انتخابات المغرب.. الدلالات والارتدادات المستقبلية ولماذا أفشل “العدالة والتنمية”!
في حصيلة نهائية لانتخابات المغرب التشريعية والبلديات، وفق البيانات الرسمية لوزارة الداخلية المغربية، 10 سبتمبر الجاري، تصدر حزب “التجمع الوطني للأحرار”، الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية التي جرت بشكل متزامن الأربعاء الماضي. النتائج النهائية حصل “التجمع الوطني للأحرار” على 102 مقعد نيابي، تلاه حزب “الأصالة والمعاصرة” بـ 86 مقعدا، وحزب “الاستقلال” بـ 81 مقعدا، في حين احتل حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” المرتبة الرابعة بـ 35 مقعدا، وحزب “الحركة الشعبية” المرتبة الخامسة بـ 29 مقعدا. وحقّق حزب “التقدم والاشتراكية” المرتبة السادسة بـ 21 مقعدا، وحزب “الاتحاد الدستوري” المرتبة السابعة بـ 18 مقعدا، مقابل 13 مقعدا فقط لحزب “العدالة والتنمية”؛ بينما حصلت بقية الأحزاب السياسية الأخرى على 10 مقاعد. وبالنسبة لتوزيع المقاعد لمجالس الجماعات (البلديات) والمقاطعات، حصل حزب “التجمع الوطني للأحرار” على 9995 مقعدا، وحزب “الأصالة والمعاصرة” على 6210 مقاعد. وجاء حزب “الاستقلال” في المرتبة الثالثة بـ 5600 مقعد، مقابل 2415 لـ “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، و1626 مقعداً لحزب “الاتحاد الدستوري”، أما حزب “التقدم والاشتراكية” فحصد 1532 مقعدا، مقابل 777 فقط لحزب “العدالة والتنمية”؛ بينما تتقاسم بقية الأحزاب 1525 من المقاعد. أما بخصوص توزيع المقاعد الخاصة بمجالس الجهات، ففاز حزب “التجمع الوطني للأحرار” بـ 196 مقعدا وحزب “الاستقلال” بـ 144 مقعدا، وحزب “الأصالة والمعاصرة” بـ 143 مقعدا، وحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” بـ 48 مقعدا، وحزب “الحركة الشعبية” بـ 47 مقعدا، وحزب “الاتحاد الدستوري” بـ 30 مقعدا، وحزب “التقدم والاشتراكية” بـ 29 مقعدا، وحزب “العدالة والتنمية” بـ 18 مقعدا؛ بينما حصلت الأحزاب السياسية الأخرى على 23 مقعدا. صدمة غير مسبوقة النتائج الصادمة للمغاربة، تمثلت في نتيجة “العدالة والتنمية” الذي فقد أكثر من 110 مقاعد في أقل من 5 سنوات، وانتقل من الحزب الأول في المغرب إلى الحزب الثامن. ولعل أكبر صدمة تلقاها المغاربة، هي هزيمة رئيس الحكومة وفشله في الحصول على مقعد في البرلمان، حيث خاض الانتخابات عن دائرة العاصمة الرباط. هذه النتائح مكنت حزب “التجمع الوطني للأحرار” الذي يترأسه عزيز أخنوش، أحد مقربي الملك، من تشكيل الحكومة الجديدة. وعقب تكليف الملك محمد السادس، لعزيز أخنوش رئيس حزب “التجمع الوطني للأحرار” يوم الجمعة 10 سبتمبر، أعلن الأخير، بدء مشاورات مع الأحزاب السياسية لتكوين أغلبية حكومية منسجمة ومتماسكة ذات برامج متقاربة، ينفذون الاستراتيجيات الكبرى لجلالة الملك والبرامج الحكومية”. ويختار عاهل البلاد رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات. ويعتبر “عزيز أخنوش” (60 عاما) من المقربين من القصر الملكي، جمع بين السياسية والاقتصاد، شغل منصب وزير الفلاحة والصيد البحري منذ 2007، وتقدر ثروته بملياري دولار. دلالات النتائج -هزيمة غير مسبوقة للعدالة والتنمية ومثلت النتائج انتكاسة كبيرة عير متوقعة للعدالة والتنمية، والذي سبق وأن تصدر نتائج الانتخابات في عامي 2011 و2016، وأدار الحكومة المغربية على مدار 10 أعوام. وكان “العدالة” وصل إلى رئاسة حكومة ائتلافية في المغرب في أعقاب احتجاجات حركة 20 فبراير 2011 المطالبة “بإسقاط الفساد والاستبداد”. ويعد المغرب البلد الوحيد في المنطقة الذي استمر فيه وجود الإسلاميين في السلطة عشرة أعوام بعد الربيع العربي. واعتبرت قيادة الحزب النتائج المعلن عنها “غير مفهومة وغير منطقية ولا تعكس حقيقة الخريطة السياسية ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي وحصيلته في تدبير الشأن العام المحلي والحكومي”. وتعد الهزيمة مفاجأة كبيرة، إذ ظلت