انتخابات المغرب.. الدلالات والارتدادات المستقبلية ولماذا أفشل “العدالة والتنمية”!

  في حصيلة نهائية لانتخابات المغرب التشريعية والبلديات، وفق البيانات الرسمية لوزارة الداخلية المغربية، 10 سبتمبر الجاري، تصدر حزب “التجمع الوطني للأحرار”، الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية التي جرت بشكل متزامن الأربعاء الماضي. النتائج النهائية حصل “التجمع الوطني للأحرار” على 102 مقعد نيابي، تلاه حزب “الأصالة والمعاصرة” بـ 86 مقعدا، وحزب “الاستقلال” بـ 81 مقعدا، في حين احتل حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” المرتبة الرابعة بـ 35 مقعدا، وحزب “الحركة الشعبية” المرتبة الخامسة بـ 29 مقعدا. وحقّق حزب “التقدم والاشتراكية” المرتبة السادسة بـ 21 مقعدا، وحزب “الاتحاد الدستوري” المرتبة السابعة بـ 18 مقعدا، مقابل 13 مقعدا فقط لحزب “العدالة والتنمية”؛ بينما حصلت بقية الأحزاب السياسية الأخرى على 10 مقاعد. وبالنسبة لتوزيع المقاعد لمجالس الجماعات (البلديات) والمقاطعات، حصل حزب “التجمع الوطني للأحرار” على 9995 مقعدا، وحزب “الأصالة والمعاصرة” على 6210 مقاعد. وجاء حزب “الاستقلال” في المرتبة الثالثة بـ 5600 مقعد، مقابل 2415 لـ “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، و1626 مقعداً لحزب “الاتحاد الدستوري”، أما حزب “التقدم والاشتراكية” فحصد 1532 مقعدا، مقابل 777 فقط لحزب “العدالة والتنمية”؛ بينما تتقاسم بقية الأحزاب 1525 من المقاعد. أما بخصوص توزيع المقاعد الخاصة بمجالس الجهات، ففاز حزب “التجمع الوطني للأحرار” بـ 196 مقعدا وحزب “الاستقلال” بـ 144 مقعدا، وحزب “الأصالة والمعاصرة” بـ 143 مقعدا، وحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” بـ 48 مقعدا، وحزب “الحركة الشعبية” بـ 47 مقعدا، وحزب “الاتحاد الدستوري” بـ 30 مقعدا، وحزب “التقدم والاشتراكية” بـ 29 مقعدا، وحزب “العدالة والتنمية” بـ 18 مقعدا؛ بينما حصلت الأحزاب السياسية الأخرى على 23 مقعدا. صدمة غير مسبوقة النتائج الصادمة للمغاربة، تمثلت في نتيجة “العدالة والتنمية” الذي فقد أكثر من 110 مقاعد في أقل من 5 سنوات، وانتقل من الحزب الأول في المغرب إلى الحزب الثامن. ولعل أكبر صدمة تلقاها المغاربة، هي هزيمة رئيس الحكومة وفشله في الحصول على مقعد في البرلمان، حيث خاض الانتخابات عن دائرة العاصمة الرباط. هذه النتائح مكنت حزب “التجمع الوطني للأحرار” الذي يترأسه عزيز أخنوش، أحد مقربي الملك، من تشكيل الحكومة الجديدة. وعقب تكليف الملك محمد السادس، لعزيز أخنوش رئيس حزب “التجمع الوطني للأحرار” يوم الجمعة 10 سبتمبر، أعلن الأخير، بدء مشاورات مع الأحزاب السياسية لتكوين أغلبية حكومية منسجمة ومتماسكة ذات برامج متقاربة، ينفذون الاستراتيجيات الكبرى لجلالة الملك والبرامج الحكومية”. ويختار عاهل البلاد رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات. ويعتبر “عزيز أخنوش” (60 عاما) من المقربين من القصر الملكي، جمع بين السياسية والاقتصاد، شغل منصب وزير الفلاحة والصيد البحري منذ 2007، وتقدر ثروته بملياري دولار. دلالات النتائج -هزيمة غير مسبوقة للعدالة والتنمية ومثلت النتائج انتكاسة كبيرة عير متوقعة للعدالة والتنمية، والذي سبق وأن تصدر نتائج الانتخابات في عامي 2011 و2016، وأدار الحكومة المغربية على مدار 10 أعوام. وكان “العدالة” وصل إلى رئاسة حكومة ائتلافية في المغرب في أعقاب احتجاجات حركة 20 فبراير 2011 المطالبة “بإسقاط الفساد والاستبداد”. ويعد المغرب البلد الوحيد في المنطقة الذي استمر فيه وجود الإسلاميين في السلطة عشرة أعوام بعد الربيع العربي. واعتبرت قيادة الحزب النتائج المعلن عنها “غير مفهومة وغير منطقية ولا تعكس حقيقة الخريطة السياسية ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي وحصيلته في تدبير الشأن العام المحلي والحكومي”. وتعد الهزيمة مفاجأة كبيرة، إذ ظلت تقديرات محللين ووسائل إعلام محلية ترشحه للمنافسة على المراتب الأولى، في غياب استطلاعات للرأي حول توجهات الناخبين قبل الاقتراع. وظل الحزب يحقق نتائج تصاعدية منذ مشاركته في أول انتخابات برلمانية عام 1997، إلى أن وصل إلى رئاسة الحكومة عقب احتجاجات حركة 20 فبراير 2011 المطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد، لكن دون السيطرة على الوزارات الأساسية. -توقف حراك “20 فبراير” نحو حقوق وحريات المغربيين: وتمثل هزيمة حزب العدالة والتنمية انكسار للمد الثوري في المغرب، وفق ما ذهب إليه موقع “ميديا بارت” الاستقصائي الفرنسي، معتبرا أن النتائج عبرت عن “نهاية لحقبة حراك 20 فبراير في البلاد”. حيث تراجع الحزب ذو التوجه الإسلامي أمام الحزبين المقربين من الملك؛ “التجمع الوطني للأحرار”، و”الأصالة والمعاصرة”، ما يعد نهاية لحراك التظاهرت التي شهدتها جميع أنحاء البلاد على أثر الثورات العربية عام 2011، وتمكنت من انتزاع دستور جديد ينص على المزيد من حقوق الإنسان والحريات، وتتعالى دلالات هزيمة “العدالة والتنمية” بالمغرب، بعد 10 سنوات من الحكم، مستفيدا من التسلسل الديمقراطي بالبلاد، خلف واجهة مؤسسية ديمقراطية تحت سيطرة القصر الملكي الصارمة. – تراجع دور الأحزاب والسياسيين في مواجهة دور الأعيان وخلال الانتخابات الاخيرة بدا جليا، تنامي دور الأعيان خاصة في  مناطق الاقتراع الفردي، كما أن تجربة الانتخابات التشريعية الجزئية السابقة في الرشيدية، أكدت عودة البنيات التقليدية القبلية، وتراجع المنطق الحزبي في الحياة الانتخابية، أي أن نظام القبيلة والقرابة والعلاقات الفردية ستكون حاسمة في مجمل الحياة السياسية، ، ولن يكون للحزب السياسي وبرنامجه ورؤيته أي دور مهم في الحياة ، ولذلك خرجت الأحزاب الإدارية، وبعض الأحزاب الوطنية التي تسلحت هي الأخرى بمنظومة الأعيان، بكسب كبير في هذه المناطق، في الانتخابات الأخيرة، بخلاف العدالة والتنمية. ولعل سيطرة الأحزاب القريبة من السلطة “المخزن” وأحزاب رجال الأعمال على المشهد السياسي تدفع بقوة نحو موت السياسة في مقابل تنامي دور المال، والتربيطات الجهوية والقبلية، ومعها تعالي الترضيات المالية والتوظيف وتقديم الخدمات الخاصة، بدلا من انجاز اصلاحات سياسية واقتادية شاملة كان يسعى لها طالعدالة والتنمية ” وائتلافه الحاكم.. -ضريبة الحكم الصعبة وتعبر النتائج عن قدرات كبيرة لمؤسسة الملك، لاستيعاب التطورات الاقليمية والداخلية، واحتواء الفاعلين السياسيين، وتحميلهم ضريبة تصدرهم للمشهد، وهو ما جرى مع حزب العدالة والتنمية، الذي دفع خلال فترة قيادته للحكومة الأخيرة تحديداً إلى قرارات أثارت خلافات داخلية وأغضبت قاعدته المحافظة، مثل قوانين لتقنين زراعة الخشخاش من أجل الأغراض الطبية، وفرنسة التعليم، والتطبيع مع إسرائيل. ففعلياً، لم يكن الحزب موافقاً على هذه المسائل الإشكالية، ولكن دُفع رئيس الوزراء من قِبل القصر على ما يبدو لتمريرها، وسط ضغط من الأحزاب الأخرى، وبهذا نال الحزب غضب قواعده الانتخابية ومرر أجندة غيره، فخسر مؤيديه ولم يكسب معارضيه، كما أن حزب العدالة بشكل أو بآخر هو ضحية نجاحه الاقتصادي، فبعد 10 سنوات من قيادته للحكومة تعود المواطن المغربي على الوضع الحالي الجيد نسبياً مقارنة بالسنوات السابقة، وبالتالي فهو يريد المزيد. وتمكّن حزب «العدالة والتنمية» رغم الإشكاليات الاقتصادية والإدارية، والإعاقات الواضحة للعملية الديمقراطية، من تقديم أداء اقتصادي جيد في مجالات السياحة، ودعم قطاعات تصنيع السيارات وأجزاء الطائرات. ورغم النجاخات الاقتصادية، إلا أن الحزب دفع ثمنا لتداعيات أزمة وباء كورونا التي ضربت قطاعات سياحية واقتصادية وأثارت سخطا شعبيا. -احتواء الملك للحزب الأقوى على الساحة المغربية كما أن تجربة حزب العدالة والتنمية تعبِّر عن ذكاء الملكية المغربية التي استغلت الحزب للعبور بفترة صعبة لكل الأنظمة العربية عبر توليته الحكم خلال الربيع…

