الصومال: أزمة جديدة حول تنازع السلطات

الصومال: أزمة جديدة حول تنازع السلطات

    دخلت الأزمة السياسية المستفحلة في الصومال مرحلة جديدة بعدما أعلن الرئيس محمد عبد الله فرماجو أنه قام بتعليق صلاحيات رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، بينما رفض رئيس الحكومة روبلي قرار الرئيس فرماجو، ووصفه بـ”الباطل وغير القانوني والمخالف لدستور البلاد”. والصراع بين الرئيس الصومالي فرماجو ورئيس وزرائه روبلي تصاعد بصورة دراماتيكية في الأشهر الأخيرة، وفي هذا الإطار شهد الداخل الصومالي تصاعد حدَّة التوتر بين الرئيس محمد عبد الله فرماجو (المنتهية ولايته) ورئيس الوزراء حسين روبلي، وهو ما قد يؤدي إلى انزلاق البلاد لبؤرة الصراعات المسلحة مرة أخرى، خاصةً وأن الأزمة الحالية نشبت بين عناصر السلطة الحاكمة في مقديشيو. فما هي جذور الأزمة؟ وكيف تطورت؟ وماذا كانت المواقف الدولية منها؟ وما التداعيات السياسية لها ومدى خطورتها؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها.. جذور الأزمة: مشكلة الدستور المؤقت هي العقبة الرئيسية في أن تبقى البلاد في دوامة أزمة تضارب الصلاحيات، مما يعطل العجلة الاقتصاد والسياسية والأمنية في البلاد منذ 2012. وبعد المصادقة على الدستور المؤقت 2012 من قِبل المجلس الوطني العمومي (ممثل لجميع شرائح المجتمع) يتولى البرلمان التاسع مسؤولية مراجعة الدستور والفصل بين السلطات لكنه لم ينجح وتم نقل المسؤولية إلى البرلمان العاشر الحالي ولم ينجح أيضًا في استكماله، ما أدى إلى استمرار الخلافات بين السلطات التنفيذية والتشريعية في البلاد دون فيصل. ومهمة استكمال الدستور المؤقت في البلاد انتقلت بعد انتهاء مدة البرلمان الحالي إلى البرلمان الحادي العاشر، وهو ما لا يُتوقع استكماله في ظل سعي قادة البلاد إلى تحقيق مصالح ضيقة، حسب البرلماني السابق. وترجع أسباب عدم استكمال الدستور المؤقت في البلاد إلى عدم التوافق بين الكتل البرلمانية، وهي العقبة الرئيسية أمام استكمال الدستور المؤقت، لأن هناك مصالح ضيقة بالنسبة للولايات الفيدرالية والجهة الحاكمة، إلى جانب المجتمع الدولي الذي يرى في ملف الدستور مشروعًا مربحًا، الأمر الذي يشكل تحديًا أمام توصل البرلمان إلى اتفاق شامل على استكمال الدستور ما يعني إطالة الأزمة السياسية في البلاد. أما فيما يخص المحكمة الدستورية، فهي الفيصل حول مدى دستورية القوانين والمراسيم الصادرة عن السلطة التشريعية والتنفيذية والنزاعات بين الحكومة والولايات الفيدرالية المحلية، وغير ذلك من الأمور الشائكة والمعقدة في بنود وتفاصيل الدستور والقوانين. وغياب المحكمة الدستورية من شأنه أن يساهم في استمرار الخلافات الدستورية، وكل المحاولات في تشكيل تلك المحكمة في البلاد باءت بالفشل نتيجة عدم مصادقة البرلمان عليها لأسباب تخضع لمصالح جهات معينة.[1] وكان الرئيس الصومالي قد عمد إلى تمديد فترة ولايته لعامين إضافيين بعدما انتهت رسميًّا في فبراير الماضي، وذلك لتخوُّفه من خسارته في الانتخابات الرئاسية في ظل التراجع الحاد في شعبيته، وهو ما تمخَّض عنه تصاعد في حدة الصراعات الداخلية حتى باتت البلاد على شفا الانجراف إلى حرب أهلية واسعة؛ حيث شهدت شوارع مقديشيو بوادر مواجهات مسلحة بين المواليين للرئيس والمعارضة السياسية، فضلًا عما شهدته البلاد وقتها من بعض الانشقاقات والتصدعات داخل مؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش والشرطة، إلا أن الضغوطات الخارجية والداخلية القوية التي تعرَّض لها فرماجو جعلته يتراجع عن قراره بتمديد فترة ولايته، كما تم تكليف رئيس الوزراء حسين روبلي بتولي مهام التحضير للانتخابات البرلمانية والرئاسية، كما اضطر فرماجو للتنازل عن مهام الأمن لرئيس الوزراء للعمل على حلحلة الصراعات الداخلية والانشقاقات التي شهدتها بعض المؤسسات، وتجنُّب الدخول في مواجهات مسلحة. قضية تهليل تُفجِّر الأزمة: تُعد القضية التي ضاعفت الصراع بين الرئيس ورئيس وزرائه، هي قضية اختفاء موظفة شابة في جهاز الاستخبارات الصومالي تُدعى إكرام تهليل (25 عامًا)، إذ نشرت وسائل إعلام حكومية على مواقعها في مطلع سبتمبر، خبرًا مفاده أن حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة اختطفت الضابطة المختفية منذ يونيو وقتلتها، وهي رواية لم تقنع أهل المجني عليها وقطاعًا عريضًا من الشعب الصومالي. زادت الشكوك حينما قامت حركة الشباب بتبرئة ساحتها، فنشرت بيانًا في اليوم التالي لاتِّهام الحكومة، تنفي فيه تورُّطها في اختفاء إكرام، إذ قالت: “لا نعلم شيئًا عن مقتل إكرام تهليل الموظفة في جهاز المخابرات والأمن الوطني، وقد صدمنا بإلصاق جهاز مخابرات حكومة الردة (الفيدرالية)، جريمة قتلها بنا كما صُدم بذلك الشعب الصومالي أيضًا”. بعد صدور ذلك البيان، حدثت اضطرابات أمنية في مدينة بلدوين أدت إلى اختطاف فتية تربطهم قرابة برئيس جهاز المخابرات، فهد ياسين، في خطوةٍ بدت وكأنها ثأر قَبَلي بين أبناء عشيرة إكرام تهليل وعشيرة رئيس جهاز المخابرات، وهو ما استنكرته القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي ألمحت إلى أن هذه الخطوة قد تحرف القضية عن مسارها الصحيح. ومع تصاعد التطورات، حدد رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، في وقت متأخر من مساء 4 سبتمبر، لرئيس جهاز المخابرات والأمن الوطني مهلة 48 ساعة ليقدِّم خلالها تقريرًا وافيًا ومقنعًا حول هذه القضية. وفي 5 سبتمبر، بعث رئيس جهاز المخابرات فهد ياسين برقيةً إلى رئيس الوزراء يطالبه فيها بانعقاد اجتماع مجلس الأمن القومي، ليوافيه بحقيقة قضية إكرام تهليل. لكن روبلي قرَّر إقالة فهد ياسين رئيس جهاز المخابرات، وعين بدلًا عنه الجنرال بشير غوبي كرئيس مؤقت للجهاز، فكانت هذه الخطوة السبب المباشر لتصاعُد وتيرة الخلافات بين روبلي وفرماجو.[2] تصاعد الأزمة: أثار قرار رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي، توقيف رئيس الاستخبارات فهد ياسين حاج عن العمل وتعيين بشير محمد جامع خلفًا له جدلًا دستوريًا حول صلاحيته في هذا الأمر والبنود الدستورية الذي استند إليها. وما يشير إلى عمق تلك الأزمة، المرسوم الرئاسي الذي صدر، وقرَّر فيه الرئيس محمد عبد الله فرماجو قبول الاستقالة التي قدمها فهد ياسين حاج، وعيَّن مكانه ياسين عبد الله محمد مدير مخابرات إقليم بنادر (بالعاصمة مقديشو) بشكل مؤقت وفق الدستور المؤقت في البلاد. والأزمة الحالية بين روبلي ورئيس البلاد حول صلاحية توقيف أو إقالة رئيس المخابرات، تأتي ضمن تضارب الصلاحيات بين السلطة التنفيذية والرئاسية حيث يعطي الدستور المؤقت كلاهما جزءًا من صلاحية إقالة وتعيين كبار مسؤولي الدولة وهو ما يعمِّق أزمات البلاد السياسية والأمنية والاقتصادية. ومؤخرًا علَّق الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو الخميس 16 سبتمبر صلاحيات رئيس الحكومة محمد حسين روبلي في ما يخص عزل أو تعيين أي مسؤول، حتى استكمال الانتخابات المقررة شهر أكتوبر الجاري. واتهم بيان للرئاسة الصومالية روبلي بخرق القانون، وإصدار قرارات بالاعتداء على حقوق القوات المسلحة. ودعا فرماجو الوزراء لأداء مهامهم الدستورية، كما أوصى لجان الانتخابات الفدرالية بالإسراع في استكمال انتخابات المجالس التشريعية والرئاسية.[3] في المقابل، أعلن رئيس الحكومة الصومالية روبلي رفضه لهذا القرار، والذي وصفه بـ”الباطل وغير القانوني والمخالف للدستور المؤقت”، وعمد إلى تفنيد مواد الدستور الصومالي المؤقت التي تعزِّز موقفه؛ حيث أشار إلى أن الدستور لا يمنح الرئيس حق التدخل في الصلاحيات الدستورية لرئيس الوزراء وحكومته، متَّهمًا فرماجو بالاستعانة ببعض الأجهزة الأمنية في محاولة لإفشال الانتخابات والاتفاق الذي تم التوصل إليه في 27 مايو الماضي،…

