تونس بعد عقد من الثورة: من الاحتجاجات الشعبية للتعديلات الوزارية

  في منتصف يناير 2021، شهدت عدة مدن تونسية، على امتداد خمسة أيام، صدامات واشتباكات عنيفة بين القوى الأمنية ومجموعات من الشباب خرجت في مظاهرات ليلية، تخللتها أعمال تخريب ونهب للممتلكات الخاصة والعامة. ورغم أن البلاد شهدت أحداثًا مماثلة، على امتداد العقد الأخير، فإن منسوب العنف الذي ساد هذه التحركات وغياب أي عناوين سياسية أو اجتماعية معلنة للمشاركين فيها، يطرحان تساؤلات عدة بشأن دوافعها وآفاقها وصلتها بالتجاذبات السياسية والأزمات الاجتماعية والمعيشية التي تمر بها البلاد. وفي تصعيد للأزمة على المستوى الرسمي؛ صعدت للأفق الأزمة بين الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس الوزراء هشام المشيشي والبرلمان، حيث هدد الرئيس التونسي قيس سعيد برفض التعديل الوزاري الذي عرضه رئيس الوزراء وأقره البرلمان. فما هي دوافع كلتي الأزمتين؟ وماهي ردود الأفعال تجاههما؟ وما هي سيناريوهات المستقبل؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها خلال السطور القليلة القادمة..   أولاً: الأزمة الشعبية وردود الفعل عليها.. شهد العقد الأخير الذي تلا الثورة التونسية، تحركات تفاوتت حدتها ودوافعها وتداعياتها. وتصاعدت تلك التحركات هذا العام بالتزامن مع أزمة كورونا، التي تفاقمت على إثرها مؤشرات الأزمات الاقتصادية والمعيشية، جراء انخفاض نسبة النمو، وارتفاع نسب العاطلين عن العمل، وتراجع سعر صرف الدينار التونسي، وارتفاع أسعار المواد المعيشية، وتدنِّي جودة الخدمات الصحية والتعليمية.   السمات المميزة للاحتجاجات التونسية الأخيرة: اتسمت الاحتجاجات هذا العام بعدة سمات؛ أولها؛ تمتُّعها بمستوى عالٍ من العنف، فقد عمد المحتجون إلى قطع الطرقات مستخدمين إطارات السيارات المشتعلة، واقتحموا المراكز التجارية ومراكز البريد ونهبوا محتوياتها، ودخلوا في صدامات عنيفة مع القوى الأمنية استخدموا فيها الحجارة والزجاجات الحارقة. وثانيها؛ الشريحة العمرية التي شاركت فيها، حيث المشاركة الكثيفة للأطفال والقُصَّر والشباب دون سن العشرين وانخراطهم في أعمال العنف التي رافقت التظاهرات. وثالثها؛ الطابع الليلي للأحداث. ورابعها؛ غياب أي مطالب واضحة ومُعلنة من ورائها، خلاف ما كانت عليه الحال في الأحداث التي شهدتها البلاد إبان الثورة وبعدها.[1]   ردود الفعل على الاحتجاجات: مثَّلت الاحتجاجات مناسبة جديدة لتعميق التجاذبات بين مختلف الأطراف السياسية. حيث توزعت المواقف المعلنة بين أطرافٍ أبدت دعمها لما جرى بوصفه انتفاضًا مبررًا على التهميش والفقر وفشل منظومة الحكم، وأطراف اتخذت موقف الرفض والتنديد باعتباره عملًا منظمًا ومدفوعًا من أطراف داخلية وأخرى خارجية لبث الفوضى واستهداف الدولة، وثالثة أبدت تفهُّمًا لدوافعه، لكن دون تبرير ما شابه من عنفٍ ونهبٍ وتخريب. وقد انعكس التجاذب السياسي على مواقف مختلف الأحزاب والقوى السياسية، بحسب موقفها من الحكومة وقاعدة دعمها البرلماني. فقد ندَّد حزب قلب تونس الداعم للحكومة بأعمال العنف؛ معتبرًا أن التحريض والتغرير بأطفال قُصَّر ودفعهم إلى النهب والتكسير لا علاقة له بالمظاهرات السلمية ولا بحرية التعبير. أما حركة النهضة، صاحبة الكتلة الأكبر في البرلمان، فقد أدانت الاعتداءات التي طالت الممتلكات الخاصة والعامة وعمليات النهب والتخريب، وكذلك خطابات الكراهية والتحريض على التقاتل بين التونسيين. مقابل ذلك اتخذت معظم الأحزاب المعارضة لحكومة المشيشي مواقف متعاطفة مع الأحداث. فقد اعتبرت حركة الشعب الاحتجاجات رفضًا واضحًا للخيارات التي كرستها حكومة المشيشي والائتلاف البرلماني الداعم له، وأبدت دعمها وتعاطفها مع المحتجين. ولم يختلف موقف حزب التيار الديمقراطي كثيرًا، فقد عبَّر عن مساندة الاحتجاجات السلمية ودعم الحق في التعبير والتظاهر بعيدًا عن سيناريوهات المواجهات الليلية مع قوات الأمن، وأدان العنف المفرط الذي تواجه به قوات الأمن التحركات.[2] هذا في الوقت الذي اعتبر البعض عدم وجود من يعبر عن المحتجين أو صوت يمثلهم أو مطالب لهم، ينبئ بوجود تخطيط مقصود للاحتجاجات ولم يكن عفويًا. حيث تمركزت في تونس بعد الثورة قوى وعناصر بدأت تتموقع في مفاصل الدولة والأحزاب، مدفوعة من جهتين معلومتين في الوطن العربي والإسلامي علاقتهما متلازمة ومصالحهما واحدة والأولى معبرة عن الثانية وعاكسة لها. تتمثل الأولى في قوى الثورة المضادة من داخل البلاد، وهم الحرس القديم فاقدو حصانة الاستبداد والفساد السياسي. وتتمثل الثانية في العامل الخارجي، وهو النظام العربي الاستبدادي المتحصن بالبترودولار، ورأس حربة هذه الانظمة الاستبدادية الحاكمة بالوكالة هي دولة الإمارات العربية المتحدة ونظام الانقلاب العسكري المصري.[3]   موقف الرئيس والحكومة: اختار رئيس الدولة قيس سعيد أن يتحرك بطريقته، وذلك بعد أن تعددت النداءات التي طالبته بضرورة القيام بخطوة من أجل إعادة الهدوء، فتوجه إلى الحي الذي كان يسكنه قبل انتقاله إلى القصر الجمهوري، حيث دعا الشباب إلى ممارسة حقهم في الاحتجاج، على أن يكون ذلك بوسائل سلمية، وأن يتولوا حماية الممتلكات العامة والخاصة ويمنعوا الاعتداء عليها. بعده مباشرة توجه رئيس الحكومة هشام المشيشي بكلمة متلفزة إلى المحتجين، دعاهم فيها بدوره إلى تجنب العنف، وأقر بشرعية مطالبهم. لكن كلمتي رأسي السلطة التنفيذية خلت تمامًا من إجراءات ملموسة لصالح المحتجين، ولم يكن لهما تأثير ملموس عليهم. وفي الوقت الذي تمسكت فيه منظمات حقوقية وأحزاب بأن هذه الأحداث كانت عفوية، وبدون تخطيط مسبق، رأى آخرون، مثل سعيد والمشيشي، وجود أطراف عملت على تغذية هذه الاحتجاجات، واستعمال هؤلاء الشباب لتحقيق أهداف أخرى، لكن من دون تقديم دليل قطعي للتدليل على ذلك، أو تحديد هوية هذه الأطراف، التي تحركت وحرضت من وراء ستار.[4]   ثانيًا: الأزمة الحكومية وردود الفعل حولها.. بالتزامن مع الاحتجاجات الشعبية الناتجة عن تردي الأوضاع في الداخل لتونسي؛ ظهرت للأفق أزمة حكومية بين رئيس الدولة ورئيس وزرائها، حيث عمل رئيس الحكومة على تمرير تعديل وزاري، مستعينًا في ذلك بحزامه البرلماني المهدد بخلافات بين الأحزاب المكونة له. وحتى يضمن هذا الدعم، قبل بتعيين وزيرين ينتميان إلى كل من قلب تونس وحركة النهضة. ورغم أن هذا التعيين يتعارض مع تأكيد المشيشي على أن حكومته تضم تكنوقراطيين فقط، إلا أن الإشكال الأكثر أهمية هو ما أثاره البعض حول وجود شبهة فساد أو تضارب مصالح لدى بعض الوزراء الجدد.[5]   موقف أطراف الأزمة من التعديل: صدَّق البرلمان التونسي مساء الثلاثاء على التعديل الوزاري الذي اقترحه رئيس الحكومة هشام المشيشي، وشمل 11 حقيبة وزارية، من بينها العدل والداخلية، ومنح النواب الثقة للوزراء الجدد الذين ضمهم التعديل. وعبَّر ممثلو كتلتي حركة النهضة وحزب قلب تونس عن مساندتهما للتعديل، في حين عارضته الكتلة الديمقراطية وبعض المستقلين. وخلال الجلسة، قال رئيس الحكومة إن التوجه إلى البرلمان جاء لأنه مصدر الشرعية، محذرًا من خطورة الأوضاع في البلاد. وكان النقاش البرلماني بشأن التغيير الوزاري توقف بعد الظهيرة قبل إجراء تصويت متوقع في المساء، وغادر بعض النواب المعارضين مبنى البرلمان للمشاركة في الاحتجاج بالخارج.[6] هذا في حين اعترض قيس سعيد في آخر ظهور له الاثنين 25 يناير على التعديل الوزاري قبل ظهوره، معتبرًا إياه غير دستوري. كما أعلن الرئيس بأنه لا أحد من الوزراء الذين تحوم حولهم شبهة فساد يمكن أن يؤدي اليمين الدستورية أمامه، مع أنه هو نفسه كان قد عيَّن رئيس حكومة بمثل هذا الوصف ودعم آخر في الحكومة الحالية.[7]   دوافع…

