الموقف الليبي من سقوط نظام الأسد في سوريا: المحددات والأبعاد

أطلقت فصائل المعارضة السورية بقيادة “هيئة تحرير الشام” من محافظة إدلب، في 27 نوفمبر 2024، عملية عسكرية “ردع العدوان” ضد نظام الرئيس بشار الأسد. استمر تقدم الفصائل المعارضة بوتيرة متسارعة، حيث سيطرت علي مدينة حلب بالكامل في 30 نوفمبر، التي تعد ثاني أكبر المدن السورية. وفي 5 ديسمبر تمكنت المعارضة من السيطرة على مدينة حماة، التي تعد عقدة استراتيجية تربط الشمال بالجنوب. التطور الأكثر إثارة حدث يوم 6 ديسمبر، عندما سيطرت المعارضة على محافظة درعا، مهد الثورة السورية. هذا السقوط السريع لدرعا أدي إلي انتقال المعارك إلى الجنوب، بعد أن كان التركيز منصبًا على وسط البلاد وشمالها. وفي 8 ديسمبر، جاءت اللحظة المفصلية عندما أعلنت المعارضة سيطرتها على العاصمة دمشق، بما في ذلك المؤسسات الحيوية مثل وزارة الداخلية ومبنى التلفزيون الرسمي. ومن هناك، بثت المعارضة بيانها الأول معلنة انتصارها وسقوط النظام، بينما تداولت الأنباء عن هروب بشار الأسد إلى وجهة مجهولة (أصبحت معلومة فيما بعد وهي روسيا). وكانت هذه النهاية بمثابة مفاجأة للعديد من الأطراف، حيث إنه رغم سنوات من الحرب، لم تكن هناك توقعات بأن ينهار النظام بهذه السرعة وفي فترة زمنية قصيرة نسبيًا1. ومما لاشك فيه فإن سقوط نظام الأسد في سوريا سيكون له تداعيات كبيرة علي باقي دول المنطقة العربية والشرق أوسطية، وفي القلب منها ليبيا، لا سيما في ظل تشابه الحالة السورية مع الحالة الليبية. حيث تتخبط الفصائل الليبية منذ سنوات عدة في حالة جمود سياسي حال في الغالب دون نشوب صراع كبير في البلاد، لكنه اعتمد إلى حد بعيد على تفاهم بين روسيا وتركيا اللتين تنتشر قواتهما العسكرية بشكل كبير على الأراضي الليبية. وقد يؤثر سقوط الأسد على هذا التوازن الهش، من خلال تغيير المواقف الاستراتيجية لكل من هاتين القوتين في المنطقة، وبخاصة من خلال قيام موسكو بنقل المقاتلين والأسلحة من سوريا إلى ليبيا2. أولًا: العلاقات الليبية السورية قبل سقوط نظام الأسد: في أعقاب ثورات الربيع العربي عام 2011، وبالتحديد عقب الثورة الليبية في فبراير 2011 والثورة السورية في مارس من نفس العام، سعت فصائل المعارضة المسلحة المتعاطفة مع بعضها البعض في ليبيا وسوريا إلى تعميق علاقاتها الاستراتيجية. فعلى سبيل المثال، قدمت السلطات الانتقالية التي تشكلت بعد عام 2011 في ليبيا، الدعم العسكري والمالي للمعارضة السورية المسلحة. وخلال العامين 2012 و2013 تحدثت تقارير دولية عدة عن نقل كميات كبيرة من السلاح الليبي إلى مواقع المعارضة السورية عبر تركيا والأردن، لكن محاولة نقل السلاح عبر لبنان فشلت، وفي أبريل 2012 صادر الجيش اللبناني حمولة ثلاثة مستوعبات من الأسلحة كانت على متن باخرة قادمة من ليبيا ومخصصة للمسلحين السوريين، تم اعتراضها وسوقها إلى مرفأ “سلعاتا” في شمال لبنان، وهي تشمل “رشاشات ثقيلة ومتوسطة وقذائف مدفعية وقذائف وقاذفات آر.بي.جي وكميات من أل.تي.أن.تي وذخائر”3. كما شجع الثوريون في سلطة طرابلس المقاتلين الليبيين المتمردين السابقين على السفر إلى سوريا لمحاربة القوات الموالية لبشار الأسد. ومن بين المجموعات التي سافرت إلي سوريا مجموعة “لواء الأمة”، وهو لواء ذو نزعة إسلامية يقوده “مهدي الحاراتى”، أحد كبار قادة التمرد على معمر القذافي. ولكن كان هذا الدعم لسوريا متقطعًا في الأساس وضعيف التنسيق، ولم يكن فعالًا في إنشاء روابط عسكرية مستدامة بين ليبيا وسوريا4. ومع تصاعد الأزمة السورية واشتداد الصراع المسلح بين نظام الأسد والمعارضة السورية، وبحلول شهر ديسمبر 2013، أصبح تعداد الجالية السورية في ليبيا يُقدر بنحو 100,000 إلى 200,000 شخص، برغم أن عدد المسجلين رسميًا بصفتهم طالبي لجوء من قبل مفوضية الأمم المتحدة للاجئين كان 18,000 فقط. كانت بنغازي وطرابلس (منطقتا سوق الجمعة وجنزور على وجه الخصوص) من بين المجتمعات الرئيسية المستضيفة لأعداد كبيرة من السوريين. وعلى الرغم من أن ظروف النزاع الليبي بعد انتفاضة عام 2011 قد جعلت ليبيا أقل جاذبية لكثير من المهاجرين، إلا أن الهجرة السورية إلى ليبيا (أو عبرها) لم تبلغ ذروتها إلا بعد عام 2013، بعد فرض متطلبات التأشيرة على المواطنين السوريين في شهر يناير من العام. إلا أن العبور لم يتوقف بالكلية، وأجبرت الأنظمة المشددة للتأشيرات على الاعتماد على المهربين. في البداية على الأقل، كانت مصر ممرًا رئيسيًا إلى ليبيا؛ استطاع السوريون الوصول إلى ليبيا بدفع ما يقرب من 500 دولار أمريكي، واستقر كثيرون منهم في بنغازي قرب الحدود المصرية. وبطبيعة الحال كان كثير من السوريين ينظرون إلى ليبيا على أنها نقطة انطلاق إلى أوروبا. وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فقد وصل 10,650 سوريًا إلى السواحل الإيطالية في عام 2013 وحده، وكثير منهم قد أتوا من ليبيا ومصر. وارتفع هذا الرقم في عام 2014 ليصل إلى قرابة 32,681، قبل أن ينخفض انخفاضًا حادًا في عام 2015 ليصل إلى 7,072. وشهدت الأعوام بين 2015-2019 انخفاضًا عامًا في عدد السوريين المسافرين إلى ليبيا نتيجة لقيود التأشيرات أو لاشتداد النزاع. إلا أن إنشاء خطوط الإمداد الروسية والتركية قد خلق بغير قصد البنية التحتية للهجرة السورية إلى ليبيا أو عبرها5. بعد أن عمد اللواء خليفة حفتر إلى توطيد أركان حكمه في شرق ليبيا، عقب صراع دموي على السلطة في مدينة بنغازي امتد من العام 2014 إلى العام 2017، اتجه حفتر في عام 2019 للسيطرة علي العاصمة طرابلس. وقد جاء هذا التوجه مدعومًا من قبل الإمارات ومصر وروسيا. وقد لعبت موسكو دورًا مهمًا في تشجيع وصول حفتر إلى السلطة بدءًا من أوائل العام 2014، عبر مساندة حملته العسكرية في شرق ليبيا، وتوفير الفنيين والمستشارين وتقديم الدعم الاستخباراتي والدعائي، وطباعة الأوراق النقدية لحكومته غير المعترف بها دوليًا. ومع هجوم حفتر على حكومة طرابلس في العام 2019، زادت روسيا تواجدها في ليبيا من خلال نشر آلاف المرتزقة من مجموعة “فاغنر”، وأفراد عسكريين نظاميين، وطائرات، وأنظمة دفاع جوي. كما قامت روسيا بتسهيل وتنسيق استقدام آلاف المقاتلين السوريين الموالين للأسد إلي ليبيا بتفويض من النظام السوري. وفيما فشلت قوات حفتر في السيطرة على السلطة في العاصمة بسبب التدخل العسكري التركي، تكيفت موسكو بسرعة مع الوضع، واحتفظت بالكثير من عناصرها وأسلحتها في قواعد جوية رئيسة (الجفرة وبراك الشاطئ والقرضابیة) بالقرب من منشآت النفط. وبعد مقتل زعیم مرتزقة ” فاغنر” الروسیة، یفغیني بریغوجین في أغسطس العام 2023، لوحظ زیادة النشاط الروسي في المنطقة بهدف إعادة هيكلة الفاغنر لتأهیلها للتوسع مرة أخرى لیس في لیبیا فقط لكن تم توجیهها أیضًا إلی أفریقیا تحت مسمی “الفیلق الأفریقي”، وبذلك تحولت ليبيا وتحديدًا شرقها كقاعدة روسية حيوية لإرسال مقاتلين وإمدادات عسكرية إلى دول منطقة الساحل الأفريقي6. وفي هذا السياق، أكد مسؤول رفيع بوزارة الخارجية الأمريكية، في تصريح لـ”قناة ليبيا الأحرار”، إن نائب وزير الدفاع الروسي زار ليبيا ست مرات منذ أغسطس 2023، مضيفًا أن موسكو تسعى لتوسيع وجودها العسكري في ليبيا منذ وفاة “بريغوجين” بما في ذلك إنشاء بنية تحتية عسكرية دائمة، وأشار المسؤول…

