زيادة أسعار رغيف الخبز في مصر.. الأبعاد والآثار المتوقعة والبدائل

زيادة أسعار رغيف الخبز في مصر.. الأبعاد والآثار المتوقعة والبدائل

  ضمن سلسلة من سياسات التوحش الرأسمالي، وسياسات القهر الاجتماعي، وفي قرار غير مستبعد، مهد له عبد الفتاح السيسي ونظامه، عبر سلسلة متتالية من القرارات الموجعة لميزانية الأسر الفقيرة، أعلن السيسي تغيير منظومة رغيف الخبز في مصر، رافضا استمرار بيعه بـ “5 قروش: ناكثا بوعود سبق وأن قطعها على نفسه بعدم المس به. وفي الثالث من أغسطس الماضي، قال السيسي إنه “حان الوقت لزيادة سعر رغيف الخبز المدعوم، وإعادة تسعيره مرة أخرى”. وأضاف، خلال افتتاح المدينة الصناعية الغذائية “سايلو فودز”، في مدينة السادات بمحافظة المنوفية، أنّ “رغيف الخبز يباع بـ 5 قروش، ومن غير المعقول أن يكون 20 رغيف خبز بثمن سيجارة واحدة”، موضحاً أن “رغيف الخبز يكلف الدولة 65 قرشاً، وهذا الأمر لا بدّ له أن يتوقّف”. وفي 14 أغسطس، أعلن السيسي، تكليف وزير التموين دراسة منظومة رغيف الخبز الجديدة. قائلا، خلال افتتاح أحد المشروعات السكنية، أن منظومة رغيف الخبز لا بد من تعديلها، مشيراً إلى أنّ “الرغيف عندما كان يباع بقرشين كانت تكلفته 18 قرشاً (الجنيه = 100 قرش)، وهو الآن يباع بخمسة قروش، بينما تكلفته 65 قرشاً، ما يؤكد أن تكلفة صناعته ارتفعت، وعدد المستفيدين منه ازداد، بينما ظل السعر ثابتاً”. وتعمل وزارة التموين حالياً على دراسة لتحديد زيادة سعر رغيف الخبز، لترفع نتائجها إلى مجلس الوزراء لمناقشتها، ووفقاً لبيانات الموازنة العامة للدولة، كانت قيمة الدعم لرغيف الخبز في العام المالي 2018-2019 نحو 42.3 مليار جنيه، وبلغ عدد المستفيدين 74 مليون فرد. وتطورت قيمة الدعم المخصص لرغيف الخبز خلال السنوات المالية التالية، حتى وصلت في العام المالي الحالي إلى 44.9 مليار جنيه، فيما بلغ عدد المستفيدين 66.7 مليون فرد. أولا: دوافع السيسي وينبع قرار زيادة سعر رغيف الخبز من دوافع عدة، لدى السيسي ونظامه، يمكن اجمالها في التالي: -سياسات السيسي لخفض الانفاق العام للدولة يأتي قرار السيسي وسياساته التقشفية لخفض الانفاق العام للدولة، بالمخالفة للقاعدة السياسية المشهورة “المستبدون لا ينبغي لهم أن يتخلوا عن الدعم أو يقلصوه بل عليهم أن يزيدوا مقداره، طمعًا في صمت الشعب عن انتهاكاتهم وفسادهم”.. تَضِلُّ السلطةُ حين تتصور أنها تُحَسِّنُ ميزانيتها حين تستجيب لأوامر الأوصياء الأجانب بتقليص الدعم المقدَّم للمواطنين، ذلك أن هذا الدعم هو دعم للسلطة ذاتها قبل أن يكون تخفيفًا عن مواطنيها، لا سيما الفقراء منهم، ليس على المستوى السياسي فحسب من جانب تحقيق الشعبية اللازمة لاستمرارا السلطة وبسط نفوذها، بل وأيضًا على المستوى الاقتصادي، بالنظر الضيق لمفهوم “المصلحة الاقتصادية” للسلطة، غير أن غرور القوة يُغرِي السلطة باختيار الحل الذي تراه أيسر في التطبيق، حيث تفرض سطوتها، وهي صاحبة القوة والسلاح، على المواطن الأعزل الفقير. ويغيب عن السلطة المستبدة أن «الدعم» الذي تقدمه للمواطنين ليس مِنَّةً منها على الشعب، بل وسيلة لعدم تفاقم مسؤوليتها عن حل أزمات تترتب على تقليص الدعم، فتقديم الدعم مثلا للمجال الصحي يستهدف عدم انتشار الأمراض والأوبئة بسبب عجز المرضى عن علاج أمراضهم ومداواة جراحهم، وحينها سيلزم السلطة أن تتدخَّل من أجل إنقاذ المجتمع من هذه الأوبئة التي لن تُفرِّق بين من في السلطة ومن تحكمهم، وتوفير الدعم في المجال التعليم يستهدف تنشئة أجيال قادرة على القراءة والكتابة والتعامل مع الأدوات الحديثة في مختلف مجالات العمل، وأحيانًا لإحكام سيطرة السلطة على العقول، وبدون هذا الدعم ستواجه  السلطة بأجيال لا تقدر هي على التعامل معهم بسبب ما لديهم من جهل وانعدام وعي وإدراك بما يُحيط بهم. -التساهل في تقدير ردود الفعل الشعبية- مذابح رابعة والنهضة مثالا: وفق  خبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، تحدث لـ”عربي 21″، فإن الاستخدام المفرط للسلاح وإباحة وتقنين العنف تجاه المعارضين من جانب أجهزة الدولة، سواء الأمني منها أو الهيئات المدنية خلال الفترة التي أعقبت الثلاثين من يونيو 2013، خلقت حالة من الرعب لدى المواطنين من إبداء أي رفض أو معارضة للقرارات الحكومية، وبالأخص تلك التي يقدم عليها رئيس الدولة، خشية تعرضهم لأي أذى بعدما أيقن المواطنون أن القتل سيكون الجزاء الذي سيوقع عليهم، مع تبرير عملية القتل تلك بكون أي معارض لقرار حكومي هو إرهابي وفقاً للروايات الرسمية، مما سيلحق به أيضا وصماً مجتمعياً سلبياً لأسرة أي محتج حتى لو لم يكن ينتمي لأي تيار سياسي أو ديني. -السياسة وليس الاقتصاد: وتعد الزيادة المتوقعة، الزيادة الثالثة في أسعار الخبز التي يفرضها السيسي، إذ جاءت الأولى في العام 2014، حينما خفض السيسي وزن رغيف الخبز من 130 جراما “كما كانت في عهد الرئيس محمد مرسي” إلى 110 حراما، والثانية كانت في أغسطس 2020، وكانت على هيئة تناقص حجم الرغيف للمرة الثانية بنحو 20 جرامًا، والثالثة التي يدرسها مجلس الوزراء حاليا لفرضها على المواطنين. وتكاد تجمع الدراسات الاقتصادية على أن هذه الزيادة غير المحددة، لن تمثل فائدة مالية كبيرة للحكومة، فالإنفاق من ميزانية الدولة على الخبز المدعم في 2021/2022 يصل إلى 44 مليار جنيه، أي 2.4% من إجمالي الإنفاق الحكومي، و9.4% من العجز المتوقع. ويمثل الخبز المدعم أيضًا 4.4% فقط من إجمالي عائدات الضرائب التي تجمعها الدولة، لكي نضع هذا الرقم في سياق، فعلى سبيل المثال تبلغ تكلفة فائدة سداد القروض 579 مليار جنيه، أي أكثر 13 مرة من قيمة الخبز المدعم. لكن ارتفاع السعر تحركه السياسات وطبيعة الاقتصاد السياسي الذي يهمين عليه الجيش في مصر، الذي يعتمد على الديون بدلًا من استثمار العمالة كمحرك للنمو الاقتصادي. -مزيد من المصالح المالية للعسكر ووفق مصادر حكومية نقلت عنها “العربي الجديد” فإن قرار السيسي إلغاء الدعم تدريجياً عن رغيف الخبز يستهدف تدبير 7.7 مليارات جنيه، بصورة مبدئية، لتوفير وجبات غذائية للطلاب في المدارس الرسمية، مع انطلاق العام الدراسي في 9 أكتوبر المقبل وكان السيسي حدد سعر الوجبة بسبعة جنيهات عن الطفل الواحد، مع العلم أن تكلفة الوجبة المصنعة من الجيش تقل كثيراً عن هذا المبلغ. وفي 19 اغسطس الجاري تم اتمام عملية الاسناد للقوات المسلحة، حيث تفقدت وزيرة الصحة، هالة زايد، ورئيس مجلس إدارة شركة “سايلو فودز” للصناعات الغذائية، اللواء أركان حرب تيمور موسى، منظومة تصنيع الوجبات المدرسية بمقر الشركة في مدينة السادات بمحافظة المنوفية، والمقرر توفيرها للطلاب مع بدء العام الدراسي الجديد. يشار إلى أن البنك الدولي وعدد من المؤسسات المانحة لمصر قد قدمت بالفعل لمصر منحة بمقدار 567 مليون دولار لتوفير الوجبات المدرسية، وهو ما يوازي المبلغ المطلوب لتوفير الوجبة والذي تحدث عنه السيسي وقدره بـ 7,7 مليار جنيه. يذكر أن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، التابع للجيش، قد تورط في واقعة تسمم نحو 2243 تلميذاً في محافظة سوهاج بصعيد مصر، إثر تناولهم وجبات مدرسية منتهية الصلاحية وردها الجهاز في عام 2017، ما أثار تساؤلات مشروعة عن تغول الجيش في قطاعات عديدة، واختيار شركة النصر للخدمات (كوين سرفيس) التابعة للجهاز، لتولي توريد التغذية للطلاب…

