تصاعد الانتقادات الدولية للإجراءات الإسرائيلية المتعلقة بالحقوق الفلسطينية

تصاعد الانتقادات الدولية للإجراءات الإسرائيلية المتعلقة بالحقوق الفلسطينية

  توالت مؤخرًا العديد من المواقف الأممية والأوروبية والأمريكية ضد السياسات الإسرائيلية المتعلقة بمجموعة من القضايا الخاصة بالحقوق الفلسطينية منها: – رفض التوسع فى البناء الاستيطانى: عقب إعلان الاحتلال الإسرائيلي عزمه بناء 1355 وحدة سكنية استيطانية جديدة في الضفة الغربية المحتلة، نشرت تحت إشراف وزير الإسكان زئيف إلكين، وستضاف هذه الوحدات السكنية إلى أكثر من 2000 وحدة استيطانية من المتوقع أن تحصل على الضوء الأخضر النهائي من حكومة الاحتلال. فقد توالت التصريحات الدولية الرافضة للإعلان الإسرائيلى بالتوسع فى البناء الاستيطانى بالضفة الغربية؛ فعلى المستوى الأوروبى، فقد أصدرت 12 دولة أوروبية بيانًا مشتركًا دعت فيه “إسرائيل” للتخلي عن خطّته لبناء ثلاثة آلاف وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية المحتلة، وهذه الدول هي: ألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وإسبانيا، وإيطاليا، وبولندا، والسويد، والنرويج، وفنلندا، والدنمارك، وإيرلندا، وهولندا. ويتوقع مراقبون ألا تتوقف هذه الدول عند هذا الحد، ولكنها ستتخذ خطوات أخرى فى حالة ما لم تستجيب إسرائيل لمطالبهم، ومن تلك الخطوات؛ فرض عقوبات على الاحتلال، ووقف التعامل مع الشركات العاملة داخل المستوطنات، فضلا عن مقاطعة البضائع المنتجة داخلها[1]. وعلى المستوى الأمم المتحدة، فقد أعرب المبعوث الأممي لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، في بيان صحافي عن بالغ القلق إزاء هذا الإعلان الإسرائيلي (التوسع فى بناء المستوطنات بالضفة). وقال “أكرر أن جميع المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، ولا تزال تشكل عقبة كبيرة أمام السلام، ويجب أن تتوقف على الفور”. ورفض استمرار عمليات التوسع الاستيطاني في الضفة العربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية[2]. وعلى المستوى الأمريكي، فقد أرسل القائم بأعمال السفارة الأمريكية لدى تل أبيب، مايكل راتني “رسالة احتجاج قوية” للحكومة الإسرائيلية، نيابة عن إدارة بايدن، على قرار بناء هذه الوحدات السكنية في المستوطنات. و تحدث وزير الخارجية أنتوني بلينكين مع وزير الدفاع بيني غانتس نفسه وحذر من رد الولايات المتحدة إذا تمت الموافقة على الخطط. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، أن واشنطن “تعارض بشدة” الخطة الإسرائيلية لبناء وحدات سكنية استيطانية في “عمق الضفة الغربية”[3]؛ لأنها تعرقل حل الدولتين. – إدانة تصرفات الجيش الإسرائيلى فى قطاع غزة: جلسة خاصة عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، لإطلاع الدول الأعضاء على التقرير السنوي الذي يعده مجلس حقوق الإنسان، أنتقد التقرير تصرفات الجيش الإسرائيلي في غزة أثناء المواجهات الأخيرة في مايو الماضي، واستعمال القوة المفرطة ضد المدنيين في القطاع، فضلاً عن مخالفة الاحتلال القانون الإنساني في إغلاقه معابر غزة. كما قرر مجلس حقوق الإنسان تشكيل لجنة تحقيق لوجود اعتقاد بارتكاب إسرائيل ممارسات ترقى لتكون “جرائم حرب” ومخالفات للقانون الدولي أثناء العملية العسكرية الأخيرة في غزة، والتي دمرت خلالها نحو 14 ألف وحدة سكنية بينها أبراج مدنية، وقتلت خلالها نحو 250 فلسطينياً بينهم أطفال، واستخدمت في ذلك القوة العسكرية المفرطة. أكثر من ذلك، فقد طالب الأمين العام أنطونيو غوتيريش، سلطات إسرائيل بإلغاء كل الإجراءات المتعلقة بإغلاق المعابر التي تؤدي إلى غزة. وتعد مطالبة غوتيريش برفع الحصار عن غزة الأولى من نوعها منذ فرض السلطات الإسرائيلية حصاراً على القطاع في عام 2006 (عقب فوز “حماس” في الانتخابات التشريعية)، وتشديده في عام 2007. وقد تسبب هذا التقرير فى إثارة غضب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد أردان، الذى قام بتمزيقه أمام رئيسة اللجنة نزهة شميم خان، ثم مخاطبتها بالقول إن “مكان هذه الأوراق سلة المهملات، عار عليك تبييض أفعال (حماس)”[4]. – رفض القرار الإسرائيلى الخاص بتصنيف منظمات فلسطينية كإرهابية: فقد ذكرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية أن تل أبيب لم تطلع واشنطن على إعلان ست منظمات مدنية فلسطينية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين “إرهابية”، منوهة إلى أن التحركات الأخيرة من قبل حكومة بينيت، أثارت توترا متزايدا من جانب الإدارة الديمقراطية للرئيس جو بايدن، لاسيما أنها صدرت في الأيام التي تخطط فيها إدارة بايدن للعودة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ومن أجل “تبديد التوترات”، قالت الصحيفة: “وصل بالفعل ممثلو وزارة الخارجية الإسرائيلية وجهاز الأمن العام إلى واشنطن، ومن المقرر أن يقدموا إلى إدارة بايدن المعلومات الاستخباراتية التي وقفت خلف قرار وزير الأمن بيني غانتس، بالإعلان عن 6 منظمات مجتمع مدني فلسطينية كـ منظمات إرهابية”. وقدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية، بحسب الصحيفة، أن قرار غانتس “قد يتسبب في أضرار سياسية، خاصة في مواجهة الدول الأوروبية التي تمول هذه المنظمات الست”، كاشفة أن “وزارة الخارجية، تواصلت في الأشهر الأخيرة مع تلك الدول الأوروبية وطالبتها بوقف تمويل تلك المنظمات”. ولفتت “يديعوت” إلى أن “تل أبيب لم تعتقد أن الإعلان سيسبب أزمة في العلاقات مع الولايات المتحدة، ويرجع ذلك أساسًا إلى حقيقة أن واشنطن لا علاقة لها حقا بهذه المنظمات ولا تمولها”. وبحسب الصحيفة، فإن التقديرات تشير إلى أن الخطوة الإسرائيلية أثارت ردود فعل قاسية بين أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، ومن أبرزهم بيتي مالكوم، التى أدانت في بيان رسمي قرار حكومة الاحتلال بشأن المؤسسات الفلسطينية، وأكدت أن “منظمات المجتمع المدني الفلسطينية الشرعية، تروج لحقوق الإنسان”، موضحة أن القرار الإسرائيلي “محاولة لإسكات انتقاد حقوق الفلسطينيين، وهي مناهضة للديمقراطية ومخالفة للقيم المتوقعة من حليف أمريكي”. وحثت عضوة الكونغرس الرئيس بايدن للعمل على “إلغاء القرار على الفور، وإعادة هذه المنظمات حتى تتمكن من العمل ومواصلة عملها المهم”، مشيرة إلى أن أعضاء آخرين في الكونغرس انتقدوا القرار الإسرائيلي. ونوهت الصحيفة إلى أن الانتقادات الأمريكية للإعلان الإسرائيلى بشأن المنظمات الفلسطينية ليس عرضيا، فهو نابع من النقد المتزايد لمعسكر اليسار التقدمي في الحزب الديمقراطي لإسرائيل، والتى تعتبر مالكوم واحدة منهم، حيث سبق أن وقعت على مشروع قانون لتخفيض المساعدات العسكرية لإسرائيل، بسبب إساءة معاملة الأطفال والشباب الفلسطينيين[5]. – دعم الأونروا: صوت البرلمان الأوروبي في جلسته العامة لموازنة 2022، لمصلحة رفع الدعم المقدم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بقيمة 55 مليون يورو، ليصل إلى 142 مليون يورو، بعد أن كانت 92 مليون يورو فقط في 2021، ورفع حظر الدعم من المفوضية الأوروبية. وفي التفاصيل فقد حظي القرار بموافقة 529 نائبًا أوروبيًّا، وهي أغلبية ساحقة، ما أدى إلى اعتماده في البرلمان، في حين أسقطت التوصية التي طالبت بحجب 23 مليون دولار عن أونروا بأغلبية 354 صوتًا، ما أدى إلى إسقاط اعتماد هذا القرار في البرلمان. ويشكل القرار الأوروبي فشلًا لكل الجهود الإسرائيلية التي سعت خلال المدة الماضية لمحاربة أونروا، وتشويه صورتها، وإلصاق الاتهامات الباطلة بها، عبر الدعاية بأن مناهجها الدراسية تحث على “العنف”، أو أن طواقمها العاملة تنتمي لحركات المقاومة الفلسطينية، أو أن الأخيرة تستخدم منشآتها لأغراض عسكرية، لكن كل هذه المزاعم ذهبت أدراج الرياح، إما لأنها غير صحيحة من الأساس، أو لأنها لا تشكل سندًا قانونيًّا يلزم الأوروبيين خصوصًا، والمجتمع الدولي عمومًا بوقف دعمهم لأونروا[6]. – إعادة فتح القنصلية الأمريكية: يبدو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن عازم على إعادة…

