هل أصبحت قطر حصان طروادة بعد المصالحة الخليجية؟

    نشطت الدبلوماسية القطرية في الظهور بقوة في الفترة الأخيرة، وأخذت تصريحات قادتها في الزيادة بقوة، وبصفة خاصة عقب اتمام المصالحة الخليجية، حيث أعادت قطر لتقديم نفسها كوسيط لحل كثير من النزاعات في المنطقة، وأبرزها الصراع الإيراني السعودي، حيث أكد وزير الخارجية القطري على ضرورة جلوس الفرقاء على مائدة المحادثات لحل الخلافات العالقة بينهما. كما تحاول الدوحة المساهمة في حل الأزمة السياسية في لبنان، وكذلك المساعدة على انهاء الحرب اليمنية. يتطرق هذا التقرير إلى أبرز تحركات الدوحة في الفترة الأخيرة.   الدوحة تدعو لاعادة الاتفاق النووي الإيراني: دعا وزيرا الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن، والتركي مولود تشاويش أوغلو، إلى حل أزمة الاتفاق النووي الإيراني بالطرق الدبلوماسية، وذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك عُقد، بالعاصمة القطرية الدوحة، وقد شدد وزير الخارجية القطري على أهمية انخراط الولايات المتحدة وإيران مرة أخرى في حل الأزمة النووية بالطرق الدبلوماسية، وقال وزير الخارجية التركي إنّ أنقرة والدوحة تشجعان واشنطن وطهران على حل أزمة الاتفاق النووي بالطرق الدبلوماسية”، مضيفاً أنّ “أنقرة والدوحة تستطيعان العمل على حل مشاكل المنطقة، كما أكد وزير الخارجية التركي على ضرورة أن تنتهي أزمة اليمن، وعلى دعم بلاده جهود الأمم المتحدة لإحلال السلم والأمن هناك، مشدداً على أن الحل في سورية وليبيا سياسي وسلمي فقط، ونحن نتقاسم نفس الموقف مع قطر في هذا الأمر، وأكد على أنّ علاقات بلاده مع قطر تشهد تطوراً كبيراً في جميع المجالات، مضيفاً أن القوة الناعمة القطرية مهمة جداً، وتثمن تركيا جهود قطر وخاصة في الشأن الأفغاني[1]. فيما نقلت وكالة الأنباء القطرية  تصريح للخارجية أن، دولة قطر تعمل وتسعى على أن يكون هناك خفض للتصعيد، وأن يكون هناك إعادة للعملية السياسية والعملية الدبلوماسية للعودة إلى الاتفاق النووي، وقد جاءت هذه التصريحات في مذكرات إعلامية عن اتصالين هاتفيين أجراهما الوزير القطري مع كل من الممثل الأمريكي الخاص بالشأن الإيراني روبرت مالي ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان[2].   قطر تدعوا دول الخليج للحوار مع إيران: حثّت قطر دول الخليج على الدخول في حوار مع إيران ، معتبرة أنّ الوقت الآن مناسب للدوحة للتوسط في المفاوضات بعد أن بدأت دول الخليج بتجاوز صراعاتها البينية،  وأشار وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الذي دعا منذ فترة طويلة لعقد قمة بين قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست وإيران، إلى أن الحكومة تأمل في أن يحصل هذا الأمر، قائلاً: “ما زلنا نعتقد أنّ هذا يجب أن يحدث”، لافتاً إلى أنّ هذه الرغبة مشتركة مع دول الخليج الأخرى، ورداً على سؤال: هل أصبحت قطر في وضع يسمح لها بلعب دور الوسيط مع مساهمة التغيير في البيت الأبيض باصطفافات إقليمية أوسع وبالابتعاد عن المواجهة؟، قال الوزير القطري إنّ حكومة بلاده عرضت القيام بذلك، وهي تدعم أساساً المحادثات الجارية بين إيران وكوريا الجنوبية لضمان الإفراج عن ناقلة نفط محتجزة من قبل الحرس الثوري الإيراني في وقت سابق من هذا الشهر، وأضاف أن قطر ستسهّل المفاوضات مع أطراف المسألة، وستدعم من يتمّ اختياره لقيادتها، مضيفًا، نريد الإنجاز، نريد أن نرى الصفقة تعقد، مؤكداً أن قطر ستدعم أي طرف يقود هذه المفاوضات أينما كان. ورداً على سؤال عن موقف قطر من التيارات الإسلامية السياسية، التي تعتبرها أبوظبي تهديداً للاستقرار، أوضح الوزير القطري أنه من المهم ردم الخلافات، لكننا سنقوم بدعم إرادة الناس أياً تكن، وأياً يكن ما يسعون إليه من أجل بلدانهم، مضيفاً: إذا كانوا يسعون للعدالة باستخدام طرق سلمية للتعبير عن ما يظنون أنه محق، فإنّ قطر ستستمرّ بدعمهم[3]. في ذات السياق أبدى زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، استعداده للوساطة بين الرياض وطهران بالتعاون مع قطر، وقال المسؤول الإعلامي لمكتب الصدر، حيدر الجابري: هناك محاولة من قطر لفتح حوار بين الجارتين السعودية وإيران[4]، وأضاف أن الصدر أبدى استعداده للتعاون بهذا الخصوص لما فيه من أثر إيجابي على العراق وشعبه. من جهته، حمّل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، واشنطن المسؤولية عن القيام بكل ما بوسعها لمنع الحوار بين إيران وبلدان الخليج العربي، مشيداً، في سياق آخر، بالمصالحة الخليجية التي أسفرت عن رفع الحصار عن دولة قطر، وقال لافروف: “نحن معنيون بأن تقيم إيران والبلدان العربية حواراً طبيعياً بينها، وتخرج به إلى اتفاقات تعزيز الثقة والشفافية في الشؤون العسكرية والدفع بالتعاون بشكل عام. للأسف، فإن زملاءنا الأميركيين، الإدارة الحالية على الأقل، كانوا يقومون حتى الآن بكل ما بوسعهم حتى لا يُعقد مثل هذا الحوار. وأشار إلى تعزيز الحوار بين إيران والبلدان العربية، مضيفاً: الأهم ألا تتم عرقلة هذه العملية وألا تتخذ أعمال هادفة إلى نسف حتى جهود خلق الظروف لمثل هذا الحوار[5].   قطر تحاول تحريك المياة اللبنانية الراكدة: كما أجرى نائب رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، زيارة إلى لبنان، شملت لقاء مع وزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل، واتصالاً مع رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري؛ لإيجاد حل توافقي مشترك لتشكيل الحكومة.  وقد دعا وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن، جميع الأطراف إلى تغليب المصلحة الوطنية، والتعجيل بتشكيل الحكومة، مؤكداً أن الدوحة ستدعم أي سبيل تؤدي إلى ذلك، كما شملت اللقاءات المعلنة للوزير القطري خلال الزيارة كلاً من رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب. نذكر في هذا السياق، أن الدوحة، نجحت خلال عام 2008، في استضافة زعماء لبنانيين متنافسين وتوسطت في اتفاق الدوحة الذي أنهى 18 شهراً من الصراع السياسي، وساهم في تجنب الانزلاق إلى حرب أهلية[6]. ختامًا، يوضح هذا العرض السردي الموجز جزء من التحركات القطرية في ملفات يبدو أن الصراع السعودي الإيراني ظاهرًا فيها بقوة، ولذلك من المنتظر أن يكون هناك صعود قوي للمحور التركي القطري في حل أزمات المنطقة، وهو أمر قد يشير إلى حدوث هدوء في حالة الاستقطاب الاقليمي والسياسي في المنطقة.         [1] الدوحة وأنقرة تدعوان إلى حل أزمة الملف النووي الإيراني بالطرق الدبلوماسية، العربي الجديد، 11/2/2021، الرابط: [2] وزير خارجية قطر: نسعى لإعادة العمل بالاتفاق النووي الإيراني، القدس العربي، 10/2/2021، الرابط: [3] قطر تحثّ دول الخليج على الدخول في حوار مع إيران، العربي الجديد، 19/1/2021، تاريخ الاطلاع 9/2/2021، الرابط: [4] الصدر يعرض الوساطة بين الرياض وطهران بالتعاون مع الدوحة، عربي 21، 27/1/2021، تاريخ الاطلاع 10/2/2021، الرابط: [5] لافروف يتهم واشنطن بعرقلة الحوار الخليجي الإيراني، العربي الجديد، 21/1/2021، تاريخ الاطلاع 10/2/2021، الرابط: [6]  الحريري يلتقي ماكرون لبحث أزمة تشكيل الحكومة.. وزير خارجية قطر يدعو من لبنان إلى حل توافقي، عربي بوست، 10/2/2021، تاريخ الاطلاع 11/2/2021، الرابط:  