تابع القراءة
قراءة في خبر: مصر تعجز عن سداد الوديعة السعودية

قراءة في خبر: مصر تعجز عن سداد الوديعة السعودية

يقدم الشارع السياسي لمشاهديه فقرة (قراءة في خبر) للوصول إلى دلالات وتداعيات أهم الأخبار المطروحة في المنصات الإعلامية. الخبر: أودعت المملكة العربية السعودية 3 مليارات دولار في البنك المركزي المصري مؤخراً، كما مددت أجل الودائع الحالية البالغة قيمتها 2.3 مليار دولار. قراءة: الوديعة السعودي الأخير هي تمديد لوديعة مستحقة بقيمة 5.3 مليارات دولار من 8.5 مليار دولار تمثل إجمالي الودائع السعودية في البنك المركزي المصري. تستحوذ السعودية على النصيب الأكبر من الودائع العربية (الإمارات، الكويت)، وتأتي الإمارات في المرتبة الثانية بنحو 5.7 مليار دولار، وأخيرا الكويت 4 مليارات دولار. آخر وديعة تلقتها مصر في أيار/ مايو 2017 كانت من السعودية بقيمة مليار دولار، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري، ومنذ ذلك التاريخ اضطرت الحكومة المصرية إلى مد آجال الودائع التي لديها والتي تقدر بنحو 18 مليار دولار، وتشكل نحو 45 بالمئة من الاحتياطي النقدي، والذي يبلغ 40.825 مليار دولار، حسب البنك المركزي المصري في سبتمبر الماضي 2021م. الإعلان عن الوديعة كان من طرف واحد وهو وزارة المالية السعودية، في حين لم يكن هناك أي تصريح من الجانب المصري حول تفاصيل الخبر. بيان وزارة المالية السعودية لم يذكر آي تفاصيل حول شروط وبنود الوديعة أو فوائدها، خاصة وأن مصر ومنذ 2018 طلبت مدّ آجال استحقاق الودائع الخليجية وحولتها من ودائع بمعدل فائدة صفر إلى معدل 3.5%. الدلالات: قررت يورو كلير Euroclear تأجل عمل مقاصة لبيع ديون مصر الداخلية في البرصة الدولية، والذي كان من المفترض طرحها في 19 نوفمبر2021 حسب الموعد المتفق عليه من وقت توقيع الاتفاق في ابريل 2019، ولذلك فمن المتوقع أن مصر قد اضطرت إلى التوجه مرة أخرى إلى سوق الودائع الخليجية. الودائع الخليجية من الدول الثلاث (السعودية والكويت والإمارات) والتي تشكل نحو 45 بالمئة من الاحتياطي النقدي المصري، والذي يبلغ 40.825 مليار دولار، حسب البنك المركزي المصري في سبتمبر الماضي 2021م، تمثل تهديد لسيادة الدولة المصرية واتخاذ القرار بها. تدلل الوديعة الأخيرة التي أودعتها السعودية بمقدار 3 مليارات دولار في البنك المركزي المصري، على وجود أزمة اقتصادية يواجها النظام المصري، واعتبر خبراء اقتصاد أن استمرار طلب مصر مد آجال استحقاق الودائع الخليجية يعكس عدم تعافي الاقتصاد المصري من أزمته المالية من ناحية وعدم قدرته على سداد الودائع في موعدها، وتحويلها من ودائع بصفر فائدة إلى ودائع بفائدة تجنبا للوقوع في أزمة عدم القدرة على ردها.    

تابع القراءة
التجربة المصرية مع صندوق النقد بين عولمة الفقر والغزو بالتمويل

التجربة المصرية مع صندوق النقد بين عولمة الفقر والغزو بالتمويل

  على عكس كل تقديرات الموقف التي يتبناها النظام العسكري في مصر والتي ترى في الإسلاميين ونشطاء الثورة ووسائل إعلام مناوئة للنظام ومنظمات مجتمع مدني وبعض القيادات العسكرية المناوئة للسيسي تهديدا للنظام، ذهب تقدير موقف أعدته صحيفة Haaretz الإسرائيلية في أغسطس 2019م إلى أن «صندوق النقد الدولي» يمثل أكبر تهديد لنظام الجنرال عبد الفتاح السيسي. وراحت الصحيفة تشرح ذلك حيث اعترفت في البداية بهوس السيسي بالتهديدات المحتملة لنظامه وضمان بقائه واستمراره؛ لذلك لاحق الإسلاميين وحظر جماعة الإخوان المسلمين، ويخشى على وجه الخصوص جيل الألفية من الطبقة الوسطى وهو الجيل الذي أشعل فتيل ثورة 25 يناير2011م، كما أحكمت أجهزته الأمنية قبضتها على وسائل الإعلام والإنترنت والمنظمات غير الحكومية. وتؤكد الصحيفة الإسرائيلية أنه حتى المصابين بجنون الارتياب قد يكون لهم أعداء، لكن في حالة السيسي يبدو أن هوسه أغفل  أكبر التهديدات على الإطلاق وهم جماعة التكنوقراطيين معسولو اللسان في صندوق النقد الدلي.[[1]] وتشير الصحيفة إلى مفارقة عجيبة، فإن الصندوق على عكس ـ الإخوان ونشطاء والثورة والمنظمات الحقوقية ـ  لا يريد إسقاط نظام السيسي، بل إنه مد له يد العون قبل سنوات عندما وجد النظام نفسه في ورطه وأقرضه 12 مليار دولار(اقترض السيسي نحو 8 مليارات أخرى من الصندوق لاحقا). لكن شروط الصندوق كانت قاسية تضمنت تحرير أسعار الصرف وتخفيض دعم الوقود والغذاء وخصخصة الشركات وفرض ضرائب جديدة. وقد لبَّى السيسي معظم ما طُلِب منه في عملية مؤلمة. لكن المشكلة في مصر ـ بحسب الصحيفة العبرية ــ هي أن بعد مضيِّ ما يقرب من ثلاث سنوات، لم يتحقَّق حتى الآن النصف الثاني من قصة النجاحين فتزايدت معدلات الفقر، لكن المؤلم أكثر أن النمو الذي تلا الاتفاق مع صندوق النقد لم تنعكس آثاره على  المواطنين، لكن الانتعاش الاقتصادي كان لصفوة الـ1% من المصريين أكثر من أي أحدٍ آخر. لينتهي تقدير الموقف إلى أن المشاكل الاقتصادية في مصر تبدو أعمق من تحسين أوضاع مصادرها التمويلية. ويحذر من التداعيات المحتملة على المشهد المصري جراء الشروط القاسية التي وضعها صندوق النقد، فما زال الاقتصاد خاضعاً لرقابةٍ مشددةٍ، ويتفشَّى فيه الفساد، وصارت إمبراطورية أعمال الجيش أكبر وأكثر تحصيناً من أي وقتٍ مضى. ويصل التحذير منتهاه بالخوف من اندلاع ثورة جديدة يكون سببها الشروط القاسية التي وضعها صندوق النقد ولبَّاها السيسي على الفور دون خوف من العواقب المحتملة. اللافت أن موقع “ميدل إيست آي” البريطاني يذهب إلى نفس ما توصل إليه تقدير الموقف لصحيفة “هآرتس” محذرا من اندلاع انفجار وشيك جراء الإجراءات العنيفة التي يتخذها نظام السيسي لتلبية الشروط القاسية للصندوق، وينتهي إلى أن المعادلة القائمة في الحالة المصرية والتي تضم دكتاتورا (السيسي) ذا سجل حافل  بإنفاق مليارات لا تحصى على مشروعات لتمجيد نفسه وكيان اقتصادي غربي ضخم (الصندوق) تتمثل حلوله في “حجم واحد يقلص كل الاقتصاد” سيشقان طريقاً مختصراً لانفجار جديد.[[2]] انتقادات لسياسات الصندوق لكن الصندوق الذي أنشيء في يوليو 1944 قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بشهور ــ  يواجه باستمرار انتقادات حادة لسياساته التي تهمين عليها الولايات المتحدة الأمريكية، ويحذر عالم الاقتصاد الكندي ميشيل تشوسودوفيسكي مؤكدا أن “برنامج صندوق النقد الدولي قد يترك البلد في بعض الأحيان فقيراً كما كانَ من قبل، لكن مع مديونية أكبر وصفوة حاكمة أكثر ثراء”. وقد توصل الاقتصادي الأمريكي جوزيف ستيغليتز الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد وكبير الاقتصاديين في البنك الدولي وأحد أهم مساعدي الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون إلى أن “القروض التي يقدمها الصندوق إلى الدول تكون ضارة في حالات كثيرة خاصة التي توجه إلى الدول النامية ودول العالم الثالث. لكن أبرز الانتقادات الموجهة  للصندوق تتركز على سطوة الولايات المتحدة الأمريكية  وتحكمها وقدرتها على إعطاء القرض من عدمه لأي دولة، حيث إنها الدولة الوحيدة التي تمتلك حق الفيتو من بين الدول الأعضاء. حيث تبلغ حصتها 17.6% من إجمالي الحصص، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلك حق تعطيل قرارات صندوق النقد الدولي أو حق الفيتو. ورغم أنّ صندوق النقد الدولي التابع للأمم المتحدة، دوره دعم الاقتصاد العالمي، والمعاملات التجارية بين البلاد المختلفة، فإنّه عادة ما يتم اتهامه بكونه أحد أدوات الشركات العالمية لبناء إمبراطورية تسيطر على اقتصاد العالم، وتهزم الدول، “ونهب وتدمير اقتصاد الدول النامية”، وفقاً لـ “جون بيركنز”، مؤلف كتاب “اعترافات قاتل اقتصادي” الذي ترجم إلى 30 لغة بما فيها اللغة العربية التي صدر فيها تحت عنوان: “الاغتيال الاقتصادي للأمم”. لكن التصريح الأكثر وضوحا هو لرئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد عندما سئل عن أسباب نهضة ماليزيا على يديه، فأجاب بقوله: “خالفت توصيات صندوق النقد الدولي، وفعلت عكس ما طلبه من إجراءات”.[[3]] عولمة الفقر ولكي ندرك أبعاد الدور الذي يقوم به صندوق النقد ومؤسسات التمويل الدولية الأخرى كالبنك الدولي، فإن ذلك يتطلب العودة إلى جذور نشأة هذه المؤسسات في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ومعرفة الفلسفة التي تأسست عليها هذه المؤسسات التي تتحكم فيها القوى العالمية التي خرجت من الحرب منتصرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. فالصندوق الذي وقَّع على تأسيسه 29 دولة في يوليو 1944 قبل نهاية الحرب العالمية بشهور قليلة، تقوم فلسفته على خمسة محاور؛ تبدأ بتحرير سعر الصرف، ورفع الدعم تدريجيًا عن المحروقات والطاقة، ثم تقليص الجهاز الإداري للدولة، وتاليًا سد عجز موازنة الدولة عبر فرض الضرائب والرسوم الباهظة، وأخيرًا التخلي عن شركات القطاع العام والاعتماد على آليات الخصخصة، وهو ما يحدث حاليًا في مصر منذ سنة 1995م. وفي سنة 1997 دق المفكر والباحث الاقتصادي ميشيل تشوسودوفيسكي، نواقيس الخطر محذرا  في كتابه الشهير «عولمة الفقر»[[4]] من قواعد لعبة الفقر التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على شعوب العالم بأدوات مؤسسات التمويل الدولية. وكان تشودوفيسكي يعمل أستاذاً للاقتصاد بجامعة أوتاوا بكندا، وله العديد من المؤلفات التي تعالج معضلة العولمة، منها “حرب أميركا على الإرهاب”، و”عولمة الحرب: حرب أميركا الطويلة ضد البشرية” ومؤلفاتٍ أخرى مهمة ، إلا أن كتابه “عولمة الفقر” كان له صدى كبير وواسع بين أوساط المهتمين بالشأن الاقتصادي في العالم كله. وصدرت ترجمة الكتاب العربية سنة 2012م، حيث يتكون من 5  أجزاء، تدور حول طبيعة  المؤسسات المالية العالمية ودورها وسيطرتها على الاقتصاد الدولي، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكيف لعبت سياساتها الاقتصادية دوراً خطيراً في جعل اقتصاديات الدول تتبع سياسات «تخريبية» تحت لافتة «السياسات الإصلاحية»، لكنها في الحقيقة سياسات تقود إلى تدمير الاقتصاد في تلك الدول. يقدم الكتاب تأصيلاً تاريخياً ومعرفياً لسيطرة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي، من خلال سياسة التقويض الكلي للاقتصاد، عن طريق ما عُرف باسم التكييف الهيكلي، وهي سياسة (إصلاحية!) يفرضها صندوق النقد الدولي على كل الدول التي ترغب في الاقتراض من الصندوق، وتقوم على إحداث تغيير جذري في منهجية الدولة السياسية والاقتصادية، مما يضمن عدم تدخل الدولة في حركة السوق، حتى يتحول…