تقديرات محللين ووسائل إعلام محلية ترشحه للمنافسة على المراتب الأولى، في غياب استطلاعات للرأي حول توجهات الناخبين قبل الاقتراع. وظل الحزب يحقق نتائج تصاعدية منذ مشاركته في أول انتخابات برلمانية عام 1997، إلى أن وصل إلى رئاسة الحكومة عقب احتجاجات حركة 20 فبراير 2011 المطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد، لكن دون السيطرة على الوزارات الأساسية. -توقف حراك “20 فبراير” نحو حقوق وحريات المغربيين: وتمثل هزيمة حزب العدالة والتنمية انكسار للمد الثوري في المغرب، وفق ما ذهب إليه موقع “ميديا بارت” الاستقصائي الفرنسي، معتبرا أن النتائج عبرت عن “نهاية لحقبة حراك 20 فبراير في البلاد”. حيث تراجع الحزب ذو التوجه الإسلامي أمام الحزبين المقربين من الملك؛ “التجمع الوطني للأحرار”، و”الأصالة والمعاصرة”، ما يعد نهاية لحراك التظاهرت التي شهدتها جميع أنحاء البلاد على أثر الثورات العربية عام 2011، وتمكنت من انتزاع دستور جديد ينص على المزيد من حقوق الإنسان والحريات، وتتعالى دلالات هزيمة “العدالة والتنمية” بالمغرب، بعد 10 سنوات من الحكم، مستفيدا من التسلسل الديمقراطي بالبلاد، خلف واجهة مؤسسية ديمقراطية تحت سيطرة القصر الملكي الصارمة. – تراجع دور الأحزاب والسياسيين في مواجهة دور الأعيان وخلال الانتخابات الاخيرة بدا جليا، تنامي دور الأعيان خاصة في مناطق الاقتراع الفردي، كما أن تجربة الانتخابات التشريعية الجزئية السابقة في الرشيدية، أكدت عودة البنيات التقليدية القبلية، وتراجع المنطق الحزبي في الحياة الانتخابية، أي أن نظام القبيلة والقرابة والعلاقات الفردية ستكون حاسمة في مجمل الحياة السياسية، ، ولن يكون للحزب السياسي وبرنامجه ورؤيته أي دور مهم في الحياة ، ولذلك خرجت الأحزاب الإدارية، وبعض الأحزاب الوطنية التي تسلحت هي الأخرى بمنظومة الأعيان، بكسب كبير في هذه المناطق، في الانتخابات الأخيرة، بخلاف العدالة والتنمية. ولعل سيطرة الأحزاب القريبة من السلطة “المخزن” وأحزاب رجال الأعمال على المشهد السياسي تدفع بقوة نحو موت السياسة في مقابل تنامي دور المال، والتربيطات الجهوية والقبلية، ومعها تعالي الترضيات المالية والتوظيف وتقديم الخدمات الخاصة، بدلا من انجاز اصلاحات سياسية واقتادية شاملة كان يسعى لها طالعدالة والتنمية ” وائتلافه الحاكم.. -ضريبة الحكم الصعبة وتعبر النتائج عن قدرات كبيرة لمؤسسة الملك، لاستيعاب التطورات الاقليمية والداخلية، واحتواء الفاعلين السياسيين، وتحميلهم ضريبة تصدرهم للمشهد، وهو ما جرى مع حزب العدالة والتنمية، الذي دفع خلال فترة قيادته للحكومة الأخيرة تحديداً إلى قرارات أثارت خلافات داخلية وأغضبت قاعدته المحافظة، مثل قوانين لتقنين زراعة الخشخاش من أجل الأغراض الطبية، وفرنسة التعليم، والتطبيع مع إسرائيل. ففعلياً، لم يكن الحزب موافقاً على هذه المسائل الإشكالية، ولكن دُفع رئيس الوزراء من قِبل القصر على ما يبدو لتمريرها، وسط ضغط من الأحزاب الأخرى، وبهذا نال الحزب غضب قواعده الانتخابية ومرر أجندة غيره، فخسر مؤيديه ولم يكسب معارضيه، كما أن حزب العدالة بشكل أو بآخر هو ضحية نجاحه الاقتصادي، فبعد 10 سنوات من قيادته للحكومة تعود المواطن المغربي على الوضع الحالي الجيد نسبياً مقارنة بالسنوات السابقة، وبالتالي فهو يريد المزيد. وتمكّن حزب «العدالة والتنمية» رغم الإشكاليات الاقتصادية والإدارية، والإعاقات الواضحة للعملية الديمقراطية، من تقديم أداء اقتصادي جيد في مجالات السياحة، ودعم قطاعات تصنيع السيارات وأجزاء الطائرات. ورغم النجاخات الاقتصادية، إلا أن الحزب دفع ثمنا لتداعيات أزمة وباء كورونا التي ضربت قطاعات سياحية واقتصادية وأثارت سخطا شعبيا. -احتواء الملك للحزب الأقوى على الساحة المغربية كما أن تجربة حزب العدالة والتنمية تعبِّر عن ذكاء الملكية المغربية التي استغلت الحزب للعبور بفترة صعبة لكل الأنظمة العربية عبر توليته الحكم خلال الربيع…