تابع القراءة

لقاء الفصائل الفلسطينية فى القاهرة: الدوافع والنجاحات والتحديات

    استضافت القاهرة، فى 8 و9 فبراير الجارى، جلسات الحوار الوطني الفلسطيني، بمشاركة 14 فصيلاً، على رأسها حركتا “فتح” و”حماس”، حول ترتيبات تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية فلسطينية للمرة الأولى منذ 15 عاماً، وذلك عقب اصدار الرئيس الفلسطينى محمود عباس مرسومًا، فى 15 يناير 2020، بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطنى بالتتابع.   أولًا: ما هى الدوافع التى تقف خلف هذا اللقاء؟: يبدو أن هذا اللقاء ما كان ليحدث لولا تواجد تطورين رئيسيين هما: الأول: أن هناك إدارة أمريكية جديدة هى إدراة جو بايدن، لديها مقاربة معروفة تجاه السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، جوهرها مخالفة مواقف الإدارة السابقة بقيادة ترامب المنحازة لإسرائيل بالكامل، والالتزام بحلّ الدولتين، ووقف الاستيطان، ودعم إيجاد حلول “مُرضية” لقضية اللاجئين، وتخفيف الضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية لتأمين انخراطها بمفاوضات جديدة مع إسرائيل، وتأمين الدعم الدولي لكلّ ذلك عبر الرباعية الدولية والفاعلين الإقليميين في المنطقة، خاصة بعد دخول اللّاعبين العرب الجدد، الذين وقّعوا اتفاقات سلام مع إسرائيل، ومن المؤكد أنّ عددهم سيكون بازدياد في المدى المنظور. التطور الثانى: حدوث تغيرات دراماتيكية متسارعة فى الاقليم، عنوانها تبريد الملفات الساخنة، كان من بين عناوينها المصالحة الخليجية بين قطر وجيرانها، وتلك التحوّلات التي تشهدها تركيا بخفض التصعيد في سوريا وليبيا وفي شرق المتوسط، ويتردّد أنها قطعت أشواطاً بمصالحات مع السعودية ومصر والإمارات. أما إيران، فقد تمّ اختزال الخلافات العميقة بينها وبين الإدارة الأمريكية الجديدة في الإجابة عن سؤال من أين نبدأ؟ رفع العقوبات أوّلاً، أم التزامات إيرانية أوّلاً ثمّ رفع العقوبات؟[1]. وفيما يتعلق بأهداف الأطراف المشاركة فى اللقاء، يمكن توضيحها كما يلى: 1- مصر: تسعى القاهرة إلى إعادة ترميم تداعيات انتخابات 2006 التي جاءت بحماس الى الحكم، مع رؤية واقعية لدى السلطات المصرية اليوم تعترف بقوة وحضور لحماس لا يمكن تجازوه، لكن القاهرة  تفضل تحجيمها، اذا استطاعت فتح تجاوز أزمتها الداخلية، لهذا سيكون على اجندة الحوار الخفية، مواصلة القاهرة جهودها وضغوطها من اجل اقناع قيادة فتح الذهاب للانتخابات في قائمة موحدة تعتمد على تسوية توافقية بين التيار الإصلاحي التابع لمحمد دحلان، وفتح برئاسة محمود عباس، تؤدي لنتائج تحافظ على تفوق حركة فتح في انتخابات المجلس التشريعي، على أن يتم النظر لاحقًا في إمكانية الاستمرار بمراحل الانتخابات الأخرى، مع عدم تحمس الوسيط المصري الوصول إلى محطة المجلس الوطني وإعادة تشكيل منظمة التحرير، لأن الفيتو العربي لا يزال حاضرًا ضد مشاركة حماس والجهاد في المنظمة، كما أن خطط استئناف مسار المفاوضات مع الاحتلال تتعارض مع ذلك[2]. وفى هذا السياق، تقوم كلًا من مصر والأردن بممارسة ضغوط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أجل التصالح مع دحلان المطرود من حركة فتح والمقيم حاليا في الإمارات، وتريدان أن تتم هذه المصالحة قبل الانتخابات لتلافي فوز حركة حماس. وكانت زيارة مديري المخابرات الأردنية والمصرية ( احمد حسنى وعباس كامل)، فى 17 يناير الماضى، إلى رام الله ولقاءهما الرئيس محمود عباس، تصب في هذا الإطار، حيث أن الزيارة كانت بعد يومين فقط من صدور المراسيم الرئاسية بإجراء الانتخابات الثلاثة: التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني. ويبدو أن ذلك، جزء من المخطط المدعوم من قبل كل من مصر والأردن والإمارات وإسرائيل، على إدخال دحلان وتياره إلى الحياة السياسية، والمشاركة في مؤسسات السلطة الفلسطينية، وهو ما ربما يؤدي إلى سحق حماس، كما أنه سيمهد لتصدر دحلان الحياة السياسية وقيادة فتح والسلطة في مرحلة قادمة[3]. 2- حركة فتح: تسعى إلى حصر حوار القاهرة في البعد الفني والاجرائي والقانوني لانتخابات المجلس التشريعي، وستحرص حركة فتح على أن تؤدي مخرجات الحوار إلى المضي في انتخابات تضمن تجديد شرعيتها، على الأقل في اطار المجلس التشريعي والرئاسي، كي يتمكن الرئيس محمود عباس وفريقه تقديم أوراق الاعتماد مجددًا للمجتمع الدولي، كما ستسعى فتح تقديم حوافز تشجيعية لحركة حماس وبعض الفصائل، لإقناعها بصيغ توافقية، وترحيل ملفات الخلاف إلى محطة تشكيل الحكومة، وهي محطة ستحاول من خلالها دفع حركة حماس الاقتراب من مربعها السياسي، مقابل مساحة من الشراكة المحدودة بسقف مقبول لدى دول الإقليم الأساسية والمجتمع الدولي، خصوصًا الإدارة الامريكية. 3- حماس: ترى حماس في الحوار الوطني فرصة لتشكيل جبهة وطنية، تضم أوسع تمثيل فصائلي، يفرض رؤيته على تيار التسوية السياسية، وينهي حالة الاحتكار للقرار الفلسطيني، كذلك ستسعى حماس عبر الحوار انتزاع مواقف واثمان من السلطة وحركة فتح، توسع هامش المناورة أمامها من خلال تخفيف اعباءها، سواء تلك المثقلة بقبضة حديدية في الضفة الغربية والمتماهية مع الاحتلال، إلى جانب تفكيك حلقات أوسع من الحصار على غزة، تتيح للحركة التفرغ لتركيز جهودها على تعزيز جهود وبنية المقاومة[4]. وفى هذا السياق، فقد أعلنت السلطات المصرية، فى 9 فبراير 2021، فتح معبر رفح “لأجل غير مسمى”، وذلك للمرة الأولى منذ سنوات[5]. 4- باقي القوى والفصائل: فستحرص خلال الحوار على رفع قيمتها ووزنها السياسي أمام الفصيلين الكبيرين (حماس فتح)، حيث ستسجل بعضها حضورًا باعتبارها رقمًا جديدًا في معادلة التمثيل والتأثير في القرار الفلسطيني، سواء من خلال المشاركة المباشرة في الانتخابات، أو من خلال التوافقات والصفقات الجانبية، فيما تسعى أخرى الحفاظ على وجودها بالحد الأدنى، وتجنب خطر الغياب أو الانزواء، نتيجة متغيرات الهندسة السياسية للخريطة الوطنية الفلسطينية[6].   ثانيًا: ما الذى تم الإتفاق عليه فى هذا اللقاء؟: وقد اتفق المجتمعون على مجموعة من النقاط، تتمثل أهمها فى: 1ـ الالتزام بالجدول الزمنى الذى حدده مرسوم الانتخابات التشريعية والرئاسية، مع التأكيد على إجرائها فى مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، دون استثناء، والتعهد باحترام وقبول نتائجها. 2ـ تشكيل محكمة قضايا الانتخابات، بالتوافق من قضاة من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وتتولى هذه المحكمة حصرا دون غيرها من الجهات القضائية، متابعة كل ما يتعلق بالعملية الإنتخابية ونتائجها والقضايا الناشئة عنها، ويصدر الرئيس الفلسطينى مرسوماً رئاسياً بتشكيلها وتوضيح مهامها إستناداً لهذا التوافق وطبقاً للقانون. 3ـ تتولى الشرطة الفلسطينية “دون غيرها”، فى الضفة الغربية وقطاع غزة بزيها الرسمى تأمين مقار الانتخابات. 4ـ إطلاق الحريات العامة وإشاعة أجواء الحرية السياسية، والإفراج الفورى عن كل المعتقلين على خلفية فصائلية أو لأسباب تتعلق بحرية الرأى، وضمان حق العمل السياسى والوطنى للفصائل الفلسطينية كافة فى الضفة الغربية وقطاع غزة، والتوقف عن ملاحقة المواطنين على خلفية الانتماء السياسى أو الرأى بما يوفر بيئة ملائمة لإجراء إنتخابات نزيهة. 5ـ معالجة إفرازات الإنقسام بكل جوانبه الإنسانية والاجتماعية والوظيفية والقانونية، على أسس وطنية شاملة وعادلة وخالية من كل مظاهر التميز الجغرافى والسياسى، من خلال لجنة يتم تشكيلها للتوافق، وتقدم تقريرها للرئيس الذى يحيلها لحكومة ما بعد الانتخابات للمجلس التشريعى للتنفيذ[7].   ثالثًا: ما هى التحديات التى يمكن أن يقابلها الإتفاق؟: ولكن هناك مجموعة من التحديات التى قد تؤدى إلى افشال ما تم الاتفاق عليه، منها: 1- اختلاف حماس وفتح حول الهدف من اللقاء، ففى حين ترى…

تابع القراءة

كيف نفهم عملية اختيار السلطة التنفيذية الجديدة فى ليبيا؟: 6 أسئلة تشرح لك

    انتهت جولات الحوار السياسي في جنيف، فى 5 فبراير 2021، ومن بين ترشح 24 شخصية للمجلس الرئاسي و21 شخصية لمنصب رئيس الوزراء، وصلت قوائم المرشحين للتصويت النهائي بين قائمتين، ضمت القائمة الأولى للرئاسي عقيلة صالح (رئيس مجلس النواب)، أسامة جويلي (عسكري وآمر المنطقة العسكرية الغربية بحكومة الوفاق)، عبد المجيد سيف النصر (عضو المجلس الانتقالي السابق)، ولرئاسة الحكومة فتحي باشاغا (وزير داخلية الوفاق)، أما القائمة الثانية ضمت للرئاسي محمد المنفي (سفير ليبيا السابق لدى اليونان)، وعبد الله اللافي (عضو مجلس النواب عن دائرة الزاوية)، وموسى الكوني (عضو المجلس الرئاسي السابق)، وعبد الحميد دبيبة (رجل أعمال). وتفوقت قائمة دبيبة على قائمة باشاغا بـ 39 صوت مقابل 34 صوت من أعضاء الحوار السياسي[1].   أولًا: من هم رجال السلطة التنفيذية الجدد في ليبيا؟: تشكلت القائمة الفائزة برئاسة محمد يونس المنفي، وهو أستاذ جامعي درس في فرنسا، وترشح عن مدينة طبرق شرقي ليبيا في انتخابات المؤتمر الوطني العام علم 2012م، والذي تولى زمام السلطة التشريعية في ليبيا عقب ثورة فبراير، والتي تسلمها من المجلس الوطني الانتقالي، وكان المنفي عضواً في تكتل بالمؤتمر الوطني العام رفض شرعية البرلمان عقب انتخابه 2014م في البداية، لكنه مؤخراً قد حسن مع رئاسته العلاقة، ورشحه البرلمان عن طريق حكومة السراج سفيراً لليبيا في اليونان قبل أن تطرده اليونان أواخر سنة 2020، على خلفية توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين طرابلس وأنقرة والتي أزعجت أثينا واستدعت على خلفيتها سفير تركيا في اليونان. نائب رئيس المجلس الرئاسي الأول هو النائب بمجلس النواب عبدالله حسين اللافي النائب عن مدينة الزاوية والذي التحق بالبرلمان حال تشكيله في طبرق بأغسطس 2014، وبقي عضواً في طبرق حتى وقوع العدوان على طرابلس في الرابع من إبريل عام 2019، وكان يشغل منصب عضو لجنة الاقتصاد والتجارة والاستثمار بمجلس النواب المنعقد بطبرق. بينما يمثل موسى الكوني منصب النائب الثاني لرئيس المجلس الرئاسي والممثل عن إقليم فزان، وقد كان الكوني سفيراً لليبيا في مالي إبان حكم القذافي، وعضواً في المجلس الرئاسي برئاسة فائز السراج قبل أن يستقيل بداية عام 2017 من المجلس الرئاسي، على خلفية ما سماه فشلاً في الأداء والمهام، مما شكل وقتها ضربة قوية لحكومة السراج قبل أن تستعيد توازنها مؤخراً. رئيس الحكومة هو المهندس عبدالحميد الدبيبة من مدينة مصراتة شرقي طرابلس، ويقوم الآن بأولى مغامراته السياسية من خلفية إدارية لسنوات طويلة أدار فيها عدة شركات حكومية في مجال المقاولات والاستثمار، ويحظى الدبيبة بعلاقات دولية لا يستهان بها، فيما يتوقع منه أن يستغل خبرته في تقديم خدمات وتحقيق توافق كونه وجهاً جديداً على الساحة السياسية الليبية، ومن الصعب تصنيف الأيديولوجية الفكرية للدبيبة، فقد عمل كمدير للشركة الليبية للاستثمار العقاري إبان حكم القذافي، وبعدها استمر في مهامه بعد ثورة فبراير، مبتعداً كل البعد عن الاستقطاب والتصريحات في كل مجريات الأحداث التي عصفت بليبيا[2].   ثانيًا: لماذا كانت نتيجة التصويت مفاجئة؟: جاءت نتائج التصويت مفاجئة لجميع المراقبين والمتابعين للشأن الليبى؛ لأن التوقعات كانت تشير إلى فوز القائمة التي يرأسها عقيلة صالح، نظرًا إلى أهمية الشخصيات المترشحة ضمنها، سياسيًا وعسكريًا واجتماعيًا؛ فعقيلة صالح، المنحدر من قبيلة العبيدات النافذة في المنطقة الشرقية، يتولى، منذ 2014، رئاسة مجلس النواب. أما فتحي باشاغا المنحدر من مدينة مصراتة، فقد بات إحدى الشخصيات المتصدرة المشهدين السياسي والأمني في العاصمة والمنطقة الغربية، منذ تعيينه وزيرًا للداخلية في حكومة الوفاق الوطني، ويتمتع بتأثير قوي في عدد من التشكيلات الأمنية في العاصمة، في حين يعدّ اللواء أسامة الجويلي، المنحدر من مدينة الزنتان التي ترأس مجلسها العسكري منذ الثورة، شخصية عسكرية بارزة في المنطقة الغربية أدت دورًا مهمًا في قيادة قوات حكومة الوفاق إبان الحرب التي شنتها قوات حفتر في عامي 2019 و2020. فى حين أن المترشحين فى قائمة المنفى تشمل شخصيات لم تكن من الصف الأول في المشهدين السياسي والعسكري الليبي، ولم يعرف عنها أي انخراط مباشر في الصراع الدائر في البلاد، منذ عام 2014، ولم تكن لها مواقف منحازة إلى أحد طرفي النزاع خلال الحرب الأخيرة التي شنتها قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس[3].   ثالثًا: ما الذى تكشف عنه نتيجة هذا التصويت؟: تكشف نتيجة هذا التصويت عن مجموعة من الملاحظات والدلالات الهامة، منها: 1- أن التصويت للقائمة الفائزة كان تصويتا ضد قائمة (عقيلة-باشاغا) أكثر من كونه تصويتا لصالح (دبيبة-المنفي)، فرغم أن قائمة عقيلة صالح التي راهنت عليها الأطراف المحلية (حزب العدالة والبناء وحفتر) والدولية (مصر، تركيا، فرنسا،) هي القائمة المعبرة عن الواقع على الأرض على مستوى البلاد، إلا أن جدلية الأسماء ومواقفها كانت سببًا أساسيًّا في فشلها. فنجاح عقيلة صالح الذي دعم انقلاب حفتر في 2014 ودعمه على طول الخط في حروبه منذ ذلك الحين وصولا لحربه على طرابلس وحكومة الوفاق في إبريل 2019، في الوصول لرئاسة المجلس الرئاسي سيعد نصرا كبيرا لحفتر والدول الداعمة له، وربما ستكون تلك الخطوة قبل الأخيرة ليستكمل بها حفتر سيطرته على الدولة، بعد أن تمكن من انتزاع اتفاق تقاسم المناصب في 23 يناير بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، والذي تحصل بموجبه المنطقة الشرقية على منصب محافظ المصرف المركزي. وفى المقابل، فإن تحركات باشاغا الأخيرة التي تهدف إلى تعزيز سيطرة وزارة الداخلية على العاصمة طرابلس، وتقويض نفوذ الميليشيات، وتصريحاته حول عملية صيد الأفاعي، وخلافاته المتصاعدة مع رئيس مجلس الوزراء فايز السراج، فاقمت من حالة الاحتقان والتوتر الأمني في المنطقة الغربية وأثارت تخوفا كبيرا من صعوده لرئاسة الحكومة. وعلى الجهة الأخرى جاءت قائمة (دبيبة-المنفي) كقائمة تتحقق فيها شروط توافقية غائبة في القائمة السابقة، فالشخصيات المكونة للقائمة غير جدلية وغير مصنفة حزبيًّا وأيدولوجيا وتتسم بالبراغماتية والمرونة مع وجود رصيد أخلاقي تعززه مناهضتها لحروب حفتر العسكرية منذ عام 2014، كما أنها قائمة يستطيع أعضاؤها ممارسة أعمالهم من طرابلس ويستطيعون التنقل بين الأقاليم الثلاث بسهولة –على خلاف قائمة (عقيلة-باشاغا)-، فهي إذًا قائمة تلبي تطلعات خصوم حفتر وخصوم العدالة والبناء[4]. 2- يمثّل وجود اللافي المنحدر من الزاوية، وعبد الحميد الدبيبة المنحدر من مصراتة، ترضية للمدينتين اللتين كان لتشكيلاتهما العسكرية الدور المحوري في دحر قوات حفتر عن العاصمة والمنطقة الغربية. أما اختيار موسى الكوني، المنحدر من قبائل الطوارق في الجنوب، فيبدو رسالة ضمنية مفادها الحرص على الوحدة الوطنية بالانفتاح على جميع مكونات المجتمع الليبي وإثنياته في المرحلة الجديدة، وإشراكها في الحكم والمسؤوليات[5]. كما يشير العديد من المراقبين إلى أن اختيار اللافي، المتحدر من مدينة الزاوية، يعكس نوع من الترضية للمجموعات المسلحة في المدينة التي وقفت إلى جانب وزير الدفاع بحكومة الوفاق، صلاح الدين النمروش، الرافض لهيمنة وزير الداخلية، فتحي باشاغا، على المشهد الأمني والعسكري في طرابلس[6]. 3- يرى العديد من المراقبين أن هذه النتيجة تصب بصورة رئيسية فى صالح جماعة الإخوان المسلمين،…