تابع القراءة
شرعنة صلاة اليهود فى المسجد الأقصى: قراءة فى الدوافع وردود الأفعال

شرعنة صلاة اليهود فى المسجد الأقصى: قراءة فى الدوافع وردود الأفعال

  في قرار غير مسبوق، قضت قاضية محكمة الصلح الإسرائيلية في القدس، بيهلا يهالوم، فى أكتوبر 2021، بتشريع صلاة اليهود في المسجد الأقصى، معتبرة أن “الصلاة الصامتة في الحرم القدسي (المسجد الأقصى) لا يمكن تفسيرها على أنها عمل إجرامي”. وبعد ساعات قليلة من إصدار هذا الحكم اقتحم عشرات المستوطنين ساحات المسجد الأقصى، وأدوا صلوات فردية صامتة، بحماية مشددة من قوات الاحتلال الإسرائيلي. وقد سبق هذا الحكم عشرات الانتهاكات اليومية التي يقوم بها المستوطنون في الأقصى، لعل أبرزها وأخطرها دلالة رفع العلم الإسرائيلي عدة مرات داخل ساحاته[1]. وعليه تسعى هذه الورقة إلى محاولة الوقوف على أهم الدوافع الإسرائيلية من خلف هذا القرار، وما نتج عنه من ردود أفعال من جانب كل من السلطة الفلسطينية، وحركة حماس، وجامعة الدول العربية. أولًا: لماذا أقدمت إسرائيل على هذا القرار؟: يعتبر هذا القرار جزء من الخطوات الإسرائيلية التصعيدية فى الضفة الغربية والتي ظهرت مؤخرًا، ولعل أبرزها؛ قيام محكمة الاحتلال الإسرائيلي العليا، فى 4 أكتوبر 2021، بتقديم مقترح جديد بشأن تسوية قضية إخلاء أهالي حي الشيخ جراح من منازلهم لصالح المستوطنين. ويشير هذا المقترح إلى اعتبار الأهالي مستأجرين محميين لمدة 15 عاماً، مع ضمان حقهم بالملكية بحال إثبات ذلك. حيث تقيم 27 عائلة فلسطينية في منازلها المهددة بالمصادرة في حي الشيخ جراح، منذ عام 1956، بموجب اتفاق مع الحكومة الأردنية (التي كانت تحكم الضفة الغربية، بما فيها شرقي القدس، قبل احتلالها عام 1967)، ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وتدعي جماعات استيطانية إسرائيلية أن المنازل أقيمت على أرض كانت بملكية يهودية قبل عام 1948، وهو ما ينفيه الفلسطينيون. وقد نقلت هذه الجمعيات القضية إلى محاكم الاحتلال من أجل إثبات ملكية منازل عائلات الشيخ جراح للمستوطنين وإخلاء الأهالي من منازلهم، منذ العام 1970[2]. بجانب ذلك، فقد قام جيش الاحتلال الإسرائيلي، فى 26 سبتمبر 2021، بقتل خمسة شباب فلسطينيين، من بينهم أسير محرر (أسامة صبح)، خلال عملية اعتقال واسعة في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، إلى جانب إصابة واعتقال عدد آخر من الفلسطينيين. وكان الهجوم الإسرائيلي هو الأكثر دموية في الضفة الغربية المحتلة خلال الأسابيع الأخيرة التي تصاعد فيها التوتر عقب نجاح 6 أسرى فلسطينيين في الهروب من سجن جلبوع وانتزاعهم حريتهم لعدة أيام، وفي الأثناء؛ كثفت قوات الاحتلال من عمليات المداهمة والتفتيش[3]. كما يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى ضم محافظة سلفيت، التي تقام على أراضيها مستوطنة “أريئيل” والتي تعتبر من أكبر المستوطنات في الضفة الغربية، لـ”السيادة الإسرائيلية” ضمن مخطط يشمل الأغوار وعددا من المستوطنات المقامة الكبرى على أراضي الضفة، بما فيها القدس. وذلك عبر مخطط لإقامة مشروع استيطاني للصرف الصحي يربط بين المستوطنات المقامة في شمال الضفة، يمر من أراضي بلدة دير استيا، غربي سلفيت. ويأتي استهداف سلفيت بهذه الهجمة الاستيطانية نظراً لموقعها الاستراتيجي والمركزي على هضاب الضفة الغربية وجبالها، ولأنها تعتبر حلقة الوصل بين المناطق الساحلية من الجهة الغربية وغور الأردن من الجهة الشرقية[4]. وفى سياق متصل، فقد كشف رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني، نفتالي بينت، عن نية حكومته المصادقة على بناء مزيد من الوحدات السكنية في مستوطنات هضبة الجولان المحتلة. وقال بينت إن الجولان “يجب أن تبقى إسرائيلية” داعيا إلى زيادة عدد الوحدات السكنية وتطوير جميع القطاعات الخاصة بالبنى التحتية. يأتي ذلك بعد عرض وزارة الإسكان الصهيونية خطة تتضمن إقامة وتطوير 7000 وحدة استيطانية جديدة والبناء في 99 قطعة أرض فيما يعرف بمستوطنة ” ترامب “. جاء ذلك خلال مؤتمر للتنمية والاقتصاد عقد بالجولان بحضور نفتالي بينت مع وزراء الحكومة من أحزاب اليمين. وتعتبر هذه الخطة التي ستصادق عليها الحكومة خلال الأسابيع المقبلة واحدة من الخطط لزيادة عدد المستوطنين في الجولان فيما يعرف بخطة 2020 – 2026[5]. فيما قالت وزيرة الداخلية اييليت شاكيد إن وزارتها ستنشر قريبا خطة واسعة النطاق لإقامة تجمعات سكانية جديدة في النقب، كما تعهدت بإقامة تجمعيْن جديديْن في هضبة الجولان إلى جانب توسيع القرى الموجودة. وفي سياق نقاش أجرته لجنة المالية البرلمانية بشان ميزانية وزارة الداخلية، اضافت شاكيد أنه سيتم توظيف المزيد من الأموال للإدارة المدنية في الضفة لتسريع وتيرة تطوير التجمعات السكنية هناك[6]. وليأتي هذا القرار الذى أصدرته محكمة الصلح الإسرائيلية فى القدس بهدف شرعنة مرحلةٍ جديدة عنوانها أن مبدأ صلاة اليهود في الأقصى وأداء طقوسهم مسموح، وتمنع بذلك شرطة الاحتلال من مجرد إخراج أي مستوطن من المسجد الأقصى بسبب أدائه طقوساً دينيةً فيه. وهي تحاول حالياً أن تنقلنا إلى مرحلةٍ متقدمةٍ من التهويد تريد أن يكون عنوانها “هل الصلاة اليهودية في الأقصى ينبغي أن تكون صامتةً أم جهرية؟”، مما يعني في الحقيقة أن الجهاز القضائي في دولة الاحتلال يحاول تثبيت مبدأ صلاة اليهود في الأقصى بحدّ ذاته باعتباره حقّاً قانونيّاً لا يجوز لأحد الخوض فيه[7]. وتأتى تلك الخطوات التصعيدية فى الضفة الغربية تحت قيادة رئيس حكومة الاحتلال، نفتالي بينت، المعروف بأنه يميني، مستوطن، فكرًا ومواقف، فهو المؤمن بإسرائيل الكبرى التي تشمل فلسطين من النهر إلى البحر، ويعارض علنًا إقامة دولة فلسطينية، ويرفض عقد لقاء مع الرئيس محمود عباس، ولم يتطرق بأى نوع من الإشارة والحديث إلى الصراع مع الفلسطينيين، في خطابه أخيرًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة[8]. في الوقت ذاته، يمكن قراءة النفوذ الآخذ بالازدياد من قبل جموع المستوطنين اليهود، وما يمثلونه من ثقل سياسي وحزبي وديني، حتى لو كانوا خارج تركيبة الحكومة الحالية، لكنهم يملكون لوبي ضاغط داخل دولة الاحتلال، يتزايد مع مرور الوقت، وتجد الحكومة الحالية وأجهزة الشرطة والأمن والجيش صعوبة في كبح جماحها عن تنفيذ مخططاتها التهويدية التلمودية، بدليل أنها حاولت ذلك عقب هبة القدس، لكنها سرعان ما تراجعت عن هذا التوجه بسبب ما واجهته من ضغوط داخلية لم تقوى على التصدي لها[9]. كما يبدو أن هذه السياسات الإسرائيلية التي يتبعها بينت أصبحت جزء من المزاج الشعبي العام الإسرائيلي الذى أصبح يتحرك بصورة كبيرة نحو اليمين. فقد كشفت نتائج الاستطلاع الذي أجراه مركز “فيتربي” لدراسات الرأي العام والسياسة في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، والذى تم نشره فى 13 أكتوبر الجاري، أن 87% من الإسرائيليين يعتقدون أن فرص توقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين في السنوات الخمس المقبلة شبه معدومة ومنخفضة للغاية، في حين أتى السعي للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين في ذيل قائمة أولويات الشارع الإسرائيلي، حيث أيد ذلك 8.5% من المحسوبين على اليسار، و6% من مؤيدي الوسط، و1% من اليمين. ويكشف هذا الاستطلاع عن السياسات اليمنية المتبعة مؤخرًا من قبل المسئولين الإسرائيليين المتمثلة في رفضهم لأي مسار تفاوضي مع الفلسطينيين من جهة، وتفضيل الإجراءات الأحادية الجانب كتوسيع الاستيطان من جهة ثانية، وتأييد العمليات العدوانية كالحرب على غزة من جهة ثالثة[10]. ثانيًا: ردود الأفعال الفلسطينية والعربية على تلك الإجراءات: حماس: اعتبرت حركة حماس قرار المحكمة الإسرائيلية…