تابع القراءة
انقلاب البرهان: الخلفيات والمواقف والتداعيات

انقلاب البرهان: الخلفيات والمواقف والتداعيات

  يبدو أن سيناريو تدخل الجيش في الحياة السياسية بات مألوفًا في الواقع الإفريقي، حيث يستيقظ الناس ليجدوا أن رأس السلطة التنفيذية قد اعتقله الجيش وأن الدستور قد أُوقف العمل به، وعوضًا عن ذلك يتم الإعلان عن حالة الطوارئ في البلاد. وفي العقود المبكرة لمرحلة ما بعد الاستعمار عندما كانت هذه الظاهرة متفشية، قدَّم القادة العسكريون في إفريقيا عادةً الأسباب نفسها للإطاحة بالحكومات، وهي الفساد وسوء الإدارة والفقر وحماية البلاد من الفوضى. وشهدت السودان في الآونة الأخيرة حالة استقطاب حاد بين النخب المدنية والعسكرية؛ في ظل التصارع على السلطة دون النظر لمصالح الشعب السوداني الذي يعاني من أوضاع سياسية واقتصادية متدهورة. وانتهت تلك الحالة بقيام الجنرال عبد الفتاح البرهان يوم الاثنين 25 أكتوبر انقلابه الثاني في السودان، واعتقال رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك وزوجته، وجميع الوزراء وأعضاء مجلس السيادة من المدنيين، وإعلان حالة الطوارئ، وإعطاء الضوء الأخضر لقواته لإطلاق الرصاص على كل من يتظاهر أو يحتج على هذه الخطوة التي ستُدخل البلاد حتمًا في حالة من عدم الاستقرار، وربما حمامات دماء. فما هي خلفيات الأزمة؟ وكيف كانت ردود الفعل عليها؟ وما هي السيناريوهات المُحتملة؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عنها.. تاريخ السودان مع الانقلابات: من يقرأ في تاريخ السودان الحديث منذ فجر الاستقلال وحتى يومنا هذا، يدرك بأن مآلات الأوضاع الاقتصادية والأمنية وانسداد الأفق السياسي سيقود المشهد السياسي في السودان في الغالب إلى الانقلابات العسكرية، في ظل ضعف المؤسسات الديمقراطية المدنية وتورط بعض الأحزاب السياسية نفسها في تدبير تلك الانقلابات. وبالرجوع إلى الوراء نجد أن انقلاب الجنرال إبراهيم عبود قد حدث عندما انسد الأفق السياسي بين حزب الأمة والشعب الديمقراطي من جهة والوطني الاتحادي والنقابات واليسار من الجهة الأخرى، مما هيأ الظروف لإنجاز أول انقلاب عسكري مدعومًا من حزب الأمة في 1958. وتوالت الأحداث بعد ثورة أكتوبر بنفس الظروف والتعقيد عندما تآمرت القوى السياسية على الحزب الشيوعي في حادثة جامعة الخرطوم في 1965، مما أسفر عن حل ذلك الحزب وإبعاد نوابه من البرلمان، ثم كانت توجهات إجازة الدستور الإسلامي هي الظروف إلى أدت لتهيئة المشهد السياسي إلى انقلاب عسكري برعاية اليسار عام 1969. وبعد انتفاضة مارس- إبريل 1985 لم تتوقف مماحكات القوى السياسية وسلوك الأحزاب الإقصائي فيما بينها حتى تعقد المشهد في الديمقراطية الثالثة بخلافات في الائتلاف الحكومي لم تنجح الأحزاب في إدارة حوار شامل عقلاني بينها لاستكمال التجربة الديمقراطية الناشئة وتثبيت التداول السلمي للسلطة. وبناءً على مذكرة الجيش وتشكل حكومة جديدة استبعدت منها الجبهة الإسلامية، وكرد فعل ناجم عن ذلك قادت الجبهة الإسلامية انقلاب الإنقاذ 1989. ومرة أخرى بعد الإطاحة بالبشير ظهر المجلس العسكري الانتقالي الذي أعلن انحيازه مُكرهًا إلى خيارات الشعب السوداني المطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة والسلام، لكنه منذ البدء لم يكن جادًا في تسليم السلطة الانتقالية للقوى السياسية المدنية، لذلك تقاعس عن استكمال هياكل الفترة الانتقالية ومطلوبات الانتقال الديمقراطي المنشود، بل سعى عن طريق الشراكة التي أُسست على دماء الأبرياء والشهداء في مجزرة القيادة العامة بالخرطوم في 3 يونيو 2019 لتوطيد مواقعه وامتيازاته.[1] الأزمة بعد البشير والخلاف المدني- العسكري: لم تتسق آمال وتطلعات الشعب بعد ثورته مع ما ذهبت إليه قوى الحرية والتغيير في التوقيع على الوثيقة الدستورية التي لعب بها العسكر، وتحصلوا بموجبها على صلاحيات مهمة في نصوص مبهمة لا تتحدث عن مواقيت لإعادة هيكلة الجيش بدمج المليشيات العسكرية وجيوش الحركات المسلحة. وقد سقطت أيضًا قوى الحرية والتغيير في فخ تقاسم السلطة واختيار حكومة من قيادات حزبية في تجاوز معلوم لإعلان الحرية والتغيير، وفشلها المستمر في عدم التوافق على هياكل الانتقال كالمجلس التشريعي والمحكمة الدستورية والمفوضيات ذات الصلة بالانتقال المدني الديمقراطي فضلًا عن إهمال استحقاقات السلام الحقيقية. ويعود الخلاف بين المكونين المدني والعسكري إلى ثلاثة أسباب رئيسية؛ أولها؛ يتعلق باللجنة الأمنية والمكون العسكري حيث أنه مسؤول عن إجهاض الثورة ويعمل على إعاقة استكمال متطلبات الثورة، فضلًا عن مسؤولية الجيش عن مجزرة فض الاعتصام وعدم إنفاذ القوانين وعدم هيكلة القوات النظامية وتصفية النظام السابق حتى الآن. وثانيها؛ يخص تغوُّل المجلس العسكري على صلاحيات المكون المدني، وعلى السلطة المدنية ومحاولة إضعافها وإظهار أنه المسيطر، كما حدث في مهمة السلام مع الحركات المسلحة، من المفترض أنها من اختصاص الحكومة المدنية، لكن أعضاء المجلس العسكري هم الذين وقعوا الاتفاقية حتى أن وجود رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في الاحتفالات كان تشريفيًا. ومؤخرًا أعلن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان إنشاء “مجلس شركاء الفترة الانتقالية”، وتم إعطائه صلاحيات موسعة وهذا غير موجود في الوثيقة الدستورية، كمحاولة لفرض مزيد من السلطات لصالح المكون العسكري. ورفضت الحكومة الانتقالية قرار البرهان مُعتبرةً أنه تخطى صلاحياته عبر إناطة صلاحيات موسعة بهيئة جديدة، بما يتناقض مع “الوثيقة الدستورية” الموقعة في أغسطس العام الماضي بين نشطاء مؤيدين للديمقراطية والقادة العسكريين. وثالثها؛ يتعلق بالشركات المملوكة للجيش الرافضة أن تؤول ملكيتها لوزارة المالية، حيث 80% من واردات الدولة تذهب لصالح الجيش والمؤسسات الأمنية، في حين لا تحصل وزارة المالية إلا على 20% فقط. وتفيد تقارير إعلامية محلية أن لدى الجيش والأجهزة الأمنية 250 شركة تعمل في قطاعات حيوية مثل تصدير الذهب واللحوم واستيراد دقيق القمح إضافة إلى الزراعة. وهذه الشركات معفاة من الضرائب ولا تخضع للمراجعة ما يجعلها تعمل في سرية تامة في ظل معاناة البلاد من أزمة اقتصادية.[2] تفجُّر الأزمة: تفجَّر الخلاف داخل قوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية الحالية برئاسة عبد الله حمدوك، بسبب مبادرة أطلقها حمدوك قبل شهرين للم شمل الفرقاء السياسيين وضم وتوحيد عمل القوى السياسية الحالية دون المواليين أو الحلفاء السابقين للمؤتمر الوطني الإسلامي. حيث كانت محاولة لتوحيد القوى المدنية ووقف الانقسامات ومعوقات الانتقال. إلا أن مبادرة حمدوك تسبَّبت في العديد من الانقسامات والخلافات بسبب تخوُّف بعض الأطراف السياسية؛ التي رأت في المبادرة إضعافًا أو تهميشًا وإقصاءً لها من المشهد السياسي. وهو ما يأتي مشابهًا إلى حدًّ كبير مع كافة مبادرات السلام في السودان من اعتراض بعض الأطراف. مثل اتفاق جوبا للسلام الذي لا يزال محل خلاف مع الحركة الشعبية شمال وجناح عبد الواحد في دارفور.وتتسبب هذه الانقسامات والمشاكل المتراكمة داخل المكون المدني. في تأخر الخطوات الحاسمة في ملف قاطرة التغيير السياسية واستكمال مفاصل الدولة بخاصة انتخاب المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية العليا. ما أعطى الفرصة للمكون العسكري لشن الهجوم والاعتراض على أداء المدنيين. متهمًا إياهم بتقويض التحول الديمقراطي لخدمة مصالح شخصية.فرغم أن الوثيقة الدستورية أعطت للحكومة بتشكيلها المدني برئاسة حمدوك السلطة في اتخاذ كافة القرارات والسياسات العامة والمصيرية، على أن يكون منصب البرهان في رئاسة المجلس السيادة مجرد منصب شرفي؛ إلا أن الفترة الماضية شهدت تدخل مجلس السيادة في التصديق على قرارات مصيرية سواء على المستوى الداخلي أو…

