تطورات الحرب في إثيوبيا

تطورات الحرب في إثيوبيا

  انتقل الصراع في شمال إثيوبيا من إقليم تيجراي إلى إقليم أمهرا، في مشهد جديد يجسد التنافس التاريخي بين قوميتي الأمهرا والتيجراي، وهو تنافس قديم وليس بجديد على المشهد السياسي الإثيوبي، فالعداوة بين القوميتين لديها جذور طويلة الأمد، ولكن حاليًا تقترب بسرعة من حرب كبرى ربما تنتهي بكارثة حقيقية، قد تهدد بقاء الدولة في إثيوبيا. وبينما تتبادل كل من الحكومة الفيدرالية الإثيوبية الحالية المدفوعة بتوجهات القوميين الأمهرا، وجبهة تحرير تيجراي، الاتهامات بالمسئولية عن بدء الصراع القائم، لا يبدو هناك أفق لتسوية الأزمة، لا سيما بعد أن حقق التيجراي مكاسب مهمة في مواجهة الجيش الإثيوبي، وبدأوا في استعادة التفوق العسكري وزاد طموحهم لاستعادة مكانتهم التي أفقدهم إياها آبي أحمد منذ وصوله إلى السلطة. فماهي هي الأزمات التي أودت بالوضع الداخلي في إثيوبيا إلى الانفجار؟ وكيف تطور هذا الوضع؟ وما هو مستقبله؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها.. سلسلة الأزمات التي تعصف بالداخل الإثيوبي: تواجه إثيوبيا في الوقت الراهن أزمات متعددة الأبعاد الاتجاهات، وذات سمات سياسية واقتصادية وأمنية وجغرافية واجتماعية عديدة. أولها؛ حرب الرؤى حول مستقبل إثيوبيا: حيث تنقسم الساحة السياسية الإثيوبية حول شكل النظام السياسي في الدولة خلال المرحلة المقبلة، فهناك اتجاه يضم نخب أمهرة والنخب الحضرية يدعو إلى إعادة النظام المركزي في البلاد، ويعتبر الفيدرالية سببًا رئيسيًا لكل المشكلات السياسية وعدم الاستقرار. وهناك اتجاه آخر يفضل استمرار الفيدرالية، ويتمسك بمنح الحكومات الإقليمية المزيد من الحكم الذاتي وتقرير المصير والاستقلال عن السلطة المركزية إذا لزم الأمر. ثانيها؛ الصراعات الحدودية: وهى صراعات تضرب كافة الأقاليم الإثيوبية دون استثناء، وقد استمرت رغم الجهود التفاوضية المبذولة لتسويتها، إلا أنها تسببت في سقوط قتلى ونزوح الآلاف من المواطنين إلى مناطق أخرى. ثالثها؛ النزاعات العرقية: تتفاقم التوترات العرقية في كثير من المناطق الإثيوبية مثل أوروميا وتيجراي وبني شنقول-جوموز والعفر والإقليم الصومالي الإثيوبي وأمهرة خاصة في مناطق جنوب ولو ومنطقة أورومو الخاصة وشيوا الشمالية، ويتورط في تلك المواجهات السكان المحليون والميلشيات المحلية وبعض القوات الخاصة التابعة للإدارات الإقليمية. رابعها؛ أعمال العنف: بلغ عدد أحداث العنف في إثيوبيا خلال الفترة من أبريل 2018 إلى يوليو 2021 نحو 1628 حادثة، والتي أسفرت عن مقتل نحو 13 ألف شخص في أنحاء البلاد. هذا بالإضافة إلى العنف الديني والذي يمثل أحد دوافع الصراعات في إثيوبيا التي شهدت العديد من أحداث العنف الديني خلال السنوات الأخيرة والتي طالت أنحاء متفرقة من إثيوبيا لاسيما في شرق البلاد، إذ تزايدت الهجمات ضد الكنائس والمساجد. خامسها؛ سياسات النظام الحاكم: تعمد هذا النظام إقصاء القوى السياسية التي تحولت إلى خصوم لآبي أحمد باستثناء حلفائه من أمهرة، فقد حاول التخلص من بعضها مثل جبهة تحرير تيجراي، وقام باعتقال عدد من رموز المعارضة السياسية في البلاد مثل قادة أورومو، فضلًا عن التضييق على بعض الأحزاب السياسية ذات التوجه الفيدرالي مثل جبهة تحرير أورومو ومؤتمر أورومو الفيدرالي اللذين قررا عدم خوض الانتخابات الأخيرة في أوروميا. سادسها؛ حق تقرير المصير: تظل المادة 39 من الدستور الفيدرالي الإثيوبي التي تمنح الأقاليم والقوميات الإثيوبية الحق في الحكم الذاتي والانفصال في بعض الأحيان، مصدر تهديد للاستقرار الداخلي في البلاد، ومثار قلق بالنسبة لنظام آبي أحمد. سابعها؛ الحرب في تيجراي: تكبد نظام آبي أحمد العديد من الخسائر عقب هزيمته في حرب تيجراي على المستويين الداخلي والدولي، خاصةً أنها تسهم في تآكل شعبيته وتزايد الشكوك حول قدرات الجيش الإثيوبي، فضلًا عن حجم الضغوط الدولية التي يتعرض لها النظام الإثيوبي بسبب الاتهامات الموجهة له بانتهاك حقوق الإنسان في الإقليم. ثامنها؛ تنامي النفوذ السياسي لأمهرة: استطاع آبي أحمد إعادة تشكيل تحالفاته الداخلية بإقصاء قومية أورومو التي ينتمي إليها لصالح حليفه الجديد أمهرة الذي اكتسب نفوذًا ملحوظًا بعد الحرب على تيجراي خاصة بعد الاستيلاء على بعض الأراضي بجنوب وغرب الإقليم. كما نجح آبي أحمد في توظيفها من خلال القوات الخاصة والميلشيات المحلية في تأجيج وإخماد بعض النزاعات الدائرة في بعض المناطق، وهو ما يفاقم من حدة الصراعات بين القوميات والأقاليم الإثيوبية نتيجة التنافس والخلافات التاريخية بينها وشعور بعضها بالمظلومية التاريخية مثل أورومو. تاسعها؛ عسكرة المجتمعات المحلية: فمع نشوب كل صراع، يشرع النظام الحاكم في إنشاء مراكز قيادة للطوارئ في أنحاء البلاد ليتمكن من نشر القوات العسكرية على نطاق واسع جغرافيًا بهدف إخماد أية احتجاجات أو اضطرابات مستقبلية.[1] الصراع الإثيوبي- الإثيوبي وتطوراته: تاريخيًا يدور الصراع بين التيجراي والأمهرا حول بسط السيطرة على الأرض القابلة للزراعة، حيث تعتبر منطقة غرب تيجراي التي تقع على حدود أمهرا أحد المطامع لقومية الأمهرا، فأراضي قومية الأمهرا تتميز بتضاريس وجبال صخرية لا تُعد مثالية للزراعة. يضاف هذا إلى الصراع السياسي والتنافس التاريخي وهيمنة الأمهرا على السلطة مؤخرًا في ظل تولي آبي أحمد الحكم، وانتهاجهم سياسة الاضطهاد والعزل التعسفي من الوظائف، والمحاكمات غير القانونية، وإلصاق التهم بقومية التيجراي، الأمر الذي عمَّق من الخلافات، وهو ما قاد في النهاية إلى شن الحكومة الفيدرالية حربها على تيجراي في نوفمبر 2020. وتنظر الآن قوات دفاع تيجراي إلى منطقة الحمرة الواقعة في أقصى شمال غرب الإقليم باعتبارها هدفًا استراتيجيًا، والمنفذ الدولي الوحيد لهم، من أجل كسر الحصار المفروض منذ تسعة أشهر، فضلًا عن أنها تشكل مثلثًا للحدود الدولية بين كل من السودان وإريتريا وإثيوبيا، حيث يفصل بينهم نهر (سيتيت) الموسمي. وبعد أن سيطرت قوات دفاع تيجراي على مناطق في جنوب وغرب تيجراي، أصدرت حكومة إقليم أمهرا (في 13 من يوليو 2021) بيانًا أعلنت فيه التعبئة العامة لشعب أمهرا لمعركة الوجود الكبرى أو لرد الغزو الكبير الذي يتعرضون له من قبل قوات دفاع تيجراي. وذكر البيان أن على كل من له خبرة سابقة من قومية الأمهرا بالعمل العسكري أو الأمني وحتى المتقاعدين الإسراع بتسجيل أسمائهم لدى مراكز مخصصة للدفاع عن مكتسبات قومية الأمهرا، فضلًا عن مناشدة البيان للشباب الذهاب إلى مراكز التدريب، وطلب من عموم قومية الأمهرا في الداخل والخارج القيام بدورهم للمساهمة بما يستطيعون في مساعدة قوميتهم. وطالب البيان الحكومة الفيدرالية بجميع مكوناتها والشعب الإثيوبي عامة الوقوف مع قومية أمهرا في هذه المعركة للبقاء الوجودي، باعتبارها معركة الدفاع عن الدولة الإثيوبية ووحدتها.[2] تفاقم الوضع ووصول الحرب بين الحكومة والتيجراي إلى ذروتها: ازداد هجوم قوت التيجراي في منطقة عفار والتي تُعد منطقة استراتيجية للغاية، لأن الطريق والسكك الحديدية التي تربط بين أديس أبابا وجيبوتي تمر من هناك، لذلك إذا تمكنت جبهة تيجراي من قطع السكك الحديدية، فلن تتمكن الحكومة الفيدرالية من الوصول إلى الميناء البحري. وقد أفادت بعض التقارير أنه إذا وصلت قوات دفاع تيجراي إلى مدينة ميل، فستتغير الأمور بشكل جذري في أديس أبابا التي ستنقطع عنها الإمدادات الرئيسية، أما بالنسبة للمعلومات الواردة من منطقة عفار، فهناك قتال عنيف يدور في أورا التي تقع على…

تابع القراءة
التصعيد العسكري بين حزب الله وإسرائيل بالجنوب اللبناني .. دوافعه ومآلاته المستقبلية

التصعيد العسكري بين حزب الله وإسرائيل بالجنوب اللبناني .. دوافعه ومآلاته المستقبلية