تابع القراءة
تصاعد عمليات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية.. بين الدوافع العربية والمكاسب الإسرائيلية

تصاعد عمليات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية.. بين الدوافع العربية والمكاسب الإسرائيلية

    بعد مرور عام على اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية (الإمارات- البحرين- السودان- المغرب) فى مطلع عام 2020، يبدو أن هناك موجة جديدة من التطبيع العربي مع إسرائيل قد تشمل دخول دول أخرى إلى حظيرة التطبيع مثل تونس والعراق والسعودية، بجانب ذلك فقد شهد هذا العام (2021) تحركات كثيفة للدول المطبعة من أجل تعميق العلاقات مع إسرائيل على المستوى السياسي والدبلوماسي والعسكري والاقتصادي. وهو ما سيتم توضيحه خلال السطور القادمة عبر تقسيم الورقة إلى ثلاثة محاور؛ يتناول المحور الأول مظاهر عمليات التطبيع المتزايدة بين إسرائيل والدول العربية، بينما يتناول المحور الثاني؛ دوافع الأنظمة العربية من خلف التطبيع مع إسرائيل، وأخيرًا، يتناول المحور الثالث؛ حجم المكاسب التي ستحصل عليها إسرائيل من خلف هذا التطبيع. أولًا: تزايد عمليات التطبيع العربي مع إسرائيل: شهدت الأيام القليلة الماضية تزايد فى حجم ومستوى التطبيع الإسرائيلي – العربي سواء من حيث تعميق العلاقة والترابط بين إسرائيل والدول المطبعة معها، أو من حيث ظهور مؤشرات لإمكانية انضمام دول عربية أخرى إلى مسار التطبيع، وهو ما يمكن توضيحه كما يلى: – الإمارات: قال وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي يائير لابيد، إنه اتفق مع نظرائه في الولايات المتحدة والإمارات والهند على إنشاء “منتدى دولي رباعي للتعاون الاقتصادي”. وجاء الاتفاق خلال لقاء عقده الوزراء الأربعة، فى 18 أكتوبر 2021، عبر اجتماع افتراضي، بحسب ما كتب لابيد على حسابه في “تويتر”. وأضاف: “ناقشنا إمكانيات البُنية التحتية المشتركة في مجالات النقل والتكنولوجيا والأمن البحري والاقتصاد والتجارة، وغيرها من المشاريع المشتركة”. ويأتى ذلك، بعد أسبوع من لقاء وزراء خارجية أمريكا والإمارات و”إسرائيل”، اتفقوا خلاله على تفعيل اتفاق التطبيع الموقع عام 2020 بين أبوظبي و” تل أبيب”. وعقب الاجتماع قال وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إنه سيزور “إسرائيل” قريباً تلبية لدعوة من لابيد. يذكر أن لابيد قد زار الإمارات في يونيو 2021، حيث افتتح سفارة لدولة الاحتلال في أبوظبي وقنصلية في دبي. وحالياً، تشارك دولة الاحتلال في معرض “إكسبو-2020″ الذي تستضيفه إمارة دبي، وهي أول مشاركة لـ”تل أبيب” في فعالية بمنطقة الخليج[1]. ومن المتوقع أيضًا أن يزور رئيس الكنيست، ميكي ليفي، معرض «إكسبو»؛ حيث سينضم إلى أكثر من اثني عشر عضواً من أعضاء الكنيست الذين زاروا الإمارات منذ إنشاء معرض “إكسبو- 2020”[2]. كما وجه ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد آل نهيان”، فى 19 أكتوبر 2021، دعوة لرئيس الحكومة الإسرائيلي “نفتالي بينيت”، لزيارة الإمارات، وذلك للمرة الأولى منذ تطبيع العلاقات بين البلدين، وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، إن “بينيت” استقبل سفير الإمارات لدى تل أبيب “محمد آل خاجة”، الذي سلمه رسالة من “بن زايد”، تتضمن دعوة رسمية لزيارة الإمارات[3]. ومن جانب آخر، فقد كشف السفير الإسرائيلي لدى دولة الامارات، أمير حايك، فى 18 أكتوبر 2021، خلال مؤتمر beyond business الذي ينظمه بنك “هبوعليم” الإسرائيلي في أبو ظبي، بالاشتراك مع معهد التصدير، أن يتم توقيع اتفاقية تجارة حرة بين إسرائيل ودولة الإمارات في وقت قريب. وتتيح اتفاقية التجارة الحرة للبلدين التجارة بين بعضهما بدون رسوم جمركية، وبالتالي زيادة حجم التجارة في كلا الاتجاهين. وقبل إعلان حايك، انطلق بنفس الحدث بوقت سابق، فى 17 أكتوبر، “منتدى الأعمال إسرائيل-أبو ظبي” خلال المؤتمر المشترك الذي نظمه بنك “هبوعليم” مع معهد التصدير، وعقد المنتدى بالتعاون مع وزارة الخارجية الإماراتية ووزارة السياحة الإماراتية، اتحاد غرف التجارة الإماراتية ومكتب الاستثمارات أبو ظبي ADIO[4]. كذلك فمن المقرر أن توقع إسرائيل والإمارات اتفاقية بشأن التعاون في مجال الفضاء، فى 20 أكتوبر، بحسب ما ذكر موقع “واينت” الإخباري. ووفقًا للتقرير، ستغطي الاتفاقية العديد من المشاريع الفضائية بما في ذلك التعاون في مهمة “إسرائيل “بيريشيت 2” إلى القمر، والتي من المقرر إطلاقها حاليا في عام 2024[5]. – السعودية: قال قنصل إسرائيل في دبي، إيلان شتولمان، فى 20 أكتوبر 2021، في حديث مع صحيفة “غلوبس” العبرية، إن هناك تسارعا في الاتصالات مع عدة دول عربية في المدة الأخيرة، تتمةً لاتفاقات التطبيع وعلى رأسها السعودية، وأن هناك اتصالات هادئة من وراء الكواليس، لكن ليس من الضروري أن تؤدي إلى اتفاقيات تطبيع كاملة مثل الاتفاقيات المنعقدة مع الإمارات والبحرين. وبحسب التقرير، فإن إسرائيل تواجه مصاعب في تطبيع علاقات كاملة مع السعودية. ويشير القنصل الإسرائيلي إلى أن الحل الذي يبدو في الأفق، يكمن في اتفاقيات بدرجات منخفضة أكثر، تؤدي إلى فتح ممثليات اقتصادية كما كان في الماضي، علاوة على النية لإبرام اتفاقيات اقتصادية في مجالات محددة. وتستذكر صحيفة “غلوبس” أن السعودية سمحت بالفعل بمرور الطائرات الإسرائيلية في مجالها الجوي، وتقول إن توقيت الخطوات المشار إليها أعلاه ليس واضحا. لكن بحسب مصدر مطلع قال للصحيفة إن الأمريكيين يضغطون على الدول التي يدور الحديث عنها، لمساعدة حكومة بينيت- لابيد، وإحدى هذه الإمكانيات أن الأمر سيتم مقابل تنازل إسرائيلي، لربما يكون الموافقة على استئناف فتح القنصلية الأمريكية في الشطر الشرقي من القدس المحتلة، التي تقدم خدمات للفلسطينيين. ونقلت الصحيفة العبرية عن مصدر اقتصادي مطّلع على العلاقات الاقتصادية لإسرائيل مع السعودية، قوله إن الاتفاقيات مع الإمارات وخصوصا مع البحرين أدت خلال الأشهر الأخيرة لإبرام عدة صفقات بأحجام لا بأس بها مع السعودية حيث تنفّذ هذه الصفقات عن طريق البحرين والإمارات. منوهة أن هناك أهمية اقتصادية كبيرة لفتح الأسواق السعودية للشركات الإسرائيلية، حيث يعيش في السعودية 33 مليون مواطن وهناك قدرات شرائية عالية[6]. وفى السياق ذاته، فقد ذكر موقع Axios الأمريكي، 20 أكتوبر 2021، أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لا يعترض على تطبيع العلاقات مع إسرائيل والانضمام إلى قائمة الدول العربية التي أقدمت على هذه الخطوة، لكنه في المقابل اشترط على أمريكا القيام بمجموعة “خطوات”، أبرزها تحسين العلاقات بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والرياض. فقد توترت العلاقة بين إدارة بايدن والسعوديين بسبب جريمة قتل جمال خاشقجي، والملف اليمنى، فضلاً عن سجل المملكة الحافل في مجال حقوق الإنسان. وعلى خلاف علاقة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، فإن بايدن رفض لقاء ولي العهد السعودي أو حتى مكالمته هاتفياً، مكتفياً بإجراء اتصال هاتفي مع الملك سلمان، كما أدان علانيةً جريمة اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، إضافة إلى اعتقال عدد من نشطاء حقوق الإنسان والمدافعات عن حقوق المرأة. ووصف تقرير الموقع الأمريكي نجاح التطبيع بين السعودية وإسرائيل، إن تم فعلاً، بـ”الإنجاز الكبير”، إذ إن انضمام أكبر طرفٍ إقليمي إلى ما يُعرف بـ”اتفاقيات أبراهام” للسلام مع إسرائيل، يمهد الطريق على الأرجح لدول عربية وإسلامية أخرى للسير على المنوال نفسه. جدير بالذكر هنا، أن السعودية قد دعمت قرار الإمارات توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، ومنحت البحرين الضوء الأخضر للانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام”، لدرجة أنها سهّلت توقيع الاتفاقيات بفتح مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية بين إسرائيل وتلك الدول الخليجية[7]. وفي يناير 2020،…