تابع القراءة
تصاعد الأزمة الإثيوبية ومصير آبي أحمد

تصاعد الأزمة في إثيوبيا ومصير آبي أحمد

  أقدم آبي أحمد قبل عام كامل على خوض حرب شاملة ضد حكومة إقليم التيجراي في ظل تحولات دولية وإقليمية مهمة ومرتقبة عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جاءت بالرئيس الحالي جو بايدن؛ فُسِّر الأمر وقتها على أنه قراءة خاطئة لمخاوف الإدارة الأمريكية من التصعيد الإقليمي في قضايا مختلفة كان أبرزها ملف سد النهضة، وحسابات مرتبكة قائمة على عدة تصورات، ثبت هشاشتها لاحقًا، مثل الصلة الوطيدة بنظام الرئيس الإريتري أسياس أفورقي الذي ناصب جبهة تحرير التيجراي عداءً تاريخيًا طوال أربعة عقود على الأقل، وتحمل إثيوبيا، بالغة الضعف سياسيًا اقتصاديًا في واقع الأمر، عواقب حرب أهلية، وقدرة نظام آبي أحمد على مقايضة مكانة إثيوبيا التقليدية بقدرتها على خلخلة النظام الإقليمي بالكامل في البحر الأحمر والقرن الإفريقي والاحتفاظ بشبكة معقدة ومتناقضة للغاية من العلاقات الدولية مع الصين وفرنسا وتركيا وروسيا عوضًا عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أهم شركاء إثيوبيا في مجالات شتى لاسيما الأمنية والاستراتيجية. فإلى أين وصلت الأزمة؟ وما هي تداعياتها على الداخل والخارج؟ وكيف يُمكن رسم سيناريوهات المستقبل؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها.. المشهد الراهن: استطاعت قوات دفاع تيجراي منذ استعادة السيطرة على الإقليم بعد طرد القوات الفيدرالية خارجه تغيير موازين القوة على الأرض؛ حيث تحوَّلت استراتيجيتها العسكرية من الدفاع إلى الهجوم، وتوسيع دائرة الصراع إلى مناطق استراتيجية أخرى من خلال فتح ثلاث جبهات للقتال ضد القوات الحكومية بهدف إضعافها، والتي تمثَّلت في إقليمي أمهرا وعفر، والمثلث الحدودي بين إثيوبيا وإريتريا والسودان في شمال غرب البلاد. وقد ارتبطت هذه الاستراتيجية بعامل آخر حاسم للصراع تستغلَّه جبهة تحرير تيجراي لحسمه لصالحها، وهو السيطرة على معظم الطرق الرئيسية التي تربط بين أديس أبابا والعالم الخارجي خاصةً في إقليمي عفر وتيجراي بهدف تضييق الخناق على نظام آبي أحمد، ومحاولة توريطه في العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية؛ لتأليب الرأي العام الإثيوبي ضده. ويشهد الصراع الإثيوبي مرحلةً جديدةً تُضْفِي المزيد من التأزم على المشهد الأمني في البلاد، وتبدو في منظور العديد من المتابعين أنها مرحلة الحسم؛ حيث تعرَّضت بعض المناطق في إقليم تيجراي في أكتوبر الماضي لعدة ضربات جوية حكومية في محاولة لتخفيف الضغط على القوات الإثيوبية في جبهات القتال، خاصةً بعد تحقيق قوات دفاع تيجراي عدة مكاسب استراتيجية مهمة خلال الأيام القليلة الماضية؛ حيث استطاعت التوغُّل في إقليم أمهرا، والسيطرة على العديد من المدن الرئيسية مثل ديسي وكومبولشا الاستراتيجيتين في جنوب الإقليم، والتوجه شرقًا حتى باتت على بُعْد عشرات الكيلومترات من العاصمة أديس أبابا؛ الأمر الذي يثير المخاوف لدى الحكومة الفيدرالية وحلفائها من احتمالية الإطاحة بالنظام الحاكم وسيطرة تيجراي مرة أخرى على الحكم. في المقابل، اتسم موقف رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بالارتباك في ضوء التفوق العسكري لجبهة تحرير تيجراي في مناطق الصراع؛ حيث أعلن حالة الطوارئ في كافة أنحاء البلاد، ودعا جموع الشعب الإثيوبي إلى حمل السلاح، والمشاركة في القتال، وهي دعوة متكررة للحشد والتعبئة العامَّة لم تحقق أهدافها خلال المراحل السابقة من الصراع؛ بسبب ضعف القدرات القتالية والعسكرية للمدنيين في إحداث تحول جذري في مسار الصراع الدائر في البلاد. كما تعكس فشل القوات الإثيوبية في حسم الصراع وهزيمة قوات دفاع تيجراي، بالرغم من تورط القوات الخاصة التابعة لبعض الأقاليم الإثيوبية في الصراع للقتال إلى جانب القوات الحكومية.[1] عزلة نظام آبي أحمد: مع مرور عام على “حملة حفظ القانون والنظام” في إقليم التيجراي وتمكُّن قوات الأخير من الاستيلاء على مدينتي ديسي وكومبولشا الواقعتان على طريق رئيس إلى العاصمة أديس أبابا، تزايدت عزلة نظام آبي أحمد الإقليمية والدولية بشكلٍ واضح، ولم تجدِ سياسة احتواء تناقضات وصراعات القوى الدولية الفاعلة في إقليم القرن الإفريقي نفعًا في نجدة النظام الذي يتوقع محللون أنه في أيامه، أو ساعاته، الأخيرة. واتضح هذا الفشل الإثيوبي في تعليق فرنسا في أغسطس الماضي اتفاق تعاونها العسكري مع أديس أبابا، وتراجُع تركيا عن تعميق صلاتها مع إثيوبيا في أكتوبر بعد تقارير عن زيارة مُرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الشهر نفسه، ووسط انتقادات أمريكية لوحظت منذ مطلع العام الجاري وتصاعدت رسميًا نهاية أكتوبر حسب وزارة الخزانة الأمريكية لما اعتبرته تعاونًا إيرانيًا- إثيوبيًا لتزويد نظام آبي أحمد بمسيرات “درونز” يمكن أن تُستخدم في الحرب على إقليم التيجراي. وإزاء هذه العزلة المُستحكمة لجأ آبي أحمد إلى إعلان حالة الطوارئ العامة (2 نوفمبر) في أرجاء البلاد، ومتبنيًّا لاحقًا خطابًا شعبويًا ومضطربًا للغاية بدعوته مواطنيه حمل السلاح لمواجهة قوات جبهة تحرير التيجراي (المتحالفة مع قوات جبهة تحرير الأورومو وحقَّقتا معًا انتصارات كبيرة ضد القوات الفيدرالية في الأسابيع الأخيرة). كما جاء الإعلان بعد أن لفت في 1 نوفمبر إلى مشاركة جنسيات بيضاء وسوداء من غير الأصول الإثيوبية في الحرب، ساهموا في تضحيات مع الجماعة الإرهابية (جبهة تحرير التيجراي).[2] تأثيرات الوضع الراهن على إثيوبيا ودول الجوار: بالنسبة لإثيوبيا؛ تتعدد المخاطر المحتملة المترتبة على استمرار الصراع الداخلي في البلاد، ففي حالة نجاح جبهة تحرير تيجراي في السيطرة على العاصمة أديس أبابا، قد تنزلق البلاد إلى حرب أهلية شاملة، نتيجة الإطاحة بحكومة آبي أحمد التي ستقاوم إلى جانب معظم الأقاليم الإثيوبية سيطرة تيجراي على السلطة مرة أخرى. وما يصاحب ذلك من تنامي احتمالات تفكك الدولة الإثيوبية إلى دويلات صغيرة. في ذات الوقت، يعني استمرار الصراع دون حسم استنزافًا لمقدرات الدولة الإثيوبية وتفاقم حالة الاستقطاب والانقسام الداخلي بين الأطراف السياسية في البلاد؛ الأمر الذي يُلْقِي بظلاله على تدهور الاقتصاد الإثيوبي والمزيد من التفكك المجتمعي وتفاقم الاضطرابات السياسية والأمنية والعرقية. ونتيجة لتفاقم التداعيات الاقتصادية للحرب، اتخذ البنك المركزي الإثيوبي في 12 أغسطس 2021، خطوة استباقية أولية، بتجميد جميع التعاملات في ما يتعلق بالقروض والتحويلات، بالإضافة إلى وقف جميع عمليات الاستيراد المباشر من الخارج، بعد ارتفاع سعر الدولار الموازي من 52 بر إلى 75 بر، الذي أعقب إعلان الحكومة التعبئة العامة للقتال ضد جبهة تحرير تيجراي. تأتي هذه الإجراءات على خلفية أوضاع اقتصادية صعبة تعاني منها إثيوبيا منذ شهور في ظل ارتفاع أسعار الموادّ الغذائية، مما اضطر أعدادًا كبيرة من المواطنين إلى النزوح الداخلي خوفًا من شبح مجاعة، كما اضطُرت الحكومة الإثيوبية عبر سفاراتها في الخارج إلى مطالبة جميع الإثيوبيين بدفع تبرعات مالية إجبارية، وسط ضغوط كبيرة تتعرض لها أديس أبابا. أما بالنسبة لدول الجوار؛ فقد بات واضحًا أن تصميم الحكومة الإثيوبية على تنحية الأدوات السلمية جانبًا ومحاولة حسم الحرب في إقليم تيجراي بالوسائل العسكرية، سيقود المنطقة إلى تداعيات وخيمة، تتجاوز مسألة نزوح اللاجئين التقليدية، وقد تصل إلى حد التدخل المباشر، بحكم التشابكات العرقية والسياسية والأمنية في المنطقة. وحذَّرت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي أخيرًا من احتمال امتداد القتال إلى مناطق أخرى في إثيوبيا، وزعزعة استقرار منطقة القرن الإفريقي برمتها، وهي إشارة تنطوي على دلالة بالغة بأن الحرب يُمكن أن…

تابع القراءة

جهود المُصالحة في تشاد

  بدا المشهد السياسي العام في تشاد بعد وفاة الرئيس ديبي الذي حكم تشاد 30 عامًا فوضويًا ومربكًا إلى حدٍّ بعيد بسبب القبضة الأمنية التي كان يتميز بها حكمه، وحالة الإقصاء الشديدة لكل معارضيه وغيابه المفاجئ. كل ذلك أثار جملة من المخاوف والتوقعات من انزلاق الوضع إلى حرب يصعب السيطرة عليها، خاصةً أن وفاة ديبي حدثت أثناء المواجهات مع الحركات المتمردة، مع غموض في سبب الوفاة وضبابية في المشهد العام، جعلا أطراف النزاع في الحكومة والمعارضة ترفع سقفها بالرفض القاطع لأي تفاهم أو تهدئة. ولكن بعد مرور وقت قصير تبدَّل الحال وتغيَّرت لغة الخطاب، وصار الهدوء والمرونة سيدي الموقف بعد تطمينات من المجلس العسكري، وتغيُّر سلوك الأجهزة الأمنية في التعامل مع المعارضة وأنشطتها بوجه عام. وجاء هذا بالتزامن مع سحب تشاد نصف قواتها من منطقة الحدود الثلاثة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، والذي شكَّل نكسة جديدة لمكافحة الإرهاب بالساحل التي تقودها فرنسا، بالتزامن مع تصعيد أمني خطير راح ضحيته مئات القتلى خلال الأسابيع الأخيرة. مؤتمر للمصالحة يشمل المتمردين: في خطوة جريئة، تشبه ما أقدم عليه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، عند توليه السلطة في 2018، دعا محمد ديبي، رئيس المجلس العسكري التشادي، في 10 أغسطس، إلى مشاركة المجموعات السياسية والعسكرية، في “حوار وطني شامل” من أجل تعزيز “الوحدة الوطنية والعيش المشترك”. ومن المُنتظر أن يعقد هذا المؤتمر في ديسمبر المقبل، بمشاركة الجماعات المتمردة المتمركزة في ليبيا والسودان، بما فيها جبهة الوفاق والتغيير (فاكت)، المتهمة بقتل الرئيس إدريس ديبي، في 20 أبريل الماضي، بعد يوم من إعلان فوزه بولاية رئاسية جديدة. ويعول ديبي الابن، على هذا المؤتمر، لإقناع المتمردين بترك السلاح والانخراط في الحياة السياسية، ورسم معالم جديدة للمرحلة الانتقالية، بمشاركة “المعارضة السياسية والمسلحة”، حيث ينتظر أن تنتهي بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية. لذلك ليس من المستبعد أن استدعاء 600 جندي من الحدود الثلاثة يهدف لتعزيز الوضع الأمني في العاصمة استعدادًا لانعقاد هذا المؤتمر المصيري بالنسبة لديبي ونظامه. ومهما كانت هذه الأسباب التي أدت إلى سحب تشاد نصف قواتها من الحدود الثلاثة، إلا أن تأثير ذلك لا يبدو كبيرًا على الوضع الأمني في المنطقة، نظرًا لوقوع مجازر كبيرة مع وجودها. لكن إذا وضعنا في الاعتبار هذا التغير التكتيكي ضمن مشهد شامل في المنطقة والعالم، وما يميزه من قرار باريس تقليص نصف قواتها في الساحل البالغة 5100 عنصر حتى مطلع 2022، فنحن أمام تفكك تحالف دول الساحل تدريجيًا، أمام تراجع الدور الفرنسي في المنطقة، وانسحاب أمريكي من أفغانستان والعراق بعد 20 سنة من الحرب على الإرهاب.[1] خطوات نحو المصالحة: اتخذت تشاد مجموعة من الخطوات نحو إتمام المُصالحة، تمثَّلت في: وزارة للمصالحة: وتخصيص وزارة للمصالحة والحوار الوطني يُعد أبرز المنعطفات التاريخية في تاريخ تشاد الحديث، ولكن ذلك يرتبط بمدى تمكُّنها من طرح القضايا ومعالجة المشكلات التي لم تجد اهتمامًا في المرحلة السابقة من خلال الحوار الجاد، وجدولة حلها وفق تراتبية الأهم فالمهم، مع الوضع في الاعتبار تاريخ البلاد الشائك والمملوء بالتداخلات والتشابك. حيث يعيش على أرض تشاد 200 مجموعة عرقية تتحدث 100 لغة، تحيط بها مجموعة من الدول المضطربة التي تصدر عددا غير قليل من المشكلات لتصبّ مزيدا من الزيت على نار النزاعات المشتعلة منذ ما يقرب من 60 سنة. وفضلاً عن إنشاء وزارة المصالحة الوطنية، عيَّن رئيس المجلس الانتقالي محمد إدريس ديبي مستشارًا للمصالحة والحوار برئاسة الجمهورية، وهو ما يُصنَّف في خانة إعطاء الحكومة الأولوية للمصالحة والحوار، وطي صفحة الصراعات والنزاعات التي صبغت تاريخ تشاد منذ الاستقلال، وأطلقت دعوة لجميع الأطراف السياسية بما فيها الحركات المسلحة والجماعات المتمردة للمشاركة في الحوار الوطني الذي حدد انعقاده في نوفمبر وديسمبر 2021 وأبرز ملامحها: دعوة الحركات المسلحة إلى إلقاء السلاح والمشاركة في المصالحة والحوار الوطني، وبث تطمينات للمعارضين بجدّية الحكومة الانتقالية من خلال خطابات رئيسها ديبي الابن، ومخاطبة دول لها علاقة ببعض أطراف المعارضة من أجل إقناعها بالمشاركة في الحوار والمصالحة الوطنية؛ وقد حققت نجاحا ملحوظا في هذا الجانب، وتخصيص موازنة تقترب من (50%) من مجمل ميزانية الحكومة الانتقالية لفترة الـ18 شهرا هي عمر الحكومة الانتقالية لمشروع المصالحة والحوار الوطني وهو مؤشر مهم للغاية، وتأكيد وزير المصالحة والحوار ومستشار رئيس الجمهورية للحوار أن تكون المصالحة شاملة لا تستثني أحدًا على المستويات السياسية والاجتماعية وصولا إلى مشاركة الجميع لبناء تشاد جديدة. بالإضافة إلى تبنِّي خارطة طريق هدفها تهيئة الحوار؛ أهم أنشطتها تنظيم حملات توعوية من أجل السلام والتعايش والتدريب على حل النزاعات الاجتماعية، وتدريب القيادات الدينية والاجتماعية على طرائق الحل السلمي للمشكلات، وتنظيم البعثات للتفاوض مع الجماعات المتمردة.[2] موقف المعارضة من مشروع المصالحة: كلفت الحكومة الانتقالية الرئيس الأسبق لتشاد جيكوني وداي برئاسة اللجنة الفنية التي أنيط بها تنفيذ المصالحة، إذ أعلن في مؤتمر صحفي في الأول من هذا الشهر أعمال التحضير، قائلا “علينا واجب الالتزام لإيجاد صيغة مناسبة لإنهاء الحرب وآثارها المدمرة إلى الأبد، كما أنه يجب علينا إرساء نهج يساعد على تعزيز الوحدة، وإن تحديات التنمية الاجتماعية والاقتصادية هي نقطة التقائنا”. في واقع الأمر تباينت مواقف تيارات المعارضة بين الرفض والتشكيك، والرغبة في المشاركة ووضع شروط أولية، من أبرز هذه المواقف. أبدت عدد من الأحزاب السياسية استعدادها للمشاركة في الحوار والمصالحة، باعتبارها فرصة لفتح صفحة جديدة في تاريخ تشاد. ومنها: حزب الحريات والتنمية وافق على المشاركة وتم تعيين محمد أحمد الحبو رئيس الحزب وزيرا للعدل، زعيم المعارضة صالح كبزابوا وهو رئيس حزب الاتحاد الوطني للتنمية والتجديد وافق على المشاركة في المصالحة، وتم تعيين اثنين من كبار رجالات الحزب في الحكومة الانتقالية، مستشار رئيس تحالف قوات المقاومة المتحدة( UFR) السيد جدي غالماي، ويرأس التحالف تيمان أردمي وهو ابن أخت الرئيس الراحل ديبي، وعُدّ ذلك إشارة مهمة إلى أن هذه المجموعة توافق على المشاركة في المصالحة، وعاد السيد كوري جيمي رئيس التجمع التشادي من أجل العدالة، وجبهة التغيير والوفاق أعلنت استعدادها للمشاركة في الحوار الوطني والمصالحة إذا كانت هناك مبادرات سلمية لبناء تشاد ديمقراطية خالية من الاستبداد، الأمين العام لوفاق تشاد للدفاع عن حقوق الإنسان السيد محمد نور عبيدو وافق على المشاركة في المصالحة والحوار الوطني. وغيرهم من الشخصيات كذلك رحبوا بالفكرة وعادوا طوعا مثل حسن الفضل مؤسس حركة الأول من ديسمبر، وصديق المانجئ وهو نائب سابق كما أبدى آخرون ملاحظات وتقدموا بمقترحات من أجل إنجاح المصالحة والحوار. بعض التيارات المُعارِضَة طالبت بمراجعة الميثاق الذي يحكم المرحلة الانتقالية حتى يستوعب مطالبها، ومطالب القطاعات التي تمثلها وقد أكد وزير المصالحة أن التعديل ممكن من أجل استيعاب الجهات التي لا يرضيها الميثاق. ورفضت حركة “واكت تما” -تعني بالعربية التشادية “انتهى الوقت”- المشاركة في الحوار فضلا عن الحزب الاشتراكي “بلا حدود” الذي يقوده السيد يحي ديلو (وهو من عائلة ديبي)…