  في تصعيد غير مسبوق منذ العام 2014، شهدت الحدود اللبنانية الجنوبية مع الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام القليلة الماضية، اطلاق عدد من صواريخ الكاتيوشا من الجنوب اللبناني نحو مزارع شبعا المحتلة، ورد الاحتلال باطلاق صواريخ  سقطت في أراضي فضاء، مع تبادل التصعيد، شن الطيران الحربي الإسرائيلي قصفا على مناطق بجنوب لبنان. التصعييد مستهجنا في توقيته وفي دوافعه ورسائله التي دفعت حزب الله لبدئه في وقت يعاني فيه لبنان من مخاطر التفكك والانهيار، إثر الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تضرب مفاصل الدولة، التصعيد الذي بدأ  ليل 5 أغسطس الجاري، أثار الكثير من التكهنات حول دوافعه، وتداعياته المستقبلية. هل أراد حزب الله المسيطر تماما على الجنوب اللبناني، بتنسيق مع قوى الجيش، فتح جبهة قتال لاشغال إسرائيل، دعما لحركة المقاومة الفلسطينية، خاصة بعدد زيارة رئيس حماس اسماعيل هنية للبنان مؤخرا؟ أم أراد الحزب المتحالف مع التيار الوطني الحر، المعرقل لتشكيل الحكومة اللبنانية، اشغال الداخل اللبناني الذي تعصف به الأزمة الاقتصادية والسياسية، نحو جبهة قتال  بعيدا عن تصويب الانتقادات الشعبية للتيار والحزب كأحد أسباب أزمات الداخل؟ أم أراد الحزب توجيه رسائل بديلة عن طهران في مواجهتها الاتهامات الدولية باستهداف الناقلات البحرية في الخليج العربي وبحر العرب، أيضا لدعم موقفها في مفاوضات الاتفاق النووي المتعثرة؟ وغيرها الكثير من التساؤلات.. أولا: ما حدث؟ التطور العسكري كان قد بدأ الأربعاء 5 أغسطس بإطلاق 3 صواريخ من جنوب لبنان باتجاه إحدى المستوطنات الإسرائيلية الحدودية، تبناه حزب الله، تلا ذلك قصف مدفعي إسرائيلي ردًا على القصف من لبنان، وفق رواية نقلتها “وكالة الأناضول”. تلى ذلك، قيام طائرات حربية إسرائيلية ليل الأربعاء – الخميس بقصف مناطق في جنوب لبنان، ما عُدّ خرقاً لـ”قواعد الاشتباك” السارية منذ عام 2006. والخميس، حمّل الجيش اللبناني إسرائيل تبعات تغيير “قواعد الاشتباك”، فيما ندد الرئيس ميشال عون، بالغارات الإسرائيلية “الأولى من نوعها” منذ عام 2006، مشيرا أنها تؤشر إلى نوايا عدوانية تصعيدية. فيما دانت واشنطن تصرفات حزب الله وبدئه تصعيد عسكري ضد إسرائيل، وطالبت الخارجية الأمريكية الحكومة اللبنانية تمكين عودة قوات حفظ السلام للحدود الفاصلة مع إسرائيل وتنفيذ الاتفاقات الدولية. ثانيا: اشكالية الربط بين زيارة رئيس حماس اسماعيل هنية للبنان والتصعيد! وثمّة في إسرائيل من يقول إن ما تشهده الحدود اللبنانية هو نتيجة اتفاق جرى في زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، لبنان بعد العملية الإسرائيلية على غزّة. وتزعم أطراف إسرائيلية أنه اتفق خلالها مع حزب الله على فتح عدة جبهات ضد إسرائيل، منها اللبنانية. إلا أن من الصعب قبول هذه الحجة، إذ على الرغم من التماهي الكامل لحزب الله مع “حماس”، وتأييده الكامل لها، لم يسبق له في أي عملية إسرائيلية سابقة ضد القطاع، من “عمود السحاب” مروراً بـ “الجرف الصامد” وأخيراً “حارس الأسوار” أن فتح جبهة ضد إسرائيل دعماً لحركة حماس. وهو يدرك مدى حساسية الأمر بالنسبة إلى حلفائه السياسيين في لبنان، سيما التيار الوطني الحر الذي من الصعب عليه أن يقبل أن يزجّه حزب الله في معادلة جديدة تسمح لـ”حماس” باستخدام أراضيه وحدوده في عمليات قصف ضد إسرائيل، من شأنها أن توقظ كل المخاوف القديمة التي كانت سبباً في الحرب الأهلية اللبنانية. ثالثا: دوافع  التصعيد وفق الروايات التي نقلتها إذاعة مونت كارلو الدولية، فإن المواجهة العسكرية تعد محدودة النطاق الجغرافي، ولم تسفر عن وقوع إصابات أو خسائر مادية واضحة لدى الطرفين، إلا أنها تنذر بفتح نيران جبهة حربية بعد سنوات من خمودها. ويمكن بلورة عدة دوافع للتصعيد، ومنها: الهروب من اتهامات الداخل اللبناني لحزب الله بالمسئولية عن تفجيرات مرفأ بيروت ومن ضمن التفسيرات التي تشهدها الساحة اللبنانية حول دوافع التصعيد من قبل “حزب الله” ، أن اطلاق الصواريخ صادف وقوعها مع إحياء مرور سنة على الانفجار المدمر للمرفأ في بيروت أنه محاولة لصرف الانتباه عن تعثر التحقيقات في القضية، واتهام حزب الله بحماية المنظومة السياسية الفاسدة المتورّطة بالانفجار. دعم موقف طهران بمفاوضات الملف النووي وبجانب تحديد قواعد الاشتباك مع إسرائيل، فيمكن أن تكون صواريخ حزب الله، هدفها دعم طهران في إطار تداعيات تعقد المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني. ووفق الكاتب والمحلل السياسي منير ربيع، فإنه في ظل هذا المشهد لا بد من استذكار “معادلة توحيد الجبهات” ضد إسرائيل التي تحدث عنها الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، في خطاباته السابقة أكثر من مرة. وهو الأمر الذي قد يفسر أن الصواريخ التي أُطلقت سابقاً ولم يتبناها أحد، كان هدفها إيصال رسالة إلى الإسرائيليين والأمريكيين، بأن أي ضربة ضد إيران فإن كل الجبهات ستكون متحركة وهذا هو منطق توحيد الجبهات. صورة رئيس الحكومة الاسرائيلية الجديد بينيت وبالإضافة الى محاولة إسرائيل تغيير قواعد الاشتباك، فإن أسباب داخلية قد تكون خلف الرد الإسرائيلي غير المسبوق (القصف الجوي) وهي أن رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت، يريد أن يظهر بصورة مغايرة عن سلفه بنيامين نتنياهو. ومع هذا المنطق، يمكن أن تتوالى مثل تلك التطورات في المرحلة المقبلة، لكن دون  وقوع حرب شاملة أو اشتباك واسع، لأن الطرفين لا يريدان تصعيداً فعلياً للجبهة. وذلك وفق الكاتبة اللبنانية  رندة حيدر، “ماذا يجري في جنوب لبنان؟ “العربي الجديد””. وتحتل إسرائيل جزءًا من الأراضي اللبنانية، هي مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، وصدر قرار من مجلس الأمن عام 1978، ينص على انسحابها، لكنه لم يُنفذ حتى اليوم. رابعا: تداعيات التصعيد تغيير قواعد الاشتباك ولعل  قصف الطيران الإسرائيلي الذي حصل ً يؤشر إلى أن كل قواعد الاشتباك التي أرساها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 باتت بوضعٍ مهتزّ وتحتاج إلى تعديل، وهو ما يذهب إليه مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات، العميد خالد حمادة، لـ”العربي الجديد”، بقوله ” الملفت هنا أن العدو يضع بدوره فرضية أن تكون الفصائل الفلسطينية وراء ذلك، مع الإشارة إلى أن الإسرائيلي يعلم تماماً أن ليس هناك أي بنية مسلحة أو تنظيم قادر على إطلاق صاروخ واحد باستثناء حزب الله أو أقله بموافقة منه، وبالتالي فإنّ الموافقة الإسرائيلية على هذه الرواية تعني أن ظروف 1701 قد تغيّرت”. ومن ثم فتعديل قواعد الاشتباك، وربما استخدام الطيران الإسرائيلي فجراً هو مؤشر لاستخدامه مرّات عدّة في المستقبل وتوسيع دائرة الاعتداءات الإسرائيلية التي تطاول مناطق جنوبية، خاصة في ضوء قراءة الموقف الأمريكي المعلن، حول حق إسرائيل في حماية نفسها، وهو ما  يعني إعطاءها مشروعية دولية لقصف جنوب لبنان والردّ على الصواريخ التي يتنصّل منها حزب الله. ويفاقم تلك الرؤية أن  القرار 1701 لم يكن أصلاً محصناً منذ عام 2006 ويجري خرقه بشكل يومي، كما أن المشهد الإقليمي المتفجّر بين إيران والولايات المتحدة الأميركية والغرب،  قد يدفع لأن تكون جنوب لبنان جزءاً من المعركة، وقد ننتقل إلى مرحلةٍ جديدة ظاهرها عنف وتحرّر من كلّ قواعد الاشتباك. ووفق تقديرات استراتيجية، حاولت حكومة بينيت في لحظة…

تابع القراءة
تصعيد نظام بشار الأسد ضد درعا .. الأسباب والتداعيات والمستقبل السوري