تابع القراءة
العدوان على الوقف الإسلامي من عبد الناصر إلى السيسي

العدوان على الوقف الإسلامي من عبد الناصر إلى السيسي

  يعتبر الوقف الإسلامي الخيري من أعظم المشروعات التي أنتجتها الحضارة الإسلامية على الإطلاق؛ وليس لنظام الوقف في الإسلام مثيل في أي دين أو حضارة أخرى في العالم. والوقف هو مصطلح إسلامي، لغويا يعني الحبس أو المنع، واصطلاحاً هو “حبس العين عن تمليكها لأحد من العباد والتصدق بالمنفعة على مصرف مباح”. ويشمل الوقف الأصول الثابتة كالعقارات والمزارع وغيرها، ويشمل الأصول المنقولة التي تبقى عينها بعد الاستفادة منها كالآلات الصناعية والأسلحة، أما التي تذهب عينها بالاستفادة منها فتعتبر صدقة كالنقود والطعام وغيرها. ويختلف الوقف عن الصدقة في أن الصدقة ينتهي عطاؤها بانفاقها، أما الوقف فيستمر العين المحبوس في الانفاق في أوجه الخير حتى بعد الوفاة. مشروعية الوقف في الإسلام وتأتي مشروعية الوقف الخيري في الإسلام من نصوص الكتاب والسنة، ومنها قوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، ولما سمعها أبو طلحة بادر إلى وقف أحب أمواله إليه وهو بستان كبير كثير النخل اسمه (بيرحاء)أخرجه البخاري. كذلك ما روي عن عمرو بن الحارث بن المطلق أنه قال: ” ما ترك رسول الله إلاّ بغلته البيضاء وسلاحه، وأرضاً تركها صدقة “. رواه البخاري. وحيث الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”، والصدقة الجارية محمولة على الوقف عند العلماء. وما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: “أصاب عمر بخيبر أرضاً فأتى النبي فقال: أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس منه فكيف تأمرني به، قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث، في الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه”. أنواع الوقف أما الوقف الخيري فهو ما يتسق مع النصوص الشرعية باعتباره عملا من أعمال البر والخير ويحبس أصله فلا يباع ولا يشترى وينفق من ريعه على أوجه الخير التي دونها الواقف في وقفه، لكن بعض الناس أخذوا الفكرة وطبقوها بطريقة خاطئة فراحوا يوقفون أصول ثرواتهم على أولادهم خشية عليها من الضباع أو تفريط الأبناء فيها لعدم قدرتهم على إدارتها على نحو جيد، فنشأ “الوقف الأهلي”.  وهناك من أوقفوا أصولهم بين ذريتهم من جهة وبعضه لبعض أنواع البر والخير من جهة أخرى وهو “الوقف المشترك” بين الخيري والأهلى. وبالتالي وبناء على التجربة الطويلة منذ نشأة الوقف في عهد النبوة انقسم الوقف إلى ثلاثة أنواع: وقف خيري، يكون ريعه مخصصاً للإنفاق على وجوه البر الخاصة والعامة. وقف أهلي، يكون ريعه مخصصاً للإنفاق على ذرية الواقف ونسله من بعده إلى حين انقراضهم فيؤول إلى الخيرات وجهات البر. وقف مشترك، وهو مزيج بين الخيري والأهلي. أول قانون للوقف وظل الوقف في الإسلام يستمد أحكامه من اجتهادات الأئمة والفقهاء في المذاهب الإسلامية المعتبرة، ويتضحُ أيضاً أن حريةَ الاختيارِ من بين آراء واجتهاداتِ علماء تلك المذاهب قد ظلتْ متاحةً أمام أفراد المجتمع وفئاته وطبقاته؛ من الحكام والمحكومين، إلى أن حدث تطوران مهمان: الأول، هو تبني الدولة العثمانية المذهب الحنفي، وجعلت له وضعاً خاصاً باعتباره المذهب الرسمي للدولة، وللولايات العربية التي كانت تابعة لها. وأدى ذلك إلى الحد -نسبياً- من حرية الاختيار من بين المذاهب. الثاني، أن سلطاتِ الدولة العربية/القطرية في مرحلة ما بعد الاستعمار بصفةٍ خاصةٍ، وفي معظم البلدان الإسلامية بصفةٍ عامةٍ؛ قد اتجهت نحو تقنين فقه الوقف عبر منهجية قامت على أساس التلفيق الفقهي، وإدماج التعددية المذهبية في قانون موحد وملزم لمواطني كل بلد. وبدأ هذا الاتجاهُ في مصر بإصدار قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946م، ثم انتقل هذا التقنين عن طريق التقليد التدريجي إلى بلدان عربية أخرى، وفي مقدمتها سوريا، والأردن، ولبنان، والعراق، وذلك خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين. ثم انتقل بعد ذلك في السبعينيات وما تلاها إلى السودان وليبيا والجزائر وغيرها من البلدان العربية والإسلامية. ولكن قبل الوصول إلى تلك المرحلة التقنينية، كان التكوين المعرفي الفقهي الخاص بنظام الوقف قد قطعَ عدة مراحل أساسية في تطوره التاريخي في المجتمعات الإسلامية.[[1]] الوقف في عهد عبدالناصر وفي مرحلة ما بعد انقلاب 23 يوليو 1952م، فقد شن النظام العسكري بقيادة الدكتاتور جمال عبدالناصر، حربا ضارية ضد الأوقاف الإسلامية؛  وقد اتخذ الجنرالات إجراءات صارمة لتدمير الوقف الإسلامي يمكن رصدها في الآتي: أولا، في تلك السنوات (1952 ــ 1970) تمت السيطرة على وزارة الأوقاف بشكل غير مسبوق في التاريخ الإسلامي كله؛ وجرى عسكرتها على نحو لافت؛ حيث تناوب على منصب وزير الأوقاف أحد عشر وزيراً كان منهم ستة وزراء من ضباط يوليو وهم حسب أسبقية توليهم وزارة الأوقاف:الصاغ صلاح سالم (من 5 أغسطس 1953 إلى 10 أغسطس 1955)، والبكباشي كمال الدين رفعت (من 10 فبراير 1959 إلى أول سبتمبر 1959م)، والبكباشى على صبري (من أول سبتمبر إلى 24 أكتوبر 1959)، والصاغ أحمد عبد الله طعيمة(من 24 أكتوبر 1959 إلى 10 أكتوبر 1961)، والبكباشي حسين الشافعي (من 10 فبراير 1967 إلى سبتمبر 1967). ثانيا، خلال فترة ما بعد انقلاب 23 يوليو 1952م، وطوال الـ18 سنة التي حكم معظمها الدكتاتور جمال عبدالناصر، صدر عشرون قانونا خاصا بالوقف بمعدل قانون كل سنة، إضافة إلى عشرات القرارات الوزارية الخاصة بهذا القطاع؛ بمعدل خمسة قرارات أساسية كل سنة. ومن أبرز هذه القوانين والقرارات التي دمرت الوقف الإسلامي بكل أنواعه ما يلي: في 14 سبتمبر 1952 صدر المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952(بعد 52 يوما فقط من الانقلاب)، وقد قضى هذا المرسوم بالإبقاء على الوقف الخيري فقط (الذي لا نصيب في ريعه لذرية الواقف)، ومنع إنشاء أوقاف جديدة على غير الخيرات، وحل الوقف الأهلي وقسمة أعيانه على مستحقيه، بحسب الطريقة التي نص عليها هذا المرسوم ذاته. وكان الحرص على نجاح قانون الإصلاح الزراعي هو الهدف الأساسي من إلغاء الوقف الأهلي بذلك الإجراء المبكر(وكانت مساحة أراضي الوقف تربو على نصف مليون فدان وفق الأرقام الرسمية سنة 1952م). أمّا القول بأن الإلغاء كان للتخلص من سلبيات الوقف الأهلي وسوء استغلاله وفساد نظَّاره ومدرائه -أو إدارته الأهلية- فلا يعدو أن يكون تبريراً إضافياً لما حدث، وخاصة أن قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946م كان قد تكفل بمعالجة معظم تلك السلبيات والمفاسد التي كانت موجودة فعلاً وبدرجات متباينة في بعض الوقفيات. ومن جانب آخر فقد جاء حل الوقف الأهلي في سياق الإجراءات التي اتخذتها العسكر الجدد لتقويض الدعائم الاجتماعية والاقتصادية للنظام القديم، وللحد من سلطة كبار ملاك الأراضي -بصفة خاصة- الذين شكلوا القاعدة الاجتماعية والسياسية للنظام الملكي، وكانوا في الوقت نفسه يمثلون المصدر الرئيسي المحتمل لمعارضة النظام الجديد؛ ومن ثم كان لابد من إضعاف قوتهم لتأمين مستقبل النظام الجديد، ولو على حساب الأوقاف…

تابع القراءة
انتخابات المغرب وأزمة العدالة والتنمية

انتخابات المغرب وأزمة العدالة والتنمية

  أُجريت الانتخابات التشريعية المغربية يوم الأربعاء 8 سبتمبر، وهي الانتخابات الثالثة من نوعها منذ صدور الدستور المغربي الجديد، وذلك بعد انتخابات عامي 2012 و2016. كما أنها الانتخابات الخامسة في عهد العاهل المغربي الملك محمد السادس. ووفقًا للنظام الانتخابي في المغرب، لا يمكن لحزب واحد الفوز بأغلبية مطلقة، الأمر الذي يجبر الفائزين على الدخول في مفاوضات لتشكيل حكومات ائتلافية ما يحد من النفوذ السياسي للأحزاب. وكانت كل السلطات التنفيذية في يد الملك حتى عام 2011، عندما وافق الملك محمد السادس على تحويل الحكم في البلاد إلى ملكي دستوري في خضم انطلاق المظاهرات والاحتجاجات في المنطقة فيما عُرف بالربيع العربي. وعلى الرغم من تخلي الملك عن بعض سلطاته كجزء من الإصلاحات الدستورية، إلا انه مازال أقوى شخصية في البلاد وهو الذي يختار رئيس الوزراء من الحزب الفائز بالانتخابات، والذي سيشكل بعد ذلك الحكومة ويقدمها للملك للموافقة عليها. وللقصر الكلمة الأخيرة في التعيينات المتعلقة بالإدارات الرئيسية بما في ذلك الداخلية والشؤون الخارجية والدفاع. كما أن القصر يحدد أيضًا الأجندة الاقتصادية في ذلك البلد. ويرأس الملك المجلس القضائي والجهاز الأمني، كما أن بعض المناصب الرئيسية مثل وزير الداخلية يشغلها تكنوقراط يعينهم الملك. فماذا كانت نتائج الانتخابات؟ وما هو موقف الأحزاب منها؟ ومن هم الفائزون؟ وكيف تشكَّلت أزمة حزب العدالة والتنمية؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها.. نتائج الانتخابات وموقف الأحزاب منها: قالت وزارة الداخلية في بيان لها أن حزب التجمع الوطني للأحرار تصدر الانتخابات البرلمانية بحصوله على 97 مقعد، بعد فرز 96% من الأصوات، يليه حزب الأصالة والمعاصرة برصيد 82 مقعد، وجاء في المركز الثالث حزب الاستقلال بحصوله على 78 مقعد بينما حصل حزب الاتحاد الاشتراكي على 35 مقعد. وحل في المرتبة الخامسة حزب الحركة الشعبية بـ 26 مقعد، ثم التقدم والاشتراكية بـ 20 مقعد، وفي المركز السابع جاء الاتحاد الدستوري بـ 18 مقعد، بينما حل حزب العدالة والتنمية في المركز الثامن بـ 12 مقعد. وأضاف بيان وزارة الداخلية المغربية أن نسبة التصويت بلغت 50.35%، وهي نسبة تفوق نظيرتها في انتخابات 2016. وتظهر نتائج هذه الانتخابات تحولًا هائلًا في الحظوظ بين حزبي التجمع الوطني للأحرار والعدالة والتنمية حيث حصل الأول على 37 مقعد فقط في انتخابات عام 2016، بينما حصل الثاني حينئذ على 125 مقعد. وكان حزب العدالة والتنمية قد شكا في وقتٍ سابق من “مخالفات خطيرة” أثناء التصويت، حيث اتهم منافسيه بشراء الأصوات. وقال الحزب: “نحن قلقون للغاية ونحن نراقب تقدم الانتخابات الوطنية، لقد شهدنا العديد من المخالفات”. ومن جانبه، وصف عزيز أخنوش زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار اتهامات حزب العدالة والتنمية بأنها “اعتراف بالفشل”. كما قال وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت إن التصويت جرى “في ظروف طبيعية” باستثناء بعض الحوادث المنفردة. وقد قدَّم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين عثماني استقالته من زعامة الحزب، بعدما فشل رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، في الاحتفاظ بمقعده البرلماني عن دائرة “الرباط المحيط” بالعاصمة. وجاءت الاستقالة بعد أن دعا لها عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق للحزب إثر “هزيمة مؤلمة” للحزب في الانتخابات البرلمانية. وكان بنكيران قد هاجم أخنوش، في مقطع فيديو ناري على فيسبوك عشية الانتخابات. وقال بنكيران: “رئيس الحكومة يجب أن يكون شخصية سياسية نزيهة وفوق الشبهات”. ورد أخنوش، الذي يُقال أنه مُقرَّب من القصر الملكي، بأن الهجمات كانت “اعترافًا بالفشل” من قِبل خصومه، وتعهد بعدم الرد.[1] من هم الفائزون؟ تحوَّل حزب التجمع الوطني للأحرار من كونه عضوًا صغيرًا في الائتلاف الحاكم السابق إلى الحزب الرائد في الائتلاف الجديد. ويُعد هذا الحزب الذي يتزعمه رجل الأعمال الملياردير عزيز أخنوش أقل محافظة من العدالة والتنمية، وبالتالي فهو أقرب إلى الملك محمد السادس. وتأسس هذا الحزب في عام 1978، ويتألف من رجال الأعمال والتكنوقراط وموظفي الخدمة المدنية رفيعي المستوى. ونجحت حملة الحزب في استمالة الناخبين تحت شعار “أنت تستحق الأفضل”، مكتوبًا باللهجة المغربية بدلًا من العربية التقليدية. وكان أخنوش وزيرًا للزراعة والثروة السمكية خلال فترة عضويته في الائتلاف الحكومي. ووفقًا لمجلة فوربس، تبلغ ثروة أخنوش ملياري دولار وقد جمعها من العمل في مجالات الطاقة والبنوك والعقارات والسياحة. كما أن زوجته، إدريسي أخنوش، سيدة أعمال قوية حيث أسست وأدارت مجموعة أكسال التي تسيطر على 50% من موروكو مول، أحد أكبر سلاسل مراكز التسوق في إفريقيا. وكتب إسامبارد ويلكنسون تقريرًا في صحيفة التايمز البريطانية قُبيل الانتخابات المغربية، بعنوان “عزيز أخنوش: رجل الملك الذي يهدف إلى الإطاحة بالإسلاميين في المغرب”. ووصف الكاتب عزيز أخنوش بأنه صديق الملك المغربي محمد السادس، وقال إن “لحظة توليه رئاسة الوزراء قد حانت، وحزبه سيفوز في الانتخابات العامة. وبعد ذلك، يأمل الناس، أن ينثر سخاء على معقله السياسي (الساحل الجنوبي للمغرب)، ويمنح أهلها المدارس والمستشفيات والوظائف، وفي بعض الحالات المال لشراء الأحذية الجديدة التي هم في أمس الحاجة إليها”. ويشير الكاتب إلى أن “أداء المغرب كان جيدًا نسبيًا من الناحية الاقتصادية، لكن النمو بحاجة إلى أن يمتد إلى ما وراء المدن الكبيرة”. ويوضح الكاتب أن النقاد “يرون أن تغيير الحزب الحاكم لن يكون تغييرًا على الإطلاق. ويشيرون إلى حقيقة أنه مهما كانت النتيجة، فإن الملك سيظل أعلى سلطة في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والدينية”. ويضيف الكاتب “يذهب البعض إلى أبعد من ذلك ليشير إلى أن هزيمة حزب العدالة والتنمية ستكون إلى حدٍّ ما أحد أعراض تراجع الإصلاحات التي أجراها الملك بعد الربيع العربي، والتي أعطت مزيدًا من الصلاحيات للبرلمان المنتخب والحكومة”. “وزاد نجاح أخنوش من التوترات الأسبوع الماضي، فيما اتهمه الإسلاميون وأحزاب أخرى بالإنفاق غير القانوني على حملته الانتخابية، ويتهم آخرون حزبه بأنه جزء من القوى التي روضت حزب العدالة والتنمية نيابةً عن الملك، ونجحت في المناورة للإطاحة بعبد الإله بنكيران، وهو شعبوي يتمتع بشخصية كاريزمية كان رئيسًا للوزراء قد شكَّل تهديدًا محتملًا للنظام الملكي وسلطته”، وفقًا للكاتب.[2] أزمة حزب العدالة والتنمية: بينما تتجه القراءات والتحليلات لنتائج الانتخابات المغربية إلى تفسير السقوط المدوي لحزب العدالة والتنمية بعدم الرضا الشعبي عن منجزات الحزب وأدائه ضمن الائتلاف الحكومي وعدم وفائه بتعهداته بتحسين الظروف المعيشية ومحاربة الفساد وغيرها من أمهات القضايا العالقة، فهناك قضايا أخرى تسببت في الأزمة الحالية التي يمر بها الحزب، وهي: – إشكالية ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني: والذي ساهم بشكلٍ كبير في زعزعة وحدة الحزب وتآكل قاعدته الشعبية. فعلى الرغم من أن توقيع المملكة المغربية اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني في 22 ديسمبر 2020 كان حدثًا صادمًا للرأي العام المغربي والعربي حينها؛ فإن تماهي حزب العدالة والتنمية المغربي ذي المرجعية الإسلامية مع هذا القرار ومشاركته فيه كان المفاجأة الكبرى والضربة الموجعة للأنصار والمؤيدين. فالحزب لطالما رفع الشعارات المناهضة للتطبيع منذ تأسيسه عام 1967، وشدد دائمًا على عدالة القضية الفلسطينية. وواجه…