تابع القراءة
إلغاء حالة الطوارئ.. قراءة في الأبعاد السياسية والقانونية والاقتصادية

إلغاء حالة الطوارئ.. قراءة في الأبعاد السياسية والقانونية والاقتصادية

    يطرح توقيت وصياغة قرار الجنرال عبد الفتاح السيسي، بإلغاء حالة الطوارئ مساء الإثنين 25 أكتوبر 2021م كثيرا من التساؤلات؛ ذلك أن توقيت القرار جاء في وقت متآخر (حوالي الساعة 8.49 مساء)، بما يمكن أن يفهم منه أن القرار كان مفاجئا ولم يكن مرتبا له؛ لأن من عادة السيسي عند اتخاذ قرارات مثل هذه أن يعد لإخراجها جيدا وسط زفة إعلامية كبيرة، لكن تآخر التوقيت أضاع على الطبعات الأولى للصحف تناول القرار الأهم، كما أن برامج التوك شو على فضائيات السلطة لم تكن متأهبة لمثل هذه القرار المفاجئ. فإذا كان مرتبا للقرار فلماذا لم يتم الإعلان عنه منتصف النهار حتى يتسنى للصحف والفضائيات إعداد زفة إعلامية كبرى تليق بالحدث في نفس اليوم؟ ورغم ذلك أقامت الآلة الإعلامية للنظام زفة كبرى واعتبرت القرار أحد أهم إنجازات السيسي وانعكاسا لحالة الأمن والاستقرار في البلاد للدخول في مرحلة ما تسمى بالجمهورية الجديدة. يبرهن على ذلك أن نواب البرلمان كانوا يترقبون قرارا جديدا من السيسي بمد حالة الطوارئ  بعد انتهائها فعليا في الثانية عشرة من مساء السبت 23 أكتوبر 2021م.[[1]] من حيث الصياغة، جاء القرار المفاجئ في تدوينه قصيرة نشرها السيسي على حساباته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قائلاً: “يسعدني أن نتشارك معاً تلك اللحظة التي طالما سعينا لها بالكفاح والعمل الجاد، فقد باتت مصر بفضل شعبها العظيم ورجالها الأوفياء واحة للأمن والاستقرار في المنطقة، ومن هنا، فقد قررت، ولأول مرة منذ سنوات، إلغاء مد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد”. اللافت في هذه الصياغة أن السيسي يعبر عن أشواقه للخلاص من حالة الطوارئ رغم أنه هو من أصدر 18 قرارا متتاليا بإعلانها وتمديدها في جميع أنحاء البلاد في مخالفة صريحة لأحكام ونصوص الدستور الذي جرى الالتفاف عليه تحت مزاعم الظروف الأمنية الخطيرة التي تمر بها الدولة المصرية. وفي 12 أكتوبر 2017، أصدر السيسي قراراً وافق عليه مجلس الوزراء بإعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، بعد حادث هجوم الواحات البحرية الذي قتل فيه 17 شرطيا. ومنذ ذلك الوقت تم تمديد حالة الطوارئ بشكل منتظم، مع ترك مدة بسيطة كل 6 أشهر للتحايل على النص الدستوري الذي يمنع مد الطوارئ أكثر من 6 أشهر. وبحسب المادة 154 من الدستور والتي تتنظم إعلان حال الطوارئ في البلاد، استناداً إلى قانون الطوارئ رقم (162) الذي صدر العام 1958، إذ تخول لرئيس الجمهورية إعلانها بعد أخذ رأي مجلس الوزراء، مع إلزامه بعرضها لاحقاً، خلال مدة لا تجاوز سبعة أيام، على مجلس النواب وموافقة غالبية أعضاء المجلس لتمريرها. كما نصت المادة على أن تعلن حال الطوارئ لمدة محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وألا تجدد إلا لمدة مماثلة بعد موافقة ثلثي نواب الشعب. موضحة أن رئيس الجمهورية هو من يعلن حال الطوارئ، وهو من يعلن انتهاءها، كما ينتهي العمل بها إذا رفض البرلمان إقرارها. وبحسب نص قانون الطوارئ، عدّد الحالات التي يتوجب الاستناد إليها لفرض الطوارئ، والتي شملت الحرب أو قيام حالة تهدد بوقوع حرب، وحدوث اضطرابات داخلية أو كوارث عامة أو انتشار وباء، مما يعني تعرض الأمن العام في أراضي الجمهورية أو مناطق منها للخطر. ويعطي قانون الطوارئ صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية والحكومة، إذ يسمح باتخاذ إجراءات استثنائية بموجبه، من بينها وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والمرور في أماكن أو أوقات معينة، وإحالة المتهمين إلى محاكم أمن الدولة وحظر التجول في بعض المناطق ومراقبة الرسائل، أياً كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها، فضلاً عن تمكين الجيش من فرض الأمن. كما يمنح القانون الرئيس والحكومة صلاحية تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها، ومصادرة أي منقول أو عقار والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات، وإخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة. ويعطي القانون الحق لمن جرى اعتقاله بموجب الطوارئ في التظلم أمام محكمة أمن دولة عليا إذا انقضت ستة أشهر من تاريخ اعتقاله من دون أن يفرج عنه. وتفصل المحكمة في الأمر على وجه السرعة، ولا يعتبر قرارها نافذاً إلا بعد تصديق رئيس الجمهورية. وبحسب مواد قرارات الرئيس في تمديد أو تجديد الطوارئ، تشترك أغلبها في موادها على أن تتولى القوات المسلحة وهيئة الشرطة اتخاذ ما يلزم لمواجهة الأخطار، وحفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين. القرار أثار ردود فعل متباينة بين المصريين والمهتمين بالشأن العام، فبينما راح الفريق المقرب من السلطة يشيد بالقرار ويراه حكيما جاء في توقيت مناسب، يرى قطاع من الحقوقيين أن القرار بلا جدوى حقيقية بعدما تم تضمين جميع النصوص الاستثنائية الموجودة في قانون الطوارئ في قوانين أخرى جديدة لا تقل بشاعة عن قانون الطوارئ وإن كانت تتفوق عليه في حجم الصلاحيات الممنوحة للنظام وأجهزته دون أن قيود أو محاسبة. فما الذي يعنيه إلغاء حالة الطوارئ؟ وما دلالة الإلغاء سياسيًا وقانونيًا؟ وما القرارات المنتظرة لتفعيل الإلغاء؟ وما الجدوى من إلغائه على مستقبل قضية المعتقلين السياسيين؟ الآلة الإعلامية للنظام من صحف وفضائيات ومواقع إلكترونية وصفت القرار بالتاريخي والحكيم واشتملت معالجاتها الإعلامية على المضامين الآتية:[[2]] القرار يعكس حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني مردود القرار سينعكس على جميع المجالات وبشكل أساسي في الاقتصاد، بما يسهم في تحسن مناخ الاستثمار وجذب رءوس أموال جديدة. ستظهر ثمار القرار في الحريات العامة بوصفه مؤشرا على احترام حقوق الإنسان وخطوة جوهرية على درب الدولة الديمقراطية الحديثة، دولة القانون والمؤسسات. القرار يعتبر دليلا ساطعا على قدرة الدولة على اجتثاث الإرهاب. المستفيدون من القرار المعتقلون نوعان[[3]]: الأول هم المحالون إلى محاكم أمن دولة عليا طوارئ أو جنح أمن دولة طوارئ أو الصادر ضدهم أحكام من محاكم أمن الدولة عليا طوارئ ما زالت في مرحلة التصديق أو تم رفض التصديق عليها وإعادة المحاكمة، هؤلاء لن يستفيدوا بأي حال من الأحوال من قرار إلغاء مد العمل بقانون الطوارئ، وسيخضعون للمحاكم الاستثنائية التي تصدر حكمًا واحدًا لا يقبل المعارضة أو الاستئناف أو النقض، ولا يلغيه إلا التظلم إلى الحاكم العسكري وهو رئيس الجمهورية أو من يفوضه. هذا النوع من السجناء سيظل مطبق عليهم قانون الطوارئ رغم إلغاء العمل به، بمعنى أن إلغاء القانون لا يعني إلغاء محاكم أمن الدولة عليا طوارئ. ومع ذلك، فقد أبدى حقوقيون وقانونيون تفاؤلًا بالطعن على أحكام أمن الدولة عليا طوارئ لاحقًا، خاصة أن قانون الإرهاب وقانون الطوارئ يشوب بعض موادهما شبهة عدم الدستورية. النوع الثاني هم المنتفعون من القرار، وهم المحبوسون احتياطيًا على ذمة قضايا دون أن يحالوا للمحاكمة أو المخلي سبيلهم على ذمة قضايا سياسية، هؤلاء سيتم إحالتهم للمحاكم العادية الخاضعة لقانون الإجراءات الجنائية، وسيتم الطعن على تلك الأحكام من خلال…

