تصفية شركة “الحديد والصلب”..  مصر تفقد درعها وسيفها

      عندما أراد الرئيس الشهيد محمد مرسي الاحتفال بعيد العمال مايو 2013م، اختار أكبر قلعة صناعية مصرية وهي شركة “مصر للحديد والصلب” بحلوان، وهناك التقى بآلاف العمال داخل مقر الشركة مرددا «هذا هو المكان الذي نحبه كلنا، ونريده أن يكون رمزا للإنتاج والعرق والجهد ولكل مصانع وعمال مصر»، وأعلن بملء الفم أنه اختار الاحتفال بعيد العمال داخل مقر الشركة للتأكيد على أن عهد بيع القطاع العام قد ولى فلا خصخصة بعد اليوم ولا تصفية للشركات ولاتسريح للعمال. وقبل احتفال الرئيس مع العمال بستة شهور ناقش رئيس الحكومة الدكتور هشام قنديل وضع الشركة والعمل على تطويرها لزيادة طاقة الإنتاج وتنويعه والخروج من مرحلة الخسائر إلى مرحلة الأرباح، كما تقرر تطوير بطارية مصنع الكوك، حتى يتمكن المصنع من الاستمرار في الإنتاج، وتلبية حاجة السوق المحلي وطلبات التصدير. [[1]] لكن كل هذه الجهود الوطنية المخلصة ذهبت أدراج الرياح؛ فبعد شهرين فقط من احتفال الرئيس مع العمال والتأكيد على عدم بيع القطاع العام جرى الانقلاب على الرئيس والمسار الديمقراطي كله وثورة يناير نفسها لتعود مصر أكثير طغيانا واستبدادا كما كانت عليه أيام حسني مبارك. واليوم، وفي العام الثامن للانقلاب العسكري، تسود حالة من الصدمة والألم أوساط المصريين المخلصين لهذا الوطن في أعقاب إعلان حكومة الطاغية عبدالفتاح السيسي يوم 10 يناير “2021م” عن تصفية شركة “مصر للحديد والصلب” بمدينة حلوان جنوب القاهرة، فيما سيتم تأسيس شركة منبثقة عنها خاصة بالمناجم والمحاجر. وفي أول تبعات قرار الجمعية العمومية بالتصفية، أوقفت البورصة في اليوم التالي مباشرة (الاثنين 11 يناير2021م) التعامل على سهم شركة الحديد والصلب، فيما أعلن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر عن رفضه لقرار تصفية الشركة، وحزنه لـ«تشريد عمالها البالغ عددهم 7500، والقضاء على شركة وطنية عملاقة لها تاريخ وطني»، بحسب صحيفة “الشروق”، التي نقلت عن نائب رئيس الاتحاد قوله إن «هذا القرار يأتي في إطار مناخ عام تصنعه الحكومة الحالية لتصفية القطاع العام، الذي كان درعًا وسيفًا للوطن في مجال الإنتاج، وإذا كان قد تعرض لخسائر، فبسبب سوء الإدارة وعجز الحكومة عن التطوير واستغلال الموارد والمقومات، والنهوض بالصناعة الوطنية». وتوصف شركة “مصر للحديد والصلب” بعملاق الصناعة المصرية التي تأسست سنة 1954م؛ الأمر الذي رأه كثيرون شكلا من أشكال الخصخصة لحساب مافيا وحيتان مقربة من المؤسسة العسكرية، ويمثل خسارة كبرى للصناعة المصرية، ودليلا جديدا يؤكد أن نظام انقلاب 3 يوليو 2013م ما جيء به إلا من أجل إضعاف مصر وإخضاعها لحساب قوى إقليمية ودولية ترغب في أن ترى مصر راكعة أمام الاحتلال الصهيوني من جهة، وتستجدي التسول من مؤسسات النقد الدولية من جهة أخرى؛ وبالتالي يبقى القرار المصري مخطوفا لحساب مصالح هذه القوى التي تآمرت على ثورة 25 يناير والمسار الديمقراطي الذي خطه الشعب بعدها بإرادته الحرة. تكتسب الشركة أهمية كبيرة؛ حيث تعتبر أول وأكبر شركة في الشرق الأوسط في إنتاج الحديد الصلب، وهي مدرجة بالبورصة المصرية. بدأ التفكير في إنشائها سنة 1932م، لكنها تأسست سنة 1954 بمرسوم جمهوري من  الدكتاتور جمال عبدالناصر، في منطقة التبين بحلوان جنوبي القاهرة، وبدأ الإنتاج سنة 1961 حسب خطة  تستهدف إنتاج الحديد والصلب بطاقة مليون ومائتي ألف طن سنويا مطابقة للمواصفات المحلية والعالمية، لتكون بذلك، أول مجمع متكامل لإنتاج الصلب فى العالم العربي، برأس مال 21 مليون جنيه. يقع على مساحة تبلغ 1700 فدان. ويتوزع هيكل ملكياتها بين الشركة القابضة للصناعات المعدنية بنسبة 82.4821%، وبنك مصر بحصة 4.9992%، وشركة مصر للألومنيوم 1.8146%، وشركة النصر للتعدين 0.9944%. كما كان للشركة دور كبير في بناء مشروع السد العالي وبناء حائظ الصواريخ أثناء حرب الاستنزاف (1967 ــ 1973م)، إضافة إلى تطور إنتاجية المصنع بمرور الزمن حتى وصل إلى 1.2 مليون طن سنوياً، مما ساهم في “تنمية شاملة للصناعات الأخرى باعتبارها صناعة مغذية للعديد من الصناعات الأخرى المرتبطة بها في التشييد والبناء والصناعات الثقيلة والخفيفة”. وكان المهندس خالد الفقي نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، رئيس النقابة العامة للصناعات المعدنية والهندسية، قد أكد خلال حضوره الجمعية العمومية، الإثنين، رفضه قرار التصفية. وأوضح أنّ القرار “غير مدروس وساهم في القضاء على تاريخ كبير لصناعة الحديد والصلب”، مشيراً إلى أنّ الشركة كانت تمتلك من المقومات ما يؤهلها للنهوض بشرط وجود الإرادة والرغبة في التطوير، لافتاً إلى أنّ مصر فيها 18 كلية هندسية قادرة على التطوير وإعادة بناء الشركة. وفي 23 أغسطس 2020م، كتب رجل الأعمال القبطي المثير للجدل نجيب ساويرس تويتة صغيرة من كلمتين فقط «الحديد والصلب»، وهو ما فسره محللون ومراقبون بأن ساويرس يضع عينه على الشركة العملاقة في ظل التقارير التي كانت تؤكد أن حكومة الانقلاب تتجه نحو تصفية الشركة وخصخصتها. وكان ساويرس أثار غضب المسئولين بالشركة في مارس 2020م، بعد تصريحات لأحد البرامج التليفزيونية، تناول فيها الشركة بتهكم، ودعا إلى بيعها والتخلص منه.[[2]]   مؤامرة التصفية ما يؤكد أن ما جرى هو شكل من أشكال المؤامرة في إطار الخصخصة التي يفرضها صندوق النقد الدولي وجهات التمويل الدولية، أنه بحسب بيان الشركة فقد تمت الموافقة على تقسيم الشركة إلى شركتين: شركة الحديد والصلب التي تمت تصفيتها وشركة المناجم والمحاجر، ومن المنتظر أن يدخل القطاع الخاص شريكا فيها (الخصخصة) لتشغيلها خلال المرحلة المقبلة. إضافة إلى أن «قرار تصفية الشركة لم يستغرق سوى 15 دقيقة فقط لاجتماع الجمعية العمومية غير العادية للشركة، وهو الاجتماع الذي لم يتضمن سوى كلمة رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية “محمد السعداوي” أعلن خلالها القرار الذي كان معد سلفا، وذلك دون نقاش مع الحاضرين بمن فيهم ممثللي العمال الثلاثة في الجمعية الذين حاولوا الاحتجاج على القرار، غير ان رئيس الشركة القابضة غادر سريعًا، دون حتى أن يناقش مذكرة معدة من اللجنة النقابية للشركة، تم ضمها لمحضر الاجتماع قبل بدايته». [[3]] الدليل الثاني على أن ما جرى هو مؤامرة، أن الجمعية العمومية أرجعت تصفية الشركة إلى ارتفاع خسائرها، وعدم قدرتها على العودة إلى الإنتاج والعمل مجددًا، لكن عضوا في اللجنة النقابية للشركة كشف أن رئيس الشركة القابضة التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام بحكومة الانقلاب التي تمتلك أكثر من 83% من أسهم شركة الحديد والصلب، فيما تتوزع النسبة الباقية على شركات وهيئات وبنوك وأفراد، تجاهل مذكرة نقابية تضمنت اقتراحا لوقف خسائر الشركة تماما مع سداد مديونيات الشركة المتراكمة خلال سنتين فقط. وقالت المذكرة التي تجاهلها رئيس الشركة القابضة، إن تقليص خسائر الحديد والصلب، يتوقف على رفع شركة النصر لصناعة الكوك إمداداتها للشركة، لتصل إلى ما بين 700 إلى 750 طن يوميًا، بدلًا من 100 إلى 200 طن يوميًا حاليًا، وهو ما يضمن رفع الإنتاج وبالتالي زيادة المبيعات إلى مستوى تغطية التكاليف وسداد المديونيات. الدليل الثالث، أن المؤامرة بدأت على شركة الحديد والصلب في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث تصاعدت…

تابع القراءة

الإسلاميون في المغرب والموقف من التطبيع.. السياق والمآلات

  – انضمام دولة المغرب لحظيرة التطبيع مع الاحتلال الصهيوني يمثل ورطة كبرى لحزب «العدالة والتنمية» المغربي كما يمثل صدمة للإسلاميين في العالم؛ ذلك أن رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني والذي يعتبر قامة فكرية  وسياسية كبرى في الحزب الإسلامي الحاكم، هو من وقع على الاتفاق ممثلا للجانب المغربي. وهو الذي كان حتى شهور قليلة يؤكد على المواقف الثابتة للمغرب ملكا وحكوما وشعبا على رفض التطبيع بكل أشكاله؛ باعتبار الملك هو “أمير المؤمنين” كما يطلق عليه في المغرب، ورئيس لجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي، إضافة إلى أن الملك يتباهى باستمرار أنه من سلالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مدعيا أن نسبه ينتهي إلى أبناء علي بن أبي طالب من السيدة فاطمة بنت الرسول عليه السلام، كوسيلة من وسائل اكتساب شرعية دينية للنظام الملكي الحاكم. هذا الموقف من جانب العثماني دفع قيادات ومفكرين إسلاميين إلى إعلان البراءة من العثماني، معتبرين ذلك شكلا من أشكال الخنوع والمذلة والحرص على منصب زائل في ظل حكومة بلا صلاحيات حقيقية أمام طغيان الملك وصلاحياته الواسعة.[[1]] بهذا الاتفاق الذي جرى الإعلان عنه في 10 ديسمبر 2020م، والتوقيع عليه في 22 ديسمبر 2020م، تعتبر المغرب هي الدولة الرابعة التي تقيم علاقات طبيعية مع الاحتلال الصهيوني (التطبيع) خلال الشهور الأربعة الماضية بعد كل من الإمارات والبحرين والسودان؛ وذلك بضغوط  من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي استعملت سياستي الترغيب والترهيب لإكراه هذه الحكومات العربية على التطبيع رغم جرائم الاحتلال التي لا تتوقف بحق الفلسطيين وإصرار حكومته على ضم المزيد من الأراضي العربية. ليس هناك خلاف بين العقلاء والمنصفين والمخلصين للإسلام والعروبة وفلسطين على أن التطبيع مع الاحتلال في حد ذاته جريمة مهما كانت الذرائع والمبررات، ولكنه يبقى خطيئة وجريمة كبرى في ظل الوضع الراهن حيث يتم تصفية القضية الفلسطينية تحت مسمى “صفقة القرن”، والعدو في أعلى درجات علوه واستكباره وإجرامه وإنكاره لأبسط حقوق الشعب الفلسطيني، وهناك مخططات صهيونية ترمي إلى ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية حتى تحول قضم المزيد من أرض فلسطين إلى دعاية سياسية لأحزاب الكيان الصهيوني لكسب المزيد من أصوات الناخبين.   تطبيع بنكهة مختلفة التطبيع المغربي يختلف كثيرا عن تطبيع الدول العربية الأخرى للاعتبارات الآتية: أولا، قرار إطلاق التطبيع الرسمي في المغرب انفرد بوجود حزب إسلامي شريك في السلطة، وهي حالة فريدة مقارنة بموكب التطبيع العربي. فمصر والأردن والإمارات والبحرين تحكمها أنظمة علمانية ولديها مواقف سلبية أو معادية من الإسلاميين المعروفين بعدائهم الشرس للتطبيع مع الصهاينة. والنظام السوداني لم يدخل في “جوقة” التطبيع إلا بعد أن أطاح بحكم البشير الذي كان محسوبا على الإسلاميين.[[2]] فالحكومة المغربية يقود ائتلافها حزب إسلامي “العدالة والتنمية”، ورغم أن قرار التطبيع مسألة سيادية تتعلق بالملك إلا أن الحكومة أيدت القرار؛ فما كان لقادة الحكومة وهم إسلاميون أن يمارسوا السلطة والمعارضة معا؛ فوجودهم في السلطة ضيّق الخيارات أمامهم، ومن ثم فإن رؤيتهم وموازناتهم إنما صيغت بوصفهم جزءا من السلطة، ويسعون للحفاظ عليها. ويتعين هنا الإشارة إلى أن الإسلاميين عموما إنما يؤسسون شرعيتهم بناء على القيم الإسلامية التي يؤمنون بها ولا يطلبون السلطة إلا من أجل إعادة صياغتها بما يتوافق مع هذه القيم الإسلامية التي يفترض أن تفضي إلى دولة إسلامية؛ فإذا أجبرتهم سلطة الدولة على الذوبان فيها حتى تتلاشى الفوارق بين الإسلامي وغيره في التدبير السياسي؛ عندئذ يتلاشى أي مسوغ لطلب السلطة من جانب الإسلاميين بناء على الشرعية التي ألزموا بها أنفسهم لعدم قدرتهم على صياغة السلطة وفقا للقيم الإسلامية التي يطالبون بها ويدعون إليها. إضافة إلى أن خلاف الإسلاميين في الأساس مع أنظمة الحلم إنما يتعلق بالمضمون غير  الإسلامي الذي يهمين على توجهات أنظمة الحكم. ثانيا، يتوجب الإقرار بأن قرار التطبيع أو تبنيه أو القبول به إنما يخالف القيم والمبادئ التي تحكم الأحزاب الإسلامية في شتى بقاع الأرض، ويمثل خيانة باعتباره سلوكا شاذا وصادما ويخالف قناعات الشعوب العربية والإسلامية على المستوى الديني وحتى السياسي والقانوني، سواء من أقدم على هذا التطبيع علماني أو إسلامي أو نظام ملكي أو عسكري. فليس مقبولا بأي حال أن نصف غير الإسلاميين عند التطبيع بالخيانة وخذلان الأمة وطعن الشعب الفلسطيني، بينما نتحدث عن “فقه” المصلحة والأولويات عندما يتعلق الأمر بالإسلاميين.. هذا انفصام أخلاقي وسياسي مقيت ومرفوض.   موقف متنافر قرار العاهل المغربي بالتطبيع مع الاحتلال الصهيوني وضع حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي الذي يقود الائتلاف الحكومي والإسلاميين عموما في ورطة كبيرة واختبار مصداقية من عدة جوانب: الأول أن أن الحكومة المغربية ورئيسها سعد الدين العثماني لم تتمكن من بلورة موقف حاسم تجاه قرار التطبيع الذي تبناه الملك، فحاولت مسك العصا من المنتصف عبر رفض التطبيع والثناء على جهود الملك في خدمة قضيتي فلسطين والصحراء المغربية في البيان نفسه. وهو موقف متنافر يفتقر إلى تماسك المضمون، ويعكس حالة من الاضطراب والورطة التي تواجه الحكومة والحزب. فإذا كان قرار التطبيع يخدم قضية الصحراء من جهة تحصيل اعتراف أميركي بمغربيتها، فمن غير الواضح كيف يمكن له أن يخدم القضية الفلسطينية نفسها!.[[3]] الثاني، أن هذا التطبيع وضع الحزب أمام حالة جدل داخلي وسط اعتراضات من قواعد الحزب على موقف الحكومة، وجاءت تصريحات بعض قيادات الحزب ترفض هذا الإذعان للملك. حتى خرج رئيس الحكومة المغربية السابق عبدالإله بن كيران والقيادي بالحزب ليؤكد رفضه لأي دعوات تطالب باستقالة العثماني مؤكدا أنه ما كان للرجل الثاني في الدولة (العثماني رئيس الحكومة) أن يخالف الرجل الأول (الملك) وأن الحكومة والحزب مجندون وراء الملك من أجل صالح البلاد. ويبدو أن موقف رئيس الحكومة وقادة العدالة والتنمية أرادوا تفويت الفرصة على جهات إقليمية أرادت توريطهم في حالة صدام مع الملك ومؤسسات الدولة. الثالث، أن ردود أفعال الإسلاميين تباينت تجاه قرار التطبيع المغربي، فكثير من الإسلاميين رفضوا التطبيع المغربي واعتبروا ما فعله رئيس الحكومة المغربية سقطة وبعضها وصفها بالخيانة، بينما كان رد فعل بعض الإسلاميين أقل صخبا وإدانة من ردود فعلهم تجاه قرار التطبيع الإماراتي، ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة من خلال رد فعل حركة النهضة التونسية التي تشارك في الحكومة ورئيسها هو رئيس البرلمان التونسي والتي كانت بالغة الإدانة للتطبيع الإماراتي وأصدرت بذلك بيانا فوريا اعتبرت فيه هذا التطبيع عدوانا صارخا على حقوق الشعب الفلسطيني، فيما صمتت عن التطبيع المغربي عدة أيام قبل أن يصدر الشيخ راشد الغنوشي تصريحات اعتبر فيها التطبيع المغربي خروجا على إجماع الأمة العربية. الرابع، من المؤسف حقا والأكثر إثارة للنقد- هو محاولة بعض إسلاميي المغرب إيجاد مستند شرعي للتطبيع المغربي دون غيره؛ بحجة أنه ضرورة أُلجئ إليها المغرب من غير بغي ولا عدوان على القضية الفلسطينية، الأمر الذي يشبه محاولات مشايخ السلطة في دول تحالف الثورات المضادة(السعودية ـ مصر ـ الإمارات ـ البحرين) بحيث يتلاشى الفارق بين شيخ السلطة…

تابع القراءة

المشهد السياسي: عن الفترة من 2 يناير وحتى 8 يناير 2021

    أولا: المشهد المصري: مصر دولة الجيش والشرطة والرئاسة. مؤسسة الرئاسة في مصر هي ثان أكثر المكونات من حيث حجم السلطة التي تتمتع بها، بعد المؤسسة العسكرية التي تأتي أولاً، ولعل ذلك يعود إلى أن القابع في هذه المؤسسة هو قيادي سابق في المؤسسة العسكرية، بالتالي يستقي نفوذه من الدعم والولاء الذي تقدمه له المؤسسة العسكرية، ويبدو ذلك مفسراً لضعف النفوذ الذي اتسمت به مؤسسة الرئاسة في عهد الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسي، فالرجل أول رئيس مدني منتخب وليس قيادياً سابقاً في المؤسسة العسكرية، فلم يحوذ ولائها أو دعمها، من ثم وجد نفسه في مواجهة الدولة وحيداً دون أية نفوذ حقيقي، ما دفعه للجوء للقرارات الثورية على غرار “الإعلان الدستوري”، ليواجه من خلاله حالة العزلة المضروبة حوله، نستنتج من ذلك أن المقولة التي ترى في المؤسسة العسكرية صاحبة السلطة والنفوذ الحقيقي في الدولة المصرية هي مقولة قريبة جداً من الصواب. ومؤسسة الرئاسة في مصر، بموجب الدستور، وباعتبار التجربة التاريخية، هي المسئولة في المقام الأول عن تشكيل الحياة السياسية في مصر والتحكم فيها وترسيم ملامحها، والمؤسسة الأمنية والاستخباراتية هي الأداة الأساسية بيد الرئاسة في السيطرة على الحياة السياسية والحياة العامة كلها في مصر، أما الحكومة بوزاراتها وجهازها البيروقراطي الضخم فهي مختصة بالأساس بتنفيذ السياسات العامة، وإدارة علاقة الدولة بالمجتمع، وفق التوجهات الكبرى التي تضعها مؤسسة الرئاسة، والتي تبدو كـ «مايسترو» يوجه المشهد ككل، بالتالي من النادر أن يكون للحكومة وظائف متعلقة بالمجال السياسي، إنما إختصاصها الأصيل هو إدارة وتنفيذ السياسات العامة (الصحة، التعليم، الإسكان، النقل، الري.. إلخ)، وهي أيضاً بوزرائها تمثل “كبش فداء محتمل” في حالة أحدثت سياسات النظام وتوجهاته ردة فعل سلبية لدى الناس. لكن داخل الدولة هناك وزارات تتمتع بنفوذ استثنائي؛ نتيجة الدور الهام الذي تلعبه في تنفيذ توجهات الرئاسة ورؤاها السياسية، مثل وزارة الداخلية والمخابرات العامة. يمكن أن نقول في هذا السياق أن الدولة المصرية هي دولة ذات نظام رئاسي عسكري أمني، رئاسي؛ لأن الرئاسة هي الموجه الحقيقي لمعظم إن لم يكن كل السياسات العامة، أمني؛ لأن المؤسسات الأمنية هي أهم أجهزة الدولة، وأكثرها حضوراً في المجتمع، وأكثر الأجهزة المستخدمة في تنفيذ سياسات النظام، عسكري؛ لأن المؤسسة العسكرية هي صاحبة أكبر سلطة في مصر منذ يوليو 1952. أما السلطة القضائية، والسلطة التشريعية، فهي مجرد أدوات يستخدمها النظام في اكتساب شرعيته وفي تغطية سلطويته، وقد كرست السلطتين التشريعية والتنفيذية هذه العلاقة التي تربطها بالسلطة التنفيذية، ولم تخرج أبداً عن هذه الأدوار التي رسمتها لها السلطة التنفيذية، بالتالي يمكننا القول أن الدولة في مصر هي الجيش والشرطة والرئاسة، وأن أي تغيير حقيقي في مصر لا يحدث إلا في حالة حدوث خلاف أو صراع بين مكونين من هذه الثلاثة؛ في يناير كان نجاح الثورة نتيجة مباشرة للخلاف بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية حول مسألة من يخلف مبارك   الجيش يتجه لتسلم منظومة إنتاج الأكسجين بعد فشل الدولة: ظهر في الأيام القليلة الماضية مدى عجز الدولة ووزارة الصحة والموردين عن سد العجز القائم في الموارد الطبية بصفة عامة والأكسجين بصفة خاصة منذ ثلاثة أسابيع تقريبًا، أي مع بداية تفشي الإصابات بالموجة الثانية من جائحة كورونا، في جميع المستشفيات الحكومية والخاصة ومراكز بيع الاسطوانات بالجملة والتجزئة. وذلك بعد تداول مقاطع فيديو من مستشفى زفتى بالغربية، ومستشفى الحسينية بالشرقية خلال هذا الأسبوع تُظهر وفاة جماعية لمصابي كورونا المحجوزين في العناية المركزة، بسبب توقف إمدادات الأكسجين في المستشفيين نهائيًا. الواقعة التي أظهرت ردود الأفعال عنها أن أزمة الأكسجين عامة، وليست خاصة بالمستشفيين المذكورين أو بمحافظتي الغربية والشرقية. وفي هذا الصدد؛ تداولت أنباء عن أن القوات المسلحة ستتولى الإشراف على منظومة إنتاج الأكسجين قبل نهاية الشهر الحالي، لكن لم يتضح حتى الآن ما إذا كانت ستتولى بنفسها الإنتاج والبيع في السوق من عدمه، الأمر الذي ربما يكون مصدر دخل كبير لها خلال الفترة المقبلة، سواء بالتعاقدات مع الكيانات المختلفة أو البيع للأفراد. وذلك بعد انتشار المبادرات الشعبية لتوزيع أسطوانات الأكسجين على المرضى في المنازل، الأمر الذي يُعد سلاح ذي حدِّين. فمن ناحية، ستساهم هذه المبادرات في تخفيف العبء عن القطاع الصحي، خصوصًا بالنسبة للحالات المتوسطة التي لا تتطلب عناية مركزة، ولكن لا ينصح ببقائها في المنزل بصورة عادية، لكن في الوقت نفسه ربما تؤدي المبادرات إلى زيادة انتشار الفيروس بسبب غياب الثقافة الطبية عن المتطوعين واحتمالية عدم إتقانهم التعامل مع أدوات علاج مريض كورونا بصورة احترازية[1]. لكنها ظهرت بعد فشل الحكومة في توفير الرعاية اللازمة للمرضى، إلا أن ظهور الجيش في هذا الأزمة أيضًا يُبرز مدى فشل كافة أجهزة الدولة في التعامل مع الأزمات، لتظهر المؤسسة العسكرية مرة أخرى بصفتها المنقذ الوحيد وتزيد من إحكام سيطرتها على كافة مؤسسات الدولة.   بدافع الخوف والترف: تزويد الطائرات الرئاسية بأنظمة لرصد الصواريخ الهجومية طلب الفريق الأمني للرئيس، أن تزود طائرات مؤسسة الرئاسة بأنظمة لرصد الصواريخ الهجومية، وهي أميركية الصنع وتصل تكلفتها إلى 104 ملايين دولار، وقد وافقت واشنطن على إمداد القاهرة بهذه المنظومة الجديدة، طبقاً لـ«وكالة التعاون الأمني» التابعة لوزارة الدفاع، التي قالت إنها ستكون «أحدث منظومة تأمين» للرئيس. ويُتوقع وصول النظام الجديد خلال أسابيع لتزويد الطائرات الرئاسية به فوراً تحت إشراف مباشر من الجيش المصري، وبالتنسيق مع قوات «الحرس الجمهوري» والمخابرات الحربية والعامة[2]. أمن السيسى ورفاهيته هما من الأسباب الرئيسية في شراء مصر الطائرات الفرنسية الأربع الفارهة «فالكون إكس» بقيمة 300 مليون يورو التي صار السيسى ومدير مخابراته ووزير خارجيته يتنقّلون بها في الرحلات الخاصة والقريبة بجانب طائرة الرئاسة التي يتحرك بها السيسي وهي من نوع «إيرباص» وتصل تكلفتها إلى أكثر من 170 مليون دولار. جدير بالذكر أن الأسطول الخاص بالرئاسة تم تحديثه بعد وصول السيسي للسلطة في عام 2014، وسبق أن أنفقت الرئاسة مليارات الجنيهات ليس على استبدال السيارات الرئاسية بأحدث الموديلات وأكثرها تأميناً فقط، وإنما لتحديث أسطول الرئاسة عامة للسيسى ولمرافقيه. يمكن التأكيد على نتيجتين؛ الأولى: أن طائرات الرئاسة  وأنظمة الحماية المرفقة بها، هي جزء من هوس السيسى بالأمن والحماية، ولعله هوس ناجم عن الطريقة التي وصل بها للحكم ما جعلته في خوف وحذر دائم، وهو الحذر الذي نراه في حرص السيسى على استخدام موكب ضخم وبشكل مستمر في كل تحركاته، ونراه في حرص السيسى على نقل مقر إقامته إلى العاصمة الإدارية الجديدة، بعيداً عن الناس وحتى عن مقرات الحكومة في العاصمة الجديدة. الثانية: أن اهتمام السيسى بهذه الاحتياطات الأمنية باهظة التكلفة قد يبدو مقبولاً في الظروف الطبيعية، لكن في الوقت الراهن حيث يعاني الاقتصاد المصري والمجتمع المصري أوضاع إقتصادية صعبة بسبب الركود الناجم عن تفشي وباء كورونا ونتيجة تباطؤ الإقتصاد العالمي نتيجة لجوء كثير من  الدول للاجراءات الاحترازية وسياسات الإغلاق.   الدولة اللاوظيفية…

تابع القراءة

لماذا عادت الاشتباكات المسلحة فى الجنوب الليبى؟ وهل تؤدى هذه الاشتباكات إلى انهيار اتفاق وقف إطلاق النار؟

    تحول الجنوب الغربي من ليبيا إلى ساحة اشتباكات بين قوات “حفتر” وقوات “الوفاق”، للمرة الثانية في غضون شهرين، حيث شهدت مدينة سبها توتراً جديداً بين الطرفين، فى4 يناير 2020، بعد صدام مماثل في مدينة براك، في الفترة الماضية. وقد نشبت الاشتباكات فى مدينة سبها بسبب خلاف بين القوتين حول وجود ازدحام مروري أمام مقر عسكري لقوة تابعة لحفتر، وقد توقفت الاشتباكات بسيطرة قوات حفتر على المقر العسكري، خلف مبنى الهلال الأحمر المعروف في سبها، كانت تسيطر عليها قوات الوفاق، فيما لم تسفر الاشتباكات عن وقوع قتلى أو إصابات بالغة في صفوف الطرفين[1]. وتاتي هذه التطورات بعد فترة من الحوار بين الفرقاء الليبيين للتوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة الليبية، ومن الممكن ان تخترق الاشتباكات في سبها الهدنة بين الوفاق وحفتر وتنذر بنسف جهود المصالحة والتسوية التي تقودها الأمم المتحدة والتي قطعت شوطا مهما فيها[2].   أولاً: لماذا عادت الاشتباكات المسلحة بين الأطراف الليبية مرة أخرى؟: يمكن إرجاع تجدد الاشتباكات بين قوات حكومة الوفاق وقوات حفتر فى الجنوب الليبى إلى ثلاثة أسباب رئيسية: السبب الأول: عدم تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار: فعلى الرغم من أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5 +5) في جنيف، في 23 أكتوبر 2020، ينص على إخلاء جميع خطوط التماس من الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة بإعادتها إلى معسكراتها، بالتزامن مع خروج جميع المرتزقة والمسلحين الأجانب من الأراضي الليبية برا وبحرا وجوا في مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع على وقف إطلاق النار[3]. إلا أن هذا الإتفاق لايزال يعاني صعوبات جمة ومخالفات صريحة من أطراف عدة، محلية وخارجية. فخلال الفترة القليلة الماضية، أتخذ البرلمان التركي، فى ديسمبر 2020، قرارا بتمديد مهام القوات التركية في ليبيا (غرب ليبيا) 18 شهراً، كما نشرت وزارة الدفاع التركية صوراً لتدريب جديد تقوم به لعناصر تابعة لحكومة “الوفاق”، في مدينة الخمس، تندرج ضمن اتفاقية التدريب والتعاون والاستشارات العسكرية، بين أنقرة وطرابلس. كما جدد مدير إدارة التوجيه المعنوي في المنطقة العسكرية الوسطى، التابعة للمجلس الرئاسي لحكومة طرابلس، ناصر القايد، رفض قواته تنفيذ القرار المتفق عليه بين أطراف الحوار العسكري الليبي، بفتح الطريق الساحلي الرابط بين شرق ليبيا وغربها، قائلاً إن “أعضاء اللجنة العسكرية 5+5، غير مخولين بإصدار أوامر لقواته بالانسحاب العسكري من هذه المناطق”. وقد أرجع المستشار الإعلامي لوزارة الدفاع بحكومة “الوفاق”، عمران اشتيوي، هذا التعطيل الحاصل في تنفيذ هذا القرار، إلى عدم الاتفاق الكامل على تفاصيل وتوقيت الانسحاب النهائي من المناطق المحددة بالقرار[4]. وفى المقابل، فهناك اعتراض من قبل اللواء خليفة حفتر لمقترح أممي بشأن إرسال مراقبين دوليين لمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، حيث طالب حفتر من ممثليه في اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) بتقديم اقتراح يقضي بتثبت وجود قواته في مدينة سرت وقاعدة الجفرة، بالإضافة لمشاركة مراقبين من دول حليفة له، وهى المقترحات التى جاءت بإيعاز من حلفائه في باريس وأبوظبي. وجاء الرفض من جانب حفتر بعد اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أن يدعم مراقبون دوليون وقف إطلاق النار في ليبيا، مضيفاً في رسالة وجهها لمجلس الأمن الدولي أن مقترحه جاء بناء على طلب من أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة بشأن تنفيذ آلية فعالة لمراقبة وقف إطلاق النار بمشاركة دولية[5]. السبب الثانى: تعثر المسار السياسى: فقد وصلت مفاوضات الحل السياسي بين أطراف النزاع الليبى أسبوعها العاشر من دون التوصل إلى نتائج واقعية، وقد اشتكت البعثة الأممية قبل أيام من أن ملتقى الحوار السياسي الليبي لا يسير نحو تحقيق مستوى مقبول من الإجماع على آلية لاختيار السلطة التنفيذية، ما دفع البعثة الأممية لتشكيل لجنة استشارية مكونة من 18 عضو من أعضاء ملتقى الحوار للمساعدة في التوصل إلى توافق في الآراء بشأن هذه القضايا الخلافية[6]. وعلى الرغم من المساعى الحثيثة للبعثة الأممية من أجل تشكيل اللجنة الاستشارية للخروج بموقف موحد حيال آليات اختيار شاغلي السلطة التنفيذية الجديدة، إلا أن هذه الخطوة تواجه مجموعة من التحديات منها؛ إعلان رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح عن رفضه لتلك الخطوة، فى بيانه الصادر فى 30 ديسمبر 2020، داعياً للعودة لاعتماد تلك الآليات التي تضمن تقاسم السلطة وفق مبدأ الأقاليم الثلاثة؛ ويعكس بيان صالح شعوره بفقدان حظوظه في تولي منصب هام في السلطة الجديدة تزامناً مع سعي للإطاحة به من منصبه كرئيس لمجلس النواب، كما يعكس ذهاب ملتقى الحوار السياسي إلى استبعاد الآليات التي سبق أن صوت عليها والتى تقوم على أساس تقسيم السلطة بين الأقاليم الثلاثة، وربما تعكس انقلاب على وعود تم إعطائه لصالح بترأسه للمجلس الرئاسى[7]. السبب الثالث: التحريض الإماراتى: فقد نقل موقع “مدى مصر” الإخباري عن مصادر -لم يكشف عنها- أن زيارة الوفد المصري رفيع المستوى للعاصمة الليبية طرابلس، فى 24 ديسمبر 2020، كانت لها عدة أهداف؛ أبرزها رغبة مصر في “استباق المزيد من التحريض الإماراتي على مغامرة عسكرية”[8]. وهو ما يكشف عن رغبة الإمارات فى عودة الصراع المسلح داخل ليبيا مرة أخرى، وربما تكون الإمارات هى من حرضت حفتر على تصعيد تصريحاته وتحركاته العسكرية التى ظهرت مؤخراً.   ثانياً: هل تؤدى هذه الاشتباكات إلى انهيار اتفاق وقف إطلاق النار؟: ولكن من المستبعد أن تؤدى تلك الاشتباكات إلى انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، وذلك لمجموعة من الأسباب منها: 1– التمسك الأممى بالحل السياسى: فقد أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في 18 ديسمبر2020، تشكيل لجنة قانونية من أعضاء ملتقى الحوار السياسي، لوضع قانون للانتخابات المقررة في أواخر 2021، وذلك بعد أن أعلن ملتقى الحوار الليبي، فى منتصف نوفمبر 2020، الاتفاق على إجراء انتخابات عامة في ديسمبر 2021[9]. ولتقوم الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، بالتأكيد على “أن العد العكسي للانتخابات بدأ في 21 ديسمبر مع جداول زمنية واضحة بحسب خارطة الطريق اعتمدت خلال اجتماعات تونس”، وأضافت وليامز، في اجتماع ملتقى الحوار السياسي الليبى، فى 30 ديسمبر 2020، أن “موعد الانتخابات في 24 ديسمبر 2021 والطريق إلى هذه الانتخابات إنجاز وهدف لن نتراجع عنهما”[10]. وتعكس تلك التصريحات تمسك البعثة الأممية، بدعم دولى وأمريكى على وجه الخصوص وتوافق إقليمى،  بضرورة انجاح الحل السياسى، والرفض المطلق للرجوع مرة أخرى إلى الحل العسكرى. 2– اقتراب إرسال المراقبين الدوليين: فقد تم الإتفاق على مهام اللجنة الدولية المكلفة بمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، حيث تم الإتفاق على أن تقوم تلك اللجنة بالإشراف ومراقبة عملية مغادرة المقاتلين الأجانب لمناطق التماس في مرحلة أولى، على أن تركز المرحلة الثانية على إبعاد القوات الليبية من الطرفين إلى نقاط بعد، وتحديدا معسكرات مدينة هون لجانب مليشيات حفتر، ومنطقة أبوقرين، شرق مصراته، لجانب قوات “الوفاق”، تزامنا مع دخول قوات شرطية مؤلفة من وزارتي داخلية حكومة الوفاق والحكومة الموازية لمدينة سرت،…

تابع القراءة

لماذا تغير الموقف المصرى من حكومة الوفاق؟ وهل يعكس ذلك تقارب أم تنافس مع تركيا؟

  شهدت الأيام الأخيرة تحولاً لافتاً في موقف النظام المصري إزاء الملف الليبي، والعلاقة مع حكومة الوفاق من جانب أول والمشير الانقلابي خليفة حفتر من جانب ثان. وقد تجلت هذه التطورات في زيارة رئيس المخابرات المصرية عباس كامل إلى بنغازي، فى 19 ديسمبر 2020، واجتماعه مع حفتر وعقيلة صالح، أعقبتها زيارة مفاجئة إلى طرابلس هي الأولى من نوعها منذ عام 2014 قام بها وفد مصري على رأسه اللواء أيمن بديع وكيل المخابرات العامة ورئيس اللجنة المصرية المكلفة بالملف الليبي، إلى جانب مسؤولين من وزارة الخارجية، فى 26 ديسمبر 2020. ذروة هذه التطورات تمثلت في اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره في حكومة الوفاق محمد سيالة، بحثا خلالها الأوضاع الليبية ودعم الاستقرار[1]، في خطوة تسبق زيارة مرتقبة لوزير الخارجية سامح شكري، ورئيس المخابرات اللواء عباس كامل، يجري الترتيب لها، على أن يجري استقبال رسمي لرئيس حكومة «الوفاق الوطني»، فائز السراج، في العاصمة المصرية القاهرة قريباً، علماً بأنه أجرى زيارة سريعة وسرية لها فى نوفمبر 2020[2].   أولاً: أسباب تغير الموقف المصرى من حكومة الوفاق: بعد سنوات من الانحياز المصرى لمشروع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حيث قامت مصر بتقديم دعما سياسيا وعسكريا للواء المتقاعد خليفة حفتر، وصل ذروته الصيف الماضي، بالتلويح بالتدخل العسكري لصالحه، بعد أن مُني بهزائم متلاحقة انتهت باستعادة قوات حكومة الوفاق -المعترف بها دوليا- السيطرة على الغرب الليبي بأكمله، بدعم تركي سياسي وعسكري. فقد تحول الموقف المصرى على ما يبدو نحو الحياد الإيجابى والوساطة بين طرفى الصراع[3]، وكانت أخر مظاهر هذا التحول وأبرزها الزيارة التى قام بها الوفد المصرى، فى 27 ديسمبر 2020، الذى ضم نائب رئيس جهاز المخابرات العامة، اللواء أيمن عبد البديع، الرئيس التنفيذي للجنة المعنية في ليبيا، وأحد مساعدي وزير الدفاع المصري، إلى جانب مسؤول رفيع من وزارة الخارجية المصرية بالإضافة إلى السفير المصري لدى ليبيا محمد أبوبكر. وقد عقد الوفد المصري لقاءات مع عدد من المسؤولين في طرابلس، بينهم وزير الخارجية في حكومة الوفاق، محمد الطاهر سيالة، ونائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، فضلاً عن الاجتماع بوزير الداخلية فتحي باشاغا[4]. وتمثل زيارة الوفد المصري للعاصمة الليبية تحول إيجابى فى الموقف المصرى نحو حكومة الوفاق، فهذه الزيارة هى الأولى لوفد مصرى إلى طرابلس منذ أنهت مصر بعثتها الدبلوماسية في ليبيا في 2014 أى قبل 6 سنوات، وهى الفترة التى شهدت خلافات حادة بين القاهرة وحكومة الوفاق، وقد تجلت أبرز مظاهر الخلاف فى اتهام السيسى، فى ديسمبر 2019، خلال مشاركته في أعمال منتدى “شباب العالم” المنعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية، حكومة الوفاق بأنها “أسيرة للمليشيات المسلحة”[5]. وتتمثل الأسباب التى تقف خلف التحول الإيجابى فى الموقف المصرى تجاه حكومة الوفاق فى: 1- فشل الرهان العسكرى: فقد فشل الرهان العسكرى على الجنرال حفتر في السيطرة على المنطقة الغربية، والقضاء على الفصائل المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من الدعم الذى حظى به حفتر من كلا من مصر والإمارات وفرنسا وروسيا. ومن الجدير بالملاحظة فى هذا الصدد؛ أن التصريحات الأخيرة التى أطلقها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في كلمته التى  ألقاها، فى 24 ديسمبر 2020، بمناسبة الذكرى 69 لاستقلال ليبيا، والتى خير فيها تركيا بين “الرحيل أو الحرب”[6] لم تلقى أصداءً في الصحافة الدولية، ورغم الاستعدادات التي دعت لها قوات حكومة الوفاق فإن الاعتقاد السائد هو صعوبة تكرار تجربة حفتر للاعتداء على طرابلس، وذلك لأسباب كثيرة، منها جاهزية قوات حكومة الوفاق، حيث إن حفتر فقد تماماً عنصر المفاجأة الذي نفذ به عدوانه السابق، كما أن قوات الوفاق ولاسيما دفاعاتها الجوية باتت جاهزة كما لم تكن من قبل، كما فقد حفتر أي سردية تبرر عدواناً جديداً على طرابلس. أضف إلى ذلك، فإن العامل الرئيسيى الذى كان يعتمد عليه حفتر فى هجومه على طرابلس وهو قوات فاغنر الروسية تراجع خلال الفترة الأخيرة، سواء نتيجة الضغوط الأمريكية التى تركز على ضرورة إخراج مرتزقة فاغنر، أو نتيجة التقارب الروسي مع تركيا وحكومة الوفاق بعد تسليم جاسوس روسي ومصور قبض عليهما أثناء حرب طرابلس. هنا يبدو أن الزيارة المصرية لطرابلس تعد انتصاراً لبعض الجهات في الدولة المصرية، التي كانت تعارض التوجه العسكري وتشكك في قدرات حفتر على إدارة المعركة، أو على أقل تقدير كانت ترى ضرورة أن يكون هناك توازن في السلوك المصري[7]، كما ترى تلك الجهات أيضًا أنّ أيّ مغامرة عسكرية فاشلة أخرى لحفتر، قد يُمكن قوات حكومة الوفاق ومن وراءها تركيا من التقدم في مناطق حيوية مثل سرت والهلال النفطي، وبالتالي الاقتراب من الحدود المصرية، لذلك فهي تُحاول تطويع دبلوماسيتها النشطة لاستباق أي تحرك مسلح يُقوّض مساعيها لإبقاء الملف الليبي بيدها[8]. 2- إفشال محاولة الإمارات تأجيج الصراع مرة أخرى: فقد نقل موقع “مدى مصر” الإخباري عن مصادر -لم يكشف عنها- أن زيارة الوفد المصري رفيع المستوى للعاصمة الليبية طرابلس كانت لها عدة أهداف؛ أبرزها رغبة مصر في “استباق المزيد من التحريض الإماراتي على مغامرة عسكرية”[9]. وعلى الرغم من أن كلا الطرفين كانا يدعمان مشروع حفتر، لكن لم يمنع ذلك من وجود خلافات بينهما، فمصر كانت ترفض المعارك الصفرية على خلاف الإمارات؛ نظراً للتاثيرات السلبية التى ستضر بالقاهرة من هكذا معارك باعتبارها جار مباشر لليبيا، ولكن نتيجة الضغوطات الإماراتية فقد وافقت مصر – على مضض – على حملة حفتر العسكرية على طرابلس. إلا أن التحركات الإماراتية الأخيرة المتمثلة فى تطبيعها مع إسرائيل، واحتمالات تأثيراته الجيوسياسية السلبية على مصر في أكثر من ملف بجانب دعمها لحكومة آبى أحمد فى أثيوبيا وتاثير ذلك سلباً على ملف سد النهضة، قد جعل صانع القرار المصري يدرك ضرورة أن يكون هناك تباين وتمايز مع الإمارات، ولو بشكل نسبي، وأن التطابق في كل ملفات الإقليم – خاصة الملف الليبى – لم يعد ضروريا وملحا[10]. 3- وصول بايدن إلى الحكم: حيث يخشى السيسى من أن يكون الملف الليبى أحد الملفات المثيرة للخلاف مع الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، خاصة فى ظل الحديث عن أن بايدن سيركز بصورة كبيرة على تقليل التمدد الروسى فى المنطقة، ويخشى السيسى أن يقوم بايدن باتهامه بأنه من قام بتسهيل ودعم التدخل الروسى فى ليبيا. أضف إلى ذلك، فإن السيسى يسعى إلى الإمساك بجميع خيوط الأزمة الليبية؛ وذلك بهدف التاكيد للإدارة الأمريكية الجديدة بأن السيسى يمتلك خيوط الحل فى الملف الليبى، والتأكيد على أنه لا يزال فاعل قوى فى حل القضايا الإقليمية خاصة مع تراجع الدور المصرى فى العديد من تلك القضايا. وهو ما ظهر فى حرص السيسى على إعادة العلاقات مع كلاً من حكومة الوفاق فى الغرب، ومع نخب الجنوب الليبى حيث استضافت القاهرة، فى 22 ديسمبر 2020، وفدًا يضم 75 من شيوخ وأعيان ونُخب الجنوب الليبي. 4- تحقيق…

تابع القراءة

علاقة الإخوان المسلمين بالقوى المدنية وحزب النور

علاقة الإخوان المسلمين بالقوى المدنية وحزب النور وموقف واشنطن من وصول الجماعة للحكم في مصر خلال فترة ما بعد يناير 2011   لا تزال الفترة التي تلت ثورة يناير 2011 في مصر تحتاج للمزيد من الدراسات، لتسليط الضوء على أبعادها المختلفة، ولاستخلاص العبرة والدرس اللازم، وفي هذا السياق تعد الوثائق التي تتناول هذه الفترة شديدة الأهمية لرصد التفاصيل ولتفهم ما حدث ومن ثم لتفسيره، لذلك تعد الرسائل التي تداولتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في الفترة من 2011 وحتى 2013 شديدة الأهمية في هذا الإطار. نتناول في هذا التقرير نماذج من هذه الرسائل، وهي تتناول مسألتين؛ الأولى: علاقة جماعة الإخوان المسلمين بالقوى المحسوبة على الثورة في تلك الفترة، الثاني: موقف واشنطن من وصول جماعة الإخوان المسلمين لحكم مصر.   الإخوان وحزب النور السلفي: في وثيقة مرسلة من وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون إلى مصدر في مكتب الرئيس الأمريكي، مؤرخة بـ 9 ديسمبر 2011، وبعنوان: “سياسة مصر الداخلية”، تتحدث عن طبيعة وملامح العلاقة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم آنذاك بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي، وجماعة الإخوان المسلمين وقياداتها، خصوصاً المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع، وقد جاء فيها المشير “طنطاوي” طلب من كبار ضباط الجيش أن يجتمعوا بشكل غير معلن مع مصادر اتصالاتهم السرية داخل جماعة الإخوان المسلمين، وإرسال رسالة واضحة للمرشد العام للجماعة محمد بديع بخصوص نتائج الانتخابات الأخيرة، وتذكيره بموافقته غير المعلنة على العمل على ضمان انتقال منظم إلى حكومة منتخبة مع المجلس العسكري، وهو ما يعكس رغبة لدى المؤسسة العسكرية بعدم تسليم السلطة إلا بعد إنتهاء الترتيبات الانتقالية (برلمان، دستور، رئيس)، وأن العسكريين لن يسمحوا للبرلمان بتشكيل حكومة تدير شئون البلاد خلال الفترة الانتقالية. وذلك من قبيل الحرص على مشاركة المجلس العسكري في رسم شكل النظام السياسي الجاري تشكيله؛ ومن دوافع هذه الرسالة أن طنطاوي ومستشاريه قلقون من أن يميل البعض في قيادة الإخوان للعمل مع حزب النور السلفي المحافظ في محاولة للتحرك نحو الحكم المدني بوتيرة أسرع؛ حيث إن مثل هذه الخطوة ستضع جماعة الإخوان المسلمين في موقع قوي للغاية بصفتها الشريك الأكبر في تحالف يسيطر على أغلبية كبيرة من مقاعد مجلس الشعب التي تم حسمها خلال الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية[1]. فقد فاز حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين بحوالي 37% من مقاعد البرلمان خلال الجولة الأولى للانتخابات، وحصلت الأحزاب الصغيرة المتحالفة معه في البرلمان الجديد على 10% إضافية من المقاعد، وفي الوقت نفسه، حصل حزب النور على 24% من المقاعد، وبناءً على ذلك، وطبقا لطبيعة الحال في هذا الوقت، فإن التحالف الإسلامي سيكون في وضع يسمح له بالمطالبة بالحق في تشكيل حكومة مؤقتة على الفور، برئاسة رئيس وزراء يتم اختياره من بينهم، خاصة أن حزب النور/ ورئيسه عماد عبدالغفور، كان معروف برغبته في متابعة مسار التحالف مع الإخوان لتشكيل حكومة تدير الفترة الانتقالية، ورغم ذلك كان طنطاوي يعتقد أن “بديع” يدرك أن الجيش لن يتنازل عن نيته في إدارة البلاد حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في يونيو / يوليو 2012[2]. أما جماعة الإخوان: فقد كانت قيادات الجماعة، بديع وآخرين، غير مرتاحين لحزب النور، وخاصة مع عماد عبدالغفور؛ وكانت تدور مخاوفهم حول إمكانية قيام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتحرك عسكري ضد جميع الأحزاب الإسلامية إذا وصل المجلس العسكري إلى قناعة بأن وضعه أصبح مهدداً، ومن جهة أخرى كانت الجماعة ترى أن الإخوان والحرية والعدالة سيعملون على خلق بيئة عمل جيدة للشركات الأجنبية، بما في ذلك تطبيق إجراءات مصرفية موافقة للشريعة، مع نظام بنكي آخر موازي يضمن التعاون مع البنوك الغربية، وقد أبلغ مرسي كبار مسؤولي الإخوان المسلمين بأن حزب النور يؤيد بقوة تطبيق رؤية غير مرنة من الشريعة الإسلامية، وأن أي إشارة إلى تبني مثل هذه السياسة من شأنها أن تحفز الجيش على التحرك، وأن تخيف كذلك الشركات الأجنبية والمستثمرين الأجانب[3]. بالتالي يظهر من هذه الرسالة أن مخاوف الاخوان من النور؛ جاءت نتيجة لثلاثة مخاوف أساسية؛ الأول: خوف الجماعة من المواقف المتشدد للنور ومشايعيه، الثاني: تحسباً من أن يؤدي قيام تحالف بين الإخوان والنور رغم مواقفه المتشددة إلى تقهقر العسكريين عن القبول بالتحول الديمقراطي، والثالث: الخوف على مستقبل الاستثمارات الاجنبية في مصر، وتأثيره السلبي على موقف (مجتمع الأعمال في مصر) من الثورة والتحول الديمقراطي. من ثم وكما يظهر في هذه الوثيقة، فإن حرص جماعة الإخوان على أخذ مسافة من حزب النور السلفي كان حرصاً من قادتها على أن يحافظوا على علاقات جيدة مع العسكريين ومع المستثمرين سواء كانوا مصريين أو أجانب، وفي نفس الوقت البعد عن المواقف المتشددة للحزب؛ وكل ذلك بغرض حرصاً على تحقيق تحول ديمقراطي ناجح في البلاد، من خلال بناء توافقات واسعة مع رجال الأعمال والجيش.   الاخوان والقوى المدنية: في وثيقة أخرى أرسلتها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، إلى شخصية أمنية معاونة لها، بتاريخ 22 ديسمبر 2011، تحت عنوان: “السياسة والأمن المصري”، تنقل فيها خطط الإخوان التي وضعوها للتعامل مع أي سعي من جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم آنذاك، لاستخدام أحداث العنف التي وقعت في هذه الفترة، كذريعة لتأخير نقل السلطة إلى إدارة مدنية وبرلمان منتخب خلال عام 2012، خاصة بعد تحذير مسؤولي المجلس العسكري للجماعة من أن الأحزاب الليبرالية / العلمانية تضغط باحتجاجاتهم لتصل إلى مستوى خطير وغير مقبول[4]. وقد جاء في الوثيقة، أن بديع ومستشاريه على اتصال مع القادة الليبراليين / العلمانيين، لكنهم يُقِرّون بأن تأثيرهم على هذه القوى محدود، وذلك في أحسن الأحوال، ومن أجل الحفاظ على علاقة العمل بين هؤلاء الأفراد، فإن قيادة الإخوان المسلمين تحافظ على مستوى من الاتصال بالحزب الاشتراكي الثوري المصري، لكنها تشعر بالإحباط حالياً بسبب عدم قدرتها على إقناع قيادة هذا الحزب، والجماعات العلمانية الأخرى، بالحد من مستوى العنف في ميدان التحرير وفي عموم البلاد، وأن مرشد الجماعة يشعر بالاستياء بشكل خاص من “إسلام لطفي[5]” وحزب التيار المصري، الذي يستمر في اتهام الإخوان المسلمين بالعمل لحساب الجيش، وأن مسؤولو جماعة الإخوان المسلمين حذروا مراراً وتكراراً القيادات المناصرة للديمقراطية من أن المجلس العسكري سوف يستخدم بشكل متزايد تكتيكات عنيفة، بما في ذلك استخدام القوة المميتة، لقمع العنف في ميدان التحرير، وفي المواقع الأخرى التي يحاصرها المتظاهرون[6]. كما جاء في الوثيقة أن “بديع” ورئيس حزب الحرية والعدالة محمد مرسي، يعتقدان أن اندلاع أعمال العنف الأخيرة؛ جاء كنتيجة للإحباط الذي شعر به أعضاء الأحزاب الليبرالية / العلمانية بسبب ضعف أدائهم في الجولتين الأوليين من الانتخابات البرلمانية، وأن مرشد الجماعة يعارض وبشدة (وبأقوى العبارات) الدعوات الموجهة من هذه الأحزاب العلمانية إلى تقديم موعد الانتخابات الرئاسية إلى موعد أقصاه يناير 2012، حيث تعتقد جماعة الإخوان المسلمين أن مثل هذه الخطوة ستمنح الرئاسة المزيد من السلطة،…

تابع القراءة
روسيا والقرن الإفريقي

روسيا والقرن الإفريقي

    على الرغم من تراجُع إفريقيا في أجندة السياسة الخارجية الروسية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وما تسبَّب فيه الغياب الروسي من فراغ استغله لاعبون جُدد خلال العقود الثلاثة الماضية في القارة، إلا أنه مع صعود الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة، حاولت روسيا استعادة نفوذها السياسي كقوة كبرى في النظام الدولي، تمتلك العديد من المصالح في شتَّى أنحاء العالم، ومنها قارة إفريقيا التي تمتلك أهمية استراتيجية في النظام الجيوسياسي الدولي برزت بوادره بشكل مُكثَّف خلال العقد الماضي. ولطالما كانت منطقة القرن الإفريقي أحد أهم المناطق الاستراتيجية في العالم؛ نظرًا لما تتمتَّع به من موقع جغرافي مميز، وكونها تطل على ممرات مائية هامة، فضلاً عن احتوائها على العديد من الموارد الطبيعية، وقُربها من مسرح الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، مما جعلها محطَّ أنظار العالم لا سيما القوى الكبرى. ومع تراجع نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في القارة على عهد ترامب؛ لانشغالها بتسارع الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وتعقيداتها، وهو ما كان يُعد فرصة أمام روسيا للاندفاع نحو إفريقيا، وخلق مناطق نفوذ لها في منطقة القرن الإفريقي؛ بهدف تحقيق وتعزيز مصالحها فيها. فما هي المصالح الدافعة للتواجد الروسي في منطقة القرن الإفريقي؟ وما هو الوضع الحالي لهذا التواجد؟ وكيف يُمكن توقُّع مستقبل هذه التحركات؟ تلك هي التساؤلات التي تسعى تلك الورقة للإجابة عليها خلال السطور القليلة القادمة.. المصالح الدافعة للتواجد الروسي في منطقة القرن الإفريقي: ترتبط المساعي الروسية بشأن التوجه نحو منطقة القرن الإفريقي بجملة المصالح الرئيسة للروس فيها؛ أولها؛ المشاركة في احتواء خطر الجماعات والحركات الإرهابية؛ بما لا يهدد مصالحها في المنطقة، وبما يصعِّب من انتقال العناصر الجهادية إليها. وثانيها؛ استعادة النفوذ الروسي في المنطقة، وإيجاد موطئ قدم لها في منطقة البحر الأحمر، في ظل تصاعد التنافس الدولي والإقليمي على المنطقة. وثالثها؛ تستغل روسيا المنطقة كقاعدة للانطلاق نحو توسيع نفوذها في مناطق أخرى من القارة الإفريقية، باعتبار أن منطقة القرن الإفريقي هي بوابة عبور إلى وسط وجنوب القارة. ورابعها؛ المساهمة في تأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر، والمشاركة في حماية مضيق باب المندب، فضلاً عن القرب من الأزمات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط. وخامسها؛ تعزيز التعاون السياسي، والتفاعل مع دول المنطقة، لضمان دعم روسيا في المحافل الدولية بخصوص القضايا والملفات التي تهم الجانب الروسي. وسادسها؛ تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية، وتعزيز التجارة الثنائية بين دول المنطقة في مختلف القطاعات. وسابعها؛ فتح سوق جديدة في المنطقة، يمكن من خلالها تصدير المنتجات والخدمات والتقنيات الروسية مثل الأسلحة الروسية، وبناء محطات الطاقة النووية، وبناء البنية التحتية، وتكرير النفط وخطوط أنابيب البترول، وإطلاق الأقمار الصناعية. وثامنها؛ استغلال الموارد الطبيعية للمنطقة، مثل النفط والغاز الطبيعي، والأراضي الزراعية، والثروة الحيوانية، والمعادن، واليورانيوم.[1]  التنافس في القرن الإفريقي: تنظر روسيا إلى فرنسا كمنافس مباشر في القرن الإفريقي، كما أنها تحاول تقويض النفوذ الأمريكي في المنطقة. حيث تحاول كلٌّ من روسيا وفرنسا الاستفادة من مخاوف دول القرن الإفريقي بشأن الاعتماد المفرط على الصين. كما أنه في العام الماضي، تزامن إقامة كلٍّ من روسيا وفرنسا لتعاون بحري مع إثيوبيا، والتي يرى المحللون الروس، أن هذا المسعى الفرنسي هو محاولة لربط إثيوبيا بجيبوتي، لمواجهة الدور الروسي. خاصةً وأن روسيا أقامت علاقات مع إفريقيا الوسطى ومالي، المسارح التي تتواجد بها فرنسا، مما دفع الأخيرة لإقامة علاقات مع دول لم تحتلها من قبل مثل نيجيريا وغانا. وهناك احتمالية لاستخدام روسيا الوسيلة الإعلامية لتقويض الدور الأمريكي في المنقطة، نظرًا لعدم رغبتها في التدخل عسكريًا في القرن الإفريقي، مما يحد من قدرتها على مواجهة الولايات المتحدة. وبجانب المواجهة المحتملة مع فرنسا والولايات المتحدة، تنعكس أدوار روسيا في الشرق الأوسط كذلك على دورها في القرن الإفريقي. فعلى سبيل المثال، ستمنح إقامة روسيا لعلاقات مع المجلس الانتقالي الجنوبي باليمن، منذ مارس 2019، موطئ قدم على البحر الأحمر وخليج عدن، وتقوية روابطها مع القرن الإفريقي بشكل متبادل. كما أن هناك إمكانية لتبنِّي روسيا نهجًا حذرًا مع إثيوبيا؛ حال استمرار التوترات بين الأخيرة ومصر بشأن مفاوضات سد النهضة، حيث أصبحت القاهرة شريكًا مهمًا بشكل متزايد لروسيا في ليبيا وسوريا. إذ لا تزال منطقة القرن الإفريقي تمثل أولوية ثانوية لروسيا، نسبةً إلى علاقتها المتنامية مع مصر وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، مما قد يدفع روسيا بتقليل مشاركتها في المنطقة، حال تم تهديد مصالح أي من هؤلاء الشركاء.[2] الوضع الحالي للتواجد الروسي في المنطقة: في إطار سعيها إلى التغلغل في منطقة القرن الإفريقي، تحرص روسيا على توسيع دائرة علاقاتها مع دول المنطقة؛ بهدف خلق المزيد من الحلفاء والشركاء الاستراتيجيين، من خلال المُضي قُدُمًا نحو تعزيز العلاقات السياسية والدبلوماسية، وفتح آفاق جديدة في أسواق دول القرن الإفريقي. ففي إثيوبيا؛ يمثل قطاع الطاقة مدخلاً هامًا لروسيا يفتح المجال أمام شراكة قوية بينها وبين إثيوبيا، ومن ثَمَّ إعادة الارتباط بين موسكو وأديس أبابا؛ بحيث تصبح الأخيرة بوابة روسيا لإفريقيا بهدف إيجاد موطئ قدم ملموس في القارة؛ من أجل تعزيز المصالح الروسية في إفريقيا؛ حيث تعمل شركة Rosatom في مجال مراكز الأبحاث والتكنولوجيا النووية في إثيوبيا، وفي دول أخرى مثل تنزانيا وغانا وزامبيا. وفي إريتريا؛ تُمثِّل أسمرة مدخلاً هامًا لموسكو للولوج إلى القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وبسط النفوذ الروسي هناك؛ حيث تطوَّرت العلاقات الثنائية خلال السنوات الماضية على المستويات السياسية والاقتصادية وكذلك العسكرية. أما في الصومال؛ فترى روسيا في الصومال موردًا مهمًّا لعددٍ من الموارد الطبيعية غير المُستغلة؛ مثل النفط والغاز واليورانيوم، بالإضافة إلى حاجتها إلى شريك استراتيجي يسهم في إعادة بناء الدولة الصومالية، في ظل عدم الاستقرار السياسي الذي يعصف بالبلاد منذ الإطاحة بنظام بري في التسعينيات. كما ترغب مقديشو في الاستفادة من الخبرة العسكرية الروسية في محاربة الإرهاب، كما ترى روسيا في الصومال نقطة انطلاق مهمة لها في محاربة الإرهاب؛ لا سيما تنظيم داعش في المنطقة، فضلاً عن أن تعزيز الدعم العسكري والاقتصادي الروسي للصومال، بالإضافة إلى كونه يدعم بشكل كبير استعادة السلام والاستقرار الإقليمي في القرن الإفريقي؛ إلا أنه يُعزِّز أيضًا من الدور الروسي في تحقيق الأمن الإقليمي. وفي السودان؛ تتمتع روسيا بعلاقات سياسية واقتصادية وعسكرية متميزة مع السودان، فقد كانت روسيا داعمًا رئيسًا للسودان في المجال العسكري من خلال تعزيز روسيا لقدرات السودان العسكرية وصلت مؤخرًا لعقد اتفاق روسي سوداني حول إنشاء مركز لوجيستي على شواطئ البحر الأحمر السودانية في 6 نوفمبر 2020. وكذلك في جنوب السودان؛ يعتمد الرئيس سلفاكير ميارديت على روسيا والصين في الوقوف إلى جانبه ضد العقوبات الأمريكية على بلاده، وحظر الأسلحة من مجلس الأمن الدولي؛ بسبب الصراعات والحرب الدائرة في البلاد منذ منتصف ديسمبر 2013. ومن ثَمَّ، ترغب جنوب السودان في تعزيز العلاقات مع روسيا؛ من أجل التوازن في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية….

تابع القراءة

إيران والولايات المتحدة الأمريكية… توتر متزايد ورئيس أمريكي جديد: أيهما يحسم الأمر

    في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، تعيش العلاقات الأمريكية الإيرانية حالة توتر كبيرة هذه الأيام، وهو ما انعكس على تصريحات المسئولون من الجانبين، فقد أكد قائد فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، في مراسم الذكرى الأولى لاغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني إلى احتمال القيام بهجمات من داخل الأراضي الأميركية، رداً على الاغتيال، مخاطباً الإدارة الأميركية “يمكن أن يكون هناك أناس من داخل بيتكم يردون على جريمتكم هذه”، كما شهدت الفترة الماضية تصعيدًا ملحوظًا من جانب المليشيات الإيرانية في العراق، للانتقام من أمريكا على قتلها لسليماني، حيث تعرضت السفارة لعدد من الصواريخ التابعة لمنظومة تسليح تلك المليشيات، فيما تهدد أمريكا بقوة بأنها سترد بعنف على إيران. يبحث هذا التقرير مجريات الأحداث في الأيام الماضية، وتأثير ذلك على الطريقة التي ستدير بها ادارة بايدن العلاقات الأمريكية الإيرانية.   طهران تضغط على أمريكا من بوابة سفارتها  في بغداد: تعرضت المنطقة الخضراء التي تضمّ مبنى السفارة الأميركية وبعثات غربية مختلفة، فضلاً عن مقرَّي الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية مؤخرًا، لعدة رشقات بصواريخ “كاتيوشا”، ردت عليها منظومة الصواريخ الأميركية الموجودة في مبنى السفارة وأسقطت عدداً منها، لكن أخرى سقطت على مقربة من السفارة، التي سارعت للإعلان في بيان رسمي عن عدم تعرض أيٍّ من موظفيها للضرر جراء الهجوم، وسريعًا تداول الإعلام تصريحًا لقائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال فرانك ماكينزي الذي أبلغ رئيس أركان الجيش العراقي، الفريق الركن عبد الأمير يار الله، بأنهم لن ينتظروا حتى يُصاب أو يُقتل أحد موظفي السفارة الأميركية حتى يقوموا بالرد، مطالبين بوقف الهجمات وتقديم منفذيها للمحاكمة وفق قانون مكافحة الإرهاب في العراق. ويبدو أن الامر متوقف على هجوم آخر، وسيكون هناك رد فعل أميركي، قد يكون عسكرياً بضربات جوية، على غرار الهجوم الذي تمّ الرد به على قصف معسكر التاجي مطلع مارس الماضي، أو أنها ستعيد خيار إغلاق السفارة في بغداد، والخياران يبدوان متاحين مع الأجواء الحالية في البيت الأبيض، وقد اتهمت واشنطن مليشيات عراقية مقربة من إيران بالوقوف وراء الهجمات التي تستهدف المنطقة الخضراء، ومطار بغداد الدولي الذي يوجد فيه جزء مخصص للتحالف الدولي، والأرتال التي تنقل معدات التحالف الدولي، بصواريخ “كاتيوشا” والعبوات الناسفة بين الحين والآخر، وكان ترامب قد قال على “تويتر”: “إن الصواريخ التي سقطت في المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد، في هجوم استهدف السفارة الأميركية جاءت من إيران، ونحن نسمع أحاديث عن هجمات أخرى على الأميركيين في العراق”. وأضاف ترامب: “نصيحة ودية لإيران: إذا قُتل أميركي واحد فسوف أحمل إيران المسؤولية، عليكم أن تفكروا في الأمر”. من جهته، نفى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من أن طهران كانت وراء هجوم صاروخي استهدف السفارة الأميركية في بغداد، وكتب ظريف على “تويتر”: “تعريض مواطنيك للخطر في الخارج لن يصرف الانتباه عن الإخفاقات الكارثية في الداخل”[1]، من جانبه، توعد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة: “برد ساحق إذا ما اقترب أحد من خطوطنا الحمراء”. وأكد خطيب زادة أنه “لا يهمنا كثيراً ماذا يدور في أذهان الإدارة الأميركية الحالية من تصرفات ونيات، لكننا واثقون من ردنا الحتمي وجهوزيتنا لمواجهة أي سيناريو ودرسنا مختلف السيناريوهات”، مضيفًا: “لن نبدأ أي حرب لكنا ردنا عليها سيكون ساحقاً وحازماً”، معرباً عن أمله في أن “لا يضيف (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب أشياء مشؤومة أخرى إلى تركته المشؤومة وأن ينهوا العد العكسي لطردهم من البيت الأبيض بشكل أفضل”. واستطرد قائلاً إن بلاده “لا يهمها من هو الساكن في البيت الأبيض ونحن ندرس أي فعل في يومه ونرد عليه في اليوم نفسه”[2]. لكن بموازاة ذلك، ثمة تقارير لا تستبعد احتمال قيام واشنطن خلال الفترة المتبقية لولاية ترامب بتوجيه ضربات على مواقع نووية وعسكرية إيرانية، في المقابل، لم تخف طهران قلقها من ذلك، فتوالت في الأيام الأخيرة التهديدات والتحذيرات الإيرانية، مؤكدة أنها سترد بـ”قوة” و”حزم” على أي اعتداء.   في محاولة لخفض التوتر: ورغم تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن، قامت الأخيرة بخطوة، سحب حاملة الطائرات التابعة للبحرية في الشرق الأوسط، إلى مقرها في الساحل الغربي للولايات المتحدة، وهي تعد الحاملة الوحيدة في المنطقة، وهي خطوة يراها البعض بأنها محاولة من جانبها لتهدئة التوتر، ومنعًا من خروجه عن السيطرة، بأفعال طائشة من جانب المليشيات غير النظامية الموالية لطهران، وأكد بعض المتابعون أن هذا القرار من شأنه أن يقلل من قوة النيران الأميركية بالمنطقة وسط توترات متزايدة مع إيران، وهو ما سبب قلقًا لدى الدول الخليجية وخاصة السعودية والبحرين، وقد حاول الجيش الأمريكي طمأنة الدول الخليجية، من أن الخليج العربي تحت سيطرة وحماية سلاح الجو الأمريكي، وهو ما ظهر غداة تحليق قاذفات سلاح الجو طراز “بي-52” دون توقف من الولايات المتحدة إلى الخليج العربي في استعراض للقوة، وكان يهدف إلى تحذير إيران من شن هجمات ضد القوات أو المصالح الأميركية. وقد حافظت الولايات المتحدة على وجود حاملة طائرات شبه مستمر في منطقة الخليج العربي منذ إرسال حاملة الطائرات “يو إس إس أبراهام لينكون” في مايو 2019 وسط مخاوف من أن إيران تفكر في مهاجمة المصالح الأميركية بالمنطقة. كما أرسلت الولايات المتحدة أيضاً طائرات هجومية برية إضافية، وأعادت تأسيس وجود القوات في السعودية[3]، ويبدو أن إرسال حاملة الطائرات “يو إس إس نيميتز” يتعارض مع فكرة أن هناك حاجة إلى استعراض القوة لردع إيران، وقد يعكس هذا انقساماً داخل مؤسسة الدفاع حول ما إذا كانت إيران تشكل تهديداً متزايداً بشن ضربة في الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. الغواصات على مقربة من طهران: في حقيقة الأمر، ليس قرار الجيش الأمريكي بسحب حاملة الطائرات هو كل الواقع، بل أنه ربما كان لاحداث مناورة ضد إيران، لاحداث خلخلة داخلية بين القادة، في رؤيتهم لطريقة التعامل مع التصعيد الأمريكي، في حال كانت هناك نية حقيقية للانتقام لقاسم سليماني، فمؤخرًا اجتازت الغواصة الإسرائيلية دولفين 2 قناة السويس، وهي في طريقها الآن لمضيق هرمز، وهي أحد أقرب النقاط للمياه الإيرانية، كما أن الغواصة “يو إس إس جورجيا” في الخليج، مع تزامن تحرك غواصة إسرائيلية وعبورها قناة السويس إلى البحر الأحمر، كما سلط التقرير الضوء على القدرات البحرية الإيرانية، وإمكانية تصديها لتلك التحركات. في أواخر ديسمبر الماضى ، عبرت غواصة الصواريخ الموجهة الأمريكية “يو إس إس جورجيا” التي تعمل بالطاقة النووية مضيق هرمز، ودخلت المياه الضحلة للخليج العربي، وهذه السفينة الضخمة هي واحدة من أربع غواصات فقط تابعة للبحرية الأمريكية جرى تحويلها لتحمل 154 صاروخا تقليديا جوالا للهجوم البري من طراز “توماهوك” حوالي نصف قدرة الضربة الصاروخية التكتيكية لقوة بحرية كاملة، بمدى يتراوح من 1300 إلى 2500 كيلومتر، ويمكن لـ “جورجيا” أيضا حمل ستة وستين جنديا من قوات للبحرية الأمريكية،…

تابع القراءة

الأزمة السودانية الإثيوبية وتأثيرها على مصر

    تتنازع أديس أبابا والخرطوم على أرض مساحتها نحو 250 كيلومترًا في منطقة الفشقة بولاية القضارف، ويسكنها مزارعون من البلدين، وتعرضت القوات السودانية لكمين من قوات وميليشيات إثيوبية، في 15 ديسمبر الجاري، ما أسفر عن خسائر في الأرواح والمعدات، ما أدى لاندلاع مواجهات بين الجيش السوداني وجماعات مسلحة إثيوبية. لتتقدم فيما بعد القوات المسلحة السودانية في الخطوط الأمامية داخل الفشقة، وأكدت الخرطوم أنها استعادت العديد من الأراضي التابعة لها. ودخل البلدان في مباحثات حول ترسيم الحدود المشتركة دون الإعلان عن أي قرار، وجاء في بيان مشترك صادر عن إعلام مجلس الوزراء السوداني أن الطرفين اتفقا على رفع التقارير إلى قيادة البلدين على أن يُعقد الاجتماع المقبل في موعد يُحدد لاحقًا عبر القنوات الدبلوماسية مع أديس أبابا. وهكذا تشهد العلاقات السودانية الإثيوبية حالة من الترقب الحذر، وسط تخوفات من أن يتحول النزاع الحدودي واستكمال عملية ترسيم الحدود؛ إلى وسيلة لإجبار الحكومة السودانية على أن تقف إلى جانب أديس أبابا ضد مصر في مفاوضات سد النهضة، أو لدفع تعويضات للمزارعين الإثيوبيين. فما هي خلفيات تلك الأزمة؟ وكيف تطورت؟ وما مدى تأثيرها على العلاقات المصرية السودانية، ومفاوضات سد النهضة؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها خلال السطور القليلة القادمة..   خلفيات الأزمة وتصاعُدها: تتمسك السودان باتفاقات عام 1902 وبرتوكول لاحق عام 1903، يقضي بترسيم الحدود بين بريطانيا -نيابة عن السودان-، والإمبراطورية الإثيوبية، ومع استقلال السودان وانشغالها بصراعاتها في جنوب البلاد، انتهز المزارعين الإثيوبيين الفرصة في شن هجمات متكررة على الأراضي السودانية، حتى جاء عام 1972 ووقَّع البلدين على اتفاق ينص على إنهاء التمرد، ووقف التدخل العسكري، لكن المزارعون تمسكوا باتفاق وقع عام 1965، والذي يقضي بأن يظلوا داخل منطقة الفشقة المتنازع عليها حتى يتم ترسيم الحدود، لكن الميليشيات الإثيوبية لم تكف عن طرد المزارعين السودانيين وتمكين الإثيوبيين بدلاً منهم. في عام 1994، توصَّلت الخرطوم وأديس أبابا إلى اتفاق لتوزيع الأراضي في المنطقة بين المزارعين السودانيين والإثيوبيين، وتخصيص ثلثيها للسودانيين. وصعد النزاع على السطح العام الجاري، وفي مايو الماضي، اتهم الجيش السوداني نظيره الإثيوبي علنًا، بعد استيلاء 1800 مزارع إثيوبي على حوالي مليون فدان من الأراضي الزراعية الخصبة وطرد المزارعين السودانيين المحليين بمساعدة الميليشيات الإثيوبية، عقب ذلك اتفق الطرفان على أن تبدأ اللجنة المشتركة لترسيم الحدود عملها في أكتوبر وتنتهي مارس 2021.[1] وقد سهَّلت الحرب في إقليم تيجراي الإثيوبي مهمة الجيش السوداني هناك، إلا أن المعارك الصعبة ستكون جنوبًا في الفشقة الصغرى التي يفصلها عن الفشقة الكبرى نهر باسلام الذي يشق المنطقتين من الشرق إلى الغرب، والتي تستميت مليشيات الأمهرة الإثيوبية -وهي صاحبة المصلحة في الاستيلاء على الفشقة الصغرى- في الدفاع عنها لكثافة الوجود العسكري والاستيطان الإثيوبي، فضلاً عن سيطرة تلك المليشيات على تضاريس صعبة تكفل لها كشف سهول المنطقة. هذا في حين رفضت لجنة متضرري أراضي الفشقة التفاوض مع الوفد الإثيوبي، وطالبت القيادة السياسية بعدم الجلوس مع الوفد حتى يستقر الجيش السوداني في نقاط الحدود الدولية المعروفة بين البلدين.[2]   نتائج المفاوضات: وصلت المفاوضات الحدودية التي انطلقت الثلاثاء 22 ديسمبر، بين السودان وإثيوبيا في الخرطوم إلى طريق مسدود، حيث تجددت الاشتباكات في منطقة جبل أبو طيور التي أعلن الجيش قبل أيام تطهيرها من الميليشيات الإثيوبية والسيطرة عليها. وكانت جولة محادثات في الخرطوم حول ترسيم الحدود المشتركة، انتهت الأربعاء بدون الإعلان عن أي قرار بهذا الصدد. وجاء في بيان مشترك صادر عن إعلام مجلس الوزراء السوداني أن الطرفين اتفقا على رفع التقارير إلى قيادة البلدين على أن يعقد الاجتماع القادم في موعد يُحدد لاحقًا عبر القنوات الدبلوماسية بأديس أبابا. غير أن اجتماع اللجنة السياسية رفيعة المستوى حول قضايا الحدود بين السودان وإثيوبيا بدأ في جو غير مرضٍ، إذ إنه ومنذ بدء الاجتماع الثلاثاء، وصف وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين موقف السودان بأنه غير ودي. وقال في كلمته التي وزعتها السفارة الإثيوبية في الخرطوم، أن “إيجاد حل دائم على الحدود يتطلب تسوية ودية للقضايا المتعلقة بالموئل وزراعة الأراضي”.[3]   الوضع الحالي: جاءت الأزمة في إقليم التيجراي نوفمبر 2020 لتضع تحديات حقيقية أمام مسار العلاقات السودانية الإثيوبية، لاسيما أنها تلت توترات حدودية متكررة بينهما في منطقة القضارف بالسودان، وصلت إلى مرحلة انتهاك علني لسيادة السودان وقواته ومواطنيه في عمق أراضيه، بينما اقتصرت استجابته وقتها على مواقف كلامية متفاوتة القوة. ويمكن تلمس الوضع الحالي في مسارين: تقارب تقليدي شابه توتر مكتوم مؤخرًا بين رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك ونظيره الإثيوبي آبي أحمد، اتضح في تقليص جدول أعمال زيارة الأول لأديس أبابا منتصف ديسمبر فيما اعتبر رفضًا إثيوبيا لأداء حمدوك في أزمة التيجراي وما تلاها، تم تداركه جزئيًا في قمة الإيقاد بجيبوتي مؤخرًا. أما المسار الثاني فإنه يتمثَّل في حالة استقطاب واضحة في علاقة المكوِّن العسكري بأديس أبابا، وتمكُّنه من خلخلة الاصطفاف الشعبي واجتذاب قطاعات أكبر وراء مواقفه داخليًا وخارجيًا؛ مما مثَّل تهديدًا حقيقيًا لإثيوبيا كقوة مهيمنة في المرحلة الانتقالية، مع تبنِّي مواجهة العناصر الإثيوبية المعتدية على سيادة السودان عسكريًا. هذا فيما عمد آبي أحمد إلى امتصاص الغضب العسكري والشعبي السوداني ضد نظامه في قمة الإيقاد بجيبوتي برئاسة حمدوك، باتفاق البلدان على استئناف اجتماعات لجنة الحدود المشتركة 22 ديسمبر، وحشد المواقف وراء فكرة حل إفريقي للمشكلة، رغم التواضع سابقًا ومرارًا على فكرة ترسيم الحدود المعترف دون مخرجات جدية حتى الآن.[4]   تداعيات الأزمة السودانية الإثيوبية على مصر: يمكن رصد أهم تلك التداعيات في عدد من الملفات، أبرزها: سد النهضة؛ حيث يراوح السودان في مواقف متضاربة أحيانًا في هذا الملف، مما يعكس ربما غموض عملية صنع القرار السياسي في المرحلة الانتقالية. وتُعوِّل مصر بقوة، ضمن استراتيجية مصرية أشمل للتقارب مع دول حوض النيل، على الموقف السوداني وثباته في مواجهة المراوغات الإثيوبية. ويجسد حالة الاضطراب هذه إعلان الخرطوم مقاطعتها للمحادثات ذات الصلة، ثم إعلان رئيس الوزراء حمدوك خلال زيارته لأديس أبابا 13 ديسمبر التوصل لاتفاق مع إثيوبيا لاستئناف المفاوضات في ظل صمت مصري، واتفاق الجانبان على منح الاتحاد الإفريقي دور أكبر في المحادثات، الأمر الذي يعبر عن عدم تفهم للموقف المصري. أمن البحر الأحمر؛ كان ملف أمن البحر الأحمر من القضايا الشائكة بين القاهرة والخرطوم في السنوات الأخيرة من عهد عمر البشير، ويُرجح أن يقود أي تقارب إثيوبي سوداني في سياق سعي إثيوبيا لاستغلال موانئ سودانية إلى تجديد هذا التوتر، أخذًا في الحسبان التعاون العسكري التركي- الإثيوبي. موقف القوى السياسية السودانية من مصر؛ تحاول القاهرة مد جسور التواصل مع قوى ثورية سودانية طالما عُرفت بأنها راديكالية، الأمر الذي يُمكن أن يتأثر -من حيث القوة والانتشار- بنمو النفوذ الإثيوبي وسط قوى سياسية تنظر لمصر بشكوك ربما يرتبط أغلبها بصورة نمطية موروثة، الأمر الذي تمثَّل في…

تابع القراءة

الأزمة الخليجية: صفحة وطويت أم أن لها ذيول تتمدد

    بعد ثلاثة وأربعين شهرًا من أزمة عصفت بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكادت أن تؤدي إلى تفكّكه، أنهت القمة الخليجية الحادية والأربعون التي عقدت في الخامس من يناير 2021 في مدينة العلا، حصار قطر، وأصدرت بيانًا أكّدت فيه “وقوف دول مجلس التعاون الخليجي صفًا واحدًا في مواجهة أي تهديد تتعرّض له أي من دول المجلس” و”عدم المساس بسيادة أي دولة أو استهداف أمنها”. وأكد وزير الخارجية السعودي، أن مخرجات القمة أكدت طيًا كاملًا لنقاط الخلاف مع قطر، وعودة كاملة للعلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، من جهة وقطر من جهة ثانية. تفاعل عدد كبير من العرب والمسلمين مع المصالحة الخليجية، ودعا الكثير بضرورة الوحدة لمساندة القضية الفلسطينية ولم الشمل العربي، والابتعاد عن سياسات الاحتلال الصهيوني في التفرقة واهدار الجهود في التناحر الداخلي، بدلًا من مساندة قضايا المسلمين. يبحث هذا التقرير أبعاد الأزمة من البداية، مرورًا بأهم الفاعلين الذين حاولوا اشعال الأزمة وعدم تضميدها، نهاية بالأسباب التي دفعت السعودية لإنهائها في هذا الوقت تحديدًا، وختامًا بمستقبل التعاون الخليجي الخليجي بدايات الأزمة: ولي عهد جديد العهد بالسياسة: بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض أقام كوشنر علاقة مع محمد بن سلمان الذي كان في حينه نائبا لولي العهد ولكن لديه طموحات للسيطرة على العرش السعودي. وتوثقت الصلة بين الأميرين الشابين وكلاهما في الثلاثين من عمره وعبرا عن رغبة بإعادة رسم الشرق الأوسط وإثبات نفسيهما على المسرح الدولي. وقد أقنع كوشنر ترامب بجعل السعودية المحطة الأولى في أول زيارة خارجية له كرئيس في مايو 2017. وفهم محمد بن سلمان والمسؤولون السعوديون أن ترامب يحب التملق وأعدوا له استقبالا في غاية الإسراف. وبعد زيارة ترامب التي تعهد فيها بدعم السعودية والوقوف مع الدول السنية العربية في المواجهة مع إيران، ظن محمد بن سلمان بأنه حصل على ضوء أخضر بفعل ما يحلو له محليًا واقليميًا. بدأت الأزمة في ليلة 24 مايو، بعدما وقع اختراق مدبّر لوكالة الأنباء القطرية ونشر تصريحات مختلقة منسوبة إلى أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال حفل تخريج طلاب إحدى الكليات العسكرية، اتخذت ذريعةً لإطلاق الأزمة. وعلى الأثر، انطلقت حملة إعلامية غير مسبوقة استهدفت قطر. [1] فبعد زيارة ترامب للرياض بأيام قليلة، وتحديدًا في 5 يونيو من العام ذاته، أعلنت السعودية مع الإمارات والبحرين ومصر عن قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر وفرض حظرا جويا وبريا وبحريا عليها. واتهمت هذه الدول قطر بدعم الإرهاب وتقويض الجهود العربية السنية لعزل إيران ودعم الجماعات الإسلامية، مثل الإخوان المسلمين. وفي سلسلة من التغريدات نسب ترامب لنفسه فضل الدعوة للحصار على قطر والذي قادته السعودية والدول المتحالفة معها. وعبر عن دعمه للحصار، وفي تغريدة له قال: “خلال زيارتي الأخيرة للشرق الأوسط أكدت أنه لن يكون هناك أي تمويل للأيديولوجية الراديكالية” و”أشار القادة إلى قطر.. انظر”. ورغم محاولة مسؤولو الأمن القومي في إدارة ترامب البحث عن طرق لنزع فتيل الأزمة في أيامها الأولى: لكن رسالته كانت واضحة: لن يخطئ السعوديون، ومحمد بن سلمان على حق فيما فعل. لم تكن هذه الأزمة الأولى بين قطر وجاراتها الخليجية؛ إذ سبق للدول الثلاث أن سحبت سفراءها من الدوحة في فبراير 2014. ومثّل حينها الخلاف على الموقف من الانقلاب العسكري في مصر الذي أطاح نظام الرئيس المنتخب، محمد مرسي، في 3 يوليو 2013، السبب المباشر للأزمة. لكن الوساطة التي قامت بها الكويت في ذلك الوقت نجحت في احتواء الأزمة، وتمّ التوصل إلى اتفاق الرياض الأول، ثم اتفاق الرياض التكميلي، بعد مفاوضاتٍ استغرقت نحو ثمانية أشهر. انتهت الأزمة وقتها عند هذا الحد، فأعيد سفراء السعودية والإمارات والبحرين إلى الدوحة، وعقدت قمة الدوحة الخليجية الخامسة والثلاثون في 9 و10 ديسمبر 2014، بحضور جميع الدول الأعضاء. لم تتخذ الأزمة الخليجية في ذلك الوقت أبعادًا أكبر؛ نتيجة حالة القلق التي انتابت عواصم الدول من سياسات إدارة الرئيس، باراك أوباما، في المنطقة. وقد أدّت سياسات أوباما الاسترضائية تجاه إيران، وشعورٌ خليجي بالتخلي الأميركي، إضافة إلى تنامي سياسات الهيمنة الإيرانية، إلى إحساسٍ خليجي عام بالضعف؛ ما دفع السعودية والإمارات تحديدًا إلى تأجيل خلافاتهما مع قطر، وخصوصًا في ضوء الحاجة إلى دعم قطر الإعلامي والمالي والعسكري مع بدء الحرب في اليمن مطلع عام 2015. ورغم أن هناك عدة أهداف من حصار قطر، من ضمنها ضرب جماعة الإخوان المسلمين من جهة، وتضييق الخناق أكثر على إيران وأطرافها الإقليمين، إلا أن ترامب غير موقفه من الحصار بعد اكتشافه أنه دفع قطر نحو إيران أكثر وأضر باستراتيجية أقصى ضغط، وفي تلك الفترة ثبت محمد بن سلمان وحلفاؤه أقدامهم ورفضوا الاعتراف بأن الجارة الصغيرة تفوقت عليهم.[2] الإجابة واشنطن: المتغير الأساسي في بداية الأزمة وانتهائها: مثّل وصول إدارة الرئيس ترامب إلى السلطة مطلع عام 2017 تغيرًا كبيرًا في الظرف الدولي؛ إذ رأت الدول الأربع في انتهاء حقبة أوباما والديمقراطيين فرصةً لعودة الشراكة الكاملة مع واشنطن، بعد التوترات التي أصابتها، بسبب ثورات الربيع العربي والتقارب الأميركي – الإيراني. وساهم في المضي في هذا الاتجاه العداء الصريح الذي أبداه ترامب لإرث حقبة أوباما بمجمله، باتخاذ موقفٍ سلبيٍّ من الاتفاق النووي مع إيران، وبتجاهل مطلق لقضايا الديمقراطية وحقوق الأنسان. اتجهت قطر، منذ بداية الأزمة، إلى محاولة تغيير موقف الرئيس ترامب؛ باعتباره عامل القوة الرئيس الذي استندت إليه الدول الأربع في هجومها على قطر، كما عملت في الكونغرس على مواجهة لوبي منسق إسرائيلي – إماراتي. وتمكّنت من حصد نتائج العمل المكثّف في واشنطن، خلال اجتماع القمة الأخير الذي عقده الرئيس ترامب مع أمير قطر، في يوليو 2019. وانعكس التغيير في موقف الرئيس ترامب من الأزمة الخليجية بوضوح، في البيان المشترك الذي صدر عقب محادثات الطرفين في البيت الأبيض، في تأكيده “أن العلاقة الاستراتيجية والدفاعية الوثيقة تعزّزت بين البلدين”. ظهرت ترجمة تغيير موقف الرئيس ترامب من الأزمة الخليجية بانتقاله من داعم لسياسات الدول التي فرضت الحصار، بل ومحفّز لها في بداية الأزمة، إلى وسيط في حلها، إلى جانب الكويت. وحتى ذلك الحين، لم توفّق وساطة الكويت في إحداث أي تغييرٍ في موقف الدول الأربع من دون دعم أميركي. وخلال السنوات الثلاث التالية، سعت الولايات المتحدة الأميركية، بدرجاتٍ متفاوتةٍ من الجدّية، للتوصل إلى حل للأزمة، حتى توّجت جهودها أخيرًا بالتوصل إلى اتفاقٍ أدّى فيه صهر الرئيس ومستشاره، جاريد كوشنر، دورًا رئيسًا في الوساطة بين قطر والسعودية، بالتنسيق مع الكويت وبمعرفتها واطلاعها. وقد حقق التواصل السعودي – القطري المباشر اختراقًا مهمًا، إبّان جولة كوشنر على أطراف الأزمة، مطلع ديسمبر 2020. واتفق الطرفان على صيغة إعلانٍ مشترك. وتولّت السعودية إقناع الدول الثلاث الأخرى بالموافقة عليه. وسمح التوصل إلى هذه الصيغة بعقد القمة الخليجية الحادية والأربعين في مدينة العلا السعودية، بدلًا…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022