تابع القراءة
انقلاب غينيا كوناكري: الدوافع والمآلات

انقلاب غينيا كوناكري: الدوافع والمآلات

  على مدى عشر سنوات من حكم ألفا كوندي، شهدت غينيا نموًا اقتصاديًا مستدامًا بفضل ثروتها من البوكسيت وخام الحديد والذهب والألماس، لكن قلة من مواطنيها تمتعوا بالمزايا. وفي أكتوبر الماضي، فاز كوندي البالغ من العمر 83 عامًا بفترة رئاسة ثالثة في انتخابات شابتها احتجاجات عنيفة قُتل فيها العشرات. وتشهد غينيا ذه الأيام محاولة انقلابية لم تتكشف مآلاتها بعد، وذلك في أعقاب قيام عناصر قوات المهام الخاصة بالجيش، في 5 سبتمبر الجاري، بإلقاء القبض على الرئيس ألفا كوندي، وإعلان تعطيل العمل بالدستور وحل مؤسسات الدولة. وقد جاء هذا التطور بعد ساعات من الاضطرابات التي شهدتها العاصمة كوناكري. فكيف حدث الانقلاب في غينيا؟ وما هي دوافعه؟ وماذا كانت ردود الفعل الدولية والإقليمية عليه؟ كل تلك التساؤلات وغيرها هي ما ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها.. كيف حدث الانقلاب؟ في الثامنة من صباح الأحد أفاد شهود عيان بانتشار جنود يحملون أسلحة آلية في شوارع منطقة كالوم التي يوجد بها القصر الرئاسي في العاصمة الغينية كوناكري، وذلك بعد سماع دوي إطلاق نار كثيف، مع رصد وصول رتلين من العربات المدرعة والشاحنات الصغيرة إلى ميناء كوناكري. كما تم رصد إطلاق نار في مناطق متعددة من المدينة. وثبت بعد ذلك أن إطلاق النار شارك فيه أفراد غاضبون من القوات الخاصة، وهي وحدة للنخبة في الجيش. وبمرور الوقت تم إغلاق الجسر الوحيد الذي يربط البر الرئيسي بحي كالوم، الذي يضم معظم الوزارات والقصر الرئاسي، وتمركز العديد من الجنود -بعضهم مدجج بالسلاح- حول القصر، كما بدأ سقوط ضحايا بين المدنيين في مناطق متفرقة من العاصمة كوناكري. مع تصاعد التوتر في العاصمة الغينية أصدرت وزارة الدفاع الغينية بيانًا أعلنت فيه أن الحرس الرئاسي تصدى لهجوم شنته قوات خاصة على قصر الرئاسة، مضيفة أن قوات الأمن استعادت النظام، حيث أشارت إلى أن المتمردين أثاروا الرعب في كوناكري، غير أن الحرس الرئاسي مدعومًا بقوات الدفاع والأمن والقوات الموالية قد احتووا التهديد وصدوا مجموعة المعتدين. لكن -في المقابل- أصدرت المجموعة المسلحة التي داهمت القصر الرئاسي مقطعًا مصورًا بثّته على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وليس على التلفزيون الرسمي، أعلنت فيه القبض على رئيس الجمهورية ألفا كوندي، مع بث مقاطع فيديو تُظهر الرئيس رهن الاحتجاز. كما أعلنت المجموعة المسلحة التي تنتمي للقوات الخاصة بالجيش الغيني عن حل مؤسسات الدولة في غينيا، وإبطال العمل بالدستور القائم، وحل الحكومة، وإغلاق الحدود البرية والجوية. ويقود المجموعة التي ألقت القبض على الرئيس قائد وحدة المهام الخاصة في الجيش الغيني مامادي دومبويا الذي يُعد عضوًا سابقًا في الفيلق الأجنبي الفرنسي، وهو ما أهله لرئاسة وحدة المهام الخاصة منذ تشكيلها عام 2018. وقد دعا دومبويا في كلمته المسجلة التي تم بثها عبر التلفزيون الرسمي -خلافًا للبيان الأول- العناصر العسكرية إلى البقاء في ثكناتهم، محملًا الحكومة المسؤولية عن تردي الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، والإساءة لنظام العدالة، وانتهاك حقوق المواطنين، وعدم احترام المبادئ الديمقراطية، وتسييس المسائل الإدارية، بالإضافة إلى الفساد. كذلك قال دومبويا في كلمته المصورة، إن المجموعة العسكرية تعتزم تشكيل حكومة انتقالية، على أن يعلن عن التفاصيل في وقت لاحق.[1] دوافع الانقلاب: يُمكن إرجاع المحاولة الانقلابية الأخيرة التي شهدتها غينيا إلى عددٍ من الدوافع الرئيسية: أولها؛ أزمة التعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسية؛ ففي الثاني والعشرين من مارس 2020 أجرت غينيا استفتاءً على تعديل الدستور شارك فيه 58% من الناخبين، ووافق عليه 89% من المشاركين في التصويت، في ظل مقاطعة جزء كبير من أحزاب المعارضة وتنظيمات المجتمع المدني المنضوية تحت راية موحدة حملت اسم “الجبهة الوطنية للدفاع عن الدستور”، والتي اتهمت نظام ألفا كوندي بالسعي لتمكين الرئيس من الترشح لولاية ثالثة بعد انتهاء ولايتين دستوريتين امتدتا لعشر سنوات. وقد فجَّرت التعديلات الدستورية موجة احتجاجية سقط خلالها قتلى وجرحى. وبالفعل، أعقب الانتخابات الرئاسية التي نُظمت في 18 أكتوبر موجة من أعمال العنف خلفت أكثر من عشرين قتيلًا، قبل أن تعلن لجنة الانتخابات فوز الرئيس ألفا كوندي بولاية ثالثة من 6 سنوات. وثانيها؛ وجود مؤشرات تمرد بالمؤسسة العسكرية؛ فلا تشكل المحاولة الانقلابية الأخيرة في غينيا ظاهرة مفاجئة، ففي السابع عشر من أكتوبر 2020 قامت مجموعات من جنود القوات المسلحة الغينية بتطويق جميع الطرق المؤدية إلى حي كالوم (المركز الإداري للعاصمة كوناكري) مطالبين الراجلين وسائقي السيارات والدراجات النارية المتجهين إلى المنطقة بالعودة. وقد كان هذا الإجراء جزءًا من محاولة تمرد بدأت في معسكر كينديا على يد جنود من الشباب استولوا على أسلحة، وسعوا لإطلاق سراح زملاء لهم مسجونين منذ مارس 2020 بسبب إقدامهم على محاولة انقلابية سابقة عشية الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وقد تمكن الجنود من قتل مامادي كوندي آمر ثكنة كيمي بوراما في معسكر كينديا، قبل أن يتمكنوا من الاستيلاء على أسلحة ثقيلة. وثالثها؛ تنامي أهمية القوات المسلحة الغينية؛ ويأتي الانخراط المتزايد من جانب القوات المسلحة في الشأن السياسي على خلفية الارتفاع الكبير في مكانة المؤسسة العسكرية داخليًا وإقليميًا، ففي الداخل شهدت الأيام الأخيرة من عام 2020 قتل ستة أشخاص على الأقل وإصابة العشرات بجروح في أعمال عنف طائفية دارت في مدينة ماسنتا بجنوب غينيا بين طائفتي توما مانيا ذات الأغلبية المسلمة وتوما التي يدين القسم الأكبر من أفرادها بالمعتقدات التقليدية، وقد أصيب العديد من العسكريين في الاشتباكات بعد إرسال تعزيزات عسكرية من مدينتي جويكيدو ونزيريكوري المجاورتين لماسنتا. أما على المستوى الخارجي، فقد أعلنت سفارة الولايات المتحدة في كوناكري، في مارس 2021، أن معسكر ساموريا في كينيديا سيتسلم دعمًا عينيًا بقيمة مليوني دولار أمريكي في صورة منحة من الحكومة الأمريكية، مشيرة إلى أن سفارة الولايات المتحدة تعتز بدعم غينيا في مكافحة الإرهاب والعنف في إطار بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لبسط الاستقرار في مالي (مينوسما). وقد تزامنت مراسم تسليم المنحة الأمريكية مع انطلاق تدريب وحدة “جانجان 7” التي سيتم نشرها في مالي في إطار البعثة الأممية. ورابعها؛ تفاقم عدوى الانقلابات في غرب إفريقيا؛ حيث تأتي المحاولة الانقلابية الأخيرة في غينيا لتكمل ظاهرة لافتة تشهدها دول غرب إفريقيا وهي العودة القوية للانقلابات العسكرية، حيث عانت مالي من انقلابين متتالين في أغسطس 2020 ثم مايو 2021. وفي تشاد تولَّت المؤسسة العسكرية حكم البلاد بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي. وتمتد هذه الظاهرة لتشمل حالة بوركينافاسو في 2014 و2015، وقبلها مالي في عام 2012، بالإضافة إلى تدخل المؤسسة العسكرية الغينية لإدارة شؤون البلاد في أعقاب وفاة الرئيس السابق لانسانا كونتي.[2] الانقلاب الثاني في إفريقيا خلال عام: وكانت مالي التي ترزح تحت وطأة تمرد جهادي دام،  قد غرقت في أزمة سياسية العام الماضي أدت إلى انقلاب عسكري في أغسطس 2020 ضد الرئيس المنتخب ابراهيم بوبكر كيتا. وفي مايو الماضي، أثار تعديل وزاري غضب الجيش فأطاح بالرئيس المدني الانتقالي وعين مكانه الكولونيل أسيمي غويتا. لكن قادة مالي يكررون باستمرار تعهدهم…

