حكومة لبيد – بينت .. الصمود والتداعيات على القضية الفلسطينية
إعلان تشكيل حكومة الائتلاف ليس سوى خطوة “ضرورية” ولكنها ليست “كافية” لإنهاء الأزمة السياسية المستمرة منذ عامين ونصف، والتي منعت إسرائيل من أن يكون لديها حكومة منتخبة ومستقرة حتى الآن. وقد نجح شريكى الائتلاف الجديد لبيد وبينت في الحصول على ثقة ما لا يقل عن 61 نائباً في الكنيست، فى جلسته فى 13 يونيو الحالى[1]. أولًا: دوافع صمود حكومة لبيد – بينت: يمكن الإشارة إلى مجموعة من الأسباب والدوافع التى تدعم صمود حكومة التغيير الإسرائيلية، تتمثل أبرزها فيما يلى: – الإصرار على الإطاحة بنتنياهو: ما يحافظ على تماسك هذا الإئتلاف الهجين وغير المسبوق بين أحزاب اليمين والوسط واليسار والمسمى بـ ” ائتلاف التغيير” هو التعهد بتجنب المزيد من الانتخابات (هذه هى الانتخابات الرابعة خلال ما يقارب عامين ونص) وإنهاء حكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي دام 12 عاماً. ولا نبالغ إذا قلنا أن هذه الحكومة لا يجمعها جامع أكثر من هدف إطاحة بنيامين نتنياهو، ووضع حد لحكمه المستمر منذ العام 2009. – انضمام القائمة العربية الموحدة: تعتبر هذه هي المرة الأولى في تاريخ إسرائيل التي يوقع فيها حزب عربي اتفاق ائتلاف لتشكيل حكومة جديدة. فـ “القائمة العربية الموحدة” بقيادة النائب منصور عباس هي إسلامية رسمياً، لكنها انشقت عن “القائمة المشتركة” قبل انتخابات مارس، ومن المفارقات أن نتنياهو قد تودد إلى عباس للحصول على مساعدته في تشكيل ائتلاف يميني. وطوال الحملة الانتخابية وما بعدها، سعى عباس إلى تحقيق تقدم مع المجتمع الإسرائيلي الأوسع من خلال التأكيد على الحقوق الفردية للمواطنين العرب، مما يعني ضمناً أنه لن يدفع باتجاه حقوق جماعية عربية أوسع نطاقاً قد تتنافس مع جوهر الدولة اليهودية[2]. وتوصل منصور عباس إلى “تفاهمات واتفاق يقدم حلولاً للمجتمع العربي”، حسبما أفاد بعد توقيعه على الاتفاق مباشرة، وقال إن الاتفاق يشمل الكثير من الأمور الهامة والضرورية للمجتمع العربي في منطقة النقب، وما يتعلق بهدم المنازل، مؤكداً أن هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها حزب عربي شريكاً في إقامة الحكومة الإسرائيلية. ووعد عباس بتدفق الكثير من المنافع على عشرات الآلاف من بدو صحراء النقب جنوب إسرائيل، وهم السكان الأصليون لمنطقة النقب التي تشكل قاعدة ناخبي القائمة الموحدة، ويعيش سكان تلك المناطق في بلدات غير رسمية مكونة من أكواخ أو “قرى غير معترف بها” في جنوب إسرائيل. وحسب بيان صادر عن حزب عباس نشرته صحيفة ” times of israel” تعهد بينيت ولابيد – حلفاء منصور- تقديم 30 مليار شيكل على مدى خمس سنوات في صناديق تنمية اقتصادية غير محددة، بالإضافة إلى 2.5 مليون شيكل (770 ألف دولار) لمحاربة العنف والجريمة المنظمة في المجتمع العربي داخل إسرائيل. وقالت القائمة الموحدة إنه سيتم استثمار مبلغ 20 مليون شيكل (ستة ملايين دولار) على مدى السنوات العشر المقبلة، لإصلاح البنية التحتية المتداعية في المدن والبلدات العربية. ومن المقرر في الاتفاق – بحسب بيان القائمة الموحدة – إضفاء الصيغة الشرعية على ثلاث قرى بدوية غير معترف بها، هي عبدة وخشم زنة ورخمة – بقرار حكومي. أضف إلى ذلك، فخلال لقائه مع عضو الكنيست عن حزب “يمينا” أيليت شاكيد طالب رئيس القائمة الموحدة أن يتم تعيين أحد المشرعين من حزبه نائبا لوزير الداخلية، حسبما أفادت صحيفة “هآرتس”. لكن شاكيد، أعربت عن معارضتها الشديدة للمطلب. ولم يصدر بياناً حتى الآن من الطرفين يشير إلى تنفيذ مطلب زعيم القائمة الموحدة من عدمه[3]. – رغبة بايدن فى إسقاط نتنياهو: بعد خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض، كان جو بايدن يدرك أن بقاء بنيامين نتنياهو في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، سيعكر الأجندة الخارجية للإدارة الديموقراطية، ولا سيما عودة الولايات المتحدة إلى الإتفاق النووي مع إيران. ومع إعلان الولايات المتحدة عن عودة المفاوضات حول الإتفاق النووى مع إيران فى فيينا، أطلق نتنياهو تحذيرًا شديد اللهجة للإدارة الأمريكية قائلًا: “إذا كان علينا الإختيار، وآمل ألا يحدث ذلك، بين الإحتكاك مع صديقتنا الكبرى الولايات المتحدة والقضاء على التهديد الوجودي، فإن القضاء على التهديد الوجودي يفوز”، في إشارة إلى البرنامج النووي الإيراني. لذلك، فإن البيت الأبيض أرسل إشارة تأييد ضمنية للإئتلاف الجديد من خلال دعوة عاجلة لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس لزيارة الولايات المتحدة من أجل إطلاعه على مجريات المفاوضات الجارية في فيينا من أجل إحياء الإتفاق. ومعلوم أن حزب “أزرق أبيض” الذي يتزعمه غانتس، شريك في الإئتلاف الجديد. كما بعث نفتالي بينيت ـ رئيس الوزراء المفترض بموجب اتفاق التناوب مع يائير لابيد – برسالة طمأنة إلى الولايات المتحدة عندما سئل عن موقفه من العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي، عندما قال:”الشراكة مع الولايات المتحدة بما في ذلك مع الرئيس جو بايدن هي إستراتيجية وأساسية”[4]. ثانيًا: تحديات صمود حكومة لبيد – بينت: وفى المقابل، فهناك مجموعة من الأسباب التى قد تحول دون استمرار تلك الحكومة تتمثل فى: – الأغلبية الضئيلة: حيث تتمتع هذه الكتلة الائتلافية بأغلبية ضئيلة للغاية، إذ تتكون من 61 عضوًا من أصل 120 فقط من أعضاء الكنيست الإسرائيلي، وقد فشلت في محاولتها لتغيير رئيس الكنيست ياريف ليفين، حليف نتنياهو، باعتبار ذلك جزءًا من تحركات الائتلاف لتسريع التصويت على صعوده المحتمل إلى السلطة. لكن هذه الجهود باءت بالفشل بعدما سحب نير أورباخ، عضو الكنيست عن حزب «يمينا»، توقيعه على عريضة تغيير رئيس الكنيست الحالي، وهو ما يؤكد هشاشة الائتلاف الجديد.[5]. – إمكانية انسحاب القائمة العربية: يتشكك البعض فى إمكانية استمرار القائمة العربية الموحدة فى الحكومة الجديدة مستشهدين بأزمة غزة الأخيرة. فقد تعرض جناح بينيت لهجوم من قبل اليمين لنظره في إقامة شراكة مع “القائمة العربية الموحدة”، وهو حزب لا يدعم الضربات العسكرية ضد غزة. وبالمثل، تعرضت “القائمة العربية الموحدة” إلى انتقادات من المجتمع العربي الإسرائيلي لشراكتها مع أعضاء اليمين الذين دعموا الضربات. وبالفعل، انهارت محادثات الائتلاف خلال أيام المعارك الإحدى عشرة[6]. بجانب، إمكانية تصاعد الخلاف بين الجانبين على خلفية إدخال تغييرات جذرية على لجنة الشؤون الداخلية والتي من المقرر أن يترأسها منصور عباس. فوفقاً لقناة كان العبرية، ضمن التغييرات التي اتخذت ضد لجنة الشؤون الداخلية في الحكومة الجديدة، سحب الإشراف على الشرطة ووزارة الأمن الداخلي من اللجنة. وأوضحت القناة أن اللجنة برئاسة عباس، ستكون بلا صلاحيات تجاه الشرطة، ولن يكون بإمكانها مراقبة عمل الشرطة وسير عمل وزارة الأمن الداخلي، مثلما هو متبع. وأشارت إلى أن هذه المهمات والصلاحيات ستنقل إلى لجنة برلمانية أخرى[7]. ثالثًا: تداعيات نجاح حكومة لبيد – بينت على القضية الفلسطينية: يمكن الإشارة إلى ثلاثة أراء رئيسية فيما يتعلق بتداعيات الحكومة الجديدة على القضية الفلسطينية تتمثل فى: الرأى الأول: يرى العديد من المراقبين أن تلك الحكومة لن تختلف كثيرًا عن حكومة نتنياهو فى التعامل مع القضية الفلسطينية لسبب بسيط، هو أن الحكومة بسبب التعدد وتناقضاتها الداخلية، غير قادرة على الاتفاق على…