تابع القراءة
قراءة في خبر: الإعلام المصري بين فيلم ريش ومحمد أبو تريكة

قراءة في خبر: الإعلام المصري بين فيلم ريش ومحمد أبو تريكة

يقدم الشارع السياسي لمشاهديه فقرة (قراءة في خبر) للوصول إلى دلالات وتداعيات أهم الأخبار المطروحة في المنصات الإعلامية. أهم الأخبار شهدت الساحة الإعلامية جدلًا عقب حادثة انسحاب مجموعة من الفنانيين المصريين من مشاهدة فيلم مصري فاز بجائزتين عالميتين في مهرجان كان، بزعم أن الفيلم يشوه الدولة المصرية، والحادثة الأخرى هي انسحاب اللاعب محمد أبو تريكة من استكمال الاستوديو التحليلي الخاص بمناقشة مباراة في الدوري الإنجليزي، بعد تعرض مشجع لأزمة قلبية واصرار المسئولين على استكمال المباراة وكأن شيء لم يكن، حادثتان قد يراهما البعض بعيدتان عن بعضهما البعض، ولكنهما في الحقيقة ينطلقا من أرضيتين متصارعتين. القراءة: في الحادثة الأولى قرر الفنانون المصريون الانسحاب بدعوى أن الفيلم يشوه الدولة المصرية، وأكد شريف منير أننا نعيش دولة جديدة وجمهورية جديدة يجب تسليط الضوء عليها، وعدم تكرار مأساة فيلم حين ميسرة، وقامت الفنانة المصرية بطلة فيلم “ريش” بالرد على الواقعة قائلًا تصوير الفيلم بهذه الصورة، سيساعد الناس على التفرقة بين حياة الأقاليم قبل مبادرة حياة كريمة وبعدها، وهي إمراة مصرية غير متعلمة لم يسبق لها التمثيل من قبل، وردت الصفحة الرسمية لمبادرة حياة كريمة أن حرية الإبداع والتعبير مكفولة للجميع، وأننا لا نرى أن الفيلم يسئ لسمعة مصر، وأن الفيلم سيساعدنا في توضيح الفارق بين حياة الريف قبل المبادرة وبعدها. في المقابل، شن إعلامي النظام المصري هجومًا شرسًا على أبو تريكة، بدعوى أن ما قام به هو أسلوب إخواني خبيث يستهدف دس السم في العسل. التداعيات: على المستوى الجماهيري الشعبي غير الرسمي، تعرض موقف الفنانيين المصريين للسخرية والنقد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدين أن نغمة الوطنية تستخدم في كل شيء لنفاق النظام، حتى لو كان هذا الانتقاد سيحرم فيلم مصري من المنافسة على جائزة أوسكار العالمية، بعدما تعرضت لنقد شديد من الفنانيين المصريين. وفي المقابل، أشادت جميع جماهير الكرة المصرية بموقف اللاعب أبو تريكة، وأكده أن موقفه هذا غير جديد، فقد سبق له دعم غزة أثناء حصار مبارك لها، وسبق ورفض مصافحة المشير طنطاوي عقب مجزرة بورسعيد، وأن مواقف الرجل تشهد لها ذلك، بعكس النفاق والرياء في مواقف الأخرين. طريقة تفاعل الناس العادية مع الموقفين، توضح حجم الهوة بين النظام وأنصاره وبين الشارع المصري من جهة، ورؤية الشارع المصري للإسلاميين عقب مرورا عقد كامل من الثورة باعتبار أن اللاعب أبو تريكة ينتمي لجماعة الإخوان وموضوع على قوائم الإرهاب من جهة أخرى. فطريقة انسحاب مؤيدي النظام شهدت سخرية وانتقاد، وطريقة انسحاب أحد رموز الربيع العربي شهدت إشادة واعجاب، وهنا بيت القصيد، وللقصة بقية، لم تنتهي بعد.

تابع القراءة
قراءة في خبر: نفين جامع مع السفير القطري في مصر ودعوة لرفع مستوى العلاقات بين البلدين

قراءة في خبر: نفين جامع والسفير القطري في مصر ودعوة لرفع مستوى العلاقات بين البلدين

  يقدم الشارع السياسي لمشاهديه فقرة (قراءة في خبر) للوصول إلى دلالات وتداعيات أهم الأخبار المطروحة في المنصات الإعلامية. أهم الأخبار اجتماع بين وزيرة التجارة والصناعة المصرية نيفين جامع والسفير القطري في القاهرة سالم مبارك آل شافي، نادت فيه الوزيرة المصرية إلى الوصول بالعلاقات المصرية القطرية إلى مستوي “غير مسبوق”  في تاريخ العلاقات بين الدولتين، وقامت بتوجيه دعوة مباشرة لوزيرة التجارة القطري لزيارة مصر وعقد اجتماعات معه. التداعيات: – أكدت الوزيرة المصرية أنها تحرص على العمل على ترسيخ الارضية الصلبة التي بناها السيسي مع أمير قطر تميم بن حمد، مؤكدة أنها تعمل على بناء أطر جديدة غير تقليدية، تناسب حجم التعاون المأمول في الأونة المقبلة، أي أنه يبدو أن ثمة اهتمام جدي ووجود استراتيجية مسبقة، لتطوير العلاقات المصرية القطرية، وأن هذا الأمر ليس تحرك ذاتي للوزارة المصرية، بل أنه توجه سيادي ومدفوع مباشرة من السيسي لتقوية العلاقات التجارية مع قطر. – لا ينبغي تناول ملف التقارب المصري القطري المستمر، بمعزل عن التطور المصري التركي، فقد صرح وزير الخارجية المصرية أن تطوير العلاقات بين القاهرة وأنقرة مستمر وأنه متفائل به، ويتخذ خطوات تصاعدية متزايدة، وفي الوقت ذاته يظهر المسئولون المصريون اهتمامًا بتطوير العلاقات مع الدوحة، وينادون بمرحلة غير مسبوقة من التعاون بين البلدين، وهو يظهر أنه ثمة مرحلة جديدة ستحدث في العلاقات المصرية القطرية التركية. – من جهة أخرى، تتمتع الحركة الإسلامية بعلاقات استراتيجية مع الدوحة وأنقرة، وقد يساعد هذا الأمر على تقريب وجهات النظر بين الإسلاميين والنظام المصري، وهو أمر سيصب كثيرًا في صالح ملف المعتقلين.    