تابع القراءة
علاقة السيسي بالعمل الخيري.. قراءة تحليلية لاحتفال «أبواب الخير»

علاقة السيسي بالعمل الخيري.. قراءة تحليلية لاحتفال «أبواب الخير»

    الاحتفال الضخم الذي أقامه الدكتاتور عبدالفتاح السيسي في العاصمة الإدارية الجديدة بمناسبة اليوم العالمي للعمل الخيري يوم الأحد  05 سبتمبر 2021م (يتوافق يوم 5 سبتمبر من كل عام)، تحت مسمى «أبواب الخير»[[1]]، والذي بثته جميع فضائيات السلطة بثا مباشرا وتابعته الآلة الإعلامية للنظام  دقيقة بدقيقة احتفاء بإطلاق ما وصفته بأكبر قافلة إنسانية لرعاية مليون أسرة على مستوى الجمهورية والتي تستهدف نحو  خمسة ملايين مواطن، تبرهن على أن السيسي قد تمكن  خلال سنوات ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013م، من تأميم العمل الخيري في مصر من الألف إلى الياء، كما تمكن من تأميم الفضاء السياسي والإعلامي والديني، والهيمنة المطلقة على مفاصل السلطة والمجتمع في مصر، وأن جميع المنظمات الخيرية المسموح لها بالنشاط حاليا إنما تحولت إلى أدوات للسلطة تحركها كيفماء تشاء وتوظفها وتوظف أنشطتها الخيرية لخدمة أجندة النظام السياسية والدعاية السياسة له، دون أن تتمتع هذه المؤسسات بأي هامش استقلالية في قرارها ونشاطها وإدارتها، فالكلمة العليا للسيسي وأجهزته الذي يفرض وصايته على مصر وشعبها بأدوات البطش والقهر والإرهاب. يبرهن على ذلك عدة أدلة وشواهد. أولا، السيسي  يريد بهذه الاحتفالية أن يتصدر اللقطة و يحظى بأكبر قدر من الشو الإعلامي رغم أن علاقته بالعمل الخيري في مصري تكاد تنعدم، فصورة السيسي في أذهان المصريين مرتبطة بجابي الضرائب الباهظة (نحو 80% من موارد الدولة من الضرائب) وجامع الرسوم المرتفعة والمسئول عن الغلاء الفاحش الذي ضرب كل صور الحياة في مصر وحوَّل حياة المصريين إلى جحيم لا يطاق؛ وبالتالي فإن السيسي يريد بهذه اللقطة الإعلامية ترميم صورته وشعبيته المتآكلة ليظهر حتى لو حساب غيره في صورة من يتصدر أعمال الخير في البلاد. فهو هنا يشرف على عملية عطاء وليس عملية جباية كما هو معتاد، وهي لقطة أشرفت على إخراجها أجهزته المخابراتية والأمنية كجزء من الدعاية للسيسي والنظام ككل. والدليل على ذلك أن هذه القافلة مولتها تبرعات مؤثرين وخيريين من أبناء الشعب المصري، حيث شاركت فيها 18 منظمة خيرية من منظمات المجتمع المدني هي  (الأورمان ، مصرالخير، الجمعية الشرعية، بنك الطعام المصري، راعي مصر، رسالة، مؤسسة أشرقت الخيرية، تحسين أوضاع المراة، المصباح المضئ، صلاح الدين، البروالتقوي، الهيئة القبطية الإنجيلية، خيردمياط، خير بلدنا، نهضة بني سويف، تواصل، صناع الحياة، الاتحاد النوعي لرعاية الأيتام).[[2]] وذلك بالتعاون مع “صندوق تحيا مصر” ووزارة التضامن بحكومة الانقلاب. ورغم ذلك فقد توارت أسماء هذه المنظمات  ولم يبرز إعلاميا إلا صندوق تحيا مصر؛ في رسالة غير خافية من ناحيتين: الأولى أن السيسي يوظف تبرعات المصريين سياسيا للدعاية لنفسه ونظامه، وهو سلوك مشين عاب القرآن فاعله بوصفه من الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، ويحب أن يرى على أكتاف الآخرين بلا مجهود منه. الثاني أن الهدف هو تكريس وضعية صندوق تحيا مصر باعتباره رأس العمل الخيري في مصر حتى لو كان ذلك على حساب باقي منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية في مصر. ثانيا، لا يريد السيسي من المنظمات والمؤسسات الخيرية سوى جمع الأموال وتبرعات المؤثرين ثم تسليمها له ليكون له هو وحده وأجهزته حرية التصرف فيها كيفما يشاء، فالهدف هو توظيف أعمال البر والخيرات لتحصيل أكبر قدر ممكن من أموال الناس لتوجيهها على النحو الذي تراه السلطة ويخدم أجندتها لتوفير الأموال من جهة أخرى لتمويل مشروعات السيسي العملاقة التي ثبت أنها بلا جدوى اقتصادية أو عوائد مستمرة ودائمة كالعاصمة الإدارية والمدن الجديدة والقطار الكهربي وغيرها والتي لا يستفيد منها سوى طبقة الحكم والأثرياء.  وبهذه التبرعات يوظف السيسي ذلك سياسيا ودعائيا له ولنظامه فهو حريص كل الحرص على  اللقطة من كل زواياها وأبعادها؛ وذلك فهو شديد الاهتمام بإدخال أنشطة “صندوق  تحيا مصر” إلى موسوعة “جينيس” للأرقام القياسية، حيث دخل الصندوق الموسوعة برقمين هما أكبر قافلة تبرع بالدواجن،  وأكبر قافلة تبرع بكراتين المواد الغذائية على مستوى العالم. وهو ما تحقق  بجهود ومشاركة 22 مؤسسة خيرية أخرى و500 جمعية خيرية فرعية، وليس بنشاط الصندوق وحده. ويعمل النظام على تحطيم ثلاثة أرقام أخرى خاصة بموسوعة جينيس وهي أكبرُ حملةٍ للتبرعِ بالأجهزةِ الطبيةِ على مستوى العالمِ، بما في ذلك أجهزةُ الغسيلِ الكُلويِّ، وحاضناتِ الأطفالِ، وأجهزةِ التنفسِ الصناعيِّ، وكذلك أكبرُ حملةٍ للتبرعِ بالأجهزةِ المنزليةِ بواقعِ 4500 جهازٍ، وأخيرًا أكبرُ تبرعٍ بالموادِّ الغذائيةِ، بإجماليِّ مليونِ كرتونةٍ مُوجَّهةٍ لمساعدةِ الأسر في ربوعِ مصر.  هي إذا اللقطة والشو الإعلامي وهذا هو الأهم بالنسبة للسيسي ونظامه؛ لأنه في ذات الوقت الذي تتحطم فيه أرقام جينيس بفعل تدخل الدولة تزداد معدلات الفقر في مصر بصورة مرعبة وهي الحقائق التي يطمسها النظام عمدا ولا يراد لها أن تكشف أمام الناس والرأي العام المحلي والدولي. ثالثا، حصر العمل الأهلي والخيري في المقربين من النظام والمرضي عنهم من جانب الأجهزة الأمنية التي باتت تهمين على كل شيء؛ كما يتم توظيف نشاط هذه المؤسسات الخيرية توظيفا سياسيا لخدمة أهداف النظام ومآربه؛ فبعد غلق آلاف الجمعيات وتجميد نشاطها ونهب أموالها وأصولها خلت الساحة من الجمعيات التي يديرها موالون للنظام مثل جمعية رسالة والأورمان وبنك الطعام ومؤسسة مصر الخير وكلها جمعيات يديرها لواءات سابقون أو شيوخ موالون للنظام. وحتى الجمعية الشرعية التي أعلن عن تجميد نشاطها في أعقاب الانقلاب تم إعادة نشاطها بعد وضع آليات تضمن سيطرة الأمن الوطني على جميع أنشطتها سواء في المقر الرئيس أو المقار الفرعية في جميع المحافظات خصوصا المشروعات الخيرية التي تقوم بها الجمعية. رابعا، تكريس وضعية صندوق تحيا مصر باعتباره قاطرة العمل الخيري في مصر، بما يعني تأميم العمل الخيري وجعله شأنا حكوميا لا مدنيا ويقوم عليه النظام وأجهزته الأمنية وليس المجتمع وقواه الحية الفاعلة. وبالتالي فالهدف هو تعزيز قبضة السلطة على حساب إضعاف المجتمع وتهميش دوره حتى يبقى دائما تحت وصاية السلطة والاحتياج الدائم والمستمر لها. وقد صادق السيسي في 15 يونيو 2021م على قانون رقم 68 لسنة 2021م بتعديل بعض أحكام القانون رقم 84 لسنة 2015م بإنشاء صندوق “تحيا مصر”.[[3]] وبنظرة أكثر عمقا، يمكن الجزم بأن التعديل الجديد يستهدف بالأساس إعطاء الصندوق أولوية لقيادة العمل الأهلي في مصر من المنظور الخاص بالنظام، وليس بالمعنى التقليدي للعمل الأهلي، بأن يكون هذا العمل موازياً لممارسات الحكومة، وليس نابعاً من المجتمع كشريك للدولة في التنمية. ووفقاً للتعديل، لن تكون أي منظمة أهلية، بما في ذلك ما يتبع المخابرات العامة وغيرها من الأجهزة الحكومية، قادرة على منافسة “صندوق تحيا مصر” في أي مجال.[[4]] فالتعديل يعالج مسألتين مهمتين يرغب النظام في إغلاقهما نهائياً وعدم إثارة الجدل بشأنهما مستقبلاً: الأولى، هي غياب الرقابة والتحصيل الضريبي عن التبرعات الضخمة التي أصبحت تنهال على الصندوق من رجال الأعمال. ويرى البعض أنها باتت بمثابة “قرابين” لضمان السلامة والاستمرار في العمل في المشاريع المختلفة مع الأجهزة، تحديداً الجيش. أما المسألة الثانية التي يريد النظام الانتهاء منها، فهي التوسع…

