الديمقراطية عند مفكري أوروبا قراءة في نصوص مختارة

وجود دولة حديثة قوية ومستقرة وفاعلة، مدمجة في المجتمع، ولديها قدرة عالية على الوصول للموارد شرط ضروري لبناء نظام سياسي ديمقراطي. كذلك يعد وجود مجتمع مدني نشط وفاعل، وتصورات واضحة، تحظى باعتراف شعبي واسع، بخصوص منظومة قيم حقوق الإنسان، تعد أيضًا شروط ضرورية لبناء علاقة الدولة بالمجتمع على أساس ديمقراطي؛ بالتالي يصعب الحديث عن تحول ديمقراطي في المنطقة العربية، دون الأخذ في الاعتبار هذه الاشتراطات اللازمة والضرورية. ولعل ذلك يفسر فشل محاولات التحول الديمقراطي عقب الاحتجاجات العربية في نهايات 2010، وبدايات 2011، وكذلك الموجة الثانية من الاحتجاجات في 2019. وهي المحاولات التي لم تنتهي فقط بالفشل، بل في أحيان أخرى، انزلقت تلك المجتمعات إلى عتبات الحروب الأهلية وانهيار الدولة. لعل صعوبة الديمقراطية تكمن في احتياجها لكل هذا الشروط القبلية، ليس هذا فقط، إنما تظل على الرغم من ذلك يتهددها جملة من التحديات أثناء التطبيق، وهو ما نستعرض في هذه السطور، إذ نتناول المخاوف التي تهدد الديمقراطية كما يراها عدد من المفكرين الأوروبيين، والمقترحات التي قدموها لحماية الديمقراطية. الديمقراطية المؤسسة على الفردانية عند جون ستيوارت مل: يرى1 جون ستيوارت مل أن الألم والمتعة هما المحدد للسلوك الإنساني، إلا أنه يرى أن اللذة أوسع من مجرد اللذة الحسية المباشرة، إذ هناك متع عليا، عقلانية وروحانية كـ “الفنون، الفلسفة”؛ أما لما يحتاج الإنسان إلى متع عليا؛ فلأن لديه قيم تدفعه للبحث عن هذه المتع؛ فالإنسان ليس مجرد حيوان ناطق. والسعادة تتحقق عند ستيوارت مل إذا كانت حياة الإنسان ذات متع وبدون آلام، وبقدرته على الوصول إلى المتع العليا، حتى وإن كلفت آلاما أو تنازلات عن متع أدنى. المتعة والألم مشاعر فردية، بالتالي أية منظومة رشيدة، تستلزم حماية الفردانية، وحماية الفردانية تستلزم بدورها حماية الحرية. كما أن الفردانية تستلزم بالضرورة قيمة التسامح؛ والتسامح أن تقبل المختلف مهما تيقنت من خطأ مواقفه واختياراته، وأهمية التسامح؛ أنه يحمي المجتمع من السقوط في منحدر الحرب الأهلية؛ إذ تفتح الفردانية المجال أمام تنوع واسع ويكاد يكون لا نهائي. المجتمع الأمثل لتحقيق اللذة وتقليص الألم عند “ستيوارت مل” هو المجتمع المؤسس على الفردانية؛ الذي يضمن للأفراد حرية البحث عن السعادة؛ ومطاردة اللذة والفرار من الألم. بما أن أما النظام الأمثل عند “مل” فهو الذي يفتح المجال لتحقيق أقصى متعة وأقل ألم، للعدد الأكبر من البشر، والنظام الأقدر على تحقيق ذلك هو المجتمع الليبرالي الديمقراطي؛ لأنه النظام الوحيد المكون من المحكومين أنفسهم؛ بالتالي لن يتبنوا سياسية تتعارض مع متعتهم أو تقودهم إلى الألم؛ فإن يحكم الشعب نفسه هو الضمانة الوحيدة لحفظ حقوقه؛ لأن حكم الفرد وإن كان عادل، يظل يعني أن حرية الأفراد مرتهنة بموقف السلطة الحاكمة؛ فالحكم الاستبدادي يعني انصياع وخضوع المحكوم للحاكم، وتسليمهم زمام أمرهم ما يفقدهم فاعليتهم واستقلاليتهم. ويرجح “مل” الديمقراطية التمثيلية على الديمقراطية المباشرة؛ جراء أعداد المواطنين الكبيرة، وصعوبة إن لم يكن استحالة جمعهم في مكان واحد، ولصعوبات الانتقال، وصعوبة مشاركة الجميع في صنع القرار، والخوف من ذوبان ذوي الكفاءة في الجموع؛ لكل ذلك يرجح مل الديمقراطية التمثيلية. في الأخير، تبقى ديمقراطية “مل” منقوصة؛ لأنه قدم ذوي الخبرة والكفاءة وهم ذوي الدخل الأعلى على غيرهم؛ لكنه لتقليص هذا التناقض؛ جعل سلطة الحكم التنفيذية ذات طبيعة كفؤة وبيروقراطية لكنه فتح المجال للبرلمان/ممثل الجموع الرقابة على الحكومة النخبوية الضيقة. الديمقراطية عند ماكس فيبر: أعرب ستيوارت “مل” عن خوفه على الديمقراطية من ديكتاتورية الأغلبية؛ لذلك أكد على الفردانية والحريات الفردية. في حين يشترك ماكس فيبر مع ستيوارت مل؛ في خوفهم على الديمقراطية من بيروقراطية الدولة، لذلك شدد “مل” على أهمية المشاركة السياسية والرقابة على الحكومة. أما “فيبر” فقد تركزت مخاوفه على التهديدات القادمة من الجهاز الحكومي ونخب الحكم، من البيروقراطية2 والتكنوقراطية3 والأوليغارشية4. والديمقراطية لدى فيبر هي الضمانة التي تمنع تحول السلطة إلى ممارسة متخصصة محتكرة من قبل المتخصصين وكبار البيروقراطيين؛ فالديمقراطية لدى فيبر تحقق “التوازن ما بين القوّة والحق،ّ السلطة والقانون، حُكم الخبراء والسيادة الشعبيّة5“. والترجمة الرئيسية للديمقراطية هي مؤسسة البرلمان، وترجع أهميته المركزية لدى فيبر؛ لكونه يحول دون هيمنة البيروقراطية والأوليغارشية؛ من خلال الآليات الرقابية، والمساءلة. يعتقد فيبر أن فاعلية السلطة السياسية مرهونة بقلة عدد القائمين بالحكم؛ ما يعطيهم فاعلية أعلى وقدرة أكبر على المناورة، بالتالي من الصعب مشاركة الجماهير في صنع السياسة، لكن يمكنهم القيام بأدوار رقابية، من خلال البرلمان، الذي يكفل أيضًا درجة من النفوذ والوصول إلى الحكومة، ويمثل حيّز تجربة، قوامه النقاش البرلماني ومهارات الخطابة المطلوبة للإقناع لدى مرشحي المناصب القيادية، يطرحوا مواقفهم ورؤاهم، ويحشدون رأياً عاماً لصالحهم و ليقدموا برامجهم السياسية، وهو كذلك فرصة للتفاوض ما بين المواقف المتضادّة6. على الرغم من مخاوف ماكس فيبر من التهديد الذي تمثله البيروقراطية على الديمقراطية، وخوفه من وقوع سلطة الدولة في ديكتاتورية الموظفين، إلا أنه أكد على أهمية البيروقراطية ومركزيتها؛ إذ هي بمثابة العقلانية وقد تم مأسستها؛ إذ العقلانية لدى فيبر هي “مدّ المنطق التقني ليشمل مساحات أوسع من فضاء الحياة”، وهي أيضًا أن يلعب العلم والتكنولوجيا أدواراً أكثر أساسيّة في الحياة، وهي كل الأشكال التنظيمية القائمة على العقلنة، وتشمل “الدولة والشركات والصناعة والنقابات والأحزاب والجامعات”، فهي مؤسسات تنفيذية، تقنية، متخصصة، تتولى تنفيذ السياسات، مستندة إلى ما تمتلك من تخصصات ومهارات. ولعل رفض ماكس فيبر للحلول الاشتراكية؛ يقرأ باعتباره تخوفًا من التأثيرات سلبية للحلول الاشتراكية على الديمقراطية؛ فإن “إلغاء الرأسماليّة الخاصة يؤدي لهيمنة البيروقراطيّة على القرار الأعلى في الشركات المستملَكة والمؤمَّمة، كما أنّ إلغاء السوق يعني خسارة ثقل مضاد لهيمنة الدولة7“. في طرح ماكس فيبر يحاول الوصول إلى نقطة اتزان بين بيروقراطية الدولة وممارسة الديمقراطية؛ بشكل يضمن فاعلية واستقرار البيروقراطية، دون أن يحرم المجتمع من حقه في مساءلة السلطة والرقابة عليها. نقد ماركس للديمقراطية الليبرالية: الدولة -في حد ذاتها- في تصور ماركس، منحازة لمن يملك، ففي البيان الشيوعي «السلطة التنفيذية في الدولة الحديثة ليست إلا لجنة تُدير القضايا المشتركة لكل البرجوازية». فالدولة ليست تعبيرا عن الإرادة العامة، إنما “جسم طفيلي على المجتمع المدني”، تنسق الحياة السياسية، حسب مصالح الطبقة المهيمنة من المجتمع، فهي “تابعةٌ لمن يمتلك ويسيطر على وسائل الإنتاج”؛ إذ أن سياساتها العامة يجب أن تتناسب مع أهداف الصناعيين والتجار على المدى الطويل؛ فهي تخدم مصالح الطبقة الاقتصادية المهيمنة بشكل مباشر. لكنه يعود ويؤكد أن الدولة تظل على الرغم من ذلك تظل “مصدرٌ مستقل للفعل السياسي في آنٍ معاً”، وتمتلك درجة من الاستقلالية عن المجتمع، وحتى في علاقتها بالبرجوازية هي لا ترتهن لكل قطاعات البرجوازية، إنما هي ترتبط بمن يمتلك الاقتصاد؛ فالعلاقة داخل الطبقة البرجوازية ليست علاقة تعاونية بالضرورة، إنما هي تنافسية في كثير من الأحيان، بالتالي تبعية الدولة ليست للطبقة البرجوازية، إنما للشرائح الأقوى فيها. لذلك يرى ماركس أن قيام حكومة ديمقراطية في مجتمع…

