“قانون قيصر” عقاب أمريكي للأسد يدفع ثمنه السوريون على الطريقة العراقية بعهد صدام
بجانب التظاهرات العارمة التي تشهدها معظم المدن السورية، سواء الخاضعة لنظام بشار الأسد أو غير الخاضعة حاليا، إثر انهيار شبه كامل للاقتصاد السوري، وانهيار قيمة الليرة السورية بصورة كبيرة جدا، فاقمت الأزمات المعيشية، دخل قانون “قيصر” المتضمن عقوبات أميركية جديدة على النظام السوري حيز التنفيذ يوم الأربعاء 17 يونيو الجاري. وتعرض “قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية لعام 2019″، لعدد من التعديلات قبل التصويت عليه من قبل الكونغرس، كان آخرها في يونيو من العام الماضي، قبل تمريره في مجلسي الكونغرس والشيوخ، وتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه نهايته العام الماضي. بنود القانون وينص على فرض عقوبات على الأجانب المتورطين ببعض المعاملات المالية، أو التقنية، مع مؤسسات “الحكومة السورية”، والمتعاقدين العسكريين والمرتزقة الذين يحاربون بالنيابة عن النظام السوري أو روسيا أو إيران، أو أي شخص فُرضت عليه العقوبات الخاصة بسورية قبلاً، وكل من يقدّم الدعم المالي أو التقني أو المعلومات التي تساعد على إصلاح أو توسعة الإنتاج المحلي لسورية من الغاز والنفط أو مشتقاته، ومن يقدّم الطائرات أو قطعها، أو الخدمات المرتبطة بالطيران لأهداف عسكرية في سورية. كما يفرض عقوبات على المسؤولين لجهة انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين أو أفراد عائلاتهم، وحدد مجموعة من الشخصيات المُقترح أن تشملهم العقوبات، بينهم رئيس النظام السوري، ورئيس الوزراء ونائبه، وقادة القوات المسلحة، البرية والبحرية والاستخبارات، والمسؤولون في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة، فضلاً عن قادة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والمسؤولين عن السجون التي يسيطر عليها النظام، ورؤساء الفروع الأمنية، ويستثني القانون المنظمات غير الحكومية التي تقدّم المساعدات في سورية. وعلى الرغم من اللهجة القاسية للمشروع، فإنه يترك الباب مفتوحاً للحل الدبلوماسي، فهو يسمح للرئيس الأميركي برفع هذه العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل نظام الأسد، بشرط وقف الدعم العسكري الروسي والإيراني له. كما يمكّن الرئيس الأميركي من رفع العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي. قصة قيصر وجاء القانون، بعد توثيق العديد من جرائم الحرب التي وثّقتها صور الضابط السوري المنشق المكنّى بـ”قيصر” والقابعة في الكونغرس منذ 2014. ففي عام 2014 جلس “قيصر”، وهو الاسم الرمزي لمصور عسكري سابق عمل مع الشرطة العسكرية للنظام السوري، أمام أعضاء من الكونغرس الأمريكي وشرح لهم مضامين 55 ألف صورة تكشف عن جرائم قتل وعمليات تعذيب منظمة أقدمت عليها حكومة نظام الأسد. الصور التي يقول قيصر إنه قد هرّبها خارج البلاد تظهر ألوف الجثث التي جرى اقتلاع أعينها، وجثث أخرى بترت أطرافها وفظاعات أخرى مورست في مراكز الاعتقال السورية، المحققون تأكدوا من حقيقة الصور رغم إعلان وزارة العدل السورية أنها صور مزورة، وقد صور قيصر بتكليف من النظام السوري 6786 سجينًا مقتولاً. والقانون هو حزمة عقوبات أريد لها أن تعزل كل من يتعامل مع حكومة بشار الأسد، لكن وفي ضوء سنوات الحرب الطويلة التي يرزح تحتها الشعب السوري، يحذر المعارضون لهذه العقوبات من أن تطبيقها سيلحق بالسوريين مزيداً من الضرر، إذ أن العقوبات الأمريكية والأوروبية القائمة حالياً تطال رموز نظام الأسد وقطاع النفط السوري، أما العقوبات الجديدة فيراد لها أن تحقق مستوى أعلى من الشدة، بحسب المراقبين. رهانات أمريكية وتستهدف عقوبات “قانون قيصر” سد الثغرات الموجودة في العقوبات الحالية، من خلال معاقبة كل من يتعامل مع البنك المركزي السوري