تابع القراءة
زيارة رئيس الوزراء الصومالي للقاهرة: الأهمية والأهداف

زيارة رئيس الوزراء الصومالي للقاهرة: الأهمية والأهداف

  انطلقت أواخر شهر يوليو الماضي انتخابات مجلس الشيوخ داخل الولايات الصومالية الخمس بعد نحو تسعة أشهر من الانتظار، وسوف تُجرى انتخابات مجلس الشعب الاتحادي في سبتمبر الجاري. وتم تعيين روبلي رئيسا للوزراء في السابع عشر من سبتمبر من العام الماضي خلفًا لحسن علي خيري الذي سحب البرلمان الثقة منه بتهمة فشل حكومته في إيصال البلاد إلى مرحلة إجراء انتخابات مباشرة. وتنصَّب مهمة روبلي على ترتيب الأوضاع لإجراء انتخابات، ومحاولة الجمع بين الأطراف على أساس وطني بعيدًا عن الانتماءات المناطقية والاجتماعية والسياسية المسبقة، خاصةً بعد تفويضه في الأول من مايو الماضي بتنظيم عملية الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وتُعد زيارة رئيس الحكومة الصومالي، محمد روبلي، إلى مصر ذات أهمية كبرى للبلدين في هذا التوقيت، نظرًا لتطلع مقديشيو لإجراء الانتخابات الفيدرالية المتعثرة في موعدها، علاوةً على أزمة سد النهضة والجوار الصومالي لإثيوبيا. فما هي أهداف الزيارة؟ وما الذي ستسفر عنه تلك الزيارة؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها.. مضمون الزيارة: غادر رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي، إلى القاهرة، يوم الاثنين 16 أغسطس، في زيارة هي الأولى منذ توليه المنصب. ويرافق رئيس الوزراء الصومالي في زيارته الرسمية إلى مصر وفد رفيع يضم عددًا من الوزراء، وفق بيان مقتضب من مكتب روبلي. وقال البيان أن روبلي غادر إلى القاهرة على رأس وفد حكومي؛ وذلك بدعوة رسمية من عبد الفتاح السيسي، دون المزيد من التفاصيل. بيد أن مصادر مقربة من مكتب رئيس الوزراء ذكرت أن روبلي والسيسي سيبحثان العلاقات الثنائية بين البلدين وقضايا الانتخابات وملفات أخرى. وسبق زيارة روبلي، لقاء جمعه بسفير مصر لدى الصومال محمد إبراهيم نصر، الذي سلمه دعوة رسمية من السيسي، لزيارة القاهرة. وبحث اللقاء سُبل تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر والصومال، والعمل على تنميتها بما يخدم مصالح البلدين. وأشاد وزير الخارجية الصومالي محمد عبد الرزاق، حينها، بالمساعدات التي قدمتها مصر لبلاده في مواجهة جائحة كورونا. ومنذ تسمله منصبه، في سبتمبر الماضي، يسعى رئيس الوزراء الصومالي إلى تعزيز علاقات بلاده بالعالم الخارجي سواء الإقليمي أو الدولي. فالأسبوع الماضي، أجرى زيارة رسمية إلى كينيا، استغرقت ثلاثة أيام، هي الأولى له منذ قطع العلاقات مع نيروبي، في ديسمبر الماضي. واتفق البلدان خلال الزيارة، على تعزيز العلاقات الدبلوماسية الثنائية وتفعيل لجنة التنسيق المشتركة.[1] أهداف الجانب المصري من الزيارة: حملت الزيارة التي يقوم بها رئيس وزراء الصومال محمد حسين روبلي إلى القاهرة رسائل سياسية إيجابية بشأن اهتمام مصر بنجاح الانتخابات التشريعية والرئاسية في الصومال، وحرصها على إنهاء فترة القطيعة السياسية معه. ويشير التوجه المصري نحو دعم تحركات روبلي الرامية إلى إنجاز مهمة الانتخابات إلى تباعد مع الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو الذي حاول تعطيلها، وهو المعروف بعلاقته الوطيدة مع كل من قطر وتركيا، ما يعني أن القاهرة يمكن أن تصطدم بتوجهات الدوحة وأنقرة في الصومال بعد أن هدأت العلاقات السياسية الثنائية وفي بعض المحطات الإقليمية مع كلتيهما مؤخرًا. وقال نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية صلاح حليمة أن القاهرة منزعجة من الوجود التركي في الصومال تزامنًا مع نشاط مُتوقع لبعض التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وتسعى للتنسيق الأمني مع الحكومة الفيدرالية في ظل معلومات أشارت إلى أن حركة الشباب الصومالية التي لديها علاقات وطيدة مع حركة طالبان قد تكثف عملياتها على نطاق إفريقي أوسع. وأضاف أن تركيا تتواجد على ثلاثة محاور تهدد الأمن القومي المصري، وهي الصومال وليبيا وتبني قوة ثالثة في أفغانستان، ما يُشكِّل خطرًا يستوجب التعامل معه عبر مستويات عديدة. وأكد حليمة الذي شغل منصب سفير الجامعة العربية في مقديشو أن القاهرة تسعى لعدم تكرار استقطاب الصومال ضد الإجماع العربي في قضية سد النهضة الإثيوبي، وتستهدف تأمين المصالح المصرية والعربية في البحر الأحمر بعد دخولها كدولة ضمن مجلس الدول المطلة على هذا الممر المائي الحيوي. ولا تنفصل زيارة روبلي عن مساعي القاهرة لتقديم الدعم اللازم لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في الصومال لضمان تولِّي سلطة منتخبة بعيدًا عن التأثير عليهما من جانب قطر وتركيا اللتين تدعمان خصمه فرماجو. ويدفع التقارب بين مصر ورئيس الوزراء الصومالي إلى تحريك دور القاهرة نحو بناء قدرات المؤسسات الوطنية في مجالات مختلفة بما يساعد في مجابهة التحديات. والتقارب مع روبلي يأتي باعتباره شخصية توافقية وليست لديه خلفيات سياسية تضعه في خانة تركيا وقطر، ويمكن أن يكون له دور مهم في مستقبل الصومال؛ فروبلي يملك رغبة واضحة في إعادة علاقات الصومال مع الدائرة العربية في مواجهة المد القطري والتركي المهيمنين على توجهات الرئيس فرماجو، ويتلاقى ذلك مع أهداف القاهرة التي تسعى لتنويع علاقاتها مع دول القارة الإفريقية والحفاظ على مصالحها في البلد الحيوي، لأن هناك إدراك بأن وضع فرماجو أضحى على المحك.[2] أهداف الجانب الصومالي من الزيارة: رافق رئيس وزراء الحكومة الفيدرالية الصومالية محمد حسين روبلي عدد من الوزراء والمسئولين الصوماليين أبرزهم وزراء الخارجية والتعليم العالي والتربية والثقافة، وخلال تواجده بالقاهرة أجري روبلي لقاءات بالعديد من المسئولين بالقاهرة على رأسهم رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي، وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي قلده الوشاح الصومالي وعمامة السلاطين التي يرتديها شيوخ العوائل في الصومال، وذلك تقديرًا لدور الأزهر الشريف وتأثيره الملموس في الشعب الصومالي. ورغم أن الزيارة كان ظاهرها الأجواء البروتوكولية المعتادة؛ إلا أن في طياتها حملت العديد من المؤشرات والمتغيرات في سير العلاقات المصرية الصومالية والديناميات المتغيرة في الساحة السياسية الصومالية، فالزيارة تعد الأبرز من نوعها بعد سلسلة الصدامات السياسية التي شهدتها الساحة السياسية في مقديشو منذ بداية العام الجاري بين كل من الرئيس محمد عبد الله فرماجو وقوى المعارضة وحكام الولايات الفيدرالية على خلفية أزمة الانتخابات الرئاسية. لذا تأتي تلك الزيارة لأجل تحقيق غايات ملموسة، أولها؛ إذابة الجمود في العلاقات؛ فقد تؤدي تلك الزيارة إلى إعادة العلاقات المصرية الصومالية وعودة الدعم المصري بقوة لعملية الاستقرار السياسي في الصومال ومعادلة النفوذ التركي القطري هناك. وثانيها؛ تأمين الانتخابات القادمة؛ فالصومال مقبلة على معركة سياسية وانتخابية مفصلية، في حال فشلها قد تعيدها مرة أخري لحالة الفشل والعجز التام التي كانت سائدة من قبل، وفي حال نجاحها قد تكون بوابة لعبور الصومال إلى مرحلة الاستقرار النسبي، لذا يسعى روبلي إلى تعبيد الطرق وتهيئة الأجواء لأجل إدارة انتخابية ناجحة تسعى إلى تحقيق الاستقرار السياسي. وثالثها؛ تطمين الداخل؛ تعاني الولايات الصومالية من سياسات فرماجو الخارجية الرامية إلى تغلب المصالح التركية والقطرية في البلاد، وأبدت تلك الولايات في أكثر من مناسبة امتعاضها من تلك السياسة الغير متوازنة مما أدي إلى انحصار النفوذ التركي على سبيل المثال في العاصمة مقديشو حيث القاعدة العسكرية. لذا تأتي تلك الزيارة كمؤشر على سعى مقديشيو إلى تحسين علاقاتها مع معظم الدول دون أن تكون في حالة استقطاب سياسي وإقليمي لصالح أحد القوى تجاه الأخرى.[3] مُخرجات الزيارة: ترأس مصطفى…

