تصفية شركة “الحديد والصلب”.. مصر تفقد درعها وسيفها
عندما أراد الرئيس الشهيد محمد مرسي الاحتفال بعيد العمال مايو 2013م، اختار أكبر قلعة صناعية مصرية وهي شركة “مصر للحديد والصلب” بحلوان، وهناك التقى بآلاف العمال داخل مقر الشركة مرددا «هذا هو المكان الذي نحبه كلنا، ونريده أن يكون رمزا للإنتاج والعرق والجهد ولكل مصانع وعمال مصر»، وأعلن بملء الفم أنه اختار الاحتفال بعيد العمال داخل مقر الشركة للتأكيد على أن عهد بيع القطاع العام قد ولى فلا خصخصة بعد اليوم ولا تصفية للشركات ولاتسريح للعمال. وقبل احتفال الرئيس مع العمال بستة شهور ناقش رئيس الحكومة الدكتور هشام قنديل وضع الشركة والعمل على تطويرها لزيادة طاقة الإنتاج وتنويعه والخروج من مرحلة الخسائر إلى مرحلة الأرباح، كما تقرر تطوير بطارية مصنع الكوك، حتى يتمكن المصنع من الاستمرار في الإنتاج، وتلبية حاجة السوق المحلي وطلبات التصدير. [[1]] لكن كل هذه الجهود الوطنية المخلصة ذهبت أدراج الرياح؛ فبعد شهرين فقط من احتفال الرئيس مع العمال والتأكيد على عدم بيع القطاع العام جرى الانقلاب على الرئيس والمسار الديمقراطي كله وثورة يناير نفسها لتعود مصر أكثير طغيانا واستبدادا كما كانت عليه أيام حسني مبارك. واليوم، وفي العام الثامن للانقلاب العسكري، تسود حالة من الصدمة والألم أوساط المصريين المخلصين لهذا الوطن في أعقاب إعلان حكومة الطاغية عبدالفتاح السيسي يوم 10 يناير “2021م” عن تصفية شركة “مصر للحديد والصلب” بمدينة حلوان جنوب القاهرة، فيما سيتم تأسيس شركة منبثقة عنها خاصة بالمناجم والمحاجر. وفي أول تبعات قرار الجمعية العمومية بالتصفية، أوقفت البورصة في اليوم التالي مباشرة (الاثنين 11 يناير2021م) التعامل على سهم شركة الحديد والصلب، فيما أعلن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر عن رفضه لقرار تصفية الشركة، وحزنه لـ«تشريد عمالها البالغ عددهم 7500، والقضاء على شركة وطنية عملاقة لها تاريخ وطني»، بحسب صحيفة “الشروق”، التي نقلت عن نائب رئيس الاتحاد قوله إن «هذا القرار يأتي في إطار مناخ عام تصنعه الحكومة الحالية لتصفية القطاع العام، الذي كان درعًا وسيفًا للوطن في مجال الإنتاج، وإذا كان قد تعرض لخسائر، فبسبب سوء الإدارة وعجز الحكومة عن التطوير واستغلال الموارد والمقومات، والنهوض بالصناعة الوطنية». وتوصف شركة “مصر للحديد والصلب” بعملاق الصناعة المصرية التي تأسست سنة 1954م؛ الأمر الذي رأه كثيرون شكلا من أشكال الخصخصة لحساب مافيا وحيتان مقربة من المؤسسة العسكرية، ويمثل خسارة كبرى للصناعة المصرية، ودليلا جديدا يؤكد أن نظام انقلاب 3 يوليو 2013م ما جيء به إلا من أجل إضعاف مصر وإخضاعها لحساب قوى إقليمية ودولية ترغب في أن ترى مصر راكعة أمام الاحتلال الصهيوني من جهة، وتستجدي التسول من مؤسسات النقد الدولية من جهة أخرى؛ وبالتالي يبقى القرار المصري مخطوفا لحساب مصالح هذه القوى التي تآمرت على ثورة 25 يناير والمسار الديمقراطي الذي خطه الشعب بعدها بإرادته الحرة. تكتسب الشركة أهمية كبيرة؛ حيث تعتبر أول وأكبر شركة في الشرق الأوسط في إنتاج الحديد الصلب، وهي مدرجة بالبورصة المصرية. بدأ التفكير في إنشائها سنة 1932م، لكنها تأسست سنة 1954 بمرسوم جمهوري من الدكتاتور جمال عبدالناصر، في منطقة التبين بحلوان جنوبي القاهرة، وبدأ الإنتاج سنة 1961 حسب خطة تستهدف إنتاج الحديد والصلب بطاقة مليون ومائتي ألف طن سنويا مطابقة للمواصفات المحلية والعالمية، لتكون بذلك، أول مجمع متكامل لإنتاج الصلب فى العالم العربي، برأس مال 21 مليون جنيه. يقع على مساحة تبلغ 1700 فدان. ويتوزع هيكل ملكياتها بين الشركة القابضة للصناعات المعدنية بنسبة 82.4821%، وبنك مصر بحصة 4.9992%، وشركة مصر للألومنيوم 1.8146%، وشركة النصر للتعدين 0.9944%. كما كان للشركة دور كبير في بناء مشروع السد العالي وبناء حائظ الصواريخ أثناء حرب الاستنزاف (1967 ــ 1973م)، إضافة إلى تطور إنتاجية المصنع بمرور الزمن حتى وصل إلى 1.2 مليون طن سنوياً، مما ساهم في “تنمية شاملة للصناعات الأخرى باعتبارها صناعة مغذية للعديد من الصناعات الأخرى المرتبطة بها في التشييد والبناء والصناعات الثقيلة والخفيفة”. وكان المهندس خالد الفقي نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، رئيس النقابة العامة للصناعات المعدنية والهندسية، قد أكد خلال حضوره الجمعية العمومية، الإثنين، رفضه قرار التصفية. وأوضح أنّ القرار “غير مدروس وساهم في القضاء على تاريخ كبير لصناعة الحديد والصلب”، مشيراً إلى أنّ الشركة كانت تمتلك من المقومات ما يؤهلها للنهوض بشرط وجود الإرادة والرغبة في التطوير، لافتاً إلى أنّ مصر فيها 18 كلية هندسية قادرة على التطوير وإعادة بناء الشركة. وفي 23 أغسطس 2020م، كتب رجل الأعمال القبطي المثير للجدل نجيب ساويرس تويتة صغيرة من كلمتين فقط «الحديد والصلب»، وهو ما فسره محللون ومراقبون بأن ساويرس يضع عينه على الشركة العملاقة في ظل التقارير التي كانت تؤكد أن حكومة الانقلاب تتجه نحو تصفية الشركة وخصخصتها. وكان ساويرس أثار غضب المسئولين بالشركة في مارس 2020م، بعد تصريحات لأحد البرامج التليفزيونية، تناول فيها الشركة بتهكم، ودعا إلى بيعها والتخلص منه.[[2]] مؤامرة التصفية ما يؤكد أن ما جرى هو شكل من أشكال المؤامرة في إطار الخصخصة التي يفرضها صندوق النقد الدولي وجهات التمويل الدولية، أنه بحسب بيان الشركة فقد تمت الموافقة على تقسيم الشركة إلى شركتين: شركة الحديد والصلب التي تمت تصفيتها وشركة المناجم والمحاجر، ومن المنتظر أن يدخل القطاع الخاص شريكا فيها (الخصخصة) لتشغيلها خلال المرحلة المقبلة. إضافة إلى أن «قرار تصفية الشركة لم يستغرق سوى 15 دقيقة فقط لاجتماع الجمعية العمومية غير العادية للشركة، وهو الاجتماع الذي لم يتضمن سوى كلمة رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية “محمد السعداوي” أعلن خلالها القرار الذي كان معد سلفا، وذلك دون نقاش مع الحاضرين بمن فيهم ممثللي العمال الثلاثة في الجمعية الذين حاولوا الاحتجاج على القرار، غير ان رئيس الشركة القابضة غادر سريعًا، دون حتى أن يناقش مذكرة معدة من اللجنة النقابية للشركة، تم ضمها لمحضر الاجتماع قبل بدايته». [[3]] الدليل الثاني على أن ما جرى هو مؤامرة، أن الجمعية العمومية أرجعت تصفية الشركة إلى ارتفاع خسائرها، وعدم قدرتها على العودة إلى الإنتاج والعمل مجددًا، لكن عضوا في اللجنة النقابية للشركة كشف أن رئيس الشركة القابضة التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام بحكومة الانقلاب التي تمتلك أكثر من 83% من أسهم شركة الحديد والصلب، فيما تتوزع النسبة الباقية على شركات وهيئات وبنوك وأفراد، تجاهل مذكرة نقابية تضمنت اقتراحا لوقف خسائر الشركة تماما مع سداد مديونيات الشركة المتراكمة خلال سنتين فقط. وقالت المذكرة التي تجاهلها رئيس الشركة القابضة، إن تقليص خسائر الحديد والصلب، يتوقف على رفع شركة النصر لصناعة الكوك إمداداتها للشركة، لتصل إلى ما بين 700 إلى 750 طن يوميًا، بدلًا من 100 إلى 200 طن يوميًا حاليًا، وهو ما يضمن رفع الإنتاج وبالتالي زيادة المبيعات إلى مستوى تغطية التكاليف وسداد المديونيات. الدليل الثالث، أن المؤامرة بدأت على شركة الحديد والصلب في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث تصاعدت…