آفاق التقارب بين تركيا ومصر.. الفرص والتحديات
“يمكن فتح صفحة جديدة وإغلاق صفحة أخرى في علاقتنا مع مصر ودول الخليج والمساهمة في الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط” تلك الكلمات التي اطلقها إبراهيم كالن، المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مؤخرا، مثلت بادرة إيجابية نحو تصالح وتهدئة لملف العلاقات التركية المصرية الملتهبة. التصريح جاء في طي الترحيب بموقف مصر الذي احترم قواعد الجرف القاري التركي المودع بالأمم المتحدة، خلال تووقيعها عقد استكشاف نفطي بالبحر المتوسط، مع إحدى الشركات الدولية، ولم يكن ذاك التصريح، الأول من نوعه، ففي ديسمبر الماضي، أكد وزير الخارجية التركي أن بلاده ومصر تسعيان لخارطة طريق بشأن علاقتهما الثنائية، مشيرا إلى أن التواصل مع مصر على الصعيد الاستخباراتي مستمر لتعزيز العلاقات، وأن الحوار قائم على مستوى وزارتي الخارجية والاستخبارات، عبر ممثلتيهما في أنقرة والقاهرة. ومع اتجاه تركيا نحو مزيد من سياساتها الواقعية، تعددت الرسائل الإيجابية التي تعلنها أنقرة، تجاه مصر في الأسبوعين الأخيرين، ومنها وزيرا الخارجية مولود جاووش أوغلو والدفاع خلوصي آكار، بما وصفوه بـ”احترام مصر للجرف القاري لتركيا خلال أنشطة التنقيب شرق البحر الأبيض المتوسط”، واعتبارهم ذلك “تطوراً هاماً للغاية” في العلاقات بين البلدين، كما تحدث آكار، السبت الماضي، عن “وجود قيم تاريخية وثقافية مشتركة مع مصر، وبتفعيل هذه القيم نرى إمكانية حدوث تطورات مختلفة في الأيام المقبلة”. وإذا كانت تأكيدات كالن تعبيرا عن التغيير في النبرة، إلا أن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو ذهب أبعد وتحدث عن منفعة يمكن لمصر أن تجنيها من تحسن العلاقات: رسم الحدود البحرية في محاور يقول كل بلد إنها تابعة له في المنطقة الغنية بالغاز في شرق المتوسط، كما تحدثت الصحافة التركية عن فتح أنقرة قنوات اتصال مع القاهرة بهدف تسوية الخلافات البحرية بينهما، ولم ترد القاهرة علنا، إلا أن تلك التصريحات تمثل ذوبانا في جمود العلاقات مع تركيا. ووصل الأمر، إلى أن أعلن وزير الخارجية التركي، “مولود جاويش أوغلو”، الجمعة 12 مارس، إعادة الاتصالات الدبلوماسية مع مصر، تمهيدا لاستئناف العلاقات الطبيعية بين البلدين، مشيرا إلى ” عدم طرح تركيا ومصر أي شروط مسبقة من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين”..متابعا: “لكن ليس من السهل التحرك وكأن شيئا لم يكن بين ليلة وضحاها، في ظل انقطاع العلاقات لأعوام طويلة”. وأردف “جاويش أوغلو”: “لدينا اتصالات مع مصر سواء على مستوى الاستخبارات أو وزارتي الخارجية، و اتصالاتنا على الصعيد الدبلوماسي بدأت”، بحسب ما نقلته وكالة “الأناضول”. والثلاثاء الماضي، قال المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية” التركي الحاكم “عمر جليك”، إن بلاده “لديها علاقات متينة للغاية مع الدولة والشعب في مصر نابعة من الماضي والتاريخ”، وخلال الأشهر الأخيرة صدرت العديد من التصريحات التركية المباشرة الخاصة بإمكانية تحسن العلاقات مع مصر ودول الخليج، وقوبلت تلك التصريحات بتلميحات إيجابية من جانب القاهرة. الصمت المصري ورغم أن التصريحات التركية لم تقابل بأي ردة فعل من النظام المصري، التي نبهت أجهزته على وسائل الإعلام المحلية بعدم تناول تلك التصريحات أو تحليلها من قريب أو بعيد، بحسب مصدر إعلامي تخدث لـ”العربي الجديد” مؤخرا فإن وسائل الإعلام اليونانية سبقت الجميع لطرح تصورات عن تغير مواقف القاهرة إزاء أثينا، وبالتالي إفقاد الأخيرة إحدى الأوراق الأساسية في صراعها مع أنقرة، والمتمثلة في اتفاقيتي ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان وقبرص، واللتين تمثلان، إلى جانب منتدى غاز شرق المتوسط ودعم الولايات المتحدة لذلك التحالف الثلاثي ودولة الاحتلال الإسرائيلي، أهم مقومات اليونان اقتصادياً وسياسياً في الفترة الأخيرة، ويمثل حاصل هذه الأمور رهانها المستقبلي الوحيد لتحسين أوضاعها الداخلية ومواجهة الجار اللدود. ماذا قدمت مصر؟ وقد جاء انطلاق المواقف والتصريحات الايجابية، مؤخرا، على خلفية ما قامت به مصر، بإعلان مناقصة للبحث عن مكامن المواد الهيدروكربونية، في المنطقة المعروفة باسم “ماردين 28” في أقصى غرب منطقتها الاقتصادية الخالصة، المشكلة بموجب اتفاق ترسيم الحدود مع اليونان، لكنها تلافت الدخول إلى المناطق التي أعلنت تركيا، في نوفمبر 2019، أنها وقعت بشأنها اتفاقاً مع حكومة الوفاق الليبية السابقة، ورفضتها كل من مصر واليونان وقبرص بشدة، وأرسلت شكاوى بشأنها إلى الأمم المتحدة. لكن المنظمة الدولية اتبعت نهجاً لافتاً إزاء تلك التطورات بما ساهم في المزيد من التطورات، إذ سجلت الاتفاق التركي الليبي في أكتوبر الماضي، ثم صادقت رسمياً على خريطة ترسيم الحدود المصرية اليونانية في ديسمبر الماضي، ما أبقى الأوضاع على ما هي، دون غلبة لأي فريق. هذه المسألة تحديداً تعتبر من العوامل الحاكمة للطرح المصري الذي رحبت به تركيا. فمع استمرار الخصومة بينهما، والقائمة منذ عزل الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي في يوليو 2013، فإن السيسي لا يريد تعريض نفسه لإحراج إقليمي أو دولي، خاصة بعد تسجيل الاتفاقية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو يحافظ على إمكانية إبقاء الباب “موارباً” للمستقبل، حال تغير الأوضاع السياسية، الثنائية والإقليمية. ووفق تقديرات استراتيجية، فإن احترام الحدود التركية الليبية “خطوة إيجابية لتخفيف وقع الخطوة السلبية السابقة المتمثلة في إبرام اتفاق ترسيم الحدود مع اليونان في أغسطس الماضي. أسباب إعادة تقييم مصرعلاقاتها مع تركيا واجبرت عدة عوامل خارجية مصر عام 2020 على إعادة تقييم أولويات سياستها الخارجية، وركزت بالتحديد على التحديات وخفضت من حدة التوتر في مناطق التنافس، ومن بين العوامل المؤثرة في التقييم هي هزيمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات ، والنكسة التي تكبدها حلفاء مصر في ليبيا، وفشل الوساطة الأمريكية وحل النزاع حول سد النهضة في إثيوبيا، واتفاقيات التطبيع التي عقدتها دول عربية وخليجية مع إسرائيل، مما يؤثر على مصر وكونها وسيط الغرب المفضل في المسألة الفلسطينية. ومن هنا فخفض التوتر مع تركيا هو نتاج لعملية إعادة ضبط القاهرة لمجالات اهتمامها وقلقها. ولا تزال الخلافات بين البلدين بدون حل لكنها لم تعد مهمة في الوضع الحالي. تحركات يونانية مناوئة وقد دفعت الاجواء الايجابية بين تركيا ومصر اليونان للقلق وابداء انزعاجها من الامر، وتمثل ذلك في اتصالات سياسية عالية المستوى وزيارة رسمية لمصر، حيث استقبل وزير الخارجية المصري سامح شكري الإثنين الماضي، نظيره اليوناني نيكوس ديندياس، في لقاء رُتب على عجالة، بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس بعبدالفتاح السيسي الأربعاء قبل الماضي. وعلى هامش الزيارة، شنت الاوساط اليونانية حملات انتقادات للموقف المصري، بجانب إغراءات مالية واقتصادية، حيث اعلن السفير اليوناني بالقاهرة، خلال لقائه محافظ الاسكندرية اللواء محمد شريف، أن الاستثمارات اليونانية بمصر تبلغ حاليا 3 مليار دولار، وان بلاده تسعى في الفترة المقبلة لرفعها إلى 5 أضعاف. ولعل ما يكشف القلق اليوناني من التقارب المصري التركي، أن تلك التصريحات تتناقض أساسا مع الأوضاع المالية التي تعايشها اليونان، التي تعيش في أجواء الافلاس المالي وتلقي المساعدات الاوروبية، ولكنها لمغازلة القاهرة ودفعها لقطع التقارب مع تركيا. ملفات شائكة أمام التقارب وعلى الرغم من التطورات الايجابية، الا انه…