تابع القراءة

النظام المصري والنظام السوري الجديد: مخاوف ومقاربات سياسية

– حسام نادي (محلل سياسي) مع سقوط نظام بشار الأسد وصعود نظام جديد في سوريا، أُعيد رسم خريطة العلاقات الإقليمية، لتثير موجة من التوترات السياسية بين الأنظمة العربية، وعلى رأسها النظام العسكري في مصر. يُظهر النظام العسكري موقفًا مُعارضًا للنظام السوري الجديد، مستندًا إلى مخاوف متشابكة تتعلق بالثورات الإقليمية وتداعياتها المحتملة على الداخل المصري. الخشية من انتقال عدوى الثورة منذ انقلاب 2013، عانى النظام المصري من تراجع اقتصادي حاد واختناق سياسي ألقى بظلاله على الشارع المصري. ومع انهيار نظام الأسد، يُخشى في القاهرة من أن يلهم هذا الحدث قوى في مصر للإطاحة بالنظام. فالنظام السوري الجديد الذي جاء نتيجة ثورة شعبية قد يُنظر إليه كنموذج يُحتذى به بالنسبة للشعوب المقهورة تحت الأنظمة العسكرية أو السلطوية في المنطقة. التاريخ يشهد أن مصر كانت على مدار العقود الماضية بوصلة للثورات العربية، حيث ألهمت انتفاضة 2011 العديد من الشعوب في المنطقة. لذلك، فإن نجاح الثورة السورية وتأسيس نظام جديد قد يشكل زخمًا لحركات المعارضة داخل مصر. في هذا السياق، نجد أن النظام المصري يعتمد بشكل كبير على القمع للحفاظ على استقراره، مما يعزز من قلقه من أي تحول إقليمي يهدد هيمنته. على عكس بعض الدول العربية التي سعت لإعادة بناء العلاقات مع النظام السوري الجديد، يتخذ النظام العسكري موقفًا متحفظًا وأكثر تشددًا. في هذا الصدد، نلاحظ أن دولًا مثل السعودية والإمارات قد أرسلت وفودًا رسمية إلى سوريا في الآونة الأخيرة لإعادة فتح قنوات التعاون، بينما اختارت القاهرة الوقوف على الهامش. هذا التباين في المواقف يعكس اختلاف الأولويات؛ فبينما تسعى دول الخليج لتحقيق مصالحها الاقتصادية، يركز النظام المصري على درء المخاطر السياسية المرتبطة بالثورات. التوازي مع النهج الإسرائيلي يتقاطع الموقف المصري مع التحفظات الإسرائيلية تجاه النظام السوري الجديد. فالاثنان يشتركان في مخاوف تتعلق بإمكانية دعم سوريا الجديدة لقوى المقاومة أو الحركات الإسلامية التي تعادي كلاً من إسرائيل والنظام المصري. هذا التخوف من عودة نفوذ التيار الإسلامي في الإقليم يشكل أحد المحركات الأساسية لسياسات القاهرة ويدفعها إلى اتخاذ إجراءات أكثر تشددًا تجاه سوريا. إجراءات متشددة تجاه النظام الجديد رد فعل النظام المصري لم يقتصر على المواقف السياسية، بل شمل أيضًا إجراءات عملية ضد المواطنين السوريين في مصر. فقد تم فرض قيود صارمة على دخول السوريين إلى البلاد، واعتقال بعض السوريين الذين احتفلوا بسقوط نظام الأسد، وهي خطوة تهدف إلى إرسال رسالة واضحة بأن أي تأييد للثورات أو الأنظمة الجديدة في المنطقة لن يُسمح به داخل مصر. على الجانب الآخر، كانت هناك تقارير دولية تتحدث عن تعرض اللاجئين السوريين في مصر لمضايقات متزايدة، تشمل حملات إعلامية معادية وأحيانًا ترحيلات قسرية. هذه الممارسات تتماشى مع سياسات النظام المصري الساعية إلى تصوير أي حراك شعبي كتهديد للأمن القومي. الإعلام المصري المحسوب على النظام لعب دورًا بارزًا في ترسيخ الصورة السلبية للنظام السوري الجديد. حملة إعلامية شرسة اتهمت النظام الجديد بالتطرف ودعم الإرهاب، وهي اتهامات تهدف إلى نزع الشرعية عنه في أعين الجمهور المصري والدولي على حد سواء. تاريخيًا، يستخدم النظام المصري الإعلام كأداة فعالة لتوجيه الرأي العام. ومن خلال السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام المحلية، يتم تسليط الضوء على المخاطر المفترضة لأي تغيير سياسي في المنطقة، بما في ذلك التحولات في سوريا. زيارات وتحركات عربية ودولية من النظام السوري الجديد في ظل هذه التحولات، قامت بعض الدول العربية بزيارات رسمية إلى سوريا للتواصل مع النظام الجديد. على سبيل المثال، زار وفد سعودي دمشق في يناير 2025، في محاولة لاستكشاف المرحلة الجديدة وبناء علاقات مع القيادة الحالية. هذه الزيارات تعكس رغبة بعض الدول في الانخراط مع النظام السوري الجديد، على الرغم من التحفظات والمخاوف المتعلقة بطبيعة هذا النظام وتوجهاته المستقبلية. من جهة أخرى، نجد أن الإمارات قامت بتقديم مساعدات إنسانية لسوريا، مما يعد جزءًا من دبلوماسية ناعمة تهدف إلى تعزيز نفوذها في المنطقة. هذه التحركات تُظهر أن بعض الأنظمة العربية تسعى للتكيف مع الواقع الجديد بدلًا من مقاومته. على الصعيد الدولي، أبدت الولايات المتحدة اهتمامًا كبيرًا بالتطورات في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. في ديسمبر 2024، عقدت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، باربرا ليف، لقاءً مع القائد العام لإدارة العمليات العسكرية في دمشق، أحمد الشرع. تم خلال اللقاء مناقشة المبادئ التي ترغب واشنطن في تضمينها بعملية الانتقال السياسي في سوريا، مثل الشمول واحترام حقوق الأقليات. بالإضافة إلى ذلك، دعت الولايات المتحدة إلى عملية سياسية شاملة في سوريا بعد سقوط الأسد، مؤكدة على ضرورة حماية الأقليات وضمان الاستقرار في المنطقة. هذا الموقف يعكس رغبة واشنطن في تحقيق انتقال سياسي سلس يحافظ على وحدة سوريا ويمنع انتشار الفوضى. مستقبل العلاقات المصرية–السورية مع استمرار النظام المصري في تبني سياسات قمعية داخلية وخارجية، يبدو أن علاقته بالنظام السوري الجديد ستظل مشوبة بالتوتر. هذا الموقف يعكس في جوهره خوفًا عميقًا من احتمالية تكرار السيناريو السوري داخل مصر. لكن في ظل التحولات الإقليمية والدولية السريعة، قد يجد النظام المصري نفسه مضطرًا إلى تعديل سياساته، خاصة إذا ما بدأ النظام السوري الجديد في تحقيق استقرار داخلي وتعزيز علاقاته الدولية، مما قد يفرض على القاهرة إعادة حساباتها. الموقف المصري من النظام السوري الجديد ليس مجرد تعبير عن سياسة خارجية تقليدية، بل هو انعكاس مباشر للأزمة الداخلية التي يعيشها النظام. وبينما تحاول القاهرة بناء جدران لحماية نظامها، تبقى أسئلة حول مدى قدرتها على الصمود في وجه التحديات الإقليمية قائمة، خاصة في ظل التدهور الاقتصادي الذي يُضعف قبضتها على الداخل.

تابع القراءة

الموقف المصري من سقوط نظام الأسد في سوريا: المحددات والأبعاد

منذ إعلان المعارضة السورية المسلحة عن معركة “ردع العدوان” لإسقاط نظام الأسد، في 27 نوفمبر 2024، وحالة من القلق تخيم على المشهد السياسي العربي عمومًا والمصري خصوصًا، تصاعد هذا القلق الذي مزج بالرعب مع التقدم السريع للمعارضة وسيطرتها على المدن السورية، واحدة تلو الأخرى، في مقابل الانسحاب الفاضح والانهيار المدوي للنظام السوري، والذي توج في النهاية بهروب بشار الأسد خلسة في جنح الليل إلى روسيا، في 8 ديسمبر، إيذانًا بسقوط النظام الحاكم في سوريا. وقد أربكت السرعة التي سقط بها نظام الأسد، والقوة التي بدت عليها المعارضة السورية المسلحة ذات السمت الإسلامي، النظام المصري الذي توهم أنه نجح في القضاء على الثورة المصرية، واستطاع بدعم قوي الثورة المضادة في وأد أي أمل في إحياء هذه الثورة مرة أخرى، ليأتي السوريون ويقلبون الطاولة على رأس هذا النظام. وجسدت تصريحات المسؤولين في القاهرة حالة الرعب التي تربك كافة الحسابات جراء ما حدث في سوريا، حيث الحديث عن القلق من الخلفية الإسلامية للمعارضة السورية وانعكاساتها على مستقبل الدولة، فيما شنت اللجان الإلكترونية التابعة للنظام هجومها المعتاد ضد كل ما هو إسلامي، من خلال حملة ممنهجة هدفها تشويه المعارضة وإلصاق العديد من التهم والانتقادات المضللة بها؛ خوفًا من نقل عدوى الثورة السورية إلي مصر. وهذا ما يفسر خروج السيسي على الملأ محذرًا من السيناريو ذاته، من خلال التشويه المبكر لأي حراك محتمل للشعب المصري، بالحديث عن الخلايا النائمة والعناصر المندسة في صفوف المصريين، متمترس بلجانه الإعلامية، وقيادات منظومته الأمنية، وفي الوقت ذاته محاولًا غسل سمعته من كل اتهام كان سببًا في إشعال الثورة السورية مجددًا وإسقاط نظام الأسد العتيد1. أولًا: الموقف المصري تجاه الأزمة السورية قبل سقوط نظام الأسد: امتازت تجربة العلاقة الثنائية بين سوريا ومصر تاريخيًا بنمط عال من إدارة العلاقة والتفاعلات ذات النسق الواحد إزاء التعاطي مع التحولات الإقليمية والدولية بناءً على ما تحدده المصالح العليا المشتركة والتهديدات التي تمتد على حدود البلدين. وقد فرضت المصالح العليا والتهديدات المشتركة المتمثلة في امتداد “الكيان الصهيوني” على حدودهما وما يشكله ذلك من تهديد مباشر لأمن البلدين القومي، مستوى استراتيجي في نمط العلاقة الثنائية ما بين البلدين على الصعيدين السياسي والأمني. وقد تجسدت هذه الشراكة الاستراتيجية بين مصر وسوريا في قرار الوحدة السياسية بينهما بين عامي 1958و 1961، وخوض عدة حروب ومعارك ضد “الكيان الصهيوني” بإدارة واحدة من جيشهما وبتنسيق سياسي موحد متمثلًا ذلك بحربي عام 1967 وعام 19732. ولكن مسار السياسات المصرية والسورية قد افترق منذ اتفاق فك الاشتباك الأول عام 1974 وما بعدها ليمثل مسارين منفصلين أو ربما متعاكسين للتعبير عن المصالح العربية. وذلك عندما اتخذت مصر طريق السلام مع إسرائيل فيما اتخذت سوريا ما أسمته “الممانعة والمقاومة” ضد إسرائيل. بيد أن عودة مصر إلى الصف العربي في نهاية الثمانينيات قد رسمت مسارًا جديدًا للعلاقة بين البلدين ترافق مع غزو العراق للكويت وما نشأ بعده من تحالف عربي ودولي لتحريرها. حيث عرف النظام الإقليمي العربي منذ مطلع التسعينيات حالة من الاستقرار قامت بالأساس على تفاهمات مصرية – سورية – سعودية ضمنت بموجبها إدارة الاختلافات العربية ضمن هذا المثلث الذي عزز من خفض مستوى التوتر ومنع تفجر الأزمات العربية. ورغم الاختلاف بين مسارات سياسة الدول الثلاثة في المنطقة، كان يوجد حد أدنى من التنسيق في المواقف وخفض احتمالات انفجار النزاعات بالإقليم. ولعل أبرز تجليات هذه المرحلة قد تمثل في الوساطة المصرية خلال عام 1998 لنزع فتيل الأزمة بين سوريا وتركيا والحيلولة دون تطور الصراع إلى صدام مسلح على خلفية اتهام أنقرة لدمشق بإيواء ودعم عناصر “حزب العمال الكردستاني”. بينما وصلت سياسة المثلث العربي إلى طريق مسدود مع تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة خاصة من البوابتين السورية واللبنانية، والذي تجلى إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان وتحميل مصر والسعودية مسؤولية الحرب لحزب الله ووصفها بـ”المغامرة”. حينها تم إعادة فرز المواقف العربية بين محور “اعتدال” تتزعمه السعودية ومصر ومحور “ممانعة” تمثله سوريا مؤيدة بالحليف الإيراني ومؤذنة بالتدخل الإيراني في المنطقة. وبالمثل تدهورت العلاقات بين البلدين – مصر وسوريا – على خلفية الحصار الدولي المفروض على دمشق عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005 وما أعقبه من إجراءات لاتهام النظام السوري بالوقوف خلف جريمة الاغتيال. قبل أن تتحسن جزئيًا مع عودة الدفء الحذر بين السعودية وسوريا خلال قمة جمعت الرئيس الأسد والملك عبد الله في بيروت في يوليو 2010 إيذانًا ببدء صفحة جديدة من العلاقات رغم ما شابها من توتر بسبب اختلاف سياستهما حول لبنان. وفي هذا الإطار لم تكن سياسة مصر الخارجية بعيدة عن التطابق مع السياسة السعودية التي اتخذت موقفًا متشددًا للغاية من سوريا3. ومنذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، وعلى خلاف معظم الدول العربية، لم تتحدد السياسة المصرية تجاه سوريا بتطورات الأزمة فيها، بل كانت الأوضاع الداخلية في مصر وتغيرات الحكم التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية هي الفيصل في تشكيل الموقف السياسي من الأزمة السورية. وهكذا تشكلت في مصر أربعة مواقف سياسية من الأزمة السورية تبعًا لأربع مراحل سياسية مختلفة شهدتها البلاد منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن. 1- مرحلة المجلس العسكري: عندما اندلعت الثورة السورية فعليًا في 18 مارس 2011، كانت مصر في خضم أحداث ثورتها الكبرى التي انتهت مرحلتها الأولى بتنحي مبارك عن السلطة في 11 فبراير 2011 لتتسلم المؤسسة العسكرية تحت قيادة المشير محمد حسين طنطاوي حكم البلاد ريثما تجري الانتخابات. في هذه المرحلة، لم تكن قضايا الخارج تولى اهتمامًا كافيًا لدى القاهرة إلا كتعبير عن حضور مصري في المنظومة العربية، وهكذا كانت المواقف المصرية من الأزمة السورية مواقف عامة4، تركزت بالأساس علي: 1- وحدة الأراضي السورية. 2- الدعوة إلى حل سياسي للأزمة السورية. 3- رفض عسكرة الأزمة/ رفض الحلول العسكرية. 4- سلامة وحماية المصريين في سوريا. 4- إنهاء معاناة السوريين من جراء الصراع5. لكن منذ مطلع أغسطس 2011 طرأت مستجدات أخرى على مستوى الداخل السوري بتصعيد نظام الأسد للعنف ضد المحتجين وعدم الاستجابة لدعوات الإصلاح الداخلية والخارجية، كما ازدادت حدة مواقف القوى الإقليمية والدولية من الأزمة بفعل تدهور الوضع الإنساني داخل سوريا، بالإضافة إلى تصاعد الانتقادات والعقوبات الدولية على النظام السوري ورموزه من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في الوقت نفسه الذى بدت فيه بوادر تحول في الموقف الخليجي من الأزمة. في هذا السياق تبلور الموقف المبدئي المصري بعد فترة طويلة من الصمت، برفض الحلول الأمنية، والتأكيد على ضرورة إيجاد مخرج سياسي يتأسس على حوار وطني يشمل جميع القوى السياسية، والتأكيد على رفض تدويل الأزمة. ويمكن وصف هذا الموقف بأنه الأضعف بين المواقف الإقليمية والدولية في حينه، بل يمكن القول أنه كان رد فعل وإثبات حضور وليس بداية لموقف مبنى على رؤية استراتيجية…

