الصومال: أزمة جديدة حول تنازع السلطات
دخلت الأزمة السياسية المستفحلة في الصومال مرحلة جديدة بعدما أعلن الرئيس محمد عبد الله فرماجو أنه قام بتعليق صلاحيات رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، بينما رفض رئيس الحكومة روبلي قرار الرئيس فرماجو، ووصفه بـ”الباطل وغير القانوني والمخالف لدستور البلاد”. والصراع بين الرئيس الصومالي فرماجو ورئيس وزرائه روبلي تصاعد بصورة دراماتيكية في الأشهر الأخيرة، وفي هذا الإطار شهد الداخل الصومالي تصاعد حدَّة التوتر بين الرئيس محمد عبد الله فرماجو (المنتهية ولايته) ورئيس الوزراء حسين روبلي، وهو ما قد يؤدي إلى انزلاق البلاد لبؤرة الصراعات المسلحة مرة أخرى، خاصةً وأن الأزمة الحالية نشبت بين عناصر السلطة الحاكمة في مقديشيو. فما هي جذور الأزمة؟ وكيف تطورت؟ وماذا كانت المواقف الدولية منها؟ وما التداعيات السياسية لها ومدى خطورتها؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها.. جذور الأزمة: مشكلة الدستور المؤقت هي العقبة الرئيسية في أن تبقى البلاد في دوامة أزمة تضارب الصلاحيات، مما يعطل العجلة الاقتصاد والسياسية والأمنية في البلاد منذ 2012. وبعد المصادقة على الدستور المؤقت 2012 من قِبل المجلس الوطني العمومي (ممثل لجميع شرائح المجتمع) يتولى البرلمان التاسع مسؤولية مراجعة الدستور والفصل بين السلطات لكنه لم ينجح وتم نقل المسؤولية إلى البرلمان العاشر الحالي ولم ينجح أيضًا في استكماله، ما أدى إلى استمرار الخلافات بين السلطات التنفيذية والتشريعية في البلاد دون فيصل. ومهمة استكمال الدستور المؤقت في البلاد انتقلت بعد انتهاء مدة البرلمان الحالي إلى البرلمان الحادي العاشر، وهو ما لا يُتوقع استكماله في ظل سعي قادة البلاد إلى تحقيق مصالح ضيقة، حسب البرلماني السابق. وترجع أسباب عدم استكمال الدستور المؤقت في البلاد إلى عدم التوافق بين الكتل البرلمانية، وهي العقبة الرئيسية أمام استكمال الدستور المؤقت، لأن هناك مصالح ضيقة بالنسبة للولايات الفيدرالية والجهة الحاكمة، إلى جانب المجتمع الدولي الذي يرى في ملف الدستور مشروعًا مربحًا، الأمر الذي يشكل تحديًا أمام توصل البرلمان إلى اتفاق شامل على استكمال الدستور ما يعني إطالة الأزمة السياسية في البلاد. أما فيما يخص المحكمة الدستورية، فهي الفيصل حول مدى دستورية القوانين والمراسيم الصادرة عن السلطة التشريعية والتنفيذية والنزاعات بين الحكومة والولايات الفيدرالية المحلية، وغير ذلك من الأمور الشائكة والمعقدة في بنود وتفاصيل الدستور والقوانين. وغياب المحكمة الدستورية من شأنه أن يساهم في استمرار الخلافات الدستورية، وكل المحاولات في تشكيل تلك المحكمة في البلاد باءت بالفشل نتيجة عدم مصادقة البرلمان عليها لأسباب تخضع لمصالح جهات معينة.[1] وكان الرئيس الصومالي قد عمد إلى تمديد فترة ولايته لعامين إضافيين بعدما انتهت رسميًّا في فبراير الماضي، وذلك لتخوُّفه من خسارته في الانتخابات الرئاسية في ظل التراجع الحاد في شعبيته، وهو ما تمخَّض عنه تصاعد في حدة الصراعات الداخلية حتى باتت البلاد على شفا الانجراف إلى حرب أهلية واسعة؛ حيث شهدت شوارع مقديشيو بوادر مواجهات مسلحة بين المواليين للرئيس والمعارضة السياسية، فضلًا عما شهدته البلاد وقتها من بعض الانشقاقات والتصدعات داخل مؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش والشرطة، إلا أن الضغوطات الخارجية والداخلية القوية التي تعرَّض لها فرماجو جعلته يتراجع عن قراره بتمديد فترة ولايته، كما تم تكليف رئيس الوزراء حسين روبلي بتولي مهام التحضير للانتخابات البرلمانية والرئاسية، كما اضطر فرماجو للتنازل عن مهام الأمن لرئيس الوزراء للعمل على حلحلة الصراعات الداخلية والانشقاقات التي شهدتها بعض المؤسسات، وتجنُّب الدخول في مواجهات مسلحة. قضية تهليل تُفجِّر