
الاتفاقات العسكرية المصرية مع الصومال وتداعياتها على العلاقات مع اثيوبيا
في السابع والعشرين من أغسطس 2024، أعلنت مصادر عسكريةة مصرية وصومالية عن وصول أول طائرتين عسطريتين مصريتين إلى مقديشيو، محملتان بالمعدات العسطرية ضمن الاتفاقات الأمنية المشتركة، وبعد طلب الرئيس الصومالي من السيسي الدعم العسكري لبلاده.. وهو الخبر الذي أثار غضبا اثيوبيا كبيرا، وترقبا دوليا لانزلاق مسار العلاقات الاقليمية في القرن الافريقي، نحو التصعيد العسكري.. ووقّعت مصر والصومال، 14 أغسطس 2024، “بروتوكول عسكري”، خلال زيارة الرئيس الصومالي للقاهرة، ولقائه عبد الفتاح السيسي… والذي تلى توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين الجانبيين، في يوليو الماضي، لتعزيز العلاقات الدبلوماسية والأمنية بين البلدين، لمواجهة التحديات الاقليمية، في منطقة القرن الافريقي، ومواجهة التحركات الاثيوبية المضادة لمصالح كلا الدولتين، الصومال ومصر… وخلال لقاء اسيسي والرئيس الصومالي، خطوات دبلوماسية وتجارية من بينها افتتاح السفارة المصرية في مقرها الجديد بالعاصمة مقديشو، وإطلاق خط طيران مباشر بين البلدين.. وسبق أن كشف الرئيس الصومالي أن بلاده طلبت من مصر توفير معدات عسكرية والتدريب الإضافي للقوات العسكرية والأمنية الصومالية، فضلاً عن الدعم الدبلوماسي وسط التوترات المتنامية مع إثيوبيا. علاوة على إطلاق خط طيران مباشر بين القاهرة ومقديشيو، وافتتاح السفارة المصرية في العاصمة الصومالية مقديشيو.. كان الرئيس الصومالي أعرب عن التقدير لدعم مصر المتواصل لبلاده على مدار العقود الماضية، مشدداً على حرص الصومال على المزيد من تعزيز الروابط الاقتصادية والأمنية والسياسية مع مصر خلال الفترة المقبلة، ومثمناً دور الهيئات المصرية المختلفة في بناء قدرات الكوادر الصومالية في مختلف المجالات. وخلال زيارة الرئيس الصومالي للقارة، منتصف أغسطس الجاري، تم التوافق على تكثيف التشاور والتنسيق خلال الفترة المُقبلة، لمواصلة العمل على إرساء الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي. تلك التحركات أثارت مخاوف اثيوبية، ودفعت مواقفها نحو التحفز تجاه مصر، خاصة قبل جولة مفاوضات ووساطة تقدها تركيا، بين اثيوبيا والصومال، وبين اثيوبيا ومصر فييما يخص سد النهضة.. أولا: أهمية الاتفاقات وتوقيت التقارب بين الصومال ومصر: وحمل توقيت التعاون العسكري بين الصومال ومصر العديد من الدلالات، تمثلت في رغبة مصر للعودة إلى الصومال، والتي توّجت أخيراً بفتح مقر جديد لسفارتها في مقديشو بعد عقود غابت فيها مصر عن المنطقة، إلى جانب تناغم مصالح البلدين في ظل توسع أطماع إثيوبيا. وفي ظل تزايد الاهتمام الدولي بدول القرن الأفريقي، خصوصاً الصومال الذي بات محوراً استراتيجياً في التحالفات الإقليمية والدولية في المنطقة، ما يطرح العديد من التساؤلات حول مدى قدرة مقديشو على تبني مواقف دبلوماسية جادة لموازنة نفوذ الدول المهتمة بالمنطقة. واضطرت مصر وبخطى سريعة لإعادة تموضعها في الصومال، بسبب التحولات الجيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي، بعد سنوات غاب فيها تأثيرها على الساحة السياسية الصومالية. ووفق تقديرات صومالية، فالدور المصري في الصومال لم يكن ملموساً منذ عقود، لكن ما دفع القاهرة للتقارب مع مقديشو هذه المرة هو الضربة السياسية غير المتوقعة التي تلقتها القاهرة في عام 2020، بعد أن تبنى الصومال موقفاً محايداً من قضية سد النهضة إبان قرار جامعة الدول العربية المساند لموقف مصر والسودان، على حساب دولة المنبع إثيوبيا، وهو ما خالف العرف السياسي التقليدي بين البلدين. وهو ما أشعر مصر بأن إثيوبيا سحبت البساط من تحت قدميها، وأنها بحاجة إلى ترتيب حساباتها تجاه الصومال من جديد.. وعكس التحرك المصري في الوقت الراهن مدى تدارك القاهرة أن ملفاتها ومصالحها في خطر وجودي، في حال استمرت سياستها السابقة تجاه الساحة