تابع القراءة

موقف إسرائيل من سقوط نظام الأسد في سوريا: المحددات والأبعاد

أطلق تحالف من فصائل المعارضة السورية، يضم “هيئة تحرير الشام” (المعروفة سابقًا بـ”جبهة النصرة”) وعددًا من فصائل الجيش الوطني المدعوم من تركيا، في 27 نوفمبر 2024، عملية عسكرية واسعة تحت اسم “ردع العدوان” ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وأوضحت المعارضة أن العملية جاءت ردًا على استمرار قصف قوات النظام السوري وحلفائه لمناطق سيطرتها في أرياف إدلب، ضمن محاولات النظام استعادة “مناطق خفض التصعيد” التي أُنشئت وفق اتفاقيات “أستانا” التي انطلقت في يناير 2017 برعاية روسية وتركية وإيرانية1. وفي تطور لافت، أعلنت الفصائل السورية المعارضة، في 8 ديسمبر 2024، عن مغادرة رئيس النظام السوري بشار الأسد العاصمة دمشق (هرب هو وعائلته إلى روسيا)، داعية المهجرين في الخارج للعودة إلى سوريا، ومعلنة طي صفحة حكم نظام البعث وآل الأسد في سوريا2. وعقب سقوط نظام الأسد، شنت الطائرات الإسرائيلية، في 9 ديسمبر 2024، سلسلة غارات جوية استهدفت نحو 100 موقع في سوريا. وتزامن ذلك مع إعلان الجيش الإسرائيلي السيطرة على مواقع في “المنطقة العازلة” وقمة جبل الشيخ السوري. وقد أدت هذه الغارات الجوية التي أطلق عليها اسم عملية “حيتس هباشان”، أو “سهم الشام”، إلى تدمير أكثر من 80% من القدرات الاستراتيجية للجيش السوري السابق، بما شمل سلاح الجو والمطارات العسكرية، وسلاح البحرية، ومخازن الصواريخ، ومعامل الأبحاث العسكرية، ومنظومة الدفاع الجوي كاملة3. وقد أثار هذا الهجوم الإسرائيلي علي سوريا عقب سقوط نظام الأسد العديد من التساؤلات، من قبيل؛ لماذا قامت إسرائيل بهذا الهجوم في هذا التوقيت؟ وإلي أي مدي يمكن أن يصل هذا الهجوم الإسرائيلي؟ وما طبيعة رد القوي السياسية الجديدة في سوريا علي هذا الهجوم الإسرائيلي؟ أولًا: السياسة الإسرائيلية تجاه سوريا قبل سقوط نظام الأسد: خلال العقود الأخيرة، نظرت إسرائيل إلي سوريا باعتبارها حجر الأساس في “محور المقاومة” الذي تقوده إيران في الشرق الأوسط. حيث أن سوريا لم تكن فقط حلقة تربط بين طهران وبغداد وغزة وبيروت، وعبرها كان يتدفق السلاح الإيراني إلى حماس وحزب الله، بل أيضًا كانت المبادرة والساعية إلي تشكيل هذا المحور. وقد ظهر ذلك عندما كانت سوريا في مقدمة الدول المتحاربة مع إسرائيل في حرب يونيو 1967 وحرب أكتوبر 1973، كما أقامت سوريا عقب توقيع مصر وإسرائيل اتفاقية السلام في عام 1979 جبهة رفض لهذا السلام مع العراق خلال فترة حكم صدام حسين. لكن إسرائيل فضلت أن تتجاهل الدور السلبي الذي قامت به سوريا في بناء “محور المقاومة” حول إسرائيل؛ نظرًا لالتزام نظام الأسد بحالة التهدئة التي سادت على طول الحدود مع الجولان السوري الذي احتلته إسرائيل منذ حرب 19674. وعندما انطلقت الثورات العربية مطلع عام 2011، أبدت إسرائيل موقفًا واضحًا ضدها وضد أهدافها المطالبة بإسقاط أنظمة الاستبداد والفساد في الدول العربية وإقامة نظم ديمقراطية تحترم حرية المواطن وتقيم العدالة الاجتماعية. وانطلاقًا من المفاهيم المتأصلة في الثقافة السياسية الإسرائيلية، وفي مقدمتها العداء للديمقراطية في الدول العربية والعداء للوحدة العربية وللعمل العربي المشترك، ناصبت إسرائيل – على نحو عام – الثورات العربية وقوى التغيير في الدول العربية العداء. وفي الوقت نفسه دافعت إسرائيل عن أنظمة الاستبداد والفساد، وخاصة تلك التي صنفتها إسرائيل في خانة “الدول المعتدلة” وفي مقدمتها مصر مبارك، وتونس بن علي. ومنذ بدء حركة الاحتجاج في سوريا في مارس 2011 التي سرعان ما تحولت إلى ثورة شعبية، أبدت إسرائيل اهتمامًا كبيرًا بها وبتطورات أحداثها وبإمكانية نجاحها. وقد تأثر الموقف الإسرائيلي من النظام السوري ومن الثورة السورية – المطالبة بإسقاطه – بجملة من المتغيرات والعوامل المختلفة والمتضاربة في بعض الأحيان. فهناك من ناحية العوامل التي تدفع الموقف الإسرائيلي نحو تفضيل إسقاط النظام السوري، وثمة في المقابل عوامل تشد في الاتجاه المعاكس. فقد تمسّك النظام السوري في السنوات الماضية بموقفه الرافض لشروط السلام الإسرائيلية – الأميركية، وظل مصرًا على انسحاب إسرائيل من الجولان إلى حدود الرابع من يونيو 1967. وأقام النظام السوري تحالفًا مع إيران وحزب الله وبعض التنظيمات الفلسطينية، وأصبح هذا التحالف محورًا مهمًا في مناهضة السياسة الإسرائيلية – الأميركية في المنطقة. وعلى الرغم من دخول النظام السوري في العملية السياسية السلمية منذ مؤتمر مدريد عام 1991، ما انفكت إسرائيل تعد النظام السوري عدوًا لها. فهي تميز بين من صنع علاقات سلام معها، مثل مصر والأردن؛ ومن يدعم هذا الخيار، مثل المغرب والسعودية ودول الخليج والسلطة الفلسطينية؛ ومن يرفض قبول الشروط الإسرائيلية – الأميركية. وترى إسرائيل أن من شأن سقوط النظام السوري أن يضع حدًا للمحور الإيراني – السوري المناهض لسياستها في المنطقة، وأن يضعف إيران ويكون ضربة لها في مرحلة حساسة بالنسبة إليها في إطار صراع الدول الغربية وإسرائيل ضدها بشأن ملفها النووي. علاوة على ذلك، يحمل إسقاط النظام السوري بين ثناياه إمكانية تغيير طبيعة علاقات سورية مع حزب الله وفك التحالف بينهما، وهو ما من شأنه إضعاف حزب الله في لبنان5. ولكن من ناحية أخرى، وعلى الرغم من كل ذلك، وعلى الرغم من أن إسرائيل عدت النظام السوري عدوًا، إلا أنها في الوقت نفسه تعده عدوًا مريحًا نسبيًا – منذ توقيعه اتفاقية فصل القوات ووقف إطلاق النار في عام 1974- للأسباب التالية: وعلى الرغم من سياسة “الغموض”، وعدم الوضوح، التي تبنتها الحكومة الإسرائيلية تجاه الثورة السورية وتطور أحداثها في سنتها الأولى إلا أنه يمكن استخلاص جملة من الأمور بشأن الموقف الإسرائيلي منها: أ- لقد فضلت إسرائيل منذ البداية عدم استجابة النظام السوري لمطالب الثورة السورية المنادية بالحرية والديمقراطية، لأن إسرائيل رأت أن إقامة نظام ديمقراطي في سورية تمثل تغييرًا استراتيجيًا في المنطقة، وتحمل بين ثناياها – على المديين المتوسط والبعيد – النهوض بسورية وتعزيز قدراتها ومكانتها ودورها في المنطقة، ما يزيد من إمكانياتها في مواجهة إسرائيل والتصدي لها ولسياستها العدوانية. ب- لقد فضلت إسرائيل أن لا تحقق الثورة أهدافها بسرعة، وأن يمتد أمد الثورة، وكذلك أمد قدرة النظام على الاستمرار في البطش بالثورة وبالشعب السوري أطول فترة ممكنة، من أجل استنزاف النظام السوري والدولة السورية وإضعافهما، وإنهاك الشعب السوري. فإسرائيل تتعامل مع سورية الدولة والنظام والثورة كعدو، وتعد من مصلحتها إضعاف سورية وإطالة أمد الصراع فيها أطول فترة ممكنة7. حيث لا يزال نظام الأسد والمعارضة يعلنان تمسكهما بتحرير الجولان من الاحتلال الإسرائيلي، ومن ثم فإن انشغال كليهما بالحرب ضد الآخر سيعني تلقائيًا استبعاد أي تهديد لسيادة إسرائيل على الجولان في المدى المنظور، خاصة وأن القانون الدولي لا يعترف بضم إسرائيل للمنطقة، وهو ما سيعطي شرعية دولية لمطالبة أي نظام سوري باستردادها سلميًا، أو عبر الكفاح المسلح كأداة مشروعة ضد الاحتلال8. ج- هناك خشية في إسرائيل من ضمور قوة سلطة النظام السوري المركزية وحدوث تآكل وضعف في قوته عمومًا، وهو ما قد يؤثر في قدرة النظام على الحفاظ على الهدوء في جبهة الجولان. فقد يشكل ضعف السلطة المركزية وعدم قدرتها على…