تابع القراءة

فشل التحديث والتحول الديمقراطي في مجتمعاتنا

يقودنا الحديث عن الاستبداد العربي، وفشل محاولات التحول نحو الديمقراطية، وعدم بروز مجتمع مدني فاعل وقوي، وهامشية منظومة حقوق الإنسان، يحيل كل ذلك إلى الحديث عن دور الدين والبنى الثقافية والتراثية العربية، وكيف أنها ترسخ كل القيم والتصورات المناهضة للتنوير، بحسب الرؤية الاستشراقية عن الاستثناء العربي، ويمثل الخطاب الإسلامي أبرز الشواهد المستخدمة في التدليل على صحة هذا التفسير. كما يقودنا ذلك للحديث عن التفسيرات (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية) والتي يغلب عليها اللون اليساري، الذي يربط بين غلبة الاستبداد وفشل محاولات التحديث وبين أنماط الإنتاج التقليدية. وهناك كذلك التفسير الذي يربط فشل محاولات التحديث بالدور الذي تلعبه قوى الاستعمار ومن بعدها منطق الهيمنة في الاستبقاء على المنطقة في علاقة تبعية للمركز الرأسمالي. هذه التفسيرات تفترض أن المشكلة تعود إلى تقليديتنا وفشلنا في توطين التحديث في مجتمعاتنا، وهو ما يبدو متناقضا مع حداثة مؤسسات الضبط والمراقبة في مجتمعاتنا، وفي تبنيها استراتيجيات حديثة، وفي دخول أنماط الحداثة والحياة الحديثة إلى مجتمعاتنا، مع اختلاف في معدلات التحديث باختلاف الشرائح الاجتماعية وتباين مواقعها الطبقية. نشير كذلك إلى التفسيرات التي ترد فشل الدولة العربية الحديثة إلى كونها بنية مستوردة، غريبة عن المجتمعات العربية. نضيف إلى ما سبق ما أثاره معلقين من أن هذه الدولة موروثة عن المرحلة الاستعمارية1، وبالتالي رغم تغير النخبة الاستعمارية بنخبة وطنية، إلا أن الدولة ظلت محتفظة باستراتيجياتها القمعية، وكثير من أدواتها العنيفة، فاستمر العداء والتوجس المتبادل بين الدولة والمجتمع. في المقابل هناك من يرد فشل تأسيس دولة عربية حديثة تدفع عجلة تحديث المجتمعات العربية، إلى البنى والترتيبات والقيم والتصورات الاستبدادية الموروثة عن الدولة السلطانية، التي كانت بدورها مزيج يجمع بين الملك الدهري الذي عرفته الجزيرة العربية قبل البعثة النبوية، ونمط التنظيم الآسيوي الذي ورثته وتمثلته الدولة الإسلامية عقب حركة الفتوح؛ وفق هذا التصور فإن هذه الموروثات مع بعض مدخلات عمليات التحديث غير المكتملة والمشوهة؛ أنتج الدولة العربية الحديثة2. هناك كذلك من يرى أن مشكلة الاجتماع السياسي العربي الحديث والمعاصر يكمن في الدولة ذات المرجعية الوستفالية نفسها؛ فهي سر الانهيار والعنف والتراجع في مجتمعاتنا3. نستعرض في السطور التالية إلى ثلاث تفسيرات حاول أصحابها الإجابة على سؤال فشل الدولة العربية في إنتاج التحديث والتحول الديمقراطي ومنظومة حقوق إنسان متطورة ومجتمع مدني قوي وفاعل. عشر سنوات قضاها نزيه الأيوبي في دراسة التاريخ الحديث للمجتمعات العربية، في (مصر، الشام، العراق)، حاول أن يستكشف خلالها جذور الاستبداد، والعجز المستمر في التحول إلى الديمقراطية، وغياب الحريات. لم يدرس أثر الاستعمار على فشل التحول نحو الديمقراطية، أو أثر الثقافة والدين والتراث، إنما درس الاقتصاد السياسي والحراك الاجتماعي وارتباطهما بالتحول الاقتصادي العالمي. استند الأيوبي إلى التفسير الماركسي الكلاسيكي، الذي يرى أن نمط الإنتاج الأسيوي يفسر ويبين نشوء واستمرار الاستبداد الشرق، حيث يرده إلى حتمية ذات طبيعة اقتصادية، لكنه في الوقت ذاته لم يغفل الدور الذي تلعبه الأفكار والثقافة والأديان، والتي إن كانت نتاج نمط الإنتاج السائد، إلا أنها قادرة على تجاوز الشرط الاقتصادي والتاريخي. يرى الأيوبي أن المجتمعات العربية تكونت من أنماط إنتاج متنوعة وواسعة، منعت من مراكمة الثورة وسيادة تشكيل اجتماعي وحيد، ومنع من ظهور اقتصاد احتكاري، فإذا أضفنا إلى ذلك استقلال السياسي عن مصالح المجتمع، يكشف لنا لما غاب نمط الإنتاج الرأسمالي عن مجتمعاتنا؛ في حين أن النمط الرأسمالي ينتج عنه مكون برجوازي يعاد حوله تشكيل الاجتماع والسياسة. في المجتمعات العربية الحديثة، (1) مع عدم بروز تشكيل طبقي راكم رأس المال، وأعاد تشكيل المجتمع بما يضمن له استمرار الهيمنة، ومع وجود تنوع في أنماط الإنتاج، صارت ماكينة الدولة التي تحتكر العنف هي باب التغيير ومدخله، وصارت تبني علاقات زبائنية مع الشرائح والمجموعات المتحالفة معها. (2) مع غياب تشكيل اجتماعي مهيمن، صارت الدولة تعوض غياب هذا التشكيل، وتضفي الوحدة على تشكيلات اجتماعية متعددة بشكل واسع، من ثم أصبح للدولة هذه الأهمية الحاسمة، وهيمن العنصر السياسي، ومن ثم بات لدينا دولة مهيمنة ومجتمع ضعيف؛ دولة تعبر عن شرائح ضيقة، مع إدعاء تمثيل أوسع للمجتمع. (3) ثم جاء الاستعمار، الذي ألحق ألحق الدولة والمجتمعات العربية بالنظام الرأسمالي العالمي. في إجابته على سؤال لماذا عبرت أوروبا ولم نعبر رغم تشابه البدايات، رفض عصام خفاجي التفسير الخطي للتاريخ ونظرية التقدم، معتبرًا أن فشل التحديث العربي يعود إلى أنه تحديث بمعزل عن المجتمع؛ فهو تحديث إجرائي وتقني لتطوير جهاز الدولة وتعظيم قدرته على القسر والعنف؛ حيث جهاز بيروقراطي خاضع لسيطرة السلطة، جيش حديث، وبنية تحتية زراعية وصناعية تخدم الجيش، فضلا عن تعليم يخدم البيروقراطية القائمة. أما القوى الحديثة -الأفندية- التي أنتجها مشروع الدولة، سرعان ما انقلبت على القوى التقليدية التي دفعت التحديث الأول، ومن ثم حالت دون المجتمع وبين الحداثة؛ حتى تستبقي سطوتها ونفوذها. ثم جاء الاستعمار، الذي أبقى بدوره المجتمعات العربية في علاقة تبعية للمراكز الرأسمالية في الغرب؛ فهي تصدر الخامات وتستورد السلع النهائية؛ ما يستبقي علاقات التبعية. كيف حدث ذلك؟ كيف بقي المجتمع بمعزل عن التحديث؟ إن ارتفاع معدلات البطالة في بدايات التحديث، ومع عدم وجود فرص عمل بديلة للمجال الزراعي، وإصدار تشريعات تمنع الفلاحين -رغم معدلات البطالة المرتفعة- من مغادرة بلادهم؛ كل ذلك استبقى العلاقات الما قبل الرأسمالية ورسخ بقائها. أما القوى البرجوازية المالكة للأراضي بدورها؛ لم تجد دافع لضخ رؤوس الأموال المتراكمة لديها، في أسواق صغيرة لا تغري بالمغامرة ولا تعد بالربح، وهو بدوره أيضًا، حافظ على استمرار ما قبل الرأسمالية. ومع قدوم الاستعمار، وحرصه على تعطيل وإجهاض محاولات التصنيع المحلي، وفتح الأسواق المحلية أمام السلع المستوردة الجيدة والرخيصة، أهدر أية إمكانية تحول إلى الرأسمالية. هيمنة الأرستقراطية الزراعية كان وراء سيطرتها على المجال السياسي، كما أعادت تشكيل أدوار ووظائف المجتمع ككل، حيث “هيمن كبار ملاك الأراضي الزراعية على الحياة الاقتصادية لبلدان المشرق، وفي غياب مصادر الدخل المستقلة للحكومات لعب كبار الملاك دورا شديد الأهمية في تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع”. ترييف الدولة: مع رفع القيود عن هجرة الفلاحين، واستمرار الفقر في الريف؛ زادت الهجرة من الريف للمدينة، فيما كانت الكراهية والازدراء المتبادل هي الحاكمة لعلاقة المهاجرين الريفيين بسكان المدن. إلا أن الجيل الثاني من الريفيين كانوا هم المحرك للتغيير بعد ذلك؛ “عبر حضورهم الكثيف في أجهزة الدولة الإدارية والقوات المسلحة”؛ إذ مثل المهاجرين الريفيين الطبقات الوسطى الجديدة، والذين سيطروا على جهاز الدولة، ومع الثورات التي قادوها، ومع تشظي الشرائح الاجتماعية القديمة، سعدت الدولة المسيطرة ذات الطابع الريفي، وفشلت محاولات التحديث. إمتدادًا للحديث السابق عن ترييف الدولة العربية الحديثة، وكيف ساهم هذا الترييف، فضلا عن عوامل أخرى في فشل محاولات التحديث في بلادنا، يؤكد خلدون النقيب، في تفسيره للاستبداد العربي، على الدور الذي لعبته الطبقات الوسطى في المدن، ذات الأصول الريفية؛ في دعم الانقلابات التي شهدتها المنطقة العربية في الخمسينات وما…