تابع القراءة
اجتماع دول جوار ليبيا بالجزائر .. الفرص والتحديات

اجتماع دول جوار ليبيا بالجزائر .. الفرص والتحديات

  انطلقت أعمال المؤتمر الثاني لوزراء خارجية دول جوار ليبيا، فى يومى 29 و30 أغسطس 2021 بالعاصمة الجزائرية، والذي يستمر على مدار يومين. وشارك في المؤتمر كل من وزراء خارجية ليبيا، مصر، تونس، السودان، النيجر، تشاد، والكونغو، إلى جانب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، فضلا عن مفوض الاتحاد الأفريقي للشؤون السياسية والسلم والأمن، بانكولي أديوي، والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، يان كوبيش. وتضمنت محاور المؤتمر التشديد على تنظيم الانتخابات العامة في موعدها المقرر نهاية العام الحالي، وإيجاد سبل لتذليل العقبات والخلافات بين الأطراف الليبية، فضلا عن التأكيد على إلزام الأطراف الليبية بمخرجات مؤتمر برلين، على رأسها إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، وحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا[1].   أولًا: أهداف المؤتمر: وتسعى دول جوار ليبيا إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، والتى تتمثل فى هدفين رئيسيين: الهدف الأول؛ تحقيق مجموعة من المصالح؛ فاستقرار ليبيا ولو بشكل هش يمنح دول الجوار وبالأخص تونس ومصر، فرصا للاستثمار والمشاركة في إعادة الإعمار وسوقا للتصدير ومعالجة أزمة البطالة، في بلد يملك أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا، ويستورد كل احتياجاته تقريبا من الخارج. لكن أكثر ما يغري دول الجوار حجم مشاريع إعادة الإعمار الكبير، والذي قدره وزير الاقتصاد الليبي سلامة الغويل، بنحو 135 مليار دولار، بينما توقعت صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية أن يصل هذا الرقم إلى 500 مليار دولار. الهدف الثانى؛ وقف التهديدات القادمة من ليبيا؛ فعودة الصراع فى ليبيا سيكون نتائجه مدمرة، فالحدود المشتركة لهذه الدول مع ليبيا هى حدود مستباحة أمام تحرك الجماعات الإرهابية وشبكات تهريب السلاح والبشر والوقود. وتعانى هذه الدول من وجود قوات عسكرية معارضة لحكوماتها داخل الأراضى الليبية، وتقوم هذه القوات بشن هجمات داخل حدود هذه الدول، فالهجوم الذي قاده متمردو جبهة الوفاق والتغيير “فاكت” في أبريل 2021، على شمال تشاد، انطلق من ليبيا. ولذلك، فإن رئيس المجلس العسكري الحاكم في تشاد محمد إدريس ديبي، أكد على ضرورة “إعادة إحياء الاتفاق الرباعي بين ليبيا والسودان والنيجر وتشاد” الموقع في 2018. وكذلك، فقد قام عناصر تنظيم “داعش” بالهجوم على مدينة بن قردان التونسية في 2016، وهجوم تيغونتورين في الجزائر عام 2013، ناهيك عن حديث مصر والسودان والنيجر عن استخدام جماعات متمردة أو إرهابية الأراضي الليبية كقواعد خلفية لتهديد أمنها. ولا يأتى اجتماع الجزائر فى ظل استشعار خطورة الوضع في ليبيا فقط، بل في شمال إفريقيا والساحل، فى ظل التحولات الدولية العميقة، التي يميزها بداية انكفاء الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها وانسحابها من بؤر التوتر، وما قد يخلق ذلك من فراغ أمني في عدة نقاط ساخنة من العالم، قد تسعى الجماعات الإرهابية والمتطرفة لملئه. وهذا أحد الأسباب التي دفعت واشنطن لدعم اجتماع دول الجوار خلال لقاء المبعوث الأمريكي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، بوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في تونس[2]. فضلاً عن التصاعد المضطرد في النشاط الإرهابي في منطقة الساحل الإفريقي والذي تجسد في الارتفاع الملحوظ في عدد ونطاق العمليات الإرهابية، خاصةً مع استعداد فرنسا لتقليص عدد قواتها في منطقة الساحل الإفريقي خلال الفترة المقبلة، وهو ما يمكن أن يخلق فراغاً ربما تسعى الجماعات الإرهابية لاستغلاله لتعزيز هيمنتها ونطاق انتشارها، وبالتالي هناك زخماً واضحاً لدى القوى الإقليمية في محاولة الحيلولة دون انجراف المنطقة إلى مستوى متصاعد من عدم الاستقرار سوف يؤثر على مصالح دول المنطقة ككل[3].   ثانيًا: العوامل المساهمة فى إمكانية نجاح المؤتمر: وقد شهد المؤتمر عدة تطورات قد تسهم فى انجاح المؤتمر فى تحقيق أهدافه، لعل أبرزها: 1- التوافق المصري – الجزائري، فقد عكست الأسابيع الأخيرة وجود تنامي ملحوظ في درجة التوافق بين القاهرة والجزائر، بدأت مؤشراتها منذ زيارة وزير الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” إلى القاهرة في نهاية يوليو الماضي، وما تبعته من تصاعد في مستوى التنسيق بين البلدين وتقارب الرؤى تجاه عدة ملفات إقليمية، ويبدو أن الأزمة الليبية ستمثل أحد أبرز محطات هذا التوافق بين البلدين، ومن ثم يمكن أن ينعكس هذا التوافق في التوصل إلى ترتيبات توافقية بين الأطراف المختلفة تضمن الاستقرار في ليبيا وإنجاح المرحلة الانتقالية[4]. 2- الحضور النوعي الذي ميّزَ هذا الاجتماع لأول مرة، فقد عرفَ إضافةً إلى مشاركة وزير خارجية الجزائر، البلد المستضيف، مشاركة وزير خارجية ليبيا المعنية بالقضية وكذا تونس ومصر، ولأول مرة وزراء خارجية النيجر وتشاد والسودان التي كانت سابقًا تغيب عن هذه الاجتماعات، حيث كانت تقتصر في الغالب على قمة ثلاثية بين الجزائر والقاهرة وتونس. كما عرفَ اللقاء حضورَ مختلف الهيئات الإقليمية المعنية بالقضية مباشرة، ممثلة في أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، ويان كوبيش المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، وجان كلود غاكوسو وزير خارجية الكونغو، الذي ترأّست بلاده الاتحاد الإفريقي حاليًّا، إضافة إلى بانكول أديوي مفوّض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلام والأمن. 3- يظهر من خلال المناقشات التي تمّت في اجتماع الجزائر، أنه لأول مرة تمّت مناقشة مختلف المشاكل الميدانية الليبية، إضافة إلى أن حضور دول الجوار الجنوبية هي رسالة واضحة على أن كل حل لهذه الأزمة يجب أن يراعي السيادة الليبية على كل مناطقها، حتى الجنوبية منها التي كانت تغيب في لقاءات سابقة[5].   ثالثًا: العوامل المعرقلة لإمكانية نجاح المؤتمر: ومع ذلك، فهناك مجموعة من التطورات التى قد تضعف من احتمالية نجاح المؤتمر فى تحقيق أهدافه، منها: 1- تصاعد الشكوك بشأن إنجاز الانتخابات في موعدها المقرر: حيث ترجح كافة المعطيات الداخلية صعوبة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وذلك في ظل استمرار تعثر التوافق بشأن الملفات الخلافية التي ينبني عليها إجراء الانتخابات، سواء فيما يتعلق بالقاعدة الدستورية، أو شروط الترشح للرئاسة، أو خروج المرتزقة والقوات الأجنبية وكذلك توحيد المؤسسات الليبية، وبالتالي فالسياق الداخلي يحمل مؤشرات ترجح احتمالات تأجيل الانتخابات. ولعل التصريحات التي تمخضت عن اجتماع دول الجوار جاءت لتعزز هذه الاحتمالات، خاصةً بعد تصريحات وزيرة الخارجية الليبية التي أكدت بأنه “لا يجب أن تكون الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل أولوية على الاستقرار”. ومن ناحية أخرى، فقد نشرت مجلة “أفريقا ريبورت” Africa Report تقريراً في الـ 29 من أغسطس 2021 أشار إلى أن الولايات المتحدة قد عرضت مقترحاً بشأن الانتخابات الليبية على دول ما يسمى بـ (P3+2)  والتي تضم كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى جانب واشنطن، تنطوي هذه الخطة على فكرة أجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ليبيا عبر مراحل، بحيث يتم إجراء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الليبية في الـ 24 من أغسطس 2022، وذلك بالتوازي مع إجراء الانتخابات البرلمانية، مع تأجيل موعد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية إلى 15 سبتمبر 2022[6]. 2- انقسام المؤسسة العسكرية: فانقسام المؤسسة العسكرية في ليبيا وشساعة أراضيها وطول حدودها ما يصعب من مهمة مراقبة تلك الحدود. فالحدود الليبية التشادية يسيطر عليها من الجهة الغربية قبائل…

تابع القراءة
تطبيق "قانون السايس" .. بين بيزنس الجيش وارتباك الحكومة وفوضى الشارع