تابع القراءة

حرب التصريحات واحتدام الصراع الفرنسي التركي في إفريقيا

  حرب التصريحات بين تركيا وفرنسا مستمرة منذ عدة أِشهر، هذا في الوقت الذي تستمر فيه العلاقات بين البلدين في التدهور، ويدور التوتر بين الرجلين حول عدة ملفات، أبرزها ما يعتبره أردوغان “إسلاموفوبيا” فرنسية، والنزاع على منابع الطاقة في شرق المتوسط، والدور العسكري التركي في ليبيا. وقد وصلت الحرب الكلامية بينهما إلى أن دعا أردوغان الفرنسيين للتصويت ضد رئيسهم في الانتخابات القادمة، والتي من المتوقع أن يسعى خلالها ماكرون لولاية ثانية. كل هذا ليس بجديد، لكن الجديد هذه المرة هو تحول تلك المراشقات الكلامية نحو إفريقيا، وتتسع الدائرة لتشمل مناطق في جنوب الصحراء الكبرى. فما هي جذور الأزمة بن البلدين؟ وكيف تطورت؟ وكيف هو شكل الصراع الدائر بين تركيا وفرنسا في إفريقيا؟ كل تلك التساؤلات ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها خلال السطور القليلة القادمة..   أسباب الأزمة بين البلدين: تشهد العلاقات الفرنسية التركية منذ أكثر من عقد هبوطًا واضحًا، لعدة أسباب، لعل أهمها التحفظ الفرنسي على دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، والمحاولات التركية للتمدد الناعم في الداخل الأوروبي من خلال الشبكات الدينية والسياسية، لكن العام الحالي شهد ذروة هذا الصراع الذي كان خفيا لسنوات، بسبب التحول الجذري في سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي تغيرت إلى أساليب هجومية في مختلف المناطق، سواء في ليبيا أو أذريبجان أو سوريا، وكذلك في أوروبا، عبر استغلال الشتات التركي الكبير في القارة[1]. يرى البعض أنه بعدما فقدت عضوية الاتحاد الأوروبي بريقها؛ سادت نزعة عالمية لدى القادة لشخصنة العلاقات، وأردوغان وماكرون مثال على ذلك، وعدا عن دور الشخصية في إذكاء نار العداء بين الزعيمين، تلعب أيضًا رغبة كل منهما في زيادة شعبيته داخليًا دورًا في ذلك، حيث وجد كلٌّ من ماكرون وأردوغان في الآخر العدو المثالي، لذلك فإن هذا التراشق الكلامي يخدم مصالح كل من الزعيمين على المستوى الداخلي، وعلى مستوى التأثير الذي يسعى كلٌّ منهما لعرضه خارجيًا. وحتى مع تولي إدارة بايدن الحكم في الولايات المتحدة، والتي يتوقع أن تلعب دورًا أكثر فاعلية على المستوى الدولي، بما في ذلك ما يتعلق بأوروبا، إلا أن ذلك ليس كافيًا ليخفف أردوغان حدة هجومه على ماكرون، فأردوغان سياسي بارع، وموقفه المعلن ضد فرنسا وأوروبا يُعد مكسب إضافي لرصيده الشعبي؛ لأن المشاعر القومية واسعة الانتشار، حتى في صفوف المعارضة، وفي المقابل؛ لدى ماكرون أيضًا دوافع داخلية؛ حيث دفاعه الشديد عن العلمانية إثر سلسلة الاعتداءات الأخيرة، ومحاولاته لجعل الممارسة الدينية الإسلامية أكثر تماشيًا مع الثقافة الفرنسية قد تدعم فرص إعادة انتخابه إذا واجه زعيمة اليمين المتطرف ماريان لوبان عام 2022[2]، والواضح أن الغضب الفرنسي على أردوغان تصاعد أكثر إثر توقيع المذكرة بين طرابلس وأنقرة، ولعل الغضب الفرنسي ليس من هذه المذكرة التي قد تفتح الباب على مصراعيه على تعاون بين حكومة الوفاق وتركيا، بقدر ما هو من الاتهامات التي يلقيها الإعلام الموالي لحكومة الوفاق لفرنسا بالتدخل في الشأن الليبي من خلال دعم الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، وهو ما تنفيه باريس، وكل هذا بالتزامن مع تصاعد النفوذ التركي في إفريقيا؛ ولاسيما في ناطق النفوذ الفرنسي هناك.   تطورات الأزمة: تبادلت أنقرة وباريس الاتهامات بشأن الأزمة في ليبيا، فبعد أن اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره التركي رجب طيب أردوغان بعدم احترام كلامه حول التدخل في ليبيا، والمُتعلق بإنهاء التدخل الخارجي في الأزمة الليبية، اعتبرت وزارة الخارجية التركية أن فرنسا هي الفاعل الرئيسي المسؤول عن المشكلات في ليبيا منذ بدء الأزمة في العام 2011، حيث تُقدِّم الدعم اللامشروط لقوات حفتر في شرق ليبيا، في محاولة منها لإحكام السيطرة على موارد ليبيا الطبيعية، على حساب سيادة الحكومة الشرعية على الأراضي الليبية[3]. وفي تحوُّل لتلك التصريحات نحو إفريقيا؛ قال أردوغان في تصريحات صحفية له؛ معلقًا على دعوة ماكرون لسحب تركيا جنودها من ليبيا، أن القوات التركية موجودة في ليبيا تلبيةً لدعوة من حكومتها الشرعية، وفق اتفاقية التعاون الأمني والعسكري بينهما، وأنه يتعين على ماكرون توجيه دعوته إلى الأطراف الأخرى التي ترسل مقاتلين مرتزقة إلى ليبيا؛ منبِّهًا إلى وجود مقاتلين في ليبيا قادمين من تشاد ومالي. وفي هذا الإطار؛ تسائل أردوغان إلى سبب تواجد الفرنسيين في مالي وتشاد[4]؛ في إشارة إلى النفوذ الفرنسي المُتنامي في دول الساحل كقوة تقليدية قديمة.   الصراع التركي الفرنسي في إفريقيا: لم يقف الصراع بين باريس وأنقرة في إفريقيا على ليبيا؛ بل وشمل كامل منطقة القرن والساحل الإفريقيين. فتاريخيًا كان أردوغان أول رئيس غير إفريقي يزور الصومال في العام 2011، وكان البلد الإفريقي آنذاك يعاني من وطأة مجاعة مهلكة، وقد مثَّلت هذه الزيارة للرئيس التركي منطلقًا ليتخذ من العمل الإنساني؛ بداية للعمل على توسعة نفوذ بلاده، وترسيخ اسمها كقوة منافسة لفرنسا على القرن الإفريقي، وكان ذلك من خلال الاستثمارات وبعث بعض المشاريع، وهو ما أثار حفيظة باريس. كذلك منذ وصول أردوغان وحزبه العدالة والتنمية للحكم عام 2002، شهدت الدبلوماسية التركية الإفريقية نقلة نوعية، حيث ارتفعت عدد سفارات أنقرة في إفريقيا من 12 إلى 42؛ وهو ما يؤكد محاولة تركيا تعزيز حضورها في إفريقيا الغنية بثرواتها، هذا بالتزامن مع إدراك الدول الإفريقية بأن الغرب لا يريد لإفريقيا أن تنهض، وتستفيد من إمكاناتها الهائلة وتنعم بالسلام. في المقابل لم يعد التواجد العسكري لفرنسا في منطقة الساحل الإفريقي، الذي اخترقته تركيا من خلال مالي، يفي بالغرض لاسيما بعد تأكيد باريس على أن معركتها في الساحل ستستغرق وقتًا طويلاً، وبالرغم من الأبوية السياسية والاقتصادية التي أنشأتها فرنسا في بلدان الساحل وفي مقدمتها مالي، والتي تكرسها بالاعتماد على التدخل العسكري بذريعة مواجهة الإرهاب، وكذلك على الجماعة المالية الإفريقية التي تأسست منذ 60 عامًا، وتسعى إلى ترسيخ الثقافة الفرنسية ورعاية مصالح باريس الاقتصادية، من خلال التعامل بالفرنك، الذي فرضته فرنسا لحماية مصالحها الاقتصادية في إفريقيا، إلا أن فرنسا باتت تدرك اليوم الخطر الذي يتربص بنفوذها، في ظل تصاعد مقاومة الجماعات الإسلامية المتشددة هناك[5]. بينما نجد أن أردوغان قد وضع أولوية له، تتمثَّل في تعزيز النفوذ التركي في غرب إفريقيا، كما فعل في شرقها، وباستهدافه الماضي الاستعماري لفرنسا في إفريقيا، أعلن أردوغان في الغابون في العام 2013، أن إفريقيا للإفريقيين، وفي القمة التركية-الإفريقية في غينيا الاستوائية في 2014، قال أردوغان: “سوف تنحاز تركيا إلى الأمم الإفريقية بينما يُشيَّد نظام عالمي جديد”، ويُعد سلاح أنقرة الأقوى ضد فرنسا في غرب إفريقيا هو خلفيتها الثقافية والتاريخية[6]. وهكذا يبدو أن المعركة بين فرنسا وتركيا انتقلت من ليبيا وشرق المتوسط إلى منطقتي الساحل والصحراء، وذلك بعد تحرك الدبلوماسية التركية نحو دول إفريقية لطالما اعتُبرت من الملاعب التقليدية للسياسة الفرنسية. واعتمدت تركيا على استراتيجية “الاستثمار في الأزمات”، حيث وسعت علاقاتها بدول إفريقية عدة لا سيما في الساحل والصحراء، مثل النيجر، وتشاد، ومالي، وبوركينا فاسو وموريتانيا، وهي دول…