تابع القراءة

موافقة حزب الله علي وقف إطلاق النار مع إسرائيل: المحددات والتحديات

دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، بوساطة أميركية، حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024، لينهي نحو 14 شهرًا من المواجهات بين الطرفين. وكان حزب الله بادر في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في 7 أكتوبر 2023، إلى فتح جبهة مواجهة محدودة لمساندة قطاع غزة، حولتها إسرائيل إلى حرب مفتوحة بلغت ذروتها في 23 سبتمبر 2024، عندما أطلقت ما أسمته عملية “سهام الشمال”، وتلا ذلك اجتياح بري لجنوب لبنان في 30 من الشهر نفسه1. واستند اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل إلى تجديد التزام الحكومة اللبنانية والاحتلال الإسرائيلي بالتطبيق الكامل للقرار الأممي 1701 الذي أنهى الحرب عام 2006. وبناءً على ذلك؛ سينسحب جيش الاحتلال من جنوب لبنان في أجل لا يتعدى 60 يومًا، مقابل انتشار نحو 5 آلاف من قوات الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني بما يشمل 33 موقعًا على الحدود مع الأراضي المحتلة. في حين، ينسحب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، الذي يبعد نحو 30 كيلومترًا شمال الحدود. وسوف تشرف على مراقبة تنفيذ الاتفاق آلية ثلاثية قائمة مسبقًا بين قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) والجيش اللبناني وجيش الاحتلال الإسرائيلي، مع توسيعها لتشمل الولايات المتحدة وفرنسا، وسترأس واشنطن هذه المجموعة2. وقد أثار هذا الاتفاق العديد من التساؤلات، من قبيل؛ لماذا وافق حزب الله علي اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل؟ وما هي التحديات التي يمكن أن تحول دون تنفيذ هذا الاتفاق؟ وإلي أي مدي يمكن أن يستمر هذا الاتفاق؟ أولًا: بنود اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل: لم ينشر أي من الأطراف (لبنان وإسرائيل)، ولا حتى الوسيط الأميركي، نصًا رسميًا للاتفاق. ولكن نشرت صحيفة “الأخبار” المقربة من حزب الله ما قالت أنه نص رسمي للاتفاق، وتتمثل أبرز بنوده في: وجدير بالذكر هنا، أنه قبل التوصل إلي هذا الاتفاق وخلال فترة المفاوضات التي قادها المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين، فإن حزب الله والحكومة اللبنانية (التي مثلها في المفاوضات رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وإن كان الأخير يمثل الحزب بدرجة أكبر من تمثيله للحكومة) كانا يصران على الوقف المتبادل لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، والتطبيق المتبادل للقرار الأممي 1701 وعدم إدخال أي تعديلات عليه من باب الزيادة أو النقصان، وعدم اعتماد أي ترتيبات أو اجراءات تُمكن إسرائيل مستقبلًا من خرق السيادة اللبنانية5. ولذلك؛ فإن الحزب والحكومة اللبنانية كانا لديهما تحفظات وتساؤلات حول المقترحات التي قدمتها الولايات المتحدة، سواء عبر مبعوثها للشرق الأوسط عاموس هوكشتاين أو عبر السفيرة الأمريكية في لبنان ليزا جونسون، للتوصل إلي وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، تمثلت في: ويبدو أن الحزب قد تراجع بشكل كبير عن هذه التحفظات وتلك الشروط، وهو ما يمكن توضيحه كما يلي: أ- أن اتفاق وقف إطلاق النار جاء تحت عنوان تطبيق القرار 1701 بحذافيره كما كان يطالب لبنان، لكن جرى تضمينه إضافات غيرت في الشكل والمضمون، وضعها الجانب الأميركي بالتنسيق مع الإسرائيلي؛ ما جعله فعليًا اتفاقًا جديدًا مختلفًا عن سابقه. من أبرز هذه الإضافات توسيع لجنة المراقبة والإشراف على تطبيق الاتفاق لتصبح خماسية، يرأسها جنرال أميركي ويعاونه مساعد فرنسي إلى جانب عضوية لبنان وإسرائيل وقوات حفظ السلام الدولية “اليونيفيل” بعدما كانت ثلاثية تقتصر علي لبنان وإسرائيل واليونيفيل7. ومن اللافت هنا، أن الحزب لم يقبل انضمام الولايات المتحدة إلى اللجنة فقط، بل إنه وافق علي ترؤسها في خطوة غريبة، إذا ما أخذنا بالاعتبار النظرة المريبة للحزب إلى واشنطن وتأييدها المطلق لإسرائيل ودورها في هذه الحرب تحديدًا8. ناهيك عن أن هذا التعديل قد ينطوي على شكل من أشكال الوصاية الأميركية، لاسيما أن دور اللجنة سيتعدى جنوب الليطاني ليشمل المعابر الحدودية لمنع وصول السلاح إلى القوى المسلحة غير الشرعية، في إشارة ضمنية إلى سلاح حزب الله. ومن جانب آخر؛ ففي حين أن الحزب كان يصر علي أن يكون الدور الأمريكي رقابي فقط، فإن إسرائيل أرادت أن يكون هذا الدور عسكري تنفيذي، وبحسب قراءة البعض فإن الاتفاق قد جعل الدور الأمريكي تنفيذي وليس رقابي فقط. فتوسيع لجنة المراقبة بدخول الولايات المتحدة وفرنسا يعني وجود حوكمة دولية على تنفيذ القرار، علي عكس الآلية الثلاثية التي كانت تجتمع بشكل موضعي عند التبليغ عن خروقات، ولكنها كانت تفتقد للنفوذ اللازم الذي يجبر طرفي الصراع على الانصياع لقراراتها9. ب- أنه في حين تفضل إسرائيل إشراك دول أوروبية فقط في لجنة المراقبة، فإن لبنان يطالب بإدراج دولة عربية واحدة على الأقل10، ولكن إلي الآن لم يتم الإعلان عن وجود أي دولة عربية في اللجنة. أكثر من ذلك، فقد أبدي الحزب مرونة – بعد ضغط أميركي – بشأن إشراك بريطانيا في لجنة المراقبة11. ويبدو أنه تم التسليم بعدم تمثيل ألمانيا كونها موجودة أصلًا في إطار القوات الدولية للأمم المتحدة (اليونيفيل)12. وفي المقابل أصرت الولايات المتحدة على إشراك فرنسا – بعدما كانت تتحفظ إسرائيل علي مشاركتها – باعتبارها الطرف الأوروبي الوحيد الذي يتواصل مع حزب الله13. ج- خلافًا للقرار 1701 الذي ينص على الانسحاب “الفوري” لإسرائيل من الأراضي المحتلة، منح الاتفاق الجديد الإسرائيليين مهلة 60 يومًا؛ ما جعل انسحابهم مشروطًا بتنفيذ الاتفاق من جانب حزب الله، ما يعني أن استرجاع الأرض بات مرهونًا بالتزام الحزب ببنود الاتفاق14. د- صيغ الاتفاق بطريقة تفتح مجالًا واسعًا للتأويل؛ فقد أشار مثلًا إلى أن القرار 1701 يتضمن التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن السابقة التي استند إليها، بما يشمل القرار 1559 من دون ذكره صراحة، الذي يدعو إلى نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة. وأكد الاتفاق أن للبنان وإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس بما يتفق مع القانون الدولي، وقد رأى كثيرون أن هذا يتيح لإسرائيل مجالًا واسعًا لتضرب حزب الله بذريعة “الحق في الدفاع عن النفس”، في حين أن الحزب سوف يحجم عن أي عمل ضدها خوفًا من الانزلاق مجددًا إلى مواجهة مفتوحة معها. كما يري البعض أن هذا البند يمنح حرية الحركة للجيش الإسرائيلي في لبنان بما في ذلك الوجود في المجال الجوي اللبناني والتي أصرت عليها إسرائيل ورفضها لبنان. ه- جاء في الاتفاق أن الجيش اللبناني، بالتوازي مع انسحاب الجيش الإسرائيلي، سينشر نحو 10 آلاف عنصر في جنوب الليطاني وسيباشر في تنفيذ التزاماته، بما في ذلك تفكيك المواقع والبنى التحتية (غير التابعة للدولة اللبنانية)، ومصادرة الأسلحة غير المصرح بها (في إشارة ضمنية إلى أسلحة حزب الله ومواقعه وأنفاقه). وستراقب القوات العسكرية والأمنية اللبنانية وصول مختلف أنواع الأسلحة إلى المنظمات غير التابعة للدولة اللبنانية وتمنعه، وفي الوقت نفسه تتولى الحكومة اللبنانية تنظيم إنتاج الأسلحة في لبنان ومراقبته. كانت هذه هي الشروط الإسرائيلية لوقف الحرب، وهي عمليًا أهدافها المعلنة، وقد تضمنها الاتفاق15. و- فيما أكد الجانب اللبناني أن…

تابع القراءة

التحديات الاستراتيجية في سبيل تحقيق المصالحة الفلسطينية

كانت منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) منذ نشأتها 1964 الممثل الشرعي (الوحيد) للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج في مشروعه للتحرر من براثن الاحتلال الإسرائيلي. وقد سيطرت حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” (تأسست سنة 1957 تأثرًا بالمقاومة الشعبية للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وللاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة) علي منظمة التحرير، بعد انتخاب ياسر عرفات، الناطق الرسمي باسمها، في دورة المجلس الوطني الفلسطيني الخامسة التي عُقدت ما بين 1 و 4 فبراير 1969، رئيسًا لـ “اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية”1. ولكن منذ الثمانينيات، ظهرت بعض الحركات الخارجة عن منظمة التحرير (حركة الجهاد في فلسطين 1981 تأثرًا بالثورة الإيرانية، وحركة المقاومة الإسلامية حماس المنتمية لتيار الإخوان انبثاقًا من الانتفاضة الأولى 1987). ومع تحول المنظمة الاستراتيجي للاعتراف بدولة إسرائيل والمطالبة بدولة على حدود 1967 في إعلان الجزائر 1988؛ ما فتح الطريق نحو مدريد 1991 ثم أوسلو 19932، بدأت بوادر الانقسام واضحة بين مؤيدي التسوية السياسية ممثلين بحركة فتح وتيار السلطة الفلسطينية التي أُنشئت عقب اتفاق أوسلو، وبين تيار المقاومة ممثلًا بحركتي حماس والجهاد الإسلامي وبعض الفصائل الفلسطينية الأخرى التي اعترضت على قبول منظمة التحرير لقراري مجلس الأمن رقم (242) ورقم (338) بشأن إقامة دولة فلسطين3. بتولي محمود عباس رئاسة السلطة الفلسطينية في يناير 2005، على إثر توليه رئاسة كل من منظمة التحرير وحركة فتح خلفًا للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومع تولي إسماعيل هنية رئاسة الحكومة بعد حصول حركة حماس عام 2006 على أغلبية في الانتخابات التشريعية، وهي الخطوة التي لم تلق ترحيبًا من حركة فتح بدعوي أن هنية أسند المناصب الوزارية الرئيسية لقادة حماس، وفي المقابل، اتهمت حماس حركة فتح بعدم التعاون معها في تسليم مقاليد السلطة للحكومة الجديدة؛ ما تسبب في اندلاع مواجهات عنيفة بين أنصار الطرفين في غزة خلال يناير وفبراير ومايو 2007، وليقوم الرئيس عباس بإقالة هنية في 14 يونيو من نفس العام، وأعلن حالة الطوارئ في غزة اعتراضًا على العنف الذي شهده القطاع. ورغم هذه الإجراءات أعلنت حماس سيطرتها على غزة في 15 يونيو 2007، ما عمق الخلاف مع فتح التي اعتبرت هذا التحرك انقلابًا عسكريًا. ومنذ ذلك الحين، تسيطر كلًا من حماس وفتح على الأرض والإدارة الحكومية في قطاع غزة والضفة الغربية منفردتين على الترتيب، ما أفرز انقسامًا سياسيًا وجغرافيًا وأمنيًا4. ومنذ الانقسام وحتي الآن، تركزت القضايا والملفات الخلافية بين الفصائل الفلسطينية علي مسألة رواتب الموظفين (الذين عينتهم حكومة حماس في قطاع غزة، ويبلغ عددهم تقريبًا 40 ألف موظف)، وإدارة المعابر، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني الفلسطيني، وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل5. وقد جرت مبادرات واجتماعات وجهود فلسطينية وعربية ودولية لحل هذه القضايا الخلافية، بعضها انتهى إلى اتفاق، مثل اتفاق مكة (2007)، واتفاق القاهرة (2011)، وإعلان الدوحة (2012)، وإعلان الشاطئ (2014) واتفاق القاهرة 2 (اتفاق التمكين) (2017)، وتفاهمات إسطنبول (2020)، وإعلان الجزائر (2022)، وإعلان بكين (2024). وتم تطبيق بعضها بشكل جزئي ومؤقت، لدرجة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في العام 2007 وحكومة الوفاق الوطني في العام 2014، إضافة إلى عقد الإطار القيادي المؤقت اجتماعين بعد اتفاق القاهرة 2011، وعقد اجتماع الأمناء العامين في العام 2020. في المقابل، لم تفض اجتماعات أخرى لإنهاء الانقسام إلى اتفاق، على الرغم من صدور بيانات عن بعضها، مثل اجتماع صنعاء (2008)، ولقاء موسكو (2019)، واجتماع العلمين في مصر (2023)6. وبناءً عليه؛ ظل التساؤل الرئيسي المطروح علي طاولة النقاش والبحث هو: لماذا لا تتحقق المصالحة الفلسطينية رغم مرور كل هذه السنوات الطويلة، ورغم ما تمر به القضية الفلسطينية من منعطفات كبري تتطلب ضرورة تحقيق هذه الوحدة الوطنية، والتي كان أبرزها محاولة الرئيس الأمريكي المنتخب حديثًا دونالد ترامب تصفية القضية الفلسطينية “صفقة القرن”، ومؤخرًا، الخطوات الإسرائيلية الفعلية لتصفية القضية عقب “طوفان الأقصي”. ولعل الإجابة علي هذا السؤال تكمن في المحاور التالية: أولًا: العوامل الداخلية: أي تلك العوامل المتعلقة بالفصائل الفلسطينية، وعلي رأسها حركتي حماس وفتح، وتتمثل هذه العوامل في: 1- الافتقاد إلى مشروع التحرير الوطني الجامع؛ فحماس ترفض إقامة دولة فلسطين علي جزء من الأرض وتتمسك بأراضي فلسطين التاريخية، وبالتالي فهي ترفض الاعتراف بإسرائيل وحقها في 77% من أرض فلسطين، بينما تتقبلها قيادة منظمة التحرير والسلطة وفتح؛ نظرًا للاعتبارات الواقعية والعمل المرحلي، واعتبار ذلك استحقاقًا سياسيًا نتيجة اتفاق أوسلو الذي تشكلت على أساسه السلطة الفلسطينية، وانبنى عليه حلم تحويل السلطة إلى دولة فلسطينية7. ولذلك؛ ظلت حركة فتح والسلطة الفلسطينية متمسكة بعدة شروط لتحقيق المصالحة مع باقي الفصائل الفلسطينية، تتمثل في: أولًا؛ انطواء كل الفصائل تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني (حماس والجهاد خارجها)، والالتزام بالتزاماتها، ومن بينها الاتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي، والالتزام بخيار التسوية وحل الدولتين، وثانيًا؛ الالتزام بالمقاومة الشعبية السلمية كسبيل نضال وحيد، بمعنى عدم استخدام السلاح في مقاومة المحتل الإسرائيلي، وثالثًا؛ يجب ألا يكون إلا سلاح واحد ووحيد في الأراضي الفلسطينية، وهو سلاح السلطة فقط، بمعنى تخلي المقاومة عن سلاحها وتسليمه للسلطة. بالمقابل، فإن حماس تتمسك بالمقاومة بكافة أشكالها بما فيها الكفاح المسلح، وضرورة إلغاء أو تجميد اتفاقيات منظمة التحرير مع إسرائيل ووقف التنسيق الأمني معها، وعدم الاعتراف بالقرارات التي صدرت عن الشرعية الدولية وفي ضمنها الاعتراف بإسرائيل، وعدم القبول بتسليم سلاح المقاومة سواء في غزة أو الضفة، مهما كانت الظروف والتفاهمات والاتفاقيات8. 2- الافتقاد إلى الثقة المتبادلة؛ فمفاوضات المصالحة ومقترحاتها لا تسبقها ممارسات من أي من الطرفين لبناء الثقة لدى الطرف الآخر، أو إبداء حسن النية. وتكتفي لقاءات الحوار والمصالحة على عبارات إنشائية، ومناشدات تقارب عامة، دون أية خطوات حقيقية لهذا التقارب. وبالعكس تشغل الدعاية السوداء المتبادلة المسافة بين كل مبادرتين للمصالحة. وقد تعاظم اتهام فتح لحماس بأنها حركة ذات ارتباطات غير وطنية وتنتمي إلى ما يسمى بـ”الإسلام السياسي”، بينما تعتبر ذاتها حركة وطنية محضة، خاصة في ظل تراجع المساندة القومية العربية لها، وتسمي السلطة 2007 انقلابًا على الشرعية. هذا بينما تلح حماس على عدم شرعية مؤسسات السلطة خاصة بعد انتهاء ولاية عباس وعدم تجديدها انتخابيًا، وتذرع السلطة بالمعوقات التي تضعها دولة الاحتلال في عدم إجراء انتخابات جديدة9. 3- افتقاد الآلية الحاسمة للخلاف؛ حيث تتمسك حماس بالشرعية الانتخابية الديمقراطية، وهي التي فازت فيها في آخر انتخابات فلسطينية عام 2006، وشرعية المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، فيما تتمسك حركة فتح بالشرعية السياسية لمنظمة التحرير والشرعية العربية والدولية للاعتراف بها10. أضف إلي ذلك، فقد واجهت الآلية الديمقراطية (الانتخابات) في الشأن الفلسطيني مشكلة رئيسية؛ إذ إن نتائجها مشروطة داخليًا وإقليميًا ودوليًا؛ بألا تأتي بطرف مقابل للسلطة الفلسطينية ولا مرفوض إقليميًا (إسرائيليًا) أو دوليًا (أمريكيًا). كما تتخوف حركة فتح والسلطة الفلسطينية – وأطراف عربية ودولية – من النتائج المحتملة لأي انتخابات فلسطينية، والخشية…