تطبيق “قانون السايس” .. بين بيزنس الجيش وارتباك الحكومة وفوضى الشارع

  في 15 يوليو 2020م صدَّق عبد الفتاح السيسي على القانون رقم 150 لسنة 2020 بشأن تنظيم انتظار المركبات في الشوارع «قانون السايس»، وجرى نشر نصه في الجريدة الرسمية بالعدد 28 مكرر “د”. وقد كان البرلمان قد وافق على مشروع القانون في 10 فبراير 2020م.[[1]] يستهدف القانون ــ بحسب الحكومة ـ تحديد القواعد والإجراءات اللازمة لاستغلال الشوارع العامة بشكل منظم وحضاري لائق، لانتظار المركبات بالشوارع من خلال إنشاء لجنة بكل محافظة وبأجهزة المدن التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة؛ لتحديد أماكن الانتظار لمنع الانتظار العشوائي على جانبي الطرق والوقوف المزدوج الذي يؤدي إلى ازدحام واختناق مروري. كما يستهدف تحديد الضوابط والاشتراطات للقائمين على تنظيم انتظار المركبات (شركاتٍ أو أفرادًا)، واستوجب لمزاولة هذا النشاط ضرورة الحصول على رخصة من الجهة الإدارية، ويتم تحديد مقابل الانتظار وفقًا لطبيعة الموقع الجغرافي ومساحة أماكن الانتظار المحددة سلفًا من الوحدات المحلية وأجهزة المدن التابعة للمجتمعات العمرانية الجديدة. وينص مشروع القانون على أنه لا يجوز مزاولة نشاط تنظيم انتظار المركبات بالأماكن الخاضعة لأحكام هذا القانون قبل الحصول على رخصة مزاولة هذا النشاط وفقًا لأحكامه. ويقضي القانون بأن تنشأ بكل محافظة وبأجهزة المدن التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لجنة؛ لتحديد أماكن انتظار المركبات بالشوارع، ويصدر بتشكيلها وتحديد المعاملة المالية لأعضائها قرار من المحافظ أو رئيس جهاز المدينة المختص بحسب الأحوال، على أن تضم ممثلين عن وزارة الداخلية ويشار إليها باللجنة. وتختص اللجنة بتحديد أماكن وأوقات انتظار المركبات بالشوارع الخاضعة لولاية المحافظة أو جهاز المدينة المختص، والتي تستوعب تخصيص أماكن الانتظار، بما لا يعوق حركة المرور، بعد التنسيق مع إدارة المرور المختص، وإعداد كراسات الشروط الخاصة بحق استغلال أماكن الانتظار، مع مراعاة أن تتضمن المواصفات إمكانية استخدام التطبيقات التكنولوجية الحديثة بالأماكن القابلة لذلك، وتحديد مقابل انتظار المركبات حسب المساحة والموقع الجغرافي، مع مراعاة المستوى الاقتصادى لطبيعة المكان، وتحديد الضوابط والاشتراطات للقائمين على تنظيم انتظار المركبات لدى الشركات والأفراد، ومنح رخصة مزاولة نشاط تنظيم انتظار المركبات للأشخاص التابعين للشركات والأفراد. ويجيز مشروع القانون للمحافظ أو لرئيس جهاز المدينة بالمجتمعات العمرانية الجديدة بحسب الأحوال طرح حق الاستغلال لكل أو جزء من أماكن الانتظار بالمحافظة أو المدينة للشركات أو الأفراد بما لا يجاوز عشر سنوات. ارتباك ومشاكل في التطبيق في الـ 21 من أغسطس 2021م، أعلنت محافظة الجيزة عن بدأ تفعيل القانون رقم 150 لسنة 2020 بشأن تنظيم انتظار المركبات في الشوارع بمختلف المحافظات، بعد أن أصدرت وزارة التنمية المحلية فى الرابع عشر من يناير 2021 القرار رقم 5 لسنة 2021 بشأن اللائحة التنفيذية للقانون، وهو القانون المُقرر تنفيذه فى كافة المحافظات المصرية، لتنظيم انتظار المركبات بالشوارع، والقضاء على ما يُعرف بظاهرة الانتظار العشوائى بحسب تصريحات الحكومة. وفي أعقاب الإعلان سادت حالة من الفوضى في الشارع بعد أن خصصت الجيزة ساحات بعينها لتدار بعيدا عن سيطرة السايس العشوائية، ويعود ذلك إلى سببين: الأول، أن الأحياء طالبت المواطنين بالتوجه إلى مقر الحي والتقدم بطلب تصريح لانتظار وركن السيارات في الشوارع. الثاني، أن الأحياء فرضت رسوما باهظة على ركن السيارة أسفل المنزل قيمتها  300 جنيه! وعشرة جنيهات لكل ساعة للانتظار الموقت للسيارة الملاكي و20 جنيها في الساعة للانتظار الموقت للسيارة نصف النقل، و30 جنيها في الساعة للانتظار المؤقت للحافلات الكبيرة، بحسب اللائحة التي أصدرتها وزارة التنمية المحلية للقانون. وهو ما تسبب في استياء واسع بين المواطنين الذين اعتادوا ركن سياراتهم أسفل منازلهم دون التقيد بتصاريح من الحكومة أو دفع رسوم مقابل ذلك.[[2]] وبدأت محافظة القاهرة تفعيل القانون بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية بحصر كل من يعمل فى مهنة السايس دون ترخيص، لضبط الشوارع والميادين وفق القانون الجديد. وأوضحت الأجهزة التنفيذية بالقاهرة أن عقوبة المخالف للقانون الجديد تتراوح بين الحبس والغرامة التى تتراوح بين ألف و5 آلاف جنيه.  وخصصت محافظة الجيزة عدداً من ساحات الانتظار المؤقت في شوارع النيل، ومصر والسودان، والتحرير، والسد العالي، ووزارة الزراعة، وسليمان أباظة، ومصدق، وشهاب، والبطل أحمد عبد العزيز، فيما أعلنت محافظة القاهرة حصر 2883 مكاناً وساحة انتظار في أحياء العاصمة، لتطبيق أحكام قانون انتظار السيارات عليها. الارتباك الحكومي مع بداية تطبيق القانون أثار لغطا وجدلا واسعا حتى بين المؤيدين للنظام؛ وكان على رأسهم المذيع أحمد موسى، الذي استهجن تطبيق القانون في حيّ الدقي بمحافظة الجيزة. وتساءل موسى: “ماذا يعني أن أجد أحدهم يطالبني بدفع 300 جنيه لأن سيارتي موجودة أمام منزلي، بدعوى أنها في الشارع وليس في الكراج، هل أقوم بحمل العربية على أكتافي والصعود بها إلى شقتي حتى الصباح أم ماذا أفعل؟”. وتابع ساخرا: “ماذا أفعل بسيارتي ولا يوجد كراج أسفل العقار، هل أبيع السيارة؟ هل ستوفرون لي وسيلة مواصلات؟ من يحدد الرسوم (رسوم الانتظار)؟ كيف ستتعامل الحكومة مع الناس في القرية، وماذا عن الشوارع الرئيسية، وهذا الموضوع سوف يحدث بلبلة ونحن لا نريد المزيد من الارتباك”.[[3]] بيزنس الجيش اللافت في الأمر أن هناك تقارير إعلامية كشفت أن محافظ القاهرة اللواء خالد عبدالعال، ومحافظ الجيزة اللواء أحمد راشد وافقا على منح “الشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق”؛ إحدى الشركات التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة (الجيش)، حق استغلال ساحات انتظار السيارات في شوارع المحافظتين، وذلك بـ”الأمر المباشر” من دون اتباع المزايدات المتعارف عليها للحصول على أفضل العروض من الشركات. وبمقتضى هذا الإسناد فإن الشركة التابعة للجيش ستتولى تطبيق قانون تنظيم انتظار السيارات في الشوارع وفقا للقانون رقم 150 لسنة 2020، الهادف إلى تقنين مهنة “السايس” من خلال وضع الحي المختص لافتة توضح إيجار الشركة لأماكن انتظار السيارات، وأسماء “السياس” المسؤولين عن تحصيل الأموال من المواطنين، والذين ستؤجر لهم الشركة هذه الساحات من الباطن على الأرجح.[[4]] معنى ذلك أن الجيش سوف يتشارك مع السايس الأموال التي يحصل عليها بخلاف الرسوم المفروضة عليه “ألفا جنيه” مقابل رخصة مزاولة المهنة. من جانب آخر فإن المواطن سيدفع رسوماً لصالح “الشركة الوطنية” بواقع 10 جنيهات لانتظار السيارة الملاكي، و20 جنيهاً للسيارة (نصف نقل)، و30 جنيهاً للحافلات الكبيرة، و300 جنيه شهرياً لمبيت السيارة أسفل العقار المقيم فيه، مع منح السائق إيصالاً بالمبلغ عن طريق أحد “السياس”، ووضع حواجز مرورية في مكان الانتظار نظير مبلغ شهري. و”الشركة الوطنية” هي نفسها الحاصلة على حق استغلال المئات من المتاجر والمطاعم والكافيهات المنتشرة تحت الجسور الجديدة في مناطق شرق القاهرة، لا سيما في أحياء مدينة نصر ومصر الجديدة والنزهة، وكذلك على امتداد محور 26 يوليو بين مدينة السادس من أكتوبر وطريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي، وفي محيط المحطات الجديدة لتموين الوقود على الطرق السريعة. ومنذ انقلاب 3 يوليو 2013، يواصل الجيش تغلغله في جميع نشاطات المال والأعمال في مصر برعاية السيسي، ما ضاعف حجم اقتصاد المؤسسة العسكرية – غير الخاضع لأي نوع من الرقابة – بصورة غير…

تابع القراءة
ليبيا .. الإشكاليات السياسية والعسكرية التي قد تعيد النزاع المسلح

ليبيا .. الإشكاليات السياسية والعسكرية التي قد تعيد النزاع المسلح

  بعد حالة من التفاؤل بإمكانية حل الأزمة الليبية على خلفية توقف القتال العسكري بين أطراف الصراع المتمثلة في قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المتواجدة في الشرق، وقوات حكومة فايز السراج الشرعية المتمركزة في الغرب، والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار برعاية اقليمية ودولية (خاصة من تركيا ومصر وأمريكا وروسيا)، وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة حازت لأول مرة على ثقة مجلس النواب. لكن لا تزال هناك مجموعة من الإشكاليات السياسية والعسكرية التي قد تعيد الأمور مرة أخرى إلى المربع الأول وتتسبب في عودة الصراع العسكري مرة أخرى بين الطرفين، ويأتي على رأس تلك الإشكاليات؛ ملف إقرار ميزانية الدولة، وإصدار قوانين الانتخابات التي ستجرى على أساسها الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر 2021، وتوحيد المؤسسة العسكرية، وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا. وهو ما سيتم توضيحه بمزيد من التفاصيل في السطور القادمة..   أولًا: الإشكاليات السياسية: لاتزال هناك حالة من الصراع السياسي بين الأطراف الليبية، خاصة بين مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. ويعتبر ملف ميزانية الحكومة من بين الملفات الأكثر جدلاً بين الحكومة ومجلس النواب، إذ جرى تأجيل النظر فيه والتصويت عليه خلال أكثر من جلسة، حتى إن الحكومة أجرت تعديلات على حجم الميزانية سبع مرات منذ إبريل 2021. وكان صالح كشف، خلال زيارته للواء المتقاعد خليفة حفتر في مقره العسكري في الرجمة منتصف يوليو 2021، عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء عرقلة تمرير الميزانية، والمتمثلة في مطالب منح قيادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر “ميزانية مقدرة ومحترمة”، على حد قوله[1]. وتمثلت أخر فصول الصراع بين مجلس النواب وحكومة الدبيبة في دعوة مجلس النواب الحكومة للمثول أمام النواب في جلسة، تم تحديدها في 30 أغسطس 2021، وقد شدد المجلس على ضرورة حضور الحكومة للجلسة في موعدها المحدّد، ملوحاً بإمكانية سحب الثقة من الحكومة “إذا لم تكن إجاباتها مقنعة” للنواب. وذلك بعد طلب 29 نائباً بسحب الثقة من الحكومة في بيان مشترك، في 24 أغسطس 2021، لأنها “لم تقدم أبسط الخدمات للمواطن، ولم توحّد مؤسسات الدولة”، وأنها “زادت الهوة بين أبناء الوطن وزرعت الكره بينهم”، واتهموا الدبيبة بالتعامل مع إقليم برقة بـ “مبدأ العقاب والهزيمة”، وبأنه “أصبح طرفاً” في الصراع، وأن حكومته أصبحت “تهدد الأمن والسلم الأهلي في ليبيا”. وفى المقابل، فهناك رفض ضمني من جانب الحكومة لحضور تلك الجلسة، حيث أعلن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة أنه سيكون “خلاج البلاد” في اليوم الذي حدّده مجلس النواب لعقد جلسة لاستجواب الحكومة، معبراً عن استغرابه لسعي المجلس لـ “محاسبة الحكومة” قبل أن تصرف لها الميزانية العامة، كما حث على ضرورة اتفاق النواب على استجواب الحكومة في تلميح من الدبيبة لرفض بعض النواب لاستجواب الحكومة وأن الاستجواب أصبح مجرد وسيلة في يد النواب المحسوبين على عقيلة صالح وخليفة حفتر لعرقلة عمل الحكومة. أكثر من ذلك، فقد تحدى الدبيبة مجلس النواب عبر الاجتماع بمجموعة من النواب في طرابلس، وحرص على مشاركة رئيس المجلس الرئاسي في الاجتماع، وكأن الدبيبة يريد أن يقول لمجلس النواب إذا فكرت في سحب الثقة، فعليك إقالة المجلس الرئاسي، وأن من جاء بالسلطة التنفيذية هو ملتقى الحوار السياسي، وليس مجلس النواب[2]. وبجانب الصراع بين الحكومة ومجلس النواب، فهناك صراع بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في عدة ملفات، أهمها ملف المناصب السيادية، لا سيما مع إصرار المجلس الأعلى على استبعاد رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح، الموالي لعقيلة صالح، من منصبه[3]. بجانب، تحالف حكومة الدبيبة مع محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير ورئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك ضد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله في إطار حرب صلاحيات تحاول وزارة النفط ذات العلاقة المباشرة مع ديوان الحكومة كسبها، وهي وزارة تم تأسيسها في إطار التشكيل الأخير لتكون عنصر تجاذب مع المؤسسة المركزية[4]. أضف إلى ذلك، رفض المجلس الأعلى للدولة لتفرد مجلس النواب بإصدار قوانين الانتخابات التي ستجرى على أساسها الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر 2021، والتأكيد على ضرورة مشاركته في اصدار هذه القوانين مع مجلس النواب كما نص الاتفاق الصادر عن ملتقى الحوار السياسي[5]. والمراقب للمشهد الليبي سيرى أن هناك ما يشبه التنافس الانتخابي المبكر للفوز بالانتخابات المقررة في ديسمبر 2021، إذ إن هناك حرص من قبل حكومة الدبيبة للحصول على التصديق على الميزانية ما سيعطي للحكومة القدرة على الظهور القوي، وبذلك تتعزز فرص القيادات السياسية في الغرب الليبي، وخاصة رئيس الحكومة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في الانتخابات القادمة. كما أن مشهد رئيس حكومة الوحدة الوطنية في يوم الشباب العالمي، وهو يعِد الشباب بمنح للزواج والسكن يمثل مشهداً انتخابياً بامتياز[6]. كما يرى بعض المراقبين أن التسريبات الحديثة حول تعيينات دبلوماسية ينوي الدبيبة تمريرها خلال الأيام القادمة، ولاسيما في عواصم ذات تأثير بالغ في القرار الدولي، تؤكد أنه يرغب في إحاطة نفسه بحزام داعم على مستوى العلاقات الخارجية، يكون مرتبطا به شخصيا وبمكتبه وليس بوزارة الخارجية التي تديرها نجلاء المنقوش الوزيرة المثيرة للجدل والمرفوضة من قبل الدبيبة وداعميه نظرًا لأدائها ومواقفها خاصة بعد حديثها عن رفض التواجد العسكري التركي في ليبيا[7]. ومن ناحية أخرى، فأن خطاب حفتر الذي يوجهه لأنصاره بأنه لا يخضع لأي سلطة ما هو إلا محاولة للاستمرار في المشهد والتهيؤ للانتخابات كرقم صعب لا يمكن الوصول للاستقرار إلا من خلاله. كما جعل حفتر أتباعه في مجلس النواب ومنهم رئيس المجلس عقيلة صالح يحرصون على وضع قانون انتخاب يسمح لمزدوجي الجنسية والعسكريين بالدخول للانتخابات حتى دون استقالة من الخدمة العسكرية، وهذا تفصيل لشروط الانتخاب على مقاس حفتر[8]. لم يكتف حفتر بهذا بل عين رئيس الحكومة المؤقتة السابق عبدالله الثني على رأس إدارة استحدثها في جيشه تسمى الإدارة السياسية، استعدادا لتشكيل الاثنين حكومة موازية لحكومة الوحدة الوطنية وعودة الانقسام مرة أخرى. عاونه في ذلك رئيس “برلمان طبرق” عقيلة صالح وحليف حفتر، بإعلانه نيته تشكيل حكومة جديدة موازية في الشرق، حال تأجلت الانتخابات. صالح قال لوكالة “رويترز” 28 يوليو 2021: “إذا تعطلت الانتخابات سوف نرجع للمربع الأول”، محذرا من أن حكومة جديدة موازية ستظهر في الشرق[9]. وفي الوقت نفسه، خرج سيف الإسلام القذافي وبشكل مفاجئ، في حوار مطول مع صحيفة نيويورك تايمز، ليفصح عن سردية كثيراً ما يرددها أنصار النظام السابق بأن الشعب قد يلجأ لأنصار القذافي على أنهم الحل لمشاكل البلاد، بعد أن فشلت الثورة والدولة وكل القوى على الساحة في إيجاد حل للأزمة الليبية. لكن لا يزال الخلاف الكبير حول أن من صدر بحقه حكم بات أو مطلوب للجنائية الدولية أنه لا يحق له المشاركة في الانتخابات، وهذا ما صرح به رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عقب يوم من تصريحات سيف الإسلام معمر القذافي. هنا يبرز الصراع بين حفتر وسيف…

