مشروع القانون البريطاني لتصنيف حماس كحركة إرهابية: الدوافع والتداعيات
أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل، في 19 نوفمبر 2021، أنها بدأت في استصدار قانون من البرلمان يصنف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كمنظمة “إرهابية” ويتم حظرها في المملكة المتحدة، مبررة ذلك بالتزام حكومتها بالتصدي “للتطرف والإرهاب” لأن الحركة “لديها إمكانيات إرهابية كبيرة تشمل إمكانية الوصول إلى أسلحة واسعة النطاق ومتطورة”[1]. وليقر البرلمان البريطاني، فى 24 نوفمبر، مذكرة وزيرة الداخلية بضم حركة “حماس” إلى قائمة “المنظمات الإرهابية”[2]. ويعتبر هذا القرار البريطانى انقلاباً على تقليد أو ميزة لطالما امتازت بها بريطانيا، وهي استخدام البراغماتية في تعاطيها مع الملفات الساخنة، ولاسيما في مقاربة القضية الفلسطينية. فهي لم تُجارِ في السابق، على سبيل المثال، بعضَ الدول الأوروبية والولايات المتحدة في تصنيف شامل لحركة (حماس) في خانة “الإرهاب”، بل أبقت على شعرة معاوية، مستخدمةً تصنيفاً آخر تميّز فيه بين الجناحين العسكري والسياسي للتنظيم الفلسطيني. ما استجد، عبر معاقبة كل بريطاني يرفع راية “حماس”، أو يتواصل مع أعضاء ينتمون إليها، بالسَّجن مدةً قد تصل إلى أربعة عشر عاماً، يشي بتبني سياسة صريحة للحكومة البريطانية في الشرق الأوسط، جوهرها الاصطفاف إلى جانب محور يعادي المقاومة وينحاز بصورة كاملة إلى “إسرائيل”[3]. وتسعى هذه الورقة إلى الوقوف على أهم دوافع القرار البريطانى وما سيسفر عنه من تداعيات. أولًا: دوافع القرار البريطاني بتصنيف حماس كحركة “إرهابية”: يمكن الإشارة إلى مجموعة من الأسباب والدوافع التى تقف خلف قرار وزيرة الداخلية بتصنيف حماس كحركة “إرهابية”، تتمثل أبرزها فى: 1- ذكرى وعد بلفور: يأتى هذا القرار بعد أيام من ذكرى وعد بلفور، 2 نوفمبر 1917، ومطالبة الفلسطينيين لبريطانيا بتقديم اعتذار عن هذا الوعد وتعويض الفلسطينيين عما لحقهم من أضرار بسبب هذا الوعد الذي قطعه وزير خارجية بريطانيا للحركة الصهيونية وهو القرار الذي ما كانت تقوم دولة الكيان الصهيوني بدونه، لكن يبدو أن الحكومة البريطانية تعيد رسم ملامح ما ارتكبته من خطيئة سياسية تاريخية بحق الشعب الفلسطيني ابان وعد بلفور، والذي منحت بموجبه “تأسيس وطن قومي لليهود” على أرض فلسطين ابان الحرب العالمية الأولى، لكن هذه المرة بمحاربة وتصنيف مكون أساسي من الشعب الفلسطيني وهي حركة حماس بـ “الإرهاب”. وفي ظل عدم وجود أي نشاط أو مكاتب أو تواجد لحركة حماس في بريطانيا، فإن هذا القرار سيستهدف أي فلسطيني أو غيره من الأشخاص الذين يدعمون القضية الفلسطينية؛ وسيجرم أي دعم للقضية الفلسطينية مستقبلا بذريعة دعمهم لحركة حماس[4]. 2- الميول الصهيونية لوزيرة الداخلية: حيث تشتهر وزيرة الداخلية بريتى بايتل بميولها الصهيونية المتطرفة المعروفة ودعمها لدولة الاحتلال. وبالعودة إلى عام 2017، نجد أن باتيل أُجبرت على تقديم استقالتها من حكومة تيريزا ماي، بسبب تنظيمها لاجتماعات سرية مع الحكومة الإسرائيلية، ومناقشتها مسألة منح مساعدات بريطانية للجيش الإسرائيلي، من أموال المساعدات الخارجية التي تمنحها لندن للدول الفقيرة، وليس لجيش له تاريخ طويل من الاتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد المدنيين، الأمر الذي اعتبرته الحكومة وقتها مخالفة لتوجهات المملكة[5]. وقد شغلت باتيل سابقا منصب “رئيس مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين”، ما يكشف مدى تأثير اللوبيات وداعمي إسرائيل في الحكومة البريطانية الحالية، وقد يعكس ضغط لوبيات غير بريطانية مثل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة “إيباك” حيث أعلنت باتيل عن نيتها بشأن حماس من واشنطن لا بريطانيا. ويبدو أن الوزيرة اختارت توقيت القرار الآن لتوقعها تمرير مجلس العموم له حيث يمتلك المحافظون أغلبية برلمانية كبيرة. كما أن 80 بالمئة من البرلمانيين المحافظين أعضاء في “مجموعة أصدقاء إسرائيل” في الحزب[6]. ويبدو أن باتيل التى أوصلها الدعم الصهيونى إلى منصب وزير الداخلية فى حكومة جونسون، تسعى إلى الاعتماد على هذا الدعم من أجل الوصول إلى رأس الهرم السلطوي في المملكة[7]. 