مؤتمر برلين 2 .. المناخ الليبي والمستقبل الغامض
وسط أزمات سياسية وعسكرية واقتصادية ومجتمعية في ليبيا، يفاقمها استمرار عدم التوافق بين الفرقاء السياسيين، وتدخلات خفية من قبل بعض الأطرف الفاعلة في ليبيا، اضطراب المواقف السياسية والميدانية، بإعلان الحكومة الانتقالية فتح الطريق الساحلي سرت -طرابلس، مع استمرار رفض حفتر استضافة الحكومة الانتقالية في بنغازي، فارضا أجندته السياسية والعسكرية، مستمرا في مراهقاته العسكرية بشن حملة عسكرية في الجنوب الليبي تحت شعار مكافحة الإرهاب، تستهدف أساسا فرض معادلة عسكرية إقليمية ومحلية. وأصدرت قوات حفتر قرارا بإغلاق الحدود الليبية الجزائرية واعتبارها منطقة عسكرية مغلقة، علاوة على رفض برلمان عقيلة صالح إقرار الميزانيات في عموم ليبيا، ما تسبب في شلل مؤسساتي انعكس على حياة المواطنين الليبيين، لاشاعة الكراهية واليأس من الحكومة الانتقالية، وعرقلة عمليات تصدير النفط من قبل قوات حفتر المسيطرة على الحقول النفطية. ووسط هذا المناخ، جاء ” مؤتمر برلين 2“، لبحث دفع الترتيبات السياسية والدستورية نحو الوصول لانتخابات عامة في ديسمبر المقبل، التي ما زالت بعيدة عن الإجراءات بفعل الواقع المعاش. فوفق “سويس انفوو”، استهدف مؤتمر برلين 2 ضمان إجراء انتخابات في ليبيا نهاية السنة الحالية وانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة منها، وذلك بمشاركة 15 دولة، إضافة إلى 4 منظمات دولية. ضمت قائمة الدول المشاركة كل من ليبيا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وسويسرا والمملكة المتحدة، وتونس والجزائر والمغرب ومصر والإمارات. بجانب أربع منظمات دولية ،هي: الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي “الناتو” والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، فيما تغيب عن المؤتمر وزيرا الخارجية الصيني والروسي، وحضر ممثلان عنهما، بحسب وكالة الأناضول للأنباء. وهذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها الحكومة الليبية الجديدة في فعاليات مؤتمر برلين، وفي يناير 2020، استضافت برلين النسخة الأولى من المؤتمر بمشاركة دولية بهدف المساهمة في حل النزاع الليبي، وخرج مؤتمر برلين الأول ببنود كان أبرزها، التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار في البلاد. أولا: نتائج دون مستوى التحديات: ومع انطلاقة أعمال مؤتمر برلين 2، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلال مداخلة بالفيديو كونفرانس مع المؤتمرين، أنه “سيتم قريبا نشر المجموعة الأولى من مراقبي وقف إطلاق النار التابعين للمنظمة الدولية في العاصمة الليبية طرابلس”، مشددا على أن الأمن والتقدم في ليبيا سيتم من خلال التنفيذ الكامل لخريطة الطريق التي اعتمدها منتدى الحوار السياسي الليبي، واتفاقية وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها في أكتوبر 2020، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما في ذلك القرار 2570 بشأن مراقبة وقف إطلاق النار، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ديسمبر المقبل”. وحث غوتيريش الأطراف الليبية والخارجية على “الاتفاق على خطة شاملة ذات جداول زمنية واضحة لانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة”، مؤكدا أن “بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تقف على أهبة الاستعداد لدعم هذا الهدف”. وشدد على أن “تنظيم الانتخابات في موعدها يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة منها تحديد الأسس الدستورية للانتخابات، واعتماد التشريعات اللازمة وتقديم الموارد المالية من قبل السلطة التنفيذية المؤقتة إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات”. فيما ركز البيان الختامي للمؤتمر على حشد الجهود الدولية لدعم المسار الانتخابي في ليبيا كطريق وحيد متبق أمامها لحل الملفات العالقة، وعلى رأسها إجلاء المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد. وعلى الرغم من التوافق الدولي الكبير حول إخراج المرتزقة الأجانب من ليبيا، إلا أن المؤتمر أخفق في حلحلة خلافات الدول المتدخلة في البلاد، وهو ما دفع اللجنة الاستشارية المؤلفة من 17 عضوا من ملتقى الحوار الليبي، للإعلان عن اجتماع تشاوري في تونس يوم 25 يونيو، ولمدة ثلاثة أيام، للتمهيد لجلسة عامة للملتقى تنطلق الاثنين 28 يونيو في سويسرا. هذا الاجتماع جاء بعد دعوة البعثة الأممية إلى ليبيا، التي يقودها “يان كوبتيش”، لمجلس النواب لتوضيح الأسس الدستورية للانتخابات، بناءً على طلب بعض أعضاء الملتقى بغية التوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا العالقة، ووضع اقتراح واحد للقاعدة الدستورية للانتخابات البرلمانية والرئاسية. وطالب البيان الأممي اللجنة الاستشارية بالتمهيد لجلسة الملتقى العامة في سويسرا لـ”وضع حد للمأزق المتعلق بالقاعدة الدستورية”، من خلال رفع توصيات للملتقى حول آلية للفصل في شكل القاعدة الدستورية. وحث المبعوث الأممي إلى ليبيا، أعضاء اللجنة الاستشارية على العمل بـ”جدية للتوصل إلى أوسع حل توافقي ممكن بالبناء على مقترح اللجنة القانونية”، لافتا إلى أن هذا التوافق سيكون ترتيباً مؤقتاً يمكّن البلاد من إجراء الانتخابات والشروع بالانتقال السياسي. وجاء لجوء البعثة الأممية إلى ملتقى الحوار السياسي مرة أخرى، بعد استمرار مجلس النواب في وضع عراقيل أمام الأساس الدستوري للانتخابات المقبلة، بالإضافة لاستمرار خلافه العميق مع المجلس الأعلى للدولة بشأن ذلك. ثانيا: أسباب تدني نتائج مؤتمر برلين 2 استمرار العراقيل السياسية والعسكرية ولعل ما قوض ويقوض أية تحركات دولية بشأن حلحلة الأوضاع في ليبيا، هو استمرار دور المعرقلين للهدوء وعودة النظام الديمقراطي، ففي كلمته في مؤتمر برلين 2 ألمح رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة إلى «المعرقلين» في إشارة واضحة نحو الجنرال خليفة حفتر حين قال إنه “رغم التقدم في توحيد المؤسسة الأمنية فإن هناك مخاوف على العملية السياسية بسبب وجود قوى عسكرية لها أبعاد سياسية”، مذكرا الأطراف المشاركة في مؤتمر برلين بتعهداتها والتزاماتها بمعاقبة المعرقلين للاتفاق السياسي. فلم يوفّر حفتر فرصة لإظهار إزدرائه للمجلس الرئاسي والحكومة الانتقالية، عبر قيامه بتحرّكات يُفهم منها أنه القوة السياسية والعسكرية الحقيقية، كما فعل بتنظيم عرض عسكريّ في بنغازي، وبتحريك قوات نحو الجنوب، وبإعلان سيطرته على معبر حدودي مع الجزائر وإقفاله، وبعرقلة فتح الطريق الساحلي. وعلى المستوى السياسي فقد منع حفتر مجلس النواب الذي يقيم في مناطق سيطرته بالإفراج عن ميزانية الدولة، على أرضية الخلاف بين مجلس الدولة الذي يرأسه خالد المشري، وعقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، حيث يشترط مجلس الدولة استكمال توحيد المؤسسة العسكرية. فيما يطالب عقيلة صالح بالقفز عن هذه المسألة والاتفاق على توزيع المناصب السيادية، لضمان تنصيب محافظ للبنك المركزي من مناطق نفوذ حفتر. وبذلك يضمن حفتر شخصا فاعلا في المصرف المركزي قبل الانتقال إلى سيناريوهات أخرى منها الترشح لرئاسة الجمهورية أو قيادة المؤسسة العسكرية الموحدة. استمرار الخلاف حول “المرتزقة والقوات الأجنبية” طرح مؤتمر برلين الأخير قضيتي إخراج المرتزقة وإجراء الانتخابات في موعدها، والمقصود من موضوع «إخراج المرتزقة» على ما يظهر ليس إخراج القوات التابعة لشركة فاغنر الروسية والجنجويد السودانيين وحركات التمرد التشادية والسودانية الذين يقاتلون لحساب حفتر! في المقابل كان لافتا اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إخراج المقاتلين الأجانب المحسوبين على تركيا لتتبع ذلك عملية إخراج قوات فاغنر الروسية، وهو ما يُلحق الشكّ بنوايا باريس ويظهر منبع هشاشة المواقف الدولية في المؤتمر وتجاهلها للمشكلة الأساسية وهي حفتر وقواته والأدوات التي يسيطر عليها، بما فيها مجلس النواب. فيما أكد المتحدث باسم الخارجية التركية تانغو بيلغيتش، الجمعة 25 يونيو، أن بلاده شددت في مؤتمر برلين 2، على عدم السماح بمساواة مدربيها…