تابع القراءة
قمة دول جوار العراق .. السياقات والأهداف والتداعيات

قمة دول جوار العراق .. السياقات والأهداف والتداعيات

    اختتمت في العاصمة العراقية “بغداد”، في 28 أغسطس 2021، فعاليات قمة بغداد للشراكة والتعاون – والتي تسمى إعلاميًا “قمة دول جوار العراق” – التي شارك فيها كل من أمير قطر وملك الأردن ورئيس مصر والرئيس الفرنسي، ورئيس وزراء كل من الكويت والإمارات، ووزير خارجية كل من تركيا والسعودية وإيران بالإضافة إلى الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي[1]. وجاءت فكرة عقد المؤتمر التي كانت مقتصرة في بدايتها على دعوة دول جوار العراق فقط لمناقشة قضايا تتعلق بالتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية العراقية، وقضايا الأمن والاستقرار والاستثمار والتحديات الإقليمية المشتركة والعلاقات بين دول الجوار. لكنها تحولت إلى مؤتمر دولي، بعد دعوة دول عربية وأجنبية من غير دول جوار العراق، بالإضافة إلى مؤسسات دولية، مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وقد وجهت الحكومة العراقية دعوات لدول جوار العراق، إيران والسعودية والأردن والكويت وتركيا، ودول أخرى، مثل مصر وقطر والإمارات، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا[2]. وقد أثارت هذه القمة العديد من التساؤلات حول توقيتها، وأهدافها، وتداعياتها، وهي التساؤلات التي سيتم الإجابة عليها خلال السطور القادمة.. أولًا: السياقات العامة لانعقاد القمة: تنعقد قمة دول جوار العراق في ظل تطورين هامين على المستوى الإقليمي والدولي يتمثلان في: – التحسن في العلاقات الدبلوماسية بين مختلف الدول المتصارعة في منطقة الشرق الأوسط فبعد انتهاء الأزمة الخليجية، وإتمام المصالحة بين دول المقاطعة (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) وقطر. تشهد المنطقة والإقليم تحولات جديدة، بعضها مستمرة، كان آخرها إعلان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أن السعودية وإيران لديهما رغبة في التوصل إلى نتائج إيجابية، لإنهاء الخلافات بينهما. ونهاية أغسطس 2021، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، إن طهران عقدت 3 جولات حوار مع الرياض حتى الآن، وإن بلاده مستعدة- إذا لزم الأمر- لاستئناف تلك اللقاءات. وخلال الأسابيع الماضية، قالت طهران أكثر من مرة، إن المباحثات بين إيران والسعودية تجري في إطار وُدي وبحُسن نية، مشيرة إلى أنه تم إحراز بعض التقدم في هذه المفاوضات. أما الخلافات بين تركيا والإمارات، فقد شهدت تطوراً جديداً بزيارة لتركيا أجراها مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، التقى خلالها الرئيسَ رجب طيب أردوغان، وصولاً إلى اتصال هاتفي نادر بين الأخير وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد[3]. –  الانسحاب الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط والذي تحقق فعليًا وبصورة كبيرة مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أغسطس 2021، ومن المنتظر أن تنسحب واشنطن أيضًا من العراق خاصةً أن هناك قرار بإنهاء الدور القتالي للقوات الأمريكية في العراق في 31 ديسمبر 2021. وعليه، تأتي القمة في سياق رغبةٍ أمريكية في إعادة اندماج العراق مع محيطه العربي، مع اقتراب موعد الانسحاب الأمريكي. وهي محاولة لإيجاد نوعٍ من التوازن في نفوذ الأطراف المؤثرة فيه، وخصوصاً في ما يتعلق بنفوذ الجانب الإيراني، ومن المرجح أن تكون الرغبة الأمريكية منطلقةً في ذلك من تقديرها لوجود فرصةٍ سانحة في الوقت الحالي لإعادة رسم خريطة علاقات عراقيةٍ وإقليميةٍ جديدة، بالتزامن مع المتغيرات الجارية في المنطقة، وإمكانية لعبِ دورٍ ضاغطٍ على صانع القرار الإيراني من خلال المفاوضات الجارية بين الجانبين والمتعلقة بالملف النووي الإيراني. بالإضافةِ إلى ذلك، فإن تراجع الوجود العسكري للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة قد ساهم في تنامي الرغبة لدى دول المنطقة في إيجاد نوع من الهدنة بينهم، وقد يكون العراق الطرف الأنسب في هذه المرحلة من أجل لعب هذا الدور، في محاولة لإيجاد مقاربةٍ جديدةٍ لعلاقاتٍ تنظم الخلافات وتبتعد بها عن مرحلة الصراع[4].ي ثانيًا: أهداف ودوافع القمة: تتعدد الأهداف وتختلف الدوافع التي تقف خلف مشاركة تلك الدول في قمة بغداد: فبالنسبة للعراق؛ هناك من يربط انعقاد القمة بمستقبل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والحلم بالعودة إلى الحكم مرة أخرى عبر الفوز بالانتخابات المقررة في أكتوبر المقبل (2021). ومن ناحية أخرى، هناك من يرى أن بغداد تسعى من خلال هذا المؤتمر إلى تجسيد رؤيتها الاستراتيجية وحضورها الإقليمي كعامل تهدئة واستقرار ونقطة وصل بين المتصارعين في المنطقة (بين تركيا ومصر، وإيران والسعودية)، ويرتبط الموضوع أيضًا بموضوع سعي العراق إلى الانفتاح وتعميق الصلات مع الدول العربية وبشكل قريب مع المملكة السعودية ودول مجلس التعاون بعد قطيعة طويلة، ويأتي المؤتمر كمتمم طبيعي للقمة الثلاثية بين العراق ومصر والأردن التي عقدت ببغداد، في 27 يونيو 2021؛ وذلك لموازنة النفوذ الإيراني، عبر إقامة علاقات مع قوى إقليمية مهمة كمصر وتركيا والسعودية والإمارات[5]. وبالنسبة لإيران، فإنها تحرص على الحضور في أي ترتيبات متعلقة بمستقبل العراق، وتركز على وجود حكومة عراقية تتماشى سياسياً مع ما يُعرف باسم “محور المقاومة”، وتكون شريكاً تجارياً مرحَّباً به ومستعداً لقبول مزيد من الواردات الإيرانية الرخيصة. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى، فإن استقرار العراق يعني بالأساس دولة مستقلة عن نفوذ طهران. وترى تركيا أن منح الثقة للعراق يعني أن يكون قادراً على مواجهة العدو الرئيسي لأنقرة، وهو حزب العمال الكردستاني وفروعه العراقية، التي يتحالف بعضها مع الجماعات المسلحة الموالية لإيران في العراق. ويعتبر كل من العراق وتركيا حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، على الرغم من تمثيل المنظمات التابعة لحزب العمال الكردستاني في وحدات الحشد الشعبي العراقية. في حين يتمثل الدافع الأساسي للمشاركين الآخرين، مثل فرنسا والأردن ومصر، في الاعتبارات الاقتصادية، وليس السياسية. وبتشجيع من صفقة الطاقة التي حصلت عليها شركة النفط العملاقة الفرنسية Total، واتفاقية تجديد مطار الموصل الدولي التي حصلت عليها شركة Aero ports de Paris Ingenierie (مما أثار انزعاج تركيا التي تنافست على العقد)، تتطلع فرنسا إلى مزيد من المشروعات المربحة بالعراق، خاصة في مجال الطاقة؛ أملاً في ملء الفراغ الذي خلّفه رحيل الشركات الأمريكية والبريطانية. وتتطلع مصر والأردن إلى اتفاقيات التجارة والبنية التحتية. إذ سيدرُّ شراء العراق الكهرباء من الأردن إيرادات للمملكة الهاشمية التي تعاني من ضائقة مالية، ويقلل من اعتماد العراق على مشتريات الطاقة الإيرانية، ويخفف الضغط الأمريكي على بغداد. إضافة إلى ذلك، ستعمل خطة العراق لتصدير النفط عبر ميناء العقبة الأردني، وربما عبر الموانئ المصرية المجاورة، على تنويع منافذ التصدير في البلاد وجعلها أقل عرضة للاضطرابات الأمنية والسياسية التي يمكن أن تهدد سلامة الطرق البحرية عبر الخليج العربي. وتشمل مشروعات البنية التحتية المخطط لها مع هذين البلدين بناء الطرق والجسور والمدارس التي تشتد الحاجة إليها في العراق[6]. ثالثًا: نجاحات القمة: يمكن استعراض أبرز الرسائل والنتائج الإيجابية التي خرجت بها قمة بغداد، وذلك من خلال ما يلي: 1– دعم واسع لإجراء الانتخابات العراقية في موعدها: عبَّر المشاركون في قمة بغداد عن دعمهم الواسع للحكومة العراقية في جهودها لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 10 أكتوبر المقبل. وظهر ذلك في كلمات جميع المشاركين في المؤتمر تقريباً. وعلى سبيل المثال، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته أن بعثات من الاتحاد…