تابع القراءة
انقسامات جديدة في جنوب السودان

انقسامات جديدة في جنوب السودان

    يعاني جنوب السودان في ظل انعدام القانون والعنف العرقي منذ الحرب الأهلية التي اندلعت في البلاد عام 2013. وأعلن وقف لإطلاق النار عام 2018، لكن السلام ما زال هشًا؛ إذ أن أجزاء كثيرة من البلاد الشاسعة التي يبلغ عدد سكانها 12 مليون نسمة غير خاضعة للسلطة وتشهد أعمال عنف. وأعاد مشار بموجب الاتفاق تشكيل حكومة وحدة وطنية في فبراير 2020، أضعفتها على وجه الخصوص صعوبة تطبيق العديد من بنود الاتفاق. ويواجه مشار في هذا الصدد معارضة متنامية في صفوف حزبه، مع وجود فصائل متعارضة وتذمُّر مسؤولين من خسارتهم الناتجة عن الاتفاق مع الحزب الحاكم. وكجزء من اتفاق السلام الموقع في 2018، أعاد مشار في فبراير 2020 تشكيل حكومة وحدة وطنية، إلا ان التشكيك المتبادل تواصل وبدأت تظهر انشقاقات سريعًا بسبب الفشل في تنفيذ الكثير من بنود الاتفاق. وبسبب ذلك بدأ مشار يواجه معارضة متنامية في صفوف حزبه، مع وجود فصائل متعارضة وتذمر مسؤولين من خسارتهم في الاتفاق مع الحزب الحاكم. ويأتي هذا الانقسام السياسي فيما تواجه البلاد عدم استقرار مزمن وكارثة اقتصادية ومستويات عالية للغاية من انعدام الأمن الغذائي هي الأسوأ منذ الاستقلال. فما هي خلفيات الأزمة؟ وكيف تطورت؟ وما هي المواقف المختلفة منها؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها.. خلفيات الأزمة: رياك مشار المولود في عام 1953، درس الهندسة بجامعة الخرطوم، ولديه تاريخ طويل من الانشقاقات، بعضها قام بها بنفسه، وأخرى تمت في مواجهة قيادته. والتحق مشار عام 1984 بالحركة الشعبية التي كان يقودها جون قرنق، وأصبح من قياداتها السياسية ولعب أدوارا كبيرة في التحاق أفراد قبيلة النوير بالحركة التي اعتمدت على قبيلة الدينكا في نشأتها الأولى. لكنه لجأ عام 1991 للانشقاق عن قرنق، وأسس مجموعة الناصر، ودخل في معارك دامية مع قرنق، وأخذ معه أغلبية مقاتلي النوير من الحركة. وأقدم مشار على التفاوض مع حكومة الخرطوم بزعامة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ووقَّع معه عام 1997 اتفاقية الخرطوم للسلام، وأصبح بموجبها مساعدًا للبشير، ورئيسًا لمجلس تنسيق جنوب السودان. وعام 2002 عاد لممارسة طريقته، وانشق عن حكومة البشير، ثم عاد مرة أخرى للحركة الشعبية بقيادة قرنق. وفي عام 2003، ومع انطلاق مفاوضات السلام بين حركة جرنج والخرطوم، أصبح مشار عضوًا في وفد تفاوض الحركة. وبعد مقتل جرنج الغامض في تحطم مروحية قادمة من أوغندا (أغسطس 2005)، قفز مشار إلى منصب نائب رئيس الحركة خلف سلفاكير، وأصبح نائبًا لرئيس جنوب السودان، وأقام في جوبا. وعقب انفصال جنوب السودان عن الدولة الأم (يوليو 2011)، صار مشار نائبًا لرئيس الجمهورية الوليدة. بيد أن شهر العسل بينه وبين سلفاكير لم يدم طويلًا، حيث عزله في سبتمبر 2013. وفي ديسمبر 2013، اتهمه سلفاكير بمحاولة قلب نظام الحكم، وكانت تلك الشرارة التي أشعلت الحرب الأهلية بينهما. وبعد عامين من القتال، وقَّع الطرفان بوساطة إفريقية اتفاق سلام، وعاد مشار إلى موقعه نائبًا لرئيس دولة جنوب السودان. ولكنه لم يبقَ فيه إلا أشهر قليلة، فقد عزله تعبان دينغ، أحد قيادات حركته، من رئاسة الحركة. وإثر ذلك، قام سلفاكير بإحلال دينغ محل مشار، مما أدى لتجدد الحرب الأهلية، التي استمرت حتى عام 2018، عندما وقَّع الطرفان اتفاق سلام ظل من دون تنفيذ، تلاه مرة أخرى ما عُرف باتفاق السلام المنشط 2019. وعلى إثره، جلس مشار مرة أخرى على مقعد الرجل الثاني في دولة جنوب السودان، لكن الانشقاقات لم تتوقف عن مطاردته.[1] تطورات الأزمة: للمرة الثانية خلال 5 سنوات، يعزل أفراد من الحركة الشعبية لتحرير السودان رئيسها رياك مشار، الذي يشغل أيضًا منصب نائب رئيس دولة جنوب السودان، والذي يمتلئ تاريخه السياسي بانشقاقات متعددة، أنتج بعضها مواجهات مسلحة طويلة الأمد. ففي الخامس من أغسطس، أعلن قادة عسكريون في الحركة عزل مشار، وقال بيان صادر عنهم -حمل توقيع القائد العسكري سايمون غاتويش الذي عُين رئيسًا بالوكالة- إن مشار فشل تمامًا في إظهار صورة القيادي، وأضعف لحد كبير ثقل الحركة داخل الحكومة الائتلافية التي تشكَّلت في فبراير 2020. وحسب البيان، “اتبع مشار طوال سنوات سياسة فرِّق تسُد، وفضَّل المحسوبية على حساب الوحدة والتقدم”، وأضاف أيضًا أن قرار عزله اتُخذ بعدما وجد المجتمعون أنه “ما من خيار آخر”. لكن بول غابريال -المتحدث باسم مشار- رفض القرار، وقال “نؤكد دعمنا الكامل وولاءنا للرئيس الأعلى والقائد العام للحركة الشعبية لتحرير السودان في المعارضة وذراعها العسكرية”. لكن الأمر لم يقف عند التصريحات والبيانات بين العسكريين ومؤيدي مشار، إذ سرعان ما تحوَّل إلى مواجهات عسكرية في ولاية أعالي النيل المتاخمة لدولة السودان. وفي السادس من أغسطس، أي بعد 24 ساعة من عزل مشار، ادَّعى كل طرف بأنه صد هجومًا من الطرف الآخر في منطقة يسيطر عليها قريبًا من الحدود مع السودان. وتذكِّر الأحداث الأخيرة بما وقع عام 2016 عندما عزل الجنرال تعبان دينغ قاي، مشار من منصبه في رئاسة الحركة، وذلك بتنسيق مع حكومة جنوب السودان، التي سارعت إلى تعين تعبان في منصب نائب رئيس الجمهورية. وهو المنصب الذي كان يشغله مشار بموجب اتفاق السلام -الذي وقعه مع رئيس جمهورية جنوب السودان سلفاكير ميارديت عام 2015- لإنهاء النزاع الذي اندلع بينهما منذ 2013، ثم تحول إلى حرب أهلية بين قبيلتي الدينكا -التي ينتمي إليها سلفاكير- والنوير قبيلة مشار، وهما أكبر قبيلتين متنافستين على السلطة في الدولة الوليدة منذ زمن طويل. وأدى عزل مشار رياك عام 2016 إلى عودة المواجهات بينه وبين حكومة جوبا، مما تسبب في انهيار اتفاق السلام. وتتشابه الأحداث بين 2016 واليوم من خلال المواجهات المسلحة التي لم تنتظر طويلاً، رغم محاولة مشار طمأنة أنصاره بالقول إن “أعداء السلام هم من يقفون خلف انشقاق مجموعة غاتويش”. ومع المخاوف من تكرار السيناريو، عدم إقدام سلفاكير على خطوة سريعة كما فعل مع تعبان دينغ، قد يُبقي الأمر داخل فصيل مشار، من دون أن يطال اتفاق السلام بين الطرفين. ويصوب العسكريون انتقادات لزعيمهم السابق مشار، على خلفية ذهابه إلى جوبا وتوليه منصب نائب الرئيس من دون تنفيذ بند الترتيبات الأمنية المُدرج في اتفاقية السلام، الذي نص على دمج العسكريين من فصيل مشار في جيش الدولة. وعلى الرغم من مرور عامين على تنشيط الاتفاق (2019)، فإن بند الترتيبات الأمنية لم يتقدم، وظلَّت قوات المعارضة في مواقعها التي كانت تسيطر عليها قبل الاتفاق. ويعاني اتفاق السلام من تأخر تنفيذ بنوده، خاصة ما يتعلق بالترتيبات الأمنية والعدالة الانتقالية ومحاكمة الذين تسببوا بالانتهاكات ضد المدنيين في أثناء الحرب الأهلية. بينما الملف الوحيد الذي حدث فيه تقدم كان تقاسم السلطة؛ حيث تولى مشار منصب نائب الرئيس، ووصل أعضاء من حركته إلى مجلس الوزراء، إضافة إلى تعيينه حكاما على الولايات.[2] محاولة فاشلة للانقلاب على مشار: دارت معارك طاحنة السبت بين فصائل متناحرة داخل الذراع العسكرية للحركة الشعبية…

تابع القراءة
تمديد الاجراءات الاستثنائية في تونس لأجل غير مسمى.. الدلالات والتداعيات المستقبلية