تصعيد نظام بشار الأسد ضد درعا .. الأسباب والتداعيات والمستقبل السوري

  تصعيد غير مسبوق لأول مرة  منذ العام 2018، في الحنوب السوري، من قبل قوات النظام السوري مدعوما من روسيا وايران، يستهدف اخضاع درعا للنظام، المخنوق اقتصاديا، ويسعى لتوسيع حركة التجارة مع الأردن. ومنذ الأسبوع الأخير من  يوليو الماضي،  تشهد مدينة درعا ومناطقها الريفية تصعيد عسكري ، نتيجة حصار فرضته قوات النظام على أحياء درعا البلد وطريق السد والمخيم، ومحاولات مستمرّة لاقتحام أحياء المدينة من قبل قوات الفرقة الرابعة والميليشيات المرافقة لها لفرض سيطرتها على المدينة، ويعايش على إثرها الأهالي في درعا ترقبًا وخوفًا خشيةً من عمليات الانتقام منهم، بسبب مواقفهم المناهضة للنظام السوري، فيما يطالب النظام بتسليم المعارضين الأسلحة الخفيفة المنصوص عليها في اتفاق 2018. هذا التصعيد يعتبر الأول من نوعه، منذ اتفاق التسوية الذي حصل مع قوات النظام في شهر يوليو 2018، وكانت تسوية الجنوب السوري استثنائية من بين الاتفاقيات مع المدن والبلدات الأخرى في عموم سوريا، إذا بقيَ كثير من مقاتلي المعارضة ونشطاء الثورة في مدنهم وقراهم مع سلاحهم الخفيف، وكل ذلك بضمانة روسية. أولا: محركات الأزمة بدأت الأزمة في درعا منذ 25 يونيو، عندما طالبت قوات النظام السوري المعارضة بتسليم الأسلحة الخفيفة بموجب اتفاق وقف إطلاق نار في عام 2018، لكن المعارضة رفضت ذلك، وحاصرت قوات النظام المدينة في محاولة للضغط عليهم لإجبارهم على تسليم أسلحتهم. كما إن درعا هي أحد المناطق القليلة التي لم تتضمن صفقة المصالحة فيها بين النظام والمعارضة إجلاء المعارضين إلى محافظة إدلب مما ترك الكثير من قوى المعارضة  مسلحين بأسلحتهم الخفيفة في مواقعهم كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار. ومنذ عام 2018، شهدت المدينة عدة اشتباكات بين قوات النظام السوري والمعارضين تضمنت تبادل لإطلاق النار وتفجيرات. ثانيا: التطورات الميدانية وعلى الصعيد الميداني، فرضت قوات النظام متمثِّلة بالفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانية المصاحبة لها، حصارًا على درعا البلد بدأ يوم 24 يونيو الماضي، عبر إغلاق معظم الطرق المؤدية إليها بالسواتر الترابية والحواجز العسكرية التي تمركز معظمها في النقاط العسكرية القريبة من المدينة، رغم التوصُّل لاتفاق بين اللجنة المركزية للأهالي والنظام. يقضي الاتفاق بفكّ الحصار عن أحياء درعا البلد، عبر فتح الطرقات بين درعا البلد ومركز المحافظة على مدار 3 أيام، يجري خلالها تسليم عدد محدود من الأسلحة الفردية، والسماح بإقامة 3 نقاط عسكرية داخلها، إضافة إلى إجراء تسوية جديدة لنحو 100 شاب في درعا البلد، وتسوية للأشخاص الذين لم يجروا عملية التسوية سابقًا في يوليومن العام 2018. وعلى إثر خرق قوات النظام لاتفاق التهدئة، تجددت الاشتباكات بين قوات من النظام السوري وميليشيات متعددة مرافقة لها كالحرس القومي العربي، الذي يعدّ إحدى أذرع الحرس الثوري الإيراني، وبين مقاتلين محليين من أهالي مدينة درعا، أدت إلى اقتحام مدينة درعا يوم الخميس الفائت، وسط قصف مكثَّف بالرشاشات الثقيلة والهاون والمدفعية وصواريخ “فيل” محلية الصنع. وحاولت قوات النظام التقدم على عدة محاور رئيسية ضمن حملتها الأخيرة، وهي محور حاجز قصاد ومحورَي مناطق النخلة والقبة، حيث استقدمت تعزيزات عسكرية من مختلف المناطق إلى جبهات محافظة درعا، وسط تحليق لطيران الاستطلاع في المدينة وريفها. فيما تصدّى مقاتلون محليون من أبناء درعا البلد لهجمات النظام والميليشيات المرافقة يوم الخميس 30 يوليوـ ومنعوهم من التقدم تجاه الأحياء السكنية في المدينة، واقتصر تواجد عناصر النظام على الأطراف الشرقية والجنوبية للمدينة، وتكبّدت المجموعات المهاجمة خسائر في الأرواح أثناء محاولتها التقدم من المحاور الشرقية للمدينة. ردًّا على هجوم قوات النظام والميليشيات المرافقة لها، قام عدد من المقاتلين المحليين في قرى وبلدات درعا بالهجوم على الحواجز المتواجدة في ريفَي درعا الشرقي والغربي، حيث قطعت مجموعة من أبناء بلدة صيدا شرقي درعا الأوتوستراد الدولي “دمشق-عمان” أمام مجموعات النظام العسكرية القادمة إلى المحافظة. أما في المنطقة الغربية لم يختلف الحال كثيرًا عن المنطقة الشرقية، حيث سيطرت مجموعة من ثوار المنطقة الغربية على حاجز “البكار” التابع لقوات النظام، والواقع بين بلدة البكار ومدينة تسيل بريف درعا الغربي، وعلى مركز للمخابرات الجوية في البلدة، وحاجز يفصل بينها وبين بلدة سحم الجولان غرب درعا، وتمكنوا من أسر أكثر من 30 عنصرًا. كما سيطر الثوار على معسكر زيزون ومعسكر الصاعقة وحاجز الكنسروة بريف درعا الغربي، بعد انسحاب عناصر قوات النظام من هذه المواقع، إضافة إلى مفرزة الأمن العسكري في بلدة الشجرة بريف درعا الغربي، واستولوا أيضًا على تل السمن قرب مدينة طفس بريف درعا الغربي، وأسروا عددًا من عناصر وضبّاط النظام فيه، كما هاجموا منطقة الري الواقعة بين اليادودة والمزيريب، ليسفر عن ذلك حالات انشقاق في صفوف عناصر النظام. ثالثا: أسباب التصعيد ضد درعا عقاب أهالي درعا لرفضهم الانتخابات الأخيرة يأتي التصعيد العسكري من قبل النظام السوري، بعد مقاطعة أهالي درعا البلد الانتخابات الرئاسية، والتي أُجريت في آخر مايو الماضي، وخروج مظاهرات رافضة لها، وهو ما دفع قوات النظام إلى حصار المنطقة ومحاولة إخضاعها بالقوة وفرض إقامة حواجز عسكرية وأمنية خلافا لاتفاق التسوية المبرم قبل 3 أعوام بين المعارضة السورية وروسيا. وهو ما عبر عنه أبو علي المحاميد -وهو أحد وجهاء درعا- لمراسل الجزيرة نت، إن هجوم النظام على المنطقة يشكل عقابا لدمشق لأهالي درعا الذين رفضوا الانتخابات الرئاسية، وأضاف أبو علي أن النظام أخل بالاتفاق المبرم بينه وبين أهالي درعا البلد، وذلك بشنه هجوما بقوات كبيرة على أحياء المنطقة، وهو الأمر الذي يرفضه السكان، وفق المحاميد. اختلاف أجندة حلفاء بشار وبحسب عماد المسالمة، وهو أحد وجهاء “درعا البلد”، في حديث مع “العربي الجديد” فأنّ الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، “تريد الاستيلاء على الجامع العمري الذي انطلقت منه شرارة الثورة السورية بالقوة، ورفع علم النظام فوقه في رسالة إعلامية واضحة بأنّ الثورة قد هُزمت”. وكان النظام السوري قد هدد أخيراً بهدم هذا الجامع الذي يعد من أعرق المساجد في سورية، في حال عدم الرضوخ لمطالبه. وتعد الفرقة الرابعة في مقدمة فرق قوات النظام الموالية بشكل كامل للجانب الإيراني، بل إنّ مصادر في المعارضة السورية تؤكد أنّ عدداً كبيراً من أفرادها هم من المليشيات الإيرانية المتخفين في لباس عناصر هذه الفرقة. ودأبت الفرقة الرابعة على ارتكاب المجازر بحق المدنيين في كل المناطق التي دخلتها، إضافة للقيام بعمليات “تعفيش” للبيوت على نطاق واسع. ووفق مصادر في المعارضة السورية، تتخذ مليشيات إيرانية من مقرات فرق عسكرية تابعة للنظام أماكن تمركز لها في محافظة درعا، وخاصة في منطقتي إزرع والصنمين. أما الفرقة 15 والتي تنتشر ألويتها في عموم الجنوب السوري، فهي من الفرق الموالية للجانب الروسي، ما يفسّر مطالبة الأهالي بانتشارها في أحياء درعا البلد، وفق اتفاق لتفادي عمليات انتقام بحق الأهالي. وتدلّ المعطيات على أنّ النظام مصر على السيطرة الكاملة على محافظة درعا بالقوة، إذ ذكرت صحيفة “الوطن” التابعة له، أن قوات النظام عززت حواجزها العسكرية وكتيبة…

