مستقبل المصالحة والمعارضة المصرية في تركيا وقنواتها في ظل التقارب المصري التركي
منذ وقت طويل تحدث مراقبون عن إتصالات بين القاهرة وأنقرة لتقريب وجهات النظر ولتجاوز خلافات الجانبين بما يحقق مصالحهما؛ خاصة أن القطيعة بين البلدين أضرت كثيراً بمصالحهم خلال السنوات الماضية منذ يوليو 2013، سواء فيما يتعلق بالأزمة الليبية، وملف غاز شرق المتوسط، وغيرها من القضايا المشتركة، وقد كان ثمة مؤشرات عدة على هذه الإتصالات. منذ أيام طالبت السلطات التركية مسئولي قنوات «الالتزام بميثاق الشرف الإعلامي في سبيل المساهمة في تحسين العلاقات التركية المصرية»[1]، ومع الطلب نشطت سوق التحليلات والتكنهات بشأن مستقبل المعارضة المصرية بتركيا وقنوات المعارضة التي تبث من هناك، وقد أظهر مؤيدي النظام المصري فرح شديد وشماتة واضحة بهذا التطور معتبرينه بداية النهاية للمعارضة المصرية في تركيا وقنواتها الإعلامية، كما أظهر إعلاميون مصريون معارضون بتركيا وجل شديد مما حدث ومن تطوراته المستقبلية المتوقعة وساهموا بدورهم في نشر مشاعر الترقب بين المعارضين والإعلاميين المصريين المقيمين في تركيا[2]، وذلك رغم نفى ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وجود قرار تركي رسمي بإغلاق قنوات المعارضة التلفزيونية، قائلاً “بعدما تلقينا طلبا مصريا حول محتوى تلك القنوات، طلبنا منها تجنب التحريض على النظام المصري”، وهو ما أكده مصدر آخر في الحكومة التركية[3]. في هذا السياق، صرح إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد الإخوان، بأنه “إذا عُرض على المعارضة المصرية -ونحن جزء منها- حوار مع النظام بما ييسر أوضاع المعتقلين ويحسن أحوال الشعب، فلن نرفض”، وأنه أنه يثق في تركيا ويقبل وساطتها لحلحلة الأزمة المصرية المستمرة منذ الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي. وهو التصريح الذي قوبل بترحيب واسع من جانب مختلف أطياف المعارضة السياسية في المنفى؛ مرحبين بأية وساطة تركية تحاول تقريب وجهات النظر بين الحكومة المصرية والمعارضة في المنفى، وفي نفس الوقت مثمنين لموقف جماعة الإخوان المسلمين من الحوار مع النظام المصري. يبدو أن الطلب التركي للقنوات المعارضة أن تلتزم بميثاق الشرف الإعلامي كجزء من التفاهمات المصرية التركية، وما حدث بالتوازي معه من تصريح للقائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان المسلمين، إبراهيم منير، بأنه يرحب بأية وساطة تركية لحلحلة الوضع في مصر، مع تخوفات ملئت المجال العام عن مستقبل المعارضة المصرية في تركيا، وعن القنوات المعارضة التي تبث من هناك، باعتبار أن ما حدث قد يكون الخطوة الأولى لإغلاق هذه القنوات بصورة نهائية، وتسليم المعارضين للقاهرة كجزء من الصفقة مع أنقرة، يبدو أن كل هذا خلق حالة من التشتت واللاوضوح في طبيعة ما يحدث. على هذا الأساس نحاول تفكيك ما حدث بما يمهد لفهمه بصورة أوضح، ومن ثم التعامل معه بطريقة أفضل، في هذا السياق يمكن القول أن لدينا 4 قضايا مختلفة، قد تؤثر كل قضية منها على الأخرى، لكن تبقى كل منها مستقلة عن الأخرى في النهاية؛ القضية الأولى: التقارب المصري التركي، والذي رأى كثير من المراقبين أنه كان متوقعاً منذ فترة طويلة، وأنه كان ثمة مؤشرات عدة على وجود تواصل غير رسمي بين الدولتين منذ فترة. القضية الثانية: مستقبل المعارضة المصرية في تركيا، وهل تقود الاتصالات الجارية بين القاهرة وأنقرة إلى تسليم المعارضين لمصر. القضية الثالثة: مستقبل القنوات التلفزيونية الثلاث «الشرق، مكملين، وطن»، التي تبث من تركيا، بعد طلب السلطات التركية من مسئولي هذه القنوات بأن تلتزم بميثاق الشرف الإعلامي فيما تبث من مواد، وهل من الممكن أن يقود هذا