تمديد الإجراءات الاستثنائية في تونس.. الدلالات والتداعيات المستقبلية

  بقرار الرئيس التونسي قيس سعيّد، في 25 أغسطس الماضي، تمديد العمل بالإجراءات الاستثنائية، الصادر بمناسبة مرور شهر على انقلابه على الدستور في 25 يوليو الماضي، تدخل تونس عملياً مرحلة جديدة، مفتوحة على الاحتمالات كافة، في انتظار أن يفصح الرئيس عن نواياه، خصوصاً أن احتمال استمرار تعطيل الحياة السياسية مطولاً يبقى قائماً، لا سيما مع معرفة نوايا سعيّد ومشروعه السياسي الذي أفصح عنه حتى من قبل وصوله إلى الرئاسة، والذي يتمثل بإنهاء دور الأحزاب. ومضى سعيّد، كما كان متوقعاً، في قرار الإمساك بالبلاد، معطلاً كل المؤسسات ومنصباً نفسه الآمر الناهي الوحيد في الدولة، حتى وإن كان ذلك يشكّل مخالفة فاضحة للدستور الذي قال سعيّد إنه استند إليه يوم 25 يوليو الماضي، عندما علّق عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وحل الحكومة. ولم يأبه بكل المناشدات والتحذيرات، التي كانت تتخوف من إبقاء البلاد تحت هذه الإجراءات الاستثنائية إلى ما بعد انقضاء مدة الشهر التي كان حددها سعيّد نفسه، لكن غالبية الأحزاب، وبينها “النهضة”، رفضت تلك القرارات، ولم تتوقف إجراءات “سعيّد”، عند هذا الحد بل شملت فيما بعد إعفاء مسؤولين في قطاعات عدة وفرض الإقامة الجبرية أو المنع من السفر على آخرين بدعوى التحقيق في شبهات فساد تلاحقهم. أولا: الظروف المحيطة بقرار التمديد وصولا لقرار التمديد، أقال سعيد منذ 25 من يوليو نحو 40 مسؤولًا من بينهم رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي ووزراء ومستشارون بالحكومة وقيادات أمنية بالداخلية ومحافظون وكاتب عام هيئة مكافحة الفساد، فيما عين 4 وزراء (مكلفين بتسيير وزارات) ومحافظين وعددًا من القيادات الأمنية. كما وضع نحو 11 شخصية قيد الإقامة الجبرية، منهم الوزير عن حزب “حركة النهضة” أنور معروف، والوزير عن “تحيا تونس” رياض المؤخر، ونائبين عن “قلب تونس” و”مستقبل”، وقاضيين وضابط بالداخلية ومستشارين بالحكومة ورئيس هيئة مكافحة الفساد السابق، بالإضافة إلى منع شخصيات سياسية ورجال أعمال ونواب من السفر إلى الخارج. بجانب ذلك، عمل سعيد على تصعيد خطابه الحماسي والقوي الموجه للأحزاب لرفع الزخم الشعبي حوله، فمجمل وعوده كانت شعبوية بامتياز ذات سقف عالٍ هدفها الأساسي تحشيد الجماهير المتعطشة لروح الثورة واستحقاقاتها كتطهير البلاد ومحاسبة جميع الفاسدين والقضاء على الفقر والبطالة. في الشأن ذاته، عرفت تونس تقدمًا مهمًا في عملية جلب الأكسجين ولقاحات ضد فيروس كورونا مع تحسن الوضع الصحي، إذ سجل نحو مليوني تونسي لأخذ اللقاح، كما تم إبرام اتفاقية لصرف مساعدة ظرفية للعائلات الفقيرة بمبلغ يقترب من 107 دولارات لكل عائلة، ممولة من البنك العالمي لمجابهة وباء كورونا، وهي حصيلة يعتمد عليها الرئيس كإنجاز يقارع بها الأحزاب والحكومة السابقة. في غضون ذلك، تشهد تونس أزمات مركبة شديدة التعقيد بين ما هو اقتصادي وسياسي واجتماعي تحتاج معالجتها إلى وجود حكومة قوية وعودة انعقاد البرلمان لاستكمال المصادقة على قانون المالية التكميلي لهذا العام وموازنة العام القادم، قبل 15 من أكتوبر المقبل، واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أكبر ممولي عجز موازنة الدولة. ووسط تلك المعطيات جاء قرر تمديد العمل بالإجراءات، ولكن إلى أجل غير محدد. ومن خلال بيان مقتضب خالٍ من أي تبريرات، أمر سعيّد الإبقاء على مؤسسات الدولة معطلة، على الرغم مما تشهده تونس من وضع صعب على المستويات كافة، يحتاج إلى تأمين الاستقرار ووجود حكومة تقود البلاد. غير أن لا الحكومة أُعلن عنها بعد، على الرغم من مرور شهر على إقالة حكومة هشام المشيشي، ولا حتى خريطة الطريق التي تطالب بها جميع الأحزاب لمعرفة في أي اتجاه ستذهب البلاد. ثانيا: دلالات قرار التمديد حمل القرار العديد من الدلالات والمؤشرات المعبرة عن طبيعة ما تمر به البلاد وما تنتظره.. اهدار مضاعف للدستور فتح القرار جدلاً كبيراً في الساعات الماضية في الأوساط التونسية، لا سيما على الصعيد القانوني والدستوري، خصوصاً أن البيان الرئاسي لم يشر إلى مرجعيات دستورية، بل إلى أمر رئاسي، وهو ما يعد خروجا جديدا على الدستور، واستنادا للأمر الواقع، الذي يدعمه العسكر والشعبوية فقط. بل إن التعدي الجديد على الدستور بالتمديد غير المحدد المدى للاجراءات الاستثنائية، يفاقم في آثاره التعدي الأول، فمنذ البداية، تم تجاوز الفصل 80 من الدستور الذي ينص على إبقاء البرلمان في حالة انعقاد، وتم تجاوزه مرة ثانية بإعلان التمديد، في ظل غياب المحكمة الدستورية التي يخول لها الدستور النظر في استمرارية الحالة الاستثنائية من عدمها. جمهورية ثالثة بلا مؤسسات بحسب تقديرات سياسية تونسية، فإن مقتضيات الأمر الواقع تشيء إلى أن البرلمان انتهى، وتبعاً لذلك وُضع حد للديمقراطية البرلمانية. ويعد البيان الرئاسي المرتقب بمثابة البيان رقم 1 لمنظري الجمهورية الثالثة، والتي ستكون جمهورية استبدادية، عنوانها الأول والأخير هو شخص رئيس الجمهورية، وإعلان موت المؤسسات الدستورية التي تعد مرتكزات قيام الدول بالأساس. وقد عبرت الأحزاب بأغلبيتها في تونس عن تخوفها من خطوة التمديد بلا أجل وبلا أفق سياسي واضح، وسط ارتفاع نشاط أخبار الإيقاف والمداهمات؛ الصحيحة والخاطئة. والأغرب من قرار التمديد الانقلابي، أن رئيس الجمهورية يتشاور في الشأن الداخلي مع الأصدقاء والأشقاء والوفود ولا يتشاور مع أبناء الوطن ومع الأحزاب والقوى المدنية وهم أصحاب حق ولهم كلمة. ولعل اصرار قيس سعيد على تهميش جميع القوى السياسية حتى المؤيدين له، قد مهد لهذا التمديد اللا دستوري، والذي يعد الانقلاب الأساس، بعد أن فتح الاجراءات الاستثنائية لأمد غير محدد، وفد كان هذا التمديد متوقعاً، لأن العودة للحياة السياسية الطبيعية تتطلب حوارات، وللأسف لم تكن هناك نقاشات وحوارات خلال الفترة السابقة. فشل سياسي وغموض رؤى سعيد موقف قيس سعيدة غير الواضح يعبر عن ارتباك شديد وفشل سياسي أفضى إلى تمديد الانقلاب، وأثر عدم قدرة سعيد على تشكيل دعم دولي واصح لقراراته المرتبكة، خاصة في الغرب الذي يرى مصالحه مهددة مع دخول تونس مرحلة الدولة الفاشلة، اقتصاديا وسياسيا ومن ثم أمنيا واجتماعيا، ومع الدعم العربي من محور الثورات المضادة المتمثل في مصر والسعودية والامارات، إلا أن الموقف الأمريكي الرافض لاستمرار سياسات قضم المؤسسات والديمقراطية يمثل فيتو على الدعم العربي، كما تقف الجزائر موقفا حازما من انزلاق تونس نحو العنف من أي جانب، سواء من جانب حلف سعيد، أو من جانب الشعب التونسي والأحزاب الرافضة لديكتاتورية سعيد، لما يشكله من تهديد اضافي للجزائر ولجميع دول المغرب العربي، يضاف إلى التحدي الليبي. وإزاء تلك الحالة، يعيش المشهد التونسي حالة من الانتظار والقلق الواضحين، وصفها رئيس كتلة “تحيا تونس” مصطفى بن أحمد بـ “الصدمة والذهول”. وكتب على صفحته بموقع “فيسبوك” الثلاثاء الماضي: “شهر مر على تدابير 25 يوليو والبلاد ما زالت تعيش حالة سريالية، بل إن سردية ثورة الشعب يريد، ما انفكت تكبر وتتضخم وتزداد تشويقاً متغذية من الشائعات التي باتت هي الوقود للحياة السياسية في البلاد. مقابل ذلك، لم يستيقظ مجتمع النخبة والأحزاب بعد من حالة الصدمة والذهول التي أصابته”. وأضاف “يبدو أن الأمر لا يتعلق بمجرد معاقبة…

تابع القراءة
الفن في خدمة السلطة.. قراءة في تصريحات السيسي وأزمة رسوم التصوير الخارجي

الفن في خدمة السلطة.. قراءة في تصريحات السيسي وأزمة رسوم التصوير الخارجي

    شهدت الساحة الفنية في مصر خلال الفترة الأخيرة حدثين لافتين: الأول هو أزمة رسوم التصوير الخارجي التي أعلن عنها محافظ القاهرة اللواء خالد عبدالعال يوم 16 أغسطس 2021م والتي ترواحت بين 15 ألف جنيه في الساعة الواحدة أو 100 ألف جنيه لليوم الكامل مقابل «تصوير الإعلانات والمشاهد السينمائية في شوارع وأبنية وأنفاق وجراجات محافظة القاهرة». فرض هذه الرسوم من جانب محافظة القاهرة أثار حفيظة العاملين في المجال الفني الذين أعربوا عن صدمتهم من القرار ورفضهم الانصياع له باعتباره شكلا من أشكال الإتاوة وتجلى ذلك بوضوح في رد فعل نقيب الممثلين أشرف ذكي الذي قال: “مش هندفع”. وعد القائمون على صناعة الدراما والسينما هذا القرار قاتلا للصناعة ويسقط القاهرة من الذاكرة ودعوة لتطفيش المنتجين، علاوة على ذلك فإن القرار يستهدف تكريس حالة الاحتكار في صناعة الدراما والسينما لصالح شركة “سينرجي” التابعة لجهاز المخابرت العامة، بما يفضي إلى مزيد من هيمنة السلطة على الصناعة وإخضاع كل العاملين فيها لتوجهات النظام وسياساته والتخديم على أجندته. وأمام غضب القائمين على صناعة الدراما والسينما تراجعت المحافظة نسبيا عن القرار  دون توضيح لقيمة رسوم التصوير الخارجي التي لا تزال قائمة وإن هدأت قليلا بعد هذا التراجع الشكلي من جانب المحافظة.[[1]] أما الحدث الثاني، فهو مداخلة الجنرال عبدالفتاح السيسي مساء الإثنين 23 أغسطس 2021م التي استغرقت نحو 15 دقيقة  مع برنامج “صالة التحرير” على فضائية “صدى البلد” حيث استضافت مقدمة البرنامج عزة مصطفى كاتب السيناريو عبدالرحيم كامل، حيث عبر السيسي عن سعادته بالحوار وعرض على السيناريست إنتاج عمل فني “يخدم قضايا الدولة”.[[2]] حديث السيسي دار حول عدة محاور أساسية: التأكيد على استعداد الدولة لدعم أي عمل فني حول ما يسمى بتجديد الخطاب الديني أو الروحي، ودمج التاريخ بمثل هذه الأفكار، حيث يؤكد السيسي أنه لن يطلب من المنتجين والمفكرين تولي قضايا قد لا تحقق أرباحاً، وإذا كانت التكلفة المالية عائقاً أمام عمل كهذا (خطورة التطرف والإرهاب وتجديد الخطاب الديني) فإن السيسي سوف يدعم مثل هذه الأعمال من ميزانية الدولة. التأكيد على دعم الدولة للأعمال الفنية الدرامية والسينمائية التي تكرس فكرة صناعة العدو الداخلي؛ حيث أبدى السيسي إعجابه الشديد بعبارات السيناريست عبدالرحيم كامل حول الأعادي (الأعداء) اللي بيلبسوا لبسنا وبيتكلموا كلامنا وهم أعادي، واحنا ناس بساط (بسطاء) بنحب ربنا فأي حد ممكن ياخدنا”. وأضاف: “القضايا التي يجب الاهتمام بها كثيرة، أهمها قضية الفهم، فهم تحدي إسقاط الدول، والخطورة في استهداف الدولة وتدميرها، واللي ما يعرفش إن أفغانستان كانت شكل آخر منذ 50 عاماً، هاتوا الكتب والأفلام ستجدون دولة مختلفة تماماً، عندما تسقط الدولة يبدأ العبث بمقدرات ومستقبل الدولة، طالما ما فيش راس لا توجد قيادة محدش يمشي معاها”. مضيفا: “لكن لو في كتاب موهوبين زي حضرتك وآخرين أنا ما اعرفهمش، تصدوا لده (لهذا وكتبوا) أنا بقول من دلوقتي أن دعمي لهذا الإبداع سيكون ضخم جداً، وأنا مجهز له كويس”. وتابع: “الدعم ده مش الدعم الثاني” (يقصد دعم الخبز). بمعنى أن الدولة في الوقت الذي تقلص فيه مخصصات دعم الفقراء فإنها تضع ميزانيات مفتوحة ودعم مطلق لمثل هذه الأعمال الفنية التي تخدم أجندة النظام وتوجهاته. وتابع: “أنا بقولك إني داعم لأي عمل في المجال ده وبناء الوعي الحقيقي، بما فيه الوعي الديني، أنا مش هخش معاك في نقاش تطوير الخطاب الديني أو الروحي.. إحنا همنا تحصين أبناءنا وبناتنا وشبابنا”. دعم الدولة لمثل هذه الأعمال الفنية مرهون بمدى تخديمها لسياسات وتوجهات النظام وأجندته مع التركيز على الدفاع عن توجهات الدولة وسياساتها مثل دعم توجهات النظام في ملف التعليم والصحة حتى لو كانت سياساته مرفوضة من جانب غالبية الشعب. تناول قضايا الزيادة السكانية من منظور الدولة والتخديم على تصوراتها ورؤيتها لمثل هذه المشاكل وأنه طالما هناك نمو سكاني فإن ذلك سوف يلتهم جهود التنمية ولن يشعر المواطنون بتحسن في أحوالهم بسبب الزيادة السكانية. دعوة المصريين إلى إعادة التفكير في معتقداتهم الدينية وضرورة إنتاج أعمال فنية تعالج ذلك حيث قال السيسي: “أتصور أن القضية الأهم هي الوعي، سواء ارتبطت بالدين فكلنا اتولدنا المسلم مسلم والمسيحي مسيحي، هل أحد يعرف إنه يجب إعادة صياغة فهمنا للمعتقد اللي احنا ماشيين عليه، طب كنا صغار لكن كبرنا، فكرت ولا خايف تفكر، عندك استعداد إنك تمشي في مسيرة بحث حتى تصل للحقيقة”. الغريب هنا أن الذي يدعو المصريين إلى تغيير معتقداتهم في الله هو نفسه الذي يحرِّم عليهم مجرد التفكير في تغييره هو كحاكم مستبد انتزع العرش بقوة السلاح غصبا وإرهابا، وأقصى الرئيس الوحيد المنتخب من الشعب بنزاهة وشفافية لم تحدث من قبل ولا من بعد. فالسيسي الذي لا يسمح للمصريين بمناقشة عدم اقتناع الناس به، ويريد منهم الإيمان به كزعيم وقائد له إنجازات باهرة بدون تفكير رغم الفشل المنتشر في ربوع البلاد، هذا الحاكم الذي ينصب نفسه إلها على الناس وينتزع أرواح الرافضين لحكمه ويصادر حريتهم وينهب أموالهم ظلما وعدوانا هو نفسه الذي يدعو الناس لإعادة صياغة معتقداتهم، وفي الوقت الذي ليس مسموحا للمصريين فيه بالعمل من أجل تغييره فإنه يدعوهم إلى تغيير الدين، ولا يسلمون بما جاء في خانة الديانة منذ المولد! لماذا تراجعت الدراما المصرية؟ لا يمكن فهم أبعاد أزمة الرسوم الباهظة للتصوير الخارجي في الأعمال الفنية أو حتى تصريحات السيسي عن الأعمال الفنية التي تستحق الدعم من الدولة إلا في سياق حرب الهيمنة التي يشنها النظام على الفن والفنانين من أجل الهيمنة على الصناعة من  جهة وإخضاع كافة مكوناتها من فنانين ومنتجين ومخرجين لخدمة أجندة السلطة من جهة أخرى. ففي سنوات ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013م، واجهت صناعة الدراما المصرية عدة أزمات عاصفة أدت إلى تراجعها، الأولى تتعلق تتعلق بالتسويق في ظل الأزمة الاقتصادية وتراجع كثير من الشركات عن الدعاية والإعلان لتحقيقها خسائر كبيرة ما أفقد الفضائيات بابا كبيرا للربح كان يسهم في تحقيق مكاسب كبيرة وتغطية نفقات الأعمال الدرامية. والأزمة الثانية، تتعلق بالقفزة الهائلة في أجور الفنانين والممثلين حتى إنها تضاعفت مرتين أو ثلاثة خلال السنوات التي تلت  قرار تعويم الجنيه أمام الدولار وباقي العملات الأخرى في نوفمبر 2016م. الأزمة الرابعة التي ساهمت في تراجع الدراما المصرية أيضا ما آل إليه حال  مبنى الإذاعة والتلفزيون “ماسبيرو” وتوقف الأعمال فى قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون وصوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامى، تاركا الساحة للإنتاج الخاص الذي باتت تهمين عليها أجهزة المخابرات. وخامس الأزمات التي أفضت إلى تراجع مستوى الدراما المصرية، التركيز على البطل أو البطلة دون النظر إلى الفكرة ومستوى السيناريو وباقي أدوات نجاح العمل الدرامي. وكذلك التركيز على ورش السيناريو بدلا من العمل الفني المتماسك في فكرته وأحداثه وتطورات شخوصه وأبطاله والدقة في رسم  السمات النفسية للأشخاص.  وبات كتاب كبار  وفنانون  لهم  جماهيرية عريضة على مقاعد المتفرجين. وأمسى…