تابع القراءة
هل تسير قاطرة الانتخابات الليبية للإمام؟ .. بعد فتح الطريق الساحلى

هل تسير قاطرة الانتخابات الليبية للإمام؟ .. بعد فتح الطريق الساحلى

    تبدو احتمالية إقامة الانتخابات الليبية، فى ديسمبر المقبل، ممكنة أكثر ممَّا مضى، وذلك بالنظر للدفع الدولي المستمر بهذا الاتجاه، وتجاوب الأطراف الليبية نسبياً مع هذه المساعي، والإنجازات غير المتوقعة التي حققتها جهود الوساطة الأممية من قبيل انتخاب مجلس رئاسي ورئيس وزراء جديد في ليبيا في فبراير الماضي، ومن ثم نجاح رئيس الوزراء المنتخَب من قبل ملتقى الحوار عبد الحميد دبيبة في تشكيل الحكومة، بل وحتى في نيل ثقة مجلس النواب في سابقة هي الأولى منذ عام 2014. آخر إنجازات الوساطة الأممية والمساعي الدولية تمثل في خطوة إعادة فتح الطريق الساحلي “مصراتة – سرت” الرابط بين شرقي وغربي البلاد، والذي مثل إشارة إيجابية وتمهيدية للانتخابات العامة المرتقبة في ديسمبر المقبل[1].   أولًا: قاطرة الانتخابات الليبية تسير نحو الإمام: يبدو أن قاطرة الانتخابات الليبية تسير بخطى ثابتة، وإن كانت متباطئة، نحو الأمام، وهو ما أظهرته مؤخرًا مجموعة من المؤشرات تتمثل أبرزها فى: – فتح الطريق الساحلى: إعلان لجنة الـ5+5 العسكرية المشتركة، فى 30 يوليو الماضى، إعادة فتح الطريق الساحلي الرئيسي “مصراتة – سرت” الرابط بين شرقى وغربى البلاد. وإعادة فتح الطريق الساحلي، بعد عامين من غلقه، تشكل “أول نجاح بارز” لحكومة الوحدة الوطنية بعد استلامها السلطة رسميا في 16 مارس الماضي، وأيضا نجاح للجنة الـ5+5 منذ اتفاقها على وقف إطلاق النار في جنيف في 23 أكتوبر 2020. ولا تكمن أهمية هذا النجاح في رفع المعاناة عن الليبيين وتسهيل تنقل المسافرين والبضائع بين غرب البلاد وشرقها فقط، بل الأهم من ذلك إنهاء أحد أوجه الانقسام في البلاد، ولذلك دلالة رمزية على أن البلاد في طريقها للملمة شتاتها في مواجهة مشاريع الانقسام أو الانفصال أو الفدرالية. وهذا ما أشار إليه عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة، في كلمته التي ألقاها بسرت (شرق طرابلس) عقب إزالته أحد السواتر الترابية، قائلا: “عهد التشتت والفرقة وشبح الانفصال قد ولى إلى غير رجعة”. أضف إلى ذلك، فإن فتح الطريق يمثل تقدم العسكريون، ممثلين في لجنة الـ5+5، التي تضم ضباطا من الجيش الليبي وآخرين من مليشيات حفتر، يمثل خطوة جديدة على السياسيين سواء في ملتقى الحوار (لجنة الـ75) أو فرق الحوار التي جمعت وفودا من مجلسي النواب والدولة. فكما شكل اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته لجنة الـ5+5 العسكرية، خطوة متقدمة سمحت فيما بعد للسياسيين في ملتقى الحوار باختيار مجلس رئاسي جديد وحكومة وحدة وطنية، فإن فتح الطريق الساحلي على رمزيته من شأنه تشجيع السياسيين على التقدم في ملفي القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات[2]. – تجاوب حفتر مع مساعى حل الأزمة الليبية: قد كان لافتاً أيضاً تجاوب خليفة حفتر مؤخراً مع المسار الدولي لحل الأزمة الليبية، وهو ما ظهر فى دعوته “للتسجيل بكثافة في سجلات منظومة الانتخابات القادمة”، بجانب إعلانه الأخير عن دعمه لفتح الطريق الساحلي[3]. ومن مظاهر انفتاح حفتر أيضًا، لقائه بوزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، فى 2 أغسطس الجارى، وذلك قبل مراسم إعادة فتح القنصلية الإيطالية في مدينة بنغازي، شرق ليبيا. وهو اللقاء الذى يأتى بعد زيارة دي مايو لطرابلس، ولقاءاته مع كل من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة[4]. وتشير العديد من التقارير الإعلامية إلى أن زيارة وزير الخارجية الإيطالى تأتى تمهيدًا لتنظيم “قمة” بين الفاعلين السياسيين في ليبيا بروما قبل نهاية شهر أغسطس الحالي لحل القضايا الخلافية التى تواجه الانتخابات المقررة فى ديسمبر المقبل[5]. ويمكن الإشارة إلى عدة أسباب تقف خلف هذا التجاوب من قبل حفتر خاصة فيما يتعلق بموافقته على فتح الطريق الساحلى، منها؛ أن حلحلة الملفات الخلافية مثل فتح الطريق الساحلى قد يسهم في إجراء الانتخابات في موعدها، والذي يبدو أن حفتر يحرص عليها طمعا في أن تحقق له مراده في الوصول إلى كرسي الحكم في ظل الاعتقاد بأنه لا وجود لمنافس حقيقي للفوز بالانتخابات الرئاسية. من جهة أخرى، فإن حفتر سيظهر بمظهر المستجيب للضغوط الدولية لدفع المسار السياسي خطوات إلى الأمام، وفي حال فشل المسار السياسي وتم تعطيل الانتخابات، فستكون الفرصة سانحة أمام حفتر لممارسة مغامرته المفضلة وهي الحرب، أي أنه سيكون مستفيدا في كلا الحالي[6]. كما يخشى حفتر أن يتم تحميله مسؤولية عرقلة فتح الطريق الساحلي بين الشرق والغرب ما قد يعرضه لعقوبات دولية أو على الأقل أمريكية وغربية، مثلما كان الشأن بالنسبة لمحمود الورفلي ومحمد الكاني، التابعين لمليشيات حفتر، قبل أن يتم تصفيتهما. ومن شأن أي عقوبات دولية على حفتر أن تؤثر على حظوظه وعلى سمعته في الترشح للرئاسيات والفوز بها، خاصة مع عودة سيف الإسلام القذافي للظهور مجددا كمنافس قوي له على الساحة السياسية[7]، من خلال لقاء أجراه معه الصحفي الأمريكي روبرت وورث، في مايو الماضي، لحساب صحيفة “نيويورك تايمز”، التي نشرته في شكل قصة خبرية مطولة عن الأزمة الليبية، فى 30 يوليو الماضى. ويتزايد تخوف حفتر من ترشح سيف القذافى للانتخابات المقبلة فى ظل وجود مجموعة من العوامل التى تصب فى صالح الأخير للفوز فى الانتخابات المقبلة على حساب حفتر؛ فلا تزال مدن وقبائل تجاهر بدعمها له، على غرار قبائل القذاذفة والمقارحة والورفلة، وذكرت “نيويورك تايمز” عن استطلاعات رأي (لم تحددها) أن 57 بالمئة في منطقة واحدة (لم تذكرها) عبّروا عن “ثقتهم” بسيف الإسلام. كما يوفر أحمد قذاف الدم، ابن عم سيف الإسلام المقيم في مصر، له الدعم المالي، حيث يحتفظ بثروة طائلة، ويقود أيضا حزب النضال الوطني. وليس ذلك فقط، فسيف الإسلام لديه حليف قوي، هو روسيا، ولا تخفي موسكو دعمها للقذافي، حيث استقبل مبعوث الرئيس الروسي الخاص بالشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل بوغدانوف، مفتاح الورفلي وعمر أبوشريدة، ممثلين عن “حركة سيف الإسلام”، في 15 يناير الماضي. كما أن روسيا متواجدة عسكريا في ليبيا عبر شركة “فاغنر”، وتقارير إخبارية تحدثت مؤخرا عن تواجد قوات روسية نظامية أيضا. وهذا الثقل العسكري الروسي وإن كان في الظاهر لصالح حفتر، إلا أن موسكو قد تختار القذافي في النهاية إذا خيرت بينه وبين حفتر. ويفسر ذلك تأكيد حفتر في الفترة الأخيرة على ضرورة رحيل جميع المرتزقة الأجانب من ليبيا “بدون استثناء”. وموافقة حفتر على فتح الطريق الساحلي بين الشرق والغرب بعد عرقلته مرارا لمحاولات فتحه[8]. وأخيرًا، قد يهدف حفتر إلى التملص من الوجود الروسي المتمركز فى سرت، وذلك في ظل التصعيد في الخطاب بين واشنطن وموسكو مؤخرا، وفى ظل عدم سماح واشنطن بأن يكون لموسكو موطئ قدم في منطقة لا تبعد إلا بضع مئات من الكيلومترات عن قواعد أمريكية في أوروبا، ما قد يدفع واشنطن إلى فرض عقوبات على من يسهل ويدعم التواجد الروسى فى ليبيا (حفتر)[9]. – حدوث تقدم نسبى فى حلحلة أزمة المرتزقة الأجانب: فقد أكد الإعلان الختامى لمؤتمر برلين الثاني المنعقد في شهر يونيو الماضى على التزام الحكومة الانتقالية…

تابع القراءة
الانتقال الديمقراطي المحتجز في مصر

الانتقال الديمقراطي المحتجز في مصر

  في مقدمة كتاب «الانتقال الديمقراطي المحتجز في مصر»، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 2016، رغم أن صاحب الكتاب غادر الحياة في 2009، يتناول الكاتب مشكلات ثلاث في المجال السياسي المصري بالتحليل: المشكلة الأولى: الدولة السلطوية في مصر، ويرصد بشكل مختصر للغاية تطورات هذه السلطوية منذ لحظة احتجاجات الطلبة والعمال سنة 1968 وكيف عمل النظام النصاري على استيعابها من خلال بيان 30 مارس 1968، ثم وصول السادات للحكم وانقلابه على المكون اليساري داخل النظام الناصري فيما عرف بمعركة مراكز القوى في مايو 1971، والإصلاحات الديمقراطية التي أدخلها السادات من خلال دستور 1970، والتي على الرغم منها احتفظ بصلاحيات وسلطات شديدة الاتساع بموجب الدستور نفسه، ثم تخلص من القيد الوحيد على الرئيس والذي يحدد فترات حكم الرئيس بفترتين فقط كل منها 6 سنوات وذلك في تعديلات 1980 والتي مدت الولاية الرئاسية إلى عدد غير محدد من الدورات ومن ثم إلى أمد زمني غير محدد، ثم عهد مبارك حيث تمركز السلطة زاد وتعمق، وواصلت النخبة السياسية انكماشها، وغلقت قنوات المشاركة من أعلى ومن أسفل، كما هيمنة الإدارة الأمنية والبيروقراطية على إتخاذ القرار وعلى المجال السياسي ككل، كما تم إفراغ المجال السياسي من المواطنين، وبذلك أصبحت الدولة المصرية معلقة في الهواء بدون شرعية شعبية. محذراً من حالة اللايقين والغموض والضبابية التي ينظر من خلالها لمستقبل نظم الحكم السلطوية؛ كونها بدون أرتباطات قوية بالمجتمع فهي معلقة في الهواء، وكونها لا تتأسس على الديمقراطية وحكم القانون والشفافية، وإنما تتأسس على قيم الولاء والمحسوبية والشخصنة. المشكلة الثانية: غياب المجتمع بشكل تام عن المجال السياسي في مصر؛ كنتيجة مباشرة للسلطوية، مع هزال المجتمع المدني، والانكماش المزهل في حجم وفاعلية النخبة السياسية، مع هامشية وتبعية الطبقة المثقفة العاملة بالسياسة. وقد نتج عن كل هذا أن وعي المجتمع والقوى الفاعلة بالمجال العام بالقضايا السياسية والاقتصادية والعلاقات الخارجية لم يتطور بالشكل الكافي الذي يمكن هذه القوى من بناء وعي متطور بهذه القضايا وطرق التعامل معها. وأن معضلة المجتمع السياسي المصري ذات جانبين؛ فمن جهة هناك تنوع في التوجهات وسط استقطاب عام بين التيارات الدينية السياسية والتيارات المدنية، مع مزاج عام في البلاد يؤيد الإصلاح السياسي والديمقراطي وتوق للتجديد السياسي، من جهة أخرى: فإن حجم الزخم السياسي للإصلاح والنضال الشعبي الفعلي من أجله أضعف كثيراً من أن يناله أو ينتزعه انتزاعاً من دولاب دولة لا تريده وتخشاه. مشيراً إلى أن الأزمة لها بعد دستوري؛ فالفلسفة التي حكمت التطور الدستوري المصري كانت ذات مزاج محافظ تمنح الرئيس عادة سلطات غير محدودة، حتى مقترحات التعديل التي قدمتها قوى المجتمع السياسي المصري اتسمت بالنفس المحافظ ذاته، إضافة للاستقطاب التقليدي حول الدستور بين التيارات الدينية السياسية والتيارات العلمانية، ويقترح للخروج من هذا المأزق دستور صغير مركز ذات طبيعة إجرائية، يستبعد نقاط الخلاف بقدر كبير، ويترك تطوير هذا الدستور للخبرات التي يكتسبها الفاعلون السياسيون خلال هذه التجربة، كما يقترح نظام برلماني يفتح أفق للحوار والجدل بين القوى المختلفة عند كل قضية هامة، ولا يترك كل أوراق المسألة السياسية بيد الرئيس. لكن بقي سؤال بدون إجابة، وهو مع وجود رغبة صادقة لدى الجميع للتغيير، يتواكب مع غياب القدرة على إحداث هذا التغيير  جراء ترهل المجتمع وهزال المجتمع المدني وتراجع اهتمام المجتمع بالشأن العام كيف يمكن في ظل هذا السياق يتم دفع عجلة التغيير في مصر؟ هناك مسارات 4 ممكنة؛ المسار الأول: حدوث تغير بطيء في مزاج المجتمع ووعيه بالتغيير. المسار الثاني: وعي نخبة الحكم بحتمية التغيير وكونه ضرورة لا يمكن تجاهلها وأن بقاء الوضع الحالي تكلفته أعلى بكثير من مكاسبه. المسار الثالث: الثورة، نخبة صغيرة تجازف بسلامها الشخصي فيتبعها حراك جماهيري واسع. المسار الرابع: إنقلابات في الأحداث غير متوقعة تقود للتغيير. التعليق: الكتاب عبارة عن مقالات مجمعة للكاتب، وهذه النقاط المذكورة مأخوذة عن المقدمة، يعبر من خلالها السيد سعيد عن أفكاره بخصوص الوضع السياسي في مصر إبان السنوات الأخيرة من حكم مبارك، فالكاتب توفي في 2009 قبل ثورات الربيع العربي، وقد صدق حدثه إذ تحقق المسار الثالث أي “نخبة صغيرة تجازف بسلامها الشخصي فيتبعها حراك جماهيري واسع”، وذلك عبر إندلاع ثورة يناير. حالياً وبعد إخفاق تجربة التحول الديمقراطي ونجاح الثورة المضادة في إجهاض مكتسبات ثورة يناير، وعودة الأوضاع لما كانت عليه قبل ثورة يناير؛ حيث نظام شديد السلطوية، ومجال سياسي مؤمم بشكل كامل، وقوى سياسية مبعثرة وعاجزة، مع استقطاب إسلامي حاد، يواكبه رغبة واسعة في التغيير، مع عجز مجتمعي عن التحرك لتحقيق هذا التغيير. بالتالي يبدو ما جاء في مقدمة الكتاب صالح للاستخدام في فهم الواقع الراهن في مصر رغم مرور ما يزيد عن 10 سنوات منذ كتابة هذه المقدمة لأول مرة، ومفيد أيضاً في استشراف مستقبل الوضع في مصر. 