تابع القراءة

إعلان الاتفاق الصومالي الأثيوبي.. خسارة مصرية ونجاح لسياسة تركيا الإقليمية

إعلان الاتفاق الصومالي الأثيوبي.. خسارة مصرية ونجاح لسياسة تركيا الإقليمية بعدعقود من التوتر والتصعيد المتبادل في العلاقات بين الصومال واثيوبيا ، جاء الاعلان عن اتفاق تعاون بين الصومال واثثيوبيا، مؤخرا، ليثير المزيد من الاستغراب والدهشة، بين المراقبين.. وجاء الإعلان عن دور وساطة تركية بين الجانبين، لامتصاص التوترات الاقليمية بينهما في منطقة بالغة الحساسية حيث الصراعات والأطماع في منطقة القرن الافريقي… اذ تستهدف اثيوبيا الوصول إلى سواحل البحر الأحمر، لأهداف اقتصادية وعسكرية، وذلك عبر توقيع اتفاق ثنائي مع أرض الصومال، غير المعترف به، وهو ما قابلته الصومال بغضب واستنكار شديد، مهددة بالتصعيد العسكري لضمان وحدة الأراضي الصومالية، وحينها دخلت مصر على خط الأزمة، معلنة دعمها السياسي والعسكري لجمهورية الصومال الفيدرالية، وأرسلت معدات عسكريو وجنود، متعهدة باحلال 10 آلاف من جنودها ، بدءا من العام الجديد، ضمن قوة حفظ السلام الدولية في الصومال..بديلا للقوت الاثيوبية العاملة في الصومال.. ويقضي الاتفاق بين اثيوبيا وأرض الصومال، بحصول إثيوبيا على مساحة 20 كيلومترا في محيط ميناء بربرة الصومالي على البحر الأحمر لمدة 50 عاما، مقابل الاعتراف بجمهورية أرض الصومال وحصولها على حصّة من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية، وهو الاتفاق الذي قُوبل حينها بردود فعل غاضبة سواء من دول الجوار أو من القاهرة أو من الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وحظي الاتفاق بين إثيوبيا والصومال، الذي أعلن عنه في أنقرة، بترحيب دولي وأميركي خاص، إذ جاء بعد أشهر من التوترات المتصاعدة في منطقة القرن الأفريقي، بعدما أثار سعي إثيوبيا للحصول على منفذ بحري عبر أرض الصومال (صوماليلاند) أزمة في علاقات أديس أبابا مع مقديشو. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الخميس 12 ديسمبر الجاري، أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا في ختام مفاوضات جرت بوساطته إلى اتفاق “تاريخي” ينهي التوترات بين البلدين الجارين، قائلا إنه يأمل أن يكون هذا “الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون” بين الجانبين. نص التفاهم الصومالي ـ الإثيوبي وبحسب نص الاتفاق، فقد توافق الطرفان على “التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك“. واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر الأحمر “موثوقا به وآمنا ومستداما (…) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية“. وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان، قبل نهاية فبراير المقبل، محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما “من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا“. وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة، الأربعاء 11 ديسمبر ، لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ في يونيو وأغسطس الماضيين. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو. وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد: “لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي.. إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر“، مضيفا أن المفاوضات مع نظيره الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين “بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا“. بدوره، قال الرئيس الصومالي، إنّ اتفاق أنقرة “وضع حدا للخلاف” بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده “مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي“. جذورالخلاف الاثيوبي الصومالي الأخير: تعود جذور الخلاف الأخير، بين إثيوبيا والصومال إلى مطلع العام الجاري، حين أبرمت إثيوبيا، الدولة المغلقة بدون منافذ بحرية، اتفاقا مع منطقة أرض الصومال الانفصالية. ونص الاتفاق على استئجار أديس أبابا منطقة على الساحل لإنشاء ميناء وقاعدة عسكرية، مقابل الاعتراف بأرض الصومال. وتكمن حساسية القضية في أن أرض الصومال، التي تقع في الطرف الشمالي الغربي من الصومال، أعلنت استقلالها من جانب واحد عام 1991 دون اعتراف دولي، حتى الآن، إلا من اثيوبيا مؤخرا.. وتعتبر الصومال، وهي جمهورية فدرالية تضم خمس ولايات تتمتع بحكم شبه ذاتي، أن الاتفاق يشكل تعدياً على سيادتها وسلامة أراضيها. الدور التركي: وعززت تركيا، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع إثيوبيا والصومال، دورها في القرن الأفريقي عقب اندلاع أزمة “صوماليلاند“. وترجم هذا الدور التركي المتنامي إلى خطوات عملية، كان أبرزها توقيع اتفاقية إطار للتعاون الدفاعي والاقتصادي مع الصومال في فبراير 2024 تمتد لعشر سنوات. وتشمل الاتفاقية جوانب عسكرية واقتصادية متعددة، من بينها التعاون في حماية السواحل الصومالية وتطوير القدرات البحرية. وفي يوليو 2024، وافق البرلمان التركي على نشر قوات تركية في المياه الإقليمية الصومالية لمدة عامين. كما برز دور تركيا كوسيط إقليمي في المناقشات الرامية إلى حل الخلافات بين الجانبين، وشرعت في رعاية مفاوضات منتصف العام الجاري. وفي الجانب الاقتصادي، بدأت أنقرة  أعمال التنقيب عن النفط والغاز في المياه الصومالية، حيث وصلت السفينة “عروج ريس” إلى ساحل مقديشو للتنقيب في ثلاث مناطق محددة، تبلغ مساحة كل منها 5 آلاف كيلومتر مربع. وتستند الشراكة مع الصومال إلى تعاون ممتد منذ نحو عشرين عاما، شمل مشاريع تنموية متنوعة مثل بناء مطار مقديشو ومركز تدريب عسكري ومستشفى ومدارس. وبالرغم من التقارب الكبير مع الصومال، تتمتع تركيا بعلاقات وطيدة مع إثيوبيا أيضا، وفقا لمعهد “المجلس الأطلسي“، الذي أشار إلى أن تركيا باعت طائرات مسيرة لإثيوبيا كجزء من شبكة علاقاتها العسكرية والاقتصادية الممتدة في المنطقة. وتأتي تحركات تركيا في القرن الأفريقي في إطار استراتيجية تركية أوسع في القارة الأفريقية، حيث أصبحت رابع أكبر مزود للأسلحة إلى منطقة جنوب الصحراء الكبرى، وفقا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وعلى الصعيد الاقتصادي، تعزز تركيا موقعها في القارة الأفريقية، من خلال مشاريع البنية التحتية الضخمة، من بينها مشروع تطوير السكك الحديد في تنزانيا بقيمة 6.5 مليارات دولار. وتجاوزت قيمة المعاملات التجارية بين تركيا والدول الأفريقية 40 مليار دولار في عام 2022، فيما تسيّر الخطوط الجوية التركية رحلات إلى نحو خمسين وجهة في القارة. ةضن=من المسر المتقدم لتركيا بالقارة الافريقية، اعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، منتصف ديسمبر الجاري أنه سيزور إثيوبيا والصومال “خلال أول شهرين من العام المقبل، وذلك بعد توقيع البلدين اتفاقا بشأن الخلافات المستمرة بينهما منذ فترة طويلة. ونقلت وكالة أنباء الأناضول قول إردوغان: “سأزور إثيوبيا والصومال في أول شهرين من العام المقبل، وسنعلن هذه الخطوة التي اتخذناها للعالم كله“، في إشارة إلى تفاصيل الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أنقرة. وأضاف الرئيس التركي خلال كلمة ألقاها خلال ملتقى شبابي في ولاية أرضروم (شرقي تركيا )، إن مساحة إثيوبيا تبلغ ضعف مساحة الصومال تقريبا، لكنها مغلقة أمام البحر ولا تستطيع الوصول إليه وهذا “يزعج سلطاتها بشدة“….