3- تصاعد التيار المؤيد لإسرائيل داخل الحكومة والأحزاب البريطانية: لم يكن موقف باتيل إلا حلقة في سلسلة طويلة داخل تيار كبير من المحافظين الداعمين لـ”إسرائيل” داخل بريطانيا، فوزيرة الداخلية المعروفة بخلفياتها الأيديولوجية والسياسية تنتمى لحزب المحافظين الذي كان ينتمي له بلفور إبان عهده، وهو نفسه الحزب البريطاني الذي يعطي ولائه كاملا للاحتلال الإسرائيلي[8]. وعقب دعم حكومة لندن للعدوان الإسرائيلي الأخيرة على غزة مايو 2021، نشرت صحيفة Declassified UK تحقيقا استقصائيا كشفت فيه أن ثلث وزراء الحكومة، بمن فيهم رئيس الوزراء جونسون، مولتهم إسرائيل هي واللوبي المؤيد لها. وكشف الموقع في 22 مايو 2021 الطرق التي تعاملت من خلالها إسرائيل مع أعضاء الحكومة البريطانية على مر السنين، لإخضاعهم. وأشار إلى بعض أساليب “التودد وإغراء نواب بريطانيين بعدة طرق”، منها تنظيم رحلات لهم إلى إسرائيل بدعم مالي من جماعات اللوبي الصهيونية، وتمويل حملاتهم الانتخابية. وبحسب الصحيفة البريطانية، جرى تنظيم زيارة لرئيس الحكومة الحالية بوريس جونسون، لمدة خمسة أيام إلى تل أبيب في نوفمبر2004، مدفوعة الأجر، كما دعمت مجموعة الضغط المؤيدة لإسرائيل (CFI) أيضا حملته لرئاسة بلدية لندن عام 2012. وبينت أن إسرائيل دفعت أيضا تكاليف رحلات خمسة وزراء في مجلس الوزراء الحالي هم: ألوك شارما، وكواسي كوارتنغ، وروبرت جينريك، وأوليفر دودن، وأماندا ميلينج، إلى تل أبيب من عام 2011 إلى 2016. كما مولت مجموعة اللوبي الصهيونية الأميركية “إيباك” زيارة وزيرين بريطانيين هما: مايكل جوف، وبريتي باتيل، لواشنطن لحضور مؤتمراتها. ولأن حزب العمال ورئيسه السابق جيرمي كوبين من المناصرين للقضية الفلسطينية والمناهضين للاحتلال الإسرائيلي، فقد عملت إسرائيل على تدبير انقلاب داخل الحزب لصالح مؤيديها وإبعاد الرجل وأنصاره، وفق تقديرات لصحف بريطانية. تمكنت من إحداث انقلاب كبير داخل “العمال” أدى إلى إزاحة كوربين، زعيم الحزب، وتنصيب كير ستارمر، المعروف بدعمه القوي لإسرائيل، بدلا منه. وعمل “ستارمر” بقوة على لجم تيار اليسار في الحزب وعزل المناصرين للقضية الفلسطينية فيه، بدعوى «مكافحة معاداة السامية» حسب قول الصحافي البريطاني جوناثان كوك على موقع “ميدل إيست آي” 29 يونيو 2020. ففي مارس 2019 تعرض كوربين إلى حملة تشهير إعلامية وقفت خلفها تل أبيب اتهمته بالتسامح مع معاداة السامية داخل الحزب، خاصة وأنه يعلن من وقت لآخر أن إسرائيل مشروع عنصري. ليوقف حزب العمال عضوية كوربين 29 أكتوبر 2020 بدعوى تهوينه من شأن تقرير يتناول بالتفصيل أوجه قصور خطيرة في تعامل الحزب مع شكاوى بشأن معاداة السامية خلال فترة قيادته للحزب بين عامي 2015 و2019. ثم أعيدت له العضوية في 18 نوفمبر 2020 لأن الادعاءات الجاهزة ضده بمعاداة السامية جاءت على أساس أن تعريف الأمر يشمل أيضا أي نقد موجه لإسرائيل، ولعضويته في حركة مقاطعة إسرائيل الدولية BDS. واقعة أخرى أظهرت اختراق إسرائيل واللوبي المؤيد لها حزب العمال، هي استقالة وزيرة في حكومة الظل لأنها نشرت مقالا تنتقد فيه قمع الشرطة الإسرائيلية، بدعوى معاداتها للسامية. ريبيكا لونغ بيلي انتقدت على حسابها على مواقع التواصل «الأساليب التي استخدمتها الشرطة الأميركية بالجثو على رقبة جورج فلويد (توفي وقتها) وقالت إنها تعلمتها من الشرطة السرية الإسرائيلية”، فجرى إقالتها، بحسب وكالة…