الأزمة السودانية- الإثيوبية وتأثيراتها على اتفاق جوبا وحرب التيجراي ومواقف دول الجوار

  يبرز في المشهد السياسي السوداني والإثيوبي هذه الفترة مجموعة من المشكلات الأمنية والاقتصادية، والتي تؤثر بدورها على الوضع الداخلي وما يشمله من تعقيدات تواجه النظم الحاكمة في الدولتين. هذا وتبدو المواجهات المسلحة بين الجيش السوداني والميليشيات المدعومة من القوات الإثيوبية، أبرز عناوين المشهد الأمني في كلٍّ من السودان وإثيوبيا في الوقت الحالي، لاسيما بعد التصعيد الذي نشب على الحدود بين البلدين، بعد أن استعاد السودان منطقة الفشقة الواقعة بجوار الحدود الإثيوبية، والتي لابد أن يكون لها انعكاسات مباشرة على الأوضاع السياسية الداخلية في كلا البلدين. فبينما تحاول إثيوبيا امتصاص غضبة السودان وعدم الدخول في حرب ممتدة لتحييد موقفها من حرب التيجراي، تحاول السودان الاحتفاظ بالخارطة، التي رسمها بعد استرداده لغالبية أراضيه التي وقعت تحت سيطرة إثيوبيا على مدار عقود، وتبقى الأزمة متفجرة لبعض الوقت، لأن المعادلة الصفرية الظاهرة لن تُمكِّن أي جهود وساطة من التوصل إلى تسوية مرضية. فماذا كانت خلفيات الصراع؟ وكيف تطور؟ وما تأثيره على اتفاق السلام السوداني وحرب التيجراي الإثيوبية؟ وما هي مواقف دول الجوار منه؟ وما هي السيناريوهات المُتوقعة لمستقبله؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى هذه الورقة للإجابة عليها خلال السطور القليلة القادمة..   خلفيات الصراع وتطوره: شهدت العلاقات السودانية- الإثيوبية تصعيدًا لافتًا منذ نوفمبر 2020؛ بعد اجتياح الجيش السوداني لمنطقة سودانية متاخمة للحدود مع إثيوبيا كانت تحتلها ميليشيات إثيوبية لأكثر من ربع قرن. وقد جاء التصعيد؛ بعد هجوم لهذه الميليشيات المعروفة محليًا باسم “الشفتة” من قومية الأمهرا في نوفمبر 2020 على موقع للجيش السوداني أسفر عن مقتل ضابط برتبة رائد وأسر ضابط صف، الأمر الذي خلق حالة من الغضب وسط السودانيين، بعد أن تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صورة العسكري السوداني الأسير محمولًا في سيارة ومحاطًا بأفراد من الميليشيا الإثيوبية سيئة السمعة وسط المزارعين السودانيين وسكان المنطقة الحدودية مع إثيوبيا. الغريب في التصعيد هو حدوثه بعد عقدين من التفاهم والانسجام بين الخرطوم وأديس أبابا، فبالرغم من اجتياح عصابات الشفتة لمنطقة الفشقة السودانية منذ منتصف التسعينيات استغلالًا لضعف موقف الخرطوم بعد محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في أديس أبابا، إلا أن العلاقات السياسية بين البلدين لم تتعرض لتصعيد بسبب احتلال منطقة الفشقة، حيث كان الإثيوبيون يقولون إنه ليس نزاعًا بين دولتين، ويعترفون بتبعية المنطقة للسودان، ربما بسبب التوازنات السياسية حينها التي جعلت السودان في مواجهة عسكرية مباشرة مع إريتريا والمعارضة السودانية التي انطلقت من أسمرا. كما أن العلاقات بين الخرطوم وجيرانها المصريين والأوغنديين، إضافةً إلى حرب الجنوب داخليًا، كانت في أسوأ حالاتها. الأمر الذي جعل نظام البشير يتغاضى عن الانتهاكات