زيادة أسعار رغيف الخبز في مصر.. الأبعاد والآثار المتوقعة والبدائل
ضمن سلسلة من سياسات التوحش الرأسمالي، وسياسات القهر الاجتماعي، وفي قرار غير مستبعد، مهد له عبد الفتاح السيسي ونظامه، عبر سلسلة متتالية من القرارات الموجعة لميزانية الأسر الفقيرة، أعلن السيسي تغيير منظومة رغيف الخبز في مصر، رافضا استمرار بيعه بـ “5 قروش: ناكثا بوعود سبق وأن قطعها على نفسه بعدم المس به. وفي الثالث من أغسطس الماضي، قال السيسي إنه “حان الوقت لزيادة سعر رغيف الخبز المدعوم، وإعادة تسعيره مرة أخرى”. وأضاف، خلال افتتاح المدينة الصناعية الغذائية “سايلو فودز”، في مدينة السادات بمحافظة المنوفية، أنّ “رغيف الخبز يباع بـ 5 قروش، ومن غير المعقول أن يكون 20 رغيف خبز بثمن سيجارة واحدة”، موضحاً أن “رغيف الخبز يكلف الدولة 65 قرشاً، وهذا الأمر لا بدّ له أن يتوقّف”. وفي 14 أغسطس، أعلن السيسي، تكليف وزير التموين دراسة منظومة رغيف الخبز الجديدة. قائلا، خلال افتتاح أحد المشروعات السكنية، أن منظومة رغيف الخبز لا بد من تعديلها، مشيراً إلى أنّ “الرغيف عندما كان يباع بقرشين كانت تكلفته 18 قرشاً (الجنيه = 100 قرش)، وهو الآن يباع بخمسة قروش، بينما تكلفته 65 قرشاً، ما يؤكد أن تكلفة صناعته ارتفعت، وعدد المستفيدين منه ازداد، بينما ظل السعر ثابتاً”. وتعمل وزارة التموين حالياً على دراسة لتحديد زيادة سعر رغيف الخبز، لترفع نتائجها إلى مجلس الوزراء لمناقشتها، ووفقاً لبيانات الموازنة العامة للدولة، كانت قيمة الدعم لرغيف الخبز في العام المالي 2018-2019 نحو 42.3 مليار جنيه، وبلغ عدد المستفيدين 74 مليون فرد. وتطورت قيمة الدعم المخصص لرغيف الخبز خلال السنوات المالية التالية، حتى وصلت في العام المالي الحالي إلى 44.9 مليار جنيه، فيما بلغ عدد المستفيدين 66.7 مليون فرد. أولا: دوافع السيسي وينبع قرار زيادة سعر رغيف الخبز من دوافع عدة، لدى السيسي ونظامه، يمكن اجمالها في التالي: -سياسات السيسي لخفض الانفاق العام للدولة يأتي قرار السيسي وسياساته التقشفية لخفض الانفاق العام للدولة، بالمخالفة للقاعدة السياسية المشهورة “المستبدون لا ينبغي لهم أن يتخلوا عن الدعم أو يقلصوه بل عليهم أن يزيدوا مقداره، طمعًا في صمت الشعب عن انتهاكاتهم وفسادهم”.. تَضِلُّ السلطةُ حين تتصور أنها تُحَسِّنُ ميزانيتها حين تستجيب لأوامر الأوصياء الأجانب بتقليص الدعم المقدَّم للمواطنين، ذلك أن هذا الدعم هو دعم للسلطة ذاتها قبل أن يكون تخفيفًا عن مواطنيها، لا سيما الفقراء منهم، ليس على المستوى السياسي فحسب من جانب تحقيق الشعبية اللازمة لاستمرارا السلطة وبسط نفوذها، بل وأيضًا على المستوى الاقتصادي، بالنظر الضيق لمفهوم “المصلحة الاقتصادية” للسلطة، غير أن غرور القوة يُغرِي السلطة باختيار الحل الذي تراه أيسر في التطبيق، حيث تفرض سطوتها، وهي صاحبة القوة والسلاح، على المواطن الأعزل الفقير. ويغيب عن السلطة المستبدة أن «الدعم» الذي تقدمه للمواطنين ليس مِنَّةً منها على الشعب، بل وسيلة لعدم تفاقم مسؤوليتها عن حل أزمات تترتب على تقليص الدعم، فتقديم الدعم مثلا للمجال الصحي يستهدف عدم انتشار الأمراض والأوبئة بسبب عجز المرضى عن علاج أمراضهم ومداواة جراحهم، وحينها سيلزم السلطة أن تتدخَّل من أجل إنقاذ المجتمع من هذه الأوبئة التي لن تُفرِّق بين من في السلطة ومن تحكمهم، وتوفير الدعم في المجال التعليم يستهدف تنشئة أجيال قادرة على القراءة والكتابة والتعامل مع الأدوات الحديثة في مختلف مجالات العمل، وأحيانًا لإحكام سيطرة السلطة على العقول، وبدون هذا الدعم ستواجه السلطة بأجيال