تابع القراءة

تأثير فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية على القضية الفلسـ،ـطـ،ـينية

حسم ترامب سباق الرئاسة، متغلبا على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس. ومن المقرر أن يؤدي ترامب اليمين الدستورية في 20 يناير 2025، ليبدأ رسميًا مهامه الرئاسية. وكان ترامب قال في كلمة بولاية ميشيغان التي تقطنها جالية مسلمة وعربية كبيرة إن منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، “قادت حملتها رفقة ابنة نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني (ليز تشيني) الذي دمر الشرق الأوسط تقريبًا“. وأضاف: “إذا فازت كامالا سيكون الموت والدمار فقط، أنا مرشح السلام“. تجدر الإشارة إلى أن ديك تشيني، شغل منصب نائب الرئيس بولاية جورج دبليو بوش، أثناء غزو العراق. ويأمل الفلسطينيون أن تفتح المعابر لدخول المواد التموينية والملابس الشتوية مع اقتراب فصل الشتاء، وأن تنتهي معاناة الغزيين بعد تولي ترامب الرئاسة الأمريكية. ومنذ بداية حرب الإبادة الجماعية على غزة، والتي وسعت إسرائيل نطاقها إلى لبنان في 23 سبتمبر الماضي، تقدم إدارة بايدن لتل أبيب دعما قويا على المستويات العسكرية والمخابراتية والسياسية. وخلال فترته الرئاسية الأولى قدَّم ترامب دعما كبيرا لتل أبيب، وقرر في 2017 اعتبار القدس الشرقية المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل إليها السفارة الأمريكية من تل أبيب، وهو ما يرفضه الفلسطينيون وينتهك القرارات الدولية ذات الصلة. وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 146 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم. وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة. ومع قدوم ترامب، تلوح في الأفق الكثير من الفرص والتحديات أيضا… محورية فلسطين لدى الإدارة الأمريكية فلنتائج الانتخابات الأمريكية أصداء عالمية واسعة خاصة فيما يتعلق بقضايا وملفات الشرق الأوسط، وأبرز تلك القضايا التي تطرح الآن وبقوة على الساحة هي القضية الفلسطينية، وبالأخص مع استمرار حرب الإبادة في فلسطين لما يزيد عن سنة كاملة وتجاوز عدد الشهداء في غزة أكثر من 42,000 شهيد حتى اليوم، منهم نحو عشرة آلاف طفل، مع تدمير ما يزيد عن 85% من المنازل وفقا لتقرير الأمم المتحدة، ولذلك فإن هناك الكثير من المخاوف والتساؤلات المثارة حول كيف ستنعكس نتائج هذه الانتخابات على الوضع الفلسطيني مع بداية الولاية الرئاسية الثانية لترامب. مختوف فلسطينية الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل كان معروفا وواضحا لكلا المرشحين من الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، وبعد إعلان فوز دونالد ترامب على منافسته كامالا هاريس في انتخابات 2024، فقد أعيدت من جديد للذاكرة سياسات ترامب السابقة نحو القضية الفلسطينية، فهو من أوقف تمويل الأونرواوأغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن عام 2018، هذا بالإضافة لنقل سفارة بلاده إلى القدس وإعلانها عاصمة موحدة لإسرائيل عام 2017، ومن ثم أعلن عام 2020 رؤيته لتحقيق “السلام” فيما ما عرفت بـ“صفقة القرن” التي رفضها الفلسطينيون وقالوا إنها تنتقص حقوقهم ولا تتضمن إقامة دولة فلسطينية. وبالنسبة للوقائع الجديدة فقد صرح ترامب أكثر من مرة في الفترة الأخيرة بأنه سينهي الحرب، ليس الحرب في غزة ولبنان فحسب، بل جميع الحروب أيضا.. تلك التصريحات التي تتماشى مع أسلوبه في التوصل إلى “صفقة” أو تسوية كبرى؛ حيث قال ترامب فى خطاب النصر الذى ألقاه أمام أنصاره في السادس من نوفمبر الجاري، بعد حسمه معركة الانتخابات الرئاسية ضد منافسته كامالا هاريس: «لن أبدأ الحروب، سأنهيها، ولن يكون من الضرورى استخدامها.. دعونا نأمل أنه لن تكون هناك حروب“. مقاربات أمريكية لصالح اسرائيل يتوقع الكثير من الخبراء أن ترامب سيحاول أن يتوصل إلى مقاربات جديدة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية من خلال تفعيل مشروع التطبيع العربي الاقتصادي والسياسي ومحاولة إدارة الأمور بعيدا عن المواجهات العسكرية مرجحا “تطبيعا عربيا شاملا تنضم إليه أغلب الدول العربية، لأنه (ترامب) يعتقد أن الفلسطيني غير قادر ولا يرغب في اتخاذ قرارات تاريخية ويعترف فيها بإسرائيل“. كما أنه من المرجح أن يتحرك ترامب لوقف الحرب على غزة، لكن في المقابل ستدفع الضفة ثمنا كبيرا لأنه “قد يبارك خطوات الحكومة اليمينية الإسرائيلية بضم الجزء الأكبر منها“.  وفي تصريح للكاتب تائير ألتشولر في“القناة 14” العبرية، ، أنّ: “ولاية ترامب الثانية قد تؤدي لدعم أمني قوي لدولة الاحتلال، واتخاذ موقف أمريكي حازم ضد إيران، والسعي لتوسيع اتفاقيات التطبيع مع دول عربية إضافية“. فلا يمكننا إغفال التأثير المباشر لسياسات ترامب في فترة رئاسته الأولى والقرارات التي اتخذها وعززت أكثر من علاقته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووفّر للاحتلال الدعم الدبلوماسي.فقد يعمل ترامب على العودة لسياسته “أمريكا أولا“، ما يعني انخراطا أقلّ في الشرق الأوسط، لكنه في الوقت نفسه سيدعم فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران، والتعبير عن موقف صارم ضد منظمتي حماس وحزب الله، الأمر الذي يدفع للحديث عن التأثير المتوقع لفوزه على مستقبل الحرب الجارية“.ومن المتوقع أن يواصل ترامب النهج المتشدد تجاه إيران وتشديد العقوبات، مما قد يضع ضغوطا إضافية على حزب الله، لكن من الممكن أيضا أن يطالب الاحتلال بالتصرف بشكل أكثر استقلالية من الناحية الأمنية.. كل هذا يجعلنا نتوقع حالة من الهدوء المزيف للأوضاع في غزة يرمي بظلاله بعيدا عن حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية والشرعية ليس فقط بالاستقلال بأرضه، وإنما بآدميته واحتياجاته الأساسية كإنسان، فنحن الآن نعيش واحدة من أفظع وأطول المجاذر التي ارتكبها الاحتلال في تاريخه الاستيطاني والتي تندرج تحت مسمى الإبادة لشعب كامل، فهل ستكون الرغبة في وقف الحرب وتطبيق مزيد من التطبيع كافيا لاستقرار المنطق.. دعم أكبر لاسرائيل وفقا لما نقل عن دراسة حديثة نشرت مؤخرا في جامعة براون بالولايات المتحدة، ضمن مشروع يسمى “تكلفة الحرب“، والتي تناولت تقديرات أولية لنطاق المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة للاحتلال الاسرائيلي؛ فقد أكد ستيفن سيملر، أحد مؤلفي الدراسة، أن “المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة للاحتلال بعد السابع من أكتوبر تتجاوز ما قدمتها له بعد اتفاقية كامب ديفيد 1978، وبعد حرب 1973، حيث بدأت المساعدات له كمساعدات اقتصادية بعد قيام الدولة 1948، وخلال إدارة الرئيس جو كينيدي، وأصبحت في الغالب مساعدات عسكرية، وتزايدت بعد حرب 1967، وفي السبعينيات في إطار الحرب الباردة. وكشف ويليام هارتونغ، أحد معدّي الدراسة، أن “تقديرًا متحفظًا يضع نطاق المساعدات العسكرية الأمريكية للاحتلال بعد السابع من أكتوبر 2023 وحتى سبتمبر 2024 بما لا يقل عن 17.9 مليار دولار، ويشمل هذا المبلغ مساعدات عسكرية لأوقات الطوارئ بقيمة 14.1 مليار دولار، و3.8 مليار دولار أخرى كمساعدات عسكرية قياسية سنوية، كما أنه تم التوقيع عليها في إطار اتفاق التفاهم في عهد إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما“. وأضاف أن “المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة للاحتلال الإسرائيلي ذهبت عبر عدة قنوات، أهمها برنامج التمويل العسكري الأجنبي، وقانون الإنتاج الحربي الفائض، مع العلم أن المسار البيروقراطي لهذه المساعدات يبدو معقدا، ويمكن للرئيس فقط أن يقرر منحها، حتى بدون موافقة مجلس الشيوخ…