تابع القراءة
استبدال فريد حجازي بأسامة عسكر في رئاسة الأركان.. قراءة في الدلالات

استبدال فريد حجازي بأسامة عسكر في رئاسة الأركان.. قراءة في الدلالات

  أصدر عبد الفتاح السيسي، الأربعاء 27 أكتوبر، قرار بتعيين الفريق أسامة عسكر، رئيس لأركان حرب القوات المسلحة المصرية خلفاً للفريق محمد فريد حجازي، الذي تم تعيينه مستشاراً لرئيس الجمهورية لمبادرة حياة كريمة المعنية بتطوير قرى الريف المصري، وفي هذه السطور محاولة للوقوف على دلالات القرار وخلفياته. دلالات القرار: (أ)- التخلص من حجازي: وجهة النظر الأولى: هناك من يرى أن خطوة استبدال “حجازي” بـ “عسكر” كانت متوقعة؛ “بعد تصديق السيسي على مشروع القانون الذي قدمته الحكومة للبرلمان في شهر يونيو 2021، والذي يقضي بتعديل ثلاثة قوانين تخص القوات المسلحة المصرية، وهي (القوانين الخاصة بشروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة)، (خدمة ضباط الشرف والصف والجنود بالقوات المسلحة)، و(قانون القيادة والسيطرة على شؤون الدفاع عن الدولة وعلى القوات المسلحة)؛ وكانت أبرز المواد التي تم تعديلها في القانون متعلقة بتحديد مدة البقاء في المناصب الرئيسية بوزارة الدفاع بين عامين وأربعة أعوام فقط. بالتالي “خروج الفريق محمد فريد حجازي من منصب رئيس الأركان في هذا التوقيت ليس أمراً مستغرباً، بل هو أمر طبيعي؛ حيث جاء قبيل نشرة التحركات التي يعتمدها القائد الأعلى للقوات المسلحة نهاية كل عام، كما جاء بناء على القوانين الخاصة بالخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة التي صدق عليها السيسي في يونيو 2021، والتي لا تسمح لقائد الأركان بالبقاء في منصبه لأكثر من 4 سنوات، وبالنسبة للفريق محمد فريد حجازي فقد تولى المنصب بداية من 2017. وجهة نظر الأخرى: في المقابل ربط مراقبون بين قرار تصعيد عسكر بدلاً من حجازي؛ وبين مشاركة الأخير في إحدى مراحل المشروع التكتيكي “بجنود” الذي تنفذه إحدى وحدات الجيش الثالث الميداني. خاصة أن القرار جاء بعد ساعات من حضور حجازي للمشروع. وكان حجازي قد نقل في ختام التدريب تحيات وتقدير “السيسي”، ووزير الدفاع الفريق أول “محمد زكي”، لرجال الجيش الثالث. وبالتالي استبعاد حجازي بحسب هذه الرؤية هو نتيجة تخوف السيسي من زيادة نفوذ رئيس الأركان بين ضباط الجيش. وأن السيسي الذي يعتمد أسلوب “العصا والجزرة” في التعامل مع العسكريين، قرر استخدام العصا مع محمد فريد حجازي. (ب)- تصعيد أسامة عسكر: وجهة النظر الأولى: أن تصعيد أسامة عسكر لمنصب رئيس الأركان، وهو المنصب الذي يخول لصاحبه السيطرة على تشكيلات القوات المسلحة الرئيسية، بينما تنحصر مسئوليات وزير الدفاع في السياسة العامة للمؤسسة، جاء نتيجة قرب أسامة عسكر من الرئيس، وثقة السيسي في ولاء أسامة عسكر له، وقد رصد مراقبون مؤشرات عدة على قوة العلاقة بين “عسكر” و”السيسي”؛ منها: (1) تعديل قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة، في مايو الماضي، والذي بموجبه تم رفع سن تقاعد “رتبة الفريق” إلى 65 عاماً بدلاً من 64، وقيل وقتها أن هذا التعديل كان يهدف فقط إلى استمرار خدمة أسامة عسكر، الذي كان يشغل وقتها منصب رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، وكان من المفترض أن يصل إلى سن التقاعد في الأول من يونيو، أي بعد التعديل بأقل من شهر. ومما يدعم هذا الطرح أن في تلك الفترة التي مرر خلالها التعديل على القانون لم يكن في الجيش إلا شخصان يحملان رتبة فريق، الشخص الأول هو قائد أركان الجيش الفريق محمد فريد حجازي، وبالنسبة للفريق حجازي، فرغم بلوغه سن 67 عامًا، فيما ينص القانون على أن السن الأقصى لرتبة الفريق 64 عامًا فقط، فإنه يستفيد من عدة قوانين، كحق رئيس الجمهورية في مد سنوات خدمته، إضافة إلى أن رئيس الأركان يجوز له أن يظل في المنصب قانونًا لمدة 4 أعوام، وبالتالي، فإن هذا التشريع المستعجل لا علاقة مباشرة له بحجازي. الشخص الثاني الذي يحمل رتبة الفريق في هذا التوقيت، كان الفريق أسامة عسكر، الذي كان يشغل منصب رئيس هيئة عمليات الجيش المصري. (2) استحداث وظائف لـ “عسكر” لم تكن موجودة في الهيكل الإداري للمؤسسة العسكرية، مثل (قيادة منطقة شرق القناة ومكافحة الإرهاب) في الفترة من يناير 2015 إلى ديسمبر 2016، ومنصب (مساعد وزير الدفاع لشؤون تنمية سيناء) وذلك بعد إزاحته من منصبه السابق قيادة قوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب، وقد استمر في منصبه الجديد المستحدث حتى نهاية 2017. (3) من المؤشرات أيضا أن قرار السيسي تصعيد أسامة عسكر إلى منصب رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة، هي خطوة غير معتادة أن يعود قائد عسكري يحمل رتبة الفريق إلى وظيفة مهمة بعدما أُبعد بالفعل؛ ففي ديسمبر 2016 تولى الفريق أسامة عسكر منصباً شرفياً هو مساعد القائد العام للقوات المسلحة لشؤون تنمية سيناء، بعد استبعاده من منصب (القيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة ومكافحة الإرهاب)؛ جراء عدم تحقيقه النتائج المتوقعة منه في تقليص تواجد الجماعات المسلحة في سيناء، وقد استمر “عسكر” في منصبه الشرفي حتى نهاية 2017، غاب بعدها عن الأضواء وقيل إنه كان تحت الإقامة الجبرية، ولم يظهر للنور مجدداً إلا بنهاية 2019، حينما أعاده السيسي إلى الواجهة العملياتية من خلال تعيينه في منصب رئيس هيئة عمليات الجيش على رتبة فريق. (4) كما إن ترقية عسكر جاءت بعد إخفاقاته في ملف مكافحة الجماعات المسلحة في سيناء سواء إبان توليه قيادة الجيش الثالث الميداني المسؤول عن النطاق العملياتي في محافظة شمال سيناء إلى أوائل عام 2015، أو بعد تكليفه برئاسة القيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة في فبراير 2015، وهي الوحدة التي أسست خصيصاً لمكافحة العناصر المسلحة في سيناء، وتوحيد القيادة والتنسيق بين الجيشين الثاني والثالث. بحسب وجهة النظر تلك فإن عودة عسكر لمنصبه كانت مقدمة ضرورية لترقيته لمنصب رئاسة هيئة الأركان؛ فالصعود “من رئاسة هيئة عمليات القوات المسلحة، إلى رئاسة أركان حرب القوات المسلحة، هو التدرج الطبيعي للرتب داخل الجيش المصري، إذ إن رئيس هيئة العمليات يأتي في الترتيب الثالث بعد وزير الدفاع ورئيس الأركان”. وجهة نظر أخرى: ترى أن تصعيد للفريق أسامة عسكر ليست محاباة وموالاة لـ “عسكر”؛ كل ما في الأمر أن السيسي في الوقت الحالي، ينتهج سياسات جديدة للتعامل مع قيادات الجيش، حيث أيقن أن كسب عدوات قيادات الجيش أو أفراد جهاز المخابرات العامة ليس في صالحه، ومن ثم عمل على ترضيتهم بإرجاع البعض للخدمة وإعطاء امتيازات عير مسبوقة للجميع “القيادات المستبعدين أو الحاليين”، وبدأ يستمع لأصوات المعارضين داخل المؤسسات السيادية، الذين يرى أنهم يشكلون التهديد الحقيقي عليه وعلى نظامه، لذلك قام بمحاولة إعادة رسم شكل جديد لنظام حكمه كي يستمر لسنوات عديدة. وبالنسبة للفريق أسامة عسكر فهو صاحب شعبية ورصيد داخل صفوف الجيش، كما أن عودته تعكس “محاولة من السيسي لكسب ود تيار لم يعد صغيراً، من الضباط الغاضبين من عمليات التهميش التي يتعرضون لها، إضافة إلى عدم القدرة على التعامل مع هذا التيار من خلال رجاله الذين سيطروا على المشهد بشكل كامل”. وكذلك لعلاقاته الخارجية مع الجانب الأمريكي جيدة، والسيسي يحاول أن يستفيد من وجود شخصيات عسكرية لها تواصل متميز مع الجانب الأمريكي…

