تطورات الحرب في إثيوبيا
انتقل الصراع في شمال إثيوبيا من إقليم تيجراي إلى إقليم أمهرا، في مشهد جديد يجسد التنافس التاريخي بين قوميتي الأمهرا والتيجراي، وهو تنافس قديم وليس بجديد على المشهد السياسي الإثيوبي، فالعداوة بين القوميتين لديها جذور طويلة الأمد، ولكن حاليًا تقترب بسرعة من حرب كبرى ربما تنتهي بكارثة حقيقية، قد تهدد بقاء الدولة في إثيوبيا. وبينما تتبادل كل من الحكومة الفيدرالية الإثيوبية الحالية المدفوعة بتوجهات القوميين الأمهرا، وجبهة تحرير تيجراي، الاتهامات بالمسئولية عن بدء الصراع القائم، لا يبدو هناك أفق لتسوية الأزمة، لا سيما بعد أن حقق التيجراي مكاسب مهمة في مواجهة الجيش الإثيوبي، وبدأوا في استعادة التفوق العسكري وزاد طموحهم لاستعادة مكانتهم التي أفقدهم إياها آبي أحمد منذ وصوله إلى السلطة. فماهي هي الأزمات التي أودت بالوضع الداخلي في إثيوبيا إلى الانفجار؟ وكيف تطور هذا الوضع؟ وما هو مستقبله؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها.. سلسلة الأزمات التي تعصف بالداخل الإثيوبي: تواجه إثيوبيا في الوقت الراهن أزمات متعددة الأبعاد الاتجاهات، وذات سمات سياسية واقتصادية وأمنية وجغرافية واجتماعية عديدة. أولها؛ حرب الرؤى حول مستقبل إثيوبيا: حيث تنقسم الساحة السياسية الإثيوبية حول شكل النظام السياسي في الدولة خلال المرحلة المقبلة، فهناك اتجاه يضم نخب أمهرة والنخب الحضرية يدعو إلى إعادة النظام المركزي في البلاد، ويعتبر الفيدرالية سببًا رئيسيًا لكل المشكلات السياسية وعدم الاستقرار. وهناك اتجاه آخر يفضل استمرار الفيدرالية، ويتمسك بمنح الحكومات الإقليمية المزيد من الحكم الذاتي وتقرير المصير والاستقلال عن السلطة المركزية إذا لزم الأمر. ثانيها؛ الصراعات الحدودية: وهى صراعات تضرب كافة الأقاليم الإثيوبية دون استثناء، وقد استمرت رغم الجهود التفاوضية المبذولة لتسويتها، إلا أنها تسببت في سقوط قتلى ونزوح الآلاف من المواطنين إلى مناطق أخرى. ثالثها؛ النزاعات العرقية: تتفاقم التوترات العرقية في كثير من المناطق الإثيوبية مثل أوروميا وتيجراي وبني شنقول-جوموز والعفر والإقليم الصومالي الإثيوبي وأمهرة خاصة في مناطق جنوب ولو ومنطقة أورومو الخاصة وشيوا الشمالية، ويتورط في تلك المواجهات السكان المحليون والميلشيات المحلية وبعض القوات الخاصة التابعة للإدارات الإقليمية. رابعها؛ أعمال العنف: بلغ عدد أحداث العنف في إثيوبيا خلال الفترة من أبريل 2018 إلى يوليو 2021 نحو 1628 حادثة، والتي أسفرت عن مقتل نحو 13 ألف شخص في أنحاء البلاد. هذا بالإضافة إلى العنف الديني والذي يمثل أحد دوافع الصراعات في إثيوبيا التي شهدت العديد من أحداث العنف الديني خلال السنوات الأخيرة والتي طالت أنحاء متفرقة من إثيوبيا لاسيما في شرق البلاد، إذ تزايدت الهجمات ضد الكنائس والمساجد. خامسها؛ سياسات النظام الحاكم: تعمد هذا النظام إقصاء القوى السياسية التي تحولت إلى خصوم لآبي أحمد باستثناء حلفائه من أمهرة، فقد حاول التخلص من بعضها مثل جبهة تحرير تيجراي، وقام باعتقال عدد من رموز المعارضة السياسية في البلاد مثل قادة أورومو، فضلًا عن التضييق على بعض الأحزاب السياسية ذات التوجه الفيدرالي مثل جبهة تحرير أورومو ومؤتمر أورومو الفيدرالي اللذين قررا عدم خوض الانتخابات الأخيرة في أوروميا. سادسها؛ حق تقرير المصير: تظل المادة 39 من الدستور الفيدرالي الإثيوبي التي تمنح الأقاليم والقوميات الإثيوبية الحق في الحكم الذاتي والانفصال في بعض الأحيان، مصدر تهديد للاستقرار الداخلي في البلاد، ومثار قلق بالنسبة لنظام آبي أحمد. سابعها؛ الحرب في تيجراي: تكبد نظام آبي أحمد العديد من الخسائر عقب هزيمته في حرب تيجراي على المستويين