تابع القراءة
الانتقال الديمقراطي المحتجز في مصر

الانتقال الديمقراطي المحتجز في مصر

    في مقدمة كتاب «الانتقال الديمقراطي المحتجز في مصر»، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 2016، رغم أن صاحب الكتاب غادر الحياة في 2009، يتناول الكاتب مشكلات ثلاث في المجال السياسي المصري بالتحليل: المشكلة الأولى: الدولة السلطوية في مصر، ويرصد بشكل مختصر للغاية تطورات هذه السلطوية منذ لحظة احتجاجات الطلبة والعمال سنة 1968 وكيف عمل النظام النصاري على استيعابها من خلال بيان 30 مارس 1968، ثم وصول السادات للحكم وانقلابه على المكون اليساري داخل النظام الناصري فيما عرف بمعركة مراكز القوى في مايو 1971، والإصلاحات الديمقراطية التي أدخلها السادات من خلال دستور 1970، والتي على الرغم منها احتفظ بصلاحيات وسلطات شديدة الاتساع بموجب الدستور نفسه، ثم تخلص من القيد الوحيد على الرئيس والذي يحدد فترات حكم الرئيس بفترتين فقط كل منها 6 سنوات وذلك في تعديلات 1980 والتي مدت الولاية الرئاسية إلى عدد غير محدد من الدورات ومن ثم إلى أمد زمني غير محدد، ثم عهد مبارك حيث تمركز السلطة زاد وتعمق، وواصلت النخبة السياسية انكماشها، وغلقت قنوات المشاركة من أعلى ومن أسفل، كما هيمنة الإدارة الأمنية والبيروقراطية على إتخاذ القرار وعلى المجال السياسي ككل، كما تم إفراغ المجال السياسي من المواطنين، وبذلك أصبحت الدولة المصرية معلقة في الهواء بدون شرعية شعبية. محذراً من حالة اللايقين والغموض والضبابية التي ينظر من خلالها لمستقبل نظم الحكم السلطوية؛ كونها بدون أرتباطات قوية بالمجتمع فهي معلقة في الهواء، وكونها لا تتأسس على الديمقراطية وحكم القانون والشفافية، وإنما تتأسس على قيم الولاء والمحسوبية والشخصنة. المشكلة الثانية: غياب المجتمع بشكل تام عن المجال السياسي في مصر؛ كنتيجة مباشرة للسلطوية، مع هزال المجتمع المدني، والانكماش المزهل في حجم وفاعلية النخبة السياسية، مع هامشية وتبعية الطبقة المثقفة العاملة بالسياسة. وقد نتج عن كل هذا أن وعي المجتمع والقوى الفاعلة بالمجال العام بالقضايا السياسية والاقتصادية والعلاقات الخارجية لم يتطور بالشكل الكافي الذي يمكن هذه القوى من بناء وعي متطور بهذه القضايا وطرق التعامل معها. وأن معضلة المجتمع السياسي المصري ذات جانبين؛ فمن جهة هناك تنوع في التوجهات وسط استقطاب عام بين التيارات الدينية السياسية والتيارات المدنية، مع مزاج عام في البلاد يؤيد الإصلاح السياسي والديمقراطي وتوق للتجديد السياسي، من جهة أخرى: فإن حجم الزخم السياسي للإصلاح والنضال الشعبي الفعلي من أجله أضعف كثيراً من أن يناله أو ينتزعه انتزاعاً من دولاب دولة لا تريده وتخشاه. مشيراً إلى أن الأزمة لها بعد دستوري؛ فالفلسفة التي حكمت التطور الدستوري المصري كانت ذات مزاج محافظ تمنح الرئيس عادة سلطات غير محدودة، حتى مقترحات التعديل التي قدمتها قوى المجتمع السياسي المصري اتسمت بالنفس المحافظ ذاته، إضافة للاستقطاب التقليدي حول الدستور بين التيارات الدينية السياسية والتيارات العلمانية، ويقترح للخروج من هذا المأزق دستور صغير مركز ذات طبيعة إجرائية، يستبعد نقاط الخلاف بقدر كبير، ويترك تطوير هذا الدستور للخبرات التي يكتسبها الفاعلون السياسيون خلال هذه التجربة، كما يقترح نظام برلماني يفتح أفق للحوار والجدل بين القوى المختلفة عند كل قضية هامة، ولا يترك كل أوراق المسألة السياسية بيد الرئيس. لكن بقي سؤال بدون إجابة، وهو مع وجود رغبة صادقة لدى الجميع للتغيير، يتواكب مع غياب القدرة على إحداث هذا التغيير  جراء ترهل المجتمع وهزال المجتمع المدني وتراجع اهتمام المجتمع بالشأن العام كيف يمكن في ظل هذا السياق يتم دفع عجلة التغيير في مصر؟ هناك مسارات 4 ممكنة؛ المسار الأول: حدوث تغير بطيء في مزاج المجتمع ووعيه بالتغيير. المسار الثاني: وعي نخبة الحكم بحتمية التغيير وكونه ضرورة لا يمكن تجاهلها وأن بقاء الوضع الحالي تكلفته أعلى بكثير من مكاسبه. المسار الثالث: الثورة، نخبة صغيرة تجازف بسلامها الشخصي فيتبعها حراك جماهيري واسع. المسار الرابع: إنقلابات في الأحداث غير متوقعة تقود للتغيير. التعليق: الكتاب عبارة عن مقالات مجمعة للكاتب، وهذه النقاط المذكورة مأخوذة عن المقدمة، يعبر من خلالها السيد سعيد عن أفكاره بخصوص الوضع السياسي في مصر إبان السنوات الأخيرة من حكم مبارك، فالكاتب توفي في 2009 قبل ثورات الربيع العربي، وقد صدق حدثه إذ تحقق المسار الثالث أي “نخبة صغيرة تجازف بسلامها الشخصي فيتبعها حراك جماهيري واسع”، وذلك عبر إندلاع ثورة يناير. حالياً وبعد إخفاق تجربة التحول الديمقراطي ونجاح الثورة المضادة في إجهاض مكتسبات ثورة يناير، وعودة الأوضاع لما كانت عليه قبل ثورة يناير؛ حيث نظام شديد السلطوية، ومجال سياسي مؤمم بشكل كامل، وقوى سياسية مبعثرة وعاجزة، مع استقطاب إسلامي حاد، يواكبه رغبة واسعة في التغيير، مع عجز مجتمعي عن التحرك لتحقيق هذا التغيير. بالتالي يبدو ما جاء في مقدمة الكتاب صالح للاستخدام في فهم الواقع الراهن في مصر رغم مرور ما يزيد عن 10 سنوات منذ كتابة هذه المقدمة لأول مرة، ومفيد أيضاً في استشراف مستقبل الوضع في مصر.