تابع القراءة

علاقة الدولة بالمجتمع في مصر بين نموذجي الشركة والمستعمرة

ما شكل العلاقة بين السلطة والمجتمع الذي يسعى النظام إلى تحقيقها في مصر؟ بداية فقد انهار العقد الاجتماعي الحاكم للعلاقة بين الدولة والمجتمع، الذي كان سائدا منذ خمسينات القرن العشرين وحتى نهاية عهد الرئيس الأسبق مبارك، وكان قائما -بشكل مختصر- على التزام الطاعة والعزوف عن المجال السياسي مقابل حد أدنى من الحياة المستقرة، والأسعار التي في المتناول. مع اندلاع ثورة يناير وما تلاها، لم يتم استعادة العقد الاجتماعي الذي كان سائدًا، فيما لم يولد عقد اجتماعي جديد. ومن هنا يكتسب التساؤل عن العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع في ظل حكم السيسي شرعيته. الدولة الشركة: أشار محمد نعيم في مقالاته، إلى بعض التجارب التي ظهرت فيها نماذج الحكم الشبيهة بالشركة، ومنها، النموذج الصيني في القرن الـ 19 ولمدة 70 سنة؛ لما سيطرت على شواطئها قوى استعمارية أوروبية وأمريكية، كانت معنية فقط بالشواطئ لحماية تجارتها، بالتعاون مع السلطات الصينية، التي كانت لها السلطة الصورية على هذه الموانئ، التي تديرها قوى عمل محلية وأجنبية بالتشارك. دون أن تورط القوى الاستعمارية نفسها مسئولية ملايين الصينيين، الذين تحكمهم السلطات المحلية بالحديد والنار. يقوم هذا النموذج على حماية الاستثمارات، والحفاظ على استمرار السوق وانتعاشه، دون تحمل أية مسئولية اجتماعية أو تنموية تجاه المجتمع، الذي يتحول إلى ملف أمني موكول إلى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، ويصبح القمع والإرهاب والتهجير هي آليات التعامل معه1. في نموذج الاجتماع السياسي الخليجي الذي يشبه الشركة، لدينا ثلاث مكونات رئيسية، تمثل الهيكل الرئيسي للمجتمع هناك؛ المكون الأول؛ المواطنين، وهي قياسًا إلى إجمالي السكان أقلية محظوظة. المكون الثاني: العمالة الوافدة، وهي غالبية السكان في هذه المجتمعات، لكن لأنها وافدة؛ فهي لا تتمتع بأية حقوق سياسية أو تنظيمية أو نقابية، رغم أنها من تنتج القيمة أو تدفع عجلة الإنتاج. المكون الثالث: نخبة الحكم أو الأسر الحاكمة2. لذلك تنظر هذه الممالك لإسرائيل نظرة إكبار وإعجاب؛ لما تتمتع به الأخيرة من قدرة متميزة على ضبط السكان الفلسطينيين، وإبقائهم تحت السيطرة؛ فهي تحاول الاستفادة من القدرات الإسرائيلية على الضبط عبر استيرادها وتطبيقها على جحافل العمالة الوافدة. إن الدولة في الممالك الصغيرة للخليج العربي، هي أقرب شبها للشركة منها للدولة، إذ السلطة مجلس إدارة لهذه الشركة، والمواطنين هم حملة الأسهم، أما غالبية المغتربين فهي العمالة الرخيصة المحرومة من أية حقوق مهما طالت مدة خدمتها، والدولة هنا توزع فائض الربح على الأقلية من حاملي الأسهم، وتحرص على إحكام السيطرة الأمنية على العمالة الجرارة. حيث تقوم علاقة السلطة في الخليج بالمجتمع هناك بشقيه، المواطنين والعمالة الوافدة، على مسارين؛ الأول: المسار السياسي، الثاني: مسار توزيع عوائد ريع المواد الخام على المواطنين، وبعض الفتات على العمالة الوافدة. مع التأكيد أن هذا النموذج ينطبق بشكل أساسي على الممالك الخليجية الصغيرة3. والدولة الشركة في علاقتها بالعمالة تشبه إلى حد بعيد علاقة إسرائيل بمواطنيها اليهود وبالفلسطينيين4. الدولة المعسكر: منطق المعسكر يختلف عن التعامل مع المجتمع بمنطق السوق، في الأخير، يتم تقييم السكان وفق قيمتهم السوقية؛ فيتم دمج ذوي القيمة في النظام الربحي القائم، فيما يتم التخلص من الفائض السكاني قليل القيمة من الناحية الاقتصادية، على أن يتم التعامل معه باعتباره تهديد أمني. أما المعسكر، على الرغم من التكدير والإهانة والقسوة، وتبني قواعد “الحذر واجب، وتعدد الآراء بلبلة، والكذب دهاء، والسيئة تعُم والحسنة تخص، وليس كل شيء يُعرف5“، تبقى السلطة التي تدير المعسكر مسؤولة عمن فيه، معنية ببقائه للاحتفاظ بسلطتها عليه. نموذج المعسكر هو نمذوج استبدادي، عنيف وقمعي، لكنه يضمن الحد الأدنى من الحياة لرعاياه؛ على الرغم من الهرمية الصارمة، والفروق الطبقية الصارخة. لكن يبقى نموذج المعسكر يتشابه مع معسكر الاعتقال في كونه، يتعامل مع السكان باعتبارهم مجرد مادة بيولوجية يتم تشكيلها بما يحقق مصالح السلطة؛ إذ هو فضاء محكوم بالأحكام العرفية وحالة الاستثناء؛ فهو فضاء يعلق فيه القانون، يعامل فيه السكان باعتبارهم حياة عارية، حيث يتم “التعامل مع مجموعة كاملة من السكان المدنيين من خلال تمديد حالة الاستثناء”؛ وهو “يشكّل أيضاً أقصى درجات السياسة الحيوية التي عرفناها على الإطلاق، حيّزاً لا تواجه فيه السلطة إلا الحياة البيولوجية مجرّدةً” الخاتمة… مصر بين نموذجي الشركة والمعسكر: يبدو أن نموذج الحكم الذي تسعى السلطة السياسية إلى توطينه في مصر، هو نموذج الدولة الشركة؛ إذ يرى “نعيم” أن الحكومة هنا تحالفت مع أصحاب رؤوس أموال، على حماية استثماراتهم، في العقارات داخل القاهرة، أو المدن الساحلية، كما في رأس الحكمة ورأس جميلة، على أن يتم التعامل مع المجتمع نفسه كملف أمني وفقط؛ خاصة بعد أن أصبح الإنفاق على الخدمات المقدمة للمجتمع من قبل الحكومة بات شبه مستحيل، بعد أن باتت الديون وفوائدها وأقساطها تلتهم أي إيراد. في حين يتم التعامل مع جموع السكان باعتبارهم ملف أمنى؛ إذ تطلق سلطات أجهزة الأمن من كل قيد، وتستبعد كل القيود التي يمكن أن تحول دون ذلك. 1 محمد نعيم، رسالة إلى تافه وأخرى إلى جربوع، المنصة، 24 أكتوبر 2024، في: https://almanassa.com/stories/20051 2 محمد نعيم، خلجنة مصر وبنغلة الأفندية، المنصة، 27 يوليو 2023، شوهد في: 19 أكتوبر 2024، في: https://tinyurl.com/22u4yzaj 3 محمد نعيم، خلجنة مصر وبنغلة الأفندية، المنصة. 4 محمد نعيم، إسرائيل كزعامة عربية وشقيقة كبرى، المنصة، 2 فبراير 2020، شوهد في: 19 أكتوبر 2024، في: https://tinyurl.com/28afmt8o 5 حكيم عبد النعيم، حتى لا نتحول إلى حالة ميئوس منها في محاولة التمييز بين سخرية المقاومة وسخرية التهدئة، المنصة، 30 يوليو 2023، في: https://manassa.news/stories/12381

تابع القراءة

الديمقراطية عند مفكري أوروبا قراءة في نصوص مختارة

وجود دولة حديثة قوية ومستقرة وفاعلة، مدمجة في المجتمع، ولديها قدرة عالية على الوصول للموارد شرط ضروري لبناء نظام سياسي ديمقراطي. كذلك يعد وجود مجتمع مدني نشط وفاعل، وتصورات واضحة، تحظى باعتراف شعبي واسع، بخصوص منظومة قيم حقوق الإنسان، تعد أيضًا شروط ضرورية لبناء علاقة الدولة بالمجتمع على أساس ديمقراطي؛ بالتالي يصعب الحديث عن تحول ديمقراطي في المنطقة العربية، دون الأخذ في الاعتبار هذه الاشتراطات اللازمة والضرورية. ولعل ذلك يفسر فشل محاولات التحول الديمقراطي عقب الاحتجاجات العربية في نهايات 2010، وبدايات 2011، وكذلك الموجة الثانية من الاحتجاجات في 2019. وهي المحاولات التي لم تنتهي فقط بالفشل، بل في أحيان أخرى، انزلقت تلك المجتمعات إلى عتبات الحروب الأهلية وانهيار الدولة. لعل صعوبة الديمقراطية تكمن في احتياجها لكل هذا الشروط القبلية، ليس هذا فقط، إنما تظل على الرغم من ذلك يتهددها جملة من التحديات أثناء التطبيق، وهو ما نستعرض في هذه السطور، إذ نتناول المخاوف التي تهدد الديمقراطية كما يراها عدد من المفكرين الأوروبيين، والمقترحات التي قدموها لحماية الديمقراطية. الديمقراطية المؤسسة على الفردانية عند جون ستيوارت مل: يرى1 جون ستيوارت مل أن الألم والمتعة هما المحدد للسلوك الإنساني، إلا أنه يرى أن اللذة أوسع من مجرد اللذة الحسية المباشرة، إذ هناك متع عليا، عقلانية وروحانية كـ “الفنون، الفلسفة”؛ أما لما يحتاج الإنسان إلى متع عليا؛ فلأن لديه قيم تدفعه للبحث عن هذه المتع؛ فالإنسان ليس مجرد حيوان ناطق. والسعادة تتحقق عند ستيوارت مل إذا كانت حياة الإنسان ذات متع وبدون آلام، وبقدرته على الوصول إلى المتع العليا، حتى وإن كلفت آلاما أو تنازلات عن متع أدنى. المتعة والألم مشاعر فردية، بالتالي أية منظومة رشيدة، تستلزم حماية الفردانية، وحماية الفردانية تستلزم بدورها حماية الحرية. كما أن الفردانية تستلزم بالضرورة قيمة التسامح؛ والتسامح أن تقبل المختلف مهما تيقنت من خطأ مواقفه واختياراته، وأهمية التسامح؛ أنه يحمي المجتمع من السقوط في منحدر الحرب الأهلية؛ إذ تفتح الفردانية المجال أمام تنوع واسع ويكاد يكون لا نهائي. المجتمع الأمثل لتحقيق اللذة وتقليص الألم عند “ستيوارت مل” هو المجتمع المؤسس على الفردانية؛ الذي يضمن للأفراد حرية البحث عن السعادة؛ ومطاردة اللذة والفرار من الألم. بما أن أما النظام الأمثل عند “مل” فهو الذي يفتح المجال لتحقيق أقصى متعة وأقل ألم، للعدد الأكبر من البشر، والنظام الأقدر على تحقيق ذلك هو المجتمع الليبرالي الديمقراطي؛ لأنه النظام الوحيد المكون من المحكومين أنفسهم؛ بالتالي لن يتبنوا سياسية تتعارض مع متعتهم أو تقودهم إلى الألم؛ فإن يحكم الشعب نفسه هو الضمانة الوحيدة لحفظ حقوقه؛ لأن حكم الفرد وإن كان عادل، يظل يعني أن حرية الأفراد مرتهنة بموقف السلطة الحاكمة؛ فالحكم الاستبدادي يعني انصياع وخضوع المحكوم للحاكم، وتسليمهم زمام أمرهم ما يفقدهم فاعليتهم واستقلاليتهم. ويرجح “مل” الديمقراطية التمثيلية على الديمقراطية المباشرة؛ جراء أعداد المواطنين الكبيرة، وصعوبة إن لم يكن استحالة جمعهم في مكان واحد، ولصعوبات الانتقال، وصعوبة مشاركة الجميع في صنع القرار، والخوف من ذوبان ذوي الكفاءة في الجموع؛ لكل ذلك يرجح مل الديمقراطية التمثيلية. في الأخير، تبقى ديمقراطية “مل” منقوصة؛ لأنه قدم ذوي الخبرة والكفاءة وهم ذوي الدخل الأعلى على غيرهم؛ لكنه لتقليص هذا التناقض؛ جعل سلطة الحكم التنفيذية ذات طبيعة كفؤة وبيروقراطية لكنه فتح المجال للبرلمان/ممثل الجموع الرقابة على الحكومة النخبوية الضيقة. الديمقراطية عند ماكس فيبر: أعرب ستيوارت “مل” عن خوفه على الديمقراطية من ديكتاتورية الأغلبية؛ لذلك أكد على الفردانية والحريات الفردية. في حين يشترك ماكس فيبر مع ستيوارت مل؛ في خوفهم على الديمقراطية من بيروقراطية الدولة، لذلك شدد “مل” على أهمية المشاركة السياسية والرقابة على الحكومة. أما “فيبر” فقد تركزت مخاوفه على التهديدات القادمة من الجهاز الحكومي ونخب الحكم، من البيروقراطية2 والتكنوقراطية3 والأوليغارشية4. والديمقراطية لدى فيبر هي الضمانة التي تمنع تحول السلطة إلى ممارسة متخصصة محتكرة من قبل المتخصصين وكبار البيروقراطيين؛ فالديمقراطية لدى فيبر تحقق “التوازن ما بين القوّة والحق،ّ السلطة والقانون، حُكم الخبراء والسيادة الشعبيّة5“. والترجمة الرئيسية للديمقراطية هي مؤسسة البرلمان، وترجع أهميته المركزية لدى فيبر؛ لكونه يحول دون هيمنة البيروقراطية والأوليغارشية؛ من خلال الآليات الرقابية، والمساءلة. يعتقد فيبر أن فاعلية السلطة السياسية مرهونة بقلة عدد القائمين بالحكم؛ ما يعطيهم فاعلية أعلى وقدرة أكبر على المناورة، بالتالي من الصعب مشاركة الجماهير في صنع السياسة، لكن يمكنهم القيام بأدوار رقابية، من خلال البرلمان، الذي يكفل أيضًا درجة من النفوذ والوصول إلى الحكومة، ويمثل حيّز تجربة، قوامه النقاش البرلماني ومهارات الخطابة المطلوبة للإقناع لدى مرشحي المناصب القيادية، يطرحوا مواقفهم ورؤاهم، ويحشدون رأياً عاماً لصالحهم و ليقدموا برامجهم السياسية، وهو كذلك فرصة للتفاوض ما بين المواقف المتضادّة6. على الرغم من مخاوف ماكس فيبر من التهديد الذي تمثله البيروقراطية على الديمقراطية، وخوفه من وقوع سلطة الدولة في ديكتاتورية الموظفين، إلا أنه أكد على أهمية البيروقراطية ومركزيتها؛ إذ هي بمثابة العقلانية وقد تم مأسستها؛ إذ العقلانية لدى فيبر هي “مدّ المنطق التقني ليشمل مساحات أوسع من فضاء الحياة”، وهي أيضًا أن يلعب العلم والتكنولوجيا أدواراً أكثر أساسيّة في الحياة، وهي كل الأشكال التنظيمية القائمة على العقلنة، وتشمل “الدولة والشركات والصناعة والنقابات والأحزاب والجامعات”، فهي مؤسسات تنفيذية، تقنية، متخصصة، تتولى تنفيذ السياسات، مستندة إلى ما تمتلك من تخصصات ومهارات. ولعل رفض ماكس فيبر للحلول الاشتراكية؛ يقرأ باعتباره تخوفًا من التأثيرات سلبية للحلول الاشتراكية على الديمقراطية؛ فإن “إلغاء الرأسماليّة الخاصة يؤدي لهيمنة البيروقراطيّة على القرار الأعلى في الشركات المستملَكة والمؤمَّمة، كما أنّ إلغاء السوق يعني خسارة ثقل مضاد لهيمنة الدولة7“. في طرح ماكس فيبر يحاول الوصول إلى نقطة اتزان بين بيروقراطية الدولة وممارسة الديمقراطية؛ بشكل يضمن فاعلية واستقرار البيروقراطية، دون أن يحرم المجتمع من حقه في مساءلة السلطة والرقابة عليها. نقد ماركس للديمقراطية الليبرالية: الدولة -في حد ذاتها- في تصور ماركس، منحازة لمن يملك، ففي البيان الشيوعي «السلطة التنفيذية في الدولة الحديثة ليست إلا لجنة تُدير القضايا المشتركة لكل البرجوازية». فالدولة ليست تعبيرا عن الإرادة العامة، إنما “جسم طفيلي على المجتمع المدني”، تنسق الحياة السياسية، حسب مصالح الطبقة المهيمنة من المجتمع، فهي “تابعةٌ لمن يمتلك ويسيطر على وسائل الإنتاج”؛ إذ أن سياساتها العامة يجب أن تتناسب مع أهداف الصناعيين والتجار على المدى الطويل؛ فهي تخدم مصالح الطبقة الاقتصادية المهيمنة بشكل مباشر. لكنه يعود ويؤكد أن الدولة تظل على الرغم من ذلك تظل “مصدرٌ مستقل للفعل السياسي في آنٍ معاً”، وتمتلك درجة من الاستقلالية عن المجتمع، وحتى في علاقتها بالبرجوازية هي لا ترتهن لكل قطاعات البرجوازية، إنما هي ترتبط بمن يمتلك الاقتصاد؛ فالعلاقة داخل الطبقة البرجوازية ليست علاقة تعاونية بالضرورة، إنما هي تنافسية في كثير من الأحيان، بالتالي تبعية الدولة ليست للطبقة البرجوازية، إنما للشرائح الأقوى فيها. لذلك يرى ماركس أن قيام حكومة ديمقراطية في مجتمع…

تابع القراءة

فشل التحديث والتحول الديمقراطي في مجتمعاتنا

يقودنا الحديث عن الاستبداد العربي، وفشل محاولات التحول نحو الديمقراطية، وعدم بروز مجتمع مدني فاعل وقوي، وهامشية منظومة حقوق الإنسان، يحيل كل ذلك إلى الحديث عن دور الدين والبنى الثقافية والتراثية العربية، وكيف أنها ترسخ كل القيم والتصورات المناهضة للتنوير، بحسب الرؤية الاستشراقية عن الاستثناء العربي، ويمثل الخطاب الإسلامي أبرز الشواهد المستخدمة في التدليل على صحة هذا التفسير. كما يقودنا ذلك للحديث عن التفسيرات (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية) والتي يغلب عليها اللون اليساري، الذي يربط بين غلبة الاستبداد وفشل محاولات التحديث وبين أنماط الإنتاج التقليدية. وهناك كذلك التفسير الذي يربط فشل محاولات التحديث بالدور الذي تلعبه قوى الاستعمار ومن بعدها منطق الهيمنة في الاستبقاء على المنطقة في علاقة تبعية للمركز الرأسمالي. هذه التفسيرات تفترض أن المشكلة تعود إلى تقليديتنا وفشلنا في توطين التحديث في مجتمعاتنا، وهو ما يبدو متناقضا مع حداثة مؤسسات الضبط والمراقبة في مجتمعاتنا، وفي تبنيها استراتيجيات حديثة، وفي دخول أنماط الحداثة والحياة الحديثة إلى مجتمعاتنا، مع اختلاف في معدلات التحديث باختلاف الشرائح الاجتماعية وتباين مواقعها الطبقية. نشير كذلك إلى التفسيرات التي ترد فشل الدولة العربية الحديثة إلى كونها بنية مستوردة، غريبة عن المجتمعات العربية. نضيف إلى ما سبق ما أثاره معلقين من أن هذه الدولة موروثة عن المرحلة الاستعمارية1، وبالتالي رغم تغير النخبة الاستعمارية بنخبة وطنية، إلا أن الدولة ظلت محتفظة باستراتيجياتها القمعية، وكثير من أدواتها العنيفة، فاستمر العداء والتوجس المتبادل بين الدولة والمجتمع. في المقابل هناك من يرد فشل تأسيس دولة عربية حديثة تدفع عجلة تحديث المجتمعات العربية، إلى البنى والترتيبات والقيم والتصورات الاستبدادية الموروثة عن الدولة السلطانية، التي كانت بدورها مزيج يجمع بين الملك الدهري الذي عرفته الجزيرة العربية قبل البعثة النبوية، ونمط التنظيم الآسيوي الذي ورثته وتمثلته الدولة الإسلامية عقب حركة الفتوح؛ وفق هذا التصور فإن هذه الموروثات مع بعض مدخلات عمليات التحديث غير المكتملة والمشوهة؛ أنتج الدولة العربية الحديثة2. هناك كذلك من يرى أن مشكلة الاجتماع السياسي العربي الحديث والمعاصر يكمن في الدولة ذات المرجعية الوستفالية نفسها؛ فهي سر الانهيار والعنف والتراجع في مجتمعاتنا3. نستعرض في السطور التالية إلى ثلاث تفسيرات حاول أصحابها الإجابة على سؤال فشل الدولة العربية في إنتاج التحديث والتحول الديمقراطي ومنظومة حقوق إنسان متطورة ومجتمع مدني قوي وفاعل. عشر سنوات قضاها نزيه الأيوبي في دراسة التاريخ الحديث للمجتمعات العربية، في (مصر، الشام، العراق)، حاول أن يستكشف خلالها جذور الاستبداد، والعجز المستمر في التحول إلى الديمقراطية، وغياب الحريات. لم يدرس أثر الاستعمار على فشل التحول نحو الديمقراطية، أو أثر الثقافة والدين والتراث، إنما درس الاقتصاد السياسي والحراك الاجتماعي وارتباطهما بالتحول الاقتصادي العالمي. استند الأيوبي إلى التفسير الماركسي الكلاسيكي، الذي يرى أن نمط الإنتاج الأسيوي يفسر ويبين نشوء واستمرار الاستبداد الشرق، حيث يرده إلى حتمية ذات طبيعة اقتصادية، لكنه في الوقت ذاته لم يغفل الدور الذي تلعبه الأفكار والثقافة والأديان، والتي إن كانت نتاج نمط الإنتاج السائد، إلا أنها قادرة على تجاوز الشرط الاقتصادي والتاريخي. يرى الأيوبي أن المجتمعات العربية تكونت من أنماط إنتاج متنوعة وواسعة، منعت من مراكمة الثورة وسيادة تشكيل اجتماعي وحيد، ومنع من ظهور اقتصاد احتكاري، فإذا أضفنا إلى ذلك استقلال السياسي عن مصالح المجتمع، يكشف لنا لما غاب نمط الإنتاج الرأسمالي عن مجتمعاتنا؛ في حين أن النمط الرأسمالي ينتج عنه مكون برجوازي يعاد حوله تشكيل الاجتماع والسياسة. في المجتمعات العربية الحديثة، (1) مع عدم بروز تشكيل طبقي راكم رأس المال، وأعاد تشكيل المجتمع بما يضمن له استمرار الهيمنة، ومع وجود تنوع في أنماط الإنتاج، صارت ماكينة الدولة التي تحتكر العنف هي باب التغيير ومدخله، وصارت تبني علاقات زبائنية مع الشرائح والمجموعات المتحالفة معها. (2) مع غياب تشكيل اجتماعي مهيمن، صارت الدولة تعوض غياب هذا التشكيل، وتضفي الوحدة على تشكيلات اجتماعية متعددة بشكل واسع، من ثم أصبح للدولة هذه الأهمية الحاسمة، وهيمن العنصر السياسي، ومن ثم بات لدينا دولة مهيمنة ومجتمع ضعيف؛ دولة تعبر عن شرائح ضيقة، مع إدعاء تمثيل أوسع للمجتمع. (3) ثم جاء الاستعمار، الذي ألحق ألحق الدولة والمجتمعات العربية بالنظام الرأسمالي العالمي. في إجابته على سؤال لماذا عبرت أوروبا ولم نعبر رغم تشابه البدايات، رفض عصام خفاجي التفسير الخطي للتاريخ ونظرية التقدم، معتبرًا أن فشل التحديث العربي يعود إلى أنه تحديث بمعزل عن المجتمع؛ فهو تحديث إجرائي وتقني لتطوير جهاز الدولة وتعظيم قدرته على القسر والعنف؛ حيث جهاز بيروقراطي خاضع لسيطرة السلطة، جيش حديث، وبنية تحتية زراعية وصناعية تخدم الجيش، فضلا عن تعليم يخدم البيروقراطية القائمة. أما القوى الحديثة -الأفندية- التي أنتجها مشروع الدولة، سرعان ما انقلبت على القوى التقليدية التي دفعت التحديث الأول، ومن ثم حالت دون المجتمع وبين الحداثة؛ حتى تستبقي سطوتها ونفوذها. ثم جاء الاستعمار، الذي أبقى بدوره المجتمعات العربية في علاقة تبعية للمراكز الرأسمالية في الغرب؛ فهي تصدر الخامات وتستورد السلع النهائية؛ ما يستبقي علاقات التبعية. كيف حدث ذلك؟ كيف بقي المجتمع بمعزل عن التحديث؟ إن ارتفاع معدلات البطالة في بدايات التحديث، ومع عدم وجود فرص عمل بديلة للمجال الزراعي، وإصدار تشريعات تمنع الفلاحين -رغم معدلات البطالة المرتفعة- من مغادرة بلادهم؛ كل ذلك استبقى العلاقات الما قبل الرأسمالية ورسخ بقائها. أما القوى البرجوازية المالكة للأراضي بدورها؛ لم تجد دافع لضخ رؤوس الأموال المتراكمة لديها، في أسواق صغيرة لا تغري بالمغامرة ولا تعد بالربح، وهو بدوره أيضًا، حافظ على استمرار ما قبل الرأسمالية. ومع قدوم الاستعمار، وحرصه على تعطيل وإجهاض محاولات التصنيع المحلي، وفتح الأسواق المحلية أمام السلع المستوردة الجيدة والرخيصة، أهدر أية إمكانية تحول إلى الرأسمالية. هيمنة الأرستقراطية الزراعية كان وراء سيطرتها على المجال السياسي، كما أعادت تشكيل أدوار ووظائف المجتمع ككل، حيث “هيمن كبار ملاك الأراضي الزراعية على الحياة الاقتصادية لبلدان المشرق، وفي غياب مصادر الدخل المستقلة للحكومات لعب كبار الملاك دورا شديد الأهمية في تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع”. ترييف الدولة: مع رفع القيود عن هجرة الفلاحين، واستمرار الفقر في الريف؛ زادت الهجرة من الريف للمدينة، فيما كانت الكراهية والازدراء المتبادل هي الحاكمة لعلاقة المهاجرين الريفيين بسكان المدن. إلا أن الجيل الثاني من الريفيين كانوا هم المحرك للتغيير بعد ذلك؛ “عبر حضورهم الكثيف في أجهزة الدولة الإدارية والقوات المسلحة”؛ إذ مثل المهاجرين الريفيين الطبقات الوسطى الجديدة، والذين سيطروا على جهاز الدولة، ومع الثورات التي قادوها، ومع تشظي الشرائح الاجتماعية القديمة، سعدت الدولة المسيطرة ذات الطابع الريفي، وفشلت محاولات التحديث. إمتدادًا للحديث السابق عن ترييف الدولة العربية الحديثة، وكيف ساهم هذا الترييف، فضلا عن عوامل أخرى في فشل محاولات التحديث في بلادنا، يؤكد خلدون النقيب، في تفسيره للاستبداد العربي، على الدور الذي لعبته الطبقات الوسطى في المدن، ذات الأصول الريفية؛ في دعم الانقلابات التي شهدتها المنطقة العربية في الخمسينات وما…

تابع القراءة

موافقة حزب الله علي وقف إطلاق النار مع إسرائيل: المحددات والتحديات

دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، بوساطة أميركية، حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024، لينهي نحو 14 شهرًا من المواجهات بين الطرفين. وكان حزب الله بادر في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في 7 أكتوبر 2023، إلى فتح جبهة مواجهة محدودة لمساندة قطاع غزة، حولتها إسرائيل إلى حرب مفتوحة بلغت ذروتها في 23 سبتمبر 2024، عندما أطلقت ما أسمته عملية “سهام الشمال”، وتلا ذلك اجتياح بري لجنوب لبنان في 30 من الشهر نفسه1. واستند اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل إلى تجديد التزام الحكومة اللبنانية والاحتلال الإسرائيلي بالتطبيق الكامل للقرار الأممي 1701 الذي أنهى الحرب عام 2006. وبناءً على ذلك؛ سينسحب جيش الاحتلال من جنوب لبنان في أجل لا يتعدى 60 يومًا، مقابل انتشار نحو 5 آلاف من قوات الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني بما يشمل 33 موقعًا على الحدود مع الأراضي المحتلة. في حين، ينسحب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، الذي يبعد نحو 30 كيلومترًا شمال الحدود. وسوف تشرف على مراقبة تنفيذ الاتفاق آلية ثلاثية قائمة مسبقًا بين قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) والجيش اللبناني وجيش الاحتلال الإسرائيلي، مع توسيعها لتشمل الولايات المتحدة وفرنسا، وسترأس واشنطن هذه المجموعة2. وقد أثار هذا الاتفاق العديد من التساؤلات، من قبيل؛ لماذا وافق حزب الله علي اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل؟ وما هي التحديات التي يمكن أن تحول دون تنفيذ هذا الاتفاق؟ وإلي أي مدي يمكن أن يستمر هذا الاتفاق؟ أولًا: بنود اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل: لم ينشر أي من الأطراف (لبنان وإسرائيل)، ولا حتى الوسيط الأميركي، نصًا رسميًا للاتفاق. ولكن نشرت صحيفة “الأخبار” المقربة من حزب الله ما قالت أنه نص رسمي للاتفاق، وتتمثل أبرز بنوده في: وجدير بالذكر هنا، أنه قبل التوصل إلي هذا الاتفاق وخلال فترة المفاوضات التي قادها المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين، فإن حزب الله والحكومة اللبنانية (التي مثلها في المفاوضات رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وإن كان الأخير يمثل الحزب بدرجة أكبر من تمثيله للحكومة) كانا يصران على الوقف المتبادل لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، والتطبيق المتبادل للقرار الأممي 1701 وعدم إدخال أي تعديلات عليه من باب الزيادة أو النقصان، وعدم اعتماد أي ترتيبات أو اجراءات تُمكن إسرائيل مستقبلًا من خرق السيادة اللبنانية5. ولذلك؛ فإن الحزب والحكومة اللبنانية كانا لديهما تحفظات وتساؤلات حول المقترحات التي قدمتها الولايات المتحدة، سواء عبر مبعوثها للشرق الأوسط عاموس هوكشتاين أو عبر السفيرة الأمريكية في لبنان ليزا جونسون، للتوصل إلي وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، تمثلت في: ويبدو أن الحزب قد تراجع بشكل كبير عن هذه التحفظات وتلك الشروط، وهو ما يمكن توضيحه كما يلي: أ- أن اتفاق وقف إطلاق النار جاء تحت عنوان تطبيق القرار 1701 بحذافيره كما كان يطالب لبنان، لكن جرى تضمينه إضافات غيرت في الشكل والمضمون، وضعها الجانب الأميركي بالتنسيق مع الإسرائيلي؛ ما جعله فعليًا اتفاقًا جديدًا مختلفًا عن سابقه. من أبرز هذه الإضافات توسيع لجنة المراقبة والإشراف على تطبيق الاتفاق لتصبح خماسية، يرأسها جنرال أميركي ويعاونه مساعد فرنسي إلى جانب عضوية لبنان وإسرائيل وقوات حفظ السلام الدولية “اليونيفيل” بعدما كانت ثلاثية تقتصر علي لبنان وإسرائيل واليونيفيل7. ومن اللافت هنا، أن الحزب لم يقبل انضمام الولايات المتحدة إلى اللجنة فقط، بل إنه وافق علي ترؤسها في خطوة غريبة، إذا ما أخذنا بالاعتبار النظرة المريبة للحزب إلى واشنطن وتأييدها المطلق لإسرائيل ودورها في هذه الحرب تحديدًا8. ناهيك عن أن هذا التعديل قد ينطوي على شكل من أشكال الوصاية الأميركية، لاسيما أن دور اللجنة سيتعدى جنوب الليطاني ليشمل المعابر الحدودية لمنع وصول السلاح إلى القوى المسلحة غير الشرعية، في إشارة ضمنية إلى سلاح حزب الله. ومن جانب آخر؛ ففي حين أن الحزب كان يصر علي أن يكون الدور الأمريكي رقابي فقط، فإن إسرائيل أرادت أن يكون هذا الدور عسكري تنفيذي، وبحسب قراءة البعض فإن الاتفاق قد جعل الدور الأمريكي تنفيذي وليس رقابي فقط. فتوسيع لجنة المراقبة بدخول الولايات المتحدة وفرنسا يعني وجود حوكمة دولية على تنفيذ القرار، علي عكس الآلية الثلاثية التي كانت تجتمع بشكل موضعي عند التبليغ عن خروقات، ولكنها كانت تفتقد للنفوذ اللازم الذي يجبر طرفي الصراع على الانصياع لقراراتها9. ب- أنه في حين تفضل إسرائيل إشراك دول أوروبية فقط في لجنة المراقبة، فإن لبنان يطالب بإدراج دولة عربية واحدة على الأقل10، ولكن إلي الآن لم يتم الإعلان عن وجود أي دولة عربية في اللجنة. أكثر من ذلك، فقد أبدي الحزب مرونة – بعد ضغط أميركي – بشأن إشراك بريطانيا في لجنة المراقبة11. ويبدو أنه تم التسليم بعدم تمثيل ألمانيا كونها موجودة أصلًا في إطار القوات الدولية للأمم المتحدة (اليونيفيل)12. وفي المقابل أصرت الولايات المتحدة على إشراك فرنسا – بعدما كانت تتحفظ إسرائيل علي مشاركتها – باعتبارها الطرف الأوروبي الوحيد الذي يتواصل مع حزب الله13. ج- خلافًا للقرار 1701 الذي ينص على الانسحاب “الفوري” لإسرائيل من الأراضي المحتلة، منح الاتفاق الجديد الإسرائيليين مهلة 60 يومًا؛ ما جعل انسحابهم مشروطًا بتنفيذ الاتفاق من جانب حزب الله، ما يعني أن استرجاع الأرض بات مرهونًا بالتزام الحزب ببنود الاتفاق14. د- صيغ الاتفاق بطريقة تفتح مجالًا واسعًا للتأويل؛ فقد أشار مثلًا إلى أن القرار 1701 يتضمن التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن السابقة التي استند إليها، بما يشمل القرار 1559 من دون ذكره صراحة، الذي يدعو إلى نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة. وأكد الاتفاق أن للبنان وإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس بما يتفق مع القانون الدولي، وقد رأى كثيرون أن هذا يتيح لإسرائيل مجالًا واسعًا لتضرب حزب الله بذريعة “الحق في الدفاع عن النفس”، في حين أن الحزب سوف يحجم عن أي عمل ضدها خوفًا من الانزلاق مجددًا إلى مواجهة مفتوحة معها. كما يري البعض أن هذا البند يمنح حرية الحركة للجيش الإسرائيلي في لبنان بما في ذلك الوجود في المجال الجوي اللبناني والتي أصرت عليها إسرائيل ورفضها لبنان. ه- جاء في الاتفاق أن الجيش اللبناني، بالتوازي مع انسحاب الجيش الإسرائيلي، سينشر نحو 10 آلاف عنصر في جنوب الليطاني وسيباشر في تنفيذ التزاماته، بما في ذلك تفكيك المواقع والبنى التحتية (غير التابعة للدولة اللبنانية)، ومصادرة الأسلحة غير المصرح بها (في إشارة ضمنية إلى أسلحة حزب الله ومواقعه وأنفاقه). وستراقب القوات العسكرية والأمنية اللبنانية وصول مختلف أنواع الأسلحة إلى المنظمات غير التابعة للدولة اللبنانية وتمنعه، وفي الوقت نفسه تتولى الحكومة اللبنانية تنظيم إنتاج الأسلحة في لبنان ومراقبته. كانت هذه هي الشروط الإسرائيلية لوقف الحرب، وهي عمليًا أهدافها المعلنة، وقد تضمنها الاتفاق15. و- فيما أكد الجانب اللبناني أن…

تابع القراءة

التحديات الاستراتيجية في سبيل تحقيق المصالحة الفلسطينية

كانت منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) منذ نشأتها 1964 الممثل الشرعي (الوحيد) للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج في مشروعه للتحرر من براثن الاحتلال الإسرائيلي. وقد سيطرت حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” (تأسست سنة 1957 تأثرًا بالمقاومة الشعبية للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وللاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة) علي منظمة التحرير، بعد انتخاب ياسر عرفات، الناطق الرسمي باسمها، في دورة المجلس الوطني الفلسطيني الخامسة التي عُقدت ما بين 1 و 4 فبراير 1969، رئيسًا لـ “اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية”1. ولكن منذ الثمانينيات، ظهرت بعض الحركات الخارجة عن منظمة التحرير (حركة الجهاد في فلسطين 1981 تأثرًا بالثورة الإيرانية، وحركة المقاومة الإسلامية حماس المنتمية لتيار الإخوان انبثاقًا من الانتفاضة الأولى 1987). ومع تحول المنظمة الاستراتيجي للاعتراف بدولة إسرائيل والمطالبة بدولة على حدود 1967 في إعلان الجزائر 1988؛ ما فتح الطريق نحو مدريد 1991 ثم أوسلو 19932، بدأت بوادر الانقسام واضحة بين مؤيدي التسوية السياسية ممثلين بحركة فتح وتيار السلطة الفلسطينية التي أُنشئت عقب اتفاق أوسلو، وبين تيار المقاومة ممثلًا بحركتي حماس والجهاد الإسلامي وبعض الفصائل الفلسطينية الأخرى التي اعترضت على قبول منظمة التحرير لقراري مجلس الأمن رقم (242) ورقم (338) بشأن إقامة دولة فلسطين3. بتولي محمود عباس رئاسة السلطة الفلسطينية في يناير 2005، على إثر توليه رئاسة كل من منظمة التحرير وحركة فتح خلفًا للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومع تولي إسماعيل هنية رئاسة الحكومة بعد حصول حركة حماس عام 2006 على أغلبية في الانتخابات التشريعية، وهي الخطوة التي لم تلق ترحيبًا من حركة فتح بدعوي أن هنية أسند المناصب الوزارية الرئيسية لقادة حماس، وفي المقابل، اتهمت حماس حركة فتح بعدم التعاون معها في تسليم مقاليد السلطة للحكومة الجديدة؛ ما تسبب في اندلاع مواجهات عنيفة بين أنصار الطرفين في غزة خلال يناير وفبراير ومايو 2007، وليقوم الرئيس عباس بإقالة هنية في 14 يونيو من نفس العام، وأعلن حالة الطوارئ في غزة اعتراضًا على العنف الذي شهده القطاع. ورغم هذه الإجراءات أعلنت حماس سيطرتها على غزة في 15 يونيو 2007، ما عمق الخلاف مع فتح التي اعتبرت هذا التحرك انقلابًا عسكريًا. ومنذ ذلك الحين، تسيطر كلًا من حماس وفتح على الأرض والإدارة الحكومية في قطاع غزة والضفة الغربية منفردتين على الترتيب، ما أفرز انقسامًا سياسيًا وجغرافيًا وأمنيًا4. ومنذ الانقسام وحتي الآن، تركزت القضايا والملفات الخلافية بين الفصائل الفلسطينية علي مسألة رواتب الموظفين (الذين عينتهم حكومة حماس في قطاع غزة، ويبلغ عددهم تقريبًا 40 ألف موظف)، وإدارة المعابر، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني الفلسطيني، وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل5. وقد جرت مبادرات واجتماعات وجهود فلسطينية وعربية ودولية لحل هذه القضايا الخلافية، بعضها انتهى إلى اتفاق، مثل اتفاق مكة (2007)، واتفاق القاهرة (2011)، وإعلان الدوحة (2012)، وإعلان الشاطئ (2014) واتفاق القاهرة 2 (اتفاق التمكين) (2017)، وتفاهمات إسطنبول (2020)، وإعلان الجزائر (2022)، وإعلان بكين (2024). وتم تطبيق بعضها بشكل جزئي ومؤقت، لدرجة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في العام 2007 وحكومة الوفاق الوطني في العام 2014، إضافة إلى عقد الإطار القيادي المؤقت اجتماعين بعد اتفاق القاهرة 2011، وعقد اجتماع الأمناء العامين في العام 2020. في المقابل، لم تفض اجتماعات أخرى لإنهاء الانقسام إلى اتفاق، على الرغم من صدور بيانات عن بعضها، مثل اجتماع صنعاء (2008)، ولقاء موسكو (2019)، واجتماع العلمين في مصر (2023)6. وبناءً عليه؛ ظل التساؤل الرئيسي المطروح علي طاولة النقاش والبحث هو: لماذا لا تتحقق المصالحة الفلسطينية رغم مرور كل هذه السنوات الطويلة، ورغم ما تمر به القضية الفلسطينية من منعطفات كبري تتطلب ضرورة تحقيق هذه الوحدة الوطنية، والتي كان أبرزها محاولة الرئيس الأمريكي المنتخب حديثًا دونالد ترامب تصفية القضية الفلسطينية “صفقة القرن”، ومؤخرًا، الخطوات الإسرائيلية الفعلية لتصفية القضية عقب “طوفان الأقصي”. ولعل الإجابة علي هذا السؤال تكمن في المحاور التالية: أولًا: العوامل الداخلية: أي تلك العوامل المتعلقة بالفصائل الفلسطينية، وعلي رأسها حركتي حماس وفتح، وتتمثل هذه العوامل في: 1- الافتقاد إلى مشروع التحرير الوطني الجامع؛ فحماس ترفض إقامة دولة فلسطين علي جزء من الأرض وتتمسك بأراضي فلسطين التاريخية، وبالتالي فهي ترفض الاعتراف بإسرائيل وحقها في 77% من أرض فلسطين، بينما تتقبلها قيادة منظمة التحرير والسلطة وفتح؛ نظرًا للاعتبارات الواقعية والعمل المرحلي، واعتبار ذلك استحقاقًا سياسيًا نتيجة اتفاق أوسلو الذي تشكلت على أساسه السلطة الفلسطينية، وانبنى عليه حلم تحويل السلطة إلى دولة فلسطينية7. ولذلك؛ ظلت حركة فتح والسلطة الفلسطينية متمسكة بعدة شروط لتحقيق المصالحة مع باقي الفصائل الفلسطينية، تتمثل في: أولًا؛ انطواء كل الفصائل تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني (حماس والجهاد خارجها)، والالتزام بالتزاماتها، ومن بينها الاتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي، والالتزام بخيار التسوية وحل الدولتين، وثانيًا؛ الالتزام بالمقاومة الشعبية السلمية كسبيل نضال وحيد، بمعنى عدم استخدام السلاح في مقاومة المحتل الإسرائيلي، وثالثًا؛ يجب ألا يكون إلا سلاح واحد ووحيد في الأراضي الفلسطينية، وهو سلاح السلطة فقط، بمعنى تخلي المقاومة عن سلاحها وتسليمه للسلطة. بالمقابل، فإن حماس تتمسك بالمقاومة بكافة أشكالها بما فيها الكفاح المسلح، وضرورة إلغاء أو تجميد اتفاقيات منظمة التحرير مع إسرائيل ووقف التنسيق الأمني معها، وعدم الاعتراف بالقرارات التي صدرت عن الشرعية الدولية وفي ضمنها الاعتراف بإسرائيل، وعدم القبول بتسليم سلاح المقاومة سواء في غزة أو الضفة، مهما كانت الظروف والتفاهمات والاتفاقيات8. 2- الافتقاد إلى الثقة المتبادلة؛ فمفاوضات المصالحة ومقترحاتها لا تسبقها ممارسات من أي من الطرفين لبناء الثقة لدى الطرف الآخر، أو إبداء حسن النية. وتكتفي لقاءات الحوار والمصالحة على عبارات إنشائية، ومناشدات تقارب عامة، دون أية خطوات حقيقية لهذا التقارب. وبالعكس تشغل الدعاية السوداء المتبادلة المسافة بين كل مبادرتين للمصالحة. وقد تعاظم اتهام فتح لحماس بأنها حركة ذات ارتباطات غير وطنية وتنتمي إلى ما يسمى بـ”الإسلام السياسي”، بينما تعتبر ذاتها حركة وطنية محضة، خاصة في ظل تراجع المساندة القومية العربية لها، وتسمي السلطة 2007 انقلابًا على الشرعية. هذا بينما تلح حماس على عدم شرعية مؤسسات السلطة خاصة بعد انتهاء ولاية عباس وعدم تجديدها انتخابيًا، وتذرع السلطة بالمعوقات التي تضعها دولة الاحتلال في عدم إجراء انتخابات جديدة9. 3- افتقاد الآلية الحاسمة للخلاف؛ حيث تتمسك حماس بالشرعية الانتخابية الديمقراطية، وهي التي فازت فيها في آخر انتخابات فلسطينية عام 2006، وشرعية المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، فيما تتمسك حركة فتح بالشرعية السياسية لمنظمة التحرير والشرعية العربية والدولية للاعتراف بها10. أضف إلي ذلك، فقد واجهت الآلية الديمقراطية (الانتخابات) في الشأن الفلسطيني مشكلة رئيسية؛ إذ إن نتائجها مشروطة داخليًا وإقليميًا ودوليًا؛ بألا تأتي بطرف مقابل للسلطة الفلسطينية ولا مرفوض إقليميًا (إسرائيليًا) أو دوليًا (أمريكيًا). كما تتخوف حركة فتح والسلطة الفلسطينية – وأطراف عربية ودولية – من النتائج المحتملة لأي انتخابات فلسطينية، والخشية…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022