والقوى الجوية وقطاع النفط، والمجموعات الأجنبية التي تقاتل إلى جانب بشار الأسد، علاوة على دول مثل الصين، دولة الإمارات وروسيا التي قد تسعى إلى تمويل وتنفيذ عمليات إعادة الإعمار في سوريا. وتراهن واشنطن على القانون الجديد لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، وتؤكد الإدارة الأميركية عزمها على تطبيق القانون بصورة صارمة لتسديد ضربة إضافية قاسية للاقتصاد السوري الذي ينهار، ولبعث رسالة مفادها أن إعادة إعمار سورية يجب أن تكون برضا الولايات المتحدة. وتستهدف العقوبات أيضاً “حزب الله” اللبناني بهدف تقليص دوره باعتباره الذراع الإيرانية الأهم في المنطقة وأحد الأنابيب الرئيسية لمد الاقتصاد السوري بالأوكسجين اللازم لاستمراره. وفي الحسابات والتقديرات الأميركية فإن مردود القانون من هذه الناحية الجيوسياسية قد يكون الأفعل، فالساحة اللبنانية في حالة اختناق مالي وسياسي يهدد بانفجار كبير، وثمة من يتوقع “انهيار الدولة اللبنانية”. ومن شأن عقوبات قيصر صبّ الزيت على النار ووضع المزيد من الضغوط على “حزب الله” لإجباره على الانكفاء من سورية. فالحزب حسب المعلومات الأميركية، يقوم من خلال شبكة أعماله بعمليات تجارية مع النظام السوري عبر المعابر الحدودية غير الرسمية التي تبلغ نحو 120 معبراً لتهريب البضائع بين البلدين. وهو ما يكبد المصرف المركزي في لبنان سنوياً خسائر بنحو 4 مليارات دولار بسبب تهريب المحروقات المدعومة من الدولة إلى سورية. توقيت مستهدف أمريكيا ودوليا ويأتي تشديد العقوبات الأمريكية بموجب قانون قيصر، بعد أيام من تمديد العقوبات الأوروبية على سوريا لمدة عام آخر، وأيضا، يأتي ذلك في وقت دعا فيه الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش إلى رفع العقوبات التي تعرقل مكافحة تبعات فيروس كورونا، ولكن الاتحاد الأوروبي مدد العقوبات رغم دعوته أوائل أبريل إلى تخفيفها عن سوريا وفنزويلا وإيران ودول أخرى بهدف مساعدتها على مواجهة فيروس كورونا. وفي تحليل لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المقرب من الإدارة الأمريكية تحت عنوان “قانون قيصر يدخل حيز التنفيذ: زيادة عزل نظام الأسد” تم التأكيد على أن “العقوبات لم تفلح حتى الآن في ثني الرئيس الرئيس الأسد عن تغيير سياساته.” عقوبات شاملة النظام والشعب! ويرى عدد من الخبراء الألمان بينهم الكاتب والصحفي ماتياس فون هاين أن “المفارقة في أن العقوبات الأوروبية التي تستند إلى المخاوف على حقوق الإنسان تشمل 14 قطاعا مثل محطات توليد الطاقة ومضخات المياه ومعدات صناعة الطاقة وقطع التبديل والتحويلات المالية، ما يشمل عقوبة جماعية للسوريين ويعيق حصولهم على الكهرباء والأدوية والطعام إلخ.” وهذا يعني أن عقوبات قانون قيصر ستكون أشد وطأة خلال الأيام والأسابيع القادمة، إلا إذا حصل تطورات مفاجئة تدفع الولايات المتحدة إلى التخفيف منها أو تأجيل تنفيذها. وقد يحصل بعض الانفراج أيضا في حال أقدمت الصين مثلا على تقديم المزيد من الدعم لسوريا، لأن روسيا وإيران حليفتا دمشق تعانيان من عقوبات غربية أيضا وليستا في وضع اقتصادي يسمح لهما بمساعدة سوريا على تجاوز المحنة التي تمر بها حاليا. ولا يقتصر قانون “قيصر” على استهداف الجانب التجاري للحزب، بل يشمل أيضاً قطاع الخدمات والبنى التحتية ومجالات الاستثمار والمصارف، وإن كانت هذه الأخيرة منضبطة إلى حد بعيد بحدود العقوبات الأميركية. ويشمل القانون أيضاً الاتفاقات العسكرية وهيئات التنسيق بين سورية ولبنان ومنها “المجلس الأعلى اللبناني السوري” المشكل منذ عام 1991 و”اتفاق الدفاع الأمني” الموقع في 2019. تداعيات اقتصادية وبحسب مراقبين، يريد الداعمون لحزمة العقوبات الجديدة إعاقة عمليات إعادة الإعمار لسببين: الأول، أن نظام الأسد قد صادر أملاك اللاجئين السورين الذين هربوا من بطشه،…