مؤتمر برلين 2 .. المناخ الليبي والمستقبل الغامض

مؤتمر برلين 2 .. المناخ الليبي والمستقبل الغامض

  وسط أزمات سياسية وعسكرية واقتصادية ومجتمعية في ليبيا، يفاقمها استمرار عدم التوافق بين الفرقاء السياسيين، وتدخلات خفية من قبل بعض الأطرف الفاعلة في ليبيا، اضطراب المواقف السياسية والميدانية، بإعلان الحكومة الانتقالية فتح الطريق الساحلي سرت -طرابلس، مع استمرار رفض حفتر استضافة الحكومة الانتقالية في بنغازي، فارضا أجندته السياسية والعسكرية، مستمرا في مراهقاته العسكرية بشن حملة عسكرية في الجنوب الليبي تحت شعار مكافحة الإرهاب، تستهدف أساسا فرض معادلة عسكرية إقليمية ومحلية. وأصدرت قوات حفتر قرارا بإغلاق الحدود الليبية الجزائرية واعتبارها منطقة عسكرية مغلقة، علاوة على رفض برلمان عقيلة صالح إقرار الميزانيات في عموم ليبيا، ما تسبب في شلل مؤسساتي انعكس على حياة المواطنين الليبيين، لاشاعة الكراهية واليأس من الحكومة الانتقالية، وعرقلة عمليات تصدير النفط من قبل قوات حفتر المسيطرة على الحقول النفطية. ووسط هذا المناخ، جاء ” مؤتمر برلين 2“، لبحث دفع الترتيبات السياسية والدستورية نحو الوصول لانتخابات عامة في ديسمبر المقبل، التي ما زالت بعيدة عن الإجراءات بفعل الواقع المعاش. فوفق “سويس انفوو”، استهدف مؤتمر برلين 2 ضمان إجراء انتخابات في ليبيا نهاية السنة الحالية وانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة منها، وذلك بمشاركة 15 دولة، إضافة إلى 4 منظمات دولية. ضمت قائمة الدول المشاركة كل من ليبيا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وسويسرا والمملكة المتحدة، وتونس والجزائر والمغرب ومصر والإمارات. بجانب أربع منظمات دولية ،هي:  الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي “الناتو” والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، فيما تغيب عن المؤتمر وزيرا الخارجية الصيني والروسي، وحضر ممثلان عنهما، بحسب وكالة الأناضول للأنباء. وهذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها الحكومة الليبية الجديدة في فعاليات مؤتمر برلين، وفي يناير 2020، استضافت برلين النسخة الأولى من المؤتمر بمشاركة دولية بهدف المساهمة في حل النزاع الليبي، وخرج مؤتمر برلين الأول ببنود كان أبرزها، التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار في البلاد.   أولا: نتائج دون مستوى التحديات: ومع انطلاقة أعمال مؤتمر برلين 2، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلال مداخلة بالفيديو كونفرانس مع المؤتمرين، أنه “سيتم قريبا نشر المجموعة الأولى من مراقبي وقف إطلاق النار التابعين للمنظمة الدولية في العاصمة الليبية طرابلس”، مشددا على أن الأمن والتقدم في ليبيا سيتم من خلال التنفيذ الكامل لخريطة الطريق التي اعتمدها منتدى الحوار السياسي الليبي، واتفاقية وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها في أكتوبر 2020، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما في ذلك القرار 2570 بشأن مراقبة وقف إطلاق النار، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ديسمبر المقبل”. وحث غوتيريش الأطراف الليبية والخارجية على “الاتفاق على خطة شاملة ذات جداول زمنية واضحة لانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة”، مؤكدا أن “بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تقف على أهبة الاستعداد لدعم هذا الهدف”. وشدد على أن “تنظيم الانتخابات في موعدها يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة منها تحديد الأسس الدستورية للانتخابات، واعتماد التشريعات اللازمة وتقديم الموارد المالية من قبل السلطة التنفيذية المؤقتة إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات”. فيما ركز البيان الختامي للمؤتمر على حشد الجهود الدولية لدعم المسار الانتخابي في ليبيا كطريق وحيد متبق أمامها لحل الملفات العالقة، وعلى رأسها إجلاء المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد. وعلى الرغم من التوافق الدولي الكبير حول إخراج المرتزقة الأجانب من ليبيا، إلا أن المؤتمر أخفق في حلحلة خلافات الدول المتدخلة في البلاد،  وهو ما دفع اللجنة الاستشارية المؤلفة من 17 عضوا من ملتقى الحوار الليبي، للإعلان عن اجتماع تشاوري في تونس يوم 25 يونيو، ولمدة ثلاثة أيام، للتمهيد لجلسة عامة للملتقى تنطلق الاثنين 28 يونيو في سويسرا. هذا الاجتماع جاء بعد دعوة البعثة الأممية إلى ليبيا، التي يقودها “يان كوبتيش”، لمجلس النواب لتوضيح الأسس الدستورية للانتخابات، بناءً على طلب بعض أعضاء الملتقى بغية التوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا العالقة، ووضع اقتراح واحد للقاعدة الدستورية للانتخابات البرلمانية والرئاسية. وطالب البيان الأممي اللجنة الاستشارية بالتمهيد لجلسة الملتقى العامة في سويسرا لـ”وضع حد للمأزق المتعلق بالقاعدة الدستورية”، من خلال رفع توصيات للملتقى حول آلية للفصل في شكل القاعدة الدستورية. وحث المبعوث الأممي إلى ليبيا، أعضاء اللجنة الاستشارية على العمل بـ”جدية للتوصل إلى أوسع حل توافقي ممكن بالبناء على مقترح اللجنة القانونية”، لافتا إلى أن هذا التوافق سيكون ترتيباً مؤقتاً يمكّن البلاد من إجراء الانتخابات والشروع بالانتقال السياسي. وجاء لجوء البعثة الأممية إلى ملتقى الحوار السياسي مرة أخرى، بعد استمرار مجلس النواب في وضع عراقيل أمام الأساس الدستوري للانتخابات المقبلة، بالإضافة لاستمرار خلافه العميق مع المجلس الأعلى للدولة بشأن ذلك.   ثانيا: أسباب تدني نتائج مؤتمر برلين 2 استمرار العراقيل السياسية والعسكرية ولعل ما قوض ويقوض أية تحركات دولية بشأن حلحلة الأوضاع في ليبيا، هو استمرار دور المعرقلين للهدوء وعودة النظام الديمقراطي، ففي كلمته في مؤتمر برلين 2 ألمح رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة إلى «المعرقلين» في إشارة واضحة نحو الجنرال خليفة حفتر حين قال إنه “رغم التقدم في توحيد المؤسسة الأمنية فإن هناك مخاوف على العملية السياسية بسبب وجود قوى عسكرية لها أبعاد سياسية”، مذكرا الأطراف المشاركة في مؤتمر برلين بتعهداتها والتزاماتها بمعاقبة المعرقلين للاتفاق السياسي. فلم يوفّر حفتر فرصة لإظهار إزدرائه للمجلس الرئاسي والحكومة الانتقالية، عبر قيامه بتحرّكات يُفهم منها أنه القوة السياسية والعسكرية الحقيقية، كما فعل بتنظيم عرض عسكريّ في بنغازي، وبتحريك قوات نحو الجنوب، وبإعلان سيطرته على معبر حدودي مع الجزائر وإقفاله، وبعرقلة فتح الطريق الساحلي. وعلى المستوى السياسي فقد منع حفتر مجلس النواب الذي يقيم في مناطق سيطرته بالإفراج عن ميزانية الدولة، على أرضية الخلاف بين مجلس الدولة الذي يرأسه خالد المشري، وعقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، حيث يشترط مجلس الدولة استكمال توحيد المؤسسة العسكرية. فيما يطالب عقيلة صالح بالقفز عن هذه المسألة والاتفاق على توزيع المناصب السيادية، لضمان تنصيب محافظ للبنك المركزي من مناطق نفوذ حفتر. وبذلك يضمن حفتر شخصا فاعلا في المصرف المركزي قبل الانتقال إلى سيناريوهات أخرى منها الترشح لرئاسة الجمهورية أو قيادة المؤسسة العسكرية الموحدة. استمرار الخلاف حول “المرتزقة والقوات الأجنبية” طرح مؤتمر برلين الأخير قضيتي إخراج المرتزقة وإجراء الانتخابات في موعدها، والمقصود من موضوع «إخراج المرتزقة» على ما يظهر ليس إخراج القوات التابعة لشركة فاغنر الروسية والجنجويد السودانيين وحركات التمرد التشادية والسودانية الذين يقاتلون لحساب حفتر! في المقابل كان لافتا اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إخراج المقاتلين الأجانب المحسوبين على تركيا لتتبع ذلك عملية إخراج قوات فاغنر الروسية، وهو ما يُلحق الشكّ بنوايا باريس ويظهر منبع هشاشة المواقف الدولية في المؤتمر وتجاهلها للمشكلة الأساسية وهي حفتر وقواته والأدوات التي يسيطر عليها، بما فيها مجلس النواب. فيما أكد المتحدث باسم الخارجية التركية تانغو بيلغيتش، الجمعة 25 يونيو، أن بلاده شددت في مؤتمر برلين 2، على عدم السماح بمساواة مدربيها…

تابع القراءة
انقلاب الجيش 3 يوليو وعلاقته ببنية الدولة وعقيدة المؤسسة العسكرية

انقلاب الجيش 3 يوليو وعلاقته ببنية الدولة وعقيدة المؤسسة العسكرية

  انقلاب الجيش، هناك تفسيرات كثيرة تناولت أسباب ودوافع المؤسسة العسكرية المصرية التي جعلتها تتورط في انقلاب 3 يوليو 2013 م وما تلاه من مذابح جماعية بالغة الإجرام والتوحش، وإجهاض المسار الديمقراطي الوليد، وقمع الشعب بالحديد والنار على النحو المؤلم الذي عايشناه ولا زلنا نعاينه، إضافة إلى عمليات التجريف والتزييف والتلاعب بهوية الشعب ومعتقداته وصولا إلى التحولات الكبرى في عقيدة الجيش القتالية التي تم رصدها والبرهنة عليها بكثير من الأدلة والشواهد. المعادلة الصفرية التفسير الأول، يرى أن هذه الممارسات الشاذة والإجرامية من جانب ما تسمى بأجهزة الدولة وتورط الجيش في الانقلاب وما تلاه من مذابح وحماية هذا النظام الاستبدادي، إنما يبرهن على تبني النظام لــ«المعادلة الصفرية» التي تستخدمها  أجهزة الدولة مع المجتمع، والتي تقوم على مبدأ “إما نحن وإما هم”، وهي معادلة وإن ظهرت تمثلاتها العارية المتوحشة منذ انقلاب 3 يوليو ٢٠١٣ إلا أنها تعود بجذورها إلى بدايات الحكم العسكري لمصر منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضي. وبل ولربما أكثر قبل ذلك بحوالي 150 عاما، وتحديدا منذ تولي محمد علي السلطة في مصر، ذلك أن منطق الدولة المصرية “الحديثة” بالطريقة التي أنشأها بها محمد علي هو في تضاد بنيوي مع المجتمع وقواه وممثليه.[[1]] وهو منطق يقوم على رفض أي شكل من أشكال التمثيل الشعبي، سواء أكان سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا انطلاقا من كونه يمثل خطرا على الدولة ذاتها، أو بالأحرى على مصالح من يحكمونها ويسيطرون عليها. ووفقا لهذا التفسير فإن الصراع الحقيقي لم يكن مع جماعة الإخوان المسلمين بالأساس، وإنما مع فكرة التمثيل المجتمعي والشعبي الذي كان يكرهه بعض أعضاء ما كان يسمى “مجلس قيادة الثورة”، فقد قرر عبد الناصر في يناير 1953 إلغاء كافة أشكال الحياة النيابية والتمثيلية، خاصة الأحزاب السياسية، قبل أن يقوم بحظر جماعة الإخوان المسلمين بعدها بشهور. معنى هذا وفقا لهذا التفسير، فإن إحدى المهام الأساسية لهذه الدولة “العسكرية” هي تفكيك أي تكوينات أو تنظيمات أو حركات قد تمثل قطاعات شعبية معينة، ويتحول الأمر إلى حرب شاملة أمنية واقتصادية واجتماعية إذا تجرأت أي من هذه القوى ودخلت المجال السياسي منافسا للجيش الذي تحول إلى حزب سياسي يحتكر كل شيء في البلاد. فالدولة المصرية على النحو الذي كرسه محمد علي في بدايات القرن التاسع عشر، تكره التمثيل الشعبي، وتعتبره خطرا وجوديا عليها وعلى مصالح حكامها ومن يدور في فلكهم من الحاشية وحواشيهم، وأنها إذا سمحت به يجب أن يكون ذلك ضمن شروط معينة وتحت سقف محدد بحيث يصبح تجاوزه ولو دون قصد، كأنه إعلان حرب على الدولة يحتم عليها خوضها وكسبها وكسر عظام من تجرأ على كسر هذه المعادلة، ليس انتقاما منه فحسب، وإنما ردع لكل من يفكر في تقليده. يبرهن على ذلك أن نظام السيسي لم يشن حربه على الإخوان وحدهم، وإن كان لهم النصيب الأكبر من القمع والبطش لأن وزنهم النسبي مقارنة بغيرهم من التنظيمات الاجتماعية أكبر، وقد كشفت التجربة الديمقراطية القصيرة في أعقاب ثورة يناير أنهم الفصيل الشعبي الأكبر والأكثر تنظيما والقادر على تهديد سلطات النظام الذي تقوده الأجهزة وعلى رأسها المؤسسة  العسكرية التي تعتبر رأس الحربة في تشكيلات الدولة العميقة.  وقد امتدت الحرب السلطوية على كافة التنيظمات السياسية التي عارضت الانقلاب، بل وامتدت إلى مجموعات الأولتراس كأهلاوي ونايت وايتس لدورهم الملموس في ثورة يناير والإطاحة بحكم مبارك؛ وجرى حل هذه المجموعات واعتقال قادتها والزج بهم في غياهب السجون بتهم ملفقة، نفس الأمر جرى مع حركة شباب 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين الذي جرى التنكيل بهم والزج بقادتها في السجون والمعتقلات. وخلال عهدي السادات ومبارك استخدمت الدولة آليات وإستراتيجيات متنوعة من أجل ضمان استمرار هذه المعادلة الصفرية وضمان عدم الخروج عليها، وفي كل مرة حاولت فيها الجماعة كسر هذه المعادلة والخروج عن قواعد اللعبة أو السقف المحدد لها من قبل هذه الدولة السلطوية كان يتم قمعها ومحاولة تحطيمها وكسرها ومحاولة استئصالها، واعتمد الأمر على رؤية وإستراتيجية كل نظام في هذا الصدد ومدى شرعيته ودعمه الشعبي إن وجد أصلا. كانت حرب عبدالناصر على الإخوان ضمن سياق هذه المعادلة، فقد كان من الصعب مثلا لعبد الناصر أن يبني شرعيته دون أن يقوم بتحطيم جماعة الإخوان، ذلك أن جزءا أصيلا من شرعيته ينطلق من نفي شرعية الجماعة، قبل نفيها من الوجود، وذلك وفق منطق المعادلة الصفرية، وفي هذه الحالة حسب شعار “إما أنا أو المرشد”. وهو نفس الأمر الذي يفعله نظام السيسي منذ انقلابه في 3 يوليو 2013، ولكن مع فارق مهم هو أن السيسي ليس في صراع وجود فقط مع الجماعة، وإنما أيضا مع كل ما ومن يتصل بثورة يناير التي يعتبرها بوضوح أنها حالة تمرد من المجتمع على الدولة يجب عدم تكراره مهما كان الثمن، وهو ما يقوله في أحاديثه المتكررة التي لا يعبأ فيها أن يحمّل الثورة كل مشاكل البلاد ويعلق فشله ومشاكله عليها.[[2]] لهذه الأسباب لا يتوقف إعلام السيسي ونظامه عن تشويه الثورة وشيطنة من قاموا بها، والتخويف من تكرارها، فثورة يناير كانت محاولة جريئة لكسر المعادلة الصفرية بين الدولة والمجتمع الذي حاول من خلال قواه الحية وشرائحه الفاعلة انتزاع حق الوجود والتمثيل من الدولة المصرية.  كذلك، لا يمكن فهم منطق التنكيل والإذلال المتعمد الذي تمارسه الدولة بكافة أجهزتها ومؤسساتها وشخوصها ضد آلاف المعتقلين السياسيين -خاصة الشباب- إلا ضمن هذا السياق، فالدولة تحاول قتل ووأد أي تفكير جريء في تكرار الخروج عليها مرة أخرى، خاصة من جيل الشباب.[[3]] يرتبط بهذا التفسير في معرفة دوافع المؤسسة العسكرية لتدبير هذا الانقلاب الدموي وما تلاه من مذابح وبطش غير مسبوق، ما ذكره المفكر والمؤرخ الكبير جمال حمدان، قبل 7 عقود حين لخّص العلاقة بين الحاكم والمحكوم في مصر بهذه الفقرة البليغة لغة ومضمونا “وهكذا بقدر ما كانت مصر تقليديا، من البداية إلى النهاية، شعبا غير محارب في الخارج، كانت مجتمعا مدنيا يحكمه العسكريون كأمر عادي في الداخل، وبالتالي كانت وظيفة الجيش الحكم أكثر من الحرب، ووظيفة الشعب التبعية أكثر من الحكم. وفي ظل هذا الوضع الشاذ المقلوب، كثيرا ما كان الحكم الغاصب يحل مشكلة الأخطار الخارجية والغزو بالحل السياسي، وأخطار الحكم الداخلية بالحل العسكري؛ أي إنه كان يمارس الحل السياسي مع الأعداء والغزاة في الخارج، والحل العسكري مع الشعب في الداخل، فكانت دولة الطغيان عامة استسلامية أمام الغزاة، بوليسية على الشعب”.[[4]]  وموقف السيسي الذي قاد انقلابا وحشيا دمويا من سد النهضة الإثيوبي خير برهان على ذلك. البعد الدولي والإقليمي التفسير الثاني، يركز على الأبعاد الدولية والإقليمية والدور الوظيفي للنظام في مصر؛ فالجيش يعطي لديمومة علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي أولوية مطلقة على تأسيس علاقة ثقة متبادلة وقوية مع الشعب المصري، حتى بات كبار القادة بالمؤسسة العسكرية  يرون في تطوير العلاقة مع “إسرائيل” وتعزيز…

تابع القراءة
تونس .. معركة تشكيل المحكمة الدستورية

تونس .. معركة تشكيل المحكمة الدستورية

    تونس تشهد لأكثر من عام، أزمة سياسية متصاعدة، بين الرئاسيات الثلاث، الحكومة والبرلمان والرئاسة، انعكست بشكل كبير على جميع مناحي الحياة التونسية، وساد الغضب جميع أركان المجتمع  التونسي. بل تشئ التقديرات الاستراتيجية إلى أنه لا يبدو أن الأوضاع في تونس ذاهبة باتجاه التهدئة أو الحل، بعد أن بلغ المشهد السياسي مرحلة من الانسداد غير المسبوق، على خلفية أزمة الثقة ومعركة الصلاحيات الممتدة منذ أكثر من سنة، فكل المؤشّرات تفيد بأن الأيام المقبلة ستشهد مزيداً من التصعيد، سواء في المواقف أو التصريحات، بعد أن توسّعت المعركة لتشمل قطاعات الأمن والدفاع والخارجية والهيئات الدستورية. أولا: مظاهر الأزمة السياسية الخلاف حول الصلاحيات الدستورية للرئاسيات الثلاثة تدور أصل الأزمة في تونس منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حول الخلاف بين الرئاسات الثلاث، والذي يشهد استقطاباً ثنائياً طرفه الأول الرئيس قيس سعيّد، والثاني رئيسا البرلمان راشد الغنوشي والحكومة هشام المشيشي، حول موضوع توزيع الصلاحيات الدستورية بين المؤسسات الثلاث، عبر محاولة كل مؤسسة فرض النظام السياسي الذي يناسب مصالحها وأهدافها. فالرئيس سعيّد يبدو متمسّكاً بتأويلاته للدستور التي يعارضها خبراء دستوريون وأساتذة قانون كثيرون، ومصرّاً، في الوقت نفسه، على رفض الحوار مع من يصفهم بـ “المتآمرين والمنافقين والفاسدين وذوي النفوس المريضة”، كما أنه لا يُخفي رفضه الصيغة الدستورية الحالية، وعدم اقتناعه بالبرلمان والأحزاب السياسية والنظام السياسي الحالي، فينادي بنظام رئاسي يمسك فيه الرئيس بكل الصلاحيات التنفيذية، ويتراجع فيه دور رئيس الوزراء، ليتحوّل إلى وزير أوّل يقتصر دوره على تنفيذ سياسة الرئيس وتوجيهاته. في المقابل، يرفض الطرف الآخر الذي يمثله الغنوشي المشيشي التسليم لسعيّد بما يريد، ويتمسّكان بالنظام السياسي الذي أقره دستور عام 2014. الذي حدد شكل النظام بالنظام البرلماني، وحدد صلاحيات الرئيس في التصديق على اختيارات البرلمان وقراراته في اختيار الحكومة والقوانين، وذلك وفق الكاتب التونسي بشار نرش، بمقاله “أي حل لأزمة الثقة في تونس؟” بـ”العربي الجديد”. عدم التصديق على التعديل الوزاري ومن ضمن إفرازات الأزمة السياسية في تونس، الخلافات بين “سعيد”، ورئيس الحكومة “هشام المشيشي”؛ بسبب تعديل وزاري أعلنه الأخير في 16 يناير الماضي. ورغم تصديق البرلمان على التعديل، فإن “سعيد” يرفض دعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه، معتبرا أن التعديل شابته “خروقات”، وهو ما يرفضه “المشيشي”. والإثنين الماضي، أعلن “سعيد” موافقته على إجراء حوار وطني باقتراح من الاتحاد العام للشغل، لكنه وضع شروطا اعتبرت تعجيزية، حيث اشترط أن يكون محور الحوار تعديل الدستور، عبر تغيير النظام السياسي، وتنقيح النظام الانتخابي. اقحام المؤسسة الأمنية والعسكرية في العملية السياسية ومؤخرا، أقحم سعيد المؤسسة العسكرية والأمنية في المشهد السياسي، إذ أعلن خلال خطاب تصعيدي، تعيين نفسه بمنصب القائد الأعلى لكل القوات المسلحة في البلاد، وليس العسكرية فقط، كما هو متعارف عليه منذ الاستقلال. وتوجه الرئيس التونسي بتهديد مباشر في كلمته لنواب وشخصيات نافذة و”متحصنين بعلاقات مصاهرة”، على حد وصفه، قائلاً: “اليوم صبر وغداً أمر”. وعن أسباب هذا التصعيد، قال القيادي البارز بالحركة، محمد القوماني، لـ”الجزيرة”، مسألة الحريات والديمقراطية مسألة بالغة الأهمية، دفع التونسيون من أجلها تكلفة عالية في النضال ضد الحكم الفردي الاستبدادي، وهناك اليوم تخوفات حقيقية من النزعة التسلطية التي ظهرت لدى الرئيس، خاصة في خطابه الأخير. وأضاف القوماني أن حركة “النهضة” ترى أن “خطاب الرئيس يمثل منعرجاً خطيراً يهدد الاستقرار السياسي ووحدة الدولة المُؤمّن عليها رئيس الجمهورية بمقتضى الدستور، حيث أبدى سعيد إصراراً على احتكار تأويل الدستور، والنزوع إلى التأويلات الشاذة كما وصفها المشيشي في رده على الخطاب ذاته”. ويستغل سعيد هذا الاحتكار في تأويل الدستور، بحسب القوماني، لـ”تمديد سلطته إلى ما ليس من صلاحياته. فبعد أن عيّن الشخصية الأقدر لرئاسة الحكومة (المشيشي) حسب مزاجه، ودون أي اعتبار لاقتراحات الأحزاب والكتل الكبيرة في البرلمان، عمد إلى تعيين عدد كبير من الوزراء في حكومة الميشيشي، ولكن حين غيّر الأخير بعضهم غضب الرئيس ورفض التعديل الوزاري وعطله إلى الآن، واليوم يعلن نفسه قائداً على القوات العسكرية والأمنية في محاولة للسطو على صلاحيات رئيس الحكومة”. كما أن رئيس الدولة يخطو خطوة خطيرة في اتجاه إقحام المؤسسة الأمنية في التجاذبات السياسية وهو يتوعد النواب بصورة واضحة. تلاعب إماراتي بورقة اليسار جبهة الانقاذ، التي تكونت الإثنين 28 يونيو، بمشاركة منظمات وجمعيات وأحزاب وشخصيات تونسية – أغلبها يسارية – تتولى الدعوة لإجراء استفتاء شعبي لتغيير النظام السياسي والقانون الانتخابي، وذلك عبر إطلاق عريضة توجه للشعب لجمع التواقيع باعتباره “صاحب السيادة الأصلية”، على نفس طريقة حركة تمرد المصرية في 2013.. يقود هذه المبادرة حزب “حركة مشروع تونس”، لصاحبه محسن مرزوق، فضلًا عن حزب “بني وطني” الذي يقوده سعيد العايدي، وعدة شخصيات،  بينها شوقي الطبيب الرئيس السابق لهيئة مكافحة الفساد وكمال الجندوبي الرئيس السابق لهيئة الانتخابات والصادق بالعيد أستاذ القانون الدستوري والمنجي الحامدي وزير الخارجية السابق ومنظمات، من بينها “ائتلاف صمود” و”الرابطة التونسية للمواطنة” و”المبادرة التونسية من أجل جبهة موحدة لكافة القوى الديمقراطية والمدنية”. يقول القائمون على هذه الجبهة إن هدفهم الأساسي إصلاح المنظومة السياسية بعد استيفاء كل محاولات الإصلاح من داخل المنظومة سواء عن طريق البرلمان أم ممثلي السلطة التنفيذية، وذلك من أجل إرجاع السلطة للشعب. ويرى هؤلاء أن النظام السياسي الحاليّ أثبت فشله وخلق أزمات عديدة في مؤسسات الدولة وعطل دواليبها، ومن المنتظر أن تتوزع المبادرة على أكثر من نشاط، منه ما يتعلق بتجهيز عريضة لجمع الإمضاءات بشأن تغيير النظام السياسي، وأخرى تشمل تحركات ميدانية للتعريف بأهمية الذهاب نحو إجراء الاستفتاء. وبغض النظر عن مدى دستورية الاستفتاء على فصول الدستور التي تحدد النظام السياسي للبلاد، فهذه المبادرة تتماشى مع الأفكار التي يطرحها رئيس الجمهورية قيس سعيد، الذي سبق أن كشف في أكثر من مرة تبنيه فكرة تغيير النظام السياسي والقانون الانتخابي، إلى جانب تنقيح الدستور الذي قال إنه “قام على وضع الأقفال في كل مكان”. وفق الدستور، فإن النظام السياسي الحاليّ، هو نظام برلماني معدل، يمنح البرلمان صلاحيات واسعة في مراقبة الحكومة واختيار رئيسها، ويوزع السلطة التنفيذية بين رئيس دولة منتخب مباشرة من الشعب، لكنه لا يتمتع بصلاحيات واسعة، ورئيس حكومة منتخب من الأغلبية داخل البرلمان وله أغلب الصلاحيات. ويسعى سعيد إلى تغيير النظام السياسي من برلماني معدل إلى رئاسي كما كان معمول به في دستور 1959، وذلك للاستحواذ على كل صلاحيات الحكم في تونس والمسك بزمام الأمور، وقد أسر بذلك للأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورد الدين الطبوبي مؤخرًا. وبمتابعة تحركات الرئيس وتصريحاته، يظهر أنه طامع في السلطة ومستأثرًا بها، زاهدًا في الثورة التونسية وما أفرزته، حتى إنه لم يحتفل بعيد الثورة مع التونسيين ولا بعيد الاستقلال ولا الجمهورية دون توضيح سبب ذلك. تعتبر هذه المبادرة التي يقودها سعيد وبعض رفاقه اليساريين، متنفسًا للرئيس سعيد بعد الضغط الكبير الذي تمارسه ضده أحزاب عديدة. ويعلم حلفاء قيس سعيد، أن…

تابع القراءة
العلاقات المصرية التركية .. أسباب فتور العلاقات ومآلاتها

العلاقات المصرية التركية .. أسباب فتور العلاقات ومآلاتها

    العلاقات المصرية التركية في ظل لقاءات التقارب والاستكشاف الجارية منذ شهور، حول تفكيك عدد من الملفات وإعادة تصميم العلاقات الثنائية على أسس من المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، وأبرز هذه الملفات، تحجيم المعارضة المصرية التي لجأت إلى عدد من البلدان في أعقاب انقلاب 3 يوليو 2013م فرارا بحياتهم وحريتهم من ظلم الجنرالات وكانت تركيا أحد أهم الدول التي استضافت المضطهدين في مصر وضمنت لهم لجوءا سياسيا آمنا حتى اليوم، ويستهدف النظام المصري من التقارب الجاري حاليا مع أنقرة ألا تكون مركزا للإعلام المناهض للنظام العسكري في مصر، ولا ملجأ لقادة المعارضة المصرية الذين يناوئون النظام العسكري في مصر؛ أملا في حصار الفضائيات المعارضة للنظام التي تبث من تركيا وتحجيم أنشطة المعارضة بالخارج حتى تبقى على الهامش بلا تأثير يمكن أن يهدد النظام. هناك أيضا الملف الليبي، لا سيما في أعقاب زيارة قام بها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار لطرابلس تبعته زيارة مماثلة لرئيس جهاز المخابرات المصري اللواء عباس كامل، بما يتفح المجال أمام تكهنات عودة الصراع على ليببا من جديد. وتضغط القاهرة من أجل تحجيم النفوذ التركي، وتطالب بإجلاء القوات التركية الموجودة في ليبيا، وترى في وجود هذه القوات سببا من أسباب عدم الاستقرار؛ وهو الأمر الذي ترفضه أنقرة، وتؤكد على أن وجود قواتها في طرابلس وجود شرعي بناء على اتفاقات مع الحكومة الليبية، وترد تركيا بأن الحماس المصري ضد القوات التركية ليس بذات القدر مع القوات الأجنبية الأخرى في ليبيا مثل الوجود الروسي والفرنسي وحتى الإماراتي بخلاف الوجود المصري ذاته ودعم القاهرة لحفتر على مدار السنوات الماضية. الملف الثالث هو النفط والغاز في منطقة شرق المتوسط، وهو الملف الذي دفع تركيا نحو التقارب مع القاهرة بهدف الوصول إلى اتفاق  ترسيم للحدود البحرية يضمن مصالحها وثرواتها في مقابل الأطماع اليونانية والإسرائيلية، كما يضمن مصالح القاهرة ويمنحها اتفاقا  يضم مناطق واسعة إلى مياهها الاقتصادية بخلاف اتفاقها مع اليونان الذي يضر بمصالح مصر الاقتصادية ويحرمها من مناطق تضم ثروات هائلة من النفط والغاز. ورغم مكاسب القاهرة من اتفاق ترسيم حدودها البحرية مع أنقرة ، لكن نظام السيسي يرهن التقدم في ملف النفط والغاز شرق المتوسط بمدى التجاوب التركي في باقي الملفات بما يمثل امتثالا تركيًا للمطالب المصرية. هناك أيضا الملف السوري، حيث تنظر القاهرة إلى الوجود التركي في شمال سوريا باعتباره وجودا غير شرعي، في ظل دعمها لنظام الأسد؛ وبالتالي فنظام السيسي يريد على الأقل التوصل إلى صيغة لا تهدد نظام الأسد من الجانب التركي. لكن تركيا ترد بأن الحماس المصري يقتصر فقط على القوات التركية في شمال سوريا ولا يمتد هذا الحماس إلى المطالبة بخروج القوات الروسية التي تحولت إلى قوات احتلال دائم ومستقر، وكذلك الوجود الإيراني والأميركي؛ ونظام السيسي لا يطالب بخروج هذه القوات، بما يعني أن الهدف ليس تحرير سوريا من القوات الأجنبية بقدر ما هو توجه مصري نحو تقليص النفوذ التركي لحساب الوجود الروسي والإيراني الداعم للأسد. ودائماً ما ترهن القاهرة التقدم في مسار «تطبيع» العلاقات مع أنقرة بـ«الاطمئنان» إلى مراعاة مصالحها من قبل تركيا، ومنها «احترام الخصوصية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والتوقف عن رعاية أي عناصر مناهضة ومناوئة للنظام». ويبدو أن نظام السيسي وضع الملف السوري من أجل ابتزاز تركيا حتى تقبل بمطالبه في الملفين الأول والثاني المتعلقين بالمعارضة المصرية والملف الليبي، في مقابل غض الطرف عن الملف السوري الذي يمثل أهمية كبيرة للأمن القومي التركي ضد المنظمات الإرهابية التي تناصب أنقرة العداء مثل حزب العمال الكردستاني وداعش.   فتور العلاقات الحماس الذي كان ملحوظاً خلال الشهور الماضية ومنذ ديسمبر 2020م  بين مصر وتركيا حول التقارب وتطبيع العلاقات لم يدم طويلاً، إذ تابع الجميع مؤخراً فتوراً في تلك المحاولة، بل وتراشقاً إعلامياً كان أكثر حدة من جانب النظام العسكري في مصر ضد تركيا، تجلى بوضوح في هجوم وانتقاد الآلة الإعلامية المصرية لتركيا، مشككين في إمكانية نجاح التقارب مع أنقرة، نظراً لعدم استجابتها لما أسمتها بالمطالب المصرية. يبرهن على هذا الفتور في العلاقات الوليدة تصريحات وزير الخارجية سامح شكري خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب، ببرنامج “الحكاية” المذاع عبر فضائية “MBC مصر”، مساء الجمعة 25 يونيو 2021م، والتي اشتملت على الرسائل التالية: رهن شكري، مضي بلاده بمسار «تطبيع العلاقات» مع تركيا بإقدامها على «تغيير المنهج» ومراعاة آراء القاهرة بشأن سياسات أنقرة المتصلة بالمصالح المصرية. وقال إن مصر «خلال الحوار الاستكشافي الذي تم وخرج على مستوى نواب الخارجية (مطلع الشهر الماضي) أبدت كل ما لديها من آراء متصلة بالسياسات التركية، وما نتوقعه من تغيير في المنهج حتى يتم تطبيع العلاقات مرة أخرى». نفى وجود موعد محدد حاليا لاستئناف الجلسات الاستكشافية للنظر في العلاقات المصرية التركية. وأكد الاكتفاء بالتمثيل الدبلوماسي القائم حاليا بين الطرفين على مستوى القائم بالأعمال والذي يجري من خلاله الحوار السياسي الطبيعي في نقل الرسائل وإدارة العلاقة، وتوصيل ما يراه الطرفان من وجهة نظر تجاه تطبيع العلاقات بين البلدين. كما نفى توجه وفد مصر إلى أنقرة ردا على زيارة الوفد التركي الذي زار القاهرة في مايو الماضي، موضحا أن ترتيب اللقاء مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، بشكل ثنائي مباشر، «سيأتي عندما نواصل المراحل الاستكشافية (في الحوار بين البلدين) التي تتم على المستوى دون الوزاري». تطرق شكري إلى وجود قوات تركية في ليبيا، وقال إنها «قوات نظامية وهي المقصودة ببيان (مؤتمر برلين 2) وغيرها من القوات التي تعمل بالأراضي الليبية»، مدعياً أن أنقرة «تحاول أن تضفي شرعية على الوجود في ليبيا، ولكن هذه الشرعية ليست لها محل لأنها تمت وفقاً لاتفاق لحكومة لم يكن لها ولاية بأن تعقد اتفاقيات مرتبطة بسيادة وفقاً لبنود اتفاق (الصخيرات) الذي أتى بهذه الحكومة وحدد نطاق عملها».[[1]] وكان شكري في مقابلة له على قناة الجزيرة يوم 14 يونيو 2021م على هامش زيارته للدوحة ولقائه بوزير خارجيتها قد أشار إلى أن من أهم قضايا الخلاف التي يتعين حلها خلال المحادثات بين تركيا ومصر، هو الوجود العسكري في ليبيا. وضرورة الانسحاب الكامل لكافة القوات الأجنبية من ليبيا هو مطلب أممي، وأن تركيا ليست مستثناة من ذلك، وأن هذا الوجود التركي قد قطع الطريق أمام فتح صفحة جديدة في العلاقات. في اللقاء ذاته، أوضح شكري أنهم يتوقعون تحقيق الشروط التي نقلوها للجانب التركي كشرط من أجل تحقيق تقارب في العلاقات بين البلدين. تصريحات شكري تأتي بعد أيام من إفادة إعلاميين في فضائيات المعارضة التي تبث من أنقرة بأن «مسؤولين أتراكاً طالبوهم بـ(التوقف تماماً) عن العمل بالبرامج التي تهاجم النظام في مصر، ليس فقط عبر شاشات الفضائيات ولكن أيضاً «عدم الظهور عبر منصات مواقع التواصل أو (يوتيوب)»، كما أفادت تقارير أن محمد ناصر وحمزة زوبع “مكملين” وهشام عبدالله “الشرق” قد جرى الطلب…

تابع القراءة
مؤتمر برلين 2 حول ليبيا .. النجاحات والتحديات

مؤتمر برلين 2 حول ليبيا .. النجاحات والتحديات

  انطلقت أعمال مؤتمر برلين 2 حول ليبيا، فى 23 يونيو 2021، بمشاركة 15 دولة إضافة إلى 4 منظمات دولية. وتضم قائمة الدول المشاركة كل من ليبيا وتركيا والولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وسويسرا والمملكة المتحدة. كما تشمل قائمة المشاركين تونس والجزائر والمغرب ومصر والإمارات. ويشارك في المؤتمر أربع منظمات دولية هي الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي “الناتو” والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية. وتغيب عن المؤتمر وزيرا الخارجية الصيني والروسي، وحضر ممثلان عنهما. وهذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها الحكومة الليبية في فعاليات مؤتمر برلين[1]. ويأتى انعقاد مؤتمر برلين، بحسب ما افاد به سفير ألمانيا لدى ليبيا أوليفر أوفتشا، لتحقيق ثلاثة أهداف: الأول؛ تقييم ما تحقق في مؤتمر برلين الأول (المنعقد فى يناير 2020)، وهو في المقام الأول وقف إطلاق نار دائم، وسلطة تنفيذية مؤقتة، واستئناف إنتاج النفط وتعافي الاقتصاد. والهدف الثانى؛ تمثيل ليبيا كعضو كامل العضوية في مؤتمر برلين، حيث يمثلها رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش. والهدف الثالث؛ إنجاز القضايا المفتوحة في خريطة الطريق، وعلى رأسها الانتخابات الوطنية، التي يجب الإعداد لها في نهاية العام (24 ديسمبر 2021)، وكذلك انسحاب القوات الأجنبية والمقاتلين من أجل تعزيز تنفيذ أهداف وقف إطلاق النار[2]. وتسعى هذه الورقة إلى توضيح مدى إمكانية نجاح هذا المؤتمر فى تحقيق تلك الأهداف. وعليه سيتم تقسيم الورقة إلى محورين رئيسيين: الأول؛ يتعلق بالعوامل التى قد تساهم بنجاح المؤتمر فى تحقيق أهدافه، والثانى؛ يرتبط بالعوامل التى قد تحول دون تحقيق هذه الأهداف.   أولًا: العوامل المساهمة فى إنجاح المؤتمر: يمكن الإشارة إلى مجموعة من العوامل التى قد تساهم بنجاح مؤتمر برلين فى تحقيق أهدافه كما يلى: 1- وجود تمثيل ليبي رسمي يمثله رئيس حكومة وحدة وطنية، للمرة الأولى، عكس مؤتمر برلين الأول الذي حضر فيه خليفة حفتر وفائز السراج كممثلين لحالة الانقسام الليبية، وجلسا في قاعتين جانبيتين من دون أن يشاركا فى المؤتمر[3]. 2- ينعقد مؤتمر برلين 2 في ظل تحسن في أجواء العلاقات بين أطراف إقليمية لطالما شكلت ليبيا مسرحًا لصراعاتها. فقد شهدت علاقات القاهرة بأنقرة تحسنًا غير مسبوق منذ القطيعة بين البلدين على خلفية الإطاحة بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي في سنة 2013. فالنظام المصري المحاطة بالنزاعات على حدودها (غزة-إسرائيل، وضع غير مستقر في السودان، أزمة مفتوحة مع أثيوبيا)، ترى من مصلحتها ترسيخ الاستقرار في الجبهة الليبية، عبر اتخاذ مسافة من الدور العسكري الإماراتي في ليبيا مقابل تقارب مع تركيا وقطر. لكن مصر تعايشت على مر عقود مع النزاعات المسلحة، بل أصبحت لها خبرة في لعب أدوار وساطة وإدارة الأزمات.. ولذلك فإن إعطاء دور للنظام المصري في الملفات الأمنية والعسكرية الشائكة في ليبيا قد يكون من الأمور التي لن تتردد أجهزة السيسي في الاضطلاع بها، خصوصا إذا كان ذلك يمنحها تحقيق مزيد من المصالح. كما ضاعفت الدبلوماسية الألمانية جهودها لتأمين حضور الجار المغاربي الذي كان ضعيفا في مؤتمر برلين الأول. فقد وجهت برلين دعوات لدول الجوار المغاربي: تونس والجزائر والمغرب أيضا هذه المرة رغم حالة الفتور في العلاقات وكان الملف الليبي واحدا من مسبّباته، ومن شأن حضور المغرب الذي احتضن جولات حوار ليبي ناجحة، إضفاء مزيد من الزخم الدبلوماسي للعملية السياسية والانتخابية. كما تعد مشاركة الجارة الجزائر ورقة استراتيجية مهمة في أفق الترتيبات الأمنية والعسكرية التي يمكن التوصل إليها. إذ تشترك الجزائر بحوالي ألف كيلومتر من الحدود مع ليبيا، وتشكل حدود البلدين منطقة حساسة تربط شمال أفريقيا بمنطقة الساحل والصحراء. وتبدي الدول الغربية مزيدا من الاهتمام بدور الجيش الجزائري في تلك المنطقة، ولاسيما بعد التطورات الدراماتيكية في شمال تشاد في أبريل الماضي إثر هجوم قوات متمردين تشاديين قادمين من جنوب ليبيا، والتي أدت إلى مصرع الرئيس التشادي ادريس ديبي. ودور الجيش الجزائري خارج حدود البلاد، لم يعد من المحظورات بعد التعديلات التي أدخلت على الدستور الجزائري، وكشف الرئيس عبد المجيد تبون النقاب لأول مرة عن سيناريو “تدخل جزائري” كان سيحدث قبل عامين لمنع سقوط العاصمة طرابلس من قبل قوات مرتزقة، كما قال مؤخرا في حوار مع قناة “الجزيرة” القطرية[4]. 3- الاهتمام الأمريكى المتصاعد بالملف الليبى، وهو الاهتمام الذى تجلى بصورة كبيرة فى رفع مستوى التمثيل الدبلوماسى الأمريكى داخل ليبيا، والذى ظهر مع تعيين وزارة الخارجية الأمريكية سفيرها في ليبيا ريتشارد نورلاند مبعوثا خاصا إلى ليبيا بالإضافة إلى مهمته. ومنذ ذلك الحين، يعمل نورلاند على التواصل مع جميع الأطراف المنخرطة فى النزاع الليبى من أجل حل الأزمة الليبية. وقد كشف نورلاند عن جانب من هذه الاتصالات، عندما أكد، فى 21 يونيو الحالى، أن “هناك مفاوضات جارية مع بعض الأطراف المهمة تهدف إلى محاولة دفع بعض المرتزقة والمقاتلين الأجانب للرحيل”. ومؤكدًا على أنه “سيكون ذلك تطوراً مهماً للغاية ومؤثراً جداً، لكننا لا نقترح الانتظار حتى العام المقبل في محاولة لتحقيق بعض التقدم”[5]. 4- الدعم الأوروبى لحكومة الوحدة الوطنية، فلم يمضِ وقت طويل منذ منح مجلس النواب الليبي الثقة لحكومة دبيبة في 10 مارس 2021، حتى شهدت ليبيا تحركات دبلوماسية من قِبل عدة دول أوروبية بالإضافة لتمثيل الاتحاد الأوروبي، البداية جاءت عبر زيارة وزراء خارجية دول: فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا يوم 25 مارس 2021 لليبيا، تزامن ذلك مع  تلقّي “محمد المنفي” رئيس المجلس الرئاسي دعوة من الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون لزيارة باريس، ثم في 5 أبريل دون إعلان مسبق زار رئيس المجلس الأوروبي طرابلس، والتقي بكلٍ من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة، ووزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش. ولم تتوقف التحركات الأوروبية عن الزيارات المتبادلة بل تعدّت لفتح السفارات؛ حيث أعيد فتح السفارة الفرنسية في 29 مارس، ثم السفارة اليونانية في 7 أبريل، مع إعادة فتح المجال الجوي بين اليونان وليبيا. ومن سياق الزيارات السابقة نجد أن الخطاب الرسمي لقادة المؤسسات الاوروبية وتحديدًا المفوضية والمجلس الأوروبي، والخطابات المنفردة لزعماء الدول المنخرطة في الأزمة الليبية مثل فرنسا وإيطاليا تسير على نهج أوروبي موحد تجاه القضايا الرئيسية في  ليبيا وهى: (التعاون الاقتصادي – الأمن والإرهاب – الهجرة – خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة)[6]. كما أعلن الاتحاد الأوروبي في السابع عشر من مارس 2021، تمديد مهمة العملية العسكرية “إيريني” التي تختص بمراقبة حظر الأسلحة في ليبيا وذلك لمدة عامين (تنتهي في مارس 2023)، التي تم تدشينها على ضوء مخرجات مؤتمر “برلين”، تنفيذًا لقرارات مجلس الأمن بشأن الأسلحة من خلال استخدام الطائرات والأقمار الصناعية والبحرية، وتأتي تلك الخطوة في أعقاب انتهاء العملية “صوفيا”، ومن الملاحظ أن هناك اهتمامًا ألمانيًا بذلك برز فيما قررته الحكومة الألمانية في التاسع والعشرين من مارس 2021 بتمديد مشاركتها البحرية في العملية بالعسكريين والمعدات البحرية والجوية[7]. أيضًا، فقد أرتفعت حدة التهديدات الأوروبية لمن يعرقل…

تابع القراءة
سد النهضة .. هل ينجح اجتماع الدوحة فى دعم الموقف المصرى والسودانى؟

سد النهضة .. هل ينجح اجتماع الدوحة فى دعم الموقف المصرى والسودانى؟

    أعلن وزراء خارجية الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية في ختام اجتماعهم غير العادي الذي عقد في الدوحة بطلب من القاهرة والخرطوم، فى 15 يونيو، دعوة مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة عاجلة لمناقشة تطورات أزمة سد النهضة. واتفق العرب على أن تكون كلمتهم واحدة في هذا الملف، مع التأكيد أن أزمة السد تمثل ركيزة أساسية للأمن القومي العربي[1]. وقد أختلفت الأراء وتباينت التحليلات حول جدوى هذا الاجتماع، ومدى مساهمته فى حل أزمة سد النهضة، وقد تركزت تلك التحليلات فى رأيين أثنين:   الرأى الأول: أن الاجتماع سيكون له تأثير إيجابى لصالح مصر والسودان: يشير العديد من المراقبين إلى أن اجتماع جامعة الدول العربية سيكون له تأثيرًا إيجابيًا كبيرًا لصالح مصر والسودان فى أزمة سد النهضة لعدة أسباب، منها: 1- الدعم العربي الكامل والاصطفاف بشكل أكبر خلف الموقف المصرى والسودانى فى هذا الاجتماع مما كان عليه اجتماع العام الماضي، وهو ما اتضح في اجتماع وزراء الخارجية في العاصمة القطرية الدوحة، وذلك بعد حل الخلافات بين قطر من جانب ومصر والسعودية والإمارات والبحرين من جانب آخر خلال قمة العلا المنعقدة فى يناير الماضى[2]. كما أن القرار الصادر عن المجلس الوزارى العربى لم يشهد أى تحفظات من جانب أى دولة عربية على عكس قرار المجلس الوزارى السابق الذى أبدت كلًا من دولتي جيبوتي والصومال تحفظات عليه[3]. 2- التحول الكبير في الموقف السوداني، حيث أصبحت مصر والسودان تتبنيان نفس الرؤية تقريباً فيما يتعلق بملء وتشغيل السد الإثيوبي والأضرار المتوقعة جراء تشغيله بشكل أحادي، وقد بلغ الأمر أن السودانيين خرجوا في تظاهرات أمام السفارة الإيطالية للتنديد بدور الشركة الإيطالية في تشييد السد الذي ستكون أضراره ومخاطره كارثية على السودانيين. وذلك على عكس الموقف السوداني السابق، والذى كان غير داعم للتحركات المصرية بشكل كامل كما هو الحال الآن، فقد وصل بهم الحال وقتها لرفض إقحام اسم السودان في بيان رسمي من جامعة الدول العربية لدعم حقوق مصر والسودان في مياه النيل[4]. 3- أن الاجتماع يأتى بالتزامن مع التحركات القطرية للعب دور الوسيط فى أزمة السد، ففي 2 يونيو الماضي، بحث المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري للشؤون الإقليمية علي بن فهد الهاجري، مع مبعوث واشنطن للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، آخر التطورات في منطقة القرن الأفريقي وسبل التعاون بين الدوحة وواشنطن لدعم التنمية بالمنطقة. وجاء ذلك خلال الجولة الخليجية التي أجراها فيلتمان، والتي تشمل إلى جانب قطر، السعودية والإمارات، وذلك لحل النزاع بشأن سد النهضة الإثيوبي بشكل مقبول لكل الأطراف، حسبما ذكرت الخارجية الأمريكية. وخلال شهر مايو الماضي، أجرى نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، زيارة للعاصمتين الخرطوم والقاهرة. وفور عودته إلى الدوحة، استقبل الوزير القطري، في 26 مايو 2021، وزيرَ الدولة للشؤون الخارجية بإثيوبيا رضوان حسين، في إشارة لا تخطئها عين إلى أن قطر قد تسهم بخبرتها في حل النزاعات الدولية والإقليمية، في حلحلة هذا الملف المثير للجدل[5]. 4- أن هذه الاجتماع يأتى بالتزامن مع اللقاء الذي عقده السيسي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مدينة شرم الشيخ، فى 11 يونيو الجارى. وهى الزيارة التى أسفرت – بحسب تقارير إعلامية – عن حصول القاهرة على دعم الرياض للموقف المصري في أزمة سد النهضة، والتحول من الحياد إلى الانخراط فيها لإيجاد تسوية مناسبة لا تعتدي على حقوق مصر في مياه النيل، من خلال توظيف الاستثمارات السعودية الكبيرة في إثيوبيا لصالح القاهرة[6]. 5- أن الاجتماع لم يتوقف هذه المرة عند حد المطالب وإصدار البيانات فقط – كما هو متعارف عليه فى اجتماعات جامعة الدول العربية -، ولكنه أسفر عن خطوة عملية تمثلت فى تشكيل لجنة للتنسيق فى التحرك نحو مجلس الأمن. فقد طالب بيان الوزراء العرب مجلس الأمن بـ”اتخاذ الإجراءات اللازمة لإطلاق عملية تفاوضية فعالة تضمن التوصل في إطار زمني محدد لاتفاق عادل ومتوازن وملزم قانوناً يراعي مصالح الدول الثلاث، (مصر والسودان) دولتي المصب، وإثيوبيا”. ودعا الاجتماع تونس، العضو الحالي في مجلس الأمن، إلى تكثيف جهودها، والاستمرار في التنسيق الوثيق مع الخرطوم والقاهرة حول الخطوات المستقبلية في هذا الملف[7]. كما شُكلت لجنة من السعودية والأردن والعراق والمغرب، على مستوى الجامعة العربية، لإجراء اتصالات مع مجلس الأمن لدعم مصر والسودان في ملف سد النهضة[8]. وما يزيد من أهمية هذه الخطوة أنها أتت بالتزامن مع توجه مصر بخطاب إلى مجلس الأمن فى 11 يونيو الماضي. 6- رسالة مصر والسودان إلى مجلس الأمن فى أزمة السد، باعتباره الجهة المسؤولة عن الأمن والسلام في العالم، سبقتها الإجراءات المتبعة في مثل هذه الأزمات، وهي أن يوكل إلى المنظمات الإقليمية (الاتحاد الأفريقى) القيام بحل المشكلات، ولكن في حال فشل هذه المنظمات، وكانت المشكلة تهدد أمن أي منطقة في العالم، من واجب مجلس الأمن، ومن حقه، أن يتدخل للحفاظ على الأمن والسلام[9]. 7- قد تلعب النبرة الحادة للسيسي في حديثه عن المساس بالأمن المائي المصري دوراً في تحريك المجتمع الدولي وتدخل مجلس الأمن للضغط على إثيوبيا للتخلي عن موقفها المتعنت وتبني نهجاً أكثر مرونة من أجل التوصل لاتفاق. 8- قد يمثل النزاع الحدودي بين إثيوبيا والسودان دافعاُ لمجلس الأمن للتدخل وتقديم حلول لقضية السد هذه المرة خشية أن يتطور النزاع المسلح بين الجانبين لحالة حرب محتملة في المنطقة[10]. 9- الموقف الأمريكى الغاضب من أثيوبيا على خلفية أزمة إقليم التيجراى، وهو الموقف الذى تجلى فى إعلان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، فى مايو الماضى، فرض قيود على منح تأشيرات إلى أي مسئول أمني أو حكومي حالي أو سابق إثيوبي أو أريتري، ثبت ضلوعه في الانتهاكات التي ترتكب بإقليم تيجراي. وأعلنت الخارجية الأمريكية أيضا فرض قيود واسعة النطاق على المساعدات الاقتصادية والأمنية إلى إثيوبيا[11].   الرأى الثانى: أن الاجتماع لن يكون له أى تأثير إيجابى لصالح مصر والسودان: وعلى الجانب الآخر، يشير محللين إلى أن اجتماع جامعة الدول العربية لن يكون له أى تأثير على أزمة سد النهضة، وذلك لمجموعة من الأسباب، منها: 1- أن مصر سبق وأن أرسلت خطابين لمجلس الأمن بخصوص أزمة سد النهضة دون تحقيق أى نتائج تذكر. فقد سبق أن أرسلت الخارجية المصرية خطاب لرئيس مجلس الأمن بتاريخ 13 أبريل 2021، والخطاب الثانى فى يونيو 2020 قبل أن تقدم إثيوبيا على الملء الأول لخزان السد في يوليو من نفس العام، ما يشير إلى أن أثيوبيا لم تُعر مجلس الأمن والاتحاد الأفريقى اهتماماً وأكملت عملية الملء الأول على الرغم من تحذيرهما لها من عواقب اتخاذ خطوات أحادية أو استفزاز مصر والسودان[12]. وبالتالى فإنها لن تستجيب لأى مطالب أو تهديدات عربية. 2- أن الجامعة العربية لن تستطيع أن تقدم شيئاً في ملف سد النهضة، لأن إثيوبيا أولاً ليست عضواً فيها، والمنظمة ذات الصلة…

تابع القراءة
إقليم تيغراي خارج السيطرة .. حكومة آبي أحمد تنسحب من العاصمة

إقليم تيغراي خارج السيطرة .. حكومة آبي أحمد تنسحب من العاصمة

أعلنت الحكومة الإثيوبية وقفا لإطلاق النار من جانب واحد في إقليم تيغراي، بعد ثمانية أشهر من إرسال رئيس الوزراء آبي أحمد قوات لشن عملية عسكرية في الإقليم. وأفادت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية بأن قوات المتمردين دخلت عاصمة إقليم تيغراي الإثيوبي، ونقلت الوكالة عن شهود قولهم إن مقاتلين موالين لـ”قوات دفاع تيغراي” المنشقة دخلوا مدينة ميكيلي بعد ظهر اليوم. وكانت الإدارة المؤقتة في منطقة تيغراي طلبت من الحكومة الفيدرالية وقف إطلاق النار للسماح بإيصال المساعدات بعد ما يقرب من ثمانية أشهر من الحرب. وقال غيتاشيو ريدا، المتحدث باسم جبهة تحرير شعب تيغراي، لوكالة رويترز للأنباء إن المدينة باتت الآن تحت سيطرتهم. وقال عدد من السكان في ميكيلي لبي بي سي إنهم يحتفلون برحيل القوات الاتحادية. وقال مصدر في الحكومة الانتقالية، لم يكشف عن هويته لوكالة فرانس برس، إن “الجميع غادروا”، بينما أبلغ اثنان من شهود العيان رويترز بأن مقاتلين من جبهة تحرير شعب تيغراي شوهدوا في مدينة ميكيلي. ولم تعلق الحكومة الإثيوبية حتى الآن على التقارير التي تقول إن جنودها أجبروا على الانسحاب. فلاش باك وشنت الحكومة المركزية في إثيوبيا هجوما في إقليم تيغراي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي للإطاحة بحزب جبهة تحرير شعب تيغراي الحاكم في المنطقة في ذلك الوقت. وكان هناك خلاف كبير بين الحزب ورئيس الحكومة المركزية آبي أحمد بشأن تغييرات سياسية في هذه الدولة التي يقوم نظام الحكم الفيدرالي بها على أساس عرقي. وكان من أهم دوافع الحكومة الإثيوبية لشن هجومها في الإقليم هو سيطرة جبهة تحرير شعب تيغراي على القواعد العسكرية في المنطقة. الوضع الإنساني في العاشر من يونيو/ حزيران، وصفت الأمم المتحدة الموقف شمالي إثيوبيا بالمجاعة. وكشفت دراسة، أجريت بدعم من الأمم المتحدة أن 350000 شخص يعانون “أزمة طاحنة” في الإقليم الذي تدمره الحرب. ووفقا لتلك التقديرات الأممية، وصل الموقف من حيث توافر إمدادات الغذاء إلى حدٍ يمكن معه وصفه “بالكارثي”، وهو الوصف الذي تستخدمه المنظمة الدولية في وصف المجاعة والموت الذي يؤثر على مجموعات صغيرة من الناس في مناطق كبيرة. وطالب برنامج الأغذية العالمي ومنظمتا الغذاء والزراعة، والأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بتحرك عاجل للتعامل مع هذه الأزمة.  

تابع القراءة
الحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل: قراءة فى النتائج والتداعيات

الحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل: قراءة فى النتائج والتداعيات

    شهدت القدس في العشر الأواخر من رمضان مواجهات كبيرة بين الفلسطينيين من جهة وقوات الشرطة الإسرائيلية -وأحيانًا بمشاركة عناصر التنظيمات اليهودية المتطرفة- من جهة أخرى؛ وهي المواجهات التي اصطلح الفلسطينيون على تسميتها “هبة القدس“. وقد تفجرت المواجهات إثر ثلاثة تطورات رئيسة: التطور الأول؛ يتمثل فى صدور قرارات قضائية إسرائيلية قضت بإخلاء 12 منزلًا فلسطينيًّا في حي “الشيخ جراح”، الذي يعد أحد أحياء القدس الشرقية، من قاطنيها وتسليمها للسكان اليهود. التطور الثانى؛ يتمثل فى إغلاق شرطة الاحتلال مدرجات حي “رأس العامود”، التي تعد من المعالم الوطنية الفلسطينية المهمة في القدس، والتي تمثل محطة يلتقي عندها الفلسطينيون المتجهون إلى الأقصى. التطور الثالث؛ يتمثل فى السماح للجماعات اليهودية المتطرفة بتنظيم مسيرات استفزازية في الأحياء الفلسطينية من المدينة واقتحام شرطة الاحتلال المسجد الأقصى[1]. وقد توسعت هذه المواجهات مع اقتحام جنود إسرائيليين للمسجد الأقصى والاعتداء بالضرب على المصلين فيه، ورد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة برشقات صواريخ دفاعًا عن القدس والمسجد الأقصى بعد اقتحام الجنود الإسرائيليين له، ثم بدء جيش الاحتلال عدوانًا عسكريًا على قطاع غزة[2]، ولتقوم مواجهات عسكرية عنيفة بين المقاومة وإسرائيل اصُطلح على تسميتها ب “حرب غزة الرابعة”. وليتم التوصل بعد ذلك إلى وقف متزامن لوقف إطلاق النار بين الطرفين، بوساطة مصرية، في 21 مايو 2021. وقد أظهرت هذه الجولة من التصعيد بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل مجموعة من النتائج والتداعيات الهامة، يمكن توضيحها كما يلى: 1- عودة المقاومة المسلحة إلى الواجهة: لقد أسهمت تلك الأحداث فى دفع الفصائل (حماس والجهاد الإسلامى) وخيار المقاومة للواجهة، ولم يعد الحديث عن فصائل غزة فى مواجهة إسرائيل فقط، ولكن المقاومة فى مواجهة الخيار السياسي، الذى تمثله السلطة الفلسطينية. وبعد أن فشلت الفصائل فى المشاركة فى صناعة القرار والتعبير عن حجمها عبر صناديق الانتخابات، بعد تأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية التى كان من المقرر إجراؤها فى 22 مايو الجاري، أصبحت المواجهات المباشرة والهتافات التى تطالب محمد الضيف، القائد العام لكتائب عز الدين القسام- الجناح العسكرى لحركة حماس، بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية، بمثابة ساحة للفرز والتأكيد على قيمة ومكانة خيار المقاومة فى المشهد الفلسطيني[3]. 2- بروز تطورات نوعية لدى المقاومة: فقد أظهرت هذه الجولة مدى التطور العسكرى والإدراك السياسى والاستراتيجى لدى المقاومة (خاصة حماس) فى غزة، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلى: – تفاعل المقاومة في غزة مع هبة القدس بإطلاقها عملية “سيف القدس”، فى رسالة منها على أن سلاحها تحت خدمة القضية الفلسطينية، وأنها تدافع عن الفلسطينيين وحقوقهم أينما وجدوا سواء فى القدس أو الضفة أو حتى فى الداخل المحتل، وفى رد فعلى من قبل المقاومة على الأصوات التى تتهما بأنها تعمل فقط لخدمة قطاع غزة. – أظهرت عملية “سيف القدس” تطور فى قدرات المقاومة النوعية في صناعة صواريخ محلية اخترقت القبة الحديدية الإسرائيلية ووصلت إلى مناطق مختلفة داخل إسرائيل. وبرز تناقض فى الحديث عن قدرات القبة الحديدية بين خطاب إسرائيلى رسمى يؤكد تصديها لما يصل إلى 90 بالمائة من الصواريخ الفلسطينية وحديث غير رسمى عن محدودية تلك القدرة وأنها لا تتجاوز 20-30 بالمائة[4]. وفي غضون أسبوع من إطلاق عملية “سيف القدس”، أطلقت فصائل المقاومة أكثر من 3000 صاروخ تجاه اسرائيل، أي قرابة 500 صاروخ في اليوم الواحد. وعلاوة على كثافة النيران، برز أيضًا تطور نوعية الصواريخ ومداها، ولا سيما صاروخ A120، الذي أطلقته فصائل المقاومة تجاه القدس المحتلة في 10 مايو، وحمل رؤوسًا متفجرة ذات قدرة تدميرية عالية ويصل مداه إلى 120 كيلومترًا. كما برز صاروخ “عياش 250” الذي أطلقته فصائل المقاومة تجاه مطار رامون الدولي في 13 مايو، ووصل مداه إلى 220 كيلومتر، وهو أبعد مدى وصله صاروخ فلسطيني منذ أول صاروخ أطلقته فصائل المقاومة عام 2001 تجاه مناطق إسرائيلية. كما نفذت فصائل المقاومة هجمات باستعمال طائرات مسيرة محلية الصنع من طراز “شهاب”، تستعمل لأول مرة، استهدفت مراكز إسرائيلية، بينها منصة غاز قبالة ساحل شمال غزة[5]. – استهداف مدن وأماكن حيوية مثل القدس وتل أبيب ومطار بن جوريون ومطار رامون ومنصة غاز قبالة ساحل شمال غزة، ساهمت فى إعادة تقييم حالة توازن القوى والردع القائم بين إسرائيل والفصائل[6]. – أنه على عكس الموقف الإسرائيلي الخاص بفجوة القيادة (نتيجة وجود خصومة وتنافس بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع بيني جانتس فى إطار الأزمة السياسية الخاصة بتشكيل الحكومة) وانعكاسات الأزمة السياسية على كفاءة إدارة المعركة عسكرياً، يبدو الأمر مختلفًا بالنسبة للفصائل الفلسطينية التي أظهرت كفاءة على مستوى القيادة، فهناك قيادة أركان فى كتائب عز الدين القسام تدير تشكيلات تتولى مهاماً مختلفة فى الوقت نفسه، بالإضافة إلى تحسن العامل الاستخباري الذي انعكس فى توسيع بنك الأهداف، فضلاً عن القدرة على إخفاء قسم من القدرات العسكرية[7]. – إن توسع جبهة المقاومة في المنطقة العربية وحدوث تغير نوعي في القدرات الدفاعية لديها أخل بالتوازن التقليدي الذي كان يرجح كفة الكيان الإسرائيل، في حروبها الأولى مع العرب. حدث هذا التغير ابتداء من حرب 2006 مع حزب الله اللبناني، وتواصل في حروبه مع المقاومة الفلسطينية في الاعوام 2008 و 2014، وبلغ ذروته في العدوان الأخير. في هذه الحالات الأربع واجه العدو مجموعات المقاومة وليس الجيوش العربية النظامية التي لم تصمد أمامه في الحروب الاولى منذ العام 1948. وفي العدوان الإسرائيلي الأخير استطاعت صواريخ المقاومة الوصول إلى كل نقطة في الأراضي المحتلة، بما فيها تل أبيب. وعاش المستوطنون حالة من الذعر غير مسبوقة، حيث صفارات الانذار لا تتوقف والصواريخ تمطر عليهم من السماء. وبرغم وجود منظومة دفاع قوية تحت مسمى «القبة الحديدية» فقد تم اختراقها على نطاق واسع الأمر الذي أرعب الإسرائيليين، وربما كان ذلك من العوامل التي أرغمت نتنياهو وحكومته على وقف إطلاق النار[8]. لكن، لايزال الأصعب فى حسابات الفصائل الفلسطينية هو الحجم الهائل للدمار والأضرار التي تعرضت لها البنية التحتية الفلسطينية، فربما خفضت إسرائيل من مستوى استهداف الضحايا المدنيين فى حرب 2021 مقارنة بحرب صيف 2014 (1462 إلى 200 تقريباً)، إلا أنها زادت من مستوى تدمير البنية التحتية، وهو ما سيشكل تحدياً كبيراً بالنسبة لحماس التي سيتعين عليها التخلي عن أولوية إعادة بناء القدرات العسكرية، لصالح التركيز على إزالة آثار الدمار ومعالجة الأضرار كأولوية لفترة طويلة[9]. أضف إلى ذلك، الحسابات السياسية فى ملف إعادة الإعمار، حيث تقف إسرائيل التي تشترط قبل كل شيء حل قضية جنودها الأسرى قبل الإعمار. في الوقت نفسه، تحاول أطراف عربية ودولية سحب البساط من تحت «حماس» لمصلحة السلطة عبر إعلانها تشكيل «لجنة دولية لإعمار غزة»، تعمل على تحويل الأموال إلى رام الله. وهناك أيضًا الموقف المصري السباق في قضية إعادة الإعمار، والإعلان قبل انتهاء المواجهة عن تقديم 500 مليون دولار للقطاع، والذى يعد جزءاً من محاولة لترسيخ مكانة القاهرة، كعنوان لغزة أمام «المجتمع الدولي»…

تابع القراءة
كيف أخضع السيسي محكمة النقض .. قراءة في الخلفية القضائية لأحكام الإعدام ؟

كيف أخضع السيسي محكمة النقض .. قراءة في الخلفية القضائية لأحكام الإعدام ؟

    على غرار القضاء  الإداري والمحكمة الإدارية العليا في مصر، اكتسبت محكمة النقض المصرية مكانة مرموقة في تاريخ القضاء المصري على مدار العقود الماضية؛ ذلك أنها كانت تحرص على الاستقلالية عن مواقف السلطة السياسية، وكم من أحكام قضائية أصدرتها أنصفت فيها متهمين على غير رغبة من السلطة، وامتدت هذه الأحكام حتى سنتين أو ثلاثة لما بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013م. وحتى منتصف 2015 وصولا  2017م، بدأت تحولات ضخمة في بينة المحكمة مثلت انقلابا على مبادئها التي أرستها عبر عقود طويلة، وخلال المرحلة التي تلت ذلك أصدرت المحكمة أحكاما مسيسة وأيدت إعدام العشرات من المعتقلين السياسيين على ذمة قضايا سياسية بالأساس وكان آخرها في يوم الإثنين 14 يونيو 2021م بتأييد حكم الجنايات بإعدام 12 من قيادات ورموز ثورة يناير وجماعة الإخوان المسلمين. وماكان لمحكمة النقض المصرية أن تحكم بكل هذه الأحكام الجائرة من إعدامات جماعية وأحكاما بالمؤبد لمئات المعتقلين السياسيين لولا عمليات الإخضاع التي مارسها نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي للقضاء كله وعلى رأسه محكمتي النقض  والإدارية العليا. سياسات الترغيب اعتمد نظام السيسي على سياسات الترغيب والترهيب لإخضاع المؤسسة القضائية والهيئات القضائية المختلفة، ومن باب الترغيب وفي ظل الإجراءات الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الشعب المصري، وانخفاض قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي، وارتفاع أسعار السلع، والخدمات الأساسية، بقيت طبقات محددة تحافظ على امتيازاتها، ومن ضمنهم القضاة، الذين حرص عبدالفتاح السيسي، على ضمان ولاء القسم الأكبر منهم، بمنحهم صلاحيات واسعة، ومكافآت كبيرة وامتيازات ضخمة. ولتحقيق ذلك حافظ السيسي على تخصيص ميزانيات غير مراقبة وغير مفصّلة للجهات القضائية المختلفة، إلى جانب ميزانية وزارة العدل، التي تفيض كل عام عن احتياجاتها الأساسية والإضافية، فتكون الفرصة مواتية لمنح القضاة منحاً وحوافز بمناسبة أو بدون، تحت مسميات مختلفة، كـ”حوافز الجهود غير العادية، وحوافز الإنجاز، ومِنح رمضان والعيدين”، إلى جانب رفع الحد الأدنى للراتب عند التعيين لأول مرة في سلك القضاء إلى نحو 9 آلاف جنيه مصري، وهو ما يضمن منزلة اجتماعية مميزة للقضاة الشباب، وزيادة مطّردة في الأجور للقضاة الأكبر سنا. وقرر مجلس القضاء الأعلى في 25 يونيو 2015، زيادة رواتب أعضاء النيابة العامة، والقضاة بمختلف درجاتهم بنسبة 30 بالمئة، أما في يوليو 2018، فقد أقر وزير المالية محمد معيط، زيادة رواتب قضاة الاستئناف 5 آلاف جنيه تطبّق بأثر رجعي.[[1]] محطات الإخضاع وسياسات الترهيب المحطة الأولى، من محطات إخضاع السيسي للقضاء عموما ومحكمة النقض على وجه الخصوص جاءت في أعقاب الانقلاب مباشرة؛ فعندما شعر السيسي، منذ أواخر 2013، بتردّد القضاء في إصدار مئات أحكام الإعدام غير المبرّرة، أوعز إلى الحكومة التي كانت تدير مصر شكلياً تحت وصاية الجيش بإنشاء “دوائر إرهاب” خاصة، وعيّنت لها قضاة منتقين، عملوا بشكلٍ موازٍ للمحاكم العسكرية. وهو الإجراء الذي يدفع ببطلان الأحكام الصادرة عن هذه الدوائر باعتبارها دوائر انتقائية لقضايا معينة وهو ما يعصف بشرعية أحكام هذه الدوائر من الأساس وفق القواعد القضائية المعتبرة. المحطة الثانية، رغم تشكيل دوائر الإرهاب التي أصدرت أحكاما جماعية بالإعدام إلا أن محكمة النقض وهي أرفع محاكم الاستئناف في مصر، وقفت عقبةً في طريق رغبات السيسي في هذا الصدد، وألغت أحكام إعدام كثيرة ما بين أعوام 2014 – 2016، إلا أن اغتيال النائب العام السابق، هشام بركات، في يونيو 2015، شكّل نقطة تحول، إذ زعم السيسي في جنازة بركات أنَّ “يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين .. ولكننا لن نصبر على ذلك”. وفعلاً، سارع البرلمان إلى إجراء تعديلات على قانوني الإجراءات الجنائية والطعن أمام محكمة النقض من أجل الالتفاف عليها. المحطة الثالثة، رغم مزاعم نظام السيسي عن استقلالية القضاء ونزاهته وشموخه إلا  أن الآلة الإعلامية للنظام راحت تنتقد بعض أحكام النقض ببطلان الأحكام الصادرة عن دوائر الإرهاب. وفي منتصف يوليو 2015م نشر موقع “دوت مصر” المقرب من الدوائر الأمنية تقريرا تحت عنوان «كيف انتصرت محكمة النقض “للإخوان” على حساب “دوائر الإرهاب”؟»[[2]] فالموقع الإعلامي المحسوب على أجهزة الأمن لم ير في أحكام  النقض ببطلان أحكام دوائر الإرهاب انتصارا للعدالة بل انتصار للإخوان. ما يعني أن السلطة تبعث برسالة تهديد لمحكمة النقض وقضاتها باعتبارهم يصدرون أحكاما تصادم توجهات السلطة وسياستها. وخلص التقرير إلى أن محكمة النقض فى أغلب قضايا الإرهاب التى نظرتها انتقدت اعتماد محاكم الجنايات على تحريات جهاز الأمن الوطنى كدليل رئيسى. وفى بعض الوقائع دليلا وحيدا على ارتكاب المتهمين لجرائمهم، وقررت فى ذلك «أنها لا يمكنها التعويل فى تكوين عقيدتها على تحريات جهاز الأمن الوطنى، ولا تصلح التحريات ان تكون وحدها دليلا بذاته أو قرينة بعينها على الوقائع المراد إثباتها ضد المتهمين».. وهذا المبدأ الذى أشارت إليه المحكمة متواتر فى أحكام المحكمة الدستورية العليا، التى رفضت اعتبار تحريات الأمن دليلا ووصفها بأنها لا تعدو أن تكون رأيا لقائلها.[[3]] المحطة الرابعة، لم تفلح عمليات ترويض وتوريط محكمة النقض بهذه الدعاية المضادة؛ ووصفت النقض قرار النيابة العامة في مارس 2015م بإدراج 18 من قيادات الإخوان على قوائم الإرهاب ضمن قضية “أحدث مكتب الإرشاد” أنه “لغو ﻻ أثر له ومنعدم من الأساس ولا يعتد ب ولا يجوز نظره من الأساس لبطلانه” مما يسم تصرفها باﻻنعدام والسقوط، ما يحرر قيادات اﻹخوان رسمياً من وصفهم قانونياً باﻹرهاب، ويلغي جميع اﻵثار المترتبة على إدراجهم، ومنها منعهم من التصرف في أموالهم ومغادرة البلاد في حالة خروجهم من السجون.[[4]] المحطة الخامسة، في ديسمبر 2016م، دفعت أجهزة السيسي الأمنية إلى عدد من النواب في البرلمان بتعديلات لقانون السلطة القضائية؛  تقضي بتعديل آلية اختيار رؤساء الهيئات القضائية، واقترحت أن يكون التعيين من ثلاثة نواب يختار رئيس الجمهورية أحدهم لتعيينه رئيسا لكل هيئة. وهو ما رفضته الهيئات القضائية ونادي القضاة والنيابة الإدارية ومجلس الدولة وقضايا الدولة، خلال بيان رسمي مشترك عن رفضهم المشروع، واعتباره يمس استقلال القضاء بشكل مباشر. خاصة وأن التعديلات تخالف نص المادة 83 من قانون مجلس الدولة، التي تقضي بتعيين رؤساء الهيئات القضائية عن طريق جمعية عمومية خاصة بالمجلس، تختار رئيسه، وتخاطب رئيس الجمهورية لإصدار قرار التعيين، وليس لرئيس الجمهورية التدخل، وبالمشروع الجديد تتوسع صلاحيات رئيس الجمهورية على حساب سلطة الجمعية العمومية.  لكن البرلمان مضى في إجراءات تقنين التعديلات دون التفات إلى مشروع قانون نادي القضاة على الرغم من أن أندية القضاة أعلنت رفضها لتمرير البرلمان لمشروع هذه التعديلات. ورغم الاعتراضات الواسعة من جميع مكونات السلطة القضائية إلا أن السيسي لم يكترث وفي 27 أبريل 2017م صدّق على مشروع التعديلات بقرار رئيس الجمهورية رقم 13 لسنة 2017، وبمجرد تصديق عبد الفتاح السيسي على القانون، عدلت تلك الجهات عن اعتراضها، معلنة التزامها بتطبيقه، وهو ما حدث فعليا من ترشيحات تلك الجهات للسيسي؛ ليختار من بينها رؤساء الهيئات القضائية. وبذلك يكون القانون الخاص بالسلطة القضائية هو آخر مسمار في نعش استقلال القضاء المصري،…

تابع القراءة
محاكمة "محمد حسين يعقوب" .. التوقيت والأهداف والتداعيات

محاكمة “محمد حسين يعقوب” .. التوقيت والأهداف والتداعيات

  أثار استدعاء الداعية الشيخ محمد حسين يعقوب للإدلاء بشهادته أمام المحكمة هذا الشهر، الكثير من التكهنات والتوترات والهواجس العديدة، حول مستقبل الأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر، وخاصة فيما يتعلق بالشأن الدعوي والإسلامي. وجرى استدعاء “يعقوب” والداعية “محمد حسان” (تغيب لسوء حالته الصحية) للشهادة في قضية “خلية إمبابة”، بناء على طلب تقدم به عضو هيئة الدفاع عن 3 متهمين، لاستدعائهما لسماع أقوالهما ومناقشتهما في الفكر والمنهج الذي يتبعانه. وقال الدفاع حينها، إنه تقدم بذلك الطلب، بعد أن كشفت التحقيقات أن المتهمين يعتنقون ذات الفكر والمنهج الذي يتبعه كل من “حسان” و”يعقوب”، ولذلك طلب من المحكمة استدعائهما لسماع أقوالهما. ووجهت النيابة للمتهمين تهم “تولي قيادة جماعة إرهابية الغرض منها الدعوة إلى الإخلال بالنظام العام، وتعريض سلامة المجتمع ومصالحه وأمنه للخطر، وتعطيل أحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين والحريات والحقوق العامة، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والأمن القومي“. ومع بث شهادة الشيخ على الهواء في عدد من الفضائيات ومواقع الانترنت والسوشيال ميديا، وما تلاها من هجوم من البعض وإنكار الآخرين لردود الشيخ الذي سعى خلالها، لنفي أية اتهامات لاحقة له قد تطاله، حيث نفي انتمائه للتيار السلفي أو تحريضه على التدين أو الدعوة السلفية أو غيرها، وأغلق الشيخ “محمد حسين يعقوب” حساباته الرسمي على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أغلق موقعه الرسمي، تفاديا لمردودات الهجوم الإعلامي عليه.   دوافع الحملة على الشيخ يعقوب التغطية على حدثين مهمين يشغلان الرأي العام المصري والعربي الإسلامي عموما: – أولهما قائم منذ فترة وهو مشكلة سد النهضة، التي تفاقمت بالعنت الإثيوبي والأداء المصري المترهل، وسط مخاطر جمة تتفاقم مع الملء الثاني للسد من قبل اثيةبيا دون اتفاق، وتهديد النظام الاثيوبي بانشاء 100 سد على النيل، ردا على ما اعتبرته سياسات مصر المتعنتة، إزاء السد. – والثاني: هو تأييد حكم الإعدام بحق 12 من قيادات الاخوان المسلمين، في قضية فض اعتصام رابعة العدوية، وأحطام بالموبدات لنحو 32 آخرين بينهم مرشد الجماعة، ووزير التمووين بعهد الرئيس مرسي، والسجن المشدد لأكثر من 364 آخرين.. وهو ما قوبل بانتقادات دولية واقليمية ومحلية، لما تضمنه الحكم من اهدار لقيم العدالة، اذ من بينهم من اعتقل قبل أحداث الفض بأسابيع.. أما الهدف الأبرز من وراء هذه الحملة هو مأسسة التدين، بإسقاط كل رموز الدعوة، وحصر مهمة الدعوة في المؤسسات الدينية التابعة للدولة التي تحتكر وحدها حق الحديث في مسائل الدين! فبعد أن قام النظام بتجميد دعوة الإخوان عن طريق التصفية والاعتقال والتشريد، اتجه لإقصاء الدعاة السلفيين عدا التيار المدخلي الذي يشرعن باطل الأنظمة، وعدا سلفية حزب النور التي تتماهى مع النظام – رغم أنها لا تسلم من بطش إعلامه – مقابل الحصول على مساحة صغيرة لممارسة الأنشطة الدعوية. وتضمنت استراتيجية النظام لمأسسة التدين، ضغوطات شديدة على مؤسسة الأزهر من أجل موافقة النظام على تطوير الخطاب الديني، الذي لا يعني سوى تفريغ الدين من محتواه، واعتماد نسخة جديدة تريدها أمريكا والكيان الصهيوني، تتمثل في الإسلام الطرقي الانسحابي القائم على الاستغراق في الجانب الروحي، بدون التوجه لإصلاح مناحي الحياة وتغيير الواقع السيئ، ولذا يعتمد النظام على مؤسستين لهذا الغرض: الإفتاء والأوقاف، كبديل عن الأزهر. هذا المسلك الإقصائي بحق كل الدعاة ومأسسة التدين وحصْر كلمة الدعوة في الإفتاء والأوقاف، تتيح للنظام السيطرة على ما يتعرض له المواطن المصري من مواد تتعلق بالشريعة، حينها تتوافق كل مخرجات الخطاب الديني مع توجهات النظام، ويقتصر دور هذه المؤسسات على الترويج لسياساته!   دلالات استدعاء يعقوب البث الفضائي المجرم قانونا مستهدفا من قبل السلطة: حيث جاء بث تفاصيل الاستماع من قبل المحكمة لشهادة الشيخ يعقوب، بعد ساعات من تصديق السيسي، يوم الثلاثاء 15 يونيو الجاري، على قانون يجرم بث أخبار المحاكمات وتفاصيلها أو تصويرها بأي صورة، دون إذن مسبق من المحكمة، فأقر مجلس النواب قانون مُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات. ونص القانون على “يُعاقب بغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد عن 300 ألف جنيه كل من صور أو سجل كلمات أو مقاطع لوقائع جلسة محاكمة مخصصة لنظر دعوى جنائية أثناء انعقادها بأي وسيلة كانت، أو بث أو نشر أو عرض بأي طريق من طرق العلانية وقائع جلسات محاكمة مخصصة لنظر دعوى جنائية قبل صيرورة الحكم الصادر في الدعوى الجنائية باتاً، بدون تصريح من رئيس الجلسة، وبعد أخذ رأي النيابة العامة. تقليص دور الدعاة الإسلاميين في المجتمع: وجاءت الوقائع التي استعرضت دخول الشيخ يعقوب مكبلا اليدين إلى ساحة الجلسة، إهانة ما تبقى من دعاة إسلاميين، بعيدا عن المنظومة الدينية الرسمية “الأزهر-الأوقاف-الإفتاء“. وذلك بعد سلسلة من الإجراءات القمعية التي طالت الدعاة والوعاظ من الإسلاميين، سواء التابعين لجماعة الاخوان المسلمين، وكذا السلفيين الذين قلص النظام دورهم وهامش حركتهم، بعد مصادرة مساجد الدعوة السلفية ومنع شيوخها من الخطابة، ومصادرة بعض أموال شيوخها، واستدعاء بعض شيوخها مؤخرا، وتهديدهم بتلفيق القضايا أو الاعتقال، كما جرى مؤخرا مع شيخ الدعوة السلفية الأشهر مصطفى العدوي. رغبة النظام في تأميم كل المنابر وفق مشروع السيسي: ووفق التقديرات السياسية، التي لا يمكن اغفالها، والتي تعتمد على تحليل حملات وقرارات نظام السيسي ودعوات مؤسساته الدينية، لمنع أي أحد من الخطابة والوعظ والافتاء، بالتوازي مع تشريعات يهندسها البرلمان لحظر ممارسة الخطابة أو الافتاء لأي عالم أو رجل دين غير تابع لمؤسسات النظام الرسمية.

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022