تابع القراءة

طبيبة “كفر الدوار” والمنهج السلطوي في ردم المشكلات الاجتماعية

في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الضاغطة التي يمر بها المجتمع المصري في واحد من أسوأ عصوره على الإطلاق، تطرح على الساحة المزيد من المشكلات الاجتماعية التي هي أقرب للكارثة الأخلاقية و التي زاد من تفاقمها وانتشارها الأوضاع الاقتصادية الصعبة مع غياب الوعي الديني والأخلاقي، وفي الوقت الذي يختار فيه الكثيرون العمل بمبدأ النعامة التي تدفن رأسها في الرمل هروبا من مشاكلها، يختار البعض الآخر وضع قدمه على أول الطريق لحل المشكلة من خلال تسليط الضوء عليها وتشخيصها، وهذا ما شهدناه في الأيام الماضية من خلال بث مباشر نشرته طبيبة أمراض نساء على صفحتها. قصة الجريمة أثارت قضية طبيبة أمراض النساء والتوليد بمستشفى كفر الدوار الحكومي “وسام شعيب” الجدل مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بسبب حديثها عن انتشار حالات الحمل غير الشرعي، وذلك من خلال بث مباشر نشرته على صفحتها الشخصية تحدثت فيه عن حالة فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا، جاءَت لتتابع حملها برفقة سيدتين، مما أثار شكوك الطبيبة حول زواجها، وعندما قامت بفحصها اكتشفت أن الفتاة كانت حاملاً في الشهر الثامن دون أن تكون متزوجة. كما سردت بعض القصص الأخرى لسيدات حملن سفاحًا، إحداهن خانت زوجها، والأخرى مارست الرذيلة ونسبت طفلًا لشاب مواليد 2005 لتجنب التورط في جريمة، وأكدت أن هدفها من نشر الفيديو هو التوعية بأهمية تربية الأهل لأبنائهم وضرورة وجود حل لتلك المشاكل الأخلاقية والاجتماعية. تباين ردود الفعل حول فيديو الطبيبة وقد تباينت ردود الفعل بين مؤيد يرى أن ما فعلته الطبيبة هو تسليط الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة لعلاجها، ومعارض انتقد بشدة كلامها واعتبره انتهاكا لخصوصية المرضى وإساءة لسيدات مصر. وقررت النيابة العامة في مركز كفر الدوار بمحافظة البحيرة، حبس الطبيبة وسام شعيب، لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيقات، مع مراعاة التجديد لها في المواعيد القانونية. موجهة لها عدة اتهامات منها: تكدير الأمن والسلم العام، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في إثارة البلبلة بين أطياف الشعب المصري، واستخدام ألفاظ سيئة (نابية) في مقطع فيديو نشرته على صفحتها في فيسبوك. وأعلنت النقابة العامة للأطباء تلقيها شكاوى بحق الطبيبة أحالتها على لجنة آداب المهنة للتحقيق فيها، قائلة إنها ستواجه أي مخالفات لأعضائها -في حال ثبوتها- بكل حسم، وإحالة أي طبيب يخرج عن قواعد ولائحة آداب المهنة، والأصول الطبية المستقر عليها والمعمول بها، على الهيئة التأديبية للتحقيق، تمهيداً لتوقيع العقوبة عليه، وصولاً إلى الشطب من جداول النقابة، والمنع من ممارسة المهنة. ودافعت الطبيبة عن نفسها عبر صفحتها في “فيسبوك”، بالقول إن هدفها لم يكن تحقيق مشاهدات عالية، أو البحث عن “الترند”، ولكنها أرادت توعية الآباء والأمهات، وتنبيههم إلى ما قد يحدث لبناتهن إذا أهملوا في متابعتهن، نافية تعمدها التشهير بمرضاها أو كشف أسرارهم خاصة وأنها لم تكشف معلومات عن أسماءهن  أو عناوينهن أو أي صفة مميزة لأشكالهن. تحديات اجتماعية وأخلاقية متزايدة تهدد المجتمع المصري وفي مجتمع يوصف بأنه متدين بطبعه فإن مثل هذه القضايا بإمكانها إثارة الكثير من التساؤلات وعلامات التعجب، فبالطبع ليست هذه المرة الأولى من نوعها التي نسمع فيها عن حالات لحمل غير شرعي أو زواج غير قانوني ينتج عنه أطفال من المحتمل أن يكون مستقبلهم فيما بعد مهددا بالضياع أو أن يكونوا بذرة إجرامية في تربة الظروف الخصبة بالمجتمع، ولكن تردي الأوضاع الاقتصادية للمواطن وزيادة معدلات الفقر والبطالة، من الأسباب الرئيسية لزيادة معدلات الجريمة في المجتمع، خاصة مع استمرار الضغط على الطبقات الفقيرة والمتوسطة والذي سيؤدي الى انهيارات اجتماعية متتالية، سواء أخلاقية أو سلوكية أو صحية أو تعليمية. هذا كله في الوقت الذي نشهد فيه ارتباكا ملحوظا لدور المؤسسات التعليمية وتحولها إلى مجرد أماكن الهدف منها هو الحصول على الدرجات والشهادات الرسمية دون قيامها بدورها التربوي الضروري للطلبة سواء في المراحل المبكرة أو حتي الجامعات، وهذا كله بالإضافة إلى إثقال كاهل أولياء الأمور بأعباء ومتطلبات بشكل مستمر، وانحسار دور المؤسسات الدينية كالمساجد على إقامة الصلوات وإغلاقها عند انتهاءها وقصر خطب الجمعة مع تحديد مسبق وموحد لمضمونها، كل هذا يصعب أكثر من قيام الأسرة وحدها بالدور التربوي والأخلاقي نحو أبناءها خاصة مع اتجاه كل من الأب والأم لسوق العمل لتحصيل لقمة العيش، فكان ما نراه من تردي أخلاقي هو ناتج طبيعي لمجتمع يتعرض لضغوطات من جميع الجوانب وسط حكومة لا تبالي بمصلحة المواطنين أو بالتنمية الحقيقية لمستوى حياتهم. قيود حكومية مفروضة على دراسة المجتمع وعند حديثنا عن الظواهر الاجتماعية والأوضاع الراهنة في المجتمع المصري فإن أهم ما يمكن أن نرتكز عليه هو الأرقام والإحصائيات والتي تعطينا مؤشرا قويا لحالة المجتمع، وهنا تواجهنا مشكلة أخرى ألا وهي أن المسح الشامل لمجتمعنا يواجه قيودًا عدة، أولها موقف السلطة الحاكمة، والتي قد لا تفضل – لأسباب تقول إنها أمنية – دراسة كليةً للمجتمع في صورته الراهنة، وإتاحة المادة العلمية لـ “العلم العام”. ففي مصر لا تكفّ جهات مثل: “المعهد القومي للتخطيط”، و”جهاز التعبئة العامة والإحصاء”، و”الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة”، و”الجهاز القومي للسكان”، و”مركز دعم واتخاذ القرار”، التابع لمجلس الوزراء عن القيام بدراسات جزئية، كل فيما يقع في نطاق اختصاصه، وحسب ما يُطلب منه. لكنها دراسات داخلية. وتقوم “المجالس القومية المتخصصة” بدراسات متنوعة بلا توقف، لكن كل هذا لا يكون متاحا للإطلاع من قبل الرأي العام، ولا يكون متاحًا للباحثين من خارج هذه الجهات إلا بشق الأنفس، وكان بعضه يتسرّب إلى الصحافة، فتعرضه في اختزال أو اجتزاء، لكن هذا لم يعد قائمًا في هذه الأيام مع القيود الشديدة المفروضة على الصحف. كا أنه لا يجد القائمون على هذه الأجهزة الباب مفتوحًا أمامهم لإطْلاع الرأي العام على الحقائق، فكثير من الإحصائيات يتم إخفاؤها عن آذان الناس وعيونهم، اللهم إلا إذا كان الإعلان تراه السلطة الحاكمة في مصلحتها، أو تنزل على ضغوط عليها أثناء الأزمات للإفراج عن هذه المعرفة الحبيسة. وينطبق الأمر نفسه على بعض الباحثين الذين تستعين بهم السلطة لإعداد تقارير في غرف مظلمة، لا يطلع عليها إلا عدد قليل. وكل هذا بالطبع يبعدنا عن الوصول إلى حصر حقيقي لحجم المشكلات والظواهر الاجتماعية الموجودة ليعرف كثيرون ممن يفضلون أن يظل الوضع على ما هو عليه حجم الكارثة الحقيقية التي تحتاج منا إلى تشخيص وحصر ومن ثم اتخاذ خطوات حقيقية للإصلاح. فلقد أصبحنا في حاجة إلى نظرة شاملة لمجتمعنا، تُشارك فيها جهات عدة، وتُصاغ بلغة قابلة للتداول على نطاق واسع ، ليعرف أهل مصر ما آل إليه مجتمعهم الذي هبّت عليه عواصف كثيرة لم يتم رصدها ودراستها إلى الآن، على نحو سليم. ولكن أبرز ما تكشف عنه تلك الواقعة وتعاطي الحكومة معها، على أن الحكومة تريد ستر عوراتها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية بأي ثمن، ، بأي ذريعة من الذرائع، ون حلول فاعلة للمخاطر الاجتماعية والأمراض التي يحياها الشعب المصري..فتترط أصل القضية وتمسك بمن…

تابع القراءة

إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي رغم استمرار حرب غزة ولبنان: الأسباب والتداعيات