تابع القراءة

المشهد السياسي.. عن الفترة من 6 فبراير وحتى 12 فبراير 2021

    المشهد المصري: الزمالك يحيي ذكرى ضحايا أحداث الدفاع الجوي.. ما الدلالات. للمرة الأولى، منذ وقوع الحادث في 8 فبراير 2015، يحيي نادي الزمالك ذكرى وفاة 20 من مشجعيه، في أحداث ملعب الدفاع الجوي، بعد سنوات من التجاهل، وقد صرح النادي في رسالة مصورة، قائلاً “أبداً ما نسينا، وأبداً لن ننسى ما حيينَا.. طِبتم وطَابَ مثواكُم؛ رسالة فارس الزمالك إلى شهدائنا فى ذكراهم السادسة”، كما ارتدى لاعبو فريق الزمالك قمصانا كتب عليها الرقم 20 قبل مباراتهم، أمام الاتحاد السكندري في الدوري الممتاز، تخليدا لذكرى مشجعيه، كذلك قررت اللجنة المكلفة بإدارة نادي الزمالك برئاسة عماد عبد العزيز حلمي، بإقامة حفل تأبين لضحايا المذبحة للمرة الأولى[1]. وقد لاقت رسالة نادي الزمالك تفاعلا واسعا من مشجعي النادي، واستنكر عدد منهم دور رئيس النادي السابق مرتضي منصور فى تجاهل تلك الذكرى على مدار السنوات الست الماضية وعدم المطالبة بمحاسبة الجناة، كما حملوه المسؤولية عن الحادث، وطالبوا بمحاكمته، تصدر وسم (#رحم_الله_العشرين) قائمة التفاعلات على مواقع التواصل في مصر، واستذكر الناشطون من خلاله الذكرى المؤلمة مطالبين بالقصاص للضحايا، ومحاسبة “الجناة الطلقاء” الذين حرضوا على الجماهير آنذاك[2]. وقع حادث مصرع قرابة عشرين من جماهير الزمالك، أثناء محاولتهم دخول ملعب أستاد القاهرة لمساندة فريقهم أمام إنبي -كانت التذاكر محدودة لاعتبارات أمنية، وكان هذا موسم الدوري الأول الذي سمح فيه لمشجعين بحضور المباريات منذ وقعت أحداث مشابهة في استاد بورسعيد عام 2012 وأودت بحياة 74 شخصا- لكن قوات الأمن حاصرتهم بين بوابات المدرج المغلقة والقفص الحديدي الذي نصب قبل المباراة بيوم واحد، فلم تترك لهم فرصة الرحيل، كما لم تسمح لهم بالدخول، وألقت عليهم قنابل الغاز، ما أدى إلى مصرعهم؛ إما تحت القفص الحديدي الذي سقط عليهم، أو نتيجة الاختناق، أو التدافع أثناء محاولة الخروج من الحصار المفروض عليهم[3]. أما عن السياقات التي واكبت إحياء نادي الزمالك لذكرى مصرع 20 من جماهيره للمرة الأولى؛ فهي، رحيل مرتضى منصور عن القلعة البيضاء، وقد تزامنت مع رفض القضاء الإداري الطعن المقدم من مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك السابق ضد قرار وزارة الشباب والرياضة بتجميد عضويته[4]، والربط بين رحيل مرتضى وأحياء الذكرى يعود للاتهام الموجه من جماهير “زملكاوية” لمرتضى منصور بمسئوليته عن الحادث، كما يرجع للعلاقة المتوترة دائما بين “منصور” وروابط مشجعي نادي الزمالك “وايت نايتس”[5].   للمرة الأولى منذ 19 شهراً: السلطات المصرية تسمح لزوجة رامي شعث بزيارته في السجن.. ما علاقة ذلك بـ “بايدن“. أعلنت زوجة المعتقل الفلسطيني في السجون المصرية رامي شعث أن السلطات المصرية سمحت لها بزيارة زوجها بعد 19 شهر من اعتقاله، وقالت سيلين لوبران أنه منذ اعتقال رامي سمح لي التحدث إليه مرتين فقط، وأضافت أن “هذا الأسبوع أيضًا حاسم بالنسبة لوضع رامي. خلال زيارتي، ستُعقد جلسة استماع في 10 فبراير للنظر في طعن رامي في القرار التعسفي والجائر بإضافته إلى القائمة المصرية للأفراد والكيانات الإرهابية”. وقد ألقت قوات الأمن القبض على “شعث”، 5 يوليو 2018، بتهمة المشاركة في تشكيل “خلية الأمل” المتهم فيها مجموعة من المعارضين المصريين. كما تم إجبار زوجته، الفرنسية الجنسية التي تعيش معه في مصر وتمارس تعليم اللغة الفرنسية منذ سنوات، على الرحيل إلى فرنسا من قبل أجهزة الأمن، بطريقة تَعسّفية من غير الكَشف عن الأسباب أو السّماح لها بالاتصال بالقنصلية الفرنسية. وفي أبريل 2020، قضت محكمة جنايات القاهرة (الدائرة 5 إرهاب)، بإدراج 13 ناشطا سياسيا مُعتقلين على ذمة القضية المعروفة إعلاميا بقضية “تحالف الأمل”، على قوائم الإرهاب، لمدة 5 سنوات. ومن بين هؤلاء النشطاء رامي شعث[6]. رامي شعث هو نجل نبيل شعث وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق، والمستشار الحالي للرئيس محمود عباس للشؤون الخارجية والعلاقات الدولية ورئيس دائرة المغتربين، ويحمل “رامي” الجنسيتين المصرية والفلسطينية، ويقيم في مصر، ويمارس أعمال إقتصادية متعددة، وله دور بارز في حملة مقاطعة إسرائيل[7]؛ حيث شارك في تأسيس حركة مقاطعة إسرائيل في مصر، وهو تحالف وطني أطلقته أكثر من عشرَة أحزاب سياسية ونقابات طلابية ونقابات ومنظمات غير حكومية وشخصيات عامة للدفاعِ عن الحق الفلسطيني في حرية تقرير المصير، وقُبيل اعتقالِهِ، أعلَنَ رامي بشكل واضح وصريح عن رفضهِ لصفقة القَرن وانتقاده لأي مشاركة مصريّة في مؤتمرات البحرين. وفيما يتعلق بالشأن المصري فإن رامي ساعدَ في تأسيس مجموعة من الحركات والائتلافات التي لعبت دوراً نشطاً في الانتقال الديمقراطي للبلاد، بما في ذلك حزب “الدستور” الذي عمل كأمين عام له قبل إنشائه الرسمي[8]. وقد رأى مراقبون أن هذه الخطوة، ضمن خطوات أخرى أتخذتها القاهرة، تأتي استباقاً لأية انتقادات توجه لمصر من واشنطن بخصوص أوضاع حقوق الإنسان[9].   الإفراج عن محمود حسين: هل للأمر علاقة بالمصالحة الخليجية أم بالإدارة الامريكية الجديدة. أفرجت السلطات المصرية عن محمود حسين الصحفي المصري بشبكة الجزيرة، بعد 4 سنوات من الاعتقال التعسفي دون محاكمة، وكانت قوات الأمن قد اعتقلت “حسين” في ديسمبر 2016 أثناء قضائه إجازة مع عائلته، وأدرجته على ذمة القضية رقم 1152 لسنة 2016 حصر تحقيق أمن دولة، بتهم نشر أخبار وبيانات وشائعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية لمصر واصطناع مشاهد وتقارير إعلامية والترويج لأخبار كاذبة بما يهدد أمن الوطن، ومنذ تاريخ اعتقاله استمرت السلطات المصرية في تمديد احتجازه إحتياطياً[10]. جدير بالذكر أن الإفراج عن محمود حسين تم مع الإبقاء على تدابير احترازية، منها المبيت ليلتين في قسم الشرطة المجاور لمسكنه أسبوعيا[11]. وقد رحبت شبكة الجزيرة بقرار الإفراج عن “حسين”، حيث قال مصطفى سواق، القائم بأعمال المدير العام لقناة الجزيرة، في بيان، أن “شبكة الجزيرة الإعلامية ترحب بنبأ حرية محمود، وتؤمن بأنه يجب ألا يتعرض أي صحفي لما عانى منه محمود خلال السنوات الأربع الماضية لمجرد ممارسته مهنته”[12]. بينما رحب كثيرون بهذا القرار، باعتباره خطوة في اتجاه علاقة أكثر إيجابية بين السلطات المصرية والعاملون في المجال الصحفي والإعلامي، وأنها قد تكون بداية تعامل السلطات المصرية بشكل مختلف مع ملف المعتقلين. إلا أن وجهات النظر تباينت في تفسير دوافع هذه الخطوة، حيث رأى البعض أن الأمر له صلة بالمصالحة القطرية الخليجية؛ وأن إطلاق سراح حسين جاء بعد حوالي أسبوعين من عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وقطر في أعقاب مقاطعة الدوحة من قبل بعض الدول بقيادة السعودية التي استمرت لثلاث سنوات[13]. بينما رأى آخرون أن القرار له علاقة بـ “خشية النظام المصري من الإدارة الأمريكية الجديدة”[14]. إستعداداً لبايدن.. هل يتصالح النظام المصري مع قوى المعارضة. تحدث الصحفي المصري عماد البحيري[15] نقلا عن آخرون أن هناك بعض الجهود التي تبذل للوساطة بين السلطات المصرية وقوى المعارضة للتقريب بينها. مشدداً على حدوث تحولات إقليمية ودولية من المنطقي أن تجبر النظام المصري على الميل باتجاه المصالحة مع قوى المعارضة المصرية؛ منها، الضغوط التي قد تمارسها الإدارة الأمريكية الجديدة على النظام المصري، خاصة فيما يتعلق بقضايا الحريات وحقوق الإنسان، وقد أشار…

