ثانيا، أعلن مؤسس شركة ساب الألمانية للبرامج الحاسوبية عدم مشاركته في المهرجان؛ ورأى أن منح دار الأوبرا، وسام القديس جورج للسيسي “ألقى بظلال مظلمة” على الحفل الذي تقيمه الدار، وقال إن منح هذا الوسام للسيسي أصابه بالدهشة، ولكنه قرر في البداية، وبعد اعتذار الأوبرا علناً عن هذه الخطوة، المجيء إلى درسدن لحضور الحفل، قبل أن يستقر رأيه على عدم الحضور….

تابع القراءة

تركيا بين إدلب وطرابلس.. حان وقت المواجهة

بقلم: حازم عبد الرحمن أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مهلة لقوات نظام الأسد في إدلب للانسحاب إلى خلف نقاط المراقبة التركية قبل نهاية فبراير الحالي، مؤكدا أن الجيش التركي سيضطر لإجبارها على ذلك, وقد دخلت حشود عسكرية تركية غير مسبوقة إلى إدلب مع تصميم واضح على حماية المدنيين وجعل إدلب منطقة آمنة بالنسبة لتركيا ولسكان المحافظة. وفي تصريح آخر هدد إردوغان بأن بلاده ستدعم حكومة الوفاق الليبية للسيطرة على البلد بأكمله، في حال لم تفضِ المساعي الدولية لحل عادل في ليبيا, ويأتي ذلك ردا على إعلان الاتحاد الأوروبي إطلاق عملية بحرية وجوية جديدة في البحر المتوسط لتطبيق حظر الأسلحة المفروض على ليبيا. وبالنسبة إلى تركيا فإن روسيا هي القاسم المشترك بين حربي سوريا وليبيا؛ فالقوات الروسية تقاتل المعارضة دفاعا عن نظام بشار الأسد الدموي, وتقصف المدنيين والمستشفيات؛ ليهاجر الملايين في الشمال إلى الحدود مع تركيا التي يقيم بها أربعة ملايين لاجئ سوري تقريبا, ولا يمكنها استقبال المزيد؛ ما يمثل ضغطا كبيرا عليها, كما أن هناك اتفاق “سوتشي” الذي يؤكد ضرورة الحفاظ على منطقة خفض التصعيد، وتعزيز نقاط المراقبة التركية، ومسئولية روسيا تحديداً في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع أي عمليات عسكرية أو هجمات ضد إدلب، من أجل الحفاظ على الوضع القائم سابقاً, لكن روسيا تتذرع بأسباب متعسفة لتحقيق هدفها النهائي في دعم الأسد لبسط سيطرته على مزيد من الأراضي، ولم تلتزم بأهم بنود الاتفاق المتمثّلة في المحافظة على منطقة خفض التصعيد، وإجبار الأسد على وقف العمليات العسكرية, بحجة أن من حق الأسد بسط سيطرته على كل التراب السوري, مع أن هذا التراب مستباح من دول عديدة, أولها أمريكا, وليس آخرها فرنسا؛ فلماذا التوجه إلى تركيا تحديدا بالرغم من اتفاق “سوتشي”؟, ولم تكن قوات بشار تجرؤ على مهاجمة نقاط المراقبة التركية إلا بضوء أخضر روسي, وهو أمر واضح لا يحتاج إلى دليل, ويتطلب مواجهة روسيا بدورها الخطير في قصف المدنيين في إدلب, ما تسبب في هجرة مليون منهم إلى الحدود التركية, وهو استفزاز من نظام الأسد لتركيا بدعم روسي؛ فلم يكن أمام تركيا إلا الحشد العسكري في إدلب حفاظا على اتفاق “سوتشي” من الانهيار وحماية المدنيين الذين يمثل خروجهم إلى حدود تركيا تهديدا لها. وفي ليبيا تقاتل قوات “فاجنر” الروسية إلى جانب المرتزقة ضمن ميليشيات الانقلابي خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق الشرعية المعترف بها دوليا والتي تدعمها تركيا, وقد بلغ التآمر الدولي على حكومة الوفاق مداه؛ حيث يتلقى حفتر دعما غير محدود من محور الثوة المضادة أبو ظبي والسعودية والانقلاب في مصر, وكذلك الدول الأوروبية, وحفتر نفسه عميل للمخابرات الأمريكية, وتلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كشف عن دعم أمريكي للانقلاب على الشرعية في ليبيا, وعندما ذهب إلى موسكو لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع حكومة الوفاق, انسحب وغادر موسكو ليلا رافضا التوقيع, وكان تعليق روسيا فقط إنها ستواصل العمل من أجل التوصل إلى تسوية في ليبيا؛ إذن فهي تمارس لعبة أخرى خلاف ما تم الاتفاق عليه مع تركيا, وبالرغم من أنه قد بدا أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يتوجسان من الوجود الروسي في ليبيا إلا أنهما لا يرحبان بالوجود التركي أيضا؛ فأعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيطلق عملية بحرية جديدة في البحر المتوسط،؛ لمراقبة تطبيق حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا, وكان رد تركيا بأنها ستدعم حكومة الوفاق الليبية للسيطرة على البلد بأكمله ما لم يتم وصول المساعي الدولية إلى حل عادل, وإن الاتحاد الأوروبي لا يملك أي صلاحية لاتخاذ قرار بشأن ليبيا، والحقيقة أن الخطة الأوروبية المقترحة ستفشل وسيستفيد منها حفتر فقط، خاصة على الحدود البرية والجوية بالمنطقة الشرقية حيث الحدود المصرية المفتوحة على دعم ميليشيات الانقلاب على الشرعية. *لحظة الحقيقة تاريخ العلاقات التركية الروسية لا يحمل الكثير من الود بين الدولتين, لكن المصالح والتوازنات الدولية جعلتهما يتقاربان في عدد من القضايا, ومن بينها المصالح الاقتصادية مثل مشروع السيل التركي الذي يهدف لبناء خطوط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا، مرورا بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية اليونانية، حيث تتم إقامة مستودعات ضخمة للغاز، ومن ثم يجري نقله للمستهلكين شرقي أوروبا ووسطها, كما يقترب عدد السياح الروس إلى تركيا من سبعة ملايين سائح, بخلاف الصادرات والواردات الكبيرة بين الدولتين, كما تجمع الدولتين علاقات تعاون عسكري ظهرت في إمداد موسكو أنقرة بأنظمة دفاع جوي حديثة من طراز “إس 400”, لكن ذلك لا يمنع تضارب المصالح, خاصة في سوريا وليبيا؛ فروسيا وأوروبا والولايات المتحدة يفضلون حاكما دكتاتورا في أي بلد؛ لينفذ التعليمات دون نقاش على غيره من الحكام المنتخبين بإرادة شعوبهم, وبالنسبة إلى روسيا فإن بشار الأسد سيقدم لها كل ما تريد خاصة وجودها في شرق المتوسط, كما سيدفع لها أيضا مقابل الحماية كل ما تريد؛ فأيهما أولى عند روسيا المطيع مثل بشار أم من يتعامل الند للند مثل تركيا؟ لا بد إذن من الاختلاف, وقد فشلت المفاوضات حتى الآن بين الروس والأتراك في الوصول إلى حل, واستمر قصف الطائرات الروسية لإدلب,  ومن الواضح أن المفاوضات المتعثرة، لا تشير إلى انفراجة قريبة، ما يعني مزيدا من التصعيد العسكري، ووفق هذه المعطيات، لم يعد أمام تركيا إلا الخيار العسكري لوقف تقدم قوات النظام، وهو الخيار الذي أكد عليه الرئيس التركي، مشيرا إلى أن بلاده تجري حاليا الترتيبات الأخيرة لإنهاء هجمات النظام السوري على إدلب، مؤكدا أنها مسألة وقت. *موقف واشنطن والناتو تناقضت التصريحات الأمريكية تجاه تطورات الأوضاع المتسارعة في مدينة إدلب بشمال سوريا؛ فقد قام وزير الخارجية مايك بومبيو بتعزية عائلات الجنود الأتراك الذين قتلوا في هجوم لقوات النظام السوري في إدلب, ودعا إلى وقف الاعتداءات المستمرة من قبل نظام الأسد وروسيا، وأكد وقوف بلاده إلى جانب تركيا الحليفة للولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي الناتو, وعلى العكس من ذلك عبر مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين عن موقف مغاير بالقول “نحن لنا تناول آخر يختلف عن الإدارات السابقة، ماذا علينا أن نفعل وسط هذه الهجمات على إدلب؟ هل نهبط عليهم من السماء ونطالبهم بوقف القتال؟”, وقد جرى اتصال هاتفي بين الرئيسين ترامب وأردوغان، وأعرب الأول للأخير عن بالغ شكره، جراء مساعيه للحد من كارثة إنسانية جديدة في إدلب, لكن الحذر دفع الرئيس التركي إلى التصريح بأن دعم واشنطن لموقف أنقرة في إدلب لا يمنح بلاده الثقة لأنها تختلف من يوم لآخر, وأعلن أمين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرج أن الناتو يدعم حليفته تركيا في إدلب. *حتمية الإصرار التركي يعتمد الموقف التركي على قوة الدفاع عن أمنه القومي بحماية مناطق خفض التصعيد في إدلب من القصف والتهجير إلى الحدود التركية, ومنع وقوع أزمة لاجئين, وهو يتضمن موقفا إنسانيا إزاء المدنيين في…