تابع القراءة

قانون الري الجديد .. تحميل الشعب المصري فشل النظام بسد النهضة

    بأغلبية ثلثي أعضائه، وافق مجلس النواب، الثلاثاء 27 يوليو 2021، على مشروعي قانون الري الجديد لتنظيم الموارد المائية والري، وقانون حماية البحيرات والثروة السمكية. قانون الري يضم 131 مادة موزعة على 10 أبواب، ويهدف إلى فرض غرامات مالية كبيرة على المزارعين مقابل منح تراخيص استخدام ماكينات رفع المياه، رغم ما يعانونه من أوضاع معيشية صعبة، في ظل تراجع صادرات المحاصيل الزراعية على وقع أزمة تفشي وباء كورونا. يستهدف قانونا الري والبحيرات والثروة السمكية تقنين استخدام مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي المعالجة، ومياه البحار بعد تحليتها، والمياه الجوفية ومياه الأمطار، في ري المحاصيل الزراعية، وتغذية المزارع السمكية، وإنشاء جهاز يتبع مجلس الوزراء لحماية البحيرات وتنظيم الصيد فيها. كما حظر القانون زراعة المحاصيل “الشرهة للمياه” في غير المساحات الصادر بتحديدها قرار وزاري، وكذا تشغيل الطلمبات على المساقي المطورة، ومنع إقامة مزارع أو أقفاص سمكية بالمجاري المائية حفاظاً على نوعية المياه، أو أي منشآت في مخرات السيول، أو تنفيذ أعمال لحجز مياه الأمطار والسيول الجارية في الأودية الطبيعية. كما نص على “معاقبة كل من يُخالف أحكام التصرف في الأشجار والنخيل في الأراضي المملوكة للدولة، ملكية عامة، سواء بالقطع أو القلع، بغرامة لا تقل عن ألف جنيه، ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه عن الشجرة الواحدة أو النخلة الواحدة، وتضاعف العقوبة في حالة تكرار المخالفة“. ونص القانون على أن “تحدد وزارة الري المساحات والمناطق المخصصة لزراعة الأرز سنوياً بقرار من الوزير المختص، وبالتنسيق مع وزير الزراعة واستصلاح الأراضي. وتُعلن لذوي الشأن بالطرق الإدارية لتنفيذها، متضمنة أنواع المحاصيل ذات الاحتياجات المائية العالية، وكذلك مساحات ومناطق زراعتها سنوياً“. أولا: الخلافات بين الري والزراعة موافقة المجلس على المشروع الأول جاءت بعد 42 شهرًا من تسلمه من الحكومة في يناير 2018، وهي المدة التي قضاها مجلس النواب جزءًا كبيرًا منها للوصول إلى توافق الوزارات والجهات المعنية المختلفة على ما يتضمن القانون من سيطرة وزارة الري على عدد كبير من الأراضي والموارد المائية، ومنحها حق التصرف في كل أو جزء منها، إلى جانب فرض حزمة من الرسوم على المستفيدين من المياه بجميع أنواعها، وعقوبات تتراوح بين الحبس والغرامة للمخالفين. وبحسب عضو لجنة الزراعة بمجلس النواب، مجدي ملك، لـ«مدى مصر» ترجع أسباب بطء إقرار مجلس النواب للمشروع إلى  الخلافات  بين وزارتي الري والزراعة، حول أراضي طرح النهر (الأراضي والجزر الواقعة وسط النهر أو على شاطئيه) لافتًا إلى أنها كانت تتبع وزارات الإدارة المحلية والزراعة والري، وكل منها تنازع ملكية الأخرى عليها، والاختصاصات متداخلة ومتشابكة بين تلك الوزارات. ولكن، القانون فض هذا الاشتباك ونص على «امتلاك» وزارة الري لها، ومن ثم أصبحت وزارة الري وحدها المسؤولة عن منح التراخيص لإقامة المشروعات بها أو قبول طلبات تقنين الأوضاع أو غيرها فيها، شأنها شأن الشواطئ، التي تتبع في الوقت الحالي عدة وزارات منها السياحة والبترول، ولكن المشروع حسم ملكيتها لصالح وزارة الري أيضًا. يحدد مشروع القانون «أملاك» وزارة الري، وبالتالي يتعين على الوزارة فرض رسوم على أي أنشطة تقام في حيز هذه الأملاك: مجرى نهر النيل وجسوره، بما في ذلك الأراضي والمنشآت الواقعة بين تلك الجسور، وأراضي طرح النهر الواقعة خارج حدى حرم النهر بمساحة 80 مترًا، فضلًا عن  المجاري المائية وجسورها، بما في ذلك الأراضي والمنشآت الواقعة بين تلك الجسور. وإلى جانب ذلك، يحدد مشروع القانون الموارد المائية للبلاد في حوض بحيرة ناصر وحوض منخفضات توشكى وقناة مفيض توشكى وأي أحواض (أماكن تجمع المياه) أخرى، إلى جانب مخرات السيول ومنشآت الحماية التي تقوم بتجميع الأمطار وتخزينها، وكذلك المنشآت الصناعية الأخرى المملوكة للدولة ذات الصلة بالري والصرف والمقامة داخل الأملاك العامة، والأراضي المحيطة بالآبار الجوفية، والأراضي التي تقوم الوزارة بأعمال الشحن الصناعي للمياه الجوفية فيها؛ جميع هذه الموارد أخضعها المشروع لسلطة وزارة الري. وبموجب مشروع القانون، لا تمتد ولاية وزارة الري وسلطتها على الأراضي الواقعة في نطاق اختصاصها المخصصة للمنفعة العامة أو المملوكة لجهة حكومية أو خاصة، إلا في حال انتهاء تخصيصها للمنفعة العامة، في هذه الحالة يحق لـ«الري» التصرف في تلك الأراضي بعد أخذ رأي وزارة الدفاع ومراعاة ما تقرره من شروط وقواعد تتطلبها شؤون الدفاع عن الدولة. وفيما يخص الشواطئ البحرية، اشترط مشروع القانون إصدار تراخيص جديدة بأعمال أو منشآت داخل منطقة الحظر النهائي للشواطئ (مساحة لا تقل عن 200 متر بعد  أقصى نقطة تصل إليها مياه البحر على اليابسة أثناء أعلى مد) بعد اعتماد وزير الري وموافقة وزارة البيئة. وبحسب “مي كساب، بـ”مدى مصر” تتباين وجهات النظر حول مشروع قانون الموارد المائية والري -الذي ينتظر تصديق عبد الفتاح السيسي عليه ليدخل حيز النفاذ- بين من يعتبره آلية لترشيد استخدام المياه، خاصة عن طريق مركزية إدارة الموارد المائية متمثلة في دور وزارة الري، وبين من يراه وسيلة من الوزارة لتسليع المياه والأراضي المحيطة بها كحل لأزمة الأمن المائي.   ثانيا: فلسفة القانون وتقوم فلسفة القانون، الذي يحمل أوجها انتقامية، على تعويض العجز المائي الذي تواجهه مصر، سواء بسبب ظروفها الجغرافية أو بسبب النقص الحاد في امداداتها المائيية من مياه النيل بسبب سد النعضة الاثيوبي، على فرض الترشيد على جميع المزارعين، واجبارهم على تحمل تبعات فشل الحكومة في ملف مياة النيل، والتي تواجهها الحكومة باجراءات بديلة كالتوسع في  بناء محطات تحلية مياة الصرف الصحي والصناعي ومياة البحر وتبطين الترع، عبر اشراك المستفيدين من مياة الري بتحمل جزء من التكلفة المالية والاقتصادية لمشاريع الحكومة.  وكان وزير الموارد المائية والريّ، محمد عبد العاطي، قد قال في لقاء مع بعض أعضاء البرلمان في 5 يونيو الماضي، إنّ مصر “من أكثر الدول معاناة من الشح المائي، لأنّ مواردها المائية لا تتجاوز 60 مليار متر مكعب سنوياً، وفي المقابل، يصل إجمالي الاحتياجات المائية في مصر إلى حوالي 114 مليار متر مكعب سنوياً“. مضيفا أنه من المتوقع حدوث زيادة في سكان مصر بنحو 75 مليون نسمة في 2050، وهو ما يمثل ضغطاً كبيراً على الموارد المائية، بالإضافة إلى تأثيرات التغيرات المناخية، أي أن العجز الأكبر المهدد لمصر مصدره التغيرات المناخية وسد النهضة وليس استهلاك او تبذير المزارع المصري، الذي يعاني فقرا مائيا كبيرا. من يتحمل تكلفة الترشيد؟ وبدلا من قيام الدولة بدورها في أزمة المياة ومصروفات مشاريع الترشد، تقوم بتحميله للمزارع، حيث يعتبر نقيب الفلاحين، حسين عبد الرحمن أبو صدام، أن فلسفة المشروع يمكن اختصارها في ثلاثة كلمات: رسوم وغرامات وعقوبات. ويتفق معه النائب محمد بدراوي، في تضمين المشروع أعباء مالية كثيرة على المستفيدين من المياه وخصوصًا الفلاحين، وإلزامهم بدفع أكثر من رسم مقابل الخدمة الواحدة، غير أنه اعتبر أن المشروع مهم لترشيد استخدامات المياه وتقليل الهدر بتنقية الترع والمصارف. ويذهب نقيب الفلاحين إلى أن هذا الترشيد يتحمل تكلفته الفلاح والمنتفع بالمياه وحده، بل إن…

