زيارة عباس كامل لغزة .. كيف تنجو المقاومة من شرك الفخاخ المنصوبة؟
أنهى اللواء عباس كامل وزير المخابرات العامة المصرية، يوم الإثنين 31 مايو 2021م، جولة خارجية شملت تل أبيب عاصمة الاحتلال الإسرائيلي ورام الله مقر السلطة الفلسطينية وأخيرا قطاع غزة. في تل أبيب استقبل عباس كامل بحفاوة كبيرة من جانب حكومة الاحتلال. خلال الجولة التي امتدت يومي الأحد والإثنين (30 ــ31 مايو 2021م)، التقى كامل برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ومسئولين آخرين بأجهزة المخابرات والأمن الإسرائيلي، كما التقى برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، ثم التقى في غزة برئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس يحيى السنوار وبعض أعضاء مكتبها السياسي. اللافت في الجولة أن نتنياهو التقى كامل بمدينة القدس المحتلة في إشارة لا تخفى دلالتها بالتأكيد على أن المدينة المقدسة هي عاصمة إسرائيل الأبدية، وكان أولى بعباس كامل لو كان حصيفا أن يصر على أن يكون اللقاء في تل أبيب لا القدس، على الأقل اتساقا مع الموقف المصري القائم على حل الدولتين وأن القدس عاصمة فلسطين وأهم المدن التي جرى احتلالها في 5 يونيو1967م. وبالتالي فالموافقة على عقد اللقاء بالقدس المحتلة دليل على عدم رفض نظام السيسي لأطماع إسرائيل في القدس حتى لو كان هذا الاعتراض شكليا كالعادة. الأمر الآخر، أنه بالتزامن مع جولة عباس كامل لم تتوقف الاستفزازات الإسرائيلية؛ حيث اقتحم عشرات المستوطنين صباح الإثنين 31 مايو 2021م باحات المسجد الأقصى من جهة باب المغاربة تحت حراسة مشددة من قوات الاحتلال، وقاموا بجولة في المسجد قبل مغادرته تحت حماية شرطة الاحتلال. هذه الاستفزازات تأتي بعد يوم واحد فقط من مطالبة وزير الخارجية بحكومة الانقلاب سامح شكري لنظيره في حكومة الاحتلال جبي إشكنازي بضرورة التوقف عن كافة الممارسات التي تؤدي إلى توتر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية ومراعاة الحساسية المرتبطة بالقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية؛ في دلالة تحمل رسالة استخفاف بالوسيط المصري وعدم الاكتراث لردود الأفعال المحتملة. زيارة عباس كامل لغزة تزامنت أيضا مع عبور قافلة المساعدات المصرية الثالثة إلى القطاع والتي ضمت 500 طن من المواد الغذائية والأدوات الكهربائية بحسب ما أعلنته حكومة السيسي. الأمر الثالث، أن أحداث الأقصى وحي الشيخ جرَّاح ثم العدوان الإسرائيلي على غزة ورد المقاومة المزلزل والذي ضرب لأول مرة عمق تل أبيب والمدن المحتلة بالصواريخ أربكت الحسابات الإسرائيلية والأميركية، وأعادت الدور المصري إلى دائرة الضوء بعدما كان النظام المصري يواجه حالة تجاهل ممتدة من جانب الإدارة الأميركية، لكن التطورات الجارية في فلسطين أرغمت واشنطن على التواصل مع الجانب المصري والإشادة بما تقوم به القاهرة من دور في تهدئة الأوضاع ووقف إطلاق النار. وانعكس ذلك على مستوى الاهتمام المصري بغزة والتقارب مع المقاومة والتي أثبت التجربة أن قوة المقاومة وقدرتها على إيداء العدو الإسرائيلي ينعكس إيجابا على الدور المصري ويمنحه قوة ودافعية وتقديرا أميركيا وإسرائيليا ودوليا. وقد سبق جولة عباس كامل لفلسطين المحتلة زيارة لوفد مخابراتي مصري لقطاع غزة. كما وجهت القاهرة دعوة إلى الفصائل الفلسطينية لزيارتها الأسبوع المقبل، لعقد سلسلة اجتماعات بدعوى الاتفاق على رؤية موحدة للتحرك الوطني الفلسطيني، والاتفاق على الخطوات اللازمة لإنهاء الانقسام ووضع خريطة طريق للمرحلة القادمة. بالتزامن مع ذلك، يصل وفد أمني إسرائيلي إلى القاهرة لأول مرة منذ 13 سنة؛ لبحث الخطوات العملية لتثبيت قرار وقف إطلاق النار، وبدء المفاوضات الخاصة بهدنة طويلة الأمد، وتحريك صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس. الأمر الرابع، أن هذه التطورات تتزامن مع توقعات كبيرة بمغادرة نتنياهو رئاسة حكومة الاحتلال بعدما تخلى عنه حليفه السابق نفتالي بينيت رئيس حزب “يمينا” الذي يمتلك سبعة مقاعد في الكنيست والذي أعلن عن دعمه لتشكيل حكومة مع يائير لابيد رئيس حزب “يش عتيد” الذي حل ثانيا بعد الليكود في عدد النواب في الانتخابات الأخيرة. بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الاتفاق بين بينيت ولابيد ينصّ على أن يحل الأول محل نتنياهو في رئاسة الحكومة لفترة، قبل أن يُسلمها إلى لابيد. وسيشمل الائتلاف أحزابًا من أقصى اليمين مثل «يمينا»، الذي تزعم رئيسه حركة بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وأحزابًا من الوسط مثل «يش عتيد»، وأخرى يسارية. وأمام لابيد مهلة حتى الأربعاء 2 يونيو لإعلان الحكومة وإذا فشل سوف تتجه إسرائيل نحو جولة انتخابات خامسة في انعكاس لعمق الأزمة السياسية وفشل الانتخابات في حسم الصراع منذ أكثر من سنتين. فخ الدور المصري لا شك أن هناك تحركات أميركية إسرائيلية مصرية عربية تستهدف الالتفاف على النصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية من خلال نصب عدة فخاج لاستدراج المقاومة إلى ملفات عبثية وقضايا فرعية بهدف الحد من الروح الجهادية النضالية التي ارتقت إلى مستويات غير مسبوقة ولامست بتفاؤلها وطموحها عنان السماء. كما تستهدف هذه التحركات الالتفاف على انتصار المقاومة وتفريغه من محتواه وتوجيه مكاسبه إلى حجر السلطة رغم مواقفها المخزية خلال العدوان وبعده. أول هذه الفخاخ هو الدور المصري نفسه، فالتحولات الهائلة في مواقف النظام والتي يمكن رصدها بسهولة من خلال المقارنة بين موقفه من عدوان 2014 وموقفه من العدوان الأخير مايو 2021م تثير كثيرا من الألغاز والتساؤلات حتى دوافع هذا التحول ومآربه والتي يمكن تفسيرها بعدة تفسيرهات: الأول، أنها نتيجة لتقديرات مواقف أجرتها أجهزة السيسي الأمنية والمخابراتية انتهت إلى أن النظام خسر كثيرا بانحيازه للعدو الصهيوني في حرب 2014م وبالتالي فإن الاتساق مع الرأي العام والتجاوب مع دعوات دعم المقاومة الشعب الفلسطيني من شأنه أن يرمم شعبية النظام المتآكلة ولا يضعه موضع المتصادم مع الرأي العام المصري. الثاني، أن انعدال الموقف المصري على الأقل ظاهريا، نابع من تقديرات موقف مخابراتية ردا على مواقف حكومة الاحتلال التي استبعدت مصر من مشروعات الغاز شرق المتوسط في مشروع “إيست ميد” بين إسرائيل وقبرص واليونان. كما تمثل ردا على انحياز تل أبيب لإثيوبيا في مشروع سد النهضة؛ وبالتالي فإن دعم المقاومة يمثل ردا على هذه المواقف الإسرائيلية مثله مثل التقارب المصري مع تركيا والذي يستهدف الأمر ذاته. الثالث، يفسر فريق ثالث تحولات الموقف المصري من غزة من العداء الفاجر إلى الدعم السافر بأنه دور مرسوم بإحكام تشرف عليه المخابرات الإسرائيلية تحت إشراف أميركي وبدعم مما يسمى بمحور الاعتدال العربي الموالي لإسرائيل. الهدف منه تعزيز الوجود المصري في غزة حتى تكون صاحبة القول الفصل والوكيل الحصري الوحيد على القطاع وعلاقته بالاحتلال؛ الأمر الذي يُمكن الطرف المصري من إضعاف التأثير التركي القطري، ويزيد من أسهم القاهرة في غزة ولدى حركات المقاومة وبذلك يمكن أن يخدم الدور المصري الأجندة الأميركية والإسرائيلية بصورة أكبر وأكثر إفادة لتل أبيب وضمان أمن الاحتلال واستقراره. على المقاومة أن تتعامل مع الدور المصري بحذر شديد؛ فسوابق هذا النظام تجعل موقفه غير بريء؛ فهو من شدد الحصار على غزة والمقاومة، وهدم الأنفاق التي كانت تمد القطاع بما يحتاج إليه من سلع وغيره، وكانت تمد المقاومة بأنواع مختلفة من الأسلحة، وفي سبيل التزلف من الأمريكان والاحتلال أزال…