تابع القراءة

المشهد السياسي: عن الفترة من 30 يناير وحتى 5 فبراير 2021

  المشهد المصري: كيف نقرأ حكم إدراج 50 قيادي للإخوان على قوائم الارهاب في مصر. أصدرت “الدائرة العاشرة جنوب” بمحكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار مدبولي حلمي كساب، قرار بتصنيف 50 قيادي من جماعة الإخوان المسلمين على قوائم الارهاب في مصر، لمدة خمس سنوات تبدأ من تاريخ صدور الحكم[1]، وقد شملت القائمة كل من إبراهيم منير القائم بأعمال مرشد الجماعة، ومحمود عزت النائب السابق لمرشد الجماعة، وذلك على الرغم من اعتقاله من جانب السلطات المصرية، كما شملت القائمة حسن مالك وهو محبوس أيضاً، و”محمد سودان” و”محمد جمال حشمت”. ومن خارج الجماعة شمل القرار عبدالمنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية، والمرشح الرئاسي السابق، وهو أيضاً رهن الاعتقال[2]. أما عن التوقيت، فقد جاءت الاحكام في اليوم الذي يوافق اندلاع أحداث ثورة 25 يناير 2011، ويأتي بعد أسبوع من صدور أحكام قضائية عن محكمة الأمور المستعجلة، قضت بقبول الدعوة المقامة من رئيس لجنة التحفظ على أموال الإخوان، “والتي يطلب فيها التصرف في أموال 89 إرهابيًا من قيادات وعناصر جماعة الإخوان، ونقلها لخزانة الدولة”. وشملت الدعوى شملت ورثة رئيس الجمهورية الراحل “محمد مرسي”، ومرشد الجماعة “محمد بديع”، ونائبه “خيرت الشاطر”، وعدد من أعضاء الجماعة، من بينهم “صفوت حجازي”، و”محمد البلتاجي”، و”محسن راضي”، و”عبدالرحمن البر”[3]. الأحكام الأخيرة بحق قيادات الجماعة، وبحق ناشطين وكوادر سياسيين محسوبين على مختلف ألوان الطيف السياسي المصري، تأتي تطبيقاً لقانون “تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين رقم 8 لسنة 2015”[4]، وهو القانون الذي جرى تعديله أكثر من مرة منذ صدوره، كان أخرها العام الماضي[5]، وقد أثار القانون منذ صدوره انتقادات عدة، باعتباره يتعدى بصورة واضحة على الحريات الدستورية للمواطنين، و«مطاط» وغير محدد المعالم، ويفتح الباب على مصراعيه للتنكيل بكل المعارضين، لتوسيعه دائرة الاشتباه، وأن وضع قانون للارهاب وإن كانت مسألة هامة إلا أن الصيغة الحالية للقانون تزيد من قمع السلطة للمعارضين السلميين[6]. ولعل ما يؤكد تخوفات المراقبين من قانون الكيانات الارهابية، أنه منذ عام 2016، وحتى الشهر الماضي، ارتفع عدد المدرجين على قوائم الإرهاب في مصر إلى 6602 شخص و8 جماعات، وفق إحصاء شمل 35 حكما قضائيا، وذلك بحسب جريدة اليوم السابع المقربة من السلطات المصرية، والتي أكدت أن هذه البيانات أخذتها عن “الجهات المختصة (قضائية) بإدراج الكيانات والعناصر الإخوانية على قوائم الإرهاب والإرهابيين، لمنع وتجفيف منابع تمويل الإرهاب”[7]. بقي أن نذكر، أن مواصلة النظام المصري للمسار الاقصائي والسياسات القمعية في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين ينفي استعداد الحكومة المصرية للتفاوض مع الجماعة على تهدئة الصراع أو حله، كما ينفي في الوقت ذاته لجوء النظام لسياسات أقل قمعية ليتجنب الضغوط أو حتى العقوبات الامريكية، على العكس من ذلك، تكشف هذه الممارسات من جانب السلطة أن الحكومة المصرية لن تقبل بسهولة الضغوط الامريكية في ملف حقوق الانسان وفتح المجال السياسي.   الإخوان وحلفائهم الاقليميين. بعد توقيع إتفاق المصالحة بين قطر ودول الحصار الأربعة “مصر، السعودية، الإمارات، البحرين”، في مدينة العلا السعودية، في بداية العام 2021[8]، بدأت تظهر نقاشات بخصوص مستقبل جماعة الإخوان المسلمين؛ بين من يرى في المصالحة الخليجية فرصة للجماعة تضغط من خلالها على النظام المصري لدفعه للتصالح معها لطي صفحة الخلاف، أو توظف الجماعة المصالحة في تخفيف حدة الضغط عليها في المنطقة من خلال محاولة مد خيوط الصلة مع السعودية، في مقابل من يرى أن المصالحة لن تصب في مصلحة الجماعة؛ باعتبار أن المصالحة ستدفع الدوحة لاتخاذ مسافة من الجماعة وقياداتها المقيمين في قطر، بغرض الحفاظ على المصالحة وطي صفحة التوترات بين دول مجلس التعاون[9]. وفيما يتعلق بمستقبل علاقة جماعة الإخوان بالدوحة بعد المصالحة الخليجية، فقد أسرف باحثين في التأكيد على حدوث تغير في علاقة الطرفين، مستدلين على ذلك بما جاء في تصريحات وزير الخارجية القطري، والتي قال فيها أن “أنّهم لا يدعمون جماعة الإخوان”، وما جاء في “سبوتنيك الروسية” عن مصدر من الاستخبارات المصرية، قوله إنّ مسؤولاً من وزارة الخارجية القطرية تعهد لمصر في اجتماع مع مسؤولين مصريين وإماراتيين بألا تتدخل الدوحة في الشؤون الداخلية لمصر، وتغيير توجه قناة الجزيرة ووسائل إعلامية حكومية أخرى، إضافة إلى تعاون اقتصادي وسلسلة اجتماعات حول عدد من القضايا المعلقة مثل الإخوان في ليبيا، وأن تكون العلاقات الدبلوماسية تحت الاختبار، مشيرين إلى أن الجماعة بدأت بالفعل في التفكير في مرحلة ما بعد الدوحة[10]. إلا أن ما جرى حتى اللحظة يظهر أن هذه التوقعات كانت متسرعة بشكل كبير، ولا يبدو أن هناك تغيرات على هذا المستوى من الاهمية بين الدوحة وجماعة الإخوان، وبالتأكيد ستكون الأيام القادمة كاشفة أكثر عما قد يستجد في هذه المسألة. أحاديث شبيهة قيلت بخصوص مستقبل علاقة جماعة الإخوان المسلمين بتركيا، خاصة بعد تداول أخبار عن تحركات سعودية – إمارتية لتحسين العلاقات مع تركيا ما يمكن أن يفيد مجالي التجارة والأمن في الشرق الأوسط، لكن هذه الأخبار تحدثت عن إحتمالية تعثر هذه المحاولات؛ بسبب مطالبة الدولتين الخليجيتين لتركيا بالتخلي عن دعم جماعة “الإخوان المسلمين”[11]. الحديث في الوقت الراهن عن احتمالية تقارب بين أنقرة وكلا من السعودية والإمارات ومصر، يعد منطقياً بعد المصالحة الخليجية؛ باعتبار أن الدوحة حليف لتركيا ومن الراجح أن تدفع باتجاه تهدئة الأجواء بين حليفتها أنقرة والدول الثلاث. كما أن سعي دول الخليج للتقارب مع تركيا أو على الأقل تهدئة الخلافات يرجع إلى وصول جو بايدن لمنصب الرئاسة في أمريكا، فهي تحاول التجهز لمرحلة ما بعد ترامب[12]. أما على الجانب التركي، فسمة تضارب بين المنشور في الصحافة، بين من ينقل عن مسئولين أتراك وجود تواصل فعلياً بين تركيا والسعودية والامارات لتحسين العلاقات، وبين من ينقل عن مسئولين أتراك نفيهم وجود هذه الاتصالات[13]. الجدير ذكره في هذا السياق، تصريحات مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم  ياسين أقطاي، تعليقاً على تصريحات وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش بشأن عودة العلاقات بين تركيا والإمارات، والتي قال فيها أن الإمارات ترغب في إقامة علاقات طبيعية مع أنقرة، تنطوي على احترام متبادل للسيادة، داعيا أنقرة لإعادة النظر في علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، حتى تحسن علاقاتها مع الدول العربية، وقد صرح “أقطاي” رداً على هذه التصريحات قائلاً أن إحلال السلام، وحل النزاعات بين دول الخليج لا يتعارض مع تركيا، مؤكدا أن بلاده منذ البداية لم تكن راغبة بمثل هذه الخلافات، مؤكدا أن بلاده، سعيدة بتأسيس السلام بين الدول الخليجية، وحول الموقف الإماراتي تجاه تركيا، أكد أقطاي أنها وقفت دائما ضد تركيا، فقد كانت داعم لمحاولات الانقلاب، وتمويل الأنشطة الإرهابية في تركيا، وأن اشتراط “قرقاش” وقف تركيا دعم جماعة الإخوان المسلمين لتحسين علاقات البلدين شرط سخيف، وتابع قائلا: “لا يمكن للإمارات على مدى السنوات الأخيرة أن تتجرأ لطلب شيء من تركيا، وعليها أن تقف لتواجه حسابا أمام تركيا والإنسانية جمعاء، على ما قامت به من جرائم”،…