تابع القراءة

الدولة والألتراس في مصر.. عن السلطة والتحول الديمقراطي وسيادة القانون

    للمرة الأولى، منذ وقوع الحادث في 8 فبراير 2015، يحيي نادي الزمالك ذكرى وفاة 20 من مشجعيه، في أحداث ملعب الدفاع الجوي، بعد سنوات من التجاهل، وقد صرح النادي في رسالة مصورة، قائلاً “أبداً ما نسينا، وأبداً لن ننسى ما حيينَا.. طِبتم وطَابَ مثواكُم؛ رسالة فارس الزمالك إلى شهدائنا فى ذكراهم السادسة”، كما ارتدى لاعبو فريق الزمالك قمصانا كتب عليها الرقم 20 قبل مباراتهم، أمام الاتحاد السكندري في الدوري الممتاز، تخليدا لذكرى مشجعيه، كذلك قررت اللجنة المكلفة بإدارة نادي الزمالك برئاسة عماد عبد العزيز حلمي، بإقامة حفل تأبين لضحايا المذبحة للمرة الأولى[1]. وقد لاقت رسالة نادي الزمالك تفاعلا واسعا من مشجعي النادي، واستنكر عدد منهم دور رئيس النادي السابق مرتضي منصور فى تجاهل تلك الذكرى على مدار السنوات الست الماضية وعدم المطالبة بمحاسبة الجناة، كما حملوه المسؤولية عن الحادث، وطالبوا بمحاكمته، تصدر وسم (#رحم_الله_العشرين) قائمة التفاعلات على مواقع التواصل في مصر، واستذكر الناشطون من خلاله الذكرى المؤلمة مطالبين بالقصاص للضحايا، ومحاسبة “الجناة الطلقاء” الذين حرضوا على الجماهير آنذاك[2]. وقع حادث مصرع قرابة عشرين من جماهير الزمالك، أثناء محاولتهم دخول ملعب أستاد القاهرة لمساندة فريقهم أمام إنبي -كانت التذاكر محدودة لاعتبارات أمنية، وكان هذا موسم الدوري الأول الذي سمح فيه لمشجعين بحضور المباريات منذ وقعت أحداث مشابهة في استاد بورسعيد عام 2012 وأودت بحياة 74 شخصا- لكن قوات الأمن حاصرتهم بين بوابات امدرج المغلقة والقفص الحديدي الذي نصب قبل المباراة بيوم واحد، فلم تترك لهم فرصة الرحيل، كما لم تسمح لهم بالدخول، وألقت عليهم قنابل الغاز، ما أدى إلى مصرعهم؛ إما تحت القفص الحديدي الذي سقط عليهم، أو نتيجة الاختناق، أو التدافع أثناء محاولة الخروج من الحصار المفروض عليهم[3]. أما عن السياقات التي واكبت إحياء نادي الزمالك لذكرى مصرع 20 من جماهيره للمرة الأولى؛ فهي، رحيل مرتضى منصور عن القلعة البيضاء، وقد تزامنت مع رفض القضاء الإداري الطعن المقدم من مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك السابق ضد قرار وزارة الشباب والرياضة بتجميد عضويته[4]، والربط بين رحيل مرتضى وأحياء الذكرى يعود للاتهام الموجه من جماهير “زملكاوية” لمرتضى منصور بمسئوليته عن الحادث، كما يرجع للعلاقة المتوترة دائما بين “منصور” وروابط مشجعي نادي الزمالك “وايت نايتس”[5].   السلطة والرغبة المحمومة في السيطرة: يردنا احتفال النادي الزمالك للمرة الأولى بضحايا أحداث الدفاع الجوي، إلى مسألة أبعد وهي علاقة الدولة في مصر بروابط المشجعين “ألتراس”، وهي بدورها تعيدنا إلى مسألة أبعد وهي علاقة الدولة بالقوى الفاعلة، المنظمة والنشطة، حتى وإن كانت بعيدة عن المجال السياسي، وجل اهتمامها بالكرة والتشجيع؛ لكن يبدو أن السلطة ترفض وجود أية قوة فاعلة ومستقلة عنها حتى وإن كانت غير مسيسة. وجوهر المسألة: أن السلطة –أي سلطة- مسكونة بالسيطرة، السيطرة على كل شيء، على الناس وعلى الموارد والأشياء، وفي مسعاها للسيطرة لا يكبلها سوى سيادة القانون أو قوى سياسية قادرة على مجابهة رغبة السلطة المحمومة للسيطرة، مع التذكير بأن سيادة القانون مرهون بوجود قوى قادرة على الدفاع عن سيادة القانون واستقلال السلطة القضائية، أما في حال غياب هذه القوى تصبح مسألة وقت وتسيطر الدولة على سلطة القضاء وتروض القانون بحيث يصبح معبر عن إرادتها في القمع والسيطرة والتأميم. لذلك فالتحول الديمقراطي، ومن قبله محاولات التغيير سواء كانت بطيئة أو ثورية، بالإضافة إلى منظومة حقوق الإنسان وحقوق المواطنة، ومن قبلهم مسألة الفصل بين السلطات، كل هذه محاولات للحيلولة دون شهية السلطة التي لا تشبع للسيطرة والقمع. وفي مصر، تعتقد الدولة منذ 2013 أن فتح المجال العام لظهور قوى غير خاضعة بصورة كاملة لسلطة الدولة يترك المجال مفتوح للاضطرابات والاحتجاجات التي قد تطيح بالنظام السياسي القائم، وأن وجود قوى منظمة ولها فاعلية فيه تهديد على استقرار النظام القائم، حتى لو كانت هذه القوى الفاعلة روابط مشجعين “ألتراس”، يكفي فقط أن يقرر قادة هذه الروابط توجيه جهودهم في إتجاه المعارضة السياسية عندها يصبحون بشكل مباشر مصدر خطورة كبيرة على النظام القائم. لذلك تلجأ الدولة في مصر للتشريعات القانونية وللاجراءات الأمنية ولغيرها من السياسات للحيلولة دون ظهور أي قوى جديدة فاعلة هذا من جهة، وإما السعي الجاد لتفكيك القوى الموجودة والفاعلة، أو إختراقها والسيطرة عليها هذا من جهة أخرى، لا تفرق هذه السياسة بين روابط الألتراس وجماعة الإخوان المسلمين أو أي قوى أخرى ذات فاعلية وحضور في الشارع. والدولة التي تسعى لتأميم المجال السياسي في مصر، في سعيها للتخلص من القوى التي ترى فيها عدو متوقع، تستخدم حملات التشويه والشيطنة تمهيداً للتخلص من هذه القوى ولتجهيز المجتمع لتقبل ذلك، الغريب أن كثيرون من المحسوبون على قوى الثورة والمعارضة يتبنون في تصورهم ورؤيتهم عن مجموعات الألتراس نفس سردية الدولة وتصوراتها.   السلطة والألتراس والملعب كمساحة للتنافس: ظهرت روابط الألتراس في مصر منتصف عام 2007، وطوال سنوات ما قبل الثورة ظل نشاطها العام الأساسي مرتبط بالتشجيع في المدرجات، فالملاعب هي المساحة الوحيدة للعمل في المجال العام بالنسبة للألتراس. لكن مع ذلك ظلت مشكلة مجموعات الألتراس مع السلطة، سواء سلطة الدولة أو سلطة الأندية التي تشجع مجموعات الألتراس فرقها الرياضية، أن العماد الأساسي للألتراس هو التمرد على أنماط التشجيع التقليدية، فالتشجيع بالنسبة لهم ليس مجرد حب النادي أو متابعة مبارياته من أمام شاشة التلفاز، أو الارتباط بروابط المشجعين التي كانت سائدة قبل ظهورهم، وكانت مرتبطة بمجالس إدارات الأندية ولا تخرج عن حظيرة طاعة هذه الإدارة أو المساحة التي رسمتها لها، إنما تقوم فكرة التشجيع في عقلية الألتراس او الـ Mentality على الاستقلال عن قيود مجالس إدارات الاندية، والإبداع الصوتي والبصري في المدرج، والترحال وراء النادي في كل مباراة له حتى لو كانت خارج حدود الدولة، فضلاً عن التشجيع المستمر طوال مدة المباراة سواء كان الفريق خاسراً أو فائزاً، فالأمر الأهم لعضو الألتراس هو التشجيع. هذه الطبيعة المتمردة وغير المدجنة لروابط المشجعين “ألتراس”، هي التي خلقت هذا التوتر في العلاقة بين هذه الروابط الشبابية التي يتراوح متوسط أعمار أفرادها ما بين 15-20 عاماً وبين السلطة، سواء سلطة النادي أو سلطة الدولة. ومن الجدير بالذكر أن هذا التوتر في العلاقة بين مجموعات الألتراس وسلطة الدولة متمثلة في رجال الشرطة ليس قاصراً على مصر، فيكفي أن نعرف أن الشعار الأبرز الذي تشترك فيه كل مجموعات الألتراس حول العالم هو “كل الشرطة اوغاد” (All Cops Are Bastards) (A.C.A.B) فهناك عداء غير طبيعي بين مجموعات الألتراس وعناصر الشرطة. يبقى الملعب هو مساحة الصدام التي تكاد أن تكون الوحيدة بين السلطة ومجموعات الألتراس، فالألتراس تعتبر الملاعب هي المساحة التي تعبر فيها عن انتمائها للأندية التي تشجعها وتكشف فيها عن قدراتها الابداعية في التنظيم والتشجيع، بينما نجد أن السلطات المصرية في سعي دائم للسيطرة على جميع المساحات، وفرض هيمنتها على جميع الفضاءات حتى…