تابع القراءة
قضية الفساد الكبرى في وزارة الصحة.. الكواليس والخلفيات والآصداء

قضية الفساد الكبرى في وزارة الصحة.. الكواليس والخلفيات والآصداء

  نشرت الجريدة الرسمية الخميس 28 أكتوبر 2021م قرار رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي بتكليف عادل عبد الغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بمهام وزيرة الصحة هالة زايد التي غابت عن مكتبها منذ خروجها من مستشفى وادي النيل، صباح الأربعاء، حيث كانت تتلقى الرعاية الطبية، منذ الاثنين 25 أكتوبر، بعد تعرضها لوعكة صحية، حيث أجرت قسطرة تشخيصية، دون الحاجة إلى تدخل جراحي من الأطباء. وكانت النيابة العامة المصرية، قد أعلنت الأربعاء 27 أكتوبر، مباشرة التحقيقات مع مسؤولين بوزارة الصحة فيما هو منسوب إليهم من تهم بالرشوة والفساد. وأهابت النيابة  بالالتزام بما تعلنه وحدها من معلومات حول الواقعة، والالتفات عن أي أخبار كاذبة أو غير صحيحة قد تضع ناشريها تحت المسؤولية القانونية، مؤكدةً أن النيابة العامة حريصة على مبدأ الشفافية مع المجتمع. في هذه الأثناء أفادت مصادر بوزارة الصحة والسكان أن جهازا رقابيا يحقق في قضية رشوة وفساد كبرى داخل الوزارة، وأن الأجهزة الرقابية موجودة منذ يوم الأربعاء بالمكتب الفني لوزيرة الصحة، وهو ما أسفر عن إلقاء القبض على مدير المكتب الفني للاتصال السياسي، كما تقوم الأجهزة بالتحقيق مع بعض القيادات بالوزارة بتهمة الفساد والرشوة. وتمت عملية القبض أثناء وجود الوزيرة والتي فوجئت بأن هناك قضية رشوة كبرى تتابعها الرقابة الإدارية منذ نحو شهر تقريبا، فيما جرى تفتيش مكاتب المتهمين، الذين أحيلوا للتحقيق أمام الجهات المختصة. ولم يقتصر التفتيش على المكتب الفني فقط بل امتد لإدارة العلاج الحر وهي الإدارة المعنية بإصدار التراخيص الخاصة بالمنشآت الصحية في مصر وتم على أثر ذلك القبض على 4 أشخاص بتهمة الرشوة والاختلاس المالي. وفي أعقاب اعتقال المتهمين، أصيبت وزيرة الصحة، بوعكة صحية وتم نقلها إلى مستشفى وادي النيل، حيث تضاربت الأنباء حولها، وقيل إنها  تعانى من ارتشاح بالمخ، بينما أشار آخرون  إلى أنها تعاني من أزمة قلبية تم على أثرها إجراء عملية قسطرة.[[1]] تعود القضية إلى حوالي 3 شهور ماضية حين رصدت الجهات الرقابية اتصالات لمدير مكتب الوزيرة مع عدد من أصحاب الشركات الخاصة، وكذلك مع مدير إدارة العلاج الحر حول إرساء تعاقدات بالمخالفة للقانون مع عدد من المستشفيات والشركات الخاصة، وتم استئذان النيابة العامة لتسجيل المكالمات، وهو ما تم بالفعل.  لكن المفارقة العجيبة أن هالة زايد التي تبلغ من العمر 54 عاماً، شغلت من قبل منصب رئيس لجنة مكافحة الفساد بوزارة الصحة والسكان، وعضو باللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد، وقد تولت منصبها الوزاري في يونيو 2018، وهي عضو في المجلس التعليمي لكلية الطب بالقوات المسلحة، وفي لجنة أخلاقيات البحث العلمي للكلية كذلك، وكان آخر منصب شغلته هو رئاسة أكاديمية 57357 للعلوم الصحية. تفسيرات وتكهنات أولا، كان من اللافت أن الوزيرة عندما تعرضت للوعكة الصحية المفاجئة يوم الإثنين 25 أكتوبر تم نقلها فورا إلى مستشفى “وادي النيل” التابع لجهاز المخابرات العامة في منطقة حدائق القبة شرقي العاصمة المصرية القاهرة، ولم يتم إيداعها بأي مستشفى حكومي لأن المستشفيات العامة تعاني من إهمال جسيم منذ عقود طويلة، ولم تعد تصلح لاستقبال المرضى؛ لذلك يفضل الأثرياء وأصحاب النفوذ تلقي العلاج في مستشفيات استثمارية و المستشفيات التابعة لأجهزة الدولة “السيادية” كالجيش والمخابرات والشرطة. ويعزو البعض أسباب نقل الوزيرة لمستشفى المخابرات إلى أن طبيب القلب المعالج لها (أستاذ أمراض القلب المعروف حازم خميس) هو من طلب نقلها إلى مستشفى وادي النيل، لأنه كان متوجهاً إلى هناك في الوقت الذي شعرت فيه بالتعب. وبالتالي يستبعد البعض نقل الوزيرة إلى مستشفى المخابرات بهدف وضعها تحت رقابة الجهاز لاعتبارات تتعلق بالتحقيقات.  ويبرهن على ذلك أن الوزيرة غادرت المستشفى بالفعل يوم الأربعاء 27 أكتوبر إلى منزلها، ولو كان هناك أمر باحتجازها أو وضعها تحت الرقابة لكانت استمرت في المستشفى أو تم التحفظ عليها في مكان آمن. لكن هذا لم يحدث ببساطة لأنه حتى لحظة كتابة هذه السطور لم يتم توجيه اتهام محدد ضد الوزيرة. ثانيا، نقل الوزيرة لمستشفى المخابرات تزامن ذلك مع الإعلان عن إلقاء هيئة الرقابة الإدارية القبض على أحمد سلامة مدير مكتب الوزيرة، و4 قيادات أخرى في الوزارة بينهم مدير إدارة العلاج الحر و3 من العاملين بالإدارة، منهم المسؤول عن لقاحات فيروس كورونا بتهم الفساد المالي. وأن السبب الحقيقي وراء الوعكة الصحية المفاجئة للوزيرة أنها اكتشفت ورود اسمها في التحقيقات التي أجرتها الهيئة. فقد شلمت  التحقيقات التي تجريها هيئة الرقابة الإدارية اعتراف بعض المتهمين الذين ألقي القبض عليهم، بأن بعض وقائع الفساد التي رصدتها الهيئة كانت بعلم الوزيرة نفسها، وأنها وافقت على قبول هدية تم تقديمها لنجلها عبارة عن سيارة فاخرة من طراز BMW يزيد ثمنها على المليون جنيه، مقابل تقديم تسهيلات غير قانونية لإحدى شركات توريد المستلزمات الطبية للوزارة، حسب ما ورد في التحقيقات.[[2]] وواجهت جهات التحقيق الوزيرة بما ذكره بعض المتهمين؛ وهو ما تسبب في إصابتها بحالة شديدة من الانزعاج والتوتر، وسقطت على إثر ذلك مصابة بارتفاع في ضغط الدم، استدعى نقلها إلى مستشفى وادي النيل. وبالفعل يملك نجل الوزيرة سيارة فاخرة حصل عليها العام الماضي بعد احتفاله بوصول أول مولود له والحفيد الأول لوزيرة الصحة. لكن المصادر اكتفت بما ورد في التحقيقات دون الكشف بشكل قاطع عما إذا كان نجل الوزيرة قد حصل على السيارة كهدية أم اشتراها بأمواله الخاصة. ثالثا، فضلت جهات التحقيق إبعاد الوزيرة عن مكتبها لحين انتهاء التحقيقات في القضية، ووضع المعلومات كاملة أمام مكتب رئيس الجمهورية، ليقرر هو إعفاء الوزيرة من منصبها أو استمرارها فيه.  لكن الأكثر خطورة في التحقيقات أن  الوزيرة كانت على علم بالأنشطة المشبوهة وغير المشروعة للمقربين منها، واعتراف بعض المتهمين بأنها كانت تعلم بنشاطهم ولم تعترض عليه، لذلك انزعجت الوزيرة للغاية عندما ذهبت إلى مكتبها في أعقاب حضور احتفالية تخريج دفعة جديدة لإحدى الكليات العسكرية، وتفاجأت بوجود مسئولين من الرقابة الإدارية؛ فهاتفت رئيس الوزراء الذي طالبها بالهدوء والتعاون مع جهات التحقيق وتقديم كل ما يريدون من وثائق ومستندات حتى تنجو من الاتهامات أمام القيادة السياسية. وحول أسباب الإفراج عن مدير مكتب الوزيرة وعودته إلى مكتبه في الوزارة يوم الخميس 28 أكتوبر، وما إذا كان ذلك توطئة لتبرئة كل المتهمين في القضية، تقول مصادر إنها لا تستطيع الكشف عن معلومات تخص تحقيقات جارية حالياً لأن هذا الأمر يعرِّض من يقوم به للمساءلة القانونية. لكنها اكتفت بالقول إن مدير مكتب الوزيرة لم يكن محتجزاً حتى يتم الإفراج عنه، وإنما خضع للتحقيق، ولم يصدر- بحسب علم هذه المصادر- أي أمر من النائب العام بالتحفظ عليه، نافية في الوقت نفسه أن يكون الرجل قد عاد إلى مزاولة عمله المعتاد، وإنما ربما ذهب إلى الوزارة للسلام على زملائه أو لأي سبب، لكنه بالتأكيد ليس لممارسة عمله. لكن تقارير أخرى تؤكد أنه جرى إخلاء سبيله بوصفه “الشاهد الملك في القضية”، وأنه وزع الشوكولا عن العاملين بديوان…