أقال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في 5 نوفمبر 2024، وزير الدفاع يوآف غالانت من منصبه، وعين وزير الخارجية يسرائيل كاتس خلفًا له، فيما عين نتنياهو رئيس حزب “اليمين الرسمي (الوطني)” (المنشق عن حزب الليكود) جدعون ساعر في منصب وزير الخارجية خلفًا لكاتس1. وعلي الرغم من أن إقالة غالانت من منصبه لم تشكل مفاجأة لأحد داخل إسرائيل أو خارجها. فقد كانت الخلافات بينه وبين نتنياهو تحتل عناوين وسائل الإعلام الإسرائيلية حتى من قبل هجوم حماس في 7 أكتوبر2023. والأهم من ذلك أن التوقعات بإقالة غالانت أخذت في التصاعد منذ منتصف سبتمبر 2024، والتي رافقها تكهنات بإمكانية حلول جدعون ساعر محل غالانت2. إلا أنها أثارت العديد من التساؤلات، من قبيل؛ لماذا اتخذ نتنياهو قراره بإقالة غالانت في مثل هذا التوقيت ورغم أن إسرائيل تشن عدوانًا واسع النطاق على غزة ولبنان تحديدًا وتحتاج إلى شخصية عسكرية بخبرة غالانت؟، ولماذا لم يخش نتنياهو من احتمال مواجهة مظاهرات عارمة ضد قراره كما حدث في شهر مارس 2023 عندما أطاح بغالانت من منصبه لأول مرة (على خلفية رفض غالانت لخطة التعديلات القضائية) واضطر بعدها بأسبوعين فقط للتراجع عن قرار الإقالة بعد أن كاد قراره يتسبب في حرب أهلية؟، وكيف سيؤثر هذا القرار على إدارة حروب إسرائيل المتعددة الجبهات في الوقت الحالي؟3. أولًا: أسباب إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت: فسر نتنياهو، في بيان مصور بثه في 5 نوفمبر 2024، الأسباب التي دفعته لإقالة غالانت، بقوله: “للأسف، خلال الأشهر القليلة الماضية، تبددت الثقة بيني وبين وزير الدفاع. واكتشفت ثغرات كبيرة في إدارة الحرب، وكانت هذه الثغرات مصحوبة بتصريحات وأفعال تتعارض مع قرارات الحكومة والكابينيت (المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية). وأشار نتنياهو إلى أنه قام بمحاولات عديدة لسد هذه الفجوات، لكنها اتسعت. وأضاف: “ووصلت إلى معرفة الجمهور بطريقة غير مقبولة، والأسوأ من ذلك، عرف بها العدو. وسعد أعداؤنا بذلك، واستفادوا منه كثيرًا. إن أزمة الثقة التي اتسعت بيني وبين وزير الدفاع أصبحت معروفة من الجميع، وهذه الأزمة لا تسمح باستمرار إدارة الحرب بشكل سليم”. وذكر نتنياهو أنه كتب في رسالة الإقالة التي بعث بها إلى غالانت أن ولاية هذا الأخير وزيراً للدفاع ستنتهي في غضون 48 ساعة4. يشير بيان نتنياهو إلي أن إقالة غالانت ليست مرتبطة بمعيار الكفاءة العسكرية ومسألة اقتراب أو ابتعاد إسرائيل عن تحقيق الإنجازات في حربي غزة وجنوب لبنان، وإنما هناك أزمة ثقة بين غالانت ونتنياهو، وخلاف سياسي عميق بين الرجلين بانت معالمه حينما اعترض وزير الدفاع المقال على التعديلات القضائية قبل أكثر من عام ونصف العام5. ولتتصاعد هذه الخلافات عقب هجوم حماس علي غلاف غزة في أكتوبر 2023 في ظل التعارض بينهما حول أولويات أهداف الحرب علي غزة وكيفية إدارتها. وقد كشف غالانت عن بعض هذه الخلافات في تعليقه علي قرار إقالته، في كلمة في 5 نوفمبر 2024، مشيرًا إلي أن هذه الإقالة تأتي نتيجة خلافات بشأن ثلاث قضايا، هي: الإعفاء من التجنيد لشبان اليهود الحريديم (المتشددون دينيًا)، حيث أشار إلي أن “كل من هو في سن التجنيد يجب أن يلتحق بالجيش، وأن علي الجميع في إسرائيل أن يؤدي الخدمة العسكرية”، في إشارة إلى اليهود المتدينين الذين كانوا معفيين من الخدمة الإلزامية إلى أن أنهت المحكمة العليا هذا الإعفاء في يونيو 2024. وأشار إلى أن الخلاف الثاني يتعلق بإصراره على إعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة بأسرع ما يمكن، “وهذا هدف يمكن تحقيقه بقدر من التنازلات وبعضها مؤلم”. وقال إن الخلاف الثالث يتعلق بإصراره على وجوب تشكيل هيئة تحقيق رسمية في ما حدث بعد 7 أكتوبر 20236. وخلال لقاء عقده مع عائلات المخطوفين الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، في 7 نوفمبر 2024، قال غالانت، إن الاعتبارات التي تحكم التوصل إلى اتفاق تبادل أسرى ليست عسكرية، ولا سياسية، وشدد على أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هو وحده من يقرر بشأن ذلك، كما لفت إلى أن البقاء في محور فيلادلفيا الحدودي بين مصر وقطاع غزة لم يكن ضروريًا، وأن الجيش الإسرائيلي كان في وسعه العودة إلى هناك، بعد إبرام اتفاق. وجاء في بيان صادر عن غالانت أنه التقى عائلات مخطوفين، قبل تركه المنصب بساعات معدودة، لإطلاعهم على تفاصيل المفاوضات التي جرت في شهر يوليو الماضي، والتي تضمنت بندًا يقضي بالإفراج عن المخطوفين، حتى قبل انتهاء القتال. وبحسب مصادر مقربة من غالانت، هو الذي طلب عقد اللقاء لتبليغ العائلات أنه والمؤسسة الأمنية ​​يعتقدان أن شروط صفقة التبادل أصبحت جاهزة. وعلى حد قوله، هناك بند في الاقتراح الذي قدمته حركة حماس يوم 3 يوليو، يتضمن إطلاق سراح المخطوفين، حتى قبل نهاية الحرب. وقال غالانت للعائلات إنه غير متفائل حيال إمكان الافراج عن ذويهم. وأعرب عن خشيته من البقاء في قطاع غزة، مضيفًا أنه تم تحقيق معظم الأهداف العسكرية. ورأى أيضًا أنه لا يوجد أي داع أمني لاستمرار السيطرة على محور فيلادلفيا، وأشار إلى أن موقفه هذا لم يحظ بتأييد “الكابينيت”، وبقي في موقف الأقلية. وأضاف: “ما كان ليحدث شيء لو خرجنا من محور فيلادلفيا مدة 42 يومًا لإعادة المخطوفين إلى ديارهم، ويمكننا العودة إليه، حتى بعد الانسحاب، أما المخطوفون الذين فقدناهم، فلا يمكن إعادتهم”. وفي ختام اللقاء، أكد غالانت أن الجيش الإسرائيلي أنهى مهمته العسكرية في قطاع غزة، وما فعله الجيش في لبنان وغزة وأماكن أُخرى جعل إسرائيل أقوى، ولم يعد هناك قادة للأعداء لأن إسرائيل قضت عليهم جميعًا. وأضاف: “لقد حققنا إنجازات سيكون من المستحيل تكرارها، نحن أقوياء الآن، ولن نكون أقوى. هناك أشياء لا تجلبها القوة، وما علينا إلا عقد صفقة تبادل، والأمر الآن في يد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وجميع العوامل الأُخرى ثانوية”7. وتتمثل أبرز القضايا الخلافية بين نتنياهو وغالانت فيما يلي: 1- التعديلات القضائية: تسببت حملة “التعديلات القضائية” في البنية القانونية لإسرائيل التي خاضها الائتلاف الحكومي اليميني برئاسة بنيامين نتنياهو، أو “الانقلاب القضائي” وفقًا لتوصيف معارضيه، وما ترتب عنها من حملة مواجهة واسعة من المعارضة الإسرائيلية والتيار العلماني المسيطر على المؤسسات الرسمية الإسرائيلية خاصة الأمن والجيش، إلى دخول إسرائيل في موجة واسعة من الاحتجاجات على التعديلات التي بدأ الائتلاف في تطبيقها، ووجدوا فيها تهديدًا جوهريًا لتركيبة الدولة والفصل الدقيق بين السلطات. وقد عكست الأزمة السياسية نفسها على الجيش الإسرائيلي، وبعض المستويات في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ونشأ عنها ما عُرف بموجة “رفض الخدمة”، في مواجهة التعديلات القضائية للائتلاف الحكومي. توقع نتنياهو من وزيره (غالانت) أن يكون حاسمًا في وجه موجة الاعتراضات داخل جيش الاحتلال، ومنسجمًا مع توجهات الائتلاف الحكومي، وبرنامج التغيير الذي يقوده حزب “الليكود”، إلا أن موقف غالانت جاء مغايرًا. حيث عبر غالانت عن موقف رافض لاستمرار برنامج الائتلاف الحكومي علنًا، وطالب بتعليق العمل بخطة التعديلات القضائية، عادًا أن الاستمرار فيه…

تابع القراءة

السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسـطينية بعد عودة دونالد ترمب: المحددات والأبعاد

فاز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أُجريت في 5 نوفمبر 2024، متقدمًا بفارق كبير على منافسته كامالا هاريس، نائبة الرئيس جو بايدن، وحصل على 312 صوتًا في المجمع الانتخابي بنسبة 50.2%، مقابل 226 صوتًا في المجمع الانتخابي بنسبة 48.1% لحساب هاريس1. وتأتي عودة ترامب إلى البيت الأبيض مجددًا (بعد ولايته الأولي 2016-2020) والشرق الأوسط في حالة أسوأ مما كان عليه؛ فالمنطقة تعايش حربًا إسرائيلية علي غزة تجاوزت عامها الأول في أكتوبر الماضي، وهي الحرب التي ظهرت آثارها على امتداد الشرق الأوسط ككل (في لبنان واليمن والعراق وسوريا)، لتصبح المنطقة على وشك الانفجار، لاسيما إذا قررت إيران وإسرائيل تجاوز كافة المحاذير والدخول في حرب إقليمية واسعة النطاق. هذه المعطيات تثير تساؤلات معقدة حول مستقبل حرب غزة في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة؛ فالحرب كانت واحدة من الملفات الرئيسية التي طرحها ترمب خلال حملته الانتخابية، وتعهد في أكثر من مناسبة بأنه سوف ينهي الحرب حال عودته إلى البيت الأبيض، ولكن مع ذلك لا تزال ثمة شكوك مطروحة حول رؤية ترمب بشأن إنهاء الحرب، وخاصة أن الوعود التي قدمها كانت شديدة العمومية وخالية من التفاصيل والخطوات المحددة، كما أنها جاءت في سياق انتخابي جعل من حرب غزة مجرد ورقة انتخابية يوظفها ترمب في الضغط على الديمقراطيين، وتقويض فرصهم الانتخابية2. أولًا: محددات السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية بعد عودة ترمب: تتمثل أبرز محددات السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية بعد عودة دونالد ترامب إلي رئاسة الولايات المتحدة فيما يلي: 1- السمات الشخصية لترامب: يتفق خبراء النظم السياسية على أن الفروق الفردية بين القيادات العليا أمر لا يجوز تغافله في أي نظام سياسي، لكن طبيعة النظام السياسي (مؤسسي أو شبه مؤسسي أو استبدادي) هي التي تحدد مساحة الفراغ الذي تملأه الفروق الفردية، فكلما طغى وزن البنية المؤسسية ضاقت المساحة أمام بروز الفروق الفردية والعكس صحيح. ودون مواربة، فإن النظام السياسي الأمريكي هو نظام مؤسسي في ملامحه الرئيسية، مما يجعل الفروق الفردية بين قادة النظام تنحصر في السياسات التكتيكية التنفيذية لا في الرؤى الاستراتيجية، ففي الشرق الأوسط تولى الرئاسة منذ هزيمة 1967 أحد عشر رئيسًا منهم 5 ديموقراطيين و6 جمهوريين، وكلهم وعدوا في تصريحات رسمية وفي مؤتمرات دولية “بتسوية عادلة للقضية الفلسطينية”، ولم يتم تنفيذ أي من هذه الوعود. أما في مجال استخدام “الفيتو” ضد إدانة إسرائيل فتم استخدامه بين 1972 (أول استخدام أمريكي للفيتو لصالح إسرائيل زمن الجمهوري ريتشارد نيكسون) و2024 ما مجموعه 45 مرة، منها 33 مرة زمن الجمهوريين و12 مرة زمن الديموقراطيين، كان آخر 3 منها زمن الديموقراطي جو بايدن، وبالمقارنة فإن الولايات المتحدة استخدمت الفيتو في مختلف قضايا العالم 89 مرة منها أكثر من 50% دفاعًا عن إسرائيل، ولعل هذه المؤشرات كافية لتأكيد ضعف البعد الفردي أمام ثقل المؤسسة، فالسياسة الخارجية الأمريكية ديموقراطية أو جمهورية هي ذاتها من حيث الجوهر، واستقرارها في التوجه نفسه هو مؤشر على محدودية دور الفرد3. وبالرغم من هذا البناء المؤسسي القوي لمنظومة الدولة الأمريكية، إلا أن قراءة شخصية ترامب تبدو أمرًا مهمًا في توجيه السياسة الأمريكية للسنوات القادمة؛ لأن هذه الشخصية تسعى بطبيعتها لفرض نفسها ورؤيتها ولا تعبأ كثيرًا بالعمل المؤسسي. وقراءتنا لشخصيته تستفيد من استخلاصنا لسلوكه السياسي وتجربته في الحكم (2016-2020)، ومما كُتب ونُشر عنه، مثل دراسة البروفيسور دان مارك آدمز “حالة دونالد ترامب الغريبة: دراسة نفسية”، وكتاب “الخوف” الذي ألفه بوب وودوارد حول شخصية ترامب وغيرها، وفيما يلي أبرز معالم شخصيته4: 2- تجربة ترامب السابقة في الحكم: خلال فترته الرئاسية الأولى (2016-2020)، كان لترامب سجل حافل من الدعم للاحتلال الإسرائيلي، وفيما يلي نظرة على سياساته تجاه إسرائيل خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى: 3- تصريحات ترمب بشأن الحرب علي غزة: يكشف تحليل خطاب دونالد ترمب بشأن الحرب علي غزة عن عدد من الملامح الرئيسية: أما بخصوص الحرب الإسرائيلية على لبنان، فقد اكتسبت في تصريحات ترمب بعدًا شخصيًا، فابنته الصغرى، تيفاني، تزوجت في عام 2022 من مايكل بولس، وهو أمريكي لبناني، نجل مسعد بولس، الذي هاجر في شبابه إلى الولايات المتحدة. وشارك مسعد بولس في الحملة الانتخابية لترمب، وقام بدور كبير مع الجالية العربية في ولاية ميشيغان. وأشار ترمب إلى أنه تحدث مع مسعد بولس عن كيفية إنهاء الحرب في لبنان19. وفي إطار حديثه إلى الجالية اللبنانية في الولايات المتحدة قبيل الانتخابات، قال ترمب، على منصة إكس يوم 30 أكتوبر 2024: “يستحق أصدقاؤكم وعائلاتكم في لبنان العيش في سلام وازدهار، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط”، وطالب الجالية اللبنانية بالتصويت لصالحه من أجل السلام20. 4- نتائج الانتخابات الأمريكية: فاز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية بفارق كبير على منافسته كامالا هاريس، وحصل على 312 صوتًا في المجمع الانتخابي بنسبة 50.2%، مقابل 226 صوتًا في المجمع الانتخابي بنسبة 48.1% لحساب هاريس. كذلك فاز ترمب بالتصويت الشعبي، بفارق أكثر من خمسة ملايين صوت (علي عكس المرة السابقة في عام 2016 عندما فازت هيلاري كلينتون بالتصويت الشعبي فيما فاز ترمب في المجمع الانتخابي) ما يمنحه شرعية كاملة كقائد منتخب بشكل ديمقراطي. كما حصل ترمب على جميع أصوات الولايات السبع المتأرجحة (بنسلفانيا، وميشيجان، وويسكونسن، وكارولينا الشمالية، وجورجيا، ونيفادا، وأريزونا بواقع 93 صوتًا). فيما تمكن حزبه (الحزب الجمهوري) من تحقيق أغلبية في مجلس الشيوخ (53 مقعدًا من أصل 100 مقعد)، كما حصل الحزب على أغلبية مجلس النواب (218 مقعد من أصل 435 مقعدًا هي العدد الكلي للنواب)21. ما يعني أن ترمب سيعمل بحرية كاملة لتطبيق سياساته، وضمنها السياسات الخارجية للولايات المتحدة، مع التشديد على الشرق الأوسط، وطبعًا العلاقات مع إسرائيل. كما أن ترمب سيكون أكثر تحررًا من جميع الضغوط السياسية خلال ولايته الثانية (باعتبارها الولاية الأخيرة له)22. كذلك فإن ترمب يحمل في عنقه دفع فواتير لأقطاب اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وعلى رأسهم المليارديرة الصهيونية الأميركية مريم أديلسون التي تبرعت بنحو 100 مليون دولار لحملة ترامب في الانتخابات الأخيرة23. وفي المقابل، يري البعض أن الانتخابات الأمريكية الأخيرة قد عكست بعض المظاهر الإيجابية لصالح القضية الفلسطينية. فقد كان للصوت العربي والمسلم تأثيرًا في الانتخابات الأمريكية، حيث يبلغ عدد الناخبين العرب والمسلمين 2.5 مليون ناخب أمريكي من أصل 244 مليونًا، وعلى الرغم من أن تصويت الجالية العربية والإسلامية بالعادة لا يكون مهمًا في العملية الانتخابية، فإن الصوت العربي والمسلم تمتع بحضور مهم في الانتخابات الأخيرة، إذ أظهر المرشحان اهتمامًا بأصوات الجالية العربية والمسلمة، وسعى كل منهما إلى استمالة أصواتهم الانتخابية بتقديم وعود خاصة بهم، وقد أثرت أصوات الجالية العربية والمسلمة في تمكين ترمب من الفوز بإحدى الولايات المتأرجحة (ولاية ميشيغان)، بعد قرار جزء كبير من مكونات الجالية بعدم التصويت لهاريس، وكذلك مقاطعة قوائم الديمقراطيين؛ لمعاقبة إدارة بايدن على دعم الحرب…