تابع القراءة

آفاق المصالحة الفلسطينية بعد تفاهمات القاهرة حول الانتخابات

    اختتمت في القاهرة جلسات الحوار الوطني الفلسطيني، يوم 9 فبراير الجاري، والتي استمرت على مدار يومين، وقد توصل المشاركون إلى آليات إجراء الانتخابات التشريعية خلال شهر مايو المقبل، وخرجت ببيان مشترك من 15 نقطة، مهّد الطريق أمام إجراء انتخابات المجلس التشريعي، التي أجريت آخر مرة قبل 15 سنة. ولأن الملفات الفلسطينية ثقيلة، سياسياً وأمنياً، بسبب الانقسام السياسي الذي تجذر منذ 2007 وحتى الآن بين طرفي الانقسام، حركة “فتح” التي تسيطر على الضفة الغربية، وحركة “حماس” التي تسيطر على قطاع غزة، تم تأجيل ملفات مهمة حتى الشهر المقبل، وفق طلب الجبهة الشعبية، على أمل أن يتفق الطرفان، اللذان عملا بجد طوال الأشهر الماضية للوصول إلى إنجاح الحوار الذي عقد تحت رعاية المخابرات المصرية، وفي مقرها بالقاهرة. ورغم الإعلان عن نجاح الحوار الوطني، إلا أن البيان المشترك لم يحظ بإجماع الفصائل الأربعة عشر المجتمعة، حيث تحفظت عليه “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، وأما بالنسبة للانتخابات، فإنه من الواضح أن مشاركة جميع الفصائل في الحوار لا تعني مشاركتها لاحقاً في الانتخابات، إذ قررت حركة “الجهاد الإسلامي” عدم المشاركة في انتخابات سقفها اتفاق أوسلو، الذي أهدر حقوق الشعب الفلسطيني وثوابتها -حسب بيانها- ، فيما لم تقرر “الجبهة الشعبية” المشاركة في الانتخابات من عدمه حتى الآن. وعلى الرغم من التحفظات، تضمن البيان الختامي قدرا من المسئولية السياسية لترتيبات مستقبلية، ومن أبرز النقاط في البيان المشترك الالتزام بالجدول الزمني الذي حدده مرسوم الانتخابات التشريعية والرئاسية، مع التأكيد على إجرائها في مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة دون استثناء، والتعهد باحترام النتائج وقبولها. وكان الرئيس محمود عباس قد أصدر، في 5 يناير الماضي، عدداً من المراسيم حددت مواعيد إجراء الانتخابات التشريعية في مايو المقبل، تليها انتخابات الرئاسة في يوليو المقبل، ثم انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني في أغسطس المقبل. كذلك يتمسّك البيان بضمان حيادية الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة وعدم تدخلها في الانتخابات أو الدعاية الانتخابية لأي طرف. وتتولى الشرطة الفلسطينية (دون غيرها) في الضفة وغزة بزيها الرسمي تأمين مقار الانتخابات، ويكون وجودها وفقاً للقانون. كذلك اتفق المجتمعون على إطلاق الحريات العامة وإشاعة أجواء الحرية السياسية، والإفراج الفوري عن كل المعتقلين على خلفية فصائلية أو لأسباب تتعلّق بحرية الرأي.   تأجيل الخلافات وبدا واضحا رغبة مشتركة بين حركتي فتح وحماس، لتأجيل الخلافات والقضايا غير الممتفق عليها، من أجل إنجاح الحوار بأي ثمن دفعتهما لتأجيل ملفات سياسية إشكالية معقدة لمناقشتها لاحقاً، مثل الانقسام وإصلاح منظمة التحرير، في إصرار على المضي إلى الأمام، على الرغم مما تحمله من ملفات ملغومة قابلة للانفجار بأية لحظة، والعودة إلى المربع الأول، وهو ما يمثل تحدي كبير لجهود الحوار السياسي، فلم ينجح  اجتماع القاهرة في إزالة الألغام القانونية من الطريق، بل عمل على تسكينها ليس أكثر، دون أي ضمانات قانونية حقيقية. ولعل ذلك ما دفع “الجبهة الشعبية” للإصرار على عقد اجتماع آخر في مارس، وفق ما صرح به  القيادي في “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” عمر شحادة، “لقد تحفظت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على عدم تضمين البيان موقفاً واضحاً بالتمسك بقرارات المجلسين، الوطني والمركزي، التي تتحلل من اتفاقية أوسلو”. ومن أجل استكمال الوصول للأهداف المرجوة، كما تراها الجبهة، في عقد مجلس وطني جديد على أساس استراتيجية وطنية جديدة تقوم على المقاومة، وعقد مجلس وطني. ومن أبرز ترسبات الانقسام وجود مؤسسات لسلطتين، في الضفة الغربية تسيطر عليها حركة فتح، وفي قطاع غزة تسيطر عليها حركة حماس. هذا الواقع سوف يبقى قائماً إلى ما بعد تشكيل الحكومة بعد الانتخابات. وهنا الخطر الأكبر الذي يتهدد الانتخابات، والذي لا تتوفر ضمانات بأن الانتخابات ستؤدي إلى إنهاء هذه الحالة، لأنها ستبقى مؤجلة، وربما تكون هذه الثغرة الكبرى في حوار القاهرة والبيان الذي صدر عنه، والذي يشير إلى أن هناك توجهاً لذات المنحى الذي حكم حالة حوارات المصالحة طيلة السنوات الماضية، والذي يقوم على تأجيل الملفات الشائكة والخلافية، وترحيلها إلى فترات لاحقة، وهو السبب الذي أدى إلى استمرار الانقسام، ويبقى الخطر في أن الانتخابات  قبل تصفية الانقسام، قد يؤدي إلى نظام من الهيمنة والمحاصصة بين طرفي الانقسام، فتح وحماس، وستضمن الانتخابات استمرار الوضع القائم، ليس أكثر. أما على الصعيد القانوني فلا يبدو المشهد أقل تعقيداً، وتغذيه الاعتصامات والاحتجاجات اليومية لنقابة المحامين الفلسطينيين المستمرة منذ نحو شهر، ضد قيام عباس بإصدار قرار بقانون، عدل بموجبه قانون السلطة القضائية، لإحكام قبضته عليها، كما أكدت نقابة المحامين أكثر من مرة. فالمراسيم التي أصدرها عباس لها قوة القانون، وهي أعلى وأقوى من البيان الذي صدر عن حوار الفصائل في القاهرة.فلم ينجح بيان القاهرة بإزالة أي لغم قضائي. كل ما جرى هو تقاسم حصص على حساب عدالة القضاء ونزاهته، فوفق مؤسسة “الحق” الفلسطيني، فأن مجلس القضاء الأعلى، الذي جاء بقوة السلطة التنفيذية، برئيسه القاضي عيسى أبو شرار، الذي تطالبه الاعتصامات اليومية للمحامين بالرحيل بسبب وجوده غير الشرعي ما زال موجوداً، وهو ما يعزز قضم الحريات وفرض أجواء بوليسية على القضاء. ونصّت النقطة الرابعة، في بيان القاهرة، على أنه “تُشكل محكمة قضايا الانتخابات بالتوافق مع قضاة من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وتتولى هذه المحكمة حصراً دون غيرها من الجهات القضائية متابعة كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية والقضايا الناشئة عنها… إلخ”، وهدفت هذه النقطة لإبعاد شبح المحكمة الدستورية عن العملية الانتخابية، لأنها محكمة تم تعيين قضاتها من قبل الرئيس محمود عباس لأهداف سياسية، وقامت بحل المجلس التشريعي السابق بقرار في عام 2018. ةعلى الرغم من اهمية المحكمة الجديدة، فإن هذا لا يغير من حقيقة وجود مجلس قضاء أعلى جاء بناء على السلطة التنفيذية، ويسلط سيف التقاعد القسري على القضاة الذين لا يخضعون لأوامره، ولا يغير من حقيقة وجود محكمة دستورية تم تشكيلها لأهداف سياسية. لكن الجديد هو أن عباس يقدم ضماناً، وكأنه يقول للمحكمة الدستورية ومجلس القضاء الأعلى ألا يفعلا أي شيء، هذا ما حصل لكن فعلياً لا يوجد ما يمنع أي مواطن أو محامٍ من أن يقدم طعناً يتعلق بالانتخابات أمام المحكمة الدستورية والمحاكم الأخرى، لا سيما الإدارية التي شكلها عباس قبل أربعة أيام من مرسوم الانتخابات، وحينها من السهل أن تقول السلطة التنفيذية إننا لسنا من قدم هذا الطعن.   تنازل حماس وفي 16 يناير الماضي، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” أمرا رئاسيا بالتجهيز لانتخابات المؤسسات الوطنية الفلسطينية الثلاث، الرئاسة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني الفلسطيني، وينص القرار على إجراء الانتخابات على مراحل، من مايو إلى أغسطس المقبلين. وفي 2009 صدر أمر بالتجهيز للانتخابات لكن تم إلغاؤه بعد أقل من 120 يوما بسبب الانقسام بين “فتح” و”حماس”. وأصدر “عباس” قراره في وقت يعاني فيه النظام الفلسطيني أزمة داخلية وخارجية حادة، بعد أعوام من تهميش إدارة “ترامب” للقضية الفلسطينية، ومعاناة العالم من جائحة فيروس…