تابع القراءة
وقف تمديد حالة الطوارئ في مصر.. الدوافع والانعكاسات وردود الأفعال

وقف تمديد حالة الطوارئ في مصر.. الدوافع والانعكاسات وردود الأفعال

    أعلن عبدالفتاح السيسي، في 25 أكتوبر 2021، في قرار مفاجئ إيقاف العمل بحالة الطوارئ، لأول مرة منذ أربع سنوات، وكانت الدولة قد فرضت الدولة الطوارئ لأول مرة في عهد السيسي في أبريل 2017؛ في أعقاب تفجير كنيستين في مدينتي الإسكندرية وطنطا بشمال البلاد. واستمرت في تمديدها بانتظام كل ثلاثة أشهر منذ ذلك الحين. جاء القرار بدون أية مقدمات أو تمهيد للأرض يسبقه؛ فلم يتناول الإعلام المحسوب على النظام مسألة القوانين الاستثنائية من قريب أو بعيد قبل اتخاذ القرار، كما لم يسبقه أية دعاية للنظام قبل اتخاذه هذه الخطوة. ما هو قانون الطوارئ: وفقاً للمادة (154) من دستور 2014، فإن تطبيق حالة الطوارئ في البلاد يعني تطبيق القانون رقم 162 لسنة 1958، حيث يكون لرئيس الجمهورية أن يتخذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام بعد أخذ رأي مجلس الوزراء، مع إلزامه بعرضها لاحقاً، خلال مدة لا تجاوز سبعة أيام، على مجلس النواب وموافقة غالبية أعضاء المجلس لتمريرها. كما نصت المادة على أن تعلن حال الطوارئ لمدة محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وألا تجدد إلا لمدة مماثلة بعد موافقة ثلثي عدد النواب. وقد حدد القانون رقم (162) لسنة 1985 الحالات التي يتوجب الاستناد إليها لفرض الطوارئ، وتشمل: الحرب أو حالة تهدد بوقوع حرب، وحدوث اضطرابات داخلية أو كوارث عامة أو انتشار وباء، مما يعني تعرض الأمن العام في أراضي الجمهورية أو مناطق منها للخطر. يعطي قانون الطوارئ صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية، ويسمح لها باتخاذ إجراءات استثنائية بموجبه، من بينها: وضع قيود على حرية الأفراد في الاجتماع والحركة والانتقال، إحالة المتهمين إلى محاكم أمن الدولة، مراقبة المراسلات بين الأشخاص أياً كان نوعها، مراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها، تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها، ومصادرة أي منقول أو عقار والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات، وإخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة. كما يطلق يد الأجهزة ا لأمنية في اتخاذ “ما يلزم” لمواجهة “أخطار الإرهاب”. دوافع القرار: من أكثر التفسيرات المطروحة شيوعاً للقرار المفاجئ بوقف العمل بحالة الطوارئ، هو أن هذا القرار جاء استجابة للضغوط الأمريكية المتعلقة بأوضاع حقوق الانسان في مصر، ونتيجة إلحاح واشنطن المستمر على القاهرة بأن تخفف من حدة قبضتها الأمنية، ومن ملاحقتها للنشطاء السياسيين ولقوى المجتمع المدني. وفق هذا التصور فإن قرار وقف تمديد حالة الطوارئ جاء ضمن حزمة قرارات أخرى كانت كلها استجابة للضغوط الأمريكية، ويمكن القول إنها كلها محاولة للتكيف مع الساكن الجديد للبيت الأبيض. من القرارات التي يمكن تسكينها في ذات الإطار: (2) الإفراج عن عدد قليل من الأسماء التي طالبت السلطات والجهات الغربية بالإفراج عنها، لأسباب تتعلق بصلتهم بالمجتمع المدني بالخارج. (2) غلق القضية الخاصة بمنظمات المجتمع المدني في مصر. (3) تدشين ما يعرف بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. (4) إعادة تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، بحيث يضم على رأسه امرأة، ليبرالية، معروفة في الخارج، كي يقوم في تشكيله الجديد بزيارة مهمة إلى واشنطن قبل أيام من قرار السيسي الخاص بتعطيل حالة الطوارئ، لتهدئة خطوط الاتصال بين واشنطن والقاهرة. (5) “جهود ما يعرف بمجموعة الحوار الدولي التي يبرز فيها اسم النائب السابق محمد أنور السادات، لتقريب وجهات النظر بين الجهات الأمنية والسياسية في النظام المصري وبين الجهات الخارجية، ضمن سقف تفاوضي محدود للغاية، يتضمن السماح للشخصيات المهمة في السجن بتوديع أقاربها حال الوفاة، ومراجعة بعض الأسماء القاعدية غير المهمة في دوائر الحبس الاحتياطي؛ شريطة عدم المساس خطابياً بأوضاع الإسلاميين في السجون، لأسباب على رأسها أنهم غير مدعومين من الخارج إلى حد كبير، وأنهم في خصومة مباشرة مع القيادة السياسية للبلاد”. ثمة تفسير آخر للقرار، لكنه أقل شيوعاً، يعتبر أن إيقاف تمديد حالة الطوارئ في مصر يحمل في جوهره دوافع اقتصادية؛ فهو جزء من محاولة لـ “تحسين مناخ الاستثمار بغية تصدير صورة جديدة للاستقرار السياسي، الذي يعطي ضمانات أمان للاستثمارات الدولية التي يمكن أن تأتي إلى مصر”. خاصة أن هناك تراجع في حجم الاستثمارات الأجنبية في مصر؛ فبينما كان مجموع الاستثمارات الأجنبية التي جذبتها القاهرة في عام 2019 تقدر بـ 9 مليارات دولار معظمها في قطاع النفط، نجد أن هذا الرقم قد تراجع بنسبة 35.1% خلال عام 2020 حيث جذبت القاهرة خلال ذلك العام استثمارات أجنبية تقدر بنحو 5.9 مليار دولار فقط. في هذا السياق صرح وزير البترول طارق الملا، أن الاستثمارات المباشرة في قطاع البترول الذي هو أعلى القطاعات جذباً للاستثمارات الأجنبية المباشرة، قد انخفضت بنسبة 26.02% خلال العام المالي المنتهي في 30 يونيو 2021، كما أكد البنك المركزي المصري أن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر قد تراجع إلى نحو 4.8 مليار دولار خلال النصف الأول من السنة المالية الجارية، مقابل نحو 5.9 مليار دولار حققتها مصر خلال النصف الأول من السنة المالية السابقة، بنسبة انخفاض تبلغ 19.3%. وكذلك مع أزمة الديون المتفاقمة التي تعاني منها البلاد، كانت تتجه القاهرة إلى تحويل جزء من ديونها المحلية القصيرة الأجل إلى ديون دولية طويلة الأجل في نوفمبر الحالي -تم تأجيل هذه الخطوة-، إذ تطرح سندات الديون السيادية في بعض البورصات العالمية، وذلك بهدف خفض عبء الفوائد الذي بات يثقل الموازنة العامة، وتجاوزت نسبة 35% من موازنة العام المالي الحالي 2021/2022. لهذه الأسباب لجأت القاهرة إلى وقف تمديد حالة الطوارئ؛ خاصة بعد أن اتخذت السلطات المصرية قرارات زادت من تخوف المستثمرين الأجانب وباتت تشعرهم بالقلق من أن النظام القانوني المصري لن يكون محايدًا في النزاعات مع السلطات المحلية، وهي: (1) تمرير البرلمان “تعديلاً قانونياً يخول المحكمة الدستورية العليا الفصل في المنازعات الدولية التي قد يخوضها مستثمرون أجانب ضد مصر. وهذا يعني أن المحاكم التي يعيّن الرئيس المصري رؤساءها سيكون لها الحق في رفض وإسقاط الأحكام التي قد تصدر ضد مصر في منازعات دولية تتعلق بالاستثمارات والاتفاقات الاقتصادية”. (2) الافتقار إلى الضوابط والتوازنات في مصر بعد قرار أبريل 2017 بمنح السيسي سلطة تعيين رؤساء الهيئات القضائية. ردود الأفعال: اختلفت ردود الأفعال داخل التيار الحقوقي؛ بينما أشاد حقوقيون بالقرار؛ سيراً بمبدأ تشجيع النظام على اتخاذ المزيد من الخطوات الإصلاحية، حيث اعتبرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في بيان لها “أن رفع حالة الطوارئ خطوة إيجابية تنتظر تفكيك البنية التشريعية القمعية وإطلاق عشرات الآلاف من السجناء”، فقد اعتبر آخرون أن القرار لن يكون له تأثير على أوضاع حقوق الإنسان في البلاد، وأن الصلاحيات الاستثنائية التي كان يمنحها قانون الطوارئ للسلطات التنفيذية جرى نقلها إلى قوانين أخرى ما زالت سارية “ولا يتطلب تطبيقها إعلان حالة الطوارئ مثل قانون مكافحة الارهاب وقانون الكيانات الإرهابية”. مؤكدين أن تعديلات قانونية عدة…

تابع القراءة
مؤتمر طرابلس لدعم استقرار ليبيا: قراءة فى الدلالات والتحديات

مؤتمر طرابلس لدعم استقرار ليبيا: قراءة فى الدلالات والتحديات

    احتضنت العاصمة الليبية طرابلس، فى 21 أكتوبر 2021، “مؤتمر استقرار ليبيا”، بحضور ممثلي 27 دولة، وأربع منظمات دولية وإقليمية، لأول مرة منذ عشرة أعوام[1]، وقد حمل المؤتمر رسائل إيجابية في شأن المسارَين الأمني والسياسي عبر التشديد على إجراء الانتخابات في موعدها واستكمال إخراج المرتزقة، لكن مخرجات المؤتمر تظل رهن الكلمات والوعود، في ظل غياب الحديث عن آلية تضمن تطبيقها، خصوصاً مع تكاثر العقبات أمام المسارَين المذكورَين[2]. وهو ما سنحاول توضيحه بمزيد من التفاصيل خلال السطور القادمة عبر تقسيم الورقة إلى محورين: الأول؛ بدلالات انعقاد المؤتمر فى طرابلس وأبرز ما تم الاتفاق عليه فى النهاية، والثانى؛ يتعلق بالتحديات والإشكاليات التى لم يستطع المؤتمر حلها. أولًا: دلالات ومخرجات مؤتمر استقرار ليبيا: يمكن الإشارة إلى مجموعة من الدلالات لانعقاد مؤتمر دعم استقرار ليبيا فى طرابلس، بجانب الإشارة إلى أبرز ما تم الاتفاق عليه بين الدول المشاركة فى المؤتمر فيما يتعلق بحل الأزمة الليبية، كما يلى: – رفض الخيار العسكرى: يشكل هذا المؤتمر سابقة بانعقاده داخل ليبيا كأبرز فعالية على هذا المستوى الدبلوماسى منذ اندلاع الأزمة عام 2011[3]، فضلًا عن حجم التمثيل الدبلوماسى الكبير حيث شارك بالمؤتمر وفود 30 دولة ومنظمة، بينها دول دعمت عدوان حفتر على العاصمة طرابلس، فى رسالة بأن خيار الحرب ليس مجديا، وأن هذه الدول والمنظمات لا تدعم هذا الخيار بل ترفضه وتعارضه. – التأكيد على حالة الاستقرار الأمنى: يبعث المؤتمر برسالة إلى المجتمع الدولي بأن العاصمة الليبية طرابلس، التي كانت مسرحا لهجوم عنيف من مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ما بين 2019 و2020، ولعدة ضربات لتنظيم داعش الإرهابي، واشتباكات بين مجموعات مسلحة منفلتة، استعادت اليوم أمنها واستقرارها. كما أن نجاح الأجهزة الأمنية فى تأمين الوفود الأجنبية (30 وفد أجنبى) يبعث برسالة أمان وطمأنينة، بأن الوضع الأمني في طرابلس تحسن كثيرا، وأن الأجهزة الأمنية أصبحت أكثر كفاءة واحترافية من أي وقت مضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011. ما قد يدفع مزيد من الدول إلى إعادة فتح سفاراتها، واستئناف رحلاتها الجوية، وإعادة عمل شركاتها النفطية. – التأكيد على شرعية حكومة الدبيبة: يمكن القول أن هذا المؤتمر قد منح رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، شرعية إضافية، إلى جانب شرعيته التي اكتسبها من ملتقى الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة. فعقب محاولة عقيلة صالح، ومجموعة من النواب سحب الثقة من حكومة الدبيبة، رد عليهم بمظاهرات في عدة مدن طالبت برحيل مجلس النواب، فاكتسب بذلك شرعية شعبية. واليوم من خلال مؤتمر استقرار ليبيا، اكتسب شرعية دولية، عزز بها موقفه أمام محاولات حفتر وعقيلة صالح الإطاحة به حتى قبل موعد الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر المقبل، ومحاولة نائب رئيس حكومة الوحدة حسين القطراني، ووكيل وزارة الداخلية فرج قعيم، المحسوبين على حفتر، الضغط عليه والتلويح بتشكيل حكومة موازية في الشرق. أكثر من ذلك، فهناك من يرى أن المؤتمر عمليًا أعطى ضوءًا أخضر لحكومة الوحدة للاستمرار لما بعد 24 ديسمبر. إذ لم يبق سوى نحو 60 يومًا على موعد الانتخابات ولم يتم الاتفاق على قاعدة دستورية، ناهيك عن التشكيك في قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، من عدة أطراف فاعلة في الغرب الليبي على غرار المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)[4]. – التمسك بإجراء الانتخابات فى موعدها: أكد البيان الختامي للمؤتمر على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 24 ديسمبر المقبل، وكانت تسريبات مشروع القرار قبل يوم من المؤتمر قد تسببت في جدل بشأن عدم ذكر تاريخ الانتخابات، وسوَّق المعارضون للمؤتمر أنه ربما يمثل محاولة لتأجيلها، لكن هذه الصيغة عُدِّلت في البيان الختامي، بإقرار موعد الانتخابات. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى دور المجلس الرئاسي في هذا الصدد، فعلى الأرجح لعب رئيس المجلس محمد المنفي دوراً وازناً في ضبط حركة الأطراف لاسيما اللاعبين في السلطة التنفيذية، حيث التقى مع المفوضية العليا للانتخابات وبدا أن هناك نوعاً من الحزم بشأن الموعد، والإجراءات الخاصة بالجوانب الفنية[5]. وعقب المؤتمر، تم اتخاذ خطوات فعلية تحضيرًا للانتخابات المقبلة، حيث أكد عماد السايح رئيس المفوضية العليا للانتخابات الليبية، فى 24 أكتوبر 2021، إن المفوضية ستفتح باب التسجيل للمرشحين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى نوفمبر المقبل. وأضاف السايح أن عملية التسجيل ستبدأ بحلول منتصف الشهر المقبل حين تكتمل الاستعدادات الفنية واللوجستية[6]. وأكد السايح أن المفوضية ستجري الانتخابات وفقا للقوانين التي أقرها مجلس النواب، مضيفا أن “عمليتي الانتخابات الرئاسية والنيابية بناء على ما ورد في القانون رقم (1) لسنة 2021 لانتخاب رئيس الدولة وتحديد صلاحياته، والقانون رقم (2) بشأن انتخاب مجلس النواب”. وفيما أشار السايح إلى أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية “ستجري على التوالي”، أي انتخاب البرلمان بعد مرور ثلاثين يوماً على انتخاب رئيس الدولة، إلا أنه استدرك بالقول إن المفوضية ستجري بـ”التزامن العمليتين من حيث الإجراءات”. وقال “يُحدَّد موعد يوم الاقتراع بالنسبة للجولة الأولى من انتخاب رئيس الدولة بناء على مقترح مقدم من المفوضية إلى مجلس النواب لإقراره”، وأضاف “تتزامن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية مع الانتخابات النيابية، ويوم الاقتراع يحدد بناءً على مقترح من المفوضية يحال إلى مجلس النواب لإقراره”. وحول موعد إعلان نتائج الانتخابات، قال “سيعلن مجلس المفوضية نتيجة كل من العمليتين بشكل متزامن عند اكتمال كل منهما”[7]. – التمسك بضرورة إخراج المرتزقة: فقد تم الإعلان خلال المؤتمر عن وصول طليعة المراقبين الدوليين إلى طرابلس، فى 22 أكتوبر الحالى، وعددهم 60 عضوا، والذين سيتم نقلهم قريبا إلى خطوط التماس في مدينة سرت، وذلك لتنفيذ المهام الموكلة إليهم من قبل الأمم المتحدة واللجنة المشتركة العسكرية المشتركة (5+5)[8]. وبحسب أعضاء فى اللجنة العسكرية المشتركة، فإن “المرحلة الأولى لعمل هذه المجموعة الدولية يتلخص في مراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار المنعقد فى أكتوبر 2020، ثم بعد ذلك سيقوم “فريق المراقبين الدوليين مع فريق من المراقبين المحليين التابعين للجنة العسكرية، بتحديد أماكن المرتزقة، ومراقبة خروجهم وفق نسب محددة من كلا الطرفين، بما يضمن عدم عودتهم مرة أخرى أو إخلال أي طرف بالتزامه”[9]. وبعد أيام قليلة من المؤتمر، أعلن عضو اللجنة العسكرية المشتركة، الفريق الهادي الفلاح، عن التحضير لاجتماع في مصر مع الدول التي لديها قوات في جنوب ليبيا. وقال الفلاح في تصريحات لوسائل الإعلام، إن “اللجنة العسكرية 5+5 تجهز لاجتماع في مصر مع الدول التي لديها مرتزقة في ليبيا بالمنطقة الجنوبية، للوصول إلى آلية إخراجها دون تشكيل خطر على هذه الدول”. وأضاف أن “المراقبين لم يبدأوا عملهم بعد، وسيباشرونه قريبا بعد اجتماع اللجنة وبالتزامن مع البدء في إخراج المرتزقة”. وتابع: “اجتماعنا المقبل سيناقش إمكانية فتح الطريق العام الرابط بين منطقة الهيشة وبلدية الجفرة”[10]. وسبق أن وقع أعضاء لجنة (5 + 5) العسكرية، فى 8 أكتوبر الحالى، خطة عمل شاملة لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا بـ”شكل تدريجي ومتوازن ومتزامن”، بعد اجتماع لأعضائها استمر لثلاثة أيام في…