تابع القراءة
«مدينة الأمل».. بين مآرب السيسي ومآلات سياساته المتوحشة

«مدينة الأمل».. بين مآرب السيسي ومآلات سياساته المتوحشة

    في صباح الثلاثاء 31 أغسطس 2021م، أبرزت الصحف الرسمية الحكومية توجيهات الجنرال عبدالفتاح السيسي بشأن إقامة مجمع حديث متكامل للورش الحرفية في «مدينة الأمل الجديدة» (عزبة الهجانة سابقا) بحيث يضم وحدات حرفية متخصصة للسكان، مزودة بجميع الخدمات اللازمة كتطوير شامل للمنطقة، في إطار استعراض سير العمل بمجموعة شبكة الطرق والمحاور في شرق القاهرة، فضلا عن جهود استغلال الأراضي على جانبي محور “شينزو آبي”.[[1]] وتناولت الصحف الحكومية الثلاث (الأهرام ـ الأخبار ـ الجمهورية) بخلاف الصحف الخاصة التي كانت مملوكة لبعض رجال الأعمال وتمكن جهاز المخابرات من الهيمنة على معظم أسهمها تصريحات السيسي خلال اجتماعه يوم الإثنين 30 أغسطس مع اللواء أمير سيد أحمد، مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمراني، واللواء مجدي أنور، رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق، واللواء أ.ح إيهاب الفار، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، واللواء أ.ح أحمد إسماعيل، مساعد رئيس الهيئة الهندسية لمشروعات شرق القناة، واللواء أحمد فودة، مساعد رئيس أركان حرب القوات المسلحة لمشروعات الهيئة الهندسية، واللواء أشرف العربي، رئيس المكتب الاستشاري الهندسي بالهيئة الهندسية، والعميد عبد العزيز الفقي، مساعد رئيس الهيئة الهندسية لتصميمات الطرق. اجتماع السيسي مع هذه النخبة العسكرية تناول ثلاثة ملفات: الأول، هو إقامة مجمع حديث متكامل للورش الحرفية في «مدينة الأمل الجديدة» وهي التي كانت تسمى بعزبة الهجانة سابقا وجرى تغيير الاسم  بدعوى التطوير ولأهداف دعائية بحتة يسعى النظام إلى الترويج لها. الثاني، متابعة الموقف التنفيذي لشبكة المحاور والطرق الجديدة. الثالث، مشروع استصلاح الأراضي في شمال سيناء ووسطها. مضامين الدعاية الحكومية ويعطي حسن عمار، نائب البرلمان وعضو لجنة الشئون الاقتصادية بالمجلس، لتوجيهات السيسي بعد آخر، مدعيا أن التوجيه بإقامة مجمع متكامل للورش الحرفية في مدينة الأمل “عزبة الهجانة” سابقا، يأتي في إطار منظومة بناء الإنسان المصري، ويعكس ايضًا حرص الدولة على تحسين معيشة المواطنين بشكل عام ومحدودي الدخل والبسطاء بشكل خاص وذلك لإيمانه بأن المواطن المصري يستحق العيش بحياة كريمة. من جهة ثانية فإن عهد السيسي ــ بحسب النائب ــ يشهد طفرة غير مسبوقة في القضاء على العشوائيات والنهوض بالحياة والمجتمع، والدليل على ذلك هو القضاء على المناطق الخطرة وغير الآمنة كتل العقارب، وعزبة الهجانة وغيط العنب، وبطن البقرة، وعدد من المناطق التي كانت تمثل بؤرا خطرة وغير آمنة. من جهة ثالثة،  فإن إقامة مجمع الورش الحرفية دليل على جهود الدولة المصرية التي لم تقتصر على بناء المدن السكنية وشبكة الطرق والكباري المحيطة فحسب، بل امتدت لتشمل إقامة المجمعات الصناعية التي توفر فرص عمل، فضلا عن تطبيق منظومة التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي الذي ساهم في تقليل الخطأ البشري والقضاء على الصعوبات وتحسين الأداء داخل الهيئات الحكومية، وهو ما ينعكس على المزيد من التنمية وجذب الاستثمارات الأجنبية. ومن جهة رابعة، فإن القيادة السياسية  ــ بحسب نائب البرلمان ـ وضعت استراتجية خلال 10 سنوات للانتهاء من كافة المناطق غير المخططة وبحلول عام 2030 لن يكون هناك مناطق غير مخططة أو أسواق عشوائية في مصر، مؤكدًا أن الدولة المصرية شهدت خلال السنوات الماضية ثورة في مجال البناء والتعمير غير مسبوقة، ويرجع ذلك إلى توجيهات القيادة السياسية في بناء المدن الحديثة وتنفيذ مشروعات وطرق وكباري تربط كافة المحاور والمدن الرئيسية ببعضها، هو الأمر الذي أعادت الكادحين إلى الحياة ويحقق العدالة الاجتماعية التي وردت في كافة الدساتير والمواثيق الدولية.[[2]] قراءة مغايرة في المقابل فإن هناك قراءة مغايرة تتلخص في التأكيد على أن مشروع تطوير عزبة الهجانة “مدينة الأمل الجديدة” هي برهان جديد على مدى عسكرة مصر من الألف إلى الياء، فقد كان من اللافت في اجتماع السيسي بشأن مدينة الأمل الجديدة أن كل الحاضرين لهم خلفية عسكرية (السيسي + 6 لوءات + عميد)، الأمر الذي يعكس حجم العسكرة التي جرت لمصر خلال سنوات ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013م، فلم يعد للمدنيين وجود حتى لو كان شكليا كما كان الوضع في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، إلا في أضيق الحدود، حيث يحتفظ النظام بعدد من المناصب القليلة للمدنيين بشرط ألا تكون مؤثرة في صناعة القرار الذي يهيمن عليه فعليا ما تسمى بالأجهزة السيادية (الجيش ــ المخابرت العامة والحربية ــ الأمن الوطني). الأمر الآخر، أن كل هذه المشروعات باتت تسند إلى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بعيدا عن قانون المناقصات والمزايدات الذي جرى تعديله لتسهيل سيطرة الجيش على مفاصل الاقتصاد المصري كله. وبحسب الباحث والمحلل السياسي ماجد مندور في تحليل له بموقع “صدى” التابع لمعهد كارنيجي لدراسات السلام فإن السيسي يعطي الأولوية لمشاريع البنى التحتية الواسعة النظام بهدف حشد الدعم؛ غير أن هذه المشاريع تعزز قبضة القوات المسلحة على الاقتصاد ولا تقدم أي منافع اقتصادية واسعة وملموسة، رغم الديون المستفحلة.[[3]] فالسيسي لا يبالي بأن هذه المشروعات العملاقة بلا جدوى ولا تزيد الدخل القومي لأنه مهووس بالمدن الجديدة، فهذا جسر روض الفرج الذي جرى افتتاحه في 15 مايو 2018م، وتولّت تشييده الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. وجرى تضخيمه دعائيا باعتباره الجسر المعلّق الأكبر في العالم، وصوّرته آلة السيسي الإعلامية بالإنجاز الذي تحوّل إلى “حديث العالم بأسره”.وهذا مسجد الفتاح العليم أكبر مسجد في مصر والمنطقة وهذه أكبر كاتدرائية في البلاد. وهذا مبنى التكتاجون (مقر وزارة الدفاع المصرية) وهو أكبر من مبنى البنتاجون الأميركي، وقصر الرئاسة في العاصمة الإدارية أضعاف البيت الأبيض الأميركي.  وتشمل هذه المشاريع أيضاً بناء البرج الأطول في أفريقيا والمتحف الأكبر في العالم  (المتحف المصري الكبير)المخصّص لحضارة واحدة والذي تكلف نحو مليار دولار، رغم عدم الحاجة إليه حاليا في ظل جمود حركة السياحة بسبب تداعيات انتشار جائحة كورونا. من جانب ثالث، فإن الأمر لم يتجاوز حدود التوجيهات ورغم ذلك راحت الآلة الإعلامية للنظام تتحدث عن جدوى المشروع وتوفير فرص العمل لعدة مئات من أهالي المنطقة. رغم أن تجارب النظام مع مثل هذه النوعية من المجمعات الصناعية بالغة الفشل؛ ولعل أبرز نموذج على ذلك هو «مدينة دمياط للأثاث»، والتي وضع إبراهيم محلب، رئيس الحكومة السابق” حجر الأساس لها في مايو 2015 برفقة وزير التنمية المحلية وقتها عادل لبيب، لكن الجنرال تغاضى عن ذلك وقام بوضع حجر الأساس مرة أخرى في مايو 2017. ورغم تشغيل المدينة فإنها لم تساهم في حل مشكلة الكساد بسوق الأثاث أو خدمة صغار الصناع، والذي نجم عنه احتلال محافظة دمياط المركز الأول في نسبة البطالة بين محافظات مصر عام 2020 حسب جهاز الإحصاء الرسمي.[[4]] من جانب رابع،  فإن الهدف من مشروع تطوير «عزبة الهجانة» تحت مسمى «مدينة الأمل الجديدة» هو دعاية مضادة من جانب النظام ومحاولة للتغطية على عمليات التهجير القسري التي تتم بحق أهالي نزلة السمان بالهرم حاليا،[[5]] والتهجير القسري الذي جرى بحق أهالي مدينة رفح بشمال سيناء والتي جرى مسحها تماما من الخريطة، بهدف تجريف الحدود الفاصلة مع قطاع غزة…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022