تعديلات قانون “الدستورية” للإفلات من التزامات دولية .. قراءة تحليلية لموقف نظام السيسي
وافقت اللجنة التشريعية بالبرلمان المصري يوم الإثنين 14 يونيو 2021م بشكل نهائي على مشروع قانون أعدته وزارة العدل بحكومة الانقلاب بتعديل بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا؛ تمهيدا لإحالته إلى الجلسة العامة لإقراره بعد موافقة المحكمة الدستورية على التعديلات المقترحة. وكانت الحكومة قد طرحت في 7 يونيو 2021م للمرة الأولى مشروع تعديل على قانون المحكمة الدستورية العليا، يمكنها من وقف تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة عن محاكم ومنظمات وهيئات دولية ذات طبيعة سياسية أو قضائية في مواجهة الدولة المصرية، أو التي ترتأي السلطة الحاكمة في مصر أنها تخالف الدستور أو التشريعات المحلية. وينص مشروع القانون على أن يضاف مادتان جديدتان إلى قانون المحكمة الدستورية العليا بالقانون رقم 48لسنة 1979 برقمي 27مكررا و33 مكرر: حيث تنص المادة 27 مكرر: على أن تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة. وتنص المادة 33 مكرر، على أنه لرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمه الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بالقرارات والأحكام المشار إليها في المادة 27مكررا أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها. ويختصم في الطلب كل ذي شأن ويرفق به صورة مبلغة للقرار أو الحكم المطلوب عدم الإعداد به وترجمة معتمدة له. ويجب أن يبين في الطلب النص أو الحكم الدستوري المدعي بمخالفته ووجه المخالفة وتفضل المحكمه في الطلب على وجه السرعة. التعديلات تثير لبسا بشأن تداخل المصطلحات والمفاهيم. فالرقابة على دستورية قرارات المنظمات الدولية موضع نقاش بالفعل. ولكن الرقابة المقصودة هى بشأن ما إذا كانت القرارات المذكورة تحترم دستور المنظمة المعنية. فى الأمم المتحدة مثلا النقاش هو بشأن القرارات التى تصدر عن أجهزتها الرئيسية وعما إذا كانت تحترم توزيع الاختصاصات بين هذه الأجهزة كما ورد فى ميثاق المنظمة، وهو دستورها. النقاش ثار تحديدا حول بعض القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والتى اتسمت بصفة التشريع وهى وظيفة لا يخولها الميثاق للمجلس. من جانب آخر فإن عبارة «الرقابة على دستورية المنظمات الدولية» تثير لبسا فى المفاهيم. فالمشروع الذى قدمته الحكومة لم يشر إلى الرقابة على الاتفاقيات الدولية سواء كانت صادرة عن منظمات دولية أو لا، أكانت الرقابة لاحقة وهو الطبيعى فى المحاكم الدستورية أو حتى سابقة. ولكن ذلك شىء مفهوم حيث إن المادة 192 من الدستور تنص على أن المحكمة الدستورية تتولى دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتفسير النصوص التشريعية. وبما أن الاتفاقية الدولية التى يصدق عليها رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس النواب تكون لها قوة القانون بعد نشرها بمقتضى المادة 151 من الدستور، فإنه يصير طبيعيا أن تراقب المحكمة الدستورية مراعاة الاتفاقية لأحكام الدستور سواء كان ذلك بتفسيرها لأحكامها قبل التصديق عليها فتحول دون التصديق إن كانت مخالفة لأحكام الدستور أو بالرقابة عليها بعد التصديق مما يؤدى إلى احتمال نقضها أو الانسحاب منها. أما قرارات المنظمات والهيئات الدولية (وهي التي نص عليها مشروع قانون التعديلات على قانون المحكمة الدستورية) فليست تشريعات دولية، وهى بالتالى لا يمكن أن تتحول إلى قوانين وطنية. وبالتالي فإن الرقابة على هذه القرارات لا يدخل ضمن ما تنص عليه المادة “192”. انقسام برلماني شكلي هذه التعديلات أثارت لغطا والتباسا كبيرا في الأوساط القانونية والحقوقية والاقتصادية؛ ودارت نقاشات معمقة حول أهداف نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي ومآربه من وراء هذه التعديلات، فهل يمثل إقرار هذه التعديلات تهربا من بعض الالتزامات الدولية التي تقع على عاتق النظام المصري بناء على الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعتها الحكومات المصرية المتعاقبة مع منظمات وهيئات دولية؟ وهل لهذه التعديلات علاقة بمواقف المؤسسات والهيئات الدولية من الملف الحقوقي في مصر والمتخم بجرائم النظام منذ انقلاب 3 يوليو2013م؟ أم للأمر علاقة بالملف الاقتصادي وقضايا التحكيم التي تخسرها الحكومات المصرية باستمرار لحساب الشركات الأجنبية والمستثمرين الأجانب وهو ما كلف مصر عشرات المليارات؟ انقسم نواب البرلمان إلى فريقين: الأول يوافق بشكل مطلقا وهم معظم نواب البرلمان الذين ينتمون إلى حزب “مستقبل وطن” الذي تديره أجهزة السيسي الأمنية. ويعلل هؤلاء موافقتهم غير المشروطة بأمرين: الأول هم موافقة الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية على هذه التعديلات والصلاحيات الجديدة الممنوحة لها، وهم يثقون في القضاء الشامخ وسيما المحكمة الدستورية التي تملك رصيدا زاخرا في خدمة النظام والدولة.[[1]] والثاني، أن مشروع قانون هذه التعديلات يمثل خط دفاع مهم للأمن القومي المصري أمام معظم القرارات الدولية التي تكون مسيسة بحسب تصريحات ممثل الأغلبية أشرف رشاد وكما ورد بالمذكرة الإيضاحية لمشروع التعديلات. أما الفريق الثاني، فقد أبدى موافقة متحفظة؛ حيث أبدى عدد من النواب منهم سليمان وهدان وضياء داوود، مطالبات بالاستماع إلى وزيرة الاستثمار، وخبراء التحكيم الدولي، ومعرفة هل يتعارض مع الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر. مؤكدين أن موقفهم المعارض لمشروع القانون ينطلق أيضا من مصلحة وطنية والحفاظ على تعهدات الدولة بخصوص المجتمع المدني، لكنهم تراجعوا خشية من إغضاب ما تسمى بالأجهزة السيادية مؤكدين أن مشروع القانون إذا كان يمثل مصلحة للأمن القومي فسوف يوافقون عليها بلا تحفظ. واستدركوا بأن مصر وقَّعت على ثلاث اتفاقيات دولية تنظم التحكيم الدولي، وبإقرارها من البرلمان تساوت مع كافة القوانين، وبالتالي يجب ألا تخالف أحكام الدستور. وأن مصر دخلت في كثير من قضايا التحكمي الدولية وخسرتها مثل قضية هضبة الأهرام وسياج، ووصفوا قرارات المنظمات الدولية بالمسيسة، وهو ما يتطلب وجود نص قانوني يحافظ على مصالح الدولة المصرية حماية للأمن القومي. [[2]] دوافع النظام لهذه التعديلات بحسب مراقبين فإن ذلك التعديل يعد تهربا من نظام السيسي لأي اتفاقيات دولية وأي التزامات تعاهدية دولية، ومحاولة من النظام للتحلل من بعض الالتزامات الدولية المتعلقة بملف حقوق الإنسان وقضايا التحكيم الدولي في الملف الاقتصادي والاستثماري. ويستهدف تعديل القانون قطع الطريق على أي حكم ضد النظام، أو قرار ملزم له بأداء مستحقات، أو تعويضات مالية، أو أدبية، أو الالتزام بنصوص معينة من معاهدات دولية، أو توقيع عقوبات تتطلب رفع الضرر الواقع على أشخاص، أو أطراف أو جهات، من خلال تقدم رئيس الوزراء بطلب إلى المحكمة الدستورية لوقف تنفيذ تلك الأحكام أو القرارات بحجة مخالفتها للدستور المصري. ويعتبر التعديل مخالفاً بشكل صريح لاتفاقية فيينا التي وقعت مصر عليها بشأن المعاهدات الدبلوماسية، والحاكمة لجميع اتفاقيات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، والتي تسمح للدول بالتحفظ على بعض مواد أو بنود الاتفاقيات التي توقع عليها، ليكون تنفيذها مقيداً بالنصوص الدستورية المحلية، لكنها تحظر وقف تنفيذ القرارات والأحكام الخاصة بتلك الاتفاقيات، أو المترتبة عليها بأحكام قضائية محلية.[[3]] ومن أسباب تقديم مشروع القانون أيضا تخوف الحكومة من صدور أحكام وقرارات تنفيذية عن منظمات دولية ودول أجنبية، على خلفية بعض الدعاوى القضائية المرفوعة ضد النظام، وبعض قياداته بصفاتهم وأشخاصهم في الوقت الحالي. كما تتخوف من صدور أحكام ضدها عن هيئات تحكيم دولية مخالفة لما ترنو…