لا تقدر هي على التعامل معهم بسبب ما لديهم من جهل وانعدام وعي وإدراك بما يُحيط بهم. -التساهل في تقدير ردود الفعل الشعبية- مذابح رابعة والنهضة مثالا: وفق خبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، تحدث لـ”عربي 21″، فإن الاستخدام المفرط للسلاح وإباحة وتقنين العنف تجاه المعارضين من جانب أجهزة الدولة، سواء الأمني منها أو الهيئات المدنية خلال الفترة التي أعقبت الثلاثين من يونيو 2013، خلقت حالة من الرعب لدى المواطنين من إبداء أي رفض أو معارضة للقرارات الحكومية، وبالأخص تلك التي يقدم عليها رئيس الدولة، خشية تعرضهم لأي أذى بعدما أيقن المواطنون أن القتل سيكون الجزاء الذي سيوقع عليهم، مع تبرير عملية القتل تلك بكون أي معارض لقرار حكومي هو إرهابي وفقاً للروايات الرسمية، مما سيلحق به أيضا وصماً مجتمعياً سلبياً لأسرة أي محتج حتى لو لم يكن ينتمي لأي تيار سياسي أو ديني. -السياسة وليس الاقتصاد: وتعد الزيادة المتوقعة، الزيادة الثالثة في أسعار الخبز التي يفرضها السيسي، إذ جاءت الأولى في العام 2014، حينما خفض السيسي وزن رغيف الخبز من 130 جراما “كما كانت في عهد الرئيس محمد مرسي” إلى 110 حراما، والثانية كانت في أغسطس 2020، وكانت على هيئة تناقص حجم الرغيف للمرة الثانية بنحو 20 جرامًا، والثالثة التي يدرسها مجلس الوزراء حاليا لفرضها على المواطنين. وتكاد تجمع الدراسات الاقتصادية على أن هذه الزيادة غير المحددة، لن تمثل فائدة مالية كبيرة للحكومة، فالإنفاق من ميزانية الدولة على الخبز المدعم في 2021/2022 يصل إلى 44 مليار جنيه، أي 2.4% من إجمالي الإنفاق الحكومي، و9.4% من العجز المتوقع. ويمثل الخبز المدعم أيضًا 4.4% فقط من إجمالي عائدات الضرائب التي تجمعها الدولة، لكي نضع هذا الرقم في سياق، فعلى سبيل المثال تبلغ تكلفة فائدة سداد القروض 579 مليار جنيه، أي أكثر 13 مرة من قيمة الخبز المدعم. لكن ارتفاع السعر تحركه السياسات وطبيعة الاقتصاد السياسي الذي يهمين عليه الجيش في مصر، الذي يعتمد على الديون بدلًا من استثمار العمالة كمحرك للنمو الاقتصادي. -مزيد من المصالح المالية للعسكر ووفق مصادر حكومية نقلت عنها “العربي الجديد” فإن قرار السيسي إلغاء الدعم تدريجياً عن رغيف الخبز يستهدف تدبير 7.7 مليارات جنيه، بصورة مبدئية، لتوفير وجبات غذائية للطلاب في المدارس الرسمية، مع انطلاق العام الدراسي في 9 أكتوبر المقبل وكان السيسي حدد سعر الوجبة بسبعة جنيهات عن الطفل الواحد، مع العلم أن تكلفة الوجبة المصنعة من الجيش تقل كثيراً عن هذا المبلغ. وفي 19 اغسطس الجاري تم اتمام عملية الاسناد للقوات المسلحة، حيث تفقدت وزيرة الصحة، هالة زايد، ورئيس مجلس إدارة شركة “سايلو فودز” للصناعات الغذائية، اللواء أركان حرب تيمور موسى، منظومة تصنيع الوجبات المدرسية بمقر الشركة في مدينة السادات بمحافظة المنوفية، والمقرر توفيرها للطلاب مع بدء العام الدراسي الجديد. يشار إلى أن البنك الدولي وعدد من المؤسسات المانحة لمصر قد قدمت بالفعل لمصر منحة بمقدار 567 مليون دولار لتوفير الوجبات المدرسية، وهو ما يوازي المبلغ المطلوب لتوفير الوجبة والذي تحدث عنه السيسي وقدره بـ 7,7 مليار جنيه. يذكر أن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، التابع للجيش، قد تورط في واقعة تسمم نحو 2243 تلميذاً في محافظة سوهاج بصعيد مصر، إثر تناولهم وجبات مدرسية منتهية الصلاحية وردها الجهاز في عام 2017، ما أثار تساؤلات مشروعة عن تغول الجيش في قطاعات عديدة، واختيار شركة النصر للخدمات (كوين سرفيس) التابعة للجهاز، لتولي توريد التغذية للطلاب…