تابع القراءة

استخدام السفن الإسـ.ـرائيلية للموانئ المصرية:

المبررات والانتقادات أثار استخدام السفن الإسرائيلية للموانئ المصرية، سواء عبر الرسو أو المرور في ميناء الإسكندرية وقناة السويس، حالة من الانقسام والسجال المحتدم داخل الرأي العام المصري بين الغاضبين من هذا المشهد والمبررين له من الموالين لنظام عبد الفتاح السيسي. وذلك عقب ما أشارت إليه منظمات دولية وسلطات دول مختلفة بأن سفينة “كاثرين” الألمانية – تحمل من بين ما تحمل مواد متفجرة لصالح شركة سلاح إسرائيلية – توقفت في ميناء الإسكندرية، وأفرغت حمولة لصالح السلطات المصرية، برغم رفض العديد من الدول السماح لها بالرسو في موانئها، لأسباب تتعلق في معظمها بالتعاطف مع القضية الفلسطينية1. وبينما كان الجدل لايزال محتدمًا داخل مصر حول رسو سفينة “كاثرين” في ميناء الإسكندرية، إذ ظهر مقطع فيديو تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي قبل يُظهر عبور سفينة حربية عليها أفراد يرتدون زيًا عسكريًا، ترفع علمي مصر وإسرائيل من قناة السويس. المقطع المتداول ذيل بأصوات عدد من المواطنين المصريين المتواجدين مصادفة في أثناء عبور السفينة، والذين عبروا عن غضبهم إزاء هذا المشهد الفاضح، مستخدمين عبارات تحمل الإساءة للسلطات الحاكمة وتعكس حالة الاحتقان جراء موقف القاهرة المخزي والسماح بمرور سفينة حربية لدعم جيش الاحتلال في الوقت الذي تُشن فيه حرب إبادة مكتملة الأركان ضد الفلسطينيين واللبنانيين منذ أكثر من عام2. أولًا: استخدام السفن الإسرائيلية للموانئ المصرية في ظل حرب غزة: قالت منظمة العفو الدولية، إن الحكومة المصرية سمحت لـ”إم في كاثرين” التي ترفع العلم الألماني، والتي يُعتقد أنها تحمل متفجرات متجهة إلى إسرائيل، بالرسو والتفريغ في ميناء الإسكندرية، في 28 أكتوبر 2024، على الرغم من خطر أن تساهم هذه الشحنة في ارتكاب جرائم حرب في غزة. وتابعت المنظمة: “يحظر القانون الدولي الإنساني على الدول نقل الأسلحة إلى طرف في نزاع مسلح حيث يوجد خطر قد يسهم في ارتكاب جرائم حرب/ انتهاكات للقانون الدولي الإنساني. ويجب على مصر ألا تساعد أو تسهل هذا النقل غير القانوني”3. كما أعلنت حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) عن رسو سفينة “كاثرين”، المحملة بمواد متفجرة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، في ميناء الإسكندرية المصري، بعد رفض دول عديدة استقبالها، من بينها مالطا وناميبيا وأنغولا. وقالت الحركة، في بيان، إن السفينة المتجهة إلى دولة الاحتلال رست في ميناء الإسكندرية، في 28 أكتوبر 2024، فيما يبدو أنها فرغت حمولتها، في انعطافة خطيرة وغير متوقعة في مسار السفينة، نظرًا لرفض بعض الدول استقبالها، كونها تحمل شحنة عسكرية في طريقها لتغذية آلة الحرب الإسرائيلية في حربها الإبادية في قطاع غزة. وأضافت الحركة أن رسو السفينة في الإسكندرية يثير تساؤلات حول أسباب السماح لها، وهي تنقل شحنة تُستخدم في التصنيع العسكري الإسرائيلي، بالدخول إلى الموانئ المصرية، في وقت تتزايد الضغوط الدولية لمنع تدفق السلاح؛ الذي يسهم في الإبادة الجماعية ضد 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة المحاصر. وتساءلت الحركة: “لماذا يُسمح لسفينة محملة بمواد عسكرية لدعم دولة الاحتلال باستخدام المياه والموانئ المصرية، في خطوة قد تضع السلطات المصرية تحت طائلة المسؤولية القانونية المباشرة، بحسب اتفاقية منع ومعاقبة الإبادة الجماعية؟ فضلًا عن تعارض ذلك مع الموقف الرسمي المعلن، والموقف الشعبي المصري العارم، ضد الحرب الإسرائيلية في غزة”. وتابعت أن تفريغ الشحنة المحظورة دوليًا في مصر يتعارض مع القرارات والمواثيق الدولية، التي تدعو جميع الدول إلى الامتناع عن توفير أي نوع من الدعم للجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، إذ تلزم الالتزامات الدولية، وفقًا لاتفاقيات مثل ميثاق روما، مصر باعتبارها دولة شقيقة ومجاورة بـ”تجنب أي شراكة غير مباشرة قد تُستخدم في دعم الجرائم الإبادية الإسرائيلية”. وتشير المعلومات الواردة على موقع ميناء الإسكندرية، الذي يراقب حركة السفن والملاحة، إلى أن شركة المكتب المصري للاستشارات البحرية (EMCO)، هي التي كانت مسؤولة عن استقبال السفينة “كاثرين”، وتفريغ شحنتها الحربية. كما لوحظ إشراف الشركة نفسها على انطلاق سفينة أخرى في اليوم ذاته، متجهة إلى ميناء أشدود الإسرائيلي، ما يدعو للتساؤل حول العلاقة التي تربط الشركة المصرية بمشغلي السفينة المحملة بالمتفجرات. وطالبت حركة المقاطعة (BDS)، بالضغط على الجهات المسؤولة من أجل فتح تحقيق في ما إذا تم تيسير وصول الشحنات المحملة بالأسلحة والمتفجرات، والمتجهة لإسرائيل، عبر أراض ومياه مصرية. وجددت حركة المقاطعة دعوتها جميع الدول بشأن الالتزام بقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بفرض حظر عسكري على إسرائيل، كما دعت إلى الضغط الشعبي من أجل قطع جميع العلاقات معها. كذلك، دعت الحركة النقابات العمالية والمهنية، بما فيها نقابات عمال النقل والشحن، بالانضمام إلى مئات النقابيين الذين يساهمون بعزلة نظام الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي، وذلك بالامتناع عن المشاركة في نقل السلاح4. وكان محامون معنيون بحقوق الإنسان قدموا التماسا إلى القضاء في برلين من أجل منع شحنة من المتفجرات العسكرية تزن 150 طنًا تحملها سفينة الشحن الألمانية “إم.في كاثرين”، والتي يقولون إنها ستسلم إلى أكبر شركات توريد المواد الدفاعية في إسرائيل. وقال مركز الدعم القانوني الأوروبي، في 30 أكتوبر 2024، إن الدعوى أقيمت بالوكالة عن ثلاثة فلسطينيين من غزة استنادًا إلى أن شحنة المتفجرات من نوع “آر.دي.إكس” يمكن إدخالها في الذخائر المستخدمة في حرب إسرائيل على غزة، مما قد يساهم في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقالت شركة “لوبيكا مارين” الألمانية، التي تملك “إم.في.كاثرين” إن السفينة “لم يكن مقررًا لها أبدًا التوقف في أي من موانئ إسرائيل” وإنها كانت متجهة في الأصل إلى مدينة “بار” بجمهورية الجبل الأسود. وقال مركز الدعم القانوني الأوروبي إن الشحنة كانت متجهة إلى شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وهي وحدة تابعة لشركة “إلبيت سيستمز” التي تعد أكبر مورد للمواد الدفاعية في إسرائيل. وذكر مركز الدعم القانوني أن السفينة “إم في كاثرين” مُنعت من الدخول إلى عدة موانئ أفريقية وأخرى مطلة على البحر المتوسط، بما في ذلك في أنجولا وسلوفينيا والجبل الأسود ومالطا. وأضاف أن السلطات البرتغالية طلبت في الآونة الأخيرة من السفينة رفع العلم الألماني بدلًا من البرتغالي5. وكانت حركة المقاطعة (BDS) قالت، في بيان، في 15 أكتوبر 2024، أنه نتيجة لضغوط حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) وشركائها المستمرة، حظرت حكومة مالطا سفينة “كاثرين” من الدخول إلى مياهها. وكانت السفينة، التي ترفع علم البرتغال، والمحملة بثماني حاويات من المواد المتفجرة التي تستخدم لتصنيع القنابل شديدة الانفجار، قد انطلقت من فيتنام متجهة إلى العدو الإسرائيلي لتغذية الإبادة ضد 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة المحتل والمحاصر. وسبق أن طالبت الحكومة البرتغالية السفينة بإزالة علم بلادها، وذلك بعد التحقيق الذي أجرته الحكومة بشأنها نتيجة الضغط الشعبي والنقابي، بينما لم تتمكن “كاثرين” من الرسو في أفريقيا الجنوبية، بالذات ناميبيا وأنغولا، التي لم تمنح دولها السفينة حق الرسو في موانئها. ولم تتمكن سفينة “كاثرين” من الرسو في أي ميناء، بفضل جهود ضغط متواصلة من نشطاء ونقابات وحركات شعبية من دول مختلفة لعرقلة مسارها، والتي شملت حملات ضغط متنوعة في ماليزيا ومونتينيغرو وسلوفينيا وغيرها. وفي السياق…