تابع القراءة
ترميم السيسي للمقامات والأضرحة .. ملاحظات على الهامش

ترميم السيسي للمقامات والأضرحة .. ملاحظات على الهامش

    أعلنت مؤسسة الرئاسة متابع الجنرال عبدالفتاح السيسي للخطوات القائمة لـ «ترميم وتجديد مقامات وأضرحة آل البيت، خاصةً أضرحة السيدة نفيسة والسيدة زينب وسيدنا الحسين والتوجيه كذلك بتطوير كافة الطرق والميادين والمرافق المحيطة والمؤدية إلى تلك المواقع» وحظت تلك المتابعة باهتمام إعلامي كبير.[[1]] الملاحظة الأولى على هذا الإعلان أنه جرى توظيفه إعلاميا من أجل محاولة ترميم شعبية السيسي المتآكلة في أعقاب حربه على المساجد وهدم العشرات منها في حملات همجية منتصف 2020م بدعوى أنها بنيت بالمخالفة للقانون في الوقت الذي كان قد توصل قبل سنوات إلى تسوية مع قيادات الكنائس في مصر(جرى سن قانون رقم 80 لسنة 2016) لتقنين أوضاع آلاف الكنائس  المخالفة؛ فلماذا يقنن الكنائس المخالفة ويهدم المساجد؟! كما لا ينسى المصريون أن السيسي أنفق 100 مليون جنيه على ترميم المعبد اليهودي رغم أنه لا تقام فيه صلاوات لعدم وجود النصاب القانوني من الرجال اليهود حتى تقام فيه الصلوات وفق الديانة اليهودية. لذلك يسعى النظام إلى ترميم صورة السيسي والعمل على رسم صورة مغايرة للجنرال البلطجي؛ فترميم الأضرحة والمقامات لتغيير صورة السيسي الذي يحرق ويهدم المساجد ويقتل المصليين كما جرى في مذبحة الحرس الجمهورية ومسجد رابعة العدوية وهدم عشرات المساجد على طريق ترعة المحمودية بين البحيرة والإسكندرية.  ومشروع “مبادرة كريمة” لترميم صورة الجنرال الذي يهدم بيوت الناس بقسوة وعنف بدعوى أنها مخالفة للقانون. ويراد أن يظهر السيسي في صورة الرئيس الذي يهتم ببيوت الله ومساجد آل البيت بصفة خاصة؛ حيث تقدم وزير الأوقاف محمد مختار جمعة بالشكر للسيسي وقال الوزير: «”باسمي وباسم جميع العاملين بالوزارة، نقدم الشكر والامتنان والتقدير للرئيس عبدالفتاح السيسي، على اهتمامه بعمارة بيوت الله بصفة عامة، ومساجد آل البيت بصفة خاصة، سائلًا الله “عز وجل” أن يجزيه عن ذلك خير الجزاء، وأن يزيده سدادًا وتوفيقًا في خدمة الدين والوطن».[[2]] كما توجهت مشيخة الطرق الصوفية في بيان لها بجزيل الشكر للسيسي على هذه الخطوة، وأكد الدكتورعبدالهادي القصبي، رئيس المجلس الأعلى للطرق  الصوفية، دعمه للقيادة السياسية (الشريفة) والجيش والشرطة، مؤكدا أن الصوفية  هل الحل لكل مشاكل مصر والعالم.[[3]]  واعتبر ـ في مداخلة هاتفية مع  قناة فضائية «cbc»، قرار السيسي بترميم الأضرحة والمقامات إعلاء من المنظومة الأخلاقية للدولة.[[4]] الملاحظة الثانية، أن الذي يتولى عملية الترميم هي الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، حيث اجتمع السيسي مع اللواء إيهاب الفار، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، واللواء أشرف العربي، رئيس المكتب الاستشاري للهيئة الهندسية، والعميد عبد العزيز الفقي، مساعد رئيس الهيئة الهندسية لتصميمات الطرق، وهم الذين تلقوا التوجيهات بترميم الأضرحة والمقامات.[[5]] ورغم أن ذلك يعكس مدى تكريس العسكرة في مصر إلا أن الهدف هو ترميم صورة المؤسسة العسكرية؛ فالهيئة الهندسية وضباطها هم من كانوا يتولون عمليات هدم المساجد في 2020م، وهناك مئات من مقاطع الفيديو التي توثق بلدوزرات الجيش وهي تهدم بيوت الله، ولا ننسى أيضا المناورة التدريبية للجيش يوم الأربعاء 20 يوليو 2016م خلال حفل تخرج دفعة جديدة من طلبة الكلية الجوية، وكانت الصدمة المدوية أن  التدريب الأساسي لهؤلاء الطلاب المتخرجين حديثا من القوات الجوية  هو استهداف مجسم لمسجد بكامل تفاصيله!  وهي الجريمة التي لم تعتذر عنها المؤسسة العسكرية حتى اليوم. الملاحظة الثالثة، أن وزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي أعلن في اليوم التالي مباشرة “الأحد 25 يوليو2021م” أن «الوزارة تستهدف خلال العام المالى الحالى ٢٠٢١ – ٢٠٢٢ تركيب  40 ألف عداد مسبوق الدفع للمساجد الأهلية وملحقاتها والكنائس وملحقاتها لتحقيق وفر يبلغ نحو 100 مليون جنيه سنويا نتيجة الطاقة المستهلكة فى الإنارة العامة فى المساجد والكنائس، وأوضح أنه تم الانتهاء من تركيب 25 ألف عداد مسبوق الدفع فى المساجد الاهلية وملحقاتها والكنائس وملحقاتها مما حقق وفرا يبلغ 60 مليون جنيه خلال العام المالى الحالي».[[6]] وهو التصريح الذي لم يحظ بأي تغطية إعلامية وجرى نشره منزويا على مواقع الأخبار الحكومية، لأنه ببساطة يعني أن السيسي يمد يده في تبرعات المساجد الأهلية التي يتم الإنفاق عليها من تبرعات المواطنين البسطاء لينهب منها ما يشاء عبر عدادات الدفع المسبق للكهرباء! وقد جمع فعلا 60 مليون جنيه العام المالي الماضي(2020/2021) وفي طريقه ليصل النهب السنوي من التبرعات إلى 160 مليونا في العام المالي الحالي (2021/2022). المعنى الثاني لهذه التصريحات أن عمليات الترميم التي يتباهى بها نظام السيسي للمقامات والأضرحة إنما تتم فعليا من جيوب المواطنين عبر نهب مئات الملايين من تبرعات المساجد الأهلية للإنفاق على ترميم المقامات والأضرحة التي يوظفها السيسي سياسيا وإعلاميا لترميم صورته المشوهة والفاتورة يدفعها ملايين الفقراء والبسطاء والأسخياء الذين يتبرعون لبيوت الله. فالذي يدفع التكاليف هو الشعب والذي ينال الشكر والثناء هو السيسي! الملاحظة الرابعة، أن ترميم المقامات والأضرحة إنما يمثل انعكاسا لتوجهات النظام نحو تعزيز الوجود الصوفي واعتماده كتفسير وحيد للإسلام حتى يملأ الفراغ الكبير الذي تركته الحركات الإسلامية المعتدلة كجماعة الإخوان المسلمين التي يشن نظام العسكر في مصر عليها حربا شعواء منذ انقلاب 3 يوليو2013م، لا سيما وأن الطرق الصوفية الحديثة بكافة أشكالها إنما هي أداة في يد السلطة توظفها سياسيا ودينيا وإعلاميا لإضفاء مسحة شرعية على ممارسات النظام الإجرامية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بعدما جرى تفريغ الصوفية الحقيقية من محتواها ونقائها الأصيل حتى بات يتحدث  عنها مجموعات من الأفاقين والأرزاقية الذين يتخذون من الصوفية ستارا يتقربون بها إلى السلطة وينعمون بشيء من امتيازاتها حتى لو كان ذلك على حساب الإيمان الصحيح والسلوك القويم ومبادئ الإسلام وأحكامه التي تقوم على التوحيد الخالص والعدل المجرد بشقيه السياسي والاجتماعي. كما لم يعرف عن الصوفية الحديثة جهاد ضد محتل أو نضال ضد ظالم مستبد، وتتماهى مواقفهم من قضية “فلسطين” مع مواقف السلطة تدور معها حيث دارت؛ فهم مع التطبيع إذا أرادت السلطة وهم ضد المقاومة ما دامت السلطة ترفضها؛ لذلك تسعى دوائر عالمية وغربية بدعم من السلطوية العربية الرسمية لتكريس الوحود الصوفي واعتماده تفسيرا وحيدا للإسلام الجديد الذي يتم تفصيله على مقاس السلطة والأنظمة الحاكمة وتصورات الغرب عن الإسلام. و«يقدر عدد الطرق الصوفية بنحو 77 طريقة، تتفرع إلى ٦ طرق رئيسة هي: “الدسوقية، الشاذلية، الرفاعية ، البدوية، العزمية ، القادرية»[[7]]، ورغم أن الصوفية في جوهرها هي الاهتمام بالجوانب الروحية والأخلاقية والابتعاد عن السياسة والحكام، إلا أن تاريخ الحركة الصوفية في مصر يناقض هذه الحقيقة؛ ومنذ عهد محمد علي باشا حتى اليوم تحولت الطرق الصوفية في معظمها إلى أدوات في يد السلطة توظفها من أجل دعم سياساته وتوجهاته والتخديم على أجندته وخلق المسوغات الشرعية بين العوام التي تبرر هذه السياسات وتنشر أفكارا ضالة عن الطاعة المطلقة للحكام باعتبارهم ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم. وفي مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2013م يستهدف النظام تعزيز الوجود الصوفي حتى يكون بديلا عن الحركات الإسلامية المعتدلة كالإخوان المسلمين وبديلا أيضا عن التيار السلفي…

تابع القراءة
مظاهرات فلسطين على خلفية مقتل المعارض السياسى نزار بنات .. هل تطيح بالسلطة؟

