مستقبل المعارضة المصرية في ظل التقارب التركي المصري
بعد فشل مشروع الجنرال خليفة حفتر في ليبيا أمام القوات النظامية لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا، تراجعت حدّة التراشقات بين القاهرة وأنقرة، قبل أن تحدث لقاءات سرية عديدة بينهما على مستويات متعددة، خصوصًا المخابرات والخارجية، التي قال جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي، إن أحدها نتج عنه اتفاق مع نظيره المصري على ضرورة وضع خريطة طريق لتحسين العلاقات بينهما. أكثر من ذلك، فقد تعاون البلدان بشكل واضح، وإن لم يكن معلنًا ورسميًا، في الملف الليبي أخيرًا بما في ذلك مرحلة انتخابات المجلس الرئاسي. ولذلك فليس من باب المبالغة القول إن البلدين قد دخلا فعلًا في مرحلة تهدئة منذ مدة، وليس اليوم، وإن هذه التهدئة بنَت أرضية أمكنت اليوم من نقاش الاحتمالات المستقبلية. وكان وزير الخارجية التركي جاويش أوغلوا قد قال في نهاية العام الماضي “2020م” إن بلاده ومصر تسعيان إلى وضع خارطة طريق بشأن علاقاتهما الثنائية”. وفي السادس من مارس 2021م تعززت هذه التوجهات بتصريح لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار، قال فيها “إن تركيا ومصر لديهما قيم تاريخية وثقافية مشتركة”، معربا عن ثقته بأن تفعيل هذه القيم يمكن أن ينعكس على حدوث تطورات مختلفة في الأيام المقبلة. وأكد أن القرار المصري المتمثل باحترام الصلاحية البحرية التركية بالمتوسط، يصب كذلك في مصلحة حقوق ومصالح الشعب المصري. وأعرب وزير الدفاع التركي عن اعتقاده بإمكانية إبرام اتفاقية أو مذكرة تفاهم مع مصر في الفترة المقبلة، بما يتماشى مع اتفاق الصلاحية البحرية المبرم مع ليبيا، المسجل لدى الأمم المتحدة”، وذلك بحسب ما نقله عنه موقع دويتشة فيله الألماني وغيره من الوكالات والمواقع الإخبارية. وبعدها ذكر المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن أن مصر “قلب وعقل العالم العربي”، لتأتي بعد ذلك تصريحات الرئيس التركي في مؤتمر صحفي يوم 12 مارس “2021م” قال فيها: “إن تعاون تركيا مع مصر في المجال الاقتصادي والدبلوماسي والمخابراتي متواصل ولا توجد أي مشكلة في ذلك.. نريد استمرار اللقاءات الدبلوماسية مع مصر ونسعى لتطويرها، وعلاقاتنا معها جيدة.. إن الاتصالات مع مصر ليست على أعلى مستوى، لكنها عند المستوى التالي له مباشرة.. يحدونا الأمل في أن نتمكن من مواصلة هذه العملية مع مصر بقوة أكبر”. تركيا ترغب في التقارب مع مصر من أجل التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بما يضمن المصالح التركية، وأيضا سيكون مفيدا لمصر يضمن لها مساحات أكبر تضم ثروات هائلة تقدر بمليارات الدولارات بخلاف اتفاقها مع اليونان الذي جار على الحقوق المصرية. ويستهدف نظام السيسي من هذا التقارب استئصال شأفة المعارضة المصرية في الخارج وإغلاق الفضائيات المصرية التي تبث من أنقرة والتي تؤرق النظام بشكل واسع ظهر في تصريحات السيسي مرارا وتكرارا حتى إنه ذات مرة هدد بمحاسبة الإعلاميين والقائمين على هذه الفضائيات. أمام هذا التقارب التركي المصري؛ ما مستقبل المعارضة المصرية بالخارج؟ وما مستقبل فضائيات الثورة التي تبث من أنقرة؟ وهل يتجه النظام التركي إلى التخلي فعلا عن المعارضين المصريين وتسليمهم إلى النظام العسكري في مصر؟ وكيف يمكن للمعارضة المصرية أن تتحرر من قيود أي وصاية خارجية على مساراتها حتى لا تتحول إلى أداة ضغط وابتزاز بين النظام العسكري في مصر والحكومة التركية التي تسعى إلى تقارب مع مصر من أجل ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين بما يحقق مصالح تركيا التي تعمل على تفكيك التحالف المناوئ لها والذي يضم (إسرائيل واليونان والإمارات ومصر والسعودية وفرنسا)؟ ضغوط مصرية تلقفت أقلام وصحف وفضائيات النظام العسكري في مصر التصريحات التركية الودودة وراحت تنسح غابة كثيفة من الأكاذيب والأوهام، لكن القضية الأهم كانت حول موقف النظام التركي من المعارضين المصريين المقيمين على أراضيها وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين. وكان عماد الدين حسين، رئيس تحرير صحيفة “الشروق”، قد اعتبر في مقاله “ماذا سيفعل أردوغان بالإخوان”، المنشور في عدد الثلاثاء 15 مارس 2021م، ونشر قبلها بيوم على بوابة الصحيفة، قد اعتبر التصريحات التركية موجات من الغزل، وطالب الجانب التركي بضرورة دفع الثمن لمصر لإصلاح ما وصفها بالأخطاء الفادحة والاستثمار في جماعات العنف والتطرف والإرهاب في المنطقة بأكملها وعلى رأسها جماعة الإخوان منذ 2011م من أجل دفع العلاقات إلى الأمام. وكعادة العقول والأقلام السيساوية التي تتلاشى عندها الفوارق بين الوطن والنظام، وتعتقد أن معارضة النظام أو رفضه والعداء له هو في حد ذاته عداء للوطن؛ يزعم رئيس تحرير الشروق أن «أردوغان قدم لجماعات الإخوان وبقية الجماعات المتطرفة الأخرى كل أنواع الدعم، وفتح لهم محطات فضائية تشن هجوما دائما ومستمرا ضد بلدهم وجيشهم وشرطتهم وقضائهم»! ويعزو حسين هذه التحولات التركية إلى نجاح ما أسماها بثورة “30” يونيو في إفشال مشروع أردوغان الإقليمي، وأن تجربة الثماني سنوات قد برهنت على فشل الرهان على جماعة الإخوان؛ الأمر الذي يدفع أردوغان تحو بدء التخلي التدريجي عن الجماعة. على حد تعبيره. وتساءل رئيس تحرير الشروق عن حدود هذا التخلي الأردوغاني عن الجماعة بعد ما تسببوا فيه من خسائر استراتيجية كبيرة لبلاده، على حد وصفه. متوقعا صعوبة التخلص منهم وكأن شيئا لم يكن. كما يصعب أن يقوم بتسليمهم جميعا للسلطات المصرية، التى تطالب بذلك منذ سنوات طويلة. وأثنى الكاتب على موقف سلطات الانقلاب في مصر حيث ردت على ذلك بأن مصطلح الحوار السياسى والدبلوماسى، غير موجود فى حالة علاقات البلدين، وأن على تركيا أن تبرهن بعدم التدخل فى الشئون الداخلية المصرية وكذلك الأمن القومى العربى. وطالب بالتريث وأن الأيام هي وحدها الكفيلة بكشف حقيقة النوايا التركية، وربط ذلك بإقدام الحكومة التركية على اتخاذا قرارات صعبة، وإلا فإنها تسعى فقط عبر التقارب للضغط على كل من قبرص واليونان وأوروبا، وأن الأمر مفتوح على العديد من الاحتمالات ليس فقط فيما يتعلق بمصر بل بالمنطقة كلها.[[1]] ومضت الآلة الإعلامية للنظام العسكري في مصر تروج أن تركيا هي من تتزلف وتطلب القرب، وأن القاهرة من حقها أن تتمنع وأن تفرض شروطها وتضع الأداء التركي تحت المراقبة على النحو الذي ذكره سامح شكري وزير الخارجية “علاقتنا بتركيا مرهونة باتساق سياستها مع توجهاتها”، رغم أن هذا يتنافى مع ما هو معروف، من أنه في ظل فترة القطيعة لم ينقطع الحوار بين مخابرات كلا البلدين، وكما جاء في صحيفة “أقشام” التركية، أن المباحثات بدأت قبل عامين بناء على طلب النظام في مصر، وذكر وزير الخارجية التركي أن المباحثات الدبلوماسية بدأت بالفعل، وهي تصريحات لم ينفها المسئولون بحكومة الانقلاب، على نحو يؤكد أن تصريحات الأتراك الودودة كانت كاشفة عن عملية التقارب وليست منشئة لها. تسليم المعارضين يرى الكاتب الصحفي سليم عزوز أن التقارب التركي مع نظام السيسي لن يفضي إلى تسليم المعارضين، أو حتى المطلوبين منهم للجهات المصرية، بل أعتقد (عن معلومات) أن بعض المطالب الخاصة بالمعارضة ستكون موضوعاً على مائدة المفاوضات، وقد لا ينتهي الأمر عند التوقف عن فكرة تسليم المعارضين، وإنما قد…