الداخلي والدولي، خاصةً أنها تسهم في تآكل شعبيته وتزايد الشكوك حول قدرات الجيش الإثيوبي، فضلًا عن حجم الضغوط الدولية التي يتعرض لها النظام الإثيوبي بسبب الاتهامات الموجهة له بانتهاك حقوق الإنسان في الإقليم. ثامنها؛ تنامي النفوذ السياسي لأمهرة: استطاع آبي أحمد إعادة تشكيل تحالفاته الداخلية بإقصاء قومية أورومو التي ينتمي إليها لصالح حليفه الجديد أمهرة الذي اكتسب نفوذًا ملحوظًا بعد الحرب على تيجراي خاصة بعد الاستيلاء على بعض الأراضي بجنوب وغرب الإقليم. كما نجح آبي أحمد في توظيفها من خلال القوات الخاصة والميلشيات المحلية في تأجيج وإخماد بعض النزاعات الدائرة في بعض المناطق، وهو ما يفاقم من حدة الصراعات بين القوميات والأقاليم الإثيوبية نتيجة التنافس والخلافات التاريخية بينها وشعور بعضها بالمظلومية التاريخية مثل أورومو. تاسعها؛ عسكرة المجتمعات المحلية: فمع نشوب كل صراع، يشرع النظام الحاكم في إنشاء مراكز قيادة للطوارئ في أنحاء البلاد ليتمكن من نشر القوات العسكرية على نطاق واسع جغرافيًا بهدف إخماد أية احتجاجات أو اضطرابات مستقبلية.[1] الصراع الإثيوبي- الإثيوبي وتطوراته: تاريخيًا يدور الصراع بين التيجراي والأمهرا حول بسط السيطرة على الأرض القابلة للزراعة، حيث تعتبر منطقة غرب تيجراي التي تقع على حدود أمهرا أحد المطامع لقومية الأمهرا، فأراضي قومية الأمهرا تتميز بتضاريس وجبال صخرية لا تُعد مثالية للزراعة. يضاف هذا إلى الصراع السياسي والتنافس التاريخي وهيمنة الأمهرا على السلطة مؤخرًا في ظل تولي آبي أحمد الحكم، وانتهاجهم سياسة الاضطهاد والعزل التعسفي من الوظائف، والمحاكمات غير القانونية، وإلصاق التهم بقومية التيجراي، الأمر الذي عمَّق من الخلافات، وهو ما قاد في النهاية إلى شن الحكومة الفيدرالية حربها على تيجراي في نوفمبر 2020. وتنظر الآن قوات دفاع تيجراي إلى منطقة الحمرة الواقعة في أقصى شمال غرب الإقليم باعتبارها هدفًا استراتيجيًا، والمنفذ الدولي الوحيد لهم، من أجل كسر الحصار المفروض منذ تسعة أشهر، فضلًا عن أنها تشكل مثلثًا للحدود الدولية بين كل من السودان وإريتريا وإثيوبيا، حيث يفصل بينهم نهر (سيتيت) الموسمي. وبعد أن سيطرت قوات دفاع تيجراي على مناطق في جنوب وغرب تيجراي، أصدرت حكومة إقليم أمهرا (في 13 من يوليو 2021) بيانًا أعلنت فيه التعبئة العامة لشعب أمهرا لمعركة الوجود الكبرى أو لرد الغزو الكبير الذي يتعرضون له من قبل قوات دفاع تيجراي. وذكر البيان أن على كل من له خبرة سابقة من قومية الأمهرا بالعمل العسكري أو الأمني وحتى المتقاعدين الإسراع بتسجيل أسمائهم لدى مراكز مخصصة للدفاع عن مكتسبات قومية الأمهرا، فضلًا عن مناشدة البيان للشباب الذهاب إلى مراكز التدريب، وطلب من عموم قومية الأمهرا في الداخل والخارج القيام بدورهم للمساهمة بما يستطيعون في مساعدة قوميتهم. وطالب البيان الحكومة الفيدرالية بجميع مكوناتها والشعب الإثيوبي عامة الوقوف مع قومية أمهرا في هذه المعركة للبقاء الوجودي، باعتبارها معركة الدفاع عن الدولة الإثيوبية ووحدتها.[2] تفاقم الوضع ووصول الحرب بين الحكومة والتيجراي إلى ذروتها: ازداد هجوم قوت التيجراي في منطقة عفار والتي تُعد منطقة استراتيجية للغاية، لأن الطريق والسكك الحديدية التي تربط بين أديس أبابا وجيبوتي تمر من هناك، لذلك إذا تمكنت جبهة تيجراي من قطع السكك الحديدية، فلن تتمكن الحكومة الفيدرالية من الوصول إلى الميناء البحري. وقد أفادت بعض التقارير أنه إذا وصلت قوات دفاع تيجراي إلى مدينة ميل، فستتغير الأمور بشكل جذري في أديس أبابا التي ستنقطع عنها الإمدادات الرئيسية، أما بالنسبة للمعلومات الواردة من منطقة عفار، فهناك قتال عنيف يدور في أورا التي تقع على…