تابع القراءة
تحالف التيجراي والأرومو ومستقبل الدولة الإثيوبية

تحالف التيجراي والأرومو ومستقبل الدولة الإثيوبية

  تواجه حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، تحديًا مصيريًا مع تمكُّن متمردي جبهة تحرير شعب تيجراي، من استعادة السيطرة على معظم أجزاء إقليم تيجراي في الشمال، والتقدم غربًا وشرقًا وجنوبًا، بالتحالف مع حركات تمرد في أقاليم أخرى. ووفقًا لآبي أحمد، فإن الجيش الإثيوبي يخوض حربًا على ثماني جبهات، في محاولة لتبرير سقوط مدينة ميكلي، عاصمة تيجراي، في يد المتمردين، ومعها أغلب مدن الإقليم باستثناء المنطقة الغربية الحدودية مع السودان وإرتيريا، والمكشوفة عسكريًا لوقوعها في سهل مفتوح. ولم يكتف متمردو تيجراي بتحرير ميكلي، بل زحفوا إلى إقليمي العفر باتجاه الشرق، والأمهرة باتجاه الجنوب، واستولوا على عدة مناطق ومدن. وتلقت إثيوبيا ضربة ليست موجعة للحكومة والجيش الإثيوبي فحسب، بل ولوحدة إثيوبيا كدولة. فجبهة تحرير تيجراي وجيش جبهة تحرير أوروميا تحالفا لقتال الحكومة الإثيوبية بقيادة آبي أحمد ومعه مليشيات الأمهرة. فما هي السياقات الحاكمة داخل إثيوبيا الآن؟ وكيف تطورت الحرب الإثيوبية؟ وما هي استراتيجية التيجراي في حربها ضد الحكومة الإثيوبية؟ وكيف تم التحالف بين الجبهتين؟ وما هي تداعياته؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها.. السياق الحاكم للساحة الإثيوبية خلال الفترة الحالية: تعيش إثيوبيا واقعًا سياسيًّا وأمنيًّا متأزمًا ومضطربًا في ضوء ما تمثله خريطة الأزمات الإثيوبية من تحديات وضغوط تضفي مزيدًا من الضبابية حول مستقبل الدولة، خاصة في ظل إخفاق النظام الحاكم في إيجاد حلول ناجعة للخروج من المأزق الراهن، وانشغاله بتثبيت أركان حكمه في البلاد والتخلص من خصومه السياسيين بكافة الطرق دونما أي اعتبار للمهددات التي ربما تقوض أركان الدولة. وثمة بعض الملاحظات الكاشفة للسياق الحاكم على الساحة الإثيوبية خلال الفترة الراهنة، ويتمثل أبرزها في: حرب الرؤى بين النخب السياسية في البلاد حول المركزية والفيدرالية، إثارة النعرة الوطنية لدى الشعوب الإثيوبية، إصرار جبهة تحرير تيجراي على تحقيق أهدافها، الاتفاق بين جبهة تحرير تيجراي وجيش تحرير أورومو -الحليفان الجديدان- على أن الحل الوحيد لتسوية الأزمة الإثيوبية تكمن في الإطاحة بحكم آبي أحمد عسكريًا من البلاد، بروز الحركات المسلحة المعارضة حيث أعلنت ثلاث حركات مسلحة تأسيس تحالف ثلاثي بهدف إسقاط الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا ويتألف من جيش تحرير أورومو وجبهة تحرير بني شنقول – جوموز وجبهة تحرير جامبيلا التي تأسست مؤخرًا، تصاعد النزعات الانفصالية، مستقبل دور القوات الخاصة التابعة للأقاليم الإثيوبية، التداعيات على دول الجوار الإقليمي، ضبابية الدور الدولي في الصراع.[1] تطورات الحرب الإثيوبية: متغيرات مهمة شهدتها ساحة الحرب الإثيوبية في الأسابيع الماضية أدت إلى بروز تصورات أكثر قتامة عن المآل الذي قد تتجه إليه المعارك الدائرة منذ نوفمبر الماضي. ويأتي في مقدمة هذه المتغيرات إلغاء رئيس الوزراء الإثيوبي لوقف إطلاق النار من جانب واحد الذي أعلنه في 28 مايو، بجانب إعلانه التعبئة العامة بدعوته كل الإثيوبيين القادرين على حمل السلاح إلى الانضمام إلى القوات الفيدرالية، وهو ما سُبق بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتجنيد الميليشيات الإقليمية للانضمام إلى جانب القوات الفيدرالية في مواجهة قوات دفاع تيجراي، بالإضافة إلى استمرار السياسة التي توصف بحصار إقليم تيجراي واستخدام خطاب يحمل ملامح الإبادة الجماعية. على الضفة المقابلة، وسَّعت قوات دفاع تيجراي نطاق المعارك ميدانيًّا خارج أراضيها في إقليم العفر وتوغلت في إقليم أمهرة، بالإضافة إلى تحالفها مع جيش تحرير أورومو. الاشتباكات بين العفر والعيسى وتقدم قوات بني شنقول واستعصاء الحل السياسي كانت مؤشرات على دخول الحرب في إثيوبيا مرحلة جديدة. مع هذه التطورات الميدانية المتسارعة، بدأت تلوح في الأفق ملامح حرب شاملة تنخرط فيها كل المكونات الإثيوبية، رافقها صعود خطاب استقلالي لدى التيجراي على الأقل يهدِّد وحدة الكيان الإثيوبي، وهو ما دفع إلى السطح من جديد السيناريوهات التي تتحدث عن واقعية احتمال انزلاق إثيوبيا في شكل من أشكال تفكك الدولة وانهيارها. استراتيجية التيجراي: كانت جبهة تحرير التيجراي حققت انتصارات كبيرة على الجيش الفيدرالي في تيجراي، ثم تقدمت إلى مناطق شاسعة في إقليم الأمهرة، وبعدها تقدمت داخل إقليم العفر بحجة أنها تريد قطع الطرق والسكة الحديد مع جيبوتي لأنها تمثل شريان حياة حكومة أديس أبابا، ويقولون كذلك: “نحن لا نهاجم العفر إنما نهاجم قوات آبي أحمد المتمركزة هناك، ونسعى لخنق نظام أديس أبابا اقتصاديًا”، الأورومو دخلوا على خط المواجهة وقالوا: “لن نسمح للتيجراي بدخول إقليمنا وأديس أبابا ضمن أرضنا”. فيما يعتبر العفر ما جرى خطأ استراتيجيًا فادحًا ارتكبته الجبهة خصوصًا بعد استهداف مدنيين من العفر وقتلهم بدم بارد، بل يعتبرون ما جرى خيانة لهم فهم وقفوا على الحياد في حرب آبي أحمد علي وجيشه الفيدرالي على إقليم التيجراي، بل أعلن قيادات العفر أنهم ضد ما يجري للتيجراي من مذابح، ثم أعلنوا أنهم سيدافعون عن أنفسهم، حيث أكد قادتهم أن شعب العفر شعب مسالم ومتسامح لكنه لا يقبل الظلم أو الاعتداء، ولهذا تدور معارك طاحنة في الإقليم. لكن تحالف الأورومو والتيجراي قد يغير عقلية زعماء العفر، الذين قد ينضمون إلى هذا التحالف إن وجدوا أن الكفة تميل للأورومو والتيجراي على حساب الجيش الفيدرالي.[2] محاور تحرك متمردي التيجراي: يتحرك متمردو تيجراي على أكثر من محور ويقاتلون في أكثر من جبهة، بشكل يصعب معرفة نياتهم، هل يسعون للزحف مباشرة نحو العاصمة أديس أبابا لإسقاط حكم آبي أحمد، مثلما فعلوا في 1991، عندما أسقطوا حكم مينغستو هيلا مريام، أم أنهم يفضلون أسلوب طالبان في السيطرة على أطراف الأقاليم ثم مراكزها قبل الهجوم على العاصمة؟ وهذا التكتيك الحربي المحترف يربك الجيش الإثيوبي، لأنه لا يدري من أين سيبدأ هجوم المتمردين الرئيسي، وأين يجب أن يضع قواته الأساسية لصد أي هجوم كبير، فضلا عن أنه يجبره على تقسيم قواته إلى وحدات عسكرية أصغر وفي أماكن متباعدة يسهل استهدافها في حرب عصابات يجيدها مقاتلو تيجراي. والمحاور الرئيسية التي يتحرك منها متمردو تيجراي 6 على الأقل، لكل منها أهميته الاستراتيجية أو التكتيكية:[3] محور الطريق نحو جيبوتي: والذي تمر منه جميع الصادرات والواردات الإثيوبية عبر ميناء جيبوتي، كما تأتي عبره المساعدات الإنسانية الدولية إلى الإقليم. وبالنظر إلى أن إثيوبيا دولة حبيسة ولا تطل على أي بحر أو محيط، فيمثل هذا الطريق أهمية استراتيجية سواء للحكومة أو المتمردين، المحاصرين بين القوات الحكومية في الجنوب والجيش الإرتيري في الشمال. محور الطريق نحو أديس أبابا: أكثر محور يشهد تقدمًا للمتمردين يتجه جنوبًا نحو أديس أبابا، وتمكَّن متمردو تيجراي عبر هذا المحور من إسقاط كوبو، ثم تقدموا نحو مدينة ولديا الاستراتيجية، لكنهم تعثروا في إسقاطها بسرعة، فالتفوا حولها ودخلوا مدينة مرسا، وبعد أيام من الحصار انهارت دفاعات ولديا وسقطت في أيدي المتمردين. وتقترب المعركة من ديسي، التي تعد ثاني أكبر مدينة في أمهرة بعد “بحر دار” مركز الإقليم، حيث يقطنها حوالي 350 ألف نسمة، وتبعد نحو 400 كلم شمال أديس أبابا. وإذا سقطت ديسي، لن يكون أمام المتمردين للوصول إلى العاصمة سوى مدينة بيبري ببرهان، كمدينة…