الأزمة: تُعد القضية التي ضاعفت الصراع بين الرئيس ورئيس وزرائه، هي قضية اختفاء موظفة شابة في جهاز الاستخبارات الصومالي تُدعى إكرام تهليل (25 عامًا)، إذ نشرت وسائل إعلام حكومية على مواقعها في مطلع سبتمبر، خبرًا مفاده أن حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة اختطفت الضابطة المختفية منذ يونيو وقتلتها، وهي رواية لم تقنع أهل المجني عليها وقطاعًا عريضًا من الشعب الصومالي. زادت الشكوك حينما قامت حركة الشباب بتبرئة ساحتها، فنشرت بيانًا في اليوم التالي لاتِّهام الحكومة، تنفي فيه تورُّطها في اختفاء إكرام، إذ قالت: “لا نعلم شيئًا عن مقتل إكرام تهليل الموظفة في جهاز المخابرات والأمن الوطني، وقد صدمنا بإلصاق جهاز مخابرات حكومة الردة (الفيدرالية)، جريمة قتلها بنا كما صُدم بذلك الشعب الصومالي أيضًا”. بعد صدور ذلك البيان، حدثت اضطرابات أمنية في مدينة بلدوين أدت إلى اختطاف فتية تربطهم قرابة برئيس جهاز المخابرات، فهد ياسين، في خطوةٍ بدت وكأنها ثأر قَبَلي بين أبناء عشيرة إكرام تهليل وعشيرة رئيس جهاز المخابرات، وهو ما استنكرته القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي ألمحت إلى أن هذه الخطوة قد تحرف القضية عن مسارها الصحيح. ومع تصاعد التطورات، حدد رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، في وقت متأخر من مساء 4 سبتمبر، لرئيس جهاز المخابرات والأمن الوطني مهلة 48 ساعة ليقدِّم خلالها تقريرًا وافيًا ومقنعًا حول هذه القضية. وفي 5 سبتمبر، بعث رئيس جهاز المخابرات فهد ياسين برقيةً إلى رئيس الوزراء يطالبه فيها بانعقاد اجتماع مجلس الأمن القومي، ليوافيه بحقيقة قضية إكرام تهليل. لكن روبلي قرَّر إقالة فهد ياسين رئيس جهاز المخابرات، وعين بدلًا عنه الجنرال بشير غوبي كرئيس مؤقت للجهاز، فكانت هذه الخطوة السبب المباشر لتصاعُد وتيرة الخلافات بين روبلي وفرماجو.[2] تصاعد الأزمة: أثار قرار رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي، توقيف رئيس الاستخبارات فهد ياسين حاج عن العمل وتعيين بشير محمد جامع خلفًا له جدلًا دستوريًا حول صلاحيته في هذا الأمر والبنود الدستورية الذي استند إليها. وما يشير إلى عمق تلك الأزمة، المرسوم الرئاسي الذي صدر، وقرَّر فيه الرئيس محمد عبد الله فرماجو قبول الاستقالة التي قدمها فهد ياسين حاج، وعيَّن مكانه ياسين عبد الله محمد مدير مخابرات إقليم بنادر (بالعاصمة مقديشو) بشكل مؤقت وفق الدستور المؤقت في البلاد. والأزمة الحالية بين روبلي ورئيس البلاد حول صلاحية توقيف أو إقالة رئيس المخابرات، تأتي ضمن تضارب الصلاحيات بين السلطة التنفيذية والرئاسية حيث يعطي الدستور المؤقت كلاهما جزءًا من صلاحية إقالة وتعيين كبار مسؤولي الدولة وهو ما يعمِّق أزمات البلاد السياسية والأمنية والاقتصادية. ومؤخرًا علَّق الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو الخميس 16 سبتمبر صلاحيات رئيس الحكومة محمد حسين روبلي في ما يخص عزل أو تعيين أي مسؤول، حتى استكمال الانتخابات المقررة شهر أكتوبر الجاري. واتهم بيان للرئاسة الصومالية روبلي بخرق القانون، وإصدار قرارات بالاعتداء على حقوق القوات المسلحة. ودعا فرماجو الوزراء لأداء مهامهم الدستورية، كما أوصى لجان الانتخابات الفدرالية بالإسراع في استكمال انتخابات المجالس التشريعية والرئاسية.[3] في المقابل، أعلن رئيس الحكومة الصومالية روبلي رفضه لهذا القرار، والذي وصفه بـ”الباطل وغير القانوني والمخالف للدستور المؤقت”، وعمد إلى تفنيد مواد الدستور الصومالي المؤقت التي تعزِّز موقفه؛ حيث أشار إلى أن الدستور لا يمنح الرئيس حق التدخل في الصلاحيات الدستورية لرئيس الوزراء وحكومته، متَّهمًا فرماجو بالاستعانة ببعض الأجهزة الأمنية في محاولة لإفشال الانتخابات والاتفاق الذي تم التوصل إليه في 27 مايو الماضي،…