لوقف بثها نهائياً. القضية الأخيرة: مسألة المصالحة بين النظام المصري وجماعة الإخوان المسلمين، في سياق التطورات الراهنة على الصعيد الدولي مع وصول بايدن لسدة الحكم في واشنطن، وعلى الصعيد الإقليمي مع التقارب المصري التركي الجاري، وقبله مع المصالحة الخليجية، وما يبدو من تراجع للتحالف الذي كان يضم “مصر والإمارات والسعودية ومعهم البحرين”. والافتراض الذي نطرحه هنا أن كل قضية من هذه القضايا الأربعة مستقلة وتحكمها شروط خاصة، حتى وإن بدت متأثرة بباقي القضايا، وذلك ما نحاول إختباره في هذه المساحة، من خلال التركيز بشكل خاص على قضية المصالحة بين النظام المصري وجماعة الإخوان المسلمين. كيف نفهم ترحيب المعارضة المصرية بوساطة تركية لم يعلن عنها رسمياً: رحبت جماعة الإخوان المسلمين بوساطة تركية محتملة بينها وبين الحكومة في مصر، وقال إبراهيم منير، نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، أنه يثق في تركيا ويقبل وساطتها لحلحلة الأزمة المصرية المستمرة منذ الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، قبل نحو 7 سنوات، وقال منير القائم حاليا بأعمال مرشد الإخوان، “إذا عُرض على المعارضة المصرية -ونحن جزء منها- حوار مع النظام بما ييسر أوضاع المعتقلين ويحسن أحوال الشعب، فلن نرفض”، مؤكدًا أنه يقبل بتدخل أي أحد لحلحلة الأمور في مصر، لكنه عاد واستدرك: “لكن بالتأكيد النظام التركي يعلم أن هناك مظالم كثيرة وحقوق، وأعتقد أن أي تقارب أو حلول ستحاول إيجاد حلول لهذا (..) في النهاية نشكر من يقدر على أي حلحلة”[4]. وهو ما أكده محمد سودان، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للإخوان، فقد قال، أن الجماعة ليس لديها أي مانع من تدخل أي طرف ثالث لحلحلة الأمور، ورفع الظلم عن الشعب المصري عامة والمعتقلين خاصة، لكنه عاد وأكد “ليس الحديث عن حوار يعد اعترافا بشرعية النظام الانقلابي ولكنه حديث عن حلحلة الأمور بالنسبة لآلاف المعتقلين”، وأضاف أن مطالب الجماعة الآنية إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين بكافة أطيافهم وانتماءاتهم السياسية. أما طارق الزمر الرئيس السابق لحزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية في مصر، فقد قال أن الأزمة المصرية تعد نموذجًا صارخًا لضرورة الحل السياسي، مضيفاً أن الوسيط التركي تحديدًا سوف يضفي على الحل السياسي قيمة إضافية، وأنها مؤهلة لأن تكون شريكا لثقة الطرف المعارض بها وحرص الحكومة المصرية على قبول وساطتها. كما عبر أكثر من قيادي معارض بالخارج عن ترحيبهم بوساطة تركيا في الأزمة المصرية، وقال أيمن نور، زعيم حزب غد الثورة، أن اجتماعه مع المسؤولين الأتراك -الذي تم مساء الخميس 18 مارس- لم يتطرق بشكل واضح لقيام تركيا بدور في الوساطة لحلحلة الأزمة السياسية بين المعارضة والنظام المصري، لكنه عاد وأكد أنه لا يستبعد حرص تركيا على أن تكون وسيطًا نزيهًا في حل هذه الأزمة بوجهها الحقوقي والسياسي حال تطورت العلاقات المصرية التركية المرحلة المقبلة، وأضاف أن حزب غد الثورة لا يرفض أية جهود جادة ومخلصة تستهدف حوارًا سياسيًا جادًا، للخروج بمصر من أزمتها، في إطار توافق وطني واسع، وتحول ديمقراطي مأمول، بما يحقق مصالح الوطن ويحسن أحوال المواطنين ويرد الحقوق لأصحابها. من جانبها، قالت مها عزام، رئيس المجلس الثوري المصري، أنها ترحب بكل المساعي التي تساعد الشعب المصري في تحقيق مطالبه، وأوضحت أن مطالب المجلس الثوري المصري واضحة، وهي إنهاء الدكتاتورية، وإطلاق المعتقلين السياسيين، وإعادة جميع الحريات والمسار الديمقراطي، ومحاسبة كل من تلوثت يداه بالدماء أو كل من شارك وارتكب جريمة حرب من قوات الجيش والأمن خلال السنوات…