تابع القراءة
صعود طالبان وتأثيره على الداخل الإفريقي

صعود طالبان وتأثيره على الداخل الإفريقي

  حتى عام 2001 لم تكن الحرب الدولية على الإرهاب تستهدف دولاً إفريقية؛ حيث كانت الاضطرابات الأمنية والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والإثنية أساس التطرف هناك. إلا أن التدخل العسكري الإثيوبي المدعوم من أمريكا في 2006 كان بداية نشأة حركة شباب المجاهدين في الصومال، والتي تحولت من حركة معارضة للحكومة الصومالية إلى جماعة إرهابية منذ إعلانها الانتماء إلى تنظيم القاعدة، والبدء في تنفيذ هجمات متتالية في شرق إفريقيا بين أوغندا وكينيا. كما بدأت حركات وتنظيمات مماثلة في الانتشار في الساحل والصحراء الإفريقية بعد تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا، حتى إقليم وسط إفريقيا. وفي نظرة سريعة لحسابات تتبع حركات وتنظيمات جهادية في إفريقيا، وكلمات مصورة تم بثها على مواقع التواصل الاجتماعي منذ الإعلان عن سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول وقصر الرئاسة، وفرار رئيس البلاد أشرف غني؛ يُمكن رصد حالة من الاحتفاء بما تم اعتباره انتصارًا لحركة طالبان وخطوة نحو تعزيز قدرة الجماعات الإسلامية في الوصول إلى الحكم وتطبيق الشريعة الاسلامية في أنحاء مختلفة من العالم. فماذا يعني صعود حركة عقائدية إلى السلطة في أفغانستان على أوضاع الحركات في إفريقيا؟ وإلى أي مدى ستكون تجربة طالبان ملهمة أو داعمة لحركات مماثلة في ظروف قد تكون مقاربة لأوضاع أفغانستان؟ وهل يعني نجاح طالبان صعود الحركات الإفريقية إلى السلطة في عدد من الدول الهشة؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال السطور القليلة القادمة.. أوجه التشابه بين أفغانستان والساحل الإفريقي: يأتي انسحاب القوات الأمريكية والناتو من أفغانستان مشابهًا للوضع الأمني والعسكري في معظم دول الساحل الإفريقي التي تسيطر عليها جماعات تتبع تنظيم القاعدة أو داعش، لاسيما بعد انسحاب القوات الفرنسية من الساحل الإفريقي، خاصةً تشاد ومالي والنيجر، وضعف أدوات الأنظمة الحكومية في تقويض تحركاتها أو إحكام السيطرة على مناطق نفوذها. وتتجه التوقعات لأن تكون سيطرة طالبان بمثابة دفعة معنوية للجهادين والجماعات الإسلامية، خاصةً التي كانت تبايع تنظيم القاعدة وطالبان خلال فترات سابقة في مواجهة القوات الغربية، بل وإمكانية إيجاد معقل وملاذ آمن لهذه الحركات للانطلاق من الأراضي الأفغانية بعد الهزائم المتكررة في الشرق الأوسط. وهكذا قد تكون منطقة الساحل الإفريقي الأكثر عُرضة للتأثر من انتصار حركة طالبان في أفغانستان، خاصةً بالنظر إلى تصريحات قادة التنظيم في المنطقة التي تعكس حالة من نشوة الانتصار، ما قد يعطيها الشجاعة للتمدد، ومحاولة تحقيق إنجازات أشبه بما حققته طالبان. وقد يكون أبرز أوجه التشابه بين الحالة الأفغانية وإفريقيا؛ هو انسحاب القوات الأجنبية. فقد كان انسحاب أمريكا وما خلفه من سيطرة مباشرة لطالبان على العاصمة الأفغانية مشابهًا إلى حدٍّ كبير لقرار الدول المحاربة للإرهاب لإجلاء قوتها في إفريقيا كانسحاب فرنسا من الساحل الإفريقي في 2013 بعد الخسائر في الأرواح والمال. ولا تزال تعاني منطقة الساحل الإفريقي من عدم الاستقرار منذ انسحاب القوات الفرنسية، ما يجعلها الأكثر عُرضة للتهديد، ما يسهل استثمار نجاح طالبان في تعزيز قوة الجماعات التي تنتهج نفس منهجها بعد الفشل الأجنبي والغربي في وأد التوجه الأيديولوجي لهذه الجماعات التي باتت تسيطر على مجموعات واسعة من الشباب الإفريقي. كل هذا بالتوازي مع فشل الحكومات المحلية من تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين المحرومين.[1] احتمالات تأثير صعود طالبان على الحركات الجهادية في إفريقيا: من المُتوقع أن يكون هناك صدى كبير لنجاح طالبان في القارة الإفريقية، ذلك أن مسألة إلهام الحركات الجهادية بعضها لبعض، وإعلان الولاء للتنظيمات الكبرى مسألة سبق أن شهدناها، مع تنظيم القاعدة على سبيل المثال، حيث كان مُلهمًا لحركة الشباب في الصومال، وأيضًا في منطقة المغرب الكبير، حيث أعلنت حركة شباب المجاهدين في الصومال ولاءها للقاعدة، بينما تم تشكيل تنظيم مماثل للقاعدة وتحت نفس الاسم “القاعدة في بلاد المغرب العربي”. حظي أيضًا تنظيم داعش بنفس التأثير في إفريقيا، حيث تم تشكيل تنظيم دامس بها، وامتد الوجود الفعلي لداعش ودامس في كل من شرق ليبيا، ومناطق من نيجيريا وموزمبيق، والكونغو. في هذا السياق كانت قد أعلنت حركة بوكو حرام ولاءها لداعش عام 2015، حيث قام أبو بكر شيكاو زعيم الحركة السابق، الذي تم اغتياله، أخيرًا، بإعادة تسمية التنظيم ليصبح ولاية غرب إفريقيا، بالتوازي مع اهتمام جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المنتمية لتنظيم القاعدة بترسيخ أقدامها في مجتمعات شمال ووسط دولة مالي، ومن المُرجح أن يكون نجاح طالبان مُلهمًا لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين لاستكمال تشكيل مؤسسات الحكم على النمط الطالباني لمحاكم الشرعية، وديوان الحسبة. خصوصًا أن هذا النمط قد نجح لفترة في الصومال، حيث حكمت المحاكم الشرعية بنجاح لفترة هناك. ولعله من المهم هنا الإشارة إلى تقرير مرفوع إلى مجلس الأمن، مؤخرًا، في شأن حالة التنظيمات في إفريقيا، حيث يشير تقرير لخبراء أمنيين أن داعش والقاعدة والجماعات التابعة لهما قد تضخم نفوذهما في القارة، حيث يتمتعان بقدرات متزايدة في جمع التبرعات والأسلحة، بما في ذلك استخدام الطائرات من دون طيار، والتزايد في أعداد أتباعهم ومؤيديهم ومساحة الأراضي التي استولوا عليها. وطبقًا لهذه الخبرات، فربما يكون الصعود الطالباني إلى السلطة ملهمًا في عدد من النماذج منها حركة شباب المجاهدين الصومالية، وتنظيم نصرة الإسلام والمسلمين في الساحل.[2] ردود فعل جهاديي إفريقيا على صعود طالبان: إياد آغ غالي، زعيم تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين، التابع للقاعدة، في الساحل الإفريقي، هنأ في كلمة مصورة، نُشرت قبل أسابيع، حركة طالبان على انتصاراتها في أفغانستان. وآغ غالي، مؤسس حركة أنصار الدين، التي تُلقب بـ “طالبان الأزواد”، أحد زعماء الطوارق في مالي، وكان قنصلها في السعودية، ويريد الآن استنساخ تجربة طالبان التي استعادت السلطة في أفغانستان بعد انسحاب الجيش الأمريكي منها. وما يُشجعه لتكرار ذات التجربة ضعف النظام في مالي، التي شهدت 3 انقلابات منذ 2012، وقرار فرنسا الأخير إنهاء عملية برخان العسكرية في الساحل، والانسحاب الكامل من شمالي البلاد مطلع 2022. وليست مالي وحدها من تعاني من تهديد، بل النيجر وبوركينا فاسو، تشتركان معها في نفس التهديد، خاصةً في منطقة التقاء الحدود الثلاثة.[3] آراء الغرب عن تأثير صعود طالبان على الجهاديين في إفريقيا: نشرت صحيفة التايمز الأمريكية تقريرًا عن الجهاديين في إفريقيا، الذين تشجعوا بانتصار طالبان في أفغانستان. ويقول إن جماعات إفريقية شنَّت عدة هجمات دامية في الأيام القليلة الماضية، يُعتقد أنها اكتسبت جرأة بعد سيطرة طالبان على أفغانستان. وقُتل أكثر من 200 شخص في أربع غارات منفصلة الأسبوع الماضي في كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو، ما اعتُبر دليلاً على ثقة الجهاديين المتزايدة بالنصر في القارة مع انتشار الفوضى في كابل، بحسب التقرير. ونقل التقرير عن توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، قوله إن قرار التخلي عن أفغانستان ترك كل جماعة جهادية في جميع أنحاء العالم تحتفل. ويذكر التقرير أن المنظمات التي تراقب مثل هذه الجماعات ومواقعها في الإنترنت توافق على هذا التوصيف، وتشير هذه المنظمات إلى أن سقوط كابل تم الاحتفال به على نطاق…

