بعد أعوام من المحاولة: الكيان الصهيوني مراقب في الاتحاد الإفريقي
حتى عام 2002، كان الكيان الصهيوني عضوًا مراقبًا في منظمة الوحدة الإفريقية، حتى جرى حلها واستبدالها بالاتحاد الإفريقي. وشهدت العلاقات بين إفريقيا والكيان الصهيوني توترًا منذ ستينيات القرن الماضي، مع اندلاع حركات التحرر الوطني في القارة السمراء، وتصاعد الصراع العربي الصهيوني. وفي وقتٍ لاحق، دفعت الحروب الصهيونية مع الدول العربية عامي 1967 و1973، إلى قطع الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى علاقاتها مع الكيان. وكان للكيان الصهيوني عضوية مراقبة قبل حل منظمة الوحدة الإفريقية وتأسيس الاتحاد الإفريقي، ولكن بعد إعلان الأخير، مارس العقيد الليبي الراحل معمر القذافي ضغوطًا على دوله، وحال دون قبول طلب الكيان الصهيوني، خاصةً وهو الممول الرئيسي له حينها، وكان يستعد لإعلان نفسه “ملك ملوك إفريقيا”. وظل الوضع كذلك حتى بذلت تل أبيب على مدار السنوات الماضية مساعٍ كبيرة لتحسين العلاقات مع العديد من دول القارة، وصار لديها شراكات واسعة النطاق وتعاون مشترك في العديد من المجالات المختلفة مع تلك الدول. فما الذي تغير؟ وكيف يُمكن قراءة هذا التغير من حيث الأسباب والدلالات؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها.. إعلان مفاجئ أعلنت وزارة خارجية الكيان الصهيوني، يوم الخميس 22 يوليو، انضمام بلادها مرة أخرى إلى الاتحاد الإفريقي عضوًا مراقبًا عبر سفيرها لدى إثيوبيا. وقالت الوزارة في بيان لها “لأول مرة منذ عام 2002، قدم سفير إسرائيل لدى إثيوبيا أليلين أدماسو أوراق اعتماده عضوًا مراقبًا لدى الاتحاد الإفريقي” دون أن توضح خلفيات الخطوة. وأشارت إلى أن “الاتحاد الإفريقي هو أكبر وأهم منظمة في القارة السمراء ويضم 55 دولة”. من جانبه، قال وزير الخارجية الصهيوني يائير لابيد “هذا يوم احتفال بالعلاقات الإسرائيلية الإفريقية”. وأضاف في البيان الصادر عن وزارة الخارجية “هذا الإنجاز يصحح الحالة الشاذة التي كانت موجودة منذ قرابة عقدين وهو جزء مهم من تعزيز نسيج العلاقات الخارجية لإسرائيل”. وتابع لابيد “هذا الإنجاز سيساعدنا على تعزيز أنشطتنا في القارة الإفريقية ومع الدول الأعضاء في الاتحاد”. وذكرت الخارجية الإسرائيلية في بيانها أنه “في السنوات الأخيرة، جددت إسرائيل علاقاتها الدبلوماسية مع تشاد وغينيا كما أعلن السودان بعد انضمامه إلى اتفاقات إبراهام تطبيع العلاقات مع إسرائيل”. وذكر البيان “بعد الحصول رسميًا على صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي ستكون الأطراف قادرة على التعاون من بين أمور أخرى في مكافحة كورونا ومنع انتشار الإرهاب المتطرف في جميع أنحاء القارة”.[1] ومن ناحية أخرى، نشر الاتحاد الإفريقي بيانًا حول الاجتماع الذي جمع كلًا من رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي، وسفير إسرائيل لدى إثيوبيا، وجاء في البيان أن “صفة المراقب التي حصلت عليها إسرائيل تمثل بداية لمرحلة جديدة في بناء علاقة إسرائيل بالمنطقة على المستوى القاري، وهي خطوة أساسية لتعزيز المبادرات القارية ضمن جدول أعمال إفريقيا 2063”. لماذا ألحَّ الكيان الصهيوني في طلب عضوية الاتحاد الإفريقي؟ يدرك الكيان أهمية إفريقيا كقارة بكر، تملك قدرات هائلة وإمكانيات كبيرة من الموارد غير المستغلة، إضافة إلى حاجتها الماسة للتكنولوجيا الحديثة. ويستهدف عدة مجالات بإفريقيا؛ أهمها: المجال السياسي والدبلوماسي: حيث حاجة الكيان إلى من يدعمه في المحافل المختلفة القارية والدولية، والتي جعلته يعمد إلى بناء الجسور مع الدول طمعًا في أصواتها، وبالتالي منع الدبلوماسية المضادة له من استصدار قرارات ضده. إضافةً إلى أن الكيان الصهيوني يعتبر نفسه وسيط بين الدول الإفريقية والولايات المتحدة، وهو مجال استغله باستمرار ضد الدول المغلوبة على أمرها خاصة. المجال الاقتصادي: حيث يُعتبر الكيان أكثر من يستغل