تابع القراءة

استقبال مصر سفينة المتـ.ـفجرات “كاثرين”

ومرور البوارج الحـ.ـربية الإسـ.ـرائيلية بقناة السويس.. دلالات وتداعيات في الوقت الذي يدين الكثير من الفاعلين السياسيين الدوليين الممارسات الاسرائيلية، ضد الشعب الفلسطيني، والتي ترقى لجرئم الإبادة الجماعية.. وهو ما تتصاعد إزاء الجهود المدنية والسياسية الدولية، لوقف حرب الإبادة الصهيونية ضد الفلسطينيين ، وسط دعاوى دولية لمنع تصدير الأسلحة لإسرائيل، سمحت مصر -الجار الأقرب لفلسطين والوسيط بين الجانبين- في تناقض تام مع الموقف الرسمي المعلن، بتمرير شحنة أسلحة متفجرات ومواد حربية موجهة إلى إسرائيل، بعد استقبال ميناء الاسكندرية، للسفينة الألمانية، التي كانت تحمل العلم البرتغالي، وهو ما تحركت ضدها لشبونة، وأنزلته، قانونيا، وسط استغراب عالمي من الموقف المصري، الذي كان بامكانه على الأقل الاعتذار عن استقبال السفينة، تمسكا بالقوانين والمواثيق الدولية التي يمكن التمترس بها، لرفض دخول السفينة المياة المصرية.. وعلى إثر انكشاف الموقف المصري، سارع نظام السيسي للتمترس بالنفي والبيانات الرسمية، مؤكدا انحيازه للقضية الفلسطينية .. اذ أعلن المتحدث الرسمي للجيش أن مصر لا تساعد إسرائيل في عملياتها، ضد الفلسطينيين.. وهي اجابة مستغربة، اذ تعد الاجابة الخطأ عن السوال الصواب!!! إذ طالب المجتمع المصري بقواه الحية من نشطاء وسياسيين وأحزاب وصحفيين، بتقديم إجابة واضحة عن استقبال السفينة، وهو ما لم ترد عليه التصريحات الرسمية العسكرية والسياسية، بل آثرت الهروب من التساؤلات، بلاعلان عن عدمدعم العمليات الحربية الاسرائيلية ضد غزة!!! وهو موقف ، غير واضح للعيان، إذ لم يتهمأحد النظام ببذلك أساسا، وإن كان يتمبشكل غير مباشر، عبر الصمت عن الانتهاكات الصهيونية على حدود مصر واستهداف جنود مصريين على الحدود والتمركز على محور فلادليفيا، بشكل غير قانوني، وهو ما فاقم صدمة الشعب من حكومته المتمترسة بالأكاذيب.. ثم جاءت الصدمة الثانية، بعد نشر نشطاء ومراقبون صورا لبارجة حربية إسرائيلية، تمر من قناة السويس، وهو ما ردت عليه حكومة السيسي، بأنها لا تستطيع منعها، التزاما باتفاقية القسطنطنية، الموقعة في العام 1888… وهو ما أثار غضب الجميع، الذين طالبوا النظام، الذي يتمسك باتفاقية لم توقعها مصر الحديثة، بأن تتمسك بنفس القوانين، وترفض استقبال كارثرين بميناء الاسكندرية…!! الاستعراض التالي ، يحاول الوقوف على تفاصيل الأزمة، لقراءة دلالاتها وتداعياتها على المشهد السياسي المصري والفلسطيني والعربي.. أولا: أزمة كاثرين في مصر: جاءت بدايات الأزمة، مع اعلان“حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)”، الأربعاء 30 أكتوبر الماضي، ، عن رسو سفينة “كاثرين”، المحمّلة بمواد متفجرة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، في ميناء الإسكندرية المصري، بعد رفض دول عديدة استقبالها، من بينها مالطا وناميبيا وأنجولا. وكانت جهود الحركة قد أجبرت عدة دول على رفض استقبال السفينة، كالبرتغال وناميبيا ومالطا.. وقالت الحركة، في بيان، إن السفينة المتجهة إلى دولة الاحتلال رست في ميناء الإسكندرية، مساء الاثنين 28 أكتوبر، فيما يبدو أنها فرغت حمولتها، في انعطافة خطيرة وغير متوقعة في مسار السفينة، نظراً لرفض بعض الدول استقبالها، كونها تحمل شحنة عسكرية في طريقها لتغذية آلة الحرب الإسرائيلية في حرب الإبادة في قطاع غزة. وأضافت الحركة أن رسو السفينة في الإسكندرية يثير تساؤلات حول أسباب السماح لها، وهي تنقل شحنة تُستخدم في التصنيع العسكري الإسرائيلي، بالدخول إلى الموانئ المصرية، في وقت تتزايد الضغوط الدولية لمنع تدفق السلاح؛ الذي يسهم في الإبادة الجماعية ضد 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة المحاصر. وتساءلت الحركة: “لماذا يُسمح لسفينة محملة بمواد عسكرية لدعم دولة الاحتلال باستخدام المياه والموانئ المصرية، في خطوة قد تضع السلطات المصرية تحت طائلة المسؤولية القانونية المباشرة، بحسب اتفاقية منع ومعاقبة الإبادة الجماعية؟ فضلاً عن تعارض ذلك مع الموقف الرسمي المعلن، والموقف الشعبي المصري العارم، ضد الحرب الإسرائيلية في غزة”. ومن جانبها أشارت بيانات مجموعة بورصة لندن وموقع تتبع السفن “مارين ترافيك” إلى أن السفينة “إم في كاترين” شوهدت آخر مرة في الإسكندرية. بينما ذكر موقع ميناء الإسكندرية أنه تم تفريغ معدات عسكرية من السفينة، لصالح هيئة الانتاج الحربي، مضيفا أنه من المقرر أن تغادر السفينة الميناء في الخامس من نوفمبر… وكانت منظمة العفو الدولية ، قد قالت في بداية أكتوبر الماضي، إنه يجب على سلوفينيا والجبل الأسود أن يمنعا السفينة ذاتها، التي ترفع العلم البرتغالي-آنذاك- ويُعتقد أنها تحمل متفجرات متجهة إلى إسرائيل، من أن ترسو في موانئهما، نظرا للخطر الواضح بأن “تساهم مثل هذه الشحنة في ارتكاب جرائم حرب في غزة”.. تفاصيل الواقعة والتباساتها: 1-استقبال وتفريغ السفينة بميناء الاسكندرية: وتشير المعلومات الواردة على موقع ميناء الإسكندرية، الذي يراقب حركة السفن والملاحة، إلى أن شركة “المكتب المصري للاستشارات البحرية (EMCO)”، هي التي كانت مسؤولة عن استقبال السفينة “كاثرين”، وتفريغ شحنتها الحربية. كما لوحظ إشراف الشركة نفسها على انطلاق سفينة أخرى في اليوم ذاته، متجهة إلى ميناء أشدود الإسرائيلي، ما يدعو للتساؤل حول العلاقة التي تربط الشركة المصرية بمشغلي السفينة المحمّلة بالمتفجرات. وأظهرت صور أقمار اصطناعية عالية الجودة، الأربعاء 30 أكتوبر الماضي، موقع السفينة كاثرين راسية في ميناء الإسكندرية، كما تظهر الصور الملتقطة للسفينة أثناء إفراغ حمولتها في الرصيف الحربي للميناء. 2-تضارب الروايات المصرية وتناقضاتها: وبدأت قضية السفينة كاثرين حينما رست في ميناء الإسكندرية في 28 أكتوبر الماضي، وهي ترفع العلم الألماني، وكان يشتبه في أنها تحمل شحنة من المواد المتفجرة، كما كان من المتوقع أن تتوجه لاحقاً إلى ميناء أسدود الإسرائيلي. ونفى أول رد فعل مصري رسمي ما شاع من أن مصر استقبلت سفينة متفجرات متجهة إلى إسرائيل، نفياً تاماً للواقعة برمتها، أذاعته قناة القاهرة الإخبارية منسوباً إلى مصدر رفيع المستوى. أعقب ذلك صدور بيان للمتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، من دون إشارة إلى السفينة كاثرين وفيه “تنفي القوات المسلحة المصرية بشكل قاطع ما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي والحسابات المشبوهة وما يتم ترويجه من مساعدة إسرائيل في عملياتها العسكرية جملة وتفصيلاً، وتؤكد أنه لا يوجد أي شكل من أشكال التعاون مع إسرائيل”. وبعد دقائق صدر بيان لوزارة النقل يثبت وجود السفينة كاثرين في ميناء الإسكندرية، لكنه ينفي أن تكون متجهة إلى إسرائيل، بل إلى تركيا، وقال إن حمولتها تخص وزارة الإنتاج الحربي. 3-بلاغ للنائب العام: وكان محامون وحقوقيون قد تقدّموا ببلاغات للنائب العام يطالبون فيها الحكومة بالإفصاح عن حقيقة موقفها تجاه السفينة كاثرين “المشبوهة”، ويسألون عن سبب استقبالها في الإسكندرية؟ ورغم هجوم إعلاميين ولجان إلكترونية مؤيدة للنظام على مثيري القضية، أثبتت البيانات الرسمية صحّة معلومات متداولة، منها أن مصر استقبلت بالفعل السفينة كاثرين بحسب بيانات وزارة النقل وموقع ميناء الإسكندرية المحجوب لاحقاً. كما أثبت البيان الرسمي أن السفينة محمّلة بمواد تخص وزارة الإنتاج الحربي. 3- تفاعل وغضب شعبي: وأثارت الحادثة تفاعلاً كبيراً من وسائل الإعلام وحركات المقاطعة العالمية، مثل حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، التي ذكرت أن السفينة كاثرين كانت تتجه نحو إسرائيل، محملة بمواد تستخدم لأغراض عسكرية، ووصفت هذه الشحنة بأنها تساهم في التصعيد الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين. وأثارت الشركة البحرية المصرية “إيمكو”، التي أشرفت على…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022