تابع القراءة
الصوفية .. النشأة والتكوين والتوظيف السياسي 

الصوفية .. النشأة والتكوين والتوظيف السياسي 

    نشأة الصوفية أولا بمدينتي البصرة والكوفة العراقيتين. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “أن أول من عرف بالصوفي هو أبو هاشم الكوفي سنة (150هـ)”، وقد بلغ التصوف ذروته في نهاية القرن الثالث، وواصلت الصوفية انتشارها في بلاد فارس ثم العراق ومصر والمغرب، وظهرت من خلالها الطرق الصوفية. وقد تميز عباد البصرة والكوفة آنذاك بالمبالغة في التعبد، وظهرت فيهم مظاهر جديدة لم تكن مألوفة من قبل، فكان منهم من يسقط مغشيا عليه عند سماع القرآن، ومنهم من يخر ميتا؛ فافترق الناس إزاء هذه الظاهرة بين منكر ومادح، وكان من المنكرين عليهم جمع من الصحابة كأسماء بنت أبي بكر وعبدالله بن الزبير رضي الله عنهم، إذ لم تكن تلك المظاهر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وهم الأعظم خوفا والأشد وجلا من الله سبحانه. ويرى الإمام ابن تيمية أن حال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من ضبط نفوسهم عند سماع القرآن أكمل من حال من جاء بعدهم، ولكنه – رحمه الله – لا يذهب إلى الإنكار على من ظهر منه شيء من ذلك إذا كان لا يستطيع دفعه، فقال رحمه الله تعالى: “والذي عليه جمهور العلماء أن الواحد من هؤلاء إذا كان مغلوبا عليه لم ينكر عليه، وإن كان حال الثابت أكمل منه”. امتاز منهج الصوفية المتقدمين في الجملة بالتعويل على الكتاب والسنة، واعتبارهما مصدري التلقي والاستدلال الوحيدين، ويروى عنهم نصوص كثيرة في ذلك، فمن ذلك ما قاله أبو القاسم الجنيد: “مذهبنا هذا مقيد بالأصول الكتاب والسنة”. وقال أيضا: “علمنا منوط بالكتاب والسنة.. من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به”. وقال أبو سليمان الداراني: “ربما تقع في نفسي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة”. وقال سهل بن عبدالله التستري: “مذهبنا مبني على ثلاثة أصول: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في جميع الأعمال”. وفي مجال الاعتقاد، فقد بدأت الصوفية كمجموعة من الناس اتخذوا الزهد شعارا وتصفية القلوب دثارا مع صحة الاعتقاد وسلامة العمل في الجملة إلى أن دخل تحت مسمى الصوفية فرق وطوائف متعددة، لم يكن الجامع بينها إلا التحلي بالزهد والاهتمام بأحوال القلوب سواء أكان على وجه الصدق أم كان على وجه الادعاء والتظاهر أمام الخلق. وتفرقت بهم السبل في مجال الاعتقاد، ولا سيما بين جيل الصوفية الأوائل من أمثال إبراهيم بن أدهم، والجنيد، وبشر الحافي، وبين المتأخرين من أمثال الحلاج وابن عربي والفارابي وابن سبعين وغيرهم، وعليه فمن الخطأ بمكان إطلاق الأحكام التعميمية على الصوفية بعامة، لاتحادهم في الاسم مع اختلافهم الجوهري في كثير من العقائد والأفكار، فالعبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما يقول الأصوليون. من أهم الانحرافات التي تواجه الباحث عندما يقرأ أي كتاب من كتب التراث الصوفي هو اعتمادهم الكلي على الخوارق، واهتمامهم في مناهجهم على المبالغة في نشر خوارق الشيوخ، وتركيزهم على اختلاق قصص خيالية، وأساطير كثيرة بالية ليرفعوا بها ما للشيوخ والأولياء من مكانة ومنزلة في نفوس الأتباع، ويحملوهم على الإذعان لهم وتقديسهم وتعظيمهم لدرجة العبادة، فكان من نتائج هذا الاهتمام أن حملوا شيوخهم على طرق كل باب بحثاً عن الخوارق، لعلمهم أن الصوفي كل ما كان أكثر خوارق وأشد اتصافاً بالمدهشات كان أعظم عند الناس في باب الولاية والقرب.[[1]] وقد أخذ الأصوليون على الصوفية المتأخرين بعض الأفكار والمعتقدات التي تخالف العقيدة الإسلامية منها القول بالحلول ومعناه عند بعض المتآخرين منهم أن الله حالّ في مخلوقاته فلا انفصال بين الخالق والمخلوق وليس في الوجود إلا الله وهو ما يسمى بوحدة الوجود. وهي بدعة نقلها بعض المتآخرين منهم عن عقائد الهنود ويراها بعض الأصوليين بدعة كفرية تخالف عقائد الإسلام. وهناك أيضا الغلو في النبي محمد صلى الله عليه وسلم والصالحين منهم، حيث يعتقد الغالون منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون، وأن الخلق ما خلق إلا لأجله ومن نوره، ويقل منسوب الغلو عند بعضهم فيرى أن النبي صلى الله عليه وسلم بشراً رسولا، إلا أنهم يستغيثون به طالبين المدد والعون ولا يستغاث إلا بالله جل جلاله كاشف الضر ورافعه. وهو ما يخالف نهج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي نهى عن الغلو قائلا: «إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين»، وقال أيضاً: «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم ، فإنما أنا عبد ، فقولوا عبدالله ورسوله». رواه البخاري. ومن أوجه الغلو عند الصوفية كذلك الغلو في صالحيهم، حتى وجد في بعضهم من يعبد شيخه فيسجد له ويدعوه، وربما قال بعضهم كل رزق لا يرزقنيه شيخي فلا أريده ونحو هذه الأقوال، وربما غلا بعضهم في نفسه واغتر بها، حتى روي عن بعضهم قوله: “خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله”، ويلقبون قادتهم ومعلميهم بالأقطاب والأوتاد، ويجعلون لهم تصريف الكون أرضه وسماءه، في منطق يجمع بين الجهل والسخف وقلة العقل والدين.[[2]] ويعزو مؤرخون إلى أبو سعيد محمد أحمد الميهي الصوفي الإيراني (430هـ) باعتباره أول  من وضع «هيكل تنظيمي» للطرق الصوفية بجعله متسلسلاً عن طريق الوراثة، وإذا كان القرن الثالث الهجري  هو ذروة الانتشار الصوفي فإن القرن السادس الهجري يمثل البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها، حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي، فظهرت الطريقة القادرية المنسوبة لعبد القادر الجيلاني (561هـ). كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس الرفاعي (540هـ)، وفي القرن السابع الهجري دخل التصوف الأندلس وأصبح ابن عربي أحد رؤوس الصوفية (638هـ)، واستمرت الصوفية بعد ذلك في القرون التالية إذ انتشرت الفوضى واختلط الأمر على الصوفية لاختلاط أفكار المدارس الصوفية وبدأت مرحلة الدراويش.   الصوفية في مصر تؤرخ العديد من الكتابات لبداية نشأة الصوفية ودخولها مصر إلى العهد الفاطمي؛ لما كان للدولة الفاطمية من اهتمامات بسير النبي وأهل بيته والعمل على نشر التشيع في مصر، فعمدوا نحو بناء الأضرحة والمقامات لبعض من تعتبرهم من  أولياء الله الصالحين. حتى جاء الأيوبيون وجمدوا كل أشكال التشيع لكنهم لم يتمكنوا مطلقا من وقف التأثير الكبير الذي أحدثه الفاطميون في مصر فيما يتعلق بالمقامات والأضرحة والتمسح بها والتوسل بالموتى، وهي مشاهد فيها الكثير من البدع والضلالات التي خرجت عن المنهج الصوفي  الصحيح الذي شيده علماء كبار كان لهم باع كبير في العلم والزهد والتصوف والجهاد ضد الطغاة والغزاة والمحتلين. وفي مصر نشأت عدة طرق صوفية من أشهرها الطريقة الشاذلية التي تنسب إلى أبي الحسن الهذلي الشاذلي نسبة إلى شاذلة ببلاد المغرب، قال الإمام الذهبي في ترجمته في العبر: ” الشاذلي: أبو الحسن علي بن عبدالله بن عبدالجبار المغربي، الزاهد، شيخ الطائفة الشاذلية، سكن الإسكندرية وله عبارات في التصوف توهم، ويتكلف له في الاعتذار عنها، وعنه أخذ أبو العباس المرسي، توفي الشاذلي بصحراء…

تابع القراءة
مصر بين أزمة الخبز ومخاطر الأمن الغذائي

مصر بين أزمة الخبز ومخاطر الأمن الغذائي

    الاستنتاج الأهم من إعلان الدكتاتور عبدالفتاح السيسي في 03 أغسطس 2021مـ عن رفع أسعار الخبز المدعم وتوجيه الحكومة نحو فرض تعديلات على منظومة الخبز والدعم هو  أن النخبة العسكرية المسنودة بعنف الدولة القمعية لم تعد تشعر بأنها ملزمة برعاية مواطنيها”، سيما وأن هذه الخطوة سبقتها في 30 مايو 2021م زيادة أسعار زيت التموين والحر بنسبة وصلت ‏إلى 25%، ما يمثل تآكلاً لقيمة الدعم النقدي البالغ 50 جنيهاً ‏للفرد (3.1 دولارات) وعبئاً على موازنة الغذاء للأسر المصرية التي سقط 60% ‏‏منها تحت خط الفقر”.‏ وبالتالي فإن هذه التوجهات برفع سعر الخبز والمس بمنظومة الدعم على النحو الذي يفضي إلى تآكله وإلغائه بالتدريح تمثل واحداً من المحرمات في السياسة المصرية، لم يلبث قائماً منذ انتفاضة الخبز الدموية في 1977. وهي التي اندلعت بعد أن أقدم أنور السادات، رئيس مصر آنذاك، على زيادة سعر الأطعمة المدعومة، بما في ذلك الخبز. لكن هذه الاحتجاجات أجبرت السادات على التراجع عن قراره خلال أيام قليلة. معنى ذلك أن الخبز المدعوم يعتبر واحدا من البقايا المتبقية من العقد الاجتماعي المبرم بين الدولة المستبدة منذ عهد الدكتاتور جمال عبد الناصر وعموم المصريين، حيث يتوقع من الدولة أن توفر الخدمات الأساسية والأمن الاقتصادي مقابل الإذعان السياسي. وهو العقد الذي التزم به مبارك طول ثلاثين سنة والتزمت به حكومات ثورة يناير، لكن السيسي يسعى إلى نسف كل ما تبقى من هذه العقد الاجتماعي، ويغريه في ذلك الاستناد المطلق على أجهزة الدولة القمعية لإكراه الناس على الإذعان السياسي والخضوع لسياسات وتوجهات النظام، دون اكتراث لعواقب هذه القرارات ومايمكن أن تتسبب فيه من غضب شعبي وانفجارات اجتماعية. وما كان للسيسي أن يقدم على مثل هذه الخطوة إلا لشعوره بالثقة والحصانة الكافية لكي يبدأ بالهجوم على ما تبقى من أوجه الرعاية العامة ومن دعم السلع والخدمات، وهو هجوم أبشع بكثير مما شهدته الجولة السابقة من تخفيض الدعم. بحسب الكاتب والمحلل السياسي ماجد مندور في مقاله له بموقع “ميدل إيست آي” البريطاني.[[1]] علاوة على ذلك فإن توجهات النظام برفع سعر الخبز مدفوعة باعتبارات سياسية لها علاقة بطبيعة الاقتصاد السياسي الذي يهمين عليه العسكر، والذي يعتمد على الدين بدلاً من استغلال العمل كمحرك للنمو الاقتصادي. ويتوقع أن تؤدي زيادة سعر الخبز إلى رفع معدلات الفقر ما بين أربعة إلى خمسة بالمائة، وهي الزيادة الثالثة في أسعار الخبز التي يفرضها السيسي، بعدما جاءت الزيادة الأولى في 2017م بخفض وزرنه من 130 جراما إلى 110 جراما. ثم الزيادة الثانية في أغسطس 2020مـ، بخفض وزنه مرة آخرى من 110 جراما إلى 90 جراما. ووفقاً لبيانات الموازنة العامة للدولة، كانت قيمة الدعم لرغيف الخبز في العام المالي 2018-2019 نحو 42.3 مليار جنيه، وبلغ عدد المستفيدين 74 مليون فرد. وتطورت قيمة الدعم المخصص لرغيف الخبز خلال السنوات المالية التالية، حتى وصلت في العام المالي الحالي إلى 44.9 مليار جنيه، فيما بلغ عدد المستفيدين 66.7 مليون فرد. لكن البعد الأهم في توجهات النظام وسياساته التي تقوم على الرأسمالية المتوحشة هو اليقين بأن أزمة الغذاء باتت تطرق أبواب مصر بعنف في ظل متغيرات كارثية أبرزها تداعيات سد النهضة والتأثير على حصة مصر المائية من جهة، وهشاشة الأمن الغذائي المصري واعتماد الدولة المصرية على استيراد نحو 65% من السلع الغذائية في ظل انعدام أي خطط لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء على مدار العقود الماضية من جهة أخرى. بل إن الرئيس المصري الوحيد الدكتور محمد مرسي، المنتخب من الشعب بشفافية ونزاهة بطريقة ديمقراطية اعترف بها العالم كله، والذي رفع شعار “تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء والسلاح” جرى الانقلاب عليه بعد عام واحد في الحكم، والزج به في السجون بتهم سياسية ملفقة حتى لقي ربه شهيدا في 17 يونيو 2019م. وحاليا تعاني مصر من عجز مائي يبلغ 22 مليار متر مكعب، وذلك بعد إعادة استخدام نحو 20 مليار م3 من مياه مخلفات الصرف الزراعى والصحى والصناعى، ولولا ذلك لارتفع العجز إلى 42 مليار م3 سنويًا. يتسبب هذا العجز فى استيرادنا نحو 65% من احتياجاتنا من السلع الغذائية الأساسية بسبب عدم وجود مياه كافية لزراعتها، حيث نستورد ما بين 15- 20 مليار م3 من المياه الافتراضية على صورة سلع غذائية، ونتربع على قمة الدول المستوردة للقمح بحجم 13.5 مليون طن سنويًا، ونُعتبر رابع أكبر مستورد للذرة الصفراء بنحو 10 ملايين طن سنويًا، وخامس أكبر مستورد لزيوت الطعام بنحو 3 ملايين طن سنويًا، ومعها 1.25 طن من السكر ونحو 50% من احتياجاتنا من اللحوم الحمراء والألبان المجففة، و100% من احتياجاتنا من العدس ونحو 80% من الفول. وارتباط إنتاج الغذاء بالمياه هو ارتباط أكيد، وانضم إليهما فى المنظومة إنتاج الطاقة، التى تمثل نحو 33% من الإنتاج الزراعى، وبالتالى أصبحت منظومة «المياه والطاقة والغذاء» منظومة واحدة، ولا يصح علميًا أن نتحدث عن مستقبل إنتاج أى منها دون الاثنين الآخرين، بل انضم إليها أيضًا عدد السكان وتغيرات المناخ.[[2]]   أزمة الغذاء في مصر تستورد مصر نحو 65% من احتياجاتها من الغذاء من السلع الأساسية بحسب الخبير الزراعي الدكتور نادر نور الدين. والذي يؤكد أن مصر استوردت سلعا غذائية في 2019م بقيمة 13.5 مليار دولار، بحسب الأرقام الصادرة عن البنك المركزي وجهاز الرقابة على الصادرات والواردات. ويؤكّد بيان الجهاز أن الرقم يصل إلى 15 مليار دولار في 2020م.[[3]] وتقسم منظمات الغذاء العالمية الغذاء إلى خمس مجموعات رئيسية: مجموعة الحبوب، وهذه عبارة عن خمس حبوب رئيسية هي القمح والذرة والشعير والشوفان والأرز. مجموعة السكر، سواء سكر البنجر أو سكر القصب مجموعة اللحوم بمختلف أنواعها سواء البقري أو الجاموسي أو الخنزير أو الضاني، والطيور بمختلف أنواعها كالحمام والبط والأوز والدواجن وهكذا، والأسماك. مجموعة الزيوت، وهي الزيوت النباتية بكل أنواعها، زيت الذرة وعباد الشمس والسمسم مجموعة الألبان، سواء اللبن المجفف أو اللبن الطازج، والزبدة الصفراء أو الجاموسي. هذه هي المجموعات الخمسة الأساسية التي تضم 55 سلعة تدخل جوف الإنسان بشكل يومي، ويعتمد عليها في حياته اليومية أو شبه اليومية، يضاف إليها 255 سلعة أخرى نطلق عليها السلع الفرعية يتناولها الإنسان على فترات متباعدة. والعجيب في الأمر أن الخضروات والفاكهة ليست منها، لأن الإنسان يستطيع أن يعيش دون أكل الخضار، لكن هناك ضرورة لأكل الحبوب ومصادر البروتين الحيواني والزيوت والسكر والألبان. وتعاني مصر عجزا في معظم سلع هذه المجموعات، حيث تعتبر مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، حيث بلغت واردات مصر في 2019نحو 12.5 مليون طن، طبقًا للرقم الرسمي الصادر من بورصة شيكاجو. وتتوقع منظمة الحبوب العالمية أن تصبح احتياجات مصر منه 20 مليون طن، ننتج نحن نحو ثمانية ملايين طن بالإضافة إلى ما نستورده. كما تحتل مصر الترتيب الثاني عالميا في استيراد الذرة الصفراء والتي تستخدم في صناعة الأعلاف، ووصلت…