المعادن الثمينة في إفريقيا، حتى صار من أكبر مصدري الماس والذهب واليورانيوم وغيرها من الموارد. المجال العسكري والاستخباري: وهو أكثر المجالات التي ينشط فيها الكيان بإفريقيا، سواء كان في مبيعات السلاح، أو التدريب الأمني للجيوش الإفريقية، أو التقنيات وتكنولوجيا التجسس، وهو ما يبرع فيه ويستهوي الزعماء الأفارقة. تغذية الصراعات في إفريقيا: يستغل الكيان الصهيوني النزاعات المُتصاعدة في كثير من الأقاليم الإفريقية، ويعمل على تغذية أطراف النزاع بالسلاح. والأمثلة كثيرة كدعم نيجريا في قضية بيافرا، وتغذية النزاع في الكونغو وجنوب السودان وتشاد وغيرها. ولكل ذلك تكمن أهمية الاعتراف بالكيان الصهيوني داخل الاتحاد الإفريقي في تقديم الكثير من التسهيلات في التعامل مع الدول والهيئات التابعة للاتحاد. وهذه العضوية ستسهل للكيان الوصول إلى القنوات الشرعية والرسمية، والكثير من المنظمات الإقليمية، وأية هيئة قد تنشأ مستقبلاً في الإطار الإفريقي. كما أنها تضمن مواجهة التحركات الفلسطينية بالساحة الإفريقية. وتُحسِّن صورته لدى الأفارقة من خلال إظهار أنه لم يعد في إفريقيا من يرفض وجودها أو يعاديها، وبالتالي تخفيف التعاطف الإفريقي مع القضية الفلسطينية، إن لم يكن تجفيفها. وكذلك، تقويض جهود الدول العربية في كسب مواقف الدول الإفريقية لصالحها. ومن خلال حضور القمم الإفريقية، يسعى الكيان الصهيوني إلى التأثير على قرارات الاتحاد في القضايا التي تمس مصالحها.[2] صفة المُراقب في الاتحاد الإفريقي يحدد الميثاق المؤسِّس للاتحاد الإفريقي الأطر التنظيمية لمنح صفة المراقب لكل من المنظمات غير الحكومية، ومنظمات التكامل الإقليمي/المنظمات الدولية، والدول غير الإفريقية. تعتبر صفة مراقب داخل المنظمات الدولية الحكومية امتيازًا تحظى به الدول غير الأعضاء والمنظمات الدولية التي تتقاسم نفس المبادئ ومجالات الاهتمام مع الاتحاد، وقد حدد ميثاق الاتحاد الإفريقي حقوق الدول غير الإفريقية التي تحظى بصفة العضو المراقب والمتمثلة في حضور رؤساء البعثات الدبلوماسية مؤتمرات الاتحاد، والاطلاع على وثائق الاتحاد، والمشاركة في اجتماعات الأجهزة والهياكل التابعة للاتحاد الإفريقي، والمشاركة في المداولات، وإلقاء كلمة خلال الاجتماعات العلنية للاتحاد الإفريقي، لكن لا تتمتع الدولة المراقب بحق اقتراح قرارات أو حق التصويت. وتاريخيًا، حظيت القضية الفلسطينية بالدعم الكبير على مستوى هياكل وأجهزة الاتحاد الإفريقي، حيث منحت فلسطين صفة العضو المراقب سنة 2013، كما تشارك فلسطين في الاجتماعات الدورية للاتحاد الإفريقي. في حين لم تنجح دولة الاحتلال في الحصول على صفة المراقب بالاتحاد الإفريقي منذ 2002 لعدة أسباب، أهمها تأثير الزعامة والقيادة السياسية من خلال الدور الذي لعبه بعض القادة الأفارقة منهم الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، بالإضافة إلى سيطرة بعض الدول المحورية المناهضة لها على مناصب مفتاحية داخل الاتحاد الإفريقي مثل مفوضية الاتحاد الإفريقي ومجلس السلم والأمن الإفريقي، بالإضافة إلى تأثير قوى إقليمية على دول تقع ضمن مجال نفوذها، حاججت هذه الدول، خاصة الجزائر وجنوب إفريقيا والسودان سابقًا، أن هناك تعارضًا قيميًا ومبدئيًا بين ميثاق الاتحاد وقبول انضمام دولة الكيان المصنفة كدولة احتلال عنصري.[3] لماذا الآن؟ يرجع ذلك لأسباب عدة أبرزها اتفاقات التطبيع العربي مع الاحتلال التي عُقدت مؤخرًا برعاية أمريكية، وتراجع التنسيق والتعاون العربي المشترك في العديد من القضايا والملفات الإقليمية، إضافةً إلى وجود كبوة في الأداء الدبلوماسي العربي المشترك إلا بشكل محدود في ما يخص القضية الفلسطينية، وبسبب انكفاء الدول العربية على شؤونها وهمومها الداخلية في الوقت الذي تعاني فيه القارة الإفريقية من تداعيات الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد- 19، وكذلك تداعيات تصاعد نشاط الجماعات الإرهابية،…