مظاهرات فلسطين على خلفية مقتل المعارض السياسى نزار بنات .. هل تطيح بالسلطة؟

    تتواصل الفعاليات الاحتجاجية على مقتل المعارض السياسي الفلسطيني والمرشح للانتخابات التشريعية التي تم إلغاؤها نزار بنات، فى 24 يونيو 2021، عقب اعتقاله من الأجهزة الأمنية الفلسطينية من مكان سكنه في بلدة دورا جنوبي الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة. وهتف العشرات من المتظاهرين الفلسطينيين مطالبين بتحقيق العدالة لنزار، ومحاسبة المسؤولين عن مقتله، كما هتفوا ضد السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس، مكررين شعار “ارحل”، وطالبوا بإجراء الانتخابات[1]. أولًا: ما وراء انتفاضة الشارع الفلسطينى: يمكن إرجاع هذه الانتفاضة ضد السلطة الفلسطينية إلى مجموعة من الأسباب تتمثل فى: استراتيجيًا: فقد فشلت العملية السياسية التى تبنتها السلطة، والتى انطلقت منذ بداية التسعينيات، وراهنت على حل وسط، عبر المفاوضات تحت عنوان “حل الدولتين”، وانتهت إلى حالة تطرّف عنصري شامل في المنظومة الإسرائيلية، واختلال في ميزان القوى، وتعمّق الاحتلال والتطهير العرقي الإسرائيلي، في منظومة أبارتهايد وتمييز عنصري شامل لكل مكونات الشعب الفلسطيني. وبالتالي، نشوء فشل برنامجي لما اعتمدته منظمة التحرير منذ الثمانينيات، وراهنت عليه عبر اتفاق أوسلو وغيره[2]. وتحولت السلطة، بدلاً من ذلك، إلى قناع أو أداة أو وكيل لأرخص احتلال في التاريخ. أيضًا، فقد تصرفت السلطة طوال الوقت كأنها لمواطني الداخل فقط، أي الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى من دون القدس، مع تجاهل تام أيضاً للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، وفلسطينى الشتات والخارج. كما فشلت السلطة فى انهاء الانقسام السياسي والجغرافي بين حركتي فتح وحماس، والضفة الغربية وغزة، وأدّى، ضمن أسباب أخرى، إلى تعطيل الحياة السياسية، وعدم إجراء الانتخابات سنوات طويلة، ثم استغله الرئيس محمود عباس لحلّ المجلس التشريعي المُنتخب، بعد تهميشه وتعطيله سنوات. بموازاة فرض هيمنته التامة على الهيئات القضائية، بحيث بات يتحكّم تماماً بالسلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، مع تضييق على السلطة الرابعة وملاحقة الصحفيين وأصحاب الرأي. أما تكتيكياً: فيمكن الحديث عن عدة تطورات مهمة، حدثت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، أوّلها وأهمها الهرب من إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بعد انتظار 16 عاماً بحجة عدم موافقة الاحتلال على إجرائها في القدس. بجانب، عجز قيادة السلطة وصمتها في أثناء هبّات المدينة القدس في إبريل، ثم معركة سيفها في مايو، حيث غابت القيادة تماماً، وبدت منطوية على ذاتها في المقاطعة، من دون أي مبادرة سياسية أو حتى حضور إعلامي. والأسوأ أنها واصلت التنسيق الأمني مع الاحتلال، لكبح جماح الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية، ومنعه من التضامن بقوة مع الهبّات والمعركة، وبالتالي فتح جبهاتٍ ومعارك استنزاف إضافية في مواجهة الاحتلال المرهق على جبهات القدس وغزة. وأخيراً حادثة مقتل الناشط نزار بنات في أثناء اعتقاله من جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة في نهاية يونيو الماضى وفشل هذه الأخيرة في تقديم إجابات وتفسيرات منطقية ومقبولة تجاه الحادثة[3].   ثانيًا: هل تنجح هذه المظاهرات فى الإطاحة بالسلطة الفلسطينية؟: ولكن، رغم المظاهرات الشعبية الكبيرة التى تطالب برحيل السلطة، إلا أن معظم التحليلات ترجح عدم قدرة المتظاهرين على تحقيق هذا المطلب (رحيل السلطة)، وذلك لمجموعة من الأسباب أهمها: – بعد أن وقعت منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق أوسلو، وبموجبه أُنشئت السلطة الفلسطينية، نشأت مع السلطة جماعات مصالح مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسلطة ومؤسساتها من خلال خلق مؤسسات وأجهزة دولانية (وزارات وهيئات وأجهزة أمن وغير ذلك)، وبنى اقتصادية واجتماعية مختلفة، إضافة إلى أن مشروع السلطة الفلسطينية استثمر فيه الغرب مليارات الدولارات وليس من السهل السماح بانهياره، وما يفسر ذلك حجم تدفق الأموال في الأيام الأخيرة، وسلسلة الاتصالات بقياداتها من أطراف إسرائيلية وإقليمية ودولية. – أن السلطة لا تزال تقوم بدورها الوظيفى فى حماية إسرائيل وأمنها عبر الالتزام بالاتفاقيات الأمنية معها، وعليه قد يتجاوز العالم كل عورات السلطة ما دامت محافظة على هذا الدور الوظيفي[4]. وفى هذا السياق، فإن الإدارة الأميركية، ومعها حكومة دولة الاحتلال، تصارع من أجل بلورة خطّة جديدة تهدف إلى إعادة إنعاش السلطة من البوّابة الاقتصادية، في مقابل ترتيبات طُلب من الرئيس محمود عباس العمل عليها في ما يتعلّق بالنظام السياسي الفلسطيني، استعداداً لليوم التالي لمغادرته الرئاسة. وبحسب مصدر رفيع في السلطة تحدّث إلى “الأخبار”، فإن الخطّة الأميركية – الإسرائيلية التي يجري التباحث فيها مع مسؤولين فلسطينيين، تتمحور حول توفير مصادر دعم مالي جديدة للسلطة، عبر تفعيل اللجنة الإسرائيلية-الفلسطينية المشتركة للقضايا الاقتصادية (التي نص عليها الملحق الاقتصادي لاتفاقيات أوسلو المسمى “بروتوكول باريس”)، وإزالة الحواجز التي من شأنها تسهيل النشاط الاقتصادي للسلطة الفلسطينية. بجانب، التباحث مع الأطراف الدولية، وخاصة الولايات المتحدة، في إعادة الدعم الذي كان يُقدّر بـ400 مليون دولار سنوياً[5]. كذلك، زيادة الصادرات الأردنية إلى الضفة الغربية من 160 مليون دولار إلى حوالي 700 مليون دولار، وهو ما تم الاتفاق عليه أثناء زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد إلى العاصمة الأردنية عمّان، والتي تزامنت مع لقاء سري بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بعد قطيعة سنوات بين البلدين[6]. وتأتى تلك التسهيلات الإسرائيلية والأمريكية للسلطة مقابل قيام الأخيرة بفرض قبضة حديدية على مدن الضفة لمواجهة العمليات الفردية أو المنظّمة ضدّ قوّات الاحتلال. وتعديل النظام السياسي الفلسطيني خلال الفترة المقبلة، وإقرار قانون يسمح بتعيين نائب لعباس يتولّى مهامّ الرئاسة في حال مغادرة الأخير أو موته، بحيث يستمرّ النائب في القيادة في ظلّ تعذّر إجراء انتخابات. وهى الترتيبات التى تهدف من خلالها واشنطن وتل أبيب إلى ترتيب الأوضاع الداخلية للسلطة بما لا يسمح لحركة “حماس” بالسيطرة على الوضع السياسي الفلسطيني بعد رحيل عباس الذي يبلغ من العمر 85 عاماً ولا يبدو وضعه الصحّي جيداً[7]. – أن بقاء السلطة وتعزيز مكانتها يمثل مصلحة إسرائيلية لمجموعة من الاعتبارات منها: 1- منع سيطرة حماس على الساحة الفلسطينية وتعزيز قوتها وتأثيرها السياسي، لاسيّما في الضفة الغربية. 2- منع حصول تصعيد أمني في الضفة الغربية، وذلك في ظل وجود حكومة جديدة تحاول إثبات قدرتها على الحفاظ على الاستقرار الأمني النسبي في الضفة الغربية. 3- إبقاء موضوع البرنامج النووي الإيراني في سلم أولويات الأجهزة السياسية والأمنية الإسرائيلية، وتهميش الموضوع الفلسطيني إقليمياً ودولياً من خلال الحفاظ على الوضع القائم، وبقاء السلطة يُبقي الوضع على ما هو عليه على الأرض، وهو الخيار الأنسب حالياً لإسرائيل وحكومتها الجديدة. 4- إرضاء الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن التي تُبدي تفهماً للعقبات التي تواجه الحكومة الإسرائيلية الجديدة في التقدم نحو تسوية شاملة للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، إلا أنها تؤيد القيام بخطوات تعزز الثقة وتحسن حياة المواطنين الفلسطينيين والإسرائيليين في المنطقة. ولا يعني ذلك أن الحكومة الإسرائيلية ستكون داعمة للسلطة الفلسطينية بالمطلق، إذ ستبقى إسرائيل تتبع سياسة الضغط والابتزاز للسلطة، وخاصة في ظل وجود معارضة يمينية قوية بقيادة نتنياهو، كما في قرار حكومة بينيت في 11 يوليو الحالى بتجميد جزء من عائدات الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة لاستمرارها في دفع الرواتب إلى عوائل الفلسطينيين الذين ينفذون هجمات ضد إسرائيل. كما أن إسرائيل…

تابع القراءة
رغيف العيش .. تمت الخدعة بنجاح

رغيف العيش .. تمت الخدعة بنجاح

بعد حديث السيسي أمس، اتجه الجميع نحو نقطة الإثارة، وهي رفع سعر الرغيف، والذي كان بمثابة الطعم، حيث لم يدرك المواطن المناخ المحيط بالقرار جيدا، وتم إلهاءه بنجاح في جزئية رغيف العيش، للتغطية على الحدث الواقع في نفس الوقت وهو المدينة الصناعية الجديدة، أو المدينة الصناعية المضافة للامبراطورية العسكرية. سايلو فودز سايلو فودز هي مدينة  الخدمة الوطنية للصناعات الغذائية، تضم 10 مصانع بطاقة إنتاجية 470 ألف طن، على مساحة 135 فدان بإجمالي 567 ألف متر مربع، ويمتلك ذلك المشروع جهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة. وعن تفاصيل الشركة ومصانعها، قال اللواء تيمور موسى أبو المجد رئيس مجلس إدارة شركة سايلو فودز: الشركة تضم صوامع القمح بإجمالى 14 صومعة بطاقة إنتاجية 230 ألف طن، ومصنع البسكويت بطاقة 68 ألف طن سنويا، ومصنع المكرونة بطاقة 151 ألف طن سنويا، ومصنع المخبوزات بطاقة 9 آلاف طن لإنتاج جميع أنواع المخبوزات، فضلا عن مصنع الروتو بطاقة إنتاجية 8 آلاف طن سنويا، ومصنع للدوبلكس لإنتاج جميع أنواع العلب بطاقة إنتاجية 6 آلاف طن، كاشفا عن افتتاح المرحلة الثانية للشركة والتي تضم عدد 4 مصانع في عيد تحرير سيناء المقبل. القمح الاعتماد الأول للمدينة ولأن القمح مستهلك بشكل كبير في الرغيف المدع، فقد تم إلغاء الدعم عن الرغيف ليكون متوفر للمدينة الجديدة، حيث ذكرى  على المصيلحى وزير التموين والتجارة الداخلية، أن أهمية مشروع مدينة سايلو فودز الجديدة تتمثل فى إيجاد نموذج صناعى متكامل يحتذى به في مفهوم سلاسل الإمداد بداية من توفير زراعة القمح في المناطق الجديدة وتخزينه وصولا إلى استخدامه في الصناعة داخل المدينة بدون تدخل بشرى على الإطلاق، كذلك توفير وجبة غذائية صحية لطلاب المدارس وتحقيق التكامل مع المجمع الصناعى “قها – ادفينا”، وإضافة قدرات إضافية للسوق المصرى في مجال الصناعات الغذائية. الطلاب الحجه والمنفذ ولكي يظهر المشروع بأنه خدمي وأنه مفيد للوطن فقد أضاف لمهامة، تغذية الطلاب في المدارس، فهو بذلك مشروع وطني وهو بذلك منفذ جديد لسيطرة الجيش على التعليم، وفي هذا السياق استعرض طارق شوقى وزير التربية والتعليم، أهمية التغذية المدرسية فى بناء جسم الطلاب، مؤكدا أن برنامج التغذية المدرسية تم اعتماده منذ سنوات، بهدف توفير تغذية مدرسية لخلق جيل من الأصحاء لمساعدتهم على التعلم وتقليل التكلفة في المنظومة الصحية.  وعن تكلفة التغذية المدرسية، قال: متوسط تكلفة التغذية المدرسية للطالب الواحد حوالى 644 جنيها في العام أي نحو 8 مليار جنيه، مشيرا إلى أنه تم مسح 25 مليون طالب خلال 3 سنوات، فتم اكتشاف 3.3 مليون طالب مصاب بالسمنة و 8.2 مليون مصاب الانيميا و 1.2 مليون طالب مصاب بالتقزم”. فيما قالت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة أن المعهد القومى للتغذية يتولى وضع المواصفات الخاصة بالوجبة المدرسية للطلاب من خلال إضافة أهم العناصر الغذائية والفيتامينات والمغذيات الدقيقة لتحسين الحالة، لافتا إلى أن المدينة الصناعية “سايلو فودز”، توفر الغذاء للطلاب الذى توفر لها الاحتياجات الصحية وتساعده على مقاومة الأنيميا وغيرها. وأضافت  أن مكونات الوجبة المدرسية تختلف من محافظة إلى محافظة على حسب حالة الطلاب، حيث يوجد محافظات بها نسبة الأنيميا أكثر من 50 % وتم التنسيق مع “سايلو فودز”، ومحافظات أخرى تكون نسبة الانيميا أقل وبالتالي تكون الوجبات مختلفة وكذلك التنسيق فيما يخص السمنة والتقزم. وأكد اللواء وليد أبو المجد مدير عام مشروعات جهاز الخدمة الوطنية، أن التحدى القائم في العالم الآن هو تحدى اقتصادي بكل أشكاله، مشيرا إلى أن الجهاز قام بالتعاون مع أجهزة الدولة المختلفة بتنفيذ العديد من المشروعات العملاقة التي تدعم خطط التنمية المختلفة في البلاد، بالإضافة الى العديد من الأنشطة الاقتصادية المتخصصة. وأضاف مدير عام مشروعات جهاز الخدمة الوطنية، أن الجهاز قام بإنشاء شركة سايلو فودز للصناعات الغذائية باستخدام أحدث نظم الإدارة وخطوط الإنتاج على مساحة 130 فدان في مدينة السادات، منوها بأن المصنع يضم 10 مصانع مختلفة بإجمالى طاقة 470 ألف طن في السنة بعدد 40 منتجا. وتابع بالقول: تم تجهيز هذه المصانع بعدد 10 معامل للبحوث والتطوير وفقا لأعلى معايير الجودة.

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022