تابع القراءة
المواقف الدولية من عودة حركة طالبان إلى حكم أفغانستان: المحددات والتوجهات

المواقف الدولية من عودة حركة طالبان إلى حكم أفغانستان: المحددات والتوجهات

  مع سقوط العاصمة الأفغانية، كابول، يوم 15 أغسطس 2021، تعود حركة طالبان إلى حكم البلاد بعد عشرين عامًا من إطاحة الولايات المتحدة الأميركية لها في نوفمبر 2001 بسبب استضافتها تنظيم القاعدة الذي تبنى هجمات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن، ورفض الحركة إغلاق معسكراته وتسليم قادته[1]. وقد فوجئ المجتمع الدولي بسيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابل وتسلمها السلطة في وقت قصير، بعد بدء القوات الأمريكية والأطلسية الانسحاب تدريجياً. ورغم حالة الترقب والحذر في البداية، فإن المواقف الدولية سرعان ما بدأت تتضح بعد ذلك[2]. ففي حين قد تتجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى توظيف سلاح العقوبات ضد طالبان، إذا لم تلتزم الأخيرة بعدم التعرض للرعايا الأمريكيين والأوروبيين المغادرين أفغانستان، فإنه من الملحوظ أن أغلب الدول المجاورة لأفغانستان كانت تتوقع انهيار الحكومة الأفغانية، وإن ليس بهذه السرعة، وشرعت في الانفتاح على طالبان[3]. وتسعى هذه الورقة إلى توضيح محددات وتوجهات المواقف الدولية من عودة حركة طالبان إلى حكم أفغانستان، وذلك بالتركيز على مواقف كل من حركة طالبان نفسها، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والصين، وروسيا، والهند، وإيران، وباكستان، وتركيا. وأخيرًا، توضيح مدى تأثير الانسحاب الأمريكي وعودة طالبان إلى الحكم في أفغانستان على منطقة الشرق الأوسط.   أولًا: حركة طالبان: يرتبط التساؤل الأبرز المتعلق بالحالة الأفغانية الحالية، بكيفية نجاح حركة طالبان في الحفاظ على استمراريتها لنحو عقدين، بالرغم من الضربات القوية التي تلقتها الحركة منذ عام 2001، إذ استطاعت البقاء وبناء قوتها من جديد، حتى إن بعض التقديرات تشير إلى أن مقاتلي الحركة في الوقت الحالي تتراوح أعدادهم بين 50 و60 ألف مقاتل، بينما أشارت تقديرات أخرى إلى أنهم قد يصلون إلى 100 ألف مقاتل[4]. ويمكن الإشارة إلى مجموعة من العوامل التي ساهمت في بقاء وصمود الحركة على مدى عقدين كاملين، وساعدتها على العودة مرة أخرى إلى حكم أفغانستان، تتمثل أبرز تلك العوامل في مجموعة من الاستراتيجيات التي أتبعتها الحركة عبر ثلاث مراحل رئيسية: المرحلة الأولى: مرحلة القتال والمواجهة مع الولايات المتحدة: وفى هذه المرحلة، فقد اتبعت الحركة مجموعة من الاستراتيجيات التي هدفت بصورة رئيسية إلى الحفاظ على بقائها وتوفير الدعم اللازم لمحاربة الولايات المتحدة، وتمثلت أبرز تلك الاستراتيجيات في: 1- تقوية الحاضنة الاجتماعية: فحركة طالبان تنحدر من عرقية “البشتون” كبرى التكوينات القبلية في أفغانستان (نحو 42–45% من إجمالي السكان)، الذين يتموضعون في مناطق واسعة من شرق وجنوب البلاد، تصل إلى نحو 50% من مساحة أفغانستان؛ ما جعلها تتمتع بحاضنة اجتماعية راسخة مكنتها من احتواء الصدمات الأمنية والعسكرية التي تعرضت لها طوال العقدين الماضيين. وقد تجذرت الحاضنة الاجتماعية لحركة طالبان خلال الفترة الماضية، بالنظر إلى سياسات الولايات المتحدة الخاطئة خلال حقبة ما بعد الغزو، التي عمدت إلى تهميش “البشتون” على نحو كبير، والاعتماد بصورة متزايدة على العرقيات الأخرى الأقل حضوراً في البلاد، كالأوزبك والطاجيك؛ ما جعل “البشتون” أكثر دعماً لطالبان الذين رأوا فيهم فرس الرهان لإعادة الاعتبار القبلي إليهم، بعد توارث الحكومات الأفغانية المتعاقبة استراتيجية تهميش “البشتون” الأمريكية ولو كان الرئيس الأفغاني الفار أشرف غني نفسه من “البشتون”. 2- نزوع متزايد نحو المحلية: فعلى الرغم من حرص قيادات القاعدة المتحالفة مع طالبان قبل نحو ربع قرن على جر الحركة نحو تبني خطابات “أممية” تنحو باتجاه إحياء “الخلافة” الإسلامية؛ فإن الحركة تتبنى “خطابات محلية”؛ فهي وإن كانت تسعى إلى تكوين حكومة “إسلامية”، فهي تعمل على بلوغ هذه الهدف في صورة “إمارة” لا “خلافة”، وهي –بخلاف النظام الإيراني– لا تهدف إلى تصدير نموذجها، كما أنها تنظيم أفغاني محلي ليس له أي توجه نحو إنشاء فروع معلومة خارج رقعة البلاد الجغرافية، كما هو الحال في التنظيمات الجهادية الأخرى؛ كالقاعدة وداعش. ويبدو أن حرص الحركة على إبراز هذه الاختلافات دليل على أنها قد استوعبت خبرتها الماضية، وما جنته من تحالفها السابق مع تنظيم القاعدة وحمايتها لقياداته، التي أدت بها إلى فقدان السلطة في كابول، وغزو الولايات المتحدة وحلفائها البلاد لنحو عقدين من الزمن. 3- تطوير دبلوماسية نشطة وقدرات تفاوضية: نجحت طالبان في بناء خبرات تفاوضية عميقة خلال العقدين الماضيين، على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد الخارجي كذلك. داخلياً عمدت طالبان إلى إدارة العلاقات الاجتماعية مع القبائل والتكوينات العرقية الأفغانية على نحو جيد، بما قد يفسر حالة السقوط السريع للمدن الأفغانية في يد الحركة؛ الواحدة تلو الأخرى، ومن دون قتال يذكر، حتى في مناطق الشمال التي تخلو من الحاضنة الاجتماعية للحركة. أما على الصعيد الخارجي، فبعدما رفضت الولايات المتحدة أي مجال للحوار أو التفاوض مع طالبان قبل عشرين عاماً، حينما اتخذت قرارها بغزو أفغانستان؛ بدت واشنطن خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة أكثر سعياً إلى التفاوض مع طالبان؛ إذ رحبت واشنطن بفتح مكتب اتصال لطالبان في قطر، وعقدت جولات من المفاوضات بين الجانبين، أسفرت عن إبرام ما وصفته دوائر أمريكية بالاتفاق التاريخي بين واشنطن وطالبان بالدوحة، في فبراير 2020، لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان خلال 14 شهراً، بحضور المبعوث الأمريكي الخاص بأفغانستان زلماي خليل زاد، والمسؤول السياسي لطالبان الملا عبد الغني بارادار، ووزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو. 4- التقارب مع القوى الكبرى غير الغربية: لم يكن لنسخة طالبان الأولى أي أصدقاء على الصعيد الدولي، لكن طالبان 2021 بدأت في نسج علاقات متوجهة شرقاً لكسب القوى الدولية غير الغربية، كالصين وروسيا، مستفيدةً من حالة الاستقطاب الدولي الحاصل بين واشنطن وكل من موسكو وبكين. ففي نهاية يوليو 2021، أوفدت طالبان عدداً من قياداتها إلى الصين لطمأنة بكين بأن الحركة لن تسمح باستخدام أفغانستان قاعدةً لشن هجمات تستهدف أمن الدول الأخرى، وهو ما ردت عليه بكين بأنها لن تتدخل في الشؤون الأفغانية، بل ستساعد في حل المشاكل وإرساء السلام. وقبل ذلك، قام وفد من طالبان بزيارة موسكو، في 9 يوليو 2021 لكسب ود روسيا من خلال التأكيد على أن الحركة لن تسمح بوجود تنظيم “داعش” أو أي تنظيمات إرهابية على الأراضي الأفغانية[5]. المرحلة الثانية: المرحلة الانتقالية (ما بعد القتال وقبل الوصول إلى الحكم): وأثناء هذه المرحلة، اتبعت الحركة مجموعة من الاستراتيجيات التي هدفت بصورة رئيسية إلى تراكم أوراق القوة بيدها، وتسريع خروج القوات الأمريكية عبر ضمان الخروج الآمن لهذه القوات، وتحييد القوى الخارجية، وتمثلت أبرز تلك الاستراتيجيات في: 1- الحفاظ على مسارات التفاوض: فعلى الرغم من توسع رقعة المعارك بين طالبان والقوات الأفغانية، بسبب إصرار الحركة على توسيع نطاق سيطرتها على مراكز الولايات والوصول إلى العاصمة، بات لافتاً أنها تنخرط في محادثات عدة استضافتها العديد من الدول، منذ دخولها في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي سيطر فيه مقاتلو الحركة على مدينة بول خمري عاصمة ولاية بغلان شمال البلاد، كان وفد الحركة يتفاوض في الدوحة مجدداً، في مباحثات دولية موسعة حول مستقبل أفغانستان، في 10 أغسطس…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022