تابع القراءة
نتائج الانتخابات التشريعية في العراق.. الدلالات والتداعيات والتحديات المستقبلية

نتائج الانتخابات التشريعية في العراق.. الدلالات والتداعيات والتحديات المستقبلية

    رهانات كثيرة على الانتخابات التشريعية العراقية، لإخراج البلاد من نفق الانقسامات والصراعات الطائفية وعدم الاستقرار، يبدو أنها ما زالت بعيدة التحقق، إثر الافرازات السياسية التي أحدثتها النتائج التي أعلنتها لجنة الانتخابات، الأحد الماضي، وتعد تلك الانتخابات الخامسة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وأجريت الانتخابات قبل عام من موعدها المقرر بعد احتجاجات واسعة شهدها العراق، بدءا من مطلع أكتوبر 2019 واستمرت لأكثر من سنة، وأطاحت بالحكومة السابقة، بقيادة “عادل عبد المهدي”، أواخر العام ذاته. أولا: النتائج الرسمية المعلنة أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في العراق، منتصف ليلة السبت-الأحد، الماضي، النتائج النهائية للانتخابات 2021 التي أجريت الأحد قبل الماضي، وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة شهدتها بغداد، إثر بيان أصدرته قوى سياسية حليفة لطهران رفضت فيه نتائج الانتخابات بشكل كامل واعتبرتها مطعوناً في صحتها. بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 43% ووفقاً للنتائج، فقد حل “التيار الصدري” في المرتبة الأولى، بواقع 73 مقعداً برلمانياً من أصل 329، أعقبه تحالف “تقدم” بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بـ 37 مقعداً، وحل تحالف “دولة القانون”، بزعامة نوري المالكي ثالثاً، بواقع 34 مقعداً، كما حلّ في المرتبة الرابعة “الحزب الديمقراطي الكردستاني” الحاكم في إقليم كردستان العراق بزعامة مسعود البارزاني، بواقع 32 مقعداً، وتمثل نحو ثلثي مقاعد الإقليم المخصصة له في البرلمان. وحصل تحالف “الفتح”، الذي يمثل الجناح السياسي لـ “الحشد الشعبي”، على 17 مقعداً، وجاء سادساً “تحالف كردستان”، الذي يضم “الاتحاد الوطني الكردستاني” وقوى كردية أخرى بواقع 16 مقعداً، بينما تراجعت حركة “امتداد” المدنية من 10 مقاعد إلى 9، وكذلك تحالف “عزم”، بواقع 12 مقعداً، ثم “إشراقة كانون” عند 6 مقاعد. فيما فاز مجموع المرشحين المستقلين الذين قدموا أنفسهم خارج إطار الأحزاب والكيانات السياسية، بـ 40 مقعداً. ثانيا: دلالات النتائج تراجع نسبة المشاركة رسالة للقوى المسيطرة على المشهد وتأتي نسبة المشاركة المتدنية لتوجّه صفعة لكل الأطراف التي رمت بثقلها، ومنها الأحزاب الدينية المحسوبة على إيران، والمرجعية الشيعية التي تحمست للانتخابات ووجهت دعوات للمواطنين للمشاركة بكثافة. إلا أن صوت المقاطعة كان أقوى، وسار الجمهور العام وراء دعوات المقاطعة التي نادى بها “حراك تشرين الشعبي”، مشككاً بحدوث التغيير في ظل وجود وجوه المنظومة ذاتها، وخلفها المليشيات المسلحة. وفي يوم الانتخابات، تصدّر وسم “مقاطعون” صفحات “تويتر” العراقية، وسط تقارير محبطة تؤكد تدني نسبة المشاركة، وعزوف الملايين عن الإدلاء بأصواتهم، ما دعا الباحث الدكتور علي الجابري إلى المجاهرة بالقول “بكل فخر، تشرين هي الكتلة الأكبر ولا عزاء للقتلة الفاسدين”. وبدا أن الناخب العراقي بات يعي أهمية صوته، ولذلك تمرد على التركيبة الحالية في كل المناطق. ولكن الخسارة الفادحة هي التي لحقت بأنصار إيران من فصائل “الحشد الشعبي”.. وهناك من يحاول أن يوحي بأن الإحباط يقتصر على الشارع العربي، وأن حال الوسط الكردي أفضل لأن أعلى نسبة مشاركة جاءت في محافظة دهوك وقاربت 50%، بل هو لا يقل سوءاً، وفق الباحث العراقي بشير البكر، لـ “عربي بوست” وهناك تذمر شديد موجّه ضد عائلة البارزاني التي تتولى رئاسة الإقليم عبر نجيرفان البارزاني (ابن شقيق مسعود البارزاني) ورئاسة وزراء الإقليم عبر مسرور البارزاني (نجل مسعود البارزاني). وفي السليمانية لا تزال عائلة جلال طالباني الحليفة لإيران تتحكّم بالمحافظة، وبالتالي تراجع مشروع وحدة الإقليم إلى حد كبير، عما كان عليه قبل عقد من الآن. تباينات سياسية وتهديدات بالعنف المسلح واستبقت القوى السياسية الحليفة لإيران، مساء السبت الماضي، إعلان النتائج النهائية للانتخابات ببيان جديد عقب اجتماع عقدته في بغداد، بالتأكيد على “رفضها الكامل” لنتائج الانتخابات، معتبرة أنها مطعون في صحتها. وعلى النقيض من ذلك البيان، أصدر زعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر، بياناً أعلن فيه عن قبوله لنتائج الانتخابات، مضيفاً أنه “من الآن فصاعداً لا ينبغي أن تكون الانتخابات ونتائجها مثاراً وباباً للخلافات والاختلافات والصراعات”. وتحسبا لتفجر أحداث عنف، انتشرت وحدات من الجيش العراقي والشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب في بغداد خاصة في محيط المنطقة الخضراء، ومدن عدة، أبرزها النجف وكربلاء وبابل. فيما لوحت قوى وأحزاب حليفة لطهران بالطعن في نتائج الانتخابات، واعتبارها مؤامرة، وأنه جرى التلاعب بها على خلفية النتائج المتدنية التي حققتها. ومع تصاعد السجالات السياسية والتهديدات بالفصائل المسلحة، يخشى أن تكون الانتخابات السياسية سبيلا نحو العنف المسلح، الذي لم يتوقف بالعراق منذ عقود.. وكانت أغلب الفصائل المسلحة والقيادات السياسية المرتبط بالحشد الشعبي والموالين لإيران، عقدوا اجتماعات عدة لبحث موقفها إزاء نتائج الانتخابات، فيما لوحت ما تسمى بـ “الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية”، وهي هيئة تمثل مجموعة من الفصائل الحليفة لإيران، بالتحرك بوجه ما عدتها “فبركة” الانتخابات. وخلال مؤتمر صحافي، عقدته الأجنحة السياسية الممثلة لمليشيا “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق”، الأربعاء الماضي، دعا رئيس حركة “حقوق” والقيادي بمليشيا “كتائب حزب الله”، حسين مؤنس، أنصار جماعته، إلى “الاستعداد”، وأن يكونوا على “أتم الجاهزية”، احتجاجاً على نتائج الانتخابات البرلمانية”.. وتعددت مطالبات إعادة العد والفرز اليدويين بدلا من النتائج التي أعلنتها مفوضية الانتخابات.. وأثارت المواقف المتتابعة التي تصدر عن قيادات الفصائل، التي تطعن في نتائج الانتخابات، مخاوف من ردود فعل وتحركات خارج إطار القانون، كأن يفاقم هموم العراق والعراقيين.. تبدلات بموازين القوى لصالح التيار الصدري وفي الوقت الذي حصد فيه التيار الصدري 73 مقعدا، خسر تحالف “الفتح”، الجناح السياسي لـ “الحشد الشعبي”، نحو ثلثي المقاعد السابقة له في البرلمان، بحصوله على 14 مقعداً فقط، بعد أن كان يملك 48 مقعداً في البرلمان السابق. والتحالف الذي يضم عدة كتل تمثل فصائل مسلحة مثل “صادقون”، التابع لمليشيا “عصائب أهل الحق” المدعومة من طهران، وكتلة “حقوق”، الجناح السياسي لمليشيا “كتائب حزب الله”، وكتلة “بدر”، التابعة لمليشيا بدر، و”سند”، الجناح السياسي لمليشيا “جند الإمام” وكتل أخرى، لم يحقق أي نتائج في النجف، وحصل على مقعد واحد في كربلاء، وتراجع تمثيله في البصرة وذي قار، وكانت أغلب الأصوات التي حصل عليها في بغداد، التي يمتلك فيها وجوداً مسلحاً وسياسياً واسعاً. ومن المفاجآت الثقيلة أيضاً، خسارة “تحالف قوى الدولة” الذي شكّله كلّ من رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، ورجل الدين زعيم “تيار الحكمة” عمار الحكيم بواقع 5 مقاعد فقط، وكان الحليفان يمتلكان في البرلمان السابق مجتمعين 61 مقعداً. في المقابل، استأثرت مليشيا “بابليون”، بزعامة ريان الكلداني المدرج على لائحة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية العام الماضي، بأربعة مقاعد من أصل خمسة مخصصة للعراقيين المسيحيين. كما تجسدت التغييرات السياسية ، في الانتخابات التشريعية، هذه المرة، بتحقيق  التكتل المدني الناشئ “امتداد”، بزعامة الطبيب الشاب علاء الركابي، أحد وجوه الاحتجاجات الشعبية البارزة في العراق، نتائج مهمة في النجف وذي قار والديوانية جنوبي البلاد، بواقع 10 مقاعد برلمانية، كذلك فاز 20 مرشحاً مستقلاً، من بينهم 12 مدنياً، لكنهم فضلوا الدخول منفردين دون حزب أو كتلة، وآخرون اعتمدوا على منطلقات مناطقية وعشائرية في الترشيح، لكنهم بطبيعة الحال من خارج الطبقة…

تابع القراءة
انقلاب البرهان على "الانتقال الديمقراطي" يقود السودان للمجهول

انقلاب البرهان على “الانتقال الديمقراطي” يقود السودان للمجهول

  كما توقع “الشارع السياسي” في تحليل سابق بعنوان “محاولة الانقلاب الفاشلة في سبتمبر هل تمهد لانقلاب نوفمبر؟” سار عسكريو السودان على نهج النظام المصري في الانقلاب العسكري، بعد عامين من محاولات حرث الأرض السودانية لانقلاب ناعم، يجري خلاله الانقضاض على السلطة السياسية بشكل كامل، بعد مسلسل من التأزيم السياسي والاقتصادي والاعلامي، وتشويه صورة كل ما هو مدني، والصاق أسباب الأزمات للحكومة.. وفي نهاية المطاف وعند أول اختبار حقيقي للذهاب نحو المسار المتفق عليه للانتقال الديمقراطي السلمي للسلطة بالسودان، بعد عامين من رئاسة المجلس السيادي، بالتشارك مع المدنيين، أعلن رئيس المجلس العسكري الانقلاب والذهاب لاجراءات استثنائية اضافية بالسودان لأجل غير مسمى، بعد اعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعدد من الوزراء والمسئولين والاعلاميين. وأعلن عبد الفتاح البرهان في بيان، الاثنين 25 أكتوبر، حالة الطوارئ في السودان وحل المجلس السيادي ومجلس الوزراء وإعفاء كافة مسؤولي الولايات من مناصبهم.. وشهد السودان منذ صباح الإثنين أحداثاً متسارعة، حيث أكدت وكالات أنباء أنه تم اعتقال رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، ونقله إلى جهة مجهولة، فيما شنت قوة عسكرية حملة اعتقالات طالت عدداً من قياديي قوى “الحرية والتغيير” في البلاد. في الموازاة مع ذلك، شهدت العاصمة الخرطوم انقطاعاً في خدمة الإنترنت، كما شهدت أجزاء واسعة من المدينة انقطاعاً في الكهرباء، كما قالت وكالة الأناضول إنه تم كذلك إغلاق مطار الخرطوم وتعليق الرحلات الدولية. واندلعت احتجاجات في بعض مناطق الخرطوم، تخللها حرق إطارات سيارات، إثر اعتقال قيادات من الائتلاف الحاكم، في وقت يقيد فيه الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حركة المدنيين في العاصمة. وتأتي هذه التطورات بعد يومين من تحذير قوى “الحرية والتغيير” من حدوث ما وصفته بـ “انقلاب زاحف” في البلاد، حيث قال ياسر عرمان إن “الأزمة الحالية مصنوعة على شكل انقلاب زاحف”، في وقت يغلق محتجون منذ نحو شهر مرفأ بورتسودان الرئيسي في شرق البلاد، وينفذ مئات المحتجين الآخرين اعتصاماً منذ أسبوع قرب القصر الرئاسي، للمطالبة بتشكيل “حكومة عسكرية”. وكان التوتر بين المكونين العسكري والمدني بالسلطة الانتقالية بالسودان قد تصاعد منذ أسابيع، بسبب انتقادات وجهتها قيادات عسكرية للقوى السياسية، على خلفية إحباط محاولة انقلاب في 21 سبتمبر الماضي. ويعيش السودان منذ 21 أغسطس 2019، فترة انتقالية تستمر 53 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام. تطورات المشهد الانقلابي واعتقل الجيش السوداني، صباح الاثنين 25 أكتوبر، رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ومعظم أعضاء حكومته والعديد من المسؤولين والعاملين بقطاع الإعلام، وسط الحديث عن انقلاب عسكري يجري تنفيذه. وقالت وزارة الإعلام والثقافة -في صفحتها على فيسبوك- إن رئيس الوزراء اقتيد إلى مكان مجهول بعد رفضه إصدار بيان مؤيد “للانقلاب”. كانت الوزارة قالت في وقت سابق إن القوات العسكرية المشتركة -التي تحتجز حمدوك داخل منزله- مارست عليه ضغوطا لإصدار بيان مؤيد “للانقلاب”. ونقلت عن حمدوك دعوته السودانيين -في رسالة من مقر “إقامته الجبرية”- إلى التمسك بالسلمية واحتلال الشوارع للدفاع عن ثورتهم. ومن جانبها قالت وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي إن أي انقلاب مرفوض “وسنقاومه بكافة الوسائل المدنية”. وأضافت المهدي أن احتجاز رئيس الوزراء في جهة غير معلومة أمر خطير جدا وغير مقبول. وذكرت أنه لا توجد أي اتصالات بين وزراء الحكومة بسبب انقطاع وسائل التواصل المباشرة، وإغلاق الجسور والطرق. وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الثقافة والإعلام، الاثنين، أن “قوى عسكرية” اعتقلت “أغلب أعضاء مجلس الوزراء والمدنيين من أعضاء مجلس السيادة”. وقالت “الثقافة” إن ما حدث انقلاب عسكري متكامل الأركان، ودعت الجماهير لقطع الطريق على التحرك العسكري. ونقلت أن “قوات عسكرية مشتركة اقتحمت مقر الإذاعة والتلفزيون في أم درمان وتحتجز عددا من العاملين”. فيما أفادت قناة الجزيرة بانقطاع بث عدد من الإذاعات السودانية بينها الإذاعة الرسمية على موجات “إفك إم”. فيما خرج آلاف السودانيين للشوارع في مظاهرات وصلت للقصر الجمهوري بالخرطوم، تعاملت معهم قوات الأمن بالعنف، فيما تتصاعد أعمدة الدخان من شوارع ومناطق مختلفة في مدينتي الخرطوم وخرطوم بحري. وتحدثت مصادر إعلامية عن تعزيزات عسكرية في محيط مطار الخرطوم الدولي، ونقلت بعض وسائل الإعلام أنه تم إغلاق المطار. وأعلن اتحاد الطيارين السودانيين الإضراب العام والعصيان المدني، والخروج للشوارع ردا على “الانقلاب العسكري”. وقالت ابنة وزير الصناعة إبراهيم الشيخ لـ “الجزيرة” إن قوة مشتركة اعتقلت والدها من منزله فجر الاثنين.. كما ذكرت زوجة والي الخرطوم أيمن نمر أن قوة مسلحة اعتقلت الوالي من منزله. وقال مدير مكتب الجزيرة بالخرطوم المسلمي الكباشي إن هناك أيضا أنباء غير مؤكدة عن اعتقال محمد الفكي سليمان عضو مجلس السيادة، وكذلك وزير الإعلام حمزة بلول، ووزير الاتصالات هاشم حسب الرسول، ورئيس حزب البعث العربي الاشتراكي على الريح السنهوري. ونقلت رويترز -عن مصادر من أسرة فيصل محمد صالح المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء- أن قوة عسكرية اقتحمت منزل المستشار وألقت القبض عليه. كما أعلن تجمع المصرفيين أن موظفي القطاع دخلوا في إضراب وعصيان مدني مفتوح احتجاجا على الاعتقالات. وأضاف التجمع في بيان “نتوجه بندائنا لجماهير الشعب السوداني وقواه الثورية ولجان المقاومة في الأحياء بكل المدن والقرى والفرقان، للخروج إلى الشوارع واحتلالها تماما، والتجهيز لمقاومة أي انقلاب عسكري، بغض النظر عن القوى التي تقف خلفه”. وفي بيان لاحق، قال تجمع المهنيين “تتوارد الأنباء عن تجهيز الانقلابين لقطع خدمة الإنترنت بعد أن تم اعتقال أغلب أعضاء مجلس الوزراء والمجلس السيادي، وهو ما يعني اتجاههم للتعتيم على ممارسات القمع والإرهاب، مما يعيد إلى الذاكرة ممارسات اللجنة الأمنية والجن جويد بعد مجزرة القيادة العامة في يونيو 2019”. وتابع البيان “نهيب بلجان المقاومة والقوى الثورية المهنية والنقابية والسياسية والمطلبية والشعبية الاستعداد وتفعيل أدوات الاتصال والتنسيق والتشبيك الأرضي المجربة”. ومن ناحيته، قال حزب الأمة القومي “ندين -بأقوى العبارات- الاعتقالات والانقلابات، وهي تشكل انتهاكا للوثيقة الدستورية”. تدخل أمريكي وتأتي هذه التطورات المتسارعة بعد ساعات من الإعلان عن تقديم الولايات المتحدة مقترحات، لحل الأزمة السياسية الراهنة، تعهد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بدراستها مع رئيس مجلس الوزراء. وقد عقد المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان سلسلة لقاءات مع قادة المرحلة الانتقالية خلال اليومين الماضيين، وقالت سفارة واشنطن بالخرطوم الأحد 24 أكتوبر، إن فيلتمان أكد للمسؤولين السودانيين أن الدعم الأميركي يعتمد على التزامهم بالنظام الانتقالي المتفق عليه بالإعلان الدستوري واتفاقية جوبا للسلام. وذكرت السفارة أن فيلتمان حث الحكومة السودانية على تنفيذ المعايير الانتقالية الرئيسية وفق جداول زمنية، بما في ذلك إنشاء المجلس التشريعي الانتقالي، والاتفاق على موعد تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين، وإصلاح الأجهزة الأمنية، ووضع إطار للانتخابات، وإعادة تشكيل المحكمة الدستورية، وإقامة آليات للعدالة الانتقالية. فيما يتصاعد الخلاف بشأن ترتيبات تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين وفقا للوثيقة الدستورية. ومنذ 16…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022