تابع القراءة

تعديلات قانون “صندوق تحيا مصر” وعلاقتها بتأميم العمل الخيري

  أقرّت لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب الذي شكلته الأجهزة الأمنية لعبدالفتاح السيسي، رئيس الانقلاب العسكري، في جلسة 25يناير 2021م، تعديلاً تشريعياً على قانون إنشاء “صندوق تحيا مصر”. هذه التعديلات تقضي أولا  بإعفاء جميع عوائد الصندوق ومداخيله والتسهيلات الائتمانية الممنوحة له، من كل الضرائب والرسوم أياً كان نوعها، وكل رسوم الشهر العقاري والتوثيق، والرسوم الجمركية. كما نصّ التعديل ثانيا على عدم سريان أحكام قوانين ضرائب الدخل والدمغة، ورسم تنمية موارد الدولة، والضريبة على القيمة المضافة، وأي نوع آخر من الضرائب والرسوم المفروضة حالياً، أو التي تُفرض مستقبلاً، بقانون أو بقرار من الحكومة أو من أي سلطة عامة أخرى، على الصندوق.  ولم تتضمن التعديلات إعفاء الصندوق مما يقرره قانون الضريبة على الدخل من ضريبة على عوائد أذون الخزانة والسندات أو الأرباح الرأسمالية، الناتجة عن التعامل في هذه الأذون والسندات.[[1]] وتعزو الحكومة هذه التعديلات في مذكرتها الإيضاحية إلى أنها اكتشفت مشاكل بيروقراطية ومالية تعرقل نشاط الصندوق في المشاريع التنموية.[[2]] رغم أن الصندوق لا يتمتع بأي رقابة من أي جهة، إضافة إلى ذلك فإن التعديلات توسعت أيضا لتنص على إعفاء الصندوق من رسوم المناطق الحرة لكل ما يستورده من معدات وأجهزة ومستلزمات وأي أصناف أخرى، وكل ما يَرِد إليه من الهدايا والهبات والتبرعات والمنح من الخارج. وبالتالي يبدو أن المزيا الكثيرة التي يتمتع بها الصندوق في القانون القائم لم تكن كافية ــ بحسب القائمين على إدارة الصندوق ــ لتمكينه من مباشرة الأنشطة الاجتماعية والتنموية المنصوص على إنشائه من أجلها. وبالتالي لجأت إلى هذه التعديلات لتتوسع في الإعفاءات الممنوحة للصندوق من جهة، وتوسيع سلطاته من جهة ثانية وتكريس وضع الصندوق الاستثنائي كصندوق “شبه سيادي” تابع للرئاسة والجيش من جهة ثالثة. نشأة الصندوق وتحصينه من الرقابة وصندوق “تحيا مصر” هو باكورة أفكار السيسي التي كشف عنه في يوليو2014، حيث دعا رجال الأعمال إلى ضخ تبرعات تصل إلى 100 مليار جنيه. وفي مشهد مسرحي أعلن السيسي أنه تبرع بنصف راتبه البالغ 42 ألف جنيه وعن نصف مملتكاته لصالح الصندوق ولم يعرف كم تبرع لأن ممتلكات السيسي لا تزال سرية حتى اليوم رغم أن الدستور يلزمه بالإعلان عن كامل ممتلكاته. ومنذ ذلك الوقت، لا توجد شركة عاملة في البلاد أو رجل أعمال أو فنان أو رياضي وحتى مؤسسات الدولة كالقضاء بفروعه، ومشيخة الأزهر، والأوقاف، إلا وتقدموا بتبرعات مرة تلو الأخرى، كان آخرها تبرع شركة “إعمار مصر” مجددا بمبلغ 90 مليون جنيه، وكذلك المجلس الأعلى للنيابة الإدارية الذي تبرع بثلاثة ملايين. ومنذ ذلك التاريخ توالى إصدار القوانين والتعديلات الخاصة بالصندوق “السيادي” ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أصدر السيسي قرارا بقانون رقم 139 لسنة 2014م، بإنشاء صندوق “تحيا مصر” الذي تكون له الشخصية الاعتبارية ويتبع رئيس مجلس الوزراء، ويكون مقره مدينة القاهرة، ويجوز له إنشاء فروع ومكاتب في المحافظات الأخرى. لكن في يوليو/تموز 2015، صدر قرار آخر بقانون رقم 84 لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام القرار بقانون رقم 139 لسنه 2014 بإنشاء “تحيا مصر” بحيث يتمتع بالاستقلال المالي والإداري. ومطلع عام 2016، وافق مجلس النواب على القرار بقانون رقم 139 لسنة 2014 بإنشاء “تحيا مصر”. وبموجب القرار الرئاسي الذي أقره مجلس النواب مطلع عام 2016، ألغيت الرقابة المالية على الصندوق ضمنيا بعيدا عن الموازنة العامة للدولة. ويتمتع صندوق “تحيا مصر” بامتيازات وأعفاءات واسعة، ويعد في عرف القانون “صندوقا شاذا” في نشأته ووضعه القانوني؛ فالسيسي استحدث لأموال الصندوق مجالاً جديداً بين العام والخاص، فكل الأموال العامة يراقبها الجهاز المركزي للمحاسبات، ولا يجوز له مراقبة الأموال الخاصة، لكن أموال الصندوق تأتي في منطقة بينية، فهي بحكم المنطق أموال عامة تكلف الدولة بالتصرف فيها أو استثمارها، وبحكم القانون الذي أصدره السيسي لا تخضع لرقابة الجهاز المختص دستورياً بذلك”.[[3]] ويوفر قانون أصدره السيسي في يوليو/ تموز 2015، أي بعد إنشاء الصندوق فعلياً بنحو عام، وأقره مجلس النواب من دون أي ملاحظات لدى انعقاده، سرية مطلقة على أعمال الصندوق وحصانة من جميع أنواع الرقابة. إذ ينصّ على تمتع الصندوق بالاستقلال المالي والإداري، وإسناد سلطة تحديد أساليب الإشراف عليه وإدارته وتصريف شؤونه إلى رئيس الجمهورية من دون التقيّد بالنظم الحكومية المنصوص عليها في أي قانون آخر، فضلاً عن إسناد الرقابة على أعمال الصندوق المحاسبية إلى مكتب مراجعة مسجل لدى البنك المركزي تختاره إدارة الصندوق، وقصر دور الجهاز المركزي للمحاسبات على “إعداد تقرير بمؤشرات أداء الصندوق سنوياً، في ضوء القوائم المالية المعتمدة من مراقب الحسابات”. وكان الهدف الرئيس لإصدار هذا القانون هو الإفلات من المواد الدستورية والقانونية التي تخصّ الجهاز المركزي للمحاسبات، بالرقابة على أموال الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة، ومراقبة تنفيذ الموازنة العامة للدولة والموازنات المستقلة ومراجعة حساباتها الختامية، أي كل ما له صلة بالمال العام تقريباً، وما نص عليه قانون الجهاز من ذكر للجهات التي يراقبها، ومن بينها الجهات الحكومية والهيئات العامة والمؤسسات العامة وهيئات القطاع العام، وأي جهة تقوم الدولة بإعانتها أو ضمان حدّ أدنى للربح لها أو تكون أموالها مملوكة للدولة. وبذلك، أُبعد الجهاز المركزي للمحاسبات تماماً عن مباشرة الدور الرقابي على الصندوق، وأصبحت المستندات الوحيدة التي يجوز له الاطلاع عليها هي ما يصدره مكتب مراقب الحسابات من قوائم مالية بعد اعتمادها، ما يعني أن الأعمال نفسها تظلّ بعيدة عن رقابة الجهاز المقررة دستورياً. خطوة نحو تأميم العمل الأهلي وبنظرة أكثر عمقا، يمكن الجزم بأن التعديل الجديد يستهدف بالأساس إعطاء الصندوق أولوية لقيادة العمل الأهلي في مصر من المنظور الخاص بالنظام، وليس بالمعنى التقليدي للعمل الأهلي، بأن يكون هذا العمل موازياً لممارسات الحكومة، وليس نابعاً من المجتمع كشريك للدولة في التنمية. ووفقاً للتعديل، لن تكون أي منظمة أهلية، بما في ذلك ما يتبع المخابرات العامة وغيرها من الأجهزة الحكومية، قادرة على منافسة “صندوق تحيا مصر” في أي مجال.[[4]] فالتعديل يعالج مسألتين مهمتين يرغب النظام في إغلاقهما نهائياً وعدم إثارة الجدل بشأنهما مستقبلاً: الأولى، هي غياب الرقابة والتحصيل الضريبي عن التبرعات الضخمة التي أصبحت تنهال على الصندوق من رجال الأعمال. ويرى البعض أنها باتت بمثابة “قرابين” لضمان السلامة والاستمرار في العمل في المشاريع المختلفة مع الأجهزة، تحديداً الجيش. فمنذ بدء تفشي وباء كورونا، كشفت مصادر مطلعة عن تلقّي الصندوق أكثر من نصف مليار جنيه (32 مليون دولار) في صورة تبرعات، بدأت منذ رفع وتيرة الهجوم الإعلامي على رجال الأعمال بغية حثهم على المشاركة بالتبرع للصندوق في مارس/آذار 2020. وحدث ذلك بعدما أعلن السيسي تخصيص جزء من أمواله للإنفاق على العمالة غير المنتظمة، وغيرها من أوجه الصرف الخاصة بالأزمة. وتلقى الصندوق تبرعات مباشرة من جهات ومستثمرين، كمجلس الشعب ومجلس الوزراء والمحافظين ومجلس الدولة ومجلس القضاء الأعلى ومشيخة الأزهر ومجلس الكنائس المصرية وهيئة قناة السويس، والعديد من رجال الأعمال، على رأسهم حسين صبور. ويضاف إلى ذلك…

تابع القراءة

انتخاب السلطة التفيذية الليبية.. الأبعاد وتحديات المستقبل

    بعد أيام من الحوار والتصويت والانتخاب، كُللت في جنيف أولى خطوات خارطة الطريق التي صدّق عليها الأطراف الليبية في تونس في نوفمبر الماضي، تحت رعاية الأمم المتحدة. وخلافاً للمتوقع، فاز محمد يونس المنفي برئاسة المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيساً للوزراء، بـ39 صوتاً مقابل 34 صوتاً لمنافسيهما رئيس برلمان الشرق عقيلة صالح لرئاسة المجلس الرئاسي، ووزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا لمنصب رئيس الوزراء. وعلى أية حال، فإن الاتفاق الليبي برعاية الامم المتحدة حول السلطة التنفيذية المؤقتة مثل خطوة مهمة على طريق السلام الذي ما زال صعبا، وإن كان الاتفاق جاء بضغوط دولية لوقف التمدد الروسي والتركي في أعماق البحر المتوسط عبر الملف الليبي، وهو ما يجعل الأوضاع مُلغّمة، والإشكاليات ظاهرة، والقضية خاضعة لتسويات ليس من السهل تحقيقها. وهو بدوره ما يطرح العديد من التساؤلات حول هل من الممكن أن يقبل حفتر بأوضاع قد تخلو من فرض سيطرته على الجيش والأجهزة الأمنية في ليبيا؟ وهل يمكن القول إن ليبيا وصلت إلى هذه المحطة الفارقة بدافع حالة الإنهاك التي أصابت كل القوى المتصارعة؟ أم أن كان دافع الاتفاق مخاوف تقسيم وتفاقم أزمات اقتصادية واجتماعية؟ أم أن توافق غربي بقيادة أمريكا للحد من النفوذ التركي والروسي في ليبيا؟     آلية الانتخاب أقرّت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بالاشتراك مع اللجنة الاستشارية للملتقى، آلية معقدة، نسبيًا، للترشّح والتصويت تفاديًا للفشل في انتخاب قيادة للمرحلة الانتقالية أو فوز فريقٍ لا يتوفر على الشروط التي توافق عليها أعضاء الملتقى في جولة تونس، والمتمثلة في اختيار رئيس للمجلس الرئاسي من الشرق ونائبين له من الغرب والجنوب ورئيس وزراء من الغرب. ووفق هذه الآلية، فشل جميع المرشحين لرئاسة المجلس الرئاسي في الحصول على العدد المطلوب من الأصوات، في الجولة الأولى من التصويت، التي جرت في 3 فبراير 2021، على الرغم من أن كلًا من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وعبد المجيد سيف النصر، تصدّروا الترتيب على مستوى أقاليم الشرق والغرب والجنوب. كما كان متوقعًا، أدى فشل التصويت على الأفراد في حسم المنافسة إلى الانتقال إلى مرحلة التصويت على القوائم، حيث اشترطت الآلية التي أقرّتها بعثة الأمم المتحدة أن تضم كل قائمة أربعة مرشحين، وأن تستجيب تركيبتها لما تم التوافق عليه سابقًا في أن يكون الرئيس من الشرق ونائباه من الغرب والجنوب ورئيس الوزراء من الغرب. وأفضت التزكيات والتحالفات إلى تقدّم أربع قوائم للمنافسة في جولة الاقتراع التي جرت في 5 فبراير. وشهدت المرحلة الثانية من الاقتراع انسحاب خالد المشري من السباق، على الرغم من حصوله على صدارة الترتيب على مستوى مرشحي المنطقة الغربية في الجولة الأولى، واجتماع أربع شخصيات مهمة في المشهد السياسي والعسكري الحالي في قائمة واحدة؛ هم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ووزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، وآمر المنطقة العسكرية الغربية أسامة الجويلي، والسياسي الجنوبي عبد المجيد سيف النصر. ولم تفلح أي من القوائم الأربع المترشحة في الحصول على 60% من الأصوات؛ وهي النسبة المطلوبة للفوز في المرحلة الأولى من التصويت على القوائم، بينما حصلت القائمة التوافقية التي يرأسها عقيلة صالح على المرتبة الأولى، تليها القائمة التي يرأسها محمد يونس المنفي، وهما القائمتان اللتان خاضتا الجولة الأخيرة، وانتهت بفوز القائمة التي تضم المنفي رئيسًا، وعبد الله اللافي وموسى الكوني نائبين له، وعبد الحميد الدبيبة رئيسًا للوزراء. وحتى اللحظات الأخيرة قبل إعلان النتيجة النهائية للاقتراع، ظلت التوقعات تشير إلى فوز القائمة التي يرأسها عقيلة صالح، نظرًا إلى أهمية الشخصيات المترشّحة ضمنها، سياسيًا وعسكريًا واجتماعيًا؛ فعقيلة صالح، المنحدر من قبيلة العبيدات النافذة في المنطقة الشرقية، يتولى، منذ 2014، رئاسة مجلس النواب. أما فتحي باشاغا، المنحدر من مدينة مصراتة، فقد بات إحدى الشخصيات المتصدرة المشهدين، السياسي والأمني، في العاصمة والمنطقة الغربية، منذ تعيينه وزيرًا للداخلية في حكومة الوفاق الوطني، ويتمتع بتأثير قوي في عدد من التشكيلات الأمنية في العاصمة، في حين يعدّ اللواء أسامة الجويلي، المنحدر من مدينة الزنتان التي ترأس مجلسها العسكري منذ الثورة، شخصيةً عسكريةً بارزة في المنطقة الغربية، أدّت دورًا مهمًا في قيادة قوات حكومة الوفاق، إبّان الحرب التي شنتها قوات خليفة حفتر في عامي 2019 و2020.   دلالات اختيار القيادات الجديدة ومثّل فشل القائمة التي يرأسها صالح وصعود القائمة التي يرأسها المنفي مفاجأة الجولة الأخيرة من الاقتراع، فجميع الشخصيات المرشحة ضمنها لم تكن من شخصيات الصف الأول في المشهدين السياسي والعسكري الليبي، ولم يعرف عنها أي انخراط مباشر في الصراع الدائر في البلاد، منذ عام 2014، ولم تكن لها مواقف منحازة إلى أحد طرفي النزاع خلال الحرب الأخيرة التي شنتها قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس. وينحدر محمد يونس المنفي من قبيلة المنفة في المنطقة الشرقية، وهي القبيلة التي ينحدر منها أيضًا قائد المقاومة الليبية ضد الاحتلال الإيطالي في برقة في الثلث الأول من القرن العشرين عمر المختار، انتخب المنفي لعضوية المؤتمر الوطني العام في عام 2012، قبل أن ينشق عنه وينضم إلى تحالف القوى الوطنية بقيادة محمود جبريل. لم تعرف عن المنفي نشاطات أو مواقف تذكر منذ الانقسام السياسي الذي تلا “عملية الكرامة” عام 2014، التي قادها حفتر، إلى حين تعيينه سفيرًا لليبيا لدى اليونان، والتي دعته إلى مغادرة أراضيها عقب توقيع حكومة الوفاق اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا. أما رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، فهو رجل أعمال منحدر من مدينة مصراتة، تولّى عدة مسؤوليات في مؤسسات اقتصادية كبرى زمن نظام معمر القذافي، ولم يعرف عنه أي انخراط مباشر في الشأن السياسي. وعلى الرغم من أنه أسس، منذ سنتين، تيارًا تحت مسمى “ليبيا المستقبل”، فإن انخراطه في العمل السياسي ظل محدودًا جدًا، ولم تكن له أي مواقف تذكر من الأحداث الجارية في البلاد. وتشترك الشخصيات التي تم اختيارها لتشكيل السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا في نأيها عن الخوض في المشهدين السياسي والعسكري منذ عام 2014، وفي عدم انخراطها، على نحو مباشر، في النزاع الدامي الذي شهدته البلاد عقب هجوم قوات حفتر على المنطقة الغربية والعاصمة في عامي 2019 و2020، على الرغم من تولي بعضها مسؤوليات رسمية، سواء من خلال عضوية المجلس الرئاسي فترة محدودة (موسى الكوني) أو بالعمل في السلك الدبلوماسي التابع لحكومة الوفاق (محمد المنفي) أو عضوية مجلس النواب (عبد الله اللافي)، ما يجعلها أقرب إلى فريق تكنوقراط منها إلى حكومة سياسية، بحسب تقدير موقف للمركز العربي للأبجاث ودراسات السياسات، فبراير/ 2021.  وإضافة إلى ذلك، يمثّل وجود اللافي المنحدر من الزاوية، وعبد الحميد الدبيبة المنحدر من مصراتة، كما سبق، ترضية للمدينتين اللتين كان لتشكيلاتهما العسكرية الدور المحوري في دحر قوات حفتر عن العاصمة والمنطقة الغربية، أما اختيار موسى الكوني، المنحدر من قبائل الطوارق في الجنوب، فيبدو…

