كيف تدار مصر؟

  صناعة القرار المصري لا تأخذ طابعًا مؤسسيًّا، بقدر ما تعتمد على دائرة من الأشخاص المتمتعين بثقة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، تدور في فلكهم كافة المؤسسات السيادية، وتوكل إليهم كافة الملفات الحساسة[1]. هذا هو الافتراض الأساسي الذي نضعه للإجابة عن التساؤل الرئيس للتقرير عن «كيف تدار مصر؟». بالطبع لهذه النموذج الإداري سلبياته الكبيرة، والتي ليس أقلها فقدان النظام القائم لخطوط دفاعه المتعددة، وتعريته أمام مناهضيه، ومنها تركز السلطة في عدد قليل من المتنفذين، ويكونون في كثير من الأحيان مسؤولين غير رسميين عن الملفات التي يديرونها.   الصراع على الصحافة والإعلام بين الوزير المختص والمخابرات العامة: حرب كلامية دائرة بين وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل، وهو محرر عسكري سابق، ويرتبط بعلاقات واسعة مع قيادات المؤسسة العسكرية، وبين عدد من الإعلاميين، الذي يدفع كثيرون بأنهم موجهون في حربهم تلك من الضابط المتنفذ بجهاز المخابرات العامة العقيد أحمد شعبان.  ما يحدث -بحسب مصادر صحفية- هو محاولة للإطاحة بـ “هيكل” من منصبه؛ على خلفية صراع بين الأخير والعقيد شعبان، على بعض الاختصاصات، وبعد انتقادات وجهها وزير الدولة للإعلام للضابط بالمخابرات، وتغوله وسيطرته الكبيرة على المشهد الإعلامي المصري. المعركة مستمرة بين الرجلين؛ أحدهما مدعوم من شخصيات عسكرية كبيرة، والثاني يتمتع بنفوذ واسع لدى مؤسسة الرئاسة. وقد شارك في الهجوم على هيكل من الإعلاميين، رئيس تحرير صحيفة “اليوم السابع” خالد صلاح، ورئيس مجلس إدارة صحيفة “الدستور” محمد الباز، وعضو الهيئة الوطنية للصحافة فاطمة سيد أحمد، وكل من وائل الإبراشي، وأحمد موسى[2]. جدير بالذكر أن الحملة الحالية على “هيكل” ليست الأولى؛ فقد سبقتها حملة أخرى منذ شهرين تقريبًا، إبان التغييرات التي طالت رؤساء مجالس إدارة وتحرير الصحف القومية، وقبل تشكيل المجلس الأعلى للإعلام، والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام؛ يبدو أنها كانت تستهدف حينها أن ينضم “هيكل” لطابور الراحلين، ومع بقاء هيكل تجددت الحملة؛ لعلها تحقق ما أخفقت في تحقيقه سابقًا. ويدفع مراقبون بأن “هيكل” قد يكون الضحية الجديدة للعقيد شعبان، ومن خلفه عباس كامل، بعد اعتراضاته على إدارتهما للملف الإعلامي، وهي الانتقادات التي سبقت وأودت بياسر رزق من منصبه؛ بسبب انتقاداته المتكررة في مجالسه الخاصة لطريقة عباس كامل وأحمد شعبان في إدارة ملف الإعلام، ومحاولته تقديم شكاوى ضدهما للسيسي شخصيًّا؛ الأمر الذي كانت له انعكاسات طويلة الأمد، أدت لاحقًا لاستبعاد رزق من الترشيح للوزارة، ثم منع نشر بعض مقالاته، وأخيرًا استبعاده من منصبه الصحافي[3]. بحسب مراقبين فإن تكليف هيكل بإدارة ملف الإعلام، حدث تحت وطأة الهزة الكبيرة التي أحدثها الحراك الشعبي في العشرين من سبتمبر 2019، وكان القرار هدفه تغيير الطريقة التقليدية للتحكم في وسائل الإعلام، عبر خلايا وضباط المخابرات العامة والأمن الوطني؛ بحيث يتولى هيكل التواصل مع القيادات الصحافية، ويوجههم للخطوط العريضة لكيفية تناول الأحداث والخطوط الحمراء. لكن ما لبث الثلاثي عباس كامل ومحمود السيسي وأحمد شعبان أن تراجعوا عن هذه الفكرة، مفضلين استمرار الغلق التام للمجال العام، والتحكم الكامل فيما تنشره مختلف الصحف، وتتداوله جميع الفضائيات المحلية[4]. الصراع الدائر بين هيكل والعقيد شعبان -وفق ما هو متداول- في جانب منه، هو صراع بين المكون الراديكالي في السلطة، الراغب في استمرار سياسة الهيمنة والتأميم والعسكرة، والمكون الإصلاحي، الذي يتبنى فكرة أن قليلًا من الحرية مطلوب، وأن الإغلاق الكامل يقود للانفجار، وأنه يجب ترك مساحة للحركة، على الأقل للمؤيدين للنظام، وللنوافذ الإعلامية المقربة من السلطات، وهو صراع يبدو سيستمر لفترات قادمة، وانتصار المكون الراديكالي على المكون الإصلاحي داخل النظام الحاكم ليس في صالح النظام.   حلفاء الأمس أعداء اليوم: معركة أخرى خاضتها النوافذ الصحفية والإعلامية المقربة من السلطات المصرية، هذه المرة ضد دعاء خليفة، أحد مؤسسي حركة “تمرد”، الداعية لتظاهرات 30 يونيو 2013، ضد الرئيس الراحل محمد مرسي، والمنسق العام للحملة الرسمية لترشح عبد الفتاح السيسي في محافظة الدقهلية، وعضو لجنة العفو الرئاسي لاحقًا، بعد أن هاجمت “خليفة” أيضًا العقيد أحمد شعبان، مدير مكتب رئيس جهاز المخابرات العامة، واتهمته بتدمير الحياة السياسية في مصر. وفي معرض انتقادها لـ “شعبان”، وصفته بأنه المسؤول عن ملفات السياسة والإعلام والشباب. وعن علاقتها بالعقيد بالمخابرات العامة، قالت “خليفة”، “مش أنا (ست الكل) التي كنت تستشيرها في كل كبيرة وصغيرة، طيب مش أنا اللي كنت بتوسط عشان تصالحك على الإعلاميين اللي قعدتهم في البيت .. مش كنت عايزني في منصب نائب محافظ، وامسك أمين حزب مستقبل وطن في الدقهلية، وحاجات كتير ورفضت .. عمومًا أنا بقالي كتير بشتكي منك للرئيس (السيسي)”[5]. كما كشفت “بوستات” الناشطة السابقة عن حجم النفوذ الذي يتمتع به شعبان، سواء فيما يتعلق بالإعلام، أو فيما يتعلق بالنشاطات السياسية المؤيدة للسيسي، في المؤتمرات الشبابية الدورية، وفي أنشطة تنسيقية شباب الأحزاب، وإن كان معظم هجومها قد انصب على تنسيقية شباب الأحزاب، وكان مما قالت: “أقصر طريق لتصحيح الخطأ هو الاعتراف به، وبما أنك مصمم على أن الخطأ صواب، برغم أن كل النتائج بتثبت أنه خطأ .. فوجب علي، وعلى كل من حضر أو علم بالخطأ أن يتحدث .. ما يفعله الكيان المصنوع المسمى بـ (تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين) سيدمر الحياة السياسية في مصر، زي ما حصل في الإعلام .. كلامي ده مش وجهة نظر، لأني حاضرة التجهيز لهذا الكيان منذ عام 2017، ورفضت الانضمام له، وهاقول أسبابي كاملة”. بعد هذه التصريحات تعرضت دعاء خليفة لهجوم واسع من النوافذ الإعلامية والصحفية المصرية، ومن الجهات التي تحدثت عنها في منشوراتها؛ فقد  أدان المكتب التنفيذي لحركة تمرد بمحافظة الدقهلية تصريحات دعاء خليفة، والتي وصفها بـ “غير المسؤولة”، وقال المكتب في بيان صحفي، “الابتزاز السياسي آفة الفشلة والمنافقين محبي الضوء والمنتفعين، وتوضيحًا: أي شخص يحاول استغلال الشباب، كما تحاول المدعوة دعاء خليفة، حيث كانت عضوًا في حركة تمرد، فاستطاعت أن توهم بعض رجال الأعمال في محافظة الدقهلية بأن لها علاقات رفيعة المستوى، ومن وراء هذه الأكاذيب تحاول استغلالهم”، وتابع البيان، “كما فعلت وكشفها الشباب، وتم فصلها من الحركة؛ حيث إن أعضاء الحركة قاموا بهذا العمل بدافع حب تراب بلدنا مصر، وأننا كنا نتقاسم المصروفات من واقع حبنا لبلدنا، ولم ننتظر أي مقابل لهذا العمل، ولقد خلده التاريخ، وسيظل عملا تتحاكاه الأجيال”[6]، كما علقت تنسيقية الشباب، نافية رفض دعاء الانضمام للتنسيقية، وقالت في بيان، إن «هذا الكلام عار من الصحة»، وأضافت، إن «خليفة سبق وتقدمت بطلب الانضمام للتنسيقية؛ لكن تم رفض طلبها؛ لمخالفتها شروط الانضمام، وأهمها شرط العمر؛ لأنها تخطت 40 عامًا، بالإضافة إلى شرط حسن السمعة، فلقد سبق فصلها من حركة تمرد؛ بسبب خلافات مالية وأخلاقية، وأمور ننأى بأنفسنا عنها»[7]. كما وصفت القناة الأولى الرسمية “خليفة” بأنها امرأة سيئة السمعة[8]، فيما هاجمها رئيس تحرير جريدة اليوم السابع، خالد صلاح، الذي اتهمها بأنها “تسعى لخلق مظلومية سياسية، وتجري وراء…

تابع القراءة

ترامب المهزوم يواجه انتخابات صعبة – تقدير موقف

  يتابع العالم هذه الأيام مسار الانتخابات الأمريكية المقبلة؛ نظرًا للتأثيرات البالغة التي تحدثها سياسات صانع القرار في البيت الأبيض على العالم بصفة عامة، ودول العالم الثالث بصفة خاصة. شهدت السنوات الأربع الماضية حالة من الجدل الشديد، التي نتجت مع السياسات المندفعة للمرشح اليميني العنصري دونالد ترامب، ففي الداخل، تكررت فضائح الرجل في طريقة إدارته للمشهد المحلي، بصورة أثرت على هيبة الولايات المتحدة الأمريكية، ومستقبل الديمقراطية داخلها؛ نتيجة تعدد الأزمات التي أصابت إدارته، فساهمت في تعكير المشهد السياسي الكلي. وهو ما دفع أجهزة كبرى وشخصيات محورية في العمل على الإطاحة بترامب، بدون الانتظار لنهاية ولايته الأولى؛ لما رأوا من تهديدات تصيب القطب الأول في العالم. لقد كانت السنوات الأربع التي قضاها ترامب في البيت الأبيض، خلال فترة ولايته الأولى، كافية لتدبيج عشرات الكتب والدراسات والمقالات التي حاولت سبر أغوار هذه الشخصية الفريدة والمستفزّة. بعض هذه الكتب ألفها صحافيون استقصائيون كبار، مثل بوب وودوارد مثلًا، أو محامون تعاملوا مع ملفات ترامب الخاصة عن قرب، كمحاميه الخاص مايكل كوهن، أو ساسة كبار شغلوا مناصب حساسة في إدارته، مثل جون بولتون، الذي كان مستشاره للأمن القومي. غير أن مايكل وولف، الذي صدر له كتابان عن ترامب، “النار والغضب”، وصدر في يناير 2018، و”الحصار: ترامب تحت القصف”، وصدر في يونيو 2019، هو أكثر من اقترب من تركيبة ترامب النفسية. لذا ربما يكون من المفيد هنا إعادة تذكير القارئ بأبعاد هذه الشخصية المركبة والمعقدة، كما تتجلى من ثنايا “النار والغضب” تحديدًا”[1]. وعلى المستوى الخارجي، وجدت أطراف كثيرة أن استمرار ترامب، سيهدد النظام العالمي الجديد؛ لذلك رفضت كثير من دول الاتحاد الأوروبي طريقة تعاطي ترامب مع العلاقات بين بلاده ودول الاتحاد الأوروبي، ونظرته للعولمة باعتبارها تفيد الأوروبيين وحدهم، وفيما يخص الشرق الأوسط، فقد كان أكثر المتضررين من سياسات ترامب، فالرجل منذ يومه الأول أعلن دعمه للأنظمة الاستبدادية التي تحارب مشروع التغيير والثورة في المنطقة؛ بل قام بمحاربة التنظيمات الثورية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، ثم قام بشن حرب موازية ضد الدول الداعمة للتغيير، فأعلن دعمه لحصار قطر، وقام من وقت لآخر بإطلاق تصريحات معادية لتركيا، باعتبار أن محور الربيع العربي -الذي يتكون من تركيا وقطر والإخوان المسلمين- هو رأس حربة معادٍ للاستبداد في المنطقة وللمحور الصهيوني الخليجي؛ ولذلك شن حربًا أخرى ثالثة، تستهدف القضية الفلسطينية وداعميها، وعلى رأسهم إيران، فأعلن سياسة الضغط القصوى عليها؛ كمقدمة لإنجاح صفقة القرن، التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية. فالدول الاستبدادية العربية تتمنّى فوز ترامب لأسباب عديدة، ربما أهمها أن هذه الأوساط على يقين من عدم اكتراث ترامب لانتهاكات حقوق الإنسان في أي مكان، ومن ثم تتوقع أن يؤدّي انتخابه إلى استمرار إطلاق يدها في ممارسة كل أنواع البطش ضد شعوبها، طالما التزمت بدفع الإتاوة المطلوبة منها، مقابل ضمانات الحماية المقدّمة لها. كما يبدو واضحًا وجود أوساط سياسية وفكرية مناهضة للسياسات الأمريكية في مناطق مختلفة في العالم -ومنها عالمنا العربي- تتمنّى فوز ترامب في هذه الانتخابات؛ اعتقادًا منها أن وجود رجلٍ من عينته في البيت الأبيض يساعد على تفاقم المشكلات في الداخل والخارج، ومن ثم فقد يعجل بانهيار الولايات المتحدة، أو -على الأقل- يُضعف من مكانتها وقدرتها على التأثير في مصير الآخرين.   خسائر ترامب في الولاية الأولى: تعرض ترامب لعدد من الأزمات الكبيرة التي كانت بحاجة لطرق معالجة دقيقة، يقوم بها خبراء مختصون، إلا أنه لم يفعل ذلك، فكان تجاهله للتظاهرات المناهضة للعنصرية، سببًا لتطورها وخروجها في بعض المناطق عن السيطرة، وآخرها كانت أزمة جائحة الكورونا، التي يتحمل جزءًا كبيرًا من نتائجها؛ لتجاهله رسائل الخبراء والمختصين. لقد أظهرت السنوات الماضية عددًا من الخبايا في شخصية ترامب؛ فلديه شحصية شديدة النرجسية، لديها شعور مفرط بالقدرة على الإنجاز في كل شيء، محصنة ضد الانقياد أو التأثر بالآخرين، حتى ولو كانوا من أكثر الخبراء تخصصًا وإلمامًا بالجوانب الفنية للقضايا المطروحة على بساط البحث. هذا الولع الجنوني بالذات يبدو غير مبرّر على الإطلاق، خصوصًا إذا ما قابلناه بالجانب الآخر من هذه الشخصية المركّبة، فترامب رجل ينفر -بطبيعته- من القراءة والاطلاع، ولا يهتم بالغوص في العمق، أو بالبحث في التفاصيل، فضلًا عن أنه متقلب “المزاج”، ويصعب التنبؤ بردود أفعاله، وكثيرًا ما يتخذ قراراته في ضوء آخر ما يسمعه من الأشخاص المقرّبين جدًّا منه، حتى ولو كانوا من غير أصحاب الخبرة، فإذا ما نحّينا جانبًا هذا البعد، وحاولنا إلقاء الضوء على الجوانب المتعلقة بحياته الأسرية وبرؤيته للمرأة، سوف نكتشف أنها ربما تكون الأكثر إثارة ومدعاة للجدل، فزوجته الحالية، ميلانيا، هي الزوجة الثالثة في حياته، وربما لا تكون الأخيرة. ولديه ضعف شديد تجاه ابنته إيفانكا وزوجها اليهودي جاريد كوشنر بالذات. ويعتمد في تصريف العديد من أعماله المالية والإدارية على نجليه إريك ودونالد ترامب جونيور، اللذين تطلق عليهما أجهزة إعلامية -تندّرًا- لقب قصي وعدي؛ إحالةً إلى ابني صدام حسين! ولأن ترامب لا يطيق قيود الحياة الأسرية، ولديه ضعف شديد تجاه المرأة والجمال، فقد أصبح دائم الترحال، ولم يتردد في اقتناص الجميلات، كلما استطاع إلى ذلك سبيلًا، بما في ذلك إبّان حملة الانتخابات الرئاسية. وربما كان أخطر ما كشف عنه وولف في كتابه، ما تردّد عن ولع ترامب بالإيقاع بزوجات أصدقائه، فحين تروق له إحداهن، يدعو زوجها إلى مكتبه، ثم يستدرجه إلى حوار حميم حول علاقاته الغرامية خارج نطاق الزواج، بينما تقوم سكرتيرته بالاتصال بالزوجة المخدوعة؛ لتستمع مباشرة إلى زوجها، وهو يحكي بنفسه لترامب عن تفاصيل نزواته الخاصة، ممهدًا الطريق أمامه للوصول إلى أغراضه الخبيثة المبيتة. يدرك ترامب -من خلال المقربين له- أن شعبيته في انهيار كبير؛ لذلك يحاول التأثير على الشعب الأمريكي بقوله إن جو بايدن هو أسوأ مرشح في التاريخ، وبذلك يتخلى ترامب عن كافة التقاليد والبروتوكولات السياسية في التعامل مع الخصوم السياسيين، بوصفه بايدن بأنه الاسوأ، رغم أن للرجل تاريخًا سياسيًّا كبيرًا، يشهد له القاصي والداني في الولايات المتحدة الأمريكية. وتابع قائلًا: “التنافس مع أسوأ مرشح في تاريخ السياسة الرئاسية يضعني تحت الضغط .. هل تتصورون لو انهزمت؟ ماذا سأفعل طوال حياتي؟ سأقول إنني انهزمت أمام أسوأ مرشح في تاريخ السياسة”. وأضاف الرئيس الأمريكي ساخرًا: “لن أشعر بأنني بحالة جيدة .. ربما يتعين علي مغادرة البلاد، لا أدري”[2]. ونظرًا لذلك يتوقع لترامب هزيمة قاسية، تعيده إلى المكانة التي يستحقها.     —————————————— [1] حسن نافعة، “هل يحتمل العالم ترامب أربع سنوات أخرى؟”، العربي الجديد، 17/10/2020 https://www.alaraby.co.uk/opinion/%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%AD%D8%AA%D9%85%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9-%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%89%D8%9F [2] ترامب مهاجمًا بايدن: ربما أغادر البلاد بحال فوز أسوأ مرشح في التاريخ، العربي الجديد، 17/10/2020

تابع القراءة

الانتخابات الأمريكية وتأثيرها على منطقة الشرق الأوسط

  يتنافس كل من المرشح الجمهوري والرئيس الحالي دونالد ترامب، والمرشح الديمقراطي ونائب الرئيس السابق جو بايدن، على رئاسة الولايات المتحدة، خلال الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر 2020. ولما كان للفائز بهذه الانتخابات من تأثير كبير على تحديد شكل السياسة الخارجية لأكبر قوة وأكثرها تأثيرًا في العديد من القضايا الخارجية، فمن الجدير بالبحث والدراسة محاولة التعرف إلى توجهات كلا المرشحين تجاه قضايا الشرق الأوسط الذي نعيش فيه.   أولًا: القضية الفلسطينية: – في حالة فوز ترامب: 1- الوساطة الأمريكية: من المتوقع أن يستمر ترامب على النهج الذي اتبعه خلال فترة رئاسته الأولى؛ حيث تخلى الرئيس ترامب عن الخط الذي تعتمده الولايات المتحدة في عملية السلام في الشرق الأوسط منذ ثلاثين عامًا، واستبدله بخطة سلام فلسطينية – إسرائيلية “صفقة القرن”، ستكون سببًا في الإجهاز على أي ادّعاء بأن الولايات المتحدة تقوم بدور وسيط نزيه لا يَمسّ ما يسمى قضايا الوضع النهائي (القدس – اللاجئين – المستوطنات)، وتجسّد التخلي عن ذلك الخط في قرار الإدارة نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس في مايو 2018. 2- التطبيع العربي – الإسرائيلي: ستواصل إدارة ترامب في ولايته الثانية تكثيف مساعيها لاستبعاد القضية الفلسطينية من المعادلة السياسية الإقليمية. كما ستضاعف هذه الإدارة -في الوقت نفسه- جهودها لإقامة علاقات سياسية واقتصادية وأمنية ثنائية بين الدول العربية وإسرائيل، استنادًا إلى اتفاقيات أبراهام، التي تعتبرها انتصارًا دبلوماسيًّا استثنائيًّا[1]. 3- الانتخابات والمصالحة الفلسطينية: من المتوقع أن يزيد نجاح دونالد ترامب -ومعارضته المتوقعة لتجديد شرعية السلطة ودمج “حماس” من دون موافقتها على رؤيته- من فرص اندفاع الفلسطينيين نحو الوحدة والانتخابات؛ لأنه يمثل استمرارًا للتهديد الذي تضمنته رؤيته لحل الصراع، وهي مرفوضة من الغالبية الساحقة من الفلسطينيين[2].   – في حالة فوز بايدن: 1- الوساطة الأمريكية: لا يزال بايدن ملتزمًا رسميًّا بحل الدولتين، ولكن من غير المرجح أن يقوم بايدن بإلغاء القرارات الأساسية التي اتخذها ترامب، وإعادة السفارة الأمريكية إلى تل أبيب. لكنه سيحاول إعادة التوازن -إلى حد ما- إلى علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل والفلسطينيين. ويشمل ذلك إعادة فتح مكتب الاتصال مع الفلسطينيين في القدس الشرقية، وإعادة برامج المساعدات التي أوقفتها إدارة ترامب في عام 2019. كما أنه من المتوقع ألا يتنصل بايدن رسميًّا من خطة ترامب للسلام، لكن سيتجاهل بعض عناصرها أو يستبدلها، ولا سيما السماح بضم الكتل الاستيطانية الإسرائيلية، التي يُتوقع أن تعارضها إدارة بايدن بشدة. بينما قد يتبنّى بقوة عناصر أخرى؛ كتشجيع التنمية الاقتصادية والاستثمار الدولي في الأراضي الفلسطينية. 2- التطبيع العربي – الإسرائيلي: من المتوقع أن يستمر بايدن على نهج ترامب في تشجيع عمليات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية؛ فقد رحب بايدن باتفاقيات أبراهام، مؤكدًا على أنها خطوة في الاتجاه الصحيح. وجاء في بيان حملته: “إنه لأمر جيد أن تعترف دول شرق أوسطية أخرى بدولة إسرائيل، وحتى أن تقبلها شريكًا”[3]. 3- الانتخابات والمصالحة الفلسطينية: هناك من يرى بأن نجاح المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية سيضعف كثيرًا إمكانية إجراء الانتخابات الفلسطينية؛ كونه سيقوي موقف السلطة وحركة فتح في حواراتها مع حركة حماس. وإن كان هناك وجهة نظر أخرى، ترى أن نجاح بايدن سيزيد من فرص إجراء الانتخابات؛ كونه سيعيد تصور إدارة باراك أوباما، التي هدفت إلى إدماج “الإسلام السياسي المعتدل” في الأنظمة السياسية القائمة في المنطقة العربية، وفي السلطة الفلسطينية. وإن كان هناك وجهة نظر تلقى رواجًا كبيرًا ترى بأن سياسة بايدن تجاه القضية الفلسطينية لن تختلف كثيرًا عن سياسة ترامب؛ وذلك لمجموعة من الأسباب، منها: أولًا: أن الرئيس الأمريكي -أيًّا كان- ليس صاحب القرار الأوحد في السياسة الخارجية؛ بل هناك مصادر عدة تؤثر على اتخاذ القرار، أهمها الكونغرس، الذي هو من أصدر قرار نقل السفارة الأمريكية. وثانيًا: أن بايدن سيواجه إسرائيل أكثر يمينية وتطرفًا، والسائرة نحو المزيد من التطرف، بدليل صعود حزب “يمينا” بزعامة نفتالي بينيت في استطلاعات الرأي الأخيرة (تمنحه 22 عضوًا في الكنيست من أصل 120)، وأنه لن يجازف بالصدام الكبير معها. وثالثًا: وجود تحوّل في النظام العربي نحو تغيير الأولويات؛ إذ لم تعد القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب الرسميين، وإسرائيل لم تعد العدو؛ بل حليف في مواجهة المخاطر المشتركة، وبالتالي لن يواجه بايدن ضغطًا عربيًّا لكي يضغط على إسرائيل؛ بل سيغريه أكثر ممارسة الضغط على الفلسطينيين؛ لتليين موقفهم. كما يغفل المراهنون على بايدن أن أولوياته الملحة بعد كورونا وتداعياتها الاقتصادية لن تكون القضية الفلسطينية والمنطقة العربية، التي تراجعت أهميتها، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة مصدرة للنفط، وفي ظل تقدم الصراع والتنافس مع الصين وروسيا، الذي له أولوية على أي صراع آخر[4].   ثانيًا: مصر والخليج: – في حالة فوز ترامب: من المحتمل أن يستمر ترامب في توثيق علاقاته مع ممالك الخليج والحكام ونظام السيسي؛ حيث تشهد العلاقات بينهما توافقًا كبيرًا في معظم القضايا الإقليمية والدولية، حتى أن الرئيس الأمريكي دائمًا ما يمتدح السيسي، وأطلق عليه اسم “ديكتاتوري المفضل”. ويرى ترامب أن هؤلاء القادة ينسجمون تمامًا مع أجندته، ليس من الناحية الدبلوماسية فحسب، بل من ناحية شراء الأسلحة والمنتجات الأمريكية الأخرى أيضًا، وهو محرك رئيس لسياسته الخارجية. وتستطيع الأنظمة التي يعتبرها ترامب صديقة له أن تعتمد على استمرار البيت الأبيض في حمايتها من ضغوط الكونغرس الأمريكي، وانتقاداته لسجلاتها في مجال حقوق الإنسان، كما فعل ترامب مرارًا وتكرارًا مع المملكة العربية السعودية، على الرغم من قتل الصحافي السعودي المقيم في الولايات المتحدة، جمال خاشقجي، وحربها الكارثية في اليمن[5]. فقد حرص ترامب على توثيق علاقاته بدول الخليج، وعلى رأسها السعودية، وهو ما ظهر في اختيار السعودية لأول زيارة خارجية في فترة ولايته الأولى في عام 2017. والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، الذي عقده سلفه باراك أوباما في عام 2015، واتخاذ إجراءات أكثر تشددًا ضد طهران. وجعل قضايا حقوق الإنسان في مرتبة متأخرة لصالح العلاقات الأمنية والاقتصادية وصفقات السلاح؛ حيث تظهر أرقام معهد “أستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” أنّ مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية بين 2017 و2019 كانت ثاني أعلى مبيعات لإدارة واحدة بعد بيل كلينتون بين عامي 1993 و2000؛ ما يشير إلى أن ولاية ترامب الأولى قد تحقّق مبيعات قياسية مع احتساب مبيعات 2020. بجانب الدور الأمريكي الداعم لتولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عرش المملكة السعودية، والذي ظهر في معارضة البيت الأبيض القرارات المناهضة للسعودية وولي العهد، خصوصًا في الكونغرس، على خلفية حربها المثيرة للجدل في اليمن، وجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في 2018. ولذلك تعمل السعودية على دعم ترامب للفوز في الانتخابات القادمة، عبر مساعدته في تحقيق انتصار خارجي كبير من خلال رعايته (ترامب) لاتفاق تطبيع علاقات بين الإمارات والبحرين وإسرائيل بدعم من السعودية[6]. كما ترى القاهرة أن مصلحتها تكمن في إعادة انتخاب ترامب، فقد خبرت…

تابع القراءة

دراسة: اتفاق التطبيع السوداني _الصهيوني… دوافعه وتداعياته الداخلية والاقليمية

  الخرطوم عاصمة اللاءات الثلاث (لا سلام، لا مفاوضات، لا اعتراف) تنضم أخيرًا لقطار التطبيع، لتقدم نفسها قربانًا لدونالد ترامب الذي يسعى للفوز بولاية ثانية في انتخابات 3 نوفمبر، وقد فتح التطبيع المعلن لكلاً من الإمارات والبحرين الباب علي مصراعيه أمام بعض الأنظمة في المنطقة للركض خلف التطبيع، هرباً من فشلها في إدارة أزماتها الداخلية، وسعياً لإرضاء السيد الأمريكي. أعلنت السودان وإسرائيل والولايات المتحدة عن بدء عملية تطبيع تدريجية بين السودان وإسرائيل، وإنهاء حالة العداء بين بلديهما، بحسب ما جاء في بيان مشترك صادر عن الدول الثلاث، اتفاق التطبيع غير المعلن حتى اللحظة، يتضمن تقديم مساعدات قيمتها مليارات الدولارات وحصانة محتملة لكبار الشخصيات العسكرية السودانية، و بدء العلاقات الاقتصادية والتجارية، مع التركيز على الزراعة والتعاون في مجال التكنولوجيا والطيران وقضايا الهجرة وغيرها من المجالات. وقد جاء الاتفاق عقب زيارة وفد أمريكي إسرائيلي رفيع إلى السودان في وقت سابق الأسبوع قبل الماضي، لمناقشة التطبيع بين البلدين، حسبما صرّح مسؤولان سودانيان بارزان لوكالة «أسوشيتد برس»، حيث التقى الوفد الذي ضم القائم بأعمال المدير العام لمكتب نتنياهو، رونين بيرتس، ومدير شؤون الخليج في مجلس الأمن القومي الأمريكي، اللواء ميجيل كوريا، باللواء عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي الانتقالي في السودان، وأحد كبار مستشاري رئيس الوزراء، عبدالله حمدوك.   كواليس اتفاق  التطبيع وبحسب مسشتشار لرئيس وزراء السودان، تحدث لـ”مدى مصر”، فإن كل ما حدث في الأيام الأخيرة تم الاتفاق عليه منذ فترة في اجتماع عُقد في الإمارات، في 23 سبتمبر الماضي، حضره مندوبو الدول الأربع “الولايات المتحدة والسودان وإسرائيل والإمارات”، مضيفًا  «طالب السودان بثلاثة مليارات دولار مساعدات على شكل مواد وغذاء وأدوية ووقود، مقابل موافقته على التطبيع، وعرضت الإمارات، التي تلعب دور الوسيط، دفع 600 مليون دولار “للمساعدات العامة”، ورفض حمدوك في البداية إدراج التطبيع مع إسرائيل في الصفقة، لكنه قبل لاحقًا عندما زادت الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة من حجم المساعدات التي ستمنحها للسودان -وهي أموال ضرورية للمساعدة في دعم اقتصاد البلاد المتعثر وخطط حمدوك للتنمية. وكان حمدوك يرى أن يتم التطبيع عبر عملية تدريجية على مدى زمني يصل إلى عامين، حيث سبق وأن أبدى حمدوك ملاحظة مماثلة سابقًا، عندما أخبر بومبيو أثناء اجتماع بالخرطوم في أغسطس أن الحكومة الانتقالية «ليست مخولة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل»، مشيرًا إلى أن مثل هذه الخطوة يجب أن تأتي بعد تشكيل حكومة منتخبة ديمقراطيًا. ومع ذلك، يبدو أن رئيس الوزراء أقل قلقًا بشأن رد الفعل العكسي المحتمل الذي قد يحدثه مثل هذا القرار الآن. بحسب المسؤول السوداني، أخبر حمدوك المقربين منه أن قادة تحالف الحرية والتغيير، الهيئة المدنية الجامعة التي دافعت عن الثورة وقادت المحادثات مع الجيش لتشكيل الحكومة الانتقالية، أصبحوا أكثر مرونة وأنهم لن يتخذوا موقفًا قويًا ضد الاتفاق كما كانوا سيفعلون من قبل. وخلال اجتماع في بداية أكتوبر الماضي لمناقشة التطبيع مع إسرائيل، أخبر السفير السوداني لدى الولايات المتحدة، نور الدين ساتي، القادة السياسيين السودانيين المجتمعين في الولايات المتحدة أن «رئيس الوزراء يساند التطبيع ويعتبره خطوة جيدة، لكن هناك رغبة قوية في تحقيق ذلك تدريجيًا خلال الفترة الانتقالية»، وفي السياق ذاته، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن زيارة نادرة قام بها وفد إسرائيلي إلى العاصمة السودانية الخرطوم، الأربعاء الماضي، وأيضا، قال موقع “واللا” العبري إن طائرة إسرائيلية حطت في العاصمة السودانية الخرطوم، في إطار الاتصالات الجارية لتطبيع العلاقات، ولم يكشف الموقع تفاصيل بشأن من كانوا على متن الطائرة، التي قال إنها عادت إلى تل أبيب بعد ساعات، واتفقوا على بدء علاقات اقتصادية وتجارية بين الخرطوم وتل أبيب، تنطلق في مراحلها الأولى من المجال الزراعي. وبموازة ذلك، أعلن رجل الأعمال السوداني أبو القاسم بُرطم عن تنظيمه رحلة شعبية إلى إسرائيل، تضم 40 رجلًا يمثلون فئات المجتمع السوداني، في سياق تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات مع تل أبيب، معلنا إنه سينفق 160 ألف دولار على الرحلة، وتستغرق 5 أيام في نوفمبر المقبل، وذلك بغرض كسر الحاجز النفسي بين الشعبين السوداني والإسرائيلي، معتبرًا أن السودان خضع إلى “استلاب ثقافي”، وفق تعبيره، امتد إلى 60 سنة، وأيًا كانت مسببات هذا الاستلاب؛ ثقافي أو ديني أو أيديولوجي، لكنه خلق بُعبُعًا داخل السودانيين وعداءً غير مبرَّر تجاه دولة إسرائيل، بحسب تصريحاته الصحفية التي نقلها “موقع سودانيل” السوداني   تاريخ العلاقات السودانية الاسرائيلية وللوقوف على طبيعة التطور الأخير في مسار التطبيع الصهيوني السوداني، يتوجب الوقوف عند تاريخ العلاقات والمواقف بين الطرفين، محل اتفاق التطبيع، فبعد أسابيع قليلة من حرب النكسة في 5 يونيو 1967، استضافت الخرطوم القمة العربية في أغسطس وسط حالة يأس كبيرة في الأوساط السياسية والشعبية والعربية عقب الهزيمة في الحرب. غير أن الحكومة السودانية في ذلك الوقت تحت قيادة الأب الروحي لاستقلال البلاد، إسماعيل الأزهري، ورئيس الوزراء محمد أحمد المحجوب، استطاعت جمع القادة العرب في قمة تاريخية أعادت الروح المعنوية للقضية وللشعوب العربية. وخرجت القمة بمقررات رافضة لكل ضغوط الاستسلام لإسرائيل ووقّعت على لاءاتها الثلاث، تلك اللاءات التي أعطت للخرطوم رمزيتها الخاصة منذ ذلك الوقت في خريطة القضايا العربية. واستتبعها السودان بخطوات رمزية أخرى منها، مشاركته في كثير من حروب التحرير وأهمها حرب العبور في أكتوبر 1973، إذ شاركت وحدات من الجيش السوداني إلى جانب الجيشين المصري والسوري، حتى تحقق النصر الذي انتهى بتدمير خط بارليف. وبعد سنوات من تلك المواقف، اتخذ السودان في عهد الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري، موقفاً رافضاً للمقاطعة العربية لمصر بعد دخولها في عام 1978 في اتفاق سلام مع إسرائيل، واحتفظت الخرطوم بعلاقاتها مع القاهرة قبل كامب ديفيد. وفي بداية ثمانينيات القرن الماضي، بدأ نميري نفسه بالتواصل مع إسرائيل وعقد اجتماعاً مباشراً مع وزير الاستخبارات حينها أرييل شارون، في العاصمة الكينية نيروبي، واتفقا على إكمال صفقة ترحيل اليهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل عبر الأراضي السودانية. كما أنشأت الحركات المتمردة في جنوب السودان، قبل انفصاله في الستينيات والثمانينيات والتسعينيات علاقة مع دولة الاحتلال، للحصول على دعم عسكري وسياسي، ولم يكن من بين الأحزاب السياسية في السودان أي حزب يقرّ أو يطالب بإقامة علاقات مع إسرائيل، سوى حالة استثنائية تتعلق بالحزب الجمهوري، الذي أسس زعيمه محمود محمد طه للفكرة من منظور ديني قبيل إعدامه عام 1985 بتهمة الردة عن الدين. أما الرئيس المعزول عمر البشير، المدعوم من الحركة الإسلامية، فبدأ أعوامه الأوائل متشدداً تجاه القضية الفلسطينية واستضاف معظم حركات المقاومة في الخرطوم عبر واجهة المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، تحت قيادة الراحل حسن الترابي. كما دعم نظام البشير في فترة من الفترات حركة “حماس” بالسلاح وسهل لها، حسب كثير من المصادر، تهريبه عبر الصحراء وسواحل البحر الأحمر مروراً بأنفاق سيناء وصولاً إلى قطاع غزة. وقد تعرضت عدد من القوافل لهجوم إسرائيلي في شمال السودان وشرقه، إضافة إلى تدمير…

تابع القراءة

تراجع الدور المصري إقليميا.. الملف  الفلسطيني نموذجا

  خلال الشهور الماضية فقدت مصر قدرا كبيرا من تأثيرها على الساحة الإقليمية؛ لا سيما تلك الملفات بالغة الحساسية للأمن القومي المصري؛ تمثل ذلك في الملف الليبي؛ حيث ينحاز الدكتاتور عبدالفتاح السيسي إلى معسكر الجنرال الانقلابي خليفة حفتر الذي تلقى هزائم مدوية أفضت إلى تدمير معظم قواته التي كانت تحاصر العاصمة طرابلس كما خسر فيها كل المناطق التي سيطر عليها في غرب ليبيا ولم تعد القاهرة محل ثقة للفرقاء الليبيين الذين اتجهوا لحل خلافاتهم بالحوار إلى المغرب وتونس؛ علاوة على ذلك فقدت مصر قدرا كبيرا من نفوذها على ملفين بالغي الحساسية في الشأن الفلسطيني: الأول يتعلق  بالتهدئة في قطاع غزة؛ حيث اتسع النفوذ القطري في الملف الفلسطيني بعدما نجحت الوساطة القطرية في التوصل لتهدئة متبادلة بين الحركات الفلسطينية والاحتلال بعدما فشلت الجهود المصرية في تحقيق اختراق في هذا الملف؛  ويعزو مراقبون توسع النفوذ القطري وتأثيره على الساحة الفلسطينية إلى سببين: الأول، أن الدوحة تحظى باحترام وثقة الفلسطينيين على المستويين السياسي والشعبي، لا سيما في ظل موقف الدوحة الأخير من عمليات التطبيع الخليجية. والثاني يتعلق بكون الجانب الإسرائيلي بات يجد في الدوحة الوسيط الأكثر حسماً في تدخلاته، نظراً لما تملكه قطر من رصيد اجتماعي وإنساني وسياسي واقتصادي في غزة، والذي جعلها ذات كلمة مسموعة. الثاني، استضافة تركيا لجولة المفاوضات بشأن المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس لمدة ثلاثة أيام (22 ــ 25 سبتمبر 2020م)، حيث حضر عن حماس إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، ونائبه صالح العروري. وشارك وفد فتح برئاسة اللواء جبريل الرجوب، وروحي فتوح، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح؛ الأمر الذي مثَّل صدمة داخل دوائر صنع القرار بنظام الانقلاب في مصر؛ حيث اعتبرت قيادات النظام السياسية والأمنية أن تجاوز القاهرة في هذه المحادثات  بشأن المصالحة وقبلها في ملف التهدئة مع الاحتلال  الإسرائيلي الذي رعته قطر ونجحت في تحقيقه يمثل تهميشا مقصودا من جانب الحركات الفلسطينية للدور المصري. وبذلك فقدت القاهرة تأثيرها ونفوذها السابق؛ بعدما تعاظم نفوذ الدوحة بالملف بالأمني، وأنقرة بملف المصالحة بالإضافة إلى تكثيف روسيا اهتمامها في ملف قطاع غزة، من خلال تنسيقها مع حركة “حماس”. المخاوف المصرية أيضا تتعلق بتعاظم النفوذ التركي في الجارتين لمصر ، ليبيا غربا وغزة شرقا؛ وبالتالي فإن النفوذ التركي بات يحاصر القاهرة في قلب ما يعتبره نظام السيسي جزءا من الأمن القومي المصري.   دلالات احتضان تركيا لملف المصالحة ويحمل استضافة “إسطنبول” لجولة المباحثات بين “فتح” و”حماس” عدة دلالات مهمة، أبرزها،  إدراك (حماس)، و(فتح) عدم نزاهة الوسيط المصري وتحيزه الكامل لصالح العدو”؛ وهو ما يمثل انعكاسا لفشل الدبلوماسية المصرية في مرحلة ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013م؛ لأسباب تعود إلى ارتهان الموقف المصرية ببوصلة التوجهات الأمريكية الإسرائيلية من جهة، وفقدان مصر لمكانتها بعدما باتت دولة تابعة وليست قائدة، بعدما كشفت السنوات الماضية من حكم الجنرال عبدالفتاح السيسي ارتهانه أيضا بالمواقف الإماراتية السعودية وهي العواصم التي تمثل مع القاهرة «تحالف الثورات المضادة»، المدعوم أمريكيا وإسرائيليا. وثمة تفسير يذهب إلى أن عدم احتضان القاهرة لجولة مباحثات المصالحة إنما يعود لأسباب تتعلق بإدراك نظام السيسي بعدم قبول واشنطن وتل أبيب بأي مصالحة فلسطينية بين “فتح” و”حماس” خصوصا في ظل دخول المنطقة على أعتاب ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، وتدشين تحالفات جديدة تجعل من “إسرائيل” قوة إقليمية عظمى ونفوذ بالغ التأثير؛ وبالتالي فإن القاهرة لم تتحمس لهذا الأمر؛ لكن  القاهرة دائما ما احتضنت جولات المصالحة سابقا رقم وجود هذا الاعتراض الأمريكي  الإسرائيلي؛ وكان ذلك بهدف السيطرة على الملف وعدم السماح بتدخل قوى أخرى غير عربية، علاوة على ضمان مخرجات هذه اللقاءات بما يضمن تحقيق المصالح الأمريكية الإسرائيلية. كما يؤكد استضافة تركيا لهذه المباحثات بين أكبر فصيلين بفلسطين المحتلة على تزايد النفوذ الإقليمي التركي من ناحية، وكذلك على مصداقية القيادة السياسية في أنقرة من ناحية أخرى”؛ بعدما فقدت الدول العربية التي كانت تسيطر على الملف الفلسطيني مصداقيتها بعد دورها المشبوه في موجة الهرولة نحو التطبيع مع الصهاينة؛ حيث تحولت القاهرة منذ اتفاقية كامب ديفيد إلى عرَّاب للتطبيع وداعية للقبول بالكيان الصهيوني في المنطقة والتغاضي عن احتلاله لأراضي فلسطين وما بها من مقدسات بخلاف هضبة الجولان السورية ومدينة “أم الرشراش” المصري (ميناء إيلات حاليا). ويعزز من الحضور التركي في الملف الفلسطيني المواقف المتزنة للقيادة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان من كافة الفصائل الفلسطينية، والدعم  الكبير للقضية الفلسطينية ورفض موجات التطبيع العربي، حيث التقى الرئيس التركي أيضا بالسيد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”. كما تعتبر هذه الخطوة الفسطينية نحو تركيا مؤشرا جديدا على اتساع الشروخ داخل المنظومة العربية وبرهانا على وفاة جامعة الدول العربية التي باتت عاجزة عن التدخل بمصداقية في الملف الفسطيني بعدما رفضت إدانة التطبيع الإماراتي البحريني مع الكيان الصهيوني والذي مثل بحد ذاته شهادة وفاة لما تسمى بالمبادرة العربية للسلام التي أقرتها الجامعة سنة 2002م والتي مثلت طول السنوات الماضية الموقف الرسمي العربي الذي طرح فكرة “الأرض مقابل السلام”؛ لكن العجز العربي وحرص النظم على مصالحها دون النظر إلى مصالح الشعوب أفضى إلى هرولة هذه النظم نحو التطبيع مع الاحتلال في ظل الإعلان عن صفقة القرن الأمريكية التي تمثل تصفية للقضية الفلسطينية ووأدا لحل الدولتين وإقرار بالقدس عاصمة أبدية للاحتلال وإسقاط حق عودة اللاجئين وإصرار حكومة الاحتلال على ضم الضفقة الغربية؛ وبالتالي فإن الهرولة نحو التطبيع في ظل هذه المعطيان هو برهان ساطع على حجم الخيانة ومدى الخذلان الكبير الذي تقابل به النظم العربية صمود الشعب الفلسطيني ودورها في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء.   موقف “حماس” هناك حالة استياء فلسطيني واسع من المواقف المصرية التي تنحاز بشكل سافر لمواقف الاحتلال، باعتبار النظام في  القاهرة هو عرَّاب التطبيع الأول مع الصهاينة؛ فالقاهرة أول من أبرمت اتفاق تطبيع مع الاحتلال سنة 1979م، وبذلك هي من فتحت الباب أمام باقي الخراف العربية الضالة نحو حظيرة الاحتلال والاعتراف بمشروعية الأراضي العربية التي جرى اغتصابها ظلما وعدوانا. ومن المواقف المصرية المخزية مؤخرا، الترحيب الحار بالتطبيع الإماراتي البحريني السوداني مع الاحتلال رغم الأضرار الكبرى التي تهدد الأمن القومي المصري والعربي على حد سواء.  كما يتعامل الجيش المصري مع القطاع معاملة العدو لا الشقيق وهو ما يتمثل في المشاركة في الحصار الإسرائيلي على القطاع منذ 2007م، وغمر الحدود بالمياه المالحة وتشييد جدار حديدي وخرساني بطول الحدود مع القطاع بعد تدمير كافة الأنفاق التي كانت تمثل رئة للقطاع يتم من  خلالها تهريب  السلع والبضائع والسلاح، وفي سبتمبر 2020م، قنص الجيش المصري 3 صياديين فلسطينيين،  قتل منهم اثنان شقيقان، وفي أعقاب اجتماعات المصالحة في القنصلية الفلسطينية بتركيا شنت الآلة الإعلامية لنظام السيسي هجوما ضاريا على حركة حماس وعادت تتحدث عن الحركة باعتبارها تنظيما إرهابيا وفرعا من فروع…

تابع القراءة

الاستفتاء على الدستور الجديد..اختيار صعب يضع الجزائر أمام مخاطر العسكرة أو الثورة المضادة!!

  على حد السيف ، تقف الجزائر ، بين آمال استكمال مسار التغيير ، الذي بدأه الثوار في فبراير 2019، ومخاوف تكرار مرحلة جديدة من حكم الفرد، بتشريع نظام سياسي يوسع من سلطات الرئيس على حساب المؤسسات الخرى، بدعاوى اواحة الأحزاب القديمة، والاتجاه  نحو المجتمع المدني والتجمعات الجهوية، التي قد تكون ذات بريق سياسي، الا ان تفخيخها بالتوترات السياسية ، قد يحعلها سببا في موت السيسة، أو عرقلتها على الأقل في الفترة المقبلة من تاريخ الجزائر. فأيام قليلة تفصل الجزائر ، عن تغيرات مفصلية في بنيتها السياسية والدستورية والتشريعية، حيث يجري الاستفتاء على مسودة دستور جديد، أعدته لجنة خبراء شكلها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وذلك في مطلع نوفمبر المقبل، تليه انتخابات تشريعية لم يحدد موعدها، لاستبدال نواب جاءوا بانتخابات برلمانية جرت في 2017، بعضهم يواجه اتهامات بالفساد المالي والسياسي في ظل حكم الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، الذي ثار عليه الجزائريون وأنهوا حكمه في فبراير 2019م، ويوافق يوم 1 نوفمبر، الاحتفال بـ”عيد الثورة”، أي حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي “1954-1962″، وهو ما يحاول تبون تصوير الدستور المزمع التصويت عليه كأنه امتداد لمسيرة التحرر الوطني. وتعديل الدستور الذي وضعه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة كان من أبرز الوعود الانتخابية لتبون، الذي وعد بتعديل “عميق” للدستور “يقلص من صلاحيات رئيس الجمهورية ويحمي البلد من الحكم الفردي ويضمن الفصل بين السلطات ويخلق التوازن بينها ويشدد مكافحة الفساد ويحمي حرية التظاهر”….وهو على عكس ما تطرحه الأحزاب والأوساط السياسية من انتقادات ، وأوصاف معاكسة تماما، للخطاب الاعلامي الذي يطرحه تبون، بل يذهبون إلى وصم مسودة الدستور بأنه يمكن لحكم الفرد، ويوسع صلاحيات الرئيس على حساب كافة المؤسسات التنفيذية والقضائية والتشريعية، وفي يناير الماضي، شكل تبون -المنتخب في 12 ديسمبر2019- لجنة خبراء في القانون كلّفها إعداد مسودة تعرض للمشاورات العامة ومناقشة البرلمان ثم للاستفتاء العام، ثم قامت الرئاسة بتوزيع المسودة على الأحزاب. وسعى تبون للترويج بأنه يواجه ثورة مضادة، موجها سلسلة من التهم والانتقادات للأحزاب السياسية، التي ألصق بها اعلام الدولة والنظام اتهامات الفساد ةمحاولة جر البلاد للوراء، ونشر الفساد المالي والمحاصصة السياسية..وهو ما يعتبره البعض هجوم استباقي لأية نتائج لا ترضي الرئاسة ، بعد تصاعد الانتقادات من قبل الأحزاب والقوى السياسية، محاولا استبدالها بالقوى الجهوية وقوى المجتمع المدني، الذي يعتمد عليها تبون في مواجهة القوى السياسية.     المسودة وتضمن تقرير اللجنة القانونية  73 اقتراحا مقسمة على ٦ محاور، منها “تعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها”، أي تلك التي تخص صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والبرلمان، ورفض ناشطو الحراك الشعبي وبعض أحزاب المعارضة المشاركة في هذه المشاورات، وطالبوا بمؤسسات انتقالية تكلف بإعداد دستور جديد وليس تعديل ما وصفوه بـ”دستور بوتفليقة”.   مخاوف من تضخم صلاحيات الرئيس وتسود الساحة السياسية الجزائرية مخاوف عدة من توسيع الرئيس تبون لصلاحياته الرئاسية، وفق القراءة الأولية لمسودة الدستور الجديد، التي ستصبح خامس دستور للبلاد منذ الاستقلال، عدا عن سلسلة من التعديلات المحدودة التي كانت تتم في كل مرحلة، وبحسب الاحتياجات ومتطلبات السلطة الحاكمة، ففي عام 1963، شهدت الجزائر ميلاد أول دستور تأسيسي للبلاد، بعد عام واحد من الاستقلال، لكن الرئيس هواري بومدين الذي قاد انقلاباً عسكرياً على الرئيس أحمد بن بلة في يونيو 1965 أعلن تعطيل العمل بالدستور حتى صياغة دستور جديد عام 1976. وبعد انتفاضة أكتوبر عام 1988، وتصاعد المطالب الديمقراطية، اضطرت السلطة إلى إقرار دستور جديد يُنهي حكم الحزب الواحد ويفتح باب التعددية السياسية، وذلك حتى عام 1996. وفي وسط الأزمة الأمنية طرح الرئيس الأسبق ليامين زروال دستوراً جديداً، كانت أبرز مادة فيه تحديد العهدات الرئاسية باثنتين، وهي المادة التي تلاعب بها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بإلغائها عام 2008، ليتيح لنفسه الترشح لولاية رئاسة ثالثة في انتخابات 2009، قبل أن يعيد تثبيتها مجدداً في تعديلات عام 2016، من دون تجاهل تعديل مادة تخص إدراج اللغة الأمازيغية لغة وطنية عام 2005، ورسمية في عام 2016. لكن بوتفليقة لم يطرح خلال فترة حكمه لعقدين أي مراجعة عميقة وشاملة للدستور، كما لم تعرض التعديلات على استفتاء شعبي. وتمنح المسودة النهائية للدستور الجديد في الجزائر الرئيس اختصاصات في السلطة التنفيذية في مجمل الدساتير السابقة كان النقاش الجوهري والأساسي مرتبطاً بصلاحيات رئيس الجمهورية، مقابل صلاحيات باقي مؤسسات الدولة. وإذا كان دستور عام 1996 الذي أدخل عليه بوتفليقة سلسلة تنقيحات أتاحت له الهيمنة على السلطة ومركزة القرار وجميع السلطات بيده، وصلاحية التدخل في الشأن القضائي والتشريعي والتنفيذي وغيرها، فإنّ العنوان الأبرز الذي اتخذته السلطة الجديدة والرئيس تبون للتسويق السياسي لدستور 2020 المطروح للاستفتاء، هو “الحدّ من تغوّل السلطة التنفيذية لصيانة البلاد من الانحراف إلى الحكم الفردي مجدداً، وفصل السلطات والموازنة بين المؤسسات”. لكنّ فحصاً شاملاً لمجموع مواد المسودة الدستورية يكشف استمرار تضخّم صلاحيات رئيس الجمهورية، وتمتعه باختصاصات حصرية وبتوصيف وظيفي في مختلف السلطات والمؤسسات القضائية والتشريعية والتنفيذية، وتظهر بمواد مسودة الدستور المكوّنة من 225 مادة أنّ رئيس الجمهورية وإضافة إلى الاختصاصات والصلاحيات المتعارف عليها دستورياً بأنها تعود له، بكونه القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويتمتع بصلاحية إعلان حالة الطوارئ أو الحصار، وحالة الضرورة المُلِّحة بإعلان الحرب، ويترأس المجلس الأعلى للأمن، ويحدد السياسة الخارجية للجزائر ويوجّهها، ويوقّع معاهدات الهدنة والسلام، ولديه صلاحية إرسال وحدات من الجيش للخارج بعد موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، كما يبقي الدستور لرئيس الجمهورية منصب وزير الدفاع، ليصبح بذلك عضواً في الحكومة. كذلك يحوز صلاحية التعيين في القطاعات والوظائف العسكرية، وتعيين مسؤولي الأجهزة الأمنية. وتمنح المسودة النهائية للدستور الجديد في الجزائر الرئيس اختصاصات في السلطة التنفيذية. وبحسب المادة 91، فإنّ الرئيس “يتولّى السلطة التنفيذية”، إذ يتولّى تعيين الوزير الأوّل أو رئيس الحكومة، بحسب الحالة التي تنتهي إليها الانتخابات النيابية، وتعيين أعضاء حكومته، وهو من ينهي مهامهم، وله الحقّ في تعيين الأمين العام للحكومة ومحافظ بنك الجزائر، والأعضاء المسيّرين لسلطات الضبط، كسلطة ضبط السمعي البصري وسلطة ضبط الاتصالات وغيرها، وكذلك تعيين سفراء الجمهورية وإنهاء مهامهم. كذلك يحوز صلاحية تعيين الولاة وعمداء الكليَّات في الجامعات الجزائرية بمرسوم رئاسي، وأعضاء مجلس حقوق الإنسان. كذلك يعيّن أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى الـ15. وتشرح المادة 103 من مسودة الدستور مسألة الفرق بين الوزير الأول ورئيس الحكومة، إذ تنصّ على أن يقود الحكومة “وزير أول في حالة أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية، ويقود الحكومة رئيس الحكومة في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية”، على أن يتولى الوزير الأول، بموجب المادة 105 من المسودة، تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، فيما يترك لرئيس الحكومة بموجب المادة 110 إعداد برنامج الأغلبية البرلمانية. وعلى الرغم من المطالبات المتصاعدة منذ سنوات للقضاة والنقابات المهنية والقوى السياسية بضرورة إجراء فصل كامل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، فإن المسودة الدستورية أبقت على رئيس الجمهورية…

تابع القراءة

مذكرة تفاهم بين السيسي والجامعة الأمريكية.. قراءة في الأبعاد والمخاطر

  أقدم رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي في منتصف أكتوبر 2020م على خطوة مثيرة للجدل تكرس حالة التبعية للولايات المتحدة الأمريكية وتمثل في ذات الوقت دعما لأنشطة التنصير والتجسس وتحجيم الهوية الإسلامية لمصر؛ حيث أصدر القرار رقم 426 لسنة “2020”  بشأن الموافقة على مذكرة تفاهم بين حكومة جمهورية مصر العربية ومجلس أمناء الجامعة الأمريكية بالقاهرة بشأن تعديل المادة السادسة من البروتوكول الموقع بين الطرفين بتاريخ 13 نوفمبر 1975 حول وضع الجامعة الأمريكية بالقاهرة والموقعة بتاريخ 7 مايو 2020. ونص القرار على أن الطرفين اتفقا على تعديل تلك المادة ليكون نصها كالآتي [[1]]:- أولا: لا تهدف الجامعة الأمريكية بالقاهرة بوصفها معهداً ثقافياً إلى ربح مادي، وبناء عليه فإن الحكومة المصرية اعترافاً منها بذلك توافق على إعفاء جميع الأجور والمرتبات التي تصرف خصماً على اعتماد PL482 أو أية مصادر تمويل غير محلية من الضرائب المحلية. ثانيا: على الجامعة أن تخصص سنوياً للحكومة المصرية 30 منحة دراسية كاملة للطلاب المصريين الراغبين في الدراسة بمرحلة البكالوريوس من المدارس الحكومية مع مراعاة جميع شروط وأحكام القبول المعمول بها لدى الجامعة وغيرها من المتطلبات لديها، وتتولى الوزارة المختصة بالتعليم العالي ترشيح الطلاب المحتملين للمنح الدراسية. وتعبيرا عن البهجة، اعتبرت وزارة التعليم العالي بحكومة الانقلاب ذلك انجازا يستحق الاحتفال؛ وأكد وزير التعليم العالي الدكتور خالد عبدالغفار حرص الحكومة على استمرار أواصر التعاون بين الجامعة الأمريكية والمؤسسات التعليمية المصرية، مشيدًا  بالدور الذي وصفه بالمهم الذي تقوم به الجامعة في خدمة المجتمع المصري على المستوى البحثي والعلمي. مؤكدا أن الهدف من هذه الشراكة هو توفير فرص أفضل لهؤلاء الطلاب لبناء ثقافة  القيادة لديهم.[[2]] وعلى هامش الاحتفال تم عرض فيلم وثائقي حول تطوير التعليم العالي والبحث العلمي في مصر، وفيلم آخر عن مئوية الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وأعرب رئيس الجامعة الأمريكية عن سعادته بهذا التعاون بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والجامعة الأمريكية بالقاهرة، متمنيًا مزيدًا من التفوق والنجاح لهؤلاء الطلاب.   أبعاد القرار ومخاطره أولا،  لكي ندرك خطورة  الخطوة التي قام بها السيسي؛ فإن الجامعة الأمريكية التي تأسست سنة 1919م؛ إنما قامت على أصول وقواعد تنصيرية بحته؛ وبحسب دراسة أعدتها الدكتورة سهير البيلي، الأستاذة بكلية التربية بجامعة طنطا بعنوان «أهداف الجامعة الأمريكية في القاهرة .. دراسة وثائقية منذ النشأة وحتى عام 1980»، كشفت عن الدوافع التنصيرية لتأسيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة وبيروت([3]) من أجل مواجهة الإسلام فكريا وثقافيا، والعمل على نشر المسيحية وفق مفاهيم المذهب البروتستانتي؛ حيث بدأ التفكير في إنشاء الجامعة الأمريكية في القاهرة في عام 1899 م تقريباً عندما نادى ثلاثة من مبشري الإرسالية الأمريكية في مصر منهم اندرو واطسن الذي أصبح مؤسس الجامعة الأمريكية بعد ذلك بإقامة كلية بروتستانتية في القاهرة حيث ذكر فرنمان جوست أن مؤسسة كهذه يمكنها أن تكون مركزا للمواجهة الفكرية مع الإسلام. وقد هيأت الأوضاع الداخلية في مصر والتفوق الحضاري للدول الغربية المسيحية الأجواء لدعم مشروع الجامعة الأمريكية بالقاهرة ؛ فوجود الاحتلال الإنجليزي الذي عمل على تكوين نخبة تعمل في تعاون تام مع سلطات الاحتلال الذي قال عنه كرومر: “واجبنا الأول هو إقامة نظام يسمح لجمهور السكان بأن يكون محكومًا وفقا للأخلاق المسيحية ، ولذلك فإن الهدف تكوين طبقة من السادة وإن سياسة فرّق تسُد لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق التربية، والتحالف مع الصفوة أفضل بكثير من كسب الجماهير”. وتم اتخاذ الخطوات العملية لنشأة الجامعة الأمريكية والتي بدأت بجهود تشارلز واطسن للحصول على الاعتمادات المالية لإنشاء الجامعة ، خاصة من الأغنياء مؤيدي العمل التبشيري أمثال عائلات ماكيون ولوكهارت وغيرها الذين أكد لهم واطسن «مسيحية الجامعة» التي “تمجد السيد المسيح في العالم الإسلامي”، ورغم أوضاع الحرب العالمية الأولى إلا أنه تمت الموافقة على اختيار مجلس أوصياء للجامعة المقترحة ممثلاً لكل الكنائس المسيحية البروتستانتية بإجمالي 21 عضواً وتم اختيار القاهرة مقراً للجامعة حسب قول واطسن : “إذا أردنا التأثير في الإسلام فإن أكبر مركز مؤثر يمكن البدء فيه هو مصر”.وبدأت سياسة الجامعة الأمريكية بالقاهرة تتبلور تجاه المؤسسات المدنية والدينية في مصر وفقا لهذه الأفكار التنصيرية والتوجهات الرامية للحد من التزام المسلمين بالإسلام وتشكيل جيل جديد من المثقفين والحكام وأصحاب النفوذ يكون ولاؤهم للنموذج الغربي الأمريكي. وقد أكد المؤسسون في لقاءاتهم ومراسلاتهم على أن تكون شخصية الجامعة مسيحية تبشيرية، وكان من بين المشاركين في وضع المعالم الرئيسة لشخصية الجامعة القس “زويمر” و”جون موط” السكرتير العام لجمعية الشبان المسيحيين الأمريكيين، وبالفعل ولدت الجامعة نصرانية بروتستانتية تبشيرية بنسبة 100%. ثانيا، منذ نشأة  الجامعة الأمريكية في القاهرة مطلع القرن الماضي؛  ومن أهدافها الرئيسية تكريس نمط من التربية الانهزامية بين الشعوب والمجتمعات العربية والإسلامية؛ وتكريس حالة الانهزامية والانكسار والتبعية المطلقة وتجذير معاني الشعور بالضعف أمام الغرب القوي المتحضر الذي يملك جميع أدوات الهيمنة والسيطرة والنفوذ  على المستوى العالمي. يؤكد هذا المعنى ما انتهت إليه دراسة عن الهوية العربية الإسلامية ودور المؤسسة التعليمية في تشكيلها قام بها د. “أحمد ثابت” أستاذ العلوم السياسية جاءت نتائج عينة الجامعة الأمريكية كما يلي: 5% من طلاب الجامعة الأمريكية لا يعرفون لون العلم المصري أو ترتيب ألوانه. 5% يرون أن ارتداء الحجاب يعد مظهراً للتخلف ومؤشراً لسلوك الفقراء. 5% على شوق جارف للحصول على الجنسية الأمريكية، 19.5 % يرون في تبادل القبلات بين الطلبة والطالبات مسألة حضارية ولا تتنافى مع التقاليد المصرية. 75% يرون أن الوجود الأوروبي الاستعماري في مصر كان تعاوناً وتنويراً ولم يكن احتلالا، وأن مشاكل المجتمع المصري عندهم هي في قلة أماكن اللهو، وضوضاء أماكن العبادة، وعدم وجود أماكن لانتظار السيارات، وسوء فهم المجتمع للاختلاط بين الجنسين. ثالثا، تمثل خطوة السيسي بدعم  الجامعة الأمريكية وتكليفها بتكوين قيادات المستقبل التي يحددها النظام خطورة شديدة على الأمن القومي المصري؛ ذلك أن الاتهامات بالتجسس لا تزال تلاحق الجامعة  الأمريكية؛ فقد أنشأت سنة 1951 “مركز البحث الاجتماعي” الذي دعمته مؤسسة فورد ومسؤوليته تتركز في جمع وتحليل المعلومات التي تخص الظروف الاجتماعية في الشرق الأوسط وكانت الأبحاث السوسيولوجية والأنثربولوجية هي الأساس في نشاط المركز مع التفكير في الاقتصاد مستقبلاً وقد قام المركز بدور خطير في كشف دقائق الأمور والمشكلات الاجتماعية في مصر بما يمكن اعتباره أداة للتجسس على مقدرات الحياة الاجتماعية في مصر ودول الشرق الأوسط بما يمكن أمريكا من بسط الهيمنة الثقافية على المجتمع العربي. وقد تحقق ذلك بالفعل في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979م التي أعقبت زيارة السادات للكنيست في 1977م، والتي حققت اختراقا أمريكيا غير مسبوق لا تزال تداعياته الكارثية حتى اليوم؛ فقد سيطرت أمريكا وإسرائيل بالفعل  على قادة الجيش المصري وجميع مفاصل الدولة وباتت حكام مصر من العسكريين يمثلون احتلالا بالوكالة عن الصهاينة والأمريكان. علاوة على ذلك فإن علاقة الجامعة الأمريكية بالمخابرات المركزية الأمريكية بحكم النشأة والأهداف لا تحتاج إلى برهان؛ فقد…

تابع القراءة

غينيا بيساو

  تشهد جمهورية غينيا بيساو -تلك الدولة الصغيرة الواقعة في غرب إفريقيا- مجموعة من التوترات السياسية منذ مطلع 2020، كانت لها مقدمات منذ نهاية 2019 وحتى الآن. وتمثل هذه الأزمة انعكاسًا لأوضاع قديمة يعيشها هذا البلد منذ سنوات، وكذلك للتوترات التي تعصف بمنطقة الغرب والساحل الإفريقي ككل خلال تلك الفترة. فما هي خلفيات الأزمة في غينيا بيساو؟ وما هي التجاذبات الإقليمية هناك؟ وإلى أين وصلت الأوضاع هناك؟ تلك هي التساؤلات التي ستحاول تلك الورقة الإجابة عنها خلال السطور القليلة القادمة.   خلفيات الأزمة: شهدت غينيا بيساو 9 انقلابات ومحاولات انقلابية منذ عام 1980، وكان البرلمان لم ينعقد قبل الانتخابات الأخيرة بأكثر من عام في تلك المستعمرة البرتغالية السابقة التي شهدت انقلابات كثيرة، كما أن الغضب العام في تزايد، بعد فشل محادثات بوساطة إقليمية في التوصل إلى حل للتناحر الشديد داخل النخبة السياسية. وكان قد تظاهر آلاف المحتجين في شوارع عاصمة غينيا بيساو منذ نوفمبر 2019؛ للمطالبة باستقالة الرئيس جوزيه ماريو فاز؛ لحل أزمة سياسية أصابت البلاد بالشلل. وخرج المحتجون في مسيرات بشوارع بيساو، مرددين هتافات: “ارحل يا جوماف”، وهو اسم مختصر للرئيس، وكان احتجاج لكن بأعداد أقل خرج قبل أسبوعين للمطالبة برحيله، في هذا البلد غير المستقر بشكل كبير، والذي يُعد مركز نقل رئيس للكوكايين إلى أمريكا اللاتينية[1]. وبعد الانتخابات، احتدمت الأزمة السياسية في غينيا بيساو، بعد أن عُين عمر سيسوكو إمبالو، الفائز رسميًّا بانتخابات الرئاسة في ديسمبر 2019 رئيسًا للوزراء، بينما عين البرلمان رئيسًا انتقاليًّا آخر، هو دومينجوز سيموز بيريرا، الذي يحظى حزبه بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، والذي قال إن تنصيب إمبالو غير قانوني؛ لأن المحكمة العليا ما زالت تنظر في طلب من حزبه بإلغاء الانتخابات؛ بسبب وقوع مخالفات في الاقتراع. وفي اليوم نفسه أصدر إمبالو مرسومًا بإقالة رئيس الوزراء، وهو من الأعضاء المخضرمين في الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان، وعين بدلا منه نونو نابيام، الذي كان أحد مرشحي الرئاسة. وزادت تلك التعيينات المتعارضة حالة الارتباك التي تسيطر على المشهد السياسي في البلاد منذ جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية. وقد أفضى هذا الوضع إلى استمرار الفوضى في المؤسسات التي شهدتها البلاد على مدى السنوات الخمس الماضية، عندما أدت خلافات سياسية لتعيين جوزيه ماريو فاز، الذي كان رئيسًا وقتها، لسبعة رؤساء للحكومة تعاقبوا على المنصب. وألحق عدم الاستقرار السياسي ضررًا بالاقتصاد، الذي يعتمد بشكل كبير على الأسعار المتقلبة للكاجو، الذي يمثل المصدر الرئيس لدخل أكثر من ثلثي الأسر في البلاد[2].   التجاذبات الإقليمية في غينيا بيساو: منحت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “الإيكواس” مهلة للعدالة في بيساو حتى منتصف فبراير؛ من أجل تسوية النزاع الانتخابي. جاء ذلك خلال اجتماع عقده قادة “الإيكواس” برئاسة الرئيس الدوري للمجموعة محمدو إسوفو، وذلك على هامش أعمال القمة الـ 33 للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا. وجاء تحديد مهلة جديدة، بينما تقدم رئيس الحزب الحاكم ومرشحه للانتخابات الرئاسية دومينجوز سيموز بيريرا بطعن جديد أمام المحكمة العليا في بيساو؛ للمطالبة بإلغاء انتخابات 29 ديسمبر 2019[3]. كل هذا في الوقت الذي تقع فيه جمهورية غينيا بيساو بين كماشتي السنغال وغينيا كوناكري، وتشكِّل دائمًا إزعاجًا للإيكواس، وهو ما اتضح خلال تلك الأزمة؛ حيث دعمت السنغالُ في شخص الرئيس ماكي سال الرئيسَ المنتخبَ عمر سيسوكو إمبالو، بينما دعمت غينيا كوناكري في شخص الرئيس ألفا كوندي منافسَه دومينجوز سيموز بيريرا. واتهم إمبالو غينيا كوناكري بالتدخل في الشأن الداخلي لبلده، وتعمل على زعزعة التعايش الهش القائم فيها؛ نظرًا لكون غينيا بيساو قد عاشت حربًا أهلية، والكثير من الانقلابات، ووفاة رئيسين للبلاد قبل اكتمال فترة رئاستيهما[4].   تطورات الوضع: منذ ذلك الحين، أدَّت الأولويات المتنافسة إلى تأجيج التوترات بين الرئيس سيسوكو إمبالو، الذي تركز حكومته الجديدة على تعزيز السلطة، والجهود التي يبذلها الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر(PAIGC) ؛ من أجل خوض الانتخابات البرلمانية في 29 يونيو؛ للموافقة على برنامج حكومة نونو نابيام. بينما عرض الرئيس تشكيل حكومة تعددية، تشارك نونو نبيام كرئيس للوزراء، وهو الأمر الذي قوبل بمعارضة من الحزب الإفريقي، الذي رفض الانضمام إلى الحكومة في ظل الظروف القائمة. واستغلت شبكات الجريمة المنظمة تحديات إدارة الحدود لتهريب الكوكايين عبر المحيط الأطلسي، وقامت بعثة الأمم المتحدة في غينيا بيساو خلال هذا العام بعمليتي “كاراباو” و”نافارا”، التي أدت إلى ضبط ما يقرب من 3 أطنان من الكوكايين؛ مما شكَّل صعوبة لتقدم تلك الشبكات.[5]   الخُلاصة: دخلت غينيا بيساو خلال تلك الأزمة في دورة جديدة من التوترات السياسية والاقتصادية التي تهدد استقرار الداخل؛ حيث الدولة المفككة والحدود الهشة، وهو ما يصب -في الأخير- في المزيد من هشاشة الدولة. ويأتي هذا في إطار التجاذبات الإقليمية والدولية في منطقة الغرب الإفريقي، الذي يُعد منطقة صراع دولي ما بين قوى تقليدية مسيطرة وقوى جديدة صاعدة.     ——————————- [1]  “قمة طارئة لـ “إيكواس” تبحث الأزمة السياسية بغينيا بيساو”، العين الإخبارية، 6/11/2019.  متاح على الرابط: https://2u.pw/TVWRI [2] “احتدام الأزمة السياسية في غينيا بيساو بوجود رئيسين”، RT عربي، 1/3/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/925vc [3]  “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا تحدد مهلة لتسوية الأزمة الانتخابية في غينيا بيساو”، وكالة الأنباء السعودية، 10/2/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/Zp1Rf [4]  حاتم البطيوي، “أزمة انتخابات غينيا بيساو تقضّ مضجع «سيدياو» .. ومهلة لتسويتها”، الشرق الأوسط، 12/2/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/8ejUQ [5] “Political crisis in Guinea-Bissau: UN Representative urges political leaders to enact reforms”, UN News, 10/8/2020. https://2u.pw/blAAe

تابع القراءة

المشهد السياسي.. عن الفترة من 17 وحتى 23 أكتوبر 2020

  أولا : المشهد المصري المجال السياسي: معارك الدولة العميقة: اشتدت رحى الصراع المكتوم بين وزير الإعلام أسامة هيكل، المعروف بقربه من المؤسسة العسكرية وقياداتها، وبين المسؤول الفعلي -بحسب المراقبين- عن المشهد الصحافي والإعلامي في مصر، العقيد بالمخابرات أحمد شعبان. صراع على النفوذ بين وزير جاء لضبط إيقاع عمل المؤسسات الإعلامية والصحافية بعد سبتمبر 2019، التي شهدت احتجاجات مناهضة للنظام القائم، وكانت الأولى من نوعها منذ 2013، فعمل النظام على تغيير السياسات الإعلامية القائمة؛ بغرض تبييض صورة النظام، واستعادة قدرة الإعلام المحسوب على السلطات الحاكمة على التأثير بعد تراجع نسب مشاهدته بصورة كبيرة، فقد رأى النظام في الاحتجاجات دليل فشل النوافذ الإعلامية والصحافية التي تتغنى ليل نهار بإنجازات النظام، فكان استقدام “هيكل” بغرض تحقيق هذا التغيير في السياسات الإعلامية، وهو ما كان يعرف “هيكل” أنه جاء لتحقيقه، وبين الضابط الشاب بالمخابرات، المتحكم الفعلي في المشهد الصحافي والإعلامي في مصر، ويبدو “شعبان” كلف بهذه المهام؛ باعتباره مدير مكتب عباس كامل رجل السيسي الأول. نستطيع أن نقول بصيغة أخرى إنه صراع بين الحكومة الرسمية وبين حكام الظل أو مراكز القوى الجديدة التي تأسست في أعقاب أحداث 3 يوليو 2013[1]. معركة “هيكل” و”شعبان” ليست الوحيدة في الأيام الأخيرة، فقد سبقها واستمر معها، خلاف آخر برز للسطح، هذه المرة كان بين العقيد بالمخابرات الضابط أحمد شعبان، وكل مؤهلاته أنه مدير مكتب اللواء عباس كامل، تنقل معه من الجيش للرئاسة، وأخيرًا للمخابرات العامة، وبين الصحافية والعضوة المؤسسة بحملة تمرد، التي حركت الاحتجاجات ضد الرئيس محمد مرسي، ولاحقًا عضو الحملة الانتخابية للسيسي، وعضو لجنة العفو الرئاسي عن السجناء؛ لكن موضوع الخلاف هذه المرة ليس الإعلام والصحافة، إنما السياسة، فقد اتهمت “خليفة” “شعبان” بمسؤوليته عن إفساد الحياة السياسية في مصر، عبر أداته «تنسيقية شباب الأحزاب»، وعبر إفساده لمشهد انتخابات الشيوخ، واختياره لمرشحي النواب، فقد صرحت “خليفة” أن “شعبان” هو المسؤول عن إدارة الحياة السياسية، وهو ما يعمل على تحقيقه من خلال «تنسيقية شباب الأحزاب»، و«البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب»، وفاعليات «مؤتمر الشباب السنوي»، ومن خلال إدارته لعملية اختيار مرشحي مجلسي “النواب” و”الشيوخ”، وهو نفوذ واسع في الحقيقة، ويبدو أن مسؤولية “شعبان” في هذه القضايا تتوقف عند تنفيذ ما يطلب منه من رئيسه المباشر، مدير المخابرات العامة عباس كامل، ومن السيسي؛ لكن هذا لا ينفي ما يتمتع به شعبان من نفوذ واسع جراء تأديته هذه المهام، وقد انتهى هذا الجدل باختفاء دعاء خليفة قسريًّا، قبل ظهورها بأحد السجون لاحقًا، وبرأي مراقبين، فإن معركة شعبان و”هيكل” ستحسم لصالح شعبان في النهاية؛ لما يتمتع به من نفوذ، ولانتصاره في معارك سابقة، لم تكن أقل قوة، ليس أقلها ما كان من خلافات مع المتحدث العسكري السابق أحمد سمير[2]، وفي استبعاده للصحافي المعروف بقربه من السيسي ياسر رزق، بعد تململه من سيطرة المخابرات العامة على المشهد الصحافي والإعلامي في مصر[3]. جزء من المشهد السياسي العبثي في مصر، التسريبات التي تم بثها للصحافي والبرلماني السابق عبد الرحيم علي، المعروف بعدائه لقوى الإسلام السيسي، وبقربه من النظام الحاكم، وعلاقاته مع المسؤولين الإماراتيين .. في التسريبات يكيل “علي” الشتائم للدولة وللقانون وللنظام ورجاله في مصر، ويستبعد إقدام النظام على توقيفه أو مساءلته، مشددًا على أنه يمتلك تسريبات وملفات “توديهم كلهم في دهية”، مؤكدًا أن مدير المخابرات العامة جاءه لبيته؛ للاعتذار له[4]. وفق مراقبين، فإن التسريب يأتي ضمن معركة انتخابية شرسة، شبهها البعض بمعركة “تكسير عظام”، يخوضها علي بانتخابات مجلس النواب أمام مرشحين لهم حظوتهم كذلك عند السلطة. وتسريبات علي تسلط الضوء على الخلافات الشديدة داخل التحالف الداعم للنظام؛ على خلفية توزيع كعكة الامتيازات على هؤلاء، خاصة الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي سحب النظام تأييده خلالها لكثير من حلفائه السابقين، وانتقادات عبد الرحيم علي -وقبله مرتضى منصور، قائلًا: “أنا ما دفعتش 50 مليون جنيه من دم الشعب عشان يحطني (يضعني) في القائمة .. اللي يدفع 50 مليون ده يبقى معاه كام؟، وبيجيب الفلوس دي منين، وهايلمهم إزاي؟!”- تسلط الضوء على الخلافات الدائرة بشأن كعكة الانتخابات البرلمانية. تسريبات عبد الرحيم علي سبقتها تسريبات لوزير الإعلام أسامة هيكل، أذيعت على التلفزيون الرسمي![5]، بالتالي فالخلافات تقع في قلب التحالف الحاكم، وليست على حوافه، خلافات تكشفت أيضًا في القبض على صلاح دياب، رجل الأعمال المعروف بقربه للنظام ولحلفائه في (أبو ظبي)، وتكشفت في قضية بنك CIB[6]. هناك من يرى في هذه الصراعات والخلافات مؤشرًا سلبيًّا، ودليلًا على سوء ما وصلت إليه الأوضاع في مصر، لكن في المقابل يمكن اعتبار ما سبق ذكره دليلًا على أن النظام الحاكم في مصر بدء يكتسب ملامح سياسية، بدلًا من طبيعته العسكرية الصارمة والهيراركية المستحكمة؛ فهذه الخلافات والتباينات هي الملمح الأساسي لأي نظام حي وفاعل، أما التأميم والصوت الواحد، فهو يعني موت السياسة، كما أن ما يحدث يحمل بعض الأمل أن تقود هذه الخلافات إلى حدوث انفراجات في الحياة السياسية المصرية، تسمح ببعض حضور للقوى السياسية الممثلة للمجتمع، التي جرى تهميشها وإقصاؤها خلال السنوات السبع الأخيرة.   انتخابات النواب: بدء تصويت المصريين على مرشحي المخابرات العامة للبرلمان: توجه المصريون، السبت 24 أكتوبر 2020، في 14 محافظة -بينها الجيزة والإسكندرية- إلى مراكز الاقتراع؛ للإدلاء بأصواتهم لاختيار أعضاء مجلس النواب في المرحلة الأولى من الانتخابات، وتشمل المرحلة الثانية 13 محافظة، بينها العاصمة القاهرة، وتبدأ في السابع والثامن من نوفمبر القادم، وفي هذا الاقتراع، يختار المصريون 568 نائبًا من أصل 596 عضوًا في المجلس، على أن يقوم السيسي بتعيين النواب الباقين. ومن المقرر أن تجرى جولات الإعادة في نوفمبر القادم، وسيتم الإعلان عن النتائج النهائية في ديسمبر. يتنافس في هذه الانتخابات أكثر من أربعة آلاف مرشح على 284 مقعدًا من أصل 568 بالنظام الفردي، كما تتنافس ثماني قوائم على 284 مقعدًا بنظام القوائم الحزبية. أبرز القوائم المرشحة “القائمة الوطنية من أجل مصر” -والمحسوبة بحسب كثير من المراقبين على جهاز المخابرات العامة- التي تمثل ائتلافًا سياسيًّا بقيادة حزب “مستقبل وطن”، الموالي للحكومة، والذي انتخب رئيسه عبد الوهاب عبد الرازق مؤخرًا، رئيسًا لمجلس الشيوخ المصري[7]. الغرفتان التشريعيتان -النواب والشيوخ- اللذان يجري تشكيل الأولى منهما حاليًّا -بعد الانتهاء من تشكيل الأخيرة- هما أداة النظام لتحقيق هدفين أساسيين فيما يبدو؛ الهدف الأول: تمويل مشروعات النظام من خارج الموازنة العامة، من خلال المبالغ الكبيرة التي جمعت من المرشحين على قوائم «حزب مستقبل وطن»، مقابل ترشحهم باسم الحزب أو على قوائمه؛  باعتبار ذلك ضمانة كافية لنجاح هؤلاء، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الأصوات المعارضة للطريقة التي اختير بها مرشحو الدولة -أصحاب الحظوظ الأوفر في الوصول للبرلمان- في الانتخابات النيابية القائمة، أكثر هذه الأصوات داعمة للنظام. الهدف الثاني: توسيع التحالف الداعم للنظام، من خلال ضم عناصر جديدة من رجال الأعمال، ومن أبناء كبار العائلات في الأرياف والصعيد؛ مقابل…

تابع القراءة

ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان .. الدوافع والتداعيات

  تعود أزمة الحدود البحرية بين الجانبين إلى الفترة التي أعقبت اكتشاف مخزونات ضخمة من احتياطي النفط والغاز الطبيعي في المنطقة القريبة من حدودهما عام 2009، وهو ما أدى إلى تفجُّر أزمة ترسيم الحدود في المياه الاقتصادية بينهما. وتبلغ نسبة المساحة المتنازع عليها نحو 850 كيلو مترًا مربعًا، وكان الدبلوماسي الأمريكي، فريديريك هوف، قد اقترح في عام 2012 حلًّا، جرى تسميته بـ “خط هوف”، يقوم على منح 58 بالمئة للبنان، مقابل 42 بالمئة لإسرائيل، كما بدأ الطرفان -بناء على طلب الأمم المتحدة منذ عام 2010- مفاوضات لترسيم الحدود الاقتصادية، ولكنهما لم يتوصلا إلى صيغة توافقية إلى الآن. ومع مطلع أكتوبر الجاري -وبالتحديد في 1 أكتوبر- أعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، عن التوصل إلى اتفاق إطاري لبدء المفاوضات مع إسرائيل بشأن ترسيم الحدود البرية والبحرية، برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة، منتصف أكتوبر الجاري. وهو الاتفاق الذي كان للولايات المتحدة الأمريكية دورٌ حاسمٌ في التوصل إليه، عبر إجراء محادثات دبلوماسية بين الطرفين، استمرت أكثر من عامين، وشملت ثماني جولات، وتأمُل الإدارة الأمريكية -حسب تصريحات وزير الخارجية مايك بومبيو- أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق في غضون ستة أشهر، ستقوم خلالها شركات من الجانبين بإجراء مسح زلزالي في المنطقة المتنازع عليها[1].   أولًا: الدوافع اللبنانية والإسرائيلية والأمريكية من خلف هذا الاتفاق: يمكن الإشارة إلى مجموعة من الدوافع التي تقف خلف توجه الطرفين (إسرائيل ولبنان) لترسيم الحدود بينهما، حيث تطمح لبنان -في حال نجاح المفاوضات- إلى البدء في الاستثمار في البلوكين 8 و9؛ حيث توقع نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، أن يُسهِم الغاز المستخرج في تسديد ديون لبنان المتراكمة. أما بالنسبة لإسرائيل، فالهدف الإستراتيجي لها من الاتفاق يتمثل في الحد من مخاطر النشاطات العسكرية من قبل حزب الله ضد منصات الغاز الإسرائيلية القريبة من الحدود اللبنانية. وبالنسبة لحزب الله، فرغم أن الموافقة على التفاوض صدرت باسم لبنان الدولة، إلا أنه ليس سرًّا أن لبنان محكومٌ من قِبَل “حزب الله”، الذي وافق على ترسيم الحدود في الوقت الحالي لجُملة من الأسباب، أهمها الآتي: – الوضع الاقتصادي اللبناني المتأزِّم، والنقد الذي يتعرض له “حزب الله” من كافة المكونات اللبنانية، وتحميله المسؤولية الكبرى عن تردي الأوضاع الاقتصادية. – ضغط حلفاء “حزب الله”، وخاصة “حركة أمل” و”التيار الوطني الحر”، على الحزب، بعد أن باتوا في مرمى العقوبات الأمريكية؛ فالذهاب إلى التفاوض مع إسرائيل ربما يدفع الإدارة الأمريكية إلى إلغاء قوائم العقوبات التي باتت جاهزة بحق الكثير من الشخصيات التي تتعامل مع “حزب الله”. – يمثل الاتفاق رسالة من “حزب الله” إلى اللبنانيين، بأنه يُضحِّي من أجل مصالحهم الاقتصادية، وأنه في الأصل انتظر كل هذه المدّة من أجل الحفاظ على مصلحة لبنان واللبنانيين، عبر إصراره على تحسين شروط التفاوض. – الانحياز للمبادرة الأمريكية على حساب الفرنسية؛ لأنه من الأفضل لإيران و”حزب الله” إذا أرادوا تقديم تنازلات، فلتكن من البوابة الأمريكية ذات التأثير الأكبر في المنطقة. بالإضافة إلى حسابات إيران والحزب من أن الموافقة على التفاوض مع إسرائيل ستخفِّف من حجم هجوم واشنطن العقابي عليهما[2]. أما بالنسبة للدوافع الأمريكية من خلف لعب دور الوساطة بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية والبرية، يمكن الإشارة إلى مجموعة من الدوافع، على رأسها: ١- استمرار سياسة ترامب في حل النزاعات المعلقة: حيث تأتي الخطوة ضمن إستراتيجية الإدارة الأمريكية في دمج إسرائيل في المنطقة، ونزع فتائل التوتر الممكنة حول محيط إسرائيل على حدودها البرية أو البحرية. وهو ما يسمح بتعزيز رصيد “ترامب” سياسيًّا في الداخل الأمريكي قبل انتخابات نوفمبر 2020. ٢- دفع عجلة الاقتصاد وتحقيق المنفعة: فقد نجح عملاق النفط شركة “شيفرون” الأمريكية في شراء شركة “نوبل إنرجي” Noble Energy صاحبة الامتيازات في الحقول الإسرائيلية، ويبدو أن الصفقة جزء من تحرك أكبر للشركة لأعمال التنقيب في مناطق مختلفة من منطقة شرق المتوسط والشرق الأوسط عامة.  وقد تأمل “شيفرون” في لعب دور “المجمع” في شرق البحر الأبيض المتوسط؛ حيث تجمع الغاز من عدة حقول في عدة بلدان مختلفة للقيام باستثمارات رأسمالية كبيرة ومجدية اقتصاديًّا. ٣- مواجهة المساعي الفرنسية للتدخل في لبنان: تحاول فرنسا مؤخرًا لعب دور بارز في لبنان، وفي المشرق العربي بصفة عامة؛ في محاولة منها لاستعادة دور شرق أوسطي ومتوسطي نافذ. لكن يبدو أن هذا الدور يحتوي على سياسة احتوائية، قد تجمع أطرافًا سياسية غير مرغوب بها من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، وهو ما ظهر بشكل خاص في تصريح الرئيس الفرنسي “ماكرون” حول رؤيته لحزب الله بأنه فصيل سياسي لبناني لا يمكن إقصاؤه. في حين تسعى الولايات المتحدة لممارسة الضغط الأقصى على حزب الله. كما يبدو في البيانات الرسمية الصادرة عن شركة “توتال” Total S.A الفرنسية رغبتها في توسيع أنشطتها في التنقيب، ومن ثم الإنتاج في الحقول اللبنانية (مايو 2018)، كما ظهر في تصريحات مسؤولين لبنانيين أن “توتال” ستستأنف نشاطها في لبنان فور توقيع الاتفاق[3]. وبالتالي فاستحواذ شركة توتال الفرنسية على حقول الغاز اللبنانية سيؤثر بالسلب على الخطط الاقتصادية لشركة شيفرون الأمريكية، كما هو موضح أعلاه.   ثانيًا: التداعيات الناتجة عن هذا الاتفاق على المستوى الإقليمي: يمكن الإشارة إلى مجموعة من التداعيات التي ستنتج عن هذا الاتفاق على المستوى الإقليمي، منها: – دخول لبنان إلى حظيرة الدول المطبعة مع إسرائيل، فقبول المفاوضات بصورة مباشرة مع إسرائيل يعني الاعتراف الرسمي اللبناني بدولة إسرائيل، كما أن الاعتراف بالحدود الإسرائيلية هو اعتراف بوجود دولة إسرائيل. وقد ظهر ذلك بشكل جلي في استخدام نبيه بري (رئيس البرلمان) في إعلانه، لفظ إسرائيل، ولم يستخدم لفظ الاحتلال أو الكيان الصهيوني. والأهم من ذلك، أن الإعلان عن ترسيم الحدود يأتي بالتزامن مع تسارع عمليات التطبيع العربي مع إسرائيل، التي بدأت بالإمارات ثم البحرين، والحديث عن دول أخرى، على رأسها السعودية والسودان، وهناك أيضًا تقارير إعلامية عن وجود مفاوضات سرية لتطبيع سوريا مع إسرائيل. وربما تستغل الدول الخليجية -بضغط من الولايات المتحدة- الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها لبنان؛ لدفعها نحو التطبيع، عبر ربط المساعدات المالية والاقتصادية التي ستقدمها هذه الدول بدخول لبنان إلى حظيرة التطبيع مع إسرائيل[4]. – تراجع محور الممانعة، وقد ظهر ذلك -كما أشرنا سابقًا- في استخدام رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، المحسوب على هذا المحور، لغةً جديدةً مخالفة للنبرة الأيديولوجية التي يتبناها هذا المحور، فقد تحدث في بيانه عن إسرائيل، وليس “الكيان الصهيوني” أو “الاحتلال”، كما جرت العادة، وهذا تغير إستراتيجي وأيديولوجي كبير؛ إذ إنه يُضمِر بداخله اعترافًا بإسرائيل. ولم يقتصر حديث بري على هذا التطور، بل انطوى على لغة جديدة، تحدثت عن “المصالح المشتركة” و”تنمية الموارد” و”شعوب المنطقة”، وهي مصطلحات طالما اتهم الحلف الممانع من يتحدث بها على أنها مجرد شعارات لتغطية عملية التطبيع مع إسرائيل!. كما أن الاتفاق سيؤدي إلى تجميد…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022