تابع القراءة

«كورونا» على أعتاب مصر.. مخاوف من تفشي العدوى وتأثيرات ضارة على الاقتصاد

حالة من الخوف والفزع تسود الأوساط المصرية في أعقاب الإعلان عن أول إصابة مؤكدة بفيروس “كورونا” المميت، بحسب بيان مشترك بين وزارة الصحة والسكان بحكومة الانقلاب ومنظمة الصحة العالمية، وذلك يوم الجمعة 14 فبراير2020م؛ وبحسب البيان فإن الإصابة لشخص لشاب صيني في  الثلاثينات من العمر، وأن الوزارة اتخذت إجراءات وقائية مشددة حيال المخالطين للحالة من خلال إجراء التحاليل اللازمة والتي جاءت سلبية للفيروس، كما تم عزلهم ذاتيًا في أماكن إقامتهم كإجراء احترازي لمدة 14 يومًا «فترة حضانة المرض»، لافتًا إلى متابعتهم دوريًا كل 8 ساعات وإعطائهم الإرشادات الصحية الواجب اتباعها، كما تم تعقيم المبنى الذي كانت تقيم به الحالة والمخالطون لها.([1]) وأفضت أزمة تفشي فيروس “كورونا” في الصين إلى خسائر كبيرة وذلك بعد أن تم وقف الكثير من النشاط الاقتصادي وغلق آلاف المصانع والحد الواسع من حركة الشحن البري والبحري والجوي، بخلاف الحجر الصحي الذي وضعته السلطات الصينية على مناطق بأكملها تحولت إلى مدن أشباح، وانعدمت فيها الحركة بعد أن كانت تموج بملايين البشر. وقدرت وكالة بلومبرج  الأمريكية المتخصصة في الاقتصاد خسائر الصين بحوالي 140 مليار دولار؛ لكن مع تزايد عدد الضحايا بشكل مخيف وعدم قدرة السلطات الصينية على احتواء الفيروس حتى اليوم؛ دفع خبراء عالميين في الاقتصاد إلى توقعات أكثر قتامة لاقتصاد الصين خلال المرحلة المقبلة. هذه الأوضاع المخيفة انعكست على الاقتصاد العالمي كله ومنه الاقتصاد المصري، ذلك أن حجم الاستثمار الصيني في مصر تجاوز الـ 7 مليارات دولار أمريكي. وفي يوم الثلاثاء 11 فبراير2020م، تقدم النائب حسن عمر حسنين، ببيان عاجل إلى حكومة الانقلاب بشأن المخاطر المتوقعة على الاقتصاد، من استمرار انتشار فيروس كورونا في الصين، ووقف الاستيراد منها. حيث أكد أن “كورونا” سوف يتخطى تأثيره من الصحة إلى الاقتصاد، حيث سيؤدي إلى خفض التجارة العالمية وهو ما سيؤثر على حركة السفن في قناة السويس، وحركة السياحة خاصة أن مصر أصبحت مقصدا سياحيا للصينين. وأوضح أن مصر تستورد من الصين عدة منتجات، مما ينذر بحدوث حالة من ارتفاع الأسعار لندرة المنتجات المستوردة من الصين، مما ينتج عنه أزمة كبيرة داخل السوق المصرى. وسجلت الصين حتى كتابة هذه السطور حوالي 1400 حالة وفاة ونحو 65 ألف حالة إصابة لفيروس “كورونا” المميت الذي تفشى في البلاد بدءا من 12 ديسمبر 2019م؛ والذي وضعت له الصحة العالمية اسما علميا جديدا «كوفيد-19 (COVID-19) وهو اختصار لـ Corona Virus Disease أي مرض فيروس كورونا ورقم 19 نسبة لعام 2019 حيث ظهرخلاله، وذلك خلال مؤتمر صحفي على هامش اجتماع في جنيف حول الفيروس الجديد ضم نحو 400 خبير. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فقد تجاوز عدد ضحايا “كورونا”  ضحايا وباء “سارس”  الذي تفشى في الصين أيضا بين عامي 2002 و2003م والذي أدى إلى وفاة “774” شخصا حتى تم احتواؤه. بخلاف الصين، تفشى الفيروس القاتل في حوالي 30 دولة وأدى إلى حالتي وفاة ونحو 400 إصابة. أما المصريون الذين تم ترحيلهم من ووهان الصينية مصدر الوباء وعددهم حوالي “300” ،  فقد تم وضعهم في مستشفي مخصص لذلك وسط  أنباء تؤكد أنهم وضعوا في حجر صحي تابع لقاعدة محمد نجيب العسكرية بمحافظة مرسي مطروح في الشمال الغربي من البلاد. وعند رصد مضامين التناول الإعلامي ومفرداته  في منظومة الإعلام التابعة لنظام الانقلاب في مصر