تابع القراءة

هل تشارك الحركات والفصائل الفلسطينية فى الانتخابات القادمة؟

    أصدر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في 15 يناير 2021، مرسومًا رئاسيًّا حدد فيه مواعيد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير) على ثلاث مراحل، لتكون المرة الأولى منذ 15 عامًا، التي تنظم فيها مثل هذه الانتخابات. وحُدِّد يوم 22 مايو 2021 لإجراء الانتخابات التشريعية، ويوم 31 يوليو 2021 للانتخابات الرئاسية، على أن تعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، وعلى أن يتم استكمال انتخابات المجلس الوطني في 31 أغسطس 2021. وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول موقف الحركات والفصائل الفلسطينية من خوض تلك الإنتخابات؟، وهو ما سنوضحه خلال السطور القادمة. ولكن قبل الخوض في ذلك، يجب التأكيد على أن إمكانية تنظيم انتخابات للمجلس الوطني تبدو متدنية جدًّا؛ لأن هذا الأمر لا يتوقف على إرادة الفصائل الفلسطينية فقط، بل يتطلب تعاون حكومات الدول التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين، والتي لا تسمح ظروف بعضها بإجراء مثل هذه الانتخابات، فضلًا عن أنه يمكن افتراض أن نسبة كبيرة من الفلسطينيين، تحديدًا الذين يحملون جنسيات البلد المقيمين فيه، مثل الأردن، لن يتحمسوا للمشاركة في انتخابات المجلس الوطني. لذا، ففي حال أُنجزت الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فمن المرجح أن يتم تشكيل المجلس الوطني بناء على المحاصصة مع الأخذ بعين الاعتبار موازين القوى كما عكستها الانتخابات البرلمانية[1].   أولًا: تيار السلطة الرسمي بقيادة حركة فتح: وهو التيار العريض الذي يمثل الجهات الرسمية المتمثل في المنظمة والسلطة, وهو يملك نقاط قوة تساعده على المنافسة الانتخابية أهمها: – علاقات رسمية لدى المنظمات العربية والإسلامية والدولية تضمن له دعمًا سياسيًا وماليًا. – المسئول عن الاتفاقيات مع الاحتلال وتطبيقها بدقة, الأمر الذي يجعله مقبولا لديه وبالتالي تسهيل مهام الحياة اليومية للمواطن في غزة والضفة والقدس من خلاله. – السيطرة على الإمكانيات البشرية والمادية للسلطة, وبالتالي قدرته على التأثير على الصوت الانتخابي الرسمي, واستغلال مؤسسات السلطة لصالحه. وفي المقابل فإن هذا التيار عليه مآخذ عديدة وهي نقاط ضعف من شأنها تؤثر سلبًا على وضعه ووزنه الانتخابي من أهمها: – غالبية نقاط القوة لهذا التيار مرتبطة بالغير والدعم من المستوى الرسمي ومن الاحتلال وليس عوامل قوة ذاتية. – إصراره على التمسك باتفاقيات أوسلو رغم انتهائها وفشلها وخاصة شقيها الأمني والاقتصادي. – تهميش وتعطيل دور منظمة التحرير واختزالها بمؤسسات السلطة وبالتالي تهميش وإهمال الشعب الفلسطيني في الشتات والذي يمثل خمسين بالمائة من مجموع الشعب. – المساهمة القوية في محاصرة قطاع غزة وتطبيق قرارات الفصل الوظيفي, وقطع الرواتب, ومنع الموازنات, ووقف الترقيات, الأمر الذي طال أبناء السلطة وحركة فتح وحلفائها, وهذا اكتوى به كل أبناء غزة الذين يمثلون حوالي أربعين بالمائة من سكان الضفة والقدس وغزة. – فشل التصدي للاستيطان في الضفة بسبب محاربة المقاومة حتى السلمية, وتجفيف منابعها ومطاردتها. – التشرذم التنظيمي, والتفكك الداخلي, والصراعات الناعمة والخشنة الذاتية, فحتى اللحظة نحن أمام عدة تيارات داخل هذا التيار: تيار عباس, تيار القيادى المفصو محمد دحلان, تيار مروان البرغوثي[2]. وبناءً على ما سبق؛ فإن إجراء الانتخابات في هذه الظروف يمثل مخاطرة بالنسبة لحركة فتح؛ سيما بعد إعلانها عن أن الرئيس عباس سيكون مرشحها الوحيد في الانتخابات الرئاسية. فحسب آخر استطلاع للرأي العام في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن شعبية عباس متدنية؛ حيث أظهر أن أكثر من 60% من الفلسطينيين يطالبون باستقالته[3]. وفى المقابل، فإن استطلاع أجراه «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والبحثية» قبل أيام، كانت نتيجته تفوق البرغوثي فى حالة ترشحه للانتخابات بحصوله على 61% من الأصوات في حال وُضع ليس أمام عباس، بل أمام رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية. وفيما يتعلق بالانتخابات التشريعية، فقد هدد الرئيس عباس باستخدام «القوة» ضد أي قائمة أخرى باسم «فتح» منافِسة لتلك الرسمية، وذلك خلال حديثه باجتماع المجلس الثوري لحركة فتح، الذي عقد في 26 من شهر يناير الماضى، وقبلها بيومين، في اجتماع اللجنة المركزية للحركة. وتأتى تلك التهديدات على خلفية الحديث عن أن هناك قائمة يقودها الشباب، وسيدعمها البرغوثي، ويُحتمل أن تكون فيها شخصيات من «اللجنة المركزية» وأخرى من السلطة على مستوى الضفة وغزة. أما التيار «الإصلاحي»، فينوي المشاركة بقائمة موازية وتعزيزها بقيادات يعمل دحلان على شراء ولاء بعضهم على مستويَي الضفة وغزة عبر مبالغ ضخمة بعشرات الملايين من الدولارات بتمويل إماراتي. مع ذلك، تبقى بيضة القبّان بيد البرغوثي، الذي تُظهر استطلاعات الرأي العام أنه الأكثر شعبية «فتحاوياً» وفلسطينياً ــــ في الضفة على الأقل ــــ، وآخرها استطلاع «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والبحثية» الذى قدر أنه إذا شكل البرغوثي قائمة مستقلّة، فسيحصل على 25% من أصوات الجمهور. ولتفادى هذا الانقسام الفتحاوى، فإن هناك تحركات من قبل قيادات فتح لتوحيد الجبهة قبل الدخول فى الانتخابات، منها؛ قيام أمين سر «اللجنة المركزية لفتح»، جبريل الرجوب، بزيارة مروان البرغوثي في السجن ليثنيه عن الترشح ضد عباس، ولمحاولة إرضائه بوضعه على رأس قائمة «فتح» في المجلس التشريعي[4]. وحسب بعض التسريبات الإعلامية، أثارت حالة انعدام اليقين بشأن جاهزية حركة “فتح” للانتخابات قلقًا لدى كل من مصر والأردن؛ حيث توجه كل من رئيس المخابرات المصري، عباس كامل، والأردني، أحمد حسني، معًا إلى رام الله للقاء الرئيس عباس وحثَّاه على توحيد فتح عشية الانتخابات والمشاركة في قائمة موحدة لتقليص فرص فوز حماس فيها[5].   ثانيًا: التيار الإسلامي بقيادة حركة حماس : يملك هذا التيار عناصر قوة قد تساعده في الانتخابات القادمة من أهمها: – التمسك بمسار المقاومة فكرا وممارسة, وتطويره بشكل لافت. – الصمود في وجه العدوان الصهيوني في أربع جولات حرب على غزة (2006م ,2008م ,2012م ,2014م ) وتحقيق الردع، فضلًا عن إنجاز صفقة وفاء الأحرار بعد نجاح في أسر الجندي المقاتل “شاليط ” وفي تأمينه, والتفاوض عليه من مركز قوة لمدة خمس سنوات، بجانب امتلاكها أوراق قوية في ملف جنود الاحتلال ممن وقعوا في الأسر خلال عدوان 2014 م. – القدرة على المحافظة على محافظات غزة منذ 2006م _ للآن بعد أن كان مخطط لها الانهيار والضياع والغرق في الحصار والفقر والتشتت المجتمعي. – النجاح في إدارة علاقات خارجية متزنة مع الدول الصديقة والدول المعادية. – وحدة الصف والقرار, وغياب المحاور والشللية التنظيمية والانقسامات الداخلية على عكس فتح. وفي المقابل فإن هذا التيار يواجه نقاط ضعف قد تؤثر على وزنه الانتخابي من أبرزها: – عدم رضا الاحتلال والمجتمع الدولي والنظام العربي الرسمي عليه وبالتالي محاربته بكل الطرق ومنعه من الانخراط في الحياة السياسية بما فيها الانتخابات. – الربط بين فوزه وبين الحروب والحصار والفقر, وهذا يخوف الناخب الفلسطيني. – وثيقة حماس السياسية خاصة بعد تعديلها فى عام 2017 يعتبرها البعض نقطة ضعف وخاصة في تقارب البرامج السياسية ومرحلية الطرح والاقتراب مع رؤية تيار فتح السياسي[6]. وبناءً على ما سبق؛ فقد وضعت حماس عدداً من السيناريوات للانتخابات…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022