تابع القراءة
دمج الاقتصاد غير الرسمي.. الأهداف والمآلات

دمج الاقتصاد غير الرسمي.. الأهداف والمآلات

  تبلغ قيمة الإيرادات في الموازنة العامة للدولة (2021/2022) نحو 1.365 تريليون جنيه، بينما تبلغ قيمة الإيرادات الضريبة منها 983.1 مليارا بنسبة تصل إلى 73% من جملة إيرادات الدولة، أما تبلغ قيمة الإيرادات الأخرى (غير الضريبية من صناعة وتصدير وزراعة وقناة السويس وسياحة وغيره) فتبلغ نحو 380.6 مليار جنيه فقط؛ الأمر الذي يعكس حجم الكارثة وتراجع معدلات الإنتاج حتى باتت جيوب المواطنين هي الممول الأول والرئيس لموازنة الدولة. وحتى ندرك حجم الكارثة على نحو أوضح، فإن سداد أقساط القروض تصل إلى 593 مليار جنيه، والفوائد المطلوب سدادها عن القروض المحلية والأجنبية في مشروع الموازنة بنحو 579.6 مليار جنيه، وبالتالي فإن  إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة نحو 1.172 تريليون جنيه. فإذا طرحنا هذا الرقم من جملة الإيرادات (1.365 تريليونا) يتبقى 193 مليار جنيه فقط، يفترض أن تخصص لباقي بنود المصاريف في الموازنة والتي تبلغ تريليون و837 ملياراً و723 مليون جنيه! لهذا يلجأ السيسي إلى جيوب المواطنين كحل أول بمزيد من الرسوم والضرائب الباهظة ورفع أسعار الخدمات من مياه وكهرباء وغيره، ويلجأ إلى القروض الخارجية والمحلية كحل آخر حتى بلغ حجم الديون الخارجية  134.8 مليار دولار وفقا لبيانات البنك المركزي. بينما تجاوزت الديون المحلية نحو 4.7 تريليونات جنيه بنهاية مارس 2021م! لهذه الأسباب يتجه النظام بإصرار نحو دمج الاقتصاد الموازي (غير الرسمي) في منظومة الاقتصاد الرسمي لجباية ضرائب سنوية تقدر بنحو 400 مليار جنيه إلى 800 مليار وفق تقديرات حكومية وبحثية. ويتفق معظم خبراء الاقتصاد على أن دمج «الاقتصاد الموازي» في الاقتصاد الرسمي في أي دولة هو بحد ذاته خطوة صحيحة بشرط أن تعود بالفائدة على المواطنين من خلال استخدام حصيلة الضرائب في تحسين مستوى الخدمات مثل التعليم فلا يحتاجون إلى الدروس الخصوصية التي تستنزف دخول معظم الأسر المصرية في ظل غياب تام لدور المدرسة. وكذلك تحسين منظومة الصحة حتى يتمكن المواطنون من التداوي في المستشفيات العامة بدلا من النفقات الباهظة على عيادات الأطباء والمستشفيات الخاصة في ظل التدهور الحاد في منظومة الصحة المصرية، إضافة إلى توفير تأمين اجتماعي حقيقي يكفل لكل أصحاب الأنشطة التجارية حياة كريمة ومؤمنة”. لكن للأسف ما يحدث في مصر شيء مختلف؛ فالحكومة لا يهمها سوى فرض  المزيد من الضرائب والرسوم لسد العجز المتزايد في الموازنة العامة من أجل سداد أقساط الدين وفوائده التي تجاوزت التريليون جنيه، وهي سابقة في تاريخ البلاد”. الاقتصاد الموازى أو اقتصاد الظل أو الاقتصاد غير الرسمي؛ هو الاقتصاد غير المدرج فى الناتج القومى الرسمى ويخرج عن النطاق الإحصائى للدولة، والذى يعبر بشكل كبير فى مجموعه عن الصناعات الحرفية البسيطة وشبه البسيطة مثل الورش ومصانع «بير السلم» وطبقة السباكين والنجارين والكهربائية والسائقين وعمال البناء والفلاحين وباعة الأرصفة والأسواق العشوائية والعقارات غير المسجلة والباعة الجائلين وسائقي التكاتك وغيرها من الأنشطة البسيطة التي يعمل بها ملايين المصريين البسطاء في إطار غير مقنن ولا يدفعون الضرائب للدولة عن أعمالهم. وهؤلاء ينتشرون فى شتى المجالات الخدمية والاستهلاكية اليومية البسيطة. وتخرج هذه الأنشطة بالضرورة عن سيطرة الدولة وعن سلطتها القانونية والرقابية، وفى مصر يمثل الاقتصاد الموازى نسبة كبيرة من إجمالى الناتج القومى المحلى لنسبة قد تزيد على 30% لتصل إلى نحو 50% أو تزيد قليلا. هذا النوع من الاقتصاد غير الرسمي هو ما تحاول الدولة دمجه مع الاقتصاد الرسمي منذ عدة سنوات لا سيما في أعقاب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016م، ذلك بعدة طرق من بينها الشمول المالي والتحول الرقمي، ومن خلاله يتم تقديم مزيد من الحوافز الائتمانية والمشروعات الصغيرة ومتوسطة ومتناهية الصغر للمستفيدين”. وجاءت تصريحات الدكتور محمد معيط، وزير المالية بالحكومة المصرية ــ في مداخلة هاتفية مع برنامج «آخر النهار» يوم الأحد 26 سبتمبر 2021م ــ  لتكشف عن إصرار النظام على دمج الاقتصاد الموازي (غير الرسمي  أو اقتصاد الظل) إلى الاقتصاد الرسمي وذلك بهدف إدخال هذه القيمة الاقتصادية الهائلة ضمن الناتج المحلي الإجمالي؛ وهو ما سينعكس  ــ حسب تصريحات الوزيرــ على تحسين المؤشرات الاقتصادية وتحقيق التوازن بين القطاعات المختلفة. وقدَّر الوزير حجم الاقتصاد الموازي بنحو  55% من الناتج المحلي الإجمالي. وهي التصريحات التي جاءت في أعقاب إعلان مصلحة الضرائب يوم السبت 25 سبتمبر 2021م، تطبيق فرض ضريبة على صناع المحتوى لمن يبلغ دخلهم السنوي 500 ألف جنيه خلال 12 شهرًا من تاريخ مزاولة النشاط، مطالبة إياهم بالتوجه للمأمورية، الواقع في نطاقها المقر الرئيسي للنشاط، لفتح ملف ضريبي.[[1]] ودأب نظام السيسي خلال السنوات الأخيرة على استهداف الاقتصاد غير الرسمي الذي تمتد أنشطته إلى مختلف القطاعات والخدمات، ورغم تأثر هذه الأنشطة بتداعيات فيروس كورونا الجديد، إلا أنه لا يزال صامداً معتمداً على الحركة الشرائية لزبائنه لا سيما من متوسطي ومحدودي الدخل والفقراء. حجم الاقتصاد الموازي تختلف التقديرات حول حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر، فبحسب تقديرات أجراها الاقتصادي فريدريك شنايدر، فالقطاع غير الرسمي في مصر عام 2007 كان يمثل ما قيمته 40 – 60% من الناتج المحلي المصري، ذلك يعني أن حوالي نصف الاقتصاد والأنشطة المدرة للدخل في مصر تقع في نطاق الاقتصاد غير الرسمي. المثير للاهتمام هو أن الباحث نفسه كان قد أجرى دراسة على 162 دولة أخرى حول العالم، ليجد أن متوسط الأنشطة غير الرسمية المحسوبة في الاقتصاد تصل إلى 17% من الناتج المحلي لتلك الدول، والملفت للنظر أن نطاق الاقتصاد غير الرسمي في عدد من الدول المتقدمة في غرب أوروبا بلغ قرابة 31% من الناتج المحلي في 2007. تعطينا تلك التقديرات إشارة إلى أن الاقتصاد غير الرسمي لا يمثل بالضرورة مرضًا مزمنًا علينا علاجه. بالطبع يجعل الاقتصاد غير الرسمي من الرقابة على السوق وجودة السلع أمرًا أصعب، وأيضًا يضر بشكل كبير بعملية جباية الضرائب في البلد، لكنه يمثل جزءًا طبيعيًا من الهيكل الاقتصادي للدول.[[2]] وتظهر البيانات الرسمية خلال السنوات القليلة الماضية أن حجم تعاملات السوق المصرية سنويا تزيد على 400 مليار دولار، أي أكثر من 7 تريليونات جنيه، نصيب السوق الموازية منها يزيد على 60% بنحو 4 تريليونات، بحسب بعض التقديرات والإحصائيات وفق دراسة أعدتها لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية، ونشرت في أغسطس/آب 2018. وطبقا لمعدلات تحصيل الضرائب الفعلية فهي من 20-27% من حجم السوق بشقيها الرسمي وغير الرسمي، وإذا اخذنا الحد الأدنى للتحصيل وهي نسبة 20% من هذه التعاملات، فإن الضرائب المفترض تحصيلها تزيد على 1.4 تريليون جنيه.[[3]] نصيب الاقتصاد الموازي منها ــ باعتباره 55% من الاقتصاد العام ـــ يصل إلى نحو 800 مليار  جنيه. ويصل عدد المنشآت العاملة في القطاع غير الرسمي (المؤسسات غير المسجلة) إلى مليوني منشأة تقريباً ويعمل به نحو أربعة ملايين عامل. لكن أحدث تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2021م كشف أن هناك ما يقرب من 7 ملايين مصري يعملون في قطاع الاقتصاد غير الرسمي.[[4]] وتقول…

تابع القراءة
الخصخصة.. نشأتها وفلسفتها ومآلاتها الكارثية

الخصخصة.. نشأتها وفلسفتها ومآلاتها الكارثية

  في أعقاب الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 1945) سادت نظريات اقتصادية شهيرة حول «التنمية» وهو مصطلح كان حديث العهد ابتدعه الاقتصاديون في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، حيث استقلت الكثير من الدول العربية والإفريقية عن الاحتلال الغربي الأوروبي، وهي الدول التي أُطلق عليها دول «العالم الثالث»، في إشارة إلى تخلفها وفشلها الاقتصادي والتنموي. وأخذت تظهر نظرية جديدة بعد أخرى لتفسير ظاهرة «التخلف الاقتصادى»، وشرح أفضل السبل للخروج منها. كانت هذه النظريات، كلها تقريبا، تفترض أن تقوم الدولة بدور مهم فى الاقتصاد، وتتحمل المسئولية الأولى فى التنمية، ومع غياب هذا الدور المهم للدولة سوف يعنى فشل التنمية. الكتابات والدراسات وحتى النظريات التي سادت خلال تلك الفترة كانت تفترض وجود درجة لا يستهان بها من التخطيط، وأن التخطيط المطلوب هو التخطيط المركزى (تقوم به الدولة)، وليس مجرد ما يسمى «بالتخطيط التأشيرى»، الذى يقتصر على إيجاد الحوافز لدفع القطاع الخاص للسير فى اتجاه دون آخر.  وكانت النظريات التي شاعت حينها عن «النمو المتوازن» وعن «الدفعة القوية» اللازمة للتنمية.. الخ،  كانت تعتمد في نجاحها على إجراءات تتخذها الدولة، ولا يمكن توقع نجاحها فى ظل سيطرة القطاع الخاص. معنى ذلك أن التنمية والنمو الاقتصادي المتوازن كانت تفترض وجود دولة قوية، ولم يكن ذلك يواجه باعتراض من أحد في كبرى الجامعات الاقتصادية في  العالم. بل كان البنك الدولي وصندوق النقد ومختلف هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة بالتنمية، تقبل أيضا دورا مهما لدولة قوية ولا تعارضه. وتبنت مختلف الحكومات الغربية فى ذلك الوقت، ما عرف باسم «دولة الرفاهة»، التى تلتزم بتوفير الخدمات الضرورية للجميع، وتمويل ذلك بما يفرض من ضرائب على القادرين، مما ضمن بالفعل تحقيق العمالة الكاملة فى تلك البلاد مع انتهاء عقد الستينيات. وفي أوئل السبعينات جدت رياح جديدة دفعت بها المصالح الغربية إلى الصدارة، وتراجعت النظريات الاقتصادية التي سادت بعد الحرب العالمة الثانية، ولم يكن السبب في هذه التحولات ثبوت فشل هذه النظريات الاقتصادية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية؛ بل كان السبب الحقيقى أن الدول التى تصنع نظريات التنمية، تصدر إلينا كتبها وسياساتها،  هذه الدول لم تعد تجد من مصلحتها استمرار الدولة القوية فى بلادنا «العالم الثالث»، واستمرار ما نطبقه من سياسات الحماية والتخطيط. أصبحت تلك الدول الصناعية، التى بدأت حكوماتها تخضع لمصالح وضغوط الشركات المسماة بالمتعددة الجنسيات، تجد من الضرورى أن تفتح بلاد العالم الثالث أبوابها لسلع هذه الشركات واستثماراتها، مما يتطلب إلغاء أو تخفيض الحواجز الجمركية، والتوقف عن إنتاج ما ينافس السلع المستوردة، أو يحول دون مجىء الاستثمارات الأجنبية إلى أراضينا، والامتناع عن حماية عمالنا عن طريق تحقيق مستويات عالية من تشغيل العمال ومن الأجور. كل هذا يتطلب «دولة ضعيفة» أو «دولة رخوة»، يمكن للشركات العملاقة متعددة الجنسيات أن تغويها أو تلوى ذراعها إذا شاءت، وتفرض عليها من الحكومات ما يحقق رغباتها. هذه المصالح الغربية كانت ضد مصالح بلادنا وشركاتنا وعمالنا، لكن الدول الغربية التي تستحوذ عليها نزعات  التسلط والطمع واستحلال ثروات الأمم والشعوب الأخرى، تبنت تغيير النظريات الاقتصادية بما يخدم أجندتها ومصالحها وشركاتها العملاقة. أسباب هذا التحول تعود إلى أن الدول الصناعية الغربية شهدت عقدين من الرفاهية ومستويات عالية من النمو، لكنه مع نهاية السيتنات راحت هذه الدولة تشهد تضخما وتنافسا فيما بينها على أسواق الدول الأخرى، وبدأت تظهر ما سمى بظاهرة «الكساد التضخمى»، أى ركود اقتصادى وضعف فرص الاستثمار والتسويق، مصحوبا بالتضخم الناتج عما تحقق فى فترة سابقة، من ارتفاع فى الأجور وزيادة قوة نقابات العمال، والناتج أيضا عن محاولة الشركات العملاقة تعويض ما فقدته من فرص الربح عن طريق استغلال المستهلكين. وبالتالي وجدت الدول الغربية أن مصلحتها الدعاية والتسويق لافكار اقتصادية جديدة مثل “العولمة ــ  الخصخصة»، والتي تستهدف فتح أسواق الدول الفقيرة أمام سلع ومنتجات الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات، أما الخصخصة فهي بيع ما تملكه الدولة للشركات الخاصة، وكأن الخصخصة هى العلاج الناجع لمشكلة التنمية. أما الحديث عن دور مهم للدولة فى الاقتصاد، أو عن ضرورة التخطيط أو حتى فائدته فى التنمية، فقد أصبح كلاما مرفوضا وممجوجا.[[1]] في ثمانينات القرن الماضي، شاع مصطلح الخصخصة «Privatization»، والعجيب أن حكومات العالم الثالث المتخلف صناعيا واقتصاديا والتي تبنت فلسفة الخصخصة كعقيدة وأيديولوجيا، بررت ذلك بالخسائر التي تتعرض لها الشركات الحكومية؛ وهو عذر أقبح من ذنب؛ فإذا كان الخلل في الإدارة فلماذا يتم بيع الأصول التي هي ملك للشعب ولا يتم تغيير هذه الإدارة الفاسدة معدومة الكفاءة؟ ولماذا يتم انتزاع ملكية الشعب لثرواته وأصوله ويبقى اللصوص كما هم يتولون المزيد من المناصب ويعززون منظومة الفساد؟! وهل تحويل ملكية أصول الدولة من الشعب إلى رجال أعمال أو شركات عملاقة متعددة الجنسيات لها أجندات قد تهدد الأمن القومي للبلاد يمثل مصلحة قومية في شيء؟!  الحق أن الخصخصة كالتأميم كلاهما إجراء شاذ ويخالف أبجديات الأمن القومي؛ لأن الخصخصة هي انتزاع ملكية الشعب لأصوله وثرواته لتكون ملكا لحفنة من الفاسدين أو الأجانب. أما التأميم فقد تجاوز حدود تأميم الشركات التي اغتصبها الاحتلال ليصل إلى اغتصاب شركات يملكها مصريون أنشأوها بطرق شرعية، كما جرى مع آلاف المصريين في أعقاب حركة 23 يوليو 1952م. معنى ذلك أن النظريات الاقتصادية التي تأسست في السبعينات والثمانينات والتي تروج للعولمة بمفهوما الاقتصادي وحتى الثقافي الذي يهدف إلى تغيير هوية الشعوب الضعيفة واغتصاب ثرواتها إنما تمثل شكلا من أشكال الاحتلال الناعم بدلا من الاحتلال الخشن الذي ساد في القرون الثامن عشر والتاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين؛ فالدول الغربية التي خرجت للتو من مستعمراتها في العالم الثالث في أعقاب الحرب العالمية الثانية، راحت تبحث عن آليات أخرى تمتص بها  خيرات الشعوب المحتلة وتنهب ثرواتها وتغتصب أصولها تحت لافتة براقة عن التنمية بالعولمة والخصخصة. ويجب التنويه إلى أن القوى الغربية التي اتخذت من الاحتلال طريقا لإخضاع أممنا وشعوبنا لعقود طويلة منذ القرن التاسع عشر، عندما همَّت بالخروج من بلادنا تحت ضغوط التحولات الدولية في  أعقاب الحرب العالمية الثانية، لم تترك السيادة على هذه البلاد للشعوب، لكنها نصَّبت على رأس هذه الدول مافياوات تابعة لها، ودعمت نظما استبدادية حتى تبقى بلادنا ضعيفة وممزقة ويسهل السيطرة عليها بالصفقات المشبوهة مع الحكام المستبدين، أو الشعارات البراقة بدعوى التنمية المزعومة؛ فباتت الشركات المتعددة الجنسيات المملوكة للدول الغربية تنوب عن الاحتلال القديم، بينما استغلال بلادنا على المستوى السياسي والعسكري والأمني لخدمة سياسات هذه القوى يتم بالاتفاقيات والصفقات العسكرية والأمنية التي تسمح للقوى الإمبريالية بالتحكم في بلادنا عبر الهيمنة الاقتصادية بالشركات المتعددة الجنسيات من جهة، وأدوات البطش السياسي من الحكام المستبدين من جهة أخرى. من جانب آخر يمكن فهم هذه التحولات بأن القوى الغربية الجديدة التي هيمنت على العالم بعد الحرب العالمية الثانية تبنت فلسفة الليبرالية المتوحشة التي تقوم على سيادة المعايير الرأسمالية، وفي هذا الإطار تم تأسيس…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022