لأزمة تفشي فيروس “كورونا” المميت في الصين، يمكن الجزم بأن التوجيهات صدرت من المخابرات العامة وأجهزة السيسي الأمنية المشرفة بشكل مباشر على جميع وسائل الإعلام بعدم تناول الموضوع بشكل سلبي يمكن أن يتسبب في حالة من الخوف والفزع، بل على العكس، فإن الصحف والفضائيات والمواقع التابعة للنظام شنت حملة هادئة للحد من هذه المخاوف والتقليل من حجم التداعيات الكارثية للفيروس القاتل على الصين. بخلاف الجزم بعدم تناول أي تقارير  سلبية حول تأثيرات الفيروس الضارة على الصين والتي تنعكس بشكل مباشر على الوضع الصحي والاقتصادي في مصر سواء ما يتعلق بالسياحة أو الاستيراد أو حالة الارتباك الملاحي في قناة السويس؛ بعد أن تم وقف عمليات الشحن البحري في الموانئ الصينية؛ بما يؤدي حتما إلى تراجع إيرادات قناة السويس. ورغم هذه التشديدات لكن تقارير قليلة تم رصدها في إعلام النظام تناولت بعض هذه الأضرار مع تحفظ شديد في الصياغة بما لا يغضب أصحاب النسور اللامعة في دهاليز المخابرات.   مخاطر انتقال الفيروس الخطر الأكبر من هذه الأزمة هو انتقال الفيروس إلى مصر؛ في ظل الإعلان عن أول حالة إصابة يوم الجمعة 14 فبراير2020 لشخص صيني، في ظل خطورته الشديدة والذي جعل العالم كله يقف عاجزا أمام قدرته السريعة على الانتشار والتحور مع عدم الوصول إلى دواء فعال يمكن أن يسهم في احتوائه حتى اليوم. وأسباب هذه المخاوف عديدة منها: أولا، أن منظمة الصحة العالمية عندما أعلنت حالة الطوارئ الدولية في 30 يناير2020م، كان الهدف الأكثر خطورة هو منع انتشار الفيروس إلى دول لا تتمتع برعاية صحية متطورة ومتقدمة؛ وقال  «تيدروس أدهانوم غيبريسوس»، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: “أكبر مخاوفنا هو احتمالية انتشار الفيروس إلى الدول التي تعاني من ضعف الأنظمة الصحية والتي ليست جاهزة للتعامل مع مثل هذه الحالات”. وبالطبع فإن مصر من هذه الدول التي لا تحظى بقدر كاف من الرعاية الصحية مثل الصين التي تقع في المركز 51 من بين 195 دولة من حيث مستوى الجاهزية لتفشي الأمراض، وفقاً لمؤشر الأمن الصحي العالمي. أما مصر فتحتل المرتبة “87” عالميا ويحذر المؤشر العالمي من أن النتائج تشير إلى أن “الجاهزية” الدولية لمكافحة تفشى الأوبئة “ضعيفة”، ولا توجد دولة في العالم “مستعدة كليا” لها وكل الدول لديها “فجوات يجب أن تعالجها”. كذلك وجود “ضعف كبير” في قدرة الدول على منع واكتشاف الأمراض وقدرتها على الاستجابة للطوارئ الصحية وهناك “فجوات عميقة” في نظامها الصحي وهي “معرضة لمخاطر بيئية واجتماعية واقتصادية وسياسية قد تؤثر سلبا على استعدادها لمواجهة تفشي الأوبئة والاستجابة لها. ويكشف التقرير أن 75 في المئة من دول العالم حققت درجات منخفضة في مؤشرات القدرة على مواجهة تهديدات بيولوجية.([2]) ثانيا، اكتشاف أول حالة في مصر يسهم في مزيد من المخاوف والفزع، وكان تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية نشرته الاثنين 11 فبراير2020م، أشارت إلى  دراسة أعدها فريق دولي من جامعات هارفارد والسوربون وبروكسل، تؤكد أن “مجموعة من ثلاث دول تقع في المراكز الثلاثة الأولى  في إفريقيا من بين الدول الأكثر تهديداً بوصول الفيروس، وهي مصر والجزائر وجنوب افريقيا. وتليهم مجموعة ثانية مكونة من نيجيريا وإثيوبيا “. وأظهرت الدراسة البحثية أن هذه الدول هي الأكثر عرضة لتفشي فيروس “كورونا”، وذلك بناءً على علاقات هذه الدول بالصين وضعف استعداداتها الطبية. واعتمدت الدراسة على معايير إطار المراقبة والتقييم الخاص باللوائح الصحية الدولية لمنظمة الصحة العالمية في تحديد مؤشرين لمدى جاهزية الدول لمواجهة الأوبئة وعرضتها لها. كما ركزت الدراسة على مؤشرات…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022