الصومالية نظراً لظهور لاعبين جدد في المنطقة أكثر انخراطاً في عملية التعاون الاقتصادي والدبلوماسي مع الصومال. وبات وضحا أن القاهرة تدفع ثمن غيابها عن الساحة الصومالية، وأن إعادة دورها الفعلي قد تستغرق وقتاً أطول ومرهونة بحجم دعمها في الملفات السياسية والأمنية في البلاد، إلى جانب طبيعة التحالفات في المنطقة. وكانت مصر قد اختارت الصومال أولى محطات زيارات وزير خارجيتها الجديد بدر عبد العاطي يوليو الماضي، في خطوة أظهرت رغبة القاهرة في استعادة دورها في مقديشو. وأكد وزير خارجيتها في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الصومالي أحمد معلم فقي، عزم مصر تعزيز التعاون مع الصومال في مجالات الأمن والدفاع، أعقبها افتتاح مقر جديد للسفارة المصرية في مقديشو لتوسع مهامها التي كانت مقتصرة على تقديم خدمات التأشيرة فقط. ولتعويض دورها الخجول خلال السنوات الماضية، باشرت القاهرة تغيير قواعد اللعبة في الملف السياسي الصومالي، خصوصاً بعد انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود في 23 مايو 2022 من خلال إرسال رئيس وزرائها مصطفى مدبولي للمشاركة في حفل تنصيبه، وهي خطوة اعتبرها محللون ممهّدة لعودة الدور المصري في الصومال. ثانيا: السياق الإقليمي للتعاون العسكري المصري الصومالي: وجاء توقيع الاتفاقات العسكرية وبرتوكول التعاون العسكري، في سياق العديد من التطورات والتفاعلات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية…منها: -توسع الدور التركي في الصومال والقرن الافريقي: وتسارعت الخطوات الصومالية لتوقيع اتفاقيات عسكرية مع تركيا ومصر، بعدما تفاقمت التوترات مع إثيوبيا عندما وقّعت أديس أبابا مذكرة تفاهم مع “أرض الصومال” تمنح إثيوبيا – واحدة من أكبر الدول غير الساحلية في العالم – منفذاً بحرياً لطالما سعت إليه. وسعت تركيا إلى أن تكون وسيطًا بين الصومال وإثيوبيا، حيث استضافت، محادثات، يوليو الماضي، في محاولة لخفض منسوب التوترات المتصاعدة بين البلدين، على خلفية الاتفاق الذي رفضته مصر والدول العربية، وينتظران جولة جديدة من المفاوضات سبتمبر المقبل. ووقعت تركيا والصومال اتفاق عسكريا سابقا، وبموجب الاتفاق بين تركيا والصومال، ستوفر تركيا التدريب والمعدات للبحرية الصومالية حتى تتمكن من حماية مياهها الإقليمية بشكل أفضل من التهديدات مثل الإرهاب والقرصنة و”التدخل الأجنبي”، فضلًا عن إجراء مناورات وتدريبات عسكرية بحرية وجوية وبرية. وتقضي الاتفاقية ببناء تركيا سفنا عسكرية وبيعها للصومال، وسيكون للقوات البحرية التركية الحق الكامل في استخدام الموانئ البحرية الصومالية الحالية، وإنشاء موانئ وقواعد عسكرية بحرية جديدة، فضلًا عن إنشاء قواعد عسكرية تركية وأخرى مشتركة في مقديشو التي ستتكفل بفتح أجوائها للاستخدام المدني والعسكري التركي. -توتر مصري اثيوبي: وأيضا، جاء توقيع البروتوكول في ظل نزاع متصاعد بين مصر وإثيوبيا، بدأ قبل أكثر من عقد مع بدء أديس أبابا بناء سد النهضة على مجرى النيل الأزرق، الذي تحصل مصر من خلاله على نحو 85% من إيرادها من مياه النيل، وتفاقم بعد توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم “أرض الصومال” الانفصالي لإنشاء قاعدة بحرية على البحر الأحمر. وأثار توقيع البروتوكول العسكري بين مصر والصومال أسئلة حول مدى حرص القاهرة على تقديم الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لدولة الصومال في مواجهة محاولات توسعة النفوذ الإثيوبي في منطقة القرن الأفريقي وبين دول حوض النيل، بدعم من حلفاء إقليميين يقدمون الدعم لأديس أبابا، مثل الإمارات، والتي تُعتبر حليفاً قوياً لمصر، لكنها تتمتع أيضاً بنفوذ هو الأقوى في “أرض الصومال” (إقليم غير معترف به دولياً) عبر قاعدة في مطار بربرة بُنيت عام 2017 وتحولت عام 2019 إلى مطار متعدد الاستعمالات، وأيضاً من خلال تعاون عسكري وتدريب تقدمه أبوظبي لقوات الإقليم منذ 2018، فضلا عن…