تابع القراءة

لماذا تخشى الأوساط الإسرائيلية من انفجار موجة جديدة من الربيع العربي؟

    لا تزال الأوساط الإسرائيلية مرعوبة رغم مرور عقد على اندلاع ثورات الربيع العربي، الذي يجري سحقه عبر الثورات المضادة التي قادتها جيوش المنطقة ونظم الخليج الثرية مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. وخلال الأسابيع الماضية نظمت العديد من مراكز التفكير الصهيونية، مثل “بيجن ــ السادات”، و”الأمن القومي”، وغيرهما مؤتمرات وندوات عن مستقبل “الربيع العربي”، مؤكدة أن موجات الربيع العربي القادمة “حتمية وستكون أكبر قوة مما حدث نهاية 2010، وأن مصلحة إسرائيل كانت وما زالت مع بقاء الأنظمة الحالية”. إسرائيل ترى، عبر مراكز الأبحاث والتفكير الصهيونية، في الطغاة العرب كنزا إستراتيجيا لها، وأن التخلص منهم وتحول الدول العربية إلى الديمقراطية هو أكبر تهديد وجودي يمكن أن تتعرض له، لأن الشعوب ستعاديها وتقاطعها ولن تُطبع معها.   موجة ثورية ثالثة حتمية في ذات السياق وبالتزامن مع الذكرى العاشرة للربيع العربي وخصوصا ثورة الخامس والعشرين من يناير سنة 2011م والتي أطاحت بحكم الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك الذي كان يمثل كنزا إستراتيجيا لإسرائيل، تذهب تقديرات «شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” إلى  أن حالة انعدام الاستقرار وعجز أنظمة الحكم العربية ــ تحديدا في الدول التي شهدت ثورات ولا سيما مصر ــ عن توفير الخدمات الأساسية للجمهور وفي ظل ثورة المعلومات، سوف تؤدي  إلى اندلاع موجات جديدة من الثورات العربية. ولا تتردد الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في التحذير من تداعيات اندلاع موجات جديدة من الربيع العربي على مستقبل “إسرائيل” وأمنها القومي. ولا تتردد “أمان” أيضا في الجزم بأن مصلحة (إسرائيل) تتطلب الحفاظ على نظم الحكم القائمة في العالم العربي “حتى لو كانت نظماً ديكتاتورية”. وفي سبيل ذلك؛ لم يكن مفاجئاً أن تسارع (إسرائيل) إلى الطلب من إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن عدم ممارسة ضغوط على نظم الحكم القائمة في المنطقة بشأن ملف حقوق الإنسان، على اعتبار أن  بقاء هذه النظم العربية الديكتاتورية يحقق”الاستقرار” الذي يخدم المصالح الإسرائيلية والأميركية.[[1]] ووفقا للمعلق العسكري “أمير بوحبوط”، “هناك شبه إجماع في الأوساط الاستخبارية الإسرائيلية على أن الربيع العربي تراجع لكنه ما زال قائما، وأن الثورات من شأنها أن تندلع بشكل مفاجئ وبقوة وزخم أكبر بكثير مما كانت عليه الأمور في نهاية 2010، بسبب شيوع حالة انعدام الرضا في أوساط الجماهير العربية إزاء أداء أنظمة الحكم”. وينقل “بوحبوط” عن بعض مسؤولي المؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية ــ وفق موقع “والاه” العبري، قولها: “إن أهم عاملين يدفعان نحو انفجار ثورات الربيع العربي مستقبلا، يتمثلان في الزيادة السكانية الكبيرة مقابل عجز نُظم الحكم عن توفير الخدمات والوفاء بمتطلبات الجماهير العربية، متوقعة تكرار تجربة “ميدان التحرير” في القاهرة؛ فالجماهير العربية ــ بحسب أحد قيادات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ــ لم تعد تقبل المعادلة القائلة إن العيش “في ظل الديكتاتوريات أفضل من الفوضى”، وأن انتشار وباء كورونا أسهم في توفير الظروف التي قد تسمح في المستقبل في تفجر الثورات على اعتبار أنه دلّ على “الفروق التي تسود في العالم العربي بين الجماهير والقيادة”.[[2]] ويرى “مايكل ميلستين”، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز “موشيه دايان للأبحاث الشرق الأوسطية والإفريقية”، في دراسة نشرت 27 أكتوبر/تشرين الأول 2020، بمناسبة مرور عقد على ثورات الربيع العربي، “أن موجة ثالثة من الربيع العربي قادمة لا محالة في دول الربيع الأول مثل مصر، ودول جديدة مثل الأردن وفلسطين ولبنان”. ويؤكد أنه “رغم انشغال العالم العربي بفيروس كورونا خلال العام الماضي، لا تزال هذه الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية الأعمق تصيب جيل الشباب في جميع أنحاء المنطقة، ومن الممكن أن تتجسد في موجة ثالثة من الربيع العربي”. ويتوقع أن تنفجر هذه الموجة الجديدة في عدة مواقع مختلفة، وربما تتجدد في دول سبق أن شهدتها، وفي طليعة هذه الفئة مصر التي يُعتبر وضعها الاقتصادي الحساس على شفير الانهيار دائما. وحول تأثير هذا على إسرائيل، يعتبر الباحث الإسرائيلي أن “هذا التقلب في غالبية العالم العربي، وخصوصا في الدول المجاورة، يثير قلق إسرائيل، لكنها لا تملك إلا القليل من الأدوات الفعالة التي تستطيع من خلالها ممارسة أي تأثير كبير في تلك الساحات”.[[3]] وعن تحديات الأمن القومي الإسرائيلي، نقل كتاب “العقل الإستراتيجي الإسرائيلي: قراءة في الثورات العربية واستشراف لمآلاتها” عن الخبراء الإسرائيليين قولهم: إن “المنطقة لم تشهد حدثا يحمل طاقة كامنة للتأثير على الأمن القومي لإسرائيل كما فعلت الثورات العربية”. ويخلص الكتاب إلى أن “أهم المخاطر كانت الخوف من تراجع مصر والأردن عن مواصلة الالتزام باتفاقيتي “كامب ديفيد ووادي عربة”، وأن أي حملة إسرائيلية على غزة أو لبنان قد تواجه بردة فعل عربية قوية وغير معهودة”، وهو ما تم التغلب عليه بانقلاب السيسي في مصر. وبحسب الكتاب فإن خبراء الأبحاث الإسرائيلية يرون أن جانبا من حماية أمنها القومي يتمثل في “توثيق التحالفات مع الأقليات في البلدان العربية، وتخويفها من تعاظم المد الإسلامي”.   أبعاد القراءت العبرية ومن خلال رصد ما نشرته  مراكز البحث ووسائل الإعلام الإسرائيلية حول الربيع العربي فقد ركزت القراءات والتحليلات العبرية على القضايا الآتية: أولا، ضرورة فرض وصاية على الرأي العام العربي ودعم نظم الحكم العسكرية والملكية التي تقهر الشعوب العربية وتحرمها من حق المشاركة في صناعة القرار، والحيلولة دون إقامة أي نظام ديمقراطي حقيقي خصوصا في البلاد العربية ذات التأثير الكبير؛ وقد رأى الكثير من النخب الإسرائيلية أن الربيع العربي سمح بالتعبير عن طابع المشاعر الحقيقية للجماهير العربية تجاه إسرائيل، وفي الوقت ذاته مهد الطريق أمام الجماهير العربية لإجبار النخب الحاكمة في العالم العربي على أخذ رأيها في الاعتبار عند بلورة سياساتها تجاه إسرائيل.ففي مقال نشره في صحيفة “معاريف” يجزم الجنرال عاموس جلبوع أن الربيع العربي أعاد إسرائيل للمربع الأول من حيث رفض شرعيتها لدى الجمهور العربي، لأنه منح الفرصة للجماعات التي تتخذ مواقف عدائية من الحركة الصهيونية للتعبير عن ذاتها وإبراز مدى التفاف الجماهير حول مواقفها. وقد انعكس الاهتمام بالرأي العام في العالم العربي على آليات عمل المنظومات الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية. وتنقل “هآرتس” عن محافل في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قولها إن تفجر ثورات الربيع العربي أسهم في زيادة اهتمام النخب الإسرائيلية الأمنية بالرأي العام العربي، حيث رأت أن تفجر هذه الثورات كان نتاج تعاظم مكانة وتأثير الجماهير العربية على دائرة صنع القرار في العالم العربي. وقد وصل المعلقون الإسرائيليون إلى استنتاج مفاده أنه يتوجب على تل أبيب ألا تستبعد استئناف حالة القطيعة مع العالم العربي، حيث إن الثورات العربية ستقلص فرص التقارب مع تل أبيب، ويجزم سفير إسرائيل الأسبق في الأردن عوديد عيران بأن الربيع العربي قضى على فرص تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي. وقد مثلت الروح التي جلبها الربيع العربي في كل ما يتعلق بتعاظم دور الرأي العام في العالم العربي معضلة أمنية لإسرائيل، حيث إنه بعد أن كانت محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب تتابع ما يجري…

تابع القراءة

“دافوس 2021”.. البحث عن مشكلات الكبار مع كورونا وتهميش الفقراء مستمر

“دافوس 2021″ البحث عن مشكلات الكبار مع ” كورونا”.. وتهميش الفقراء مستمر   انطلقت الاثنين 25 يناير الماضي، فعاليات منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، الذي عقد “عن بعد” بسبب جائحة كورونا واستمر حتى الجمعة 29 يناير 2021م، تحت عنوان “عام حاسم لإعادة بناء الثقة”. وعقد المنتدى أكثر من 100 جلسة وورشة عمل بمشاركة عدد كبير من أبرز قادة العالم، من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والتكنولوجية المعاصرة خاصة في ظل تداعيات جائحة كورونا، التي عرقلت عجة الاقتصادات العالمية، وحسب البيانات الإعلامية الواردة عن القمة،  ركز المشاركون على الوسائل والطرق الكفيلة بخلق التأثير وإعادة بناء الثقة وتشكيل السياسات والشراكات اللازمة خلال عام 2021م. وبعيدا عن مشكلات الدول الفقيرة وغير المستقرة، تضمنت أجندة المنتدى خمسة محاور هي: تصميم أنظمة اقتصادية متماسكة ومرنة ومستدامة، و قيادة التحول والنمو الصناعي المسؤول، وتعزيز الإشراف على الموارد والمشاعات العالمية، وتسخير تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، والنهوض بالتعاون العالمي والإقليمي. وضم المنتدى أكثر من عشرة آلاف من القادة الشباب من ممثلي المؤسسات والمجتمعات المدنية كأعضاء مجتمع “مشكلو العالم” التابع للمنتدى، ومجتمع القادة العالميين الشباب، ورواد التكنولوجيا، ورواد الأعمال الاجتماعية، وحاول الشباب تقديم حلولا ووجهات نظر جديدة لأجندة دافوس، كما تضمن جدول القمة ورشات عمل بعنوان “رأسمالية أصحاب المصالح: بناء المستقبل” وأخرى بعنوان “الدفع نحو عقد اجتماعي جديد” و”إعادة ضبط الاستهلاك من أجل مستقبل مستدام”. وأطلق مؤسس دافوس “كلاوس شواب” على هامش القمة كتابه حمل عنوان “رأسمالية المساهمين: اقتصاد عالمي يعمل من أجل التقدم والبشر والكوكب” ، والذي ذهب فيه إلى أن النظام الاقتصادي العالمي بات معطلا، لكنه يرى أنه لا يزال بالإمكان استبدال الصورة الحالية للاضطرابات العالمية وعدم الاستدامة وعدم اليقين باقتصاد يعمل لصالح جميع الناس وكوكب الأرض، أولاً، عبر وجوب القضاء على التفاوت المتزايد في الدخل داخل المجتمعات، حيث تباطأ نمو الإنتاجية والأجور. وثانياً، عبر الحد من التأثير المثبط لقوة السوق الاحتكارية التي تمارسها الشركات الكبرى على مكاسب الابتكار والإنتاجية. وأخيراً، دعا شواب في كتابه إلى وجوب إنهاء الاستغلال قصير النظر للموارد الطبيعية، الذي يؤدي إلى تآكل البيئة، ويؤثر في حياة الكثيرين نحو الأسوأ وهي آمال أكثر منها واقع معاش، وحاول المنتدى رسم صورة مشرقة لمستقبل المجتمعات، وسط اقتصادات الاحتكار المتنامية وتوحش السياسات النيوليبرالية في مناطق العالم المختلفة، والتي بدت واضحة في احتكار الدول الغنية لقاحات وباء كورونا، دون النظر بعين المسئولية أو الاهتمام بمشكلات الدول المحيطة. وفي سياق رسم صورة مشرقة حول المنتدى الذي يسعى لحلول مشكلات الدول الغنية والصناعية ، كتب مؤسس المنتدى كلاوس شواب، في مقالة نشرت منتصف يناير الماضي، إن” 2021 ستكون سنة إيجابية وتاريخية، بعد 75 عاما على “السنة صفر” الأصلية في أعقاب دمار الحرب العالمية الثانية”. وأضاف: “مرة أخرى لدينا فرصة لإعادة البناء”، داعيا إلى إعادة النظر في الرأسمالية في ضوء جائحة فاقمت انعدام المساواة، معتبرا أن “كوفيد-19 سدد الضربة الأخيرة” لنموذج ما بعد الحرب، عندما حققت أسواق حرة وحكومات محدودة ازدهارا وتقدما “لم يعودا مستدامين لا من الناحية البيئية ولا الاجتماعية”. وأيضا، خصص المنتدى الاقتصادي العالمي لدافوس في يومه الأخير جلسة بعنوان “إصلاح نظام التجارة الدولية”، تناولت سبل تكيف نظام التجارة الدولية مع الاضطرابات المستقبلية المحتملة، وكيف يمكن للصناعات والحكومات العمل معاً في عام 2021، لجعل النظام التجاري أكثر مرونة، وتراجعت التجارة العالمية بنسبة 9% في عام 2020، بحسب منظمة التجارة العالمية، في ظل مواجهة التوترات السياسية واستجابة العالم لجائحة “كوفيد-19”. وبحسب إليزابيث تروس، وزيرة الدولة البريطانية للتجارة الدولية، فـ”النظام التجاري العالمي كان مضطرباً لبعض الوقت، ما يجعل من الأهمية بمكان مقاومة العالم للحمائية التجارية وتعزيز التجارة الحرة والعادلة، مشيرة إلى أن بريطانيا  الآن دولة تجارية مستقلة، وستستخدم رئاستها لمجموعة السبع لتعزيز التجارة الحرة والعادلة، كما أكدت الأهمية الكبيرة التي توليها بلادها للتجارة البيئية. مروجة أن الرسوم الجمركية العالمية في المملكة المتحدة أقل، وأكثر خضرة، وأبسط من سابقاتها إلى جانب الترتيبات الثنائية ومتعددة الأطراف، مؤكدة أن المملكة المتحدة تريد أن ترى إصلاحاً تجارياً، بما في ذلك ترتيب آلية تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية، وبناء الثقة، بحيث “يمكن للناس رؤية الأشياء غير عادلة”، على حد قولها. وهو ما يأتي من خلفية عدة مصاعب اقتصادية تتعرض لها بريكانيا، بعد خروجها من  الاتحاد الاوروبي، وفق تقرير لفرانس برس عن القمة في 29 يناير الماضي.   مؤشرات الاقتصاد العالمي في 2021 وحول التوقعات الاقتصادية لدول العالم في 2021،  ذهب تقرير مشترك للمنتدى الاقتصادي العالمي لدافوس، أعد بالشراكة مع “ماكينزي وشركاه”، إلى أن عام 2021م سيكون عاما انتقالياً وعام التحول باستثناء أي كوارث غير متوقعة، وبالتالي يمكن للأفراد والشركات والمجتمعات أن يبدأوا في التطلع إلى تشكيل مستقبلهم بدلاً من مجرد المضي قدماً في الحاضر، سيكون الوضع الطبيعي في العالم  مختلفاً هذا العام، لكنه لن يعني العودة إلى الظروف العالمية التي كانت سائدة عام 2019، وفق تقدير نشرته “صحيفة الاندبندنت” في 24 يناير الماضي، لكنه لن يعني العودة إلى الظروف العالمية التي كانت سائدة عام 2019. ورصد التقرير عودة تدريجية في ثقة المستهلك، ما سينعكس إيجاباً على الإنفاق، مع إطلاق العنان للطلب المكبوت، وهي تجربة شهدتها جميع فترات الانكماش الاقتصادي السابقة التي عاصرها العالم، ومع ذلك، فإن أحد الاختلافات أن الخدمات تضررت بشدة هذه المرة من تداعيات الجائحة، بالتالي من المرجح أن يؤثر الارتداد على تلك الأعمال، لا سيما تلك التي لها عنصر مجتمعي، مثل المطاعم وأماكن الترفيه.   تغيير هيكلي طويل الأجل وعلى عكس توقعات “المنتدى” فإن السفر الدولي لا يزال محبطاً نظراً للقيود الحدودية المرتبطة بالوباء والمخاوف في شأن الصحة والسلامة مع تفشي موجات جديدة من فيروس كورونا. ورجح انتعاش السفر التجاري الإقليمي والمحلي أولاً، في وقت قد ترغب بعض الشركات والقطاعات في استئناف المبيعات الشخصية واجتماعات العملاء في أقرب وقت ممكن. ووجدت دراسة استقصائية لمديري سفر الأعمال أنهم يتوقعون أن يكون الإنفاق على سفر الأعمال في عام 2021 نصف ما كان عليه عام 2019 فحسب، في حين أن السفر التجاري سيعود على نطاق واسع، كما سيولد النمو الاقتصادي العالمي طلباً جديداً، إلا أن السفر الترفيهي المدفوع بالرغبة البشرية في الاستكشاف والاستمتاع لم يتغير، لكن الاستخدام الفعال للتكنولوجيا أثناء الوباء، والقيود الاقتصادية التي سيواجهها عديد من الشركات لسنوات بعده، يمكن أن ينذرا ببدء تغيير هيكلي طويل الأجل في سفر الأعمال. ومن ضمن المؤشرات العالمية، استمرار التسارع الكبير في استخدام التكنولوجيا والرقمنة وأشكال العمل الجديدة، إذ أفاد عديد من المديرين التنفيذيين بأنهم تحركوا أسرع من 20 إلى 25 مرة مما كانوا يعتقدون في بناء سلاسل التوريد، وتحسين أمن البيانات، وزيادة استخدام التقنيات المتقدمة في عملياتهم، حيث ساعد تفشي أزمة فيروس كورونا في تسريع التحول نحو الذكاء الاصطناعي والرقمنة لسنوات عدة، وكان الأسرع في…

تابع القراءة

الذكرى العاشرة للربيع العربي.. سمات الموجة القادمة للثورة ومآلاتها

  في تحليل لها نشرته في ديسمبر 2020م، تذهب مجلة “إيكونوميست” البريطانية، إلى عدم ضرورة الاحتفال بالذكرى العاشرة للربيع العربي،  وقالت إن الثورات العربية نجحت بالفعل في الإطاحة بعدد من الديكتاتوريين كما جرى في مصر وليبيا واليمن، لكن القوى المعادية للديمقراطية مدعومة من الغرب هي من أجهضت ثورات الربيع العربي وحولته إلى جحيم لا يتوق أحد إلى الاحتفال بذكراه العاشرة.[[1]] ونوهت المجلة البريطانية إلى إشارة بالغة الدلالة والأهمية؛ إذ أقرت بأن النزعات الاستبدادية ليست شيئا يخص الشرق الأوسط فقط، فأمريكا لديها مستوى ينذر بالخطر من الاستقطاب ورئيس منتهية ولايته يكذب بكل سهولة. لكن المؤسسات القوية والقرون من التقاليد الديمقراطية، تجعل من المستحيل عمليا على أي رئيس أمريكي أن يصبح دكتاتورا. بينما لا تتوافر مثل هذه الضمانات في بلدان الشرق الأوسط. ولعقود من الزمان، كان يحكمها مستبدون بلا رؤية وعدوا بالاستقرار فقط من أجل الاستقرار والبقاء. وبحسب المجلة البريطانية فإن هناك نحو نصف مليون قتيل و16 مليون لاجئ من دول تدمرت بشكل كامل؛ وتعزو الإيكونوميست أسباب إجهاض ثورات الربيع العربي إلى أربعة أسباب: أولها، الدولة العميقة في دول الربيع العربي، مشيرة إلى أنه جرى الإطاحة بالدكتاتوريين (مبارك ـ القذافي ــ بن علي) لكن بقيت النظم التي كانوا يحكمونها تعمل بكفاءة وبذات الأدوات القديمة؛ وهو ما فتح الباب أمام الثورات المضادة لإجهاض الربيع العربي؛ واعتبرت ما جرى في مصر خير برهان على ذلك. كما فشلت تجربة مصر القصيرة مع الديمقراطية، غرقت ليبيا وسوريا واليمن في حرب أهلية وأصبحت ملاعب للقوى الأجنبية، بحسب المجلة. الثاني، هي دول الخليج العربي الثرية التي أنفقت مبالغ طائلة لتهدئة شعوبها ودعم القوى المناهضة للديمقراطية في أماكن أخرى. وأصبحت المنطقة أقل حرية مما كانت عليه في عام 2010 – وأسوأ حالا وفقا لمعظم المقاييس الأخرى أيضا”. وبحسب الدكتور خليل العناني فإن المساعدات الاقتصادية التي قدمتها الأنظمة في أبوظبي والرياض للسيسي بقدر ببما يزيد عن ستين مليار دولار، ناهيك عن صفقات الأسلحة التي وقعها مع فرنسا وإيطاليا وروسيا والولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، يحصل السيسي على دعم سياسي بهدف تحسين صورته في واشنطن من خلال مجموعات الضغط، ولقد أدى سفير الإمارات يوسف العتيبة دورا محوريا في تسويق الانقلاب المصري عام 2013 لدى الإدارة الأمريكية.[[2]] الثالث، هو الحكومات الغربية، حيث اكتفت المجلة البريطانية  بإشارة محدودة إلى دور الغرب في إجهاض الربيع العربي، وقالت إن هناك تساؤلات عدة تلقي باللوم على الغرب ومسئوليته عن ذلك. هذا التجاهل من جانب المجلة البريطانية لن يطمس الحقيقة المرة والصادمة في حكاية الربيع العربي ألا وهي الإفلاس السياسي والأخلاقي للغرب. فبينما تعطي الحكومات الغربية دروسا حول احترام الديمقراطية فإن سلوكها خلال العقد الماضي كان على العكس تماما من ذلك. لقد فشلت الحكومات الغربية في دعم عمليات التحول الديمقراطي في مصر وليبيا وتونس واليمن، وبدلا من ذلك بادرت بمساندة الأنظمة العربية السلطوية التي ناصبت الربيع العربي العداء. ومنحت البلدان الغربية أولوية لصفقات السلاح والاستثمارات على حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم العربي. ولعل من أهم الدروس التي ينبغي أن تتعلمها الشعوب العربية من مجريات الأحداث خلال العقد الماضي، هو عدم الاتكال على الدعم الخارجي في مواجهة الأنظمة السلطوية ومن أجل تحقيق الديمقراطية.  كما أن المجلة البريطانية تجاهلت دور “إسرائيل” في إجهاض أي تحول ديمقراطي وتحريض قوى الثورة المضادة من أجل الانقلاب على الربيع العربي ووأد أي روح ثورية أو إسلامية أو ديمقراطية. الرابع، هو عدم وعي قطاعات واسعة من شعوب المنطقة بأهمية الديمقراطية؛ موضحة أن “النجاح يتطلب أكثر من مجرد انتخابات. كما أنه يحتاج إلى مواطنين ملتزمين ومطلعين، ومجموعة مشتركة من القواعد واعتقاد مشترك بأن الخلافات السياسية لا تشكل تهديدا وجوديا. لكن الديكتاتوريات هي ذلك التهديد الأكبر، بحكم تصميمها، وافتقارها إلى هذه الصفات – ومنع أي خلافات سياسية من الظهور”. مضيفة أن المتشككين من أن شعوب المنطقة لا تناسبهم الديمقراطية، يغفلون عن النموذج التونسي، ولو أن الأخير في بداياته، ويطبق بشكل غير ناضج بعد.   الطغاة وحيل البقاء وبعيدا عن تحليل المجلة الأمريكية، فإن هذه النظم المستبدة لضمان بقائها واستمرارها، فإنها تلجأ إلى حيل خداعية تضلل بها الجماهير، وهي الحيل التي تعتمد على عدة محاور: أولا، تقوم مجموعة الديكتاتوريين العرب سواء أولئك الذين نجوا من الربيع العربي أو أولئك الذين انقلبوا عليه بصياغة خطاب سياسي مختلف يتحدثون به بلباقة، ولغة تفترض أن التنمية، وليس الديمقراطية، هي ما ينقص المنطقة. وبحسب رأيهم فمن التضليل التركيز على الحريات والتغيير السياسي والتداول السلمي للسلطة، لأن ما يحتاجه العرب حقا ـ بحسب هؤلاء الدكتاتوريين ــ هو حكم أفضل والمزيد من فرص العمل. لكن حتى بشروطهم الخاصة يفشل العديد من الحكام في تحقيق هذه التنمية. ولعل ما يقوم به عبد الفتاح السيسي ومشروعه التنموي في مصر خير برهان على ذلك؛ فهناك ثرثرة وكلام كثيف عن هذه التنمية للتغطية على الفشل الكبيرالذي يضرب البلاد في كافة القطاعات، وشهد معظم المصريين في عهده تدهورا حادا في مستويات معيشتهم. وتزايدت معدلات الفقر بصورة كبيرة. وتضخمت الديون إلى مستويات غير مسبوقة. ثانيا، التغطية على جرائم هذه النظم بغطاء كثيف من الأكاذيب، ويجري الإنفاق بشكل هائل على الآلة الإعلامية للنظم العربية المستبدة حتى باتت ماكينة ضخمة تروج أكاذيب النظم ليل نهار دون توقف، ويجري الترويج على نحو واسع حول نظرية المؤامرة، والزعم بأن أمريكا هي التي مكنت جماعة الإخوان المسلمين من السلطة في مصر بعد ثورة يناير، متجاهلين أن من دفع بالجماعة إلى هرم السلطة هي أصوات عشرات الملايين من المصريين في أنزه انتخابات شهدتها مصر طوال تاريخها كله باعتراف الجميع دون استثناء؛ سواء كانت انتخابات برلمانية للشعب والشوري أو الانتخابات الرئاسية التي جاءت بالرئيس الشهيد محمد مرسي. كذلك الترويج لأكذوبة أن هيلاري كلينتون أنشأت تنظيم الدولة. واتساقا مع هذه السياسات جرى إعادة صياغة وهندسة جميع مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية والإعلامية والتعليمية من أجل تكريس وترويج أكاذيب النظام ورواياته للأحداث مهما كانت بالغة الكذب والركاكة. وفي سوريا، أقنع الأسد العديد من مؤيديه بأن الانتفاضة السورية كانت من عمل المتطرفين. لم يكن هذا تبصيرا بل نبوءة تم تحقيقها ذاتيا. حيث أطلق سراح عدد كافٍ من المتطرفين في سجونه، وقتَلَ عددا كافيا من المعتدلين، وقام بتجويع السكان لفترة طويلة بما يكفي، وعاجلا أم آجلا تتحول أي حركة سلمية تعارض النظام إلى متطرفة. وتحت لافتة “الحرب على الإرهاب”، تشن نظم تحالف الثورات المضادة حربا كثيفة من الأكاذيب حتى تضمن بقاءها واستمرارها حتى لو على حساب شعوبها وأوطانها. ثالثا، اعتماد سياسة القمع وأدوات البطش والتنكيل ومنح الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة تضمن لعناصرها انتهاك حقوق الإنسان بكل عنف دون خوف من أي مساءلة قانونية أو قضائية. ومثل نظرائه، يعمل السيسي على تمليح الأرض بشغف؛ خشية أن تتجذر أي براعم ثورية…

تابع القراءة

سوريا مشاهد متفرقة لواقع مأزوم

  شهدت الأزمة السورية تطورات محورية في اتجاهات شتى في الفترة الماضية، ربما كان من المستبعد توقع حدوثها معًا، أو حتى حدوث بعضها في حقيقة الأمر. تمثل التطور الأول، في تزايد الحديث حول تزايد التفاهمات السورية الإسرائيلية، بصورة دفعت البعض للتوقع بأنه ثمة تطبيع في المستقبل ينتظر دمشق وتل أبيب، في ظل حرص الولايات المتحدة الأمريكية على تصفية الصراع السوري الإسرائيلي بصفة كاملة، شبيه بما حدث مع مصر والأردن، كي لا يبقي أمام إسرائيل سوى الصراع مع فلسطين. بينما التطور الثاني، تمثل في التطور الذي شهده الموقف السياسي لدي هيئة تحرير الشام في علاقتها بالمجتمع الدولي، بصورة دفعت الكثير للتوقع بأن تقوم واشنطن برفع التنظيم من قائمة المنظمات الإرهابية. بينما التطور الثالث، وهو في حقيقة الأمر ليس تطور معاكس، بقدر ما هو امتداد للطريقة التي تعمل بها الكيانات السياسية المعارضة في سوريا، حيث شهدت انقسامات حادة واندلع تلاسن لفظي بين قاداتها. يبحث هذا التقرير تلك المشاهد، للنظر في آثارها على مستقبل سوريا الجديدة. سوريا الأسد وتل أبيب: طريق التطبيع يبدأ من أبوظبي: تواترت الأنباء في الأيام الأخيرة عن جهود تبذلها عواصم عربية طبعت علاقاتها مع إسرائيل لسحب سوريا إلى ذات مسلسل التطبيع الذي بدأته إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب مع عدد من الدول العربية وإسرائيل، ومن المرجح أن يواصله الرئيس الجديد جو بايدن. يتركز الجهد العربي أساساً في تصاعد العلاقة الوثيقة والصداقة الناشئة بين الإمارات والنظام السوري لإقناع الأسد بالتطبيع مع إسرائيل، لاسيما وأن ردود الفعل السورية الرسمية الصادرة عن دمشق في التعقيب على التطبيع الذي قامت به الإمارات والبحرين والسودان والمغرب لم يكن وفق المتوقع، بل جاء فاترا وباردا، بعيدا عن العبارات الحماسية التي دأب على إصدارها بين حين وآخر. 1 توقف الإسرائيليون مطولاً عند صمت النظام السوري أمام تلك الاتفاقيات التطبيعية، ولم يصدر عنه شجب قوي، بل انتشر مقطع فيديو سابق للقيادي البعثي السوري مهدي دخل الله، وهو يدعو لتوقيع سوريا معاهدة سلام مع إسرائيل، طالما أنها منوطة بتفاهمات روسية أميركية، متوقعا أن تتم قريباً جدا. أكثر من ذلك، فما زالت أصداء مقابلة الأسد مع وسائل إعلام روسية، حين اشترط التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل بانسحابها من الجولان، فضلا عن عدم تعقيبه على انطلاق المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية لترسيم حدودهما البحرية. 2 الجدير بالذكر، أن قراءة العلاقات الخارجية للنظام السوري لا يظهر الإمارات وحدها في صورة التقارب معه، بل إن هناك عددا من الدول العربية تحاول الاقتراب من دمشق، وإعادتها إلى الجامعة العربية، ومنها مصر، حليفة إسرائيل، رغم أن السيسي الذي قدم مساعدات أمنية وسياسية لنظام الأسد يخشى ردود الفعل الأميركي والإسرائيلي على تحركاته هذه، وبالتالي فهو حذر من الاقتراب أكثر من اللازم، لكن التعرف على عمق العلاقات المصرية الإسرائيلية، لاسيما بعد انقلاب السيسي في 2013، يقدم إجابة جديدة عما قد يقف خلف هذا التقارب بين القاهرة ودمشق، ومدى وجود تل أبيب بينهما. كما أن تصفية الصراع السوري الإسرائيلي سيعني مزيد من العزلة للموقف الفلسطيني المقاوم لمسارات تسوية القضية الفلسطينية، لذلك فرغم الضعف الكامل الذي يشوب نظام الأسد، إلا أن دوره في تقديم سوريا على مائدة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سيسهم بالطبع في مزيد من التعزيز والهيمنة للموقف الإسرائيلي، خاصة أن اتفاقية ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان وضعت حدًا لمسلسل الحرب المنتظرة بين بيروت وتل أبيب، وأعادت امكانية حدوث تفاهمات بينهما، وحدوث الأمر بالمثل في سوريا، يعني تقوية لإسرائيل، كما أنه يسهم في مزيد من الاضعاف للمشروع الإيراني الطائفي في المنطقة، ويعزز من قوة ونفوذ الإمارات والسعودية والمحور الخليجلي الإسرائيلي بصفة عامة. ولكن يبدو التحدي الحقيقي هو موقف إيران من هذا الأمر إن حدث، لأن الأخيرة منتشرة في سوريا بصورة كبيرة لا يجهلها أحد، كما أن استمرار الضربات الإسرائيلية على مواقع فيلق القدس والمليشيات الإيرانية، لن يحدث الخلل المنتظر في موازين القوى، وأن تلك الضربات ليست أكثر من مناوشات استفزازية، رغم أن هناك من يرى أن إسرائيل تحاول من خلال اتفاق ضمني بين روسيا والولايات المتحدة منع إيران من زيادة نفوذها في الأراضي السورية، وأن ضرباتها تحدث تأثيرًا حقيقيًا، ولكنه مؤقت ولا يسهم في انقلاب المعادلات الميدانية. إن الأسد يعلم أن طهران لها فضل كبير في بقائه في السلطة حتى تلك اللحظة، لكنه يعلم أيضًا أن مستقبله في سوريا متوقف على قبول المجتمع الدولي به في المستقبل، وهو أمر مستبعد بدون أن يقدم تنازلًا حقيقيًا يسمح له بالاستمرار، لاسيما أن سوريا ممزقة تمامًا بين أقطاب دولية واقليمية كبرى، بصورة قد تجعل من الأسد لم يملك من أمره شيئًا، ولكن ربما تسهم محاولته تطبيع العلاقات مع إسرائيل في اعطائه فرصه في سوريا الجديدة، عندما تبدأ شركات إعادة الإعمار في تشييدها، ولكن أين نصيب طهران من تلك التقسيمة؟ سؤال يفرض نفسه بقوة، ومن الصعب توقع حدوث تطبيع دون أن يكون هناك اجابة على هذا السؤال، ولا يمكن التدليل على بعض الضيق الذي يظهره بشار من محاولة طهران التوسع في السيطرة على أراضي سورية لاسيما في الجنوب، ولكن ليس هذا تدليلًا وحده على أن الباب سهلًا ومفتوحًا أمام بشار للتطبيع مع إسرائيل، ونحن هنا لسنا بصدد تقديم اجابات بقدر ما محاولة اثارة الاشكاليات التي ينتظرها هذا الأمر. واشنطن وهيئة تحرير الشام وجهًا لوجه: مر المشروع السياسي الجهادي للقائد أبو محمد الجولاني بتحولات راديكالية مستمرة لا تتوقف، وهنا لم نشير إلى جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام لأن النظر إلى تلك الكيانات لا ينبغي أن ينفصل بعيدًا عن موقف الجولاني منها، بل الأقرب للصواب أنه من يحركها لأهداف سياسية براغماتية. وقد ظهرت براغماتية الجولاني عندما قرر الانشقاق من تنظيم داعش واعلان بيعته لتنظيم القاعدة، لحماية تنظيم جبهة النصرة من التحلل والاندماج في تنظيم الدولة، عندما قرر تمدده في الشام واعلانه تأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام. كما ظهرت براغماتيته عندما أعلن حل تنظيم جبهة النصرة المصنف على قائمة الإرهاب العالمي، وتشكيله هيئة تحرير الشام، وهو الهيئة التي لها تفاهمات ومحادثات عديدة مع الجانب التركي، مكنتها من البقاء والصمود حتى تلك اللحظة، رغم تعرض باقي أقرانها من التنظيمات للضربات الدولية المستمرة، حيث استهدفت الولايات المتحدة مؤخراً في عدة ضربات جوية من دون طيار قياديين في تنظيم حراس الدين الأكثر تشدداً في شمال غرب سوريا وهو التنظيم المحسوب بارتباطه المباشر مع تنظيم القاعدة، المعادي بشكل غير مباشر لـتحرير الشام، خاصة وأنه قد انفضت قياداته عن الجولاني وعملت على تأسيس فصيل يمثل الجناح المتشدد والمنشق عن النصرة. سعت هيئة تحرير الشام خلال الشهور الماضية إلى طرح نفسها كـفصيل معتدل مُعارِض للنظام السوري، لا بوصفها فصيلاً جهادياً مُتشدداً ينبغي إبقاء اسمه على قوائم الإرهاب الدولية كما هو الحال الآن بالنسبة لـجبهة النصرة. وفي هذا الإطار،…

تابع القراءة

هل يتم إجراء الانتخابات الفلسطينية بعد إصدار مرسوم بتحديد مواعيدها؟

    شهدت الفترة الأخيرة تطورات إيجابية نحو إمكانية إجراء الانتخابات الفلسطينية على خلفية إصدار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فى 15 يناير 2021، مرسوما حدد فيه مواعيد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني. ويأتى ذلك، عقب إصدار الرئيس الفلسطيني، فى 11 يناير 2021، تعديلا على قانون الانتخابات رقم (1) لسنة 2007، يسمح بإجرائها بشكل متتال، وليس بالتزامن، كما نص القانون قبل التعديل. ويأتى ذلك، بعد أن تخلت حماس، فى 3 يناير 2021، على لسان رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، عن شرط تمسكت به طوال الحوار مع حركة فتح، وهو التزامن في إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، بعد حصولها على ضمانات من عدة دول عربية ودولية بعقد انتخابات بالتتابع خلال 6 أشهر[1].   أولاً: دوافع إجراء الانتخابات الفلسطينية: تتوافر مجموعة من الدوافع والعوامل التى تحفز الأطراف الفلسطينية على إجراء الانتخابات هذه المرة، والتى لم تكن متوفرة فى الدعوات السابقة لعقد الانتخابات، وتتمثل تلك الدوافع فى: 1- مرونة حركة حماس فى التعامل مع ملف الإنتخابات، حيث تراجعت الحركة عن شرطها بإجراء الانتخابات الثلاثة “التشريعية، والرئاسية، والمجلس الوطني، في وقت واحد، ووافقت على مطلب حركة فتح بعقدها بشكل متتابع، كما أن حماس قد وافقت على ذلك كتابياً كما كانت تطالب حركة فتح. 2- أنها المرة الأولى التى يتم فيها تحديد مواعيد محددة لإجراء الانتخابات، حيث تجرى الانتخابات التشريعية في 22 مايو 2021، والرئاسية في 31 يوليو، والمجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير) في 31 أغسطس. وفى حالة اجراء تلك الانتخابات ستكون الأولى منذ انتخابات 2005 الرئاسية و2006 للمجلس التشريعي. فضلاً عن أنها قد تشكل مدخلاً هاماً ورئيسياً لإنهاء الانقسام المستمر منذ 2007 بين حركتي حماس وفتح حيث سيطرت الأولى على قطاع غزة بينما سيطرت الأخيرة على الضفة الغربية، وذلك عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات[2]. 3- ما يدور من أحاديث عن أن السلطة الفلسطينية ستتخذ عدة قرارات لحل أزمة موظفى غزة كبادرة حسن نية تجاه انجاح الانتخابات وانهاء الانقسام، تشمل عودة الرواتب كاملة لموظفي غزة بدءاً من مارس المقبل لمساواتها برواتب موظفي الضفة المحتلة، وحل موضوع الترقيات والعلاوات، وإلغاء التقاعد الجبري. ويبدو أن السلطة ستتوجه بالفعل لحل تلك الأزمة بالفعل، بعد قبولها أخيراً تسلم أموالها التي تمنعت عن أخذها من الاحتلال الإسرائيلي، بجانب اقتراح عودة المساعدات الأميركية في عهد الإدارة الجديدة برئاسة الرئيس جو بايدن، فضلاً عن المساعدات الخليجية المتوقعة بعد المصالحة الخليجية[3]. 4- أن الانتخابات تعتبر فرصة للرئيس عباس لاستعادة شرعيته المشكوك فيها، ليس في مواجهة حماس وحسب، بل في مواجهة دحلان أيضاً، والذي يستحوذ على جزء لا بأس به من فتح، بخاصة في قطاع غزة، فضلاً عن تأكيد تلك الشرعية أمام الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن، الذى وعد بإعادة المفاوضات بين الفلسطينين والإسرائيليين، وربما يرهن ذلك بتجديد شرعية السلطة الفلسطينية عبر الانتخابات. ويجب الإشارة هنا، إلى أن الدول الأوروبية قد رهنت الدعم المالى للفلسطينيين بتجديد الشرعيات وعقد الانتخابات. كما تعتبر الإنتخابات فرصة لاستعادة حماس شرعيتها في النظام السياسي الفلسطيني، كما أنها ستزيل التوصيف الأمريكى والعربى للحركة بـ«الإرهاب» باعتبارها حركة سياسية جاءت عبر الانتخابات الشعبية، كما أن بايدن قد يدعم دمج حماس في السلطة أسوة بما فعله رئيسه السابق باراك أوباما، خاصة بعد تغير موقف حماس وقبولها بدولة على حدود 67 بعدما كانت تتمسك بتحرير كل فلسطين. 5- وجود ضمانات عربية ودولية لإجراء الانتخابات، فقد بررت حماس موقفها بالموافقة على التتابع وليس التزامن فى اجراء الانتخابات؛ بأنه استجابة لتدخلات 4 دول (مصر وقطر وتركيا وروسيا) وتلقيها ضمانات من هذه البلدان بإجراء الانتخابات الثلاث بالتتابع في غضون 6 شهور، والإشراف عليها لضمان نزاهتها[4]. وفى ذات السياق، فقد أكد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في القدس، شادى عثمان، بأن الاتحاد الأوروبى سيدعم إجراء الإنتخابات من خلال توفير مراقبين دوليين وإزالة العقبات التى يضعها الاحتلال خاصة المتعلقة بعدم القدرة على الوصول بشكل سهل إلى مناطق القدس الشرقية والمناطق المصنفة (ج)[5]. 6- المصالحة الخليجية، فبعد المصالحة الخليجية، هناك توجه مشترك، مصري ــــ أردني ــــ سعودي ــــ إماراتي ــــ قطري، إلى تفعيل ملفّ السلام في المنطقة وعلى راسها القضية الفلسطينية. وهو ما ظهر فى استقبال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، اسماعيل هنية، الأمين العام للجهاد الإسلامي، زياد النخالة، في العاصمة القطرية الدوحة؛ لبحث “التطورات المتعلّقة باستعادة وحدة الشعب الفلسطيني وإنهاء الانقسام على قاعدة إجراء الانتخابات بمستوياتها الثلاثة”. على خطّ موازٍ، يدور حديث فتحاوي عن مصالحة بين عباس والقيادي المفصول من الحركة، محمد دحلان، بضغط إماراتي[6]. ويأتى فى ذات السياق، استقبال الرئيس الفلسطينى، محمود عباس في رام الله، فى 17 يناير 2021، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، ورئيس المخابرات الأردنية، أحمد حسني، بحضور نظيرهما ماجد فرج. وتدور الأحاديث عن أن الزيارة ناقشت قضية المصالحة مع القيادي المفصول من فتح، محمد دحلان، والضغط باتجاهها؛  لعدم إتاحة الفرصة لفوز قوى الإسلام السياسي[7]. وتكشف التصريحات الصادرة عن المسئولين التابعين لتيار الإصلاح التابع لدحلان عن أن تلك الجهود العربية باتت تؤتى أكلها، وأن المصالحة بين عباس ودحلان قد اقتربت. حيث دعا القائد الثاني فى “التيار الإصلاحى” سمير المشهراوي، إلى تجاوز الخلافات مع عباس، وجاء فى نص الدعوة، “إلى أعضاء اللجنة المركزية، وعلى رأسهم الأخ أبو مازن، الدعوة إلى العمل لتجاوز خلافات الماضي وتحقيق مصالحات فتحاوية توحّد الحركة، لأن في وحدتها قوة لفلسطين وقوة للوحدة الوطنية وقوة للمنظمة”. والظاهر أن ثمة قبولاً لدى قيادات الحركة برئاسة عباس بهذا العرض، لا سيما أن أعضاء من اللجنة المركزية قاموا بلقاء قيادات في التيار الإصلاحي في قطاع غزة، وتحدثوا معاً على مبدأ العمل المشترك[8]. 7- فوز الرئيس الأمريكى جو بايدن برئاسة البيت الأبيض، والذى أدى إلى حدوث مجموعة من التحولات من قبل دول الشرق الأوسط فى سياساتها للتكيف مع الإدارة الأمريكية الجديدة تمثلت فى؛ المصالحة الخليجية بين كلا الإمارات ومصر والسعودية والبحرين من جانب وقطر من جانب أخر، والدعوة القطرية لفتح حوار بين إيران ودول الخليج، والتهدئة التركية مع كلاً من مصر والإمارات وإسرائيل. وقد انعكست هذه التهدئة على تراجع حدة الاستقطابات والصراع بين المحاور (محور مصر والإمارات والسعودية، ومحور قطر وتركيا، ومحور إيران وميليشياتها فى سوريا ولبنان والعراق واليمن) التى كانت سائدة فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، والذى كان عاملاً أساسياً فى إنشاء هذه المحاور وتغذية الصراع بينهم، ومن هنا يمكن اعتبار حالة التقارب بين فتح وحماس انعكاس للتهدئة الناشئة بين المحاور الإقليمية الداعمة لكل منهما[9].   ثانياً: عقبات أمام إجراء الانتخابات: على الرغم من المحفزات السابقة التى تدفع نحو إجراء الإنتخابات، إلا أن هناك مجموعة من العقبات والتحديات التى تحول دون إجراء تلك الانتخابات، منها: 1- أن تلك الانتخابات هى مجرد استجابة لتطورات إقليمية ودولية دون أن ترتبط بترتيب…

تابع القراءة

المشهد السياسي.. عن الفترة من 16 يناير وحتى 22 يناير 2021

    المشهد المصري: حكم قضائي بمصادرة أموال 89 من قيادات الإخوان. الحدث: قضت محكمة الأمور المستعجلة، بمحافظة القاهرة، بقبول الدعوة المقامة من لجنة التحفظ على أموال الإخوان، بالتحفظ على أموال 89 من قيادات وكوادر الجماعة، وورثة الرئيس الراحل محمد مرسي، ونقلها لخزينة الدولة، ومن بين من شملهم الحكم: مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر، ومفتي الجماعة عبدالرحمن البر، ومحمد البلتاجي، وباسم عودة، وأسامة ياسين وزيري التموين والرياضة في عهد الرئيس مرسي،  إضافة إلى ورثة الرئيس المصري، وهم زوجته نجلاء علي محمود وأبناؤه أحمد وشيماء وأسامة وعمر[1]. ردود الفعل: من جانبها، قال المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين، طلعت فهمي، في تصريحات متلفزة، أن مصادرة أموال 89 من قيادات الجماعة المحبوسين وورثة الرئيس الأسبق الراحل محمد مرسي، «مكايدة سياسية، وظلم وانتقام من الفصيل الأكبر لدوره في ثورة يناير»، وأضاف مستنكراً، أن «الذين قامت على أيديهم الثورة يُحاكمون وتصادر أموالهم ومن ثبتت إدانتهم وتكسبهم غير المشروع ينعمون الآن بالحرية والأموال»[2]. في المقابل أعرب متابعون يتبنون وجهة نظر السلطات المصرية عن تأييدهم للحكم الأخير باعتباره «خطوة تمثل عنصرا مهما في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، ويفكك الارتباط بين جماعة الإخوان الإرهابية وقياداتها وأعضائها، والمشاركين معهم في شبكات الأموال والأعمال من غير المنتمين للجماعة أو حتى غير الذين يحملون الجنسية المصرية، وأن مصادرة أموال الجماعة الإرهابية سيساعد في وقف تمويل العمليات الإرهابية أو أي أنشطة مشبوهة أخرى، قد يتم تنفيذها داخل مصر أو خارجها[3]». بينما اختلفت تقييمات المتابعين المحسوبين على المعارضة حول مدى دستورية هذه الأحكام؛ فمن جهة كان هناك من اعتبر هذه الأحكام مخالفة للدستور، وعلى وجه التعيين مخالفة للمادة 35 من الدستور، والتي تنص على أن «الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبحكم قضائي، ولا تُنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يُدفع مقدما وفقا للقانون»، في المقابل هناك من اعتبر أن الأحكام من الناحية الصورية صحيحة، لكنها تبقى غير عادلة، وأن السلطات المصرية تعتمد على منظومة قانونية يرأسها مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقانونية اللواء ممدوح شاهين وهي أخطر من ترزية قوانين عهد مبارك[4]. الدلالات: (1) الحكم يحمل رسالة ضمنية أكثر من كونه خسارة حقيقية؛ ففي النهاية أموال هذه الشخصيات الـ 89 موضوعة تحت التحفظ منذ 2013، لكن المقصود من الحكم التأكيد على تبني الدولة لمسار المواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين. (2) جاء الحكم أبان المصالحة الخليجية بين دول الحصار وقطر، وبالتالي قد يكون هدف الحكم الرد على أية توقع بأن تكون المصالحة مع قطر خطوة تمهد في مرحلة تالية للتصالح بين جماعة الإخوان والسلطات المصرية. (3) الحكم قد يكون محاولة من السلطات المصرية أن تقنن تعاطيها مع ملف جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وبالتالي تقطع الطريق ضد أية محاولة لتقديم سياسات السلطات المصرية ضد تنظيم الإخوان باعتبارها إجراءات وسياسات استثنائية وغير قانونية، وذلك استعداداً لوصول جو بايدن للبيت الأبيض.   المصالحة الخليجية وموقع جماعة الإخوان المسلمين. بحسب مراقبين فإن الموقف من جماعة الإخوان المسلمين كان أحد الأسباب الرئيسية للخلاف بين محور المقاطعة وقطر، ومع ذلك لم تتضمن تفاصيل المصالحة الخليجية أي إشارة تتعلق بمصير العلاقات التي تجمع الجماعة بالدوحة، كما صرح وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أن الدوحة غير عازمة على تقديم تنازلات في ما يتعلق بتحالفاتها الإقليمية أو مستويات دعمها النوعي لجماعات الإسلام السياسي في سبيل إتمام مصالحة كاملة مع الرباعي العربي. وبحسب هذا الطرح فإن الإمارات ومصر لن تواصل مسار التصالح وعودة العلاقات بصورة كاملة مع قطر، ما لم تثبت الأخيرة جديتها، من خلال توقفها عن دعم مساعي الجماعة في محاولات تغيير الوضع السياسي القائم في مصر، بينما تستهدف أبو ظبي من ضغوطها على الدوحة بشأن علاقة الأخيرة بالإخوان، أن تتوقف الدوحة عن دعم الجماعة التي تستهجن أبو ظبي ممارساتها وخطابها التحريضي وعلاقاتها بالسلفية الجهادية، وأن مصر والإمارات استجابت لمساعي السعودية لتحقيق المصالحة مع قطر، لكنها لن تواصل استجابتها ما لم تبدي قطر تغييرات جادة فيما يتعلق بعلاقتها بالإخوان المسلمين[5]. بالتالي بحسب هذا الطرح، فإن دول الحصار «مصر، السعودية، الإمارات» اختلفت درجة تأييدهم لمبدأ المصالحة مع قطر؛ بينما أبدت الرياض اهتماماً كبيراً، كانت القاهرة وأبو ظبي أقل تفاؤلاً بالمصالحة، وأن مصر والإمارات قد يعودا للمربع صفر في علاقتهم مع الدوحة إذا لم تستجيب الأخيرة لمطالبهم فيما يتعلق بالعلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين. في هذا السياق فقد رحبت جماعة الإخوان المسلمين بالمصالحة الخليجية، وأكدت أنها تدعم”كل ما يُنهي أي خلافات بينها ويزيل أية رواسب بين شعوبها ويُسهم في وحدة أبنائها ووحدة شعوب الأمة العربية والإسلامية جمعاء”[6]، إلا أن هناك طرح، يبدو أصحابه أقرب للتوجهات الإماراتية، يرون أن جماعة الإخوان في ترحيبها بالمصالحة، تسعى من جهة لتأييد جهود حليفها القطري، وفي الوقت ذاته مغازلة الرياض باستعداد الجماعة للتقارب معها، وفي نفس الوقت الضغط على النظام المصري لجره للتفاوض مع الجماعة أو تصوير القاهرة باعتبارها معيقة لتحقيق الاستقرار ومعالجة الخلافات، وأن الجماعة ستروج لنفسها باعتبارها رقم صعب في المنطقة ما دفع دول الحصار للتصالح مع قطر مع احتفاظ الدوحة بعلاقتها مع الجماعة رغم الضغوط المفروضة عليها، وأن الجماعة مع ذلك ترى في تركيا ومن بعدها إيران ملاذات آمنة إذا سعت قطر في أي مرحلة قادمة تقليص دعمها ورعايتها للجماعة تحت ضغط من مصر والإمارات والسعودية[7]. تدعم هذه الرؤية طرحها بالإشارة إلى تصريحات المتحدث باسم جماعة “الإخوان المسلمين”، طلعت فهمي، التي جاءت رداً على سؤال طرحته الأناضول حول إمكانية أن تفتح المصالحة الخليجية الأبواب نحو مصالحة مصرية – مصرية تكون جماعة “الإخوان” أحد أطرافها، والتي قال فيها «أعلنت الإخوان مرارا أن الأمر لا يتعلق بالجماعة وحدها، بل الأمر يتعلق بحرية شعب تم الانقلاب على إرادته، وقتل ثواره وانتهاك حقوق الشعب والاستيلاء على مقدراته والتفريط في خيراته وحقوقه وقتل رئيسه المنتخب»، وأضاف أن «أي حوار لا يكون إلا بعد الإفراج عن المعتقلين، ورد المظالم (لم يحددها)، وعودة الجيش لثكناته، ومحاسبة كل من أجرم، وتمكين الشعب من اختيار من يحكمه بطريقة ديمقراطية»، ثم قال مستدركاً «لكن النظام الانقلابي هو من أرادها معركة صفرية، بداية من الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث، وارتكاب المذابح ضد المدنيين السلميين، مرورا بالاعتقالات والمحاكمات الجائرة والإعدامات والاستيلاء على الممتلكات التي ما زالت متواصلة حتى اليوم»[8]، فهم يشيرون إلى حديث المتحدث باسم الجماعة باعتباره مؤشر على استغلال الجماعة للمصالحة الخليجية للترويج لفكرة أن الجماعة راغبة في طي صفحة الخلاف مع النظام المصري لكن بشروط –أياً كانت طبيعة هذه الشروط- وللترويج لفكرة أن النظام المصري هو الذي لا يقبل بالتفاوض مع الجماعة ولا يرغب في طي الخلافات الناشبة في مصر…

تابع القراءة

سوريا مشاهد متفرقة لواقع مأزوم

شهدت الأزمة السورية تطورات محورية في اتجاهات شتى في الفترة الماضية، ربما كان من المستبعد توقع حدوثها معًا، أو حتى حدوث بعضها في حقيقة الأمر. تمثل التطور الأول، في تزايد الحديث حول تزايد التفاهمات السورية الإسرائيلية، بصورة دفعت البعض للتوقع بأنه ثمة تطبيع في المستقبل ينتظر دمشق وتل أبيب، في ظل حرص الولايات المتحدة الأمريكية على تصفية الصراع السوري الإسرائيلي بصفة كاملة، شبيه بما حدث مع مصر والأردن، كي لا يبقي أمام إسرائيل سوى الصراع مع فلسطين. بينما التطور الثاني، تمثل في التطور الذي شهده الموقف السياسي لدي هيئة تحرير الشام في علاقتها بالمجتمع الدولي، بصورة دفعت الكثير للتوقع بأن تقوم واشنطن برفع التنظيم من قائمة المنظمات الإرهابية. بينما التطور الثالث، وهو في حقيقة الأمر ليس تطور معاكس، بقدر ما هو امتداد للطريقة التي تعمل بها الكيانات السياسية المعارضة في سوريا، حيث شهدت انقسامات حادة واندلع تلاسن لفظي بين قاداتها. يبحث هذا التقرير تلك المشاهد، للنظر في آثارها على مستقبل سوريا الجديدة. سوريا الأسد وتل أبيب: طريق التطبيع يبدأ من أبوظبي: تواترت الأنباء في الأيام الأخيرة عن جهود تبذلها عواصم عربية طبعت علاقاتها مع إسرائيل لسحب سوريا إلى ذات مسلسل التطبيع الذي بدأته إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب مع عدد من الدول العربية وإسرائيل، ومن المرجح أن يواصله الرئيس الجديد جو بايدن. يتركز الجهد العربي أساساً في تصاعد العلاقة الوثيقة والصداقة الناشئة بين الإمارات والنظام السوري لإقناع الأسد بالتطبيع مع إسرائيل، لاسيما وأن ردود الفعل السورية الرسمية الصادرة عن دمشق في التعقيب على التطبيع الذي قامت به الإمارات والبحرين والسودان والمغرب لم يكن وفق المتوقع، بل جاء فاترا وباردا، بعيدا عن العبارات الحماسية التي دأب على إصدارها بين حين وآخر. [1]   توقف الإسرائيليون مطولاً عند صمت النظام السوري أمام تلك الاتفاقيات التطبيعية، ولم يصدر عنه شجب قوي، بل انتشر مقطع فيديو سابق للقيادي البعثي السوري مهدي دخل الله، وهو يدعو لتوقيع سوريا معاهدة سلام مع إسرائيل، طالما أنها منوطة بتفاهمات روسية أميركية، متوقعا أن تتم قريباً جدا. أكثر من ذلك، فما زالت أصداء مقابلة الأسد مع وسائل إعلام روسية، حين اشترط التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل بانسحابها من الجولان، فضلا عن عدم تعقيبه على انطلاق المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية لترسيم حدودهما البحرية. [2] الجدير بالذكر، أن قراءة العلاقات الخارجية للنظام السوري لا يظهر الإمارات وحدها في صورة التقارب معه، بل إن هناك عددا من الدول العربية تحاول الاقتراب من دمشق، وإعادتها إلى الجامعة العربية، ومنها مصر، حليفة إسرائيل، رغم أن السيسي الذي قدم مساعدات أمنية وسياسية لنظام الأسد يخشى ردود الفعل الأميركي والإسرائيلي على تحركاته هذه، وبالتالي فهو حذر من الاقتراب أكثر من اللازم، لكن التعرف على عمق العلاقات المصرية الإسرائيلية، لاسيما بعد انقلاب السيسي في 2013، يقدم إجابة جديدة عما قد يقف خلف هذا التقارب بين القاهرة ودمشق، ومدى وجود تل أبيب بينهما. كما أن تصفية الصراع السوري الإسرائيلي سيعني مزيد من العزلة للموقف الفلسطيني المقاوم لمسارات تسوية القضية الفلسطينية، لذلك فرغم الضعف الكامل الذي يشوب نظام الأسد، إلا أن دوره في تقديم سوريا على مائدة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، سيسهم بالطبع في مزيد من التعزيز والهيمنة للموقف الإسرائيلي، خاصة أن اتفاقية ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان وضعت حدًا لمسلسل الحرب المنتظرة بين بيروت وتل أبيب، وأعادت امكانية حدوث تفاهمات بينهما، وحدوث الأمر بالمثل في سوريا، يعني تقوية لإسرائيل، كما أنه يسهم في مزيد من الاضعاف للمشروع الإيراني الطائفي في المنطقة، ويعزز من قوة ونفوذ الإمارات والسعودية والمحور الخليجلي الإسرائيلي بصفة عامة. ولكن يبدو التحدي الحقيقي هو موقف إيران من هذا الأمر إن حدث، لأن الأخيرة منتشرة في سوريا بصورة كبيرة لا يجهلها أحد، كما أن استمرار الضربات الإسرائيلية على مواقع فيلق القدس والمليشيات الإيرانية، لن يحدث الخلل المنتظر في موازين القوى، وأن تلك الضربات ليست أكثر من مناوشات استفزازية، رغم أن هناك من يرى أن إسرائيل تحاول من خلال اتفاق ضمني بين روسيا والولايات المتحدة منع إيران من زيادة نفوذها في الأراضي السورية، وأن ضرباتها تحدث تأثيرًا حقيقيًا، ولكنه مؤقت ولا يسهم في انقلاب المعادلات الميدانية. إن الأسد يعلم أن طهران لها فضل كبير في بقائه في السلطة حتى تلك اللحظة، لكنه يعلم أيضًا أن مستقبله في سوريا متوقف على قبول المجتمع الدولي به في المستقبل، وهو أمر مستبعد بدون أن يقدم تنازلًا حقيقيًا يسمح له بالاستمرار، لاسيما أن سوريا ممزقة تمامًا بين أقطاب دولية واقليمية كبرى، بصورة قد تجعل من الأسد لم يملك من أمره شيئًا، ولكن ربما تسهم محاولته تطبيع العلاقات مع إسرائيل في اعطائه فرصه في سوريا الجديدة، عندما تبدأ شركات إعادة الإعمار في تشييدها، ولكن أين نصيب طهران من تلك التقسيمة؟ سؤال يفرض نفسه بقوة، ومن الصعب توقع حدوث تطبيع دون أن يكون هناك اجابة على هذا السؤال، ولا يمكن التدليل على بعض الضيق الذي يظهره بشار من محاولة طهران التوسع في السيطرة على أراضي سورية لاسيما في الجنوب، ولكن ليس هذا تدليلًا وحده على أن الباب سهلًا ومفتوحًا أمام بشار للتطبيع مع إسرائيل، ونحن هنا لسنا بصدد تقديم اجابات بقدر ما محاولة اثارة الاشكاليات التي ينتظرها هذا الأمر. واشنطن وهيئة تحرير الشام وجهًا لوجه: مر المشروع السياسي الجهادي للقائد أبو محمد الجولاني بتحولات راديكالية مستمرة لا تتوقف، وهنا لم نشير إلى جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام لأن النظر إلى تلك الكيانات لا ينبغي أن ينفصل بعيدًا عن موقف الجولاني منها، بل الأقرب للصواب أنه من يحركها لأهداف سياسية براغماتية. وقد ظهرت براغماتية الجولاني عندما قرر الانشقاق من تنظيم داعش واعلان بيعته لتنظيم القاعدة، لحماية تنظيم جبهة النصرة من التحلل والاندماج في تنظيم الدولة، عندما قرر تمدده في الشام واعلانه تأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام. كما ظهرت براغماتيته عندما أعلن حل تنظيم جبهة النصرة المصنف على قائمة الإرهاب العالمي، وتشكيله هيئة تحرير الشام، وهو الهيئة التي لها تفاهمات ومحادثات عديدة مع الجانب التركي، مكنتها من البقاء والصمود حتى تلك اللحظة، رغم تعرض باقي أقرانها من التنظيمات للضربات الدولية المستمرة، حيث استهدفت الولايات المتحدة مؤخراً في عدة ضربات جوية من دون طيار قياديين في تنظيم حراس الدين الأكثر تشدداً في شمال غرب سوريا وهو التنظيم المحسوب بارتباطه المباشر مع تنظيم القاعدة، المعادي بشكل غير مباشر لـتحرير الشام، خاصة وأنه قد انفضت قياداته عن الجولاني وعملت على تأسيس فصيل يمثل الجناح المتشدد والمنشق عن النصرة. سعت هيئة تحرير الشام خلال الشهور الماضية إلى طرح نفسها كـفصيل معتدل مُعارِض للنظام السوري، لا بوصفها فصيلاً جهادياً مُتشدداً ينبغي إبقاء اسمه على قوائم الإرهاب الدولية كما هو الحال الآن بالنسبة لـجبهة النصرة. وفي هذا الإطار،…

تابع القراءة

مصادرة أموال جماعة الإخوان القصة والدلالات وردود الأفعال

بعد حكم محكمة الأمور المستعجلة، السلطات المصرية ومصادرة أموال جماعة الإخوان القصة والدلالات وردود الأفعال   قضت محكمة الأمور المستعجلة، بمحافظة القاهرة، بقبول الدعوة المقامة من لجنة التحفظ على أموال الإخوان، بالتحفظ على أموال 89 من قيادات وكوادر الجماعة، وورثة الرئيس الراحل محمد مرسي، ونقلها لخزينة الدولة، ومن بين من شملهم الحكم: مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر، ومفتي الجماعة عبدالرحمن البر، ومحمد البلتاجي، وباسم عودة، وأسامة ياسين وزيري التموين والرياضة في عهد الرئيس مرسي،  إضافة إلى ورثة الرئيس المصري، وهم زوجته نجلاء علي محمود وأبناؤه أحمد وشيماء وأسامة وعمر[1]. نحاول في هذه السطور تتبع سيرة تعامل النظام المصري مع المكون الاقتصادي في جماعة الإخوان المسلمين، وذلك على الصعيد التشريعي من خلال قانون الكيانات الإرهابية، أو على الجانب التنظيمي من خلال لجنة “لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان الإرهابية”، التي شهدت تطويرات بدورها بمرور الوقت. كما نقف على التطورات الأخيرة بالملف، من خلال معرفة تفاصيل القضية التي انتهت بالحكم الذي أصدرته “محكمة الأمور المستعجلة”، بمحافظة القاهرة، بالتحفظ على أموال 89 من قيادات وكوادر الجماعة، وورثة الرئيس الراحل محمد مرسي، ونقلها لخزينة الدولة، ونجيب على التساؤلات الخاصة بدلالة هذا الحكم في ذلك التوقيت، وردود الفعل الذي أثارته. بداية القصة: بدأت السلطات المصرية التعامل مع ملف إقتصاد الجماعة في سبتمبر 2013؛ عندما أصدرت “محكمة القاهرة للأمور المستعجلة” حكما بـ “حظر جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وأية مؤسسة متفرعة عنها، أو تابعة لها، والتحفظ على جميع أموالها العقارية والسائلة والمنقولة”، وبناءً على هذا الحكم القضائي قامت الحكومة المصرية في يناير 2014، بتكوين “لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان الإرهابية”، والتي أصدرت قرارات بالتحفظ ضد أكثر من 1538 شخص، كما شملت 118 شركة متنوعة النشاط، و1133 جمعية أهلية، و104مدارس، و69 مستشفى، و33 موقعاً إلكترونياً، وقناة فضائية، وذلك على مدى الأعوام الماضية، بتهمة تمويل الجماعة، وإن كانت هذه الارقام تقريبية، فلم تصدر تقديرات رسمية عما تم التحفظ عليه خلال هذه السنوات[2]. وقد واصلت اللجنة المذكورة عملها، حتى كان الثاني والعشرين من أبريل 2018، وفيه صدق السيسي على القانون رقم 22 لسنة 2018، الذي ينظم إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الكيانات والشخصيات المصنفة “إرهابية”، جاء التصديق بعد أن وافق البرلمان المصري على القانون ذاته، بأغلبية الحضور في السابع عشر من الشهر ذاته، وقد نص القانون على؛ (1) إنشاء لجنة مستقلة، تتشكل من قضاة، تختص دون غيرها باتخاذ جميع الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائيةالصادرة باعتبار جماعة أو شخص ينتمي إلى جماعة أو جماعات إرهابية. (2) تتشكل هذه اللجنة من 7 أعضاء من بين قضاة محاكم الاستئناف، على أن يكون كل منهم بدرجة رئيس استئناف، يرشحهم وزير العدل، ويصدر بندبهم قرار من رئيس الجمهورية، بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، لمدة سنة قابلة للتجديد، وتكون رئاستها لأقدم الأعضاء. (3) تتولى اللجنة تنفيذ الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون، حيث تجري حصراً للأموال الخاصة بجميع هذه الأحكام، أياً كانت صورتها، ولها اتخاذ جميع الإجراءات التي تكشف عنها، والاستعانة بجميع الجهات التي ترى الاستعانة بها في هذا الشأن[3]، وبذلك تحل هذه اللجنة القضائية الجديدة محل اللجنة الحكومية التي تشكلت في سبتمبر 2013، تحت اسم “لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان الإرهابية”. (4) بينما كانت اللجنة القديمة معنية بحصر وإدارة أموال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين فقط، فإن اللجنة المستحدثة ستكون معنية بالشأن ذاته لكن لكل من يصنفه القضاء كـ”إرهابي أو ككيان إرهابي”[4]. تطورات تعاطي الحكومة مع ملف الأموال المصادرة: سبب هذا التحول من لجنة الحصر الحكومية التي تشكلت في سبتمبر، إلى اللجنة الجديدة المكونة من قضاة، فهو رغبة النظام في توسيع عمل اللجنة، من إدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين المتحفظ عليها، ليصبح عملها تنفيذ إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الكيانات والشخصيات التي يصنفها القضاء المصري “إرهابية”، ولأن اللجنة القديمة كان ينظر إليها باعتبارها لجنة إدارية/ حكومية وليس لها مسوغ قضائي، في حين اللجنة الجديدة تتكون من قضاة، بل من رؤساء محاكم استئناف[5]. في نفس العام الذي تم فيه تشكيل اللجنة الجديدة، قام رئيس اللجنة المذكورة برفع دعوى، عام 2018، أمام محكمة الأمور المستعجلة، طالب فيها بتمكين اللجنة من التصرف في أموال بعض قيادات “الإخوان” ونقلها إلى الخزينة العامة، وشملت الدعوى قائمة بـ 89 قيادياً من تنظيم الإخوان، ومن ثم قضت محكمة الأمور المستعجلة، بمحافظة القاهرة، بقبول الدعوة المقامة من لجنة التحفظ على أموال الإخوان، بالتحفظ على أموال 89 من قيادات وكوادر الجماعة، وورثة الرئيس الراحل محمد مرسي، ونقلها لخزينة الدولة، وقد استندت المحكمة في حكمها والذى يعد الأول من نوعه، على نص المادة 11 من القانون رقم 22 لسنة 2018، والذي ينص على أنه «مع مراعاة حقوق الغير حسن النية، يكون للجنة متى صار حكم التحفظ نهائيًا التصرف فى الأموال محل التحفظ على النحو المبين فى القانون المدنى والمرافعات المدنية والتجارية متى كان منطوق الحكم قد نص على التصرف فى المال، وذلك بنقل ملكيته إلى الخزانة العامة بناء على طلب اللجنة من المحكمة المختصة التصرف فى المال»[6]. يبقى من المتوقع أن يطعن محامو الإخوان بالحكم، وفي حال حكمت محكمة النقض برفض الطعن وتأكيد الحكم، فسيتم تحويل الأموال المصادرة إلى خزينة الدولة، وتصبح مالاً عامّاً[7]. ردود الأفعال التي أثارها الحكم القضائي الآخير: من جانبها، قال المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين، طلعت فهمي، في تصريحات متلفزة، أن مصادرة أموال 89 من قيادات الجماعة المحبوسين وورثة الرئيس الأسبق الراحل محمد مرسي، «مكايدة سياسية، وظلم وانتقام من الفصيل الأكبر لدوره في ثورة يناير»، وأضاف مستنكراً، أن «الذين قامت على أيديهم الثورة يُحاكمون وتصادر أموالهم ومن ثبتت إدانتهم وتكسبهم غير المشروع ينعمون الآن بالحرية والأموال»[8]. في المقابل أعرب متابعون يتبنون وجهة نظر السلطات المصرية عن تأييدهم للحكم الأخير باعتباره «خطوة تمثل عنصرا مهما في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، ويفكك الارتباط بين جماعة الإخوان الإرهابية وقياداتها وأعضائها، والمشاركين معهم في شبكات الأموال والأعمال من غير المنتمين للجماعة أو حتى غير الذين يحملون الجنسية المصرية، وأن مصادرة أموال الجماعة الإرهابية سيساعد في وقف تمويل العمليات الإرهابية أو أي أنشطة مشبوهة أخرى، قد يتم تنفيذها داخل مصر أو خارجها[9]». بينما اختلفت تقييمات المتابعين المحسوبين على المعارضة حول مدى دستورية هذه الأحكام؛ فمن جهة كان هناك من اعتبر هذه الأحكام مخالفة للدستور، وعلى وجه التعيين مخالفة للمادة 35 من الدستور، والتي تنص على أن «الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبحكم قضائي، ولا تُنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يُدفع مقدما وفقا للقانون»، في المقابل هناك من اعتبر أن الأحكام من الناحية الصورية صحيحة، لكنها تبقى غير عادلة، وأن السلطات المصرية تعتمد…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022