الإثيوبية في الفشقة، وطرد سكانها ودخول الجيش الإثيوبي إليها بدباباته ومدرعاته. هذا الانسجام في العلاقات السودانية- الإثيوبية استمر حتى بعد الإطاحة بالبشير ونظامه، حيث جاءت الثورة برئيس وزراء يرتبط بصلات ممتازة مع القادة الإثيوبيين بحكم عمله في المنظمات الدولية والإقليمية وإقامته في إثيوبيا لفترة طويلة. بالإضافة إلى دخول إثيوبيا مُمثلة في رئيس وزرائها آبي أحمد كوسيط رئيسي بجانب الاتحاد الإفريقي بين المدنيين والعسكريين، بعد مجزرة فض الاعتصام والأزمة السياسية الداخلية في السودان عام 2019. وقد جعل الاتفاق السياسي بين المكونين المدني والعسكري في السودان من آبي أحمد شخصية لامعة ومحبوبة وسط المدنيين السودانيين، لكن التطورات اللاحقة قلبت هذه الشعبية إلى النقيض تمامًا. والجديد في الموقف الرسمي الإثيوبي؛ حديثه هذه الأيام عن دخول السودان لأراضٍ إثيوبية، وحديثه أيضًا عن اتفاق 1972 الذي يلزم الجانبين بالوصول لاتفاق ودي حول منطقة الفشقة. وهو موقف مختلف من اللهجة المهادنة التي تميز بها القادة الإثيوبيون في السابق عند الحديث عن منطقة الفشقة، التي لم يكن هناك خلاف حول تبعيتها للسودان. وربما كان سبب هذا التصعيد في اللهجة الرسمية الإثيوبية؛ الرد القوي وغير المتوقع من الجيش السوداني باستعادته المنطقة في فترة قصيرة، وطرد المستوطنين والميليشيات منها بعد مناوشات ومعارك قصيرة. وهذا الموقف يمكن تفسيره أيضًا في سياق السيطرة المتنامية لقيادات من قومية أمهرا – المعروف أطماعها التاريخية في شرق السودان- في الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا، بعد الإطاحة بكثير من قيادات الحكومة من قومية تيجراي.[1]   الأزمة الحدودية واتفاق جوبا: رغم التأييد الشعبي والدعم السياسي الذي يحظى به الجيش السوداني لخوض هذه العمليات العسكرية، بيد أن المخاوف تزداد من تأثير ذلك على الوضع الأمني الداخلي الهش في ظل معارضة وتحفظ بعض القوى السياسية المدنية من التورط في حرب كبيرة لا يحتملها الوضع الانتقالي السياسي، واستنزاف الموارد الاقتصادية الشحيحة التي تحتاجها البلاد لترميم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها. وبعد توقيع اتفاق سلام بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية التي تضم حركات تحمل السلاح وتجمعات جهوية في عاصمة دولة جنوب السودان جوبا مطلع أكتوبر 2020، حققت عملية السلام التي هدفت إلى إنهاء الحروب في مناطق النزاعات؛ بعض النجاحات لكنها غير كافية لتحقيق الاستقرار السياسي خلال الفترة الانتقالية، حيث ما تزال فرص انضمام أطراف مسلحة إلى العملية السلمية بعيدة المنال، مثل حركة تحرير السودان في ولاية جنوب كردفان جنوبي البلاد بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور في دارفور. وموقف تلك الأطراف من الأزمة على الحدود؛ يثير المخاوف في دارفور وجبال النوبة، حيث أن تحفز الأوضاع في البلاد تلك الحركات المسلحة من أجل الانقضاض على السلطة، أو السيطرة على تلك المناطق، فضلاً عن احتمالية إعلان دول أو كيانات مستقلة عن دولة السودان، وتحقيق أهدافها بقوة السلاح في ظل انشغال القوات المسلحة بترتيبات المرحلة الانتقالية. كما أن هناك خطر آخر، يتمثَّل في غموض موقف حكومة جنوب السودان من الوضع في منطقة أبيي المتنازع عليها بين دولتي السودان وجنوب السودان. ويُخشى من أن تؤدي معارضة الحركات المسلحة لعرقلة الاتفاق، في حال لم تستطع الحكومة الانتقالية المرتقبة استيعاب هذه الحركات، ما يزيد من احتمالية أن تواجه الحكومة الانتقالية باستمرار حركات التمرد المسلح وتعقيد المشهد السياسي. وفي هذا الإطار فإن الحركات المسلحة تسعى للحصول على ضمانات تؤكد جدية اتفاقات السلام، وما يترتب عليه من سلام شامل يُعالج بشكل جذري مسببات الحرب، فالحركات تخشى من تكرار تجارب سابقة. وهكذا فإن موقف الحركات المسلحة وبشكلٍ خاص حركة الحلو في جبال النوبة ونور في دارفور يتوقف على جدية الحكومة، وكيفية إدارتها لملف الحرب والسلام. أما حركة تحرير السودان بقيادة مالك عقار، وبقية الحركات المسلحة لا تبدو بعيدة عن توجهات ورؤى تنظيمات قوى الحرية والتغيير، بيد أن الحركة التي يقودها عبد العزيز الحلو بمقدورها أن تمثل خطرًا حقيقيًا على تنفيذ الاتفاق واستقرار البلاد خلال المرحلة الانتقالية في حال لم تشعر بجدية كافية في التعامل مع مطالبها خلال الفترة الانتقالية. وتطالب حركة الحلو التي تنشط في منطقة جبال النوبة بجنوب كردفان المحاذية لدولة جنوب السودان بحكم ذاتي، وترفض أي تفاوض لا يشمل هذه النقطة…

تابع القراءة

حل الكنيست الإسرائيلى والدعوة إلى إنتخابات رابعة…الأسباب والتداعيات

    حل الكنيست الإسرائيلي نفسه رسميا، فى 23 ديسمبر 2020، وأعلن التوجه إلى انتخابات مبكرة في 23 من مارس 2021، وذلك على خلفية الفشل فى تقديم ميزانية الدولة عقب انتهاء المهلة المحددة بموجب القانون لتقديم ميزانية إسرائيل. وستكون هذه هي الانتخابات الرابعة التي تجرى بإسرائيل في غضون عامين، وكان أحدثها في مارس 2020، والتى تشكلت على إثرها الحكومة الحالية في مايو 2020 استنادا إلى اتفاق شراكة بين “الليكود” برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو و”أزرق أبيض” برئاسة وزير الدفاع بيني جانتس[1].   أولًا: أسباب حل الكنيست والتوجه نحو إنتخابات رابعة: يمكن الإشارة إلى مجموعة من الأسباب التى تقف خلف قرار الكنيست بحل نفسه والتوجه نحو إنتخابات رابعة، منها: 1- الخلاف على ميزانية الدولة: فقد كان هناك خلاف بين الحزبين الحاكمين، الليكود وأزرق أبيض، في مسألة إقرار الميزانية العامة للدولة، فقد طالب الليكود بإقرار ميزانية لعام واحد، بينما طالب حزب أزرق أبيض بإقرار ميزانية لمدة عامين. وكان هذا الخلاف نابعاً من عدم ثقة أزرق أبيض ببنيامين نتنياهو حيث اعتبر أن الهدف من اقرار ميزانية لعام واحد هو نية نتنياهو التنصل من اتفاقه مع بيني غانتس على التناوب على منصب رئيس الحكومة، المقررة فى 17 نوفمبر 2021[2]. 2- الخلاف حول المناصب: فحسب تقارير صحافية، فإن الخلاف المركزي بين حزبى الليكود وأزرق أبيض دار حول صلاحيات وزير العدل، آفي نيسانكورن (من حزب أزرق أبيض)، بشأن موقف الحكومة من مشاريع القوانين، كونه يترأس اللجنة الوزارية لشؤون التشريع. ويدعي الليكود أن نيسانكورن يعرقل سلسلة من مشاريع قوانين نواب اليمين والائتلاف الحاكم. ويريد الليكود تقليص هذه الصلاحيات، أو حتى نقل نيسانكورن إلى حقيبة أخرى ذات شأن. كذلك فإن الخلاف دار حول التعيينات الكبرى في سلك الدولة، مثل المدعي العام للدولة، والقائد العام للشرطة، ومحاسب الدولة، ومديرين عامين لعدد من الوزارات، إذ أن نتنياهو يسعى للتأثير مباشرة على التعيينات، التي لها علاقة بسير محاكمته المقررة بعد الأسبوع الأول من فبراير القادم[3]. 3- رغبة حزب الليكود فى حل الحكومة: فهناك العديد من التحليلات الإسرائيلية التى تشير إلى أن الليكود هو من افتعل أزمة الميزانية من أجل تفكيك الحكومة الحالية والذهاب إلى انتخابات، وذلك من أجل تحقيق هدفين مركزيين: التأثير على محاكمة نتنياهو وطلب تأجيل المحاكمة بسبب الإنتخابات، ومنع اتفاق التناوب على منصب رئيس الحكومة مع غانتس. أضف إلى ذلك، أن استطلاعات الرأي الإسرائيلية تشير إلى أن نتائج الانتخابات القادمة سوف تضمن أغلبية (65-67) لكتلة اليمين، وهذا الأمر يمكن نتنياهو من تشكيل حكومة يمينية مستقرة حتى لو حصل حزبه “الليكود” على مقاعد قليلة؛ حيث أن الأحزاب اليمينية ستجد نفسها مضطرة للتحالف مع نتنياهو على اعتبار أن إسرائيل تحتاج إلى حكومة يمينية مستقرة وقوية للوقوف أمام إدارة بايدن الجديدة، والضغوط التي قد تمارسها على إسرائيل في ملفات عديدة، وأهمها الملف الفلسطيني[4].   ثانياً: التداعيات على المستوى الإسرائيلى والفلسطينى: التداعيات على المستوى الإسرائيلى: يمكن الإشارة إلى مجموعة من التداعيات على المستوى الإسرائيلى، منها: 1- إضعاف نتنياهو: فنتنياهو سيواجه مجموعة من التحديات فى الانتخابات القادمة منها: أ- تراجع حزب الليكود، ففي استطلاعات الرأي العام التي أجريت مؤخرا، فإن الحزب سيحصل على ما بين 27-29 مقعدا، وهو تراجع كبير للحزب الذى حصل فى أخر إنتخابات فى مارس الماضى على 36 مقعدا. ويمكن تفسير هذا التراجع عبر الرجوع إلى الأحاديث المتصاعدة بالداخل الإسرائيلى بأن الليكود يفضل الذهاب إلى انتخابات وصرف مليارات الدولارات عليها، وتعريض حياة الناس للخطر بسبب عدوى كورونا على أن يذهب لتسوية لإقرار الميزانية وهي أصلا تصب في صالح تحسين الوضع الاقتصادي، حيث أن الانتخابات سوف تطيل مدة غياب ميزانية في إسرائيل[5]. ب- انشقاق القيادي في الليكود جدعون ساعر، فقد انشق ساعر “الرجل الرابع في حزب الليكود”، وشكل حزباً جديداً أطلق عليه اسم (أمل جديد)، واستقطب ساعر عدداً مهماً من الوزراء وأعضاء الكنيست، أبرزهم وزير المياه والتعليم العالي زئيف إلكين الذي يُعد كاتم أسرار نتنياهو وأحد اثنين مقربين جداً منه[6]. وقد قلب انشقاق ساعر الخارطة السياسية  الإسرائيلية كلها، فبعد أن كانت الخارطة السياسية في “إسرائيل” تتكون من كتلتين، هما كتلة اليمين بقيادة نتنياهو، وكتلة اليسار وسط بقيادة غانتس، تحولت إلى خارطة بأربعة رؤوس على الأقل، منها رأسان أو ثلاثة في معسكر اليمين، يشكلون أغلبية يمينية إذا نسقوا بينهم تحت قيادة نتنياهو، لكنهم قد يتحالفون مع غيره. فخلافا للمرات السابقة، ليس ليبرمان وحده الذي يتحدى نتنياهو من داخل معسكر اليمين، فهناك اليوم جدعون ساعر أيضاً، ثم نفتالي بينت، الذي أعلن أنه سيرشح نفسه لرئاسة الحكومة، علما أنه كان في الانتخابات السابقة يرشح نتنياهو[7]. وسيزداد الأمر خطورة بالنسبة لنتنياهو، إذا ما توجه هؤلاء للتحالف بعيداً عنه، وقد ظهرت أولى مؤشرات تحقيق ذلك مع إعلان حزب “يمينا” برئاسة نفتالي بنيت، عن توقيع اتفاقية “فائض الأصوات” مع حزب “أمل جديد” برئاسة جدعون ساعر، استعدادا لانتخابات الكنيست الإسرائيلي القادمة، وهو ما اعتبر أول ضربة لحزب “الليكود”[8]. ت- تُظهِر استطلاعات الرأي أن كتلة نتنياهو المضمونة (الليكود والأحزاب الدينية “الحريديم”) أقل بكثير من الأغلبية المطلوبة، وأنه إذا ما أراد التحالف مع شخصيات يمينية أو غيرها فسيجد أمامه سمعة سياسية تتمثل في عدم النزاهة وتخليه عن التزاماته تجاه غانتس، وكما يذكر تقرير صحيفة تايمز أوف إسرائيل فإن سمعة نتنياهو بعدم الأمانة “حدت بشدة من قدرته على إبرام الصفقات التي قد تُنقذه للبقاء في السلطة بعد مارس”، حد تعبير التقرير[9]. ج- خسارة دونالد ترامب وفوز جو بايدن سوف يسحبان الكثير من نقاط القوة في خطاب نتنياهو والليكود السياسي والأيديولوجي، فبعد وعوده بالضم، وإنجازاته على الساحتين الإقليمية والفلسطينية والتي تمت بمساعدة لا بل بريادة أميركية، سوف تصبح غير ذات معنى في الفترة القادمة، فكيف يمكن له، أي نتنياهو، الحديث عن الضم وهو من لم ينفذه في فترة ترامب، وهذا الأمر سيقلل من قدرته على المناورة في صفوف اليمين، الذي كان يرى في ولاية ترامب فرصة تاريخية غير مسبوقة لتحقيق تطلعاته السياسية والأيديولوجية في فلسطين. لذلك فإن وعود نتنياهو السياسية والأيديولوجية، حول الضم تحديدا، والتي كان لها معنى في فترة ترامب، لن تكون ذات جاذبية في المرحلة القادمة، خاصة وأن الانتخابات الإسرائيلية ستكون بعد تولي بايدن منصبه بشكل رسمي كرئيس للولايات المتحدة في 20 يناير 2021، أي قبل موعد انتخابات إسرائيلية قادمة[10]. 2- التوجه أكثر ناحية اليمين، فوفق استطلاعات الرأي، نجد أن أحزاب اليمين المُختلفة، تحصل على ما يزيد على 80 مقعدًا، في أي انتخابات قادمة،  وذلك على النحو التالي: الليكود 30 مقعدًا، و”أمل جديد” بزعامة ساعر 18 مقعدًا، والحريديم بحزبيهم شاس ويهدوت هتورا 16 مقعدًا، وحزب يمينا بزعامة نفتالي بنت 12 مقعدًا، وحزب ليبرمان “إسرائيل بيتنا” 6 مقاعد. وهذا يعني أنه وللمرة الأولى في التاريخ، سيُسيطر اليمين على ما يزيد على…

تابع القراءة

المصالحة الخليجية وتأثيرها على القرن الإفريقي

  ألقت مقاطعة ثلاثة من دول مجلس التعاون الخليجي هي؛ السعودية، الإمارات، البحرين، بالإضافة إلى مصر، لإحدى دول المجلس هي قطر، بظلال قاتمة على المشهد السياسي العربي والإفريقي، لاسيما في منطقة القرن الإفريقي ذات التماس الجيوستراتيجي مع دول مجلس التعاون الخليجي. وفي محاولة لحل تلك الأزمة وإنهاء القطيعة جاءت قمة العلا الخليجية، بمحاولة استئناف الحوار بين أطراف الأزمة، والسعي لبناء علاقة مبنية على الاحترام المتبادل. وبالرغم من المخاوف من عدم استمرار المصالحة لما لقطر من صلات مميزة بتركيا وايران، بالإضافة إلى الجفوة بين دول المقاطعة وتلك الدول، وكذلك اختفاء السيسي عن القمة وابتعاث وزير خارجيته؛ إلا أن عبور المسافرين بين قطر والسعودية، وفتح المجال الجوي الإماراتي للطائرات القطرية، بثَّ بعض التطمينات بإمكانية توصل دول الخليج إلى صيغة لإدارة تبايناتها الأيدولوجية. وتبقى إمكانية إدارة حوارات ثنائية بين الأطراف، لمعالجة كافة المشاكل العالقة، خيارًا مطروحًا الآن. ولكن المُتابع للشأن الإفريقي؛ يبرز أمامه تساؤل؛ حول مدى تأثُّر إفريقيا وبالتحديد منطقة القرن الإفريقي بتلك المُصالحة. وفي إطار الإجابة على هذا التساؤل تبرز عدة تساؤلات أخرى، هي: لماذا القرن الإفريقي بالتحديد؟ وماذا كان ردود فعل دوله من الأزمة بالأساس؟ وكيف ستؤثر المصالحة على مستقبل القرن الإفريقي؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها خلال السطور القليلة القادمة..   لماذا القرن الإفريقي بالتحديد؟ يعود اهتمام الدول الخليجية بالمنطقة إلى أسباب جيوستراتيجية خاصةً بعد اشتعال حرب اليمن عام 2015 واستيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء، إضافةً إلى تأمين مسار التجارة الإقليمية الدولية في خليج عدن والبحر الأحمر، ولاسيما بعد ازدياد التنافس الدولي من دول كبيرة مثل الولايات المتحدة والصين وفرنسا وغيرها من الدول في تلك المنطقة. لكن الهدف الأهم هو احتواء تمدد ظاهرة الإسلام السياسي، ومحاربة الإرهاب، التي تعتبرها الإمارات مُهددًا وجوديًا للأنظمة التقليدية في منطقة الخليج. وتوسعت الاستثمارات الخليجية خاصةً في إدارة الموانئ عن طريق شركات موانئ دبي في جيبوتي، قبل إنهاء التعاقد من طرف واحد، إضافةً إلى تقديم مساعدات مالية وتنموية وإنسانية واستثمارات كبيرة في السلع والخدمات والإنشاءات. كما تدخلت دول الخليج وقامت بتأجير قواعد عسكرية خاصة في الجزر الإريترية والصومال، لدعم مجهودها الحربي في اليمن ومراقبة البحر الأحمر. وربما يكون الصومال أبرز الأمثلة على التنافس الجيوستراتيجي بين دولتي السعودية والإمارات من جانب وتركيا وقطر من جانب آخر. إذ حاولت دول الخليج ربط مصالحها مع الحكومة الصومالية ومعاداة الأقاليم الأخرى ومحاولة كسر شوكة حركة الشباب، وهي صيغة لم تنجح كثيرًا إذ أن تحولات القوة الداخلية في الصومال عزَّزت من نفوذ تركيا وقطر رغم المقاومة وحدة الاستقطاب ومهاجمة المصالح التركية في المنطقة.[1]   الموقف الإفريقي من الأزمة الخليجية: لم تنجح جهود السعودية بشكلٍ كبير في إفريقيا جنوب الصحراء بعد قطع موريشيوس فقط علاقتها الدبلوماسية مع قطر؛ بينما استدعت النيجر والسنغال وتشاد وجزر القمر سفراءها من الدوحة، وتعاملت جيبوتي مثل الأردن بتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية فقط. وقد خفضت تلك الدول التمثيل الدبلوماسي لقطر حتى توقف الضغوط السعودية، أو لكي لا تتعرض لمزيد من الضغوط والتهديدات التي لجأت إليها السعودية، سواء بالإغراءات المالية، أو التهديد بقطع المساعدات. وكانت هناك بعض الدول الإفريقية في منطقة القرن الإفريقي، والتي كانت على علاقات مباشرة مع دول الخليج؛ لموقعها الاستراتيجي منها؛ التي أعلنت عن مواقف واضحة من الحصار على قطر، ومنها: الصومال؛ فبعد أسبوع من الأزمة المفاجئة بشأن حصار قطر، أصدرت الصومال عبر وزارة الخارجية بيانًا تدعو فيه الأطراف إلى الحوار واحتواء الأزمة بشكل دبلوماسي، وكان هذا الموقف هو نفس الموقف الذي اتخذته دول إفريقية أخرى مثل تونس والجزائر والسودان. غير أن السعودية ما أن استمعت إلى البيان الصومالي الرافض لحصار قطر حتي أرسلت وفد سعودي إلى العاصمة الصومالية، مقديشيو، لتبدأ من هناك ضغوط ومغريات لإقناع الصومال، وكانت الضغوط التي تعرض لها الصومال ومعظم الدول الإفريقية هي: إغراءات بتقديم 80 مليون دولار مقابل قطع العلاقات مع قطر، وتهديدات بخفض المساعدات المالية، وخفض التعاون الدبلوماسي، وإلغاء المنح الدراسية التي كانت السعودية تقدمها للطلاب الصوماليين، وخفض تأشيرات الحج. وبعد لقاءات استمرت ساعات بين الوفد السعودي والرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، رفض الأخير الضغوط السعودية، ولاقى موقفه دعمًا شعبيًا كبيرًا في الداخل الصومالي. إثيوبيا: رأت الدبلوماسية الإثيوبية ضرورة التحلي بمبادئ حُسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام السيادة الوطنية للدول، ومن هذا المنطلق رفضت إثيوبيا الطلب السعودي الموجَّه لها بعد زيارة مسؤول سعودي إليها للضغط على رئيس الوزراء، هيلا مريام ديسالين، والذي أشار إلى أن إثيوبيا تؤيد المساعي الكويتية الساعية لاحتواء الأزمة. إريتريا: كان لإريتريا دورًا هامًا في دعم الجهود العسكرية الخليجية في اليمن، فبالإضافة إلى ما لديها من إمكانيات لوجستية مهمة يمكن توظيفها في استمرار تلك الجهود، فهي تتمتع بموقع محوري في تحقيق الأمن القومي الخليجي من ناحية الخليج العربي والبحر الأحمر. ولذا؛ كان الموقف الإريتري الرافض لمقاطعة قطر وحصارها صدمة للجانب السعودي. السودان: شمل الطلب السعودي بشأن حصار قطر السودان أيضًا، ولكنه أبدى تحفظه حيال المقترح السعودي. كان السودان من الدول المشاركة في عاصفة الحزم، لذا فعدم مشاركته في مقاطعة قطر مع السعودية هو بمثابة قاصمة الظهر للسعودية وحلفائها قبل أن يكون من أمارات فشل الحصار.[2]   موقف دول القرن الإفريقي من اتفاق المصالحة: احتفت دول القرن الإفريقي بالاتفاق، وبصورة خاصة السودان، بعدما تضمنه بيان قمة العلا الختامي من تأكيد تواصل دعم المجلس للسودان لتعزيز أمنه واستقراره، وإشادة القمة بما تحقق من إنجازات في هذا الشأن بتوقيع اتفاق سلام جوبا، ورفع اسم السودان من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب. وترى تلك الدول أن قمة العلا قد وضعت نهاية لعبارة “المحاور” بعد عودة قطر إلى مجلس التعاون الخليجي.[3]   تأثير المصالحة على منطقة القرن الإفريقي: رغم أن التطبيع الخليجي مع قطر تقوم دوافعه السياسية على احتواء إيران وتخفيف الضغوط المتوقعة من وصول بايدن إلى سدة البيت الأبيض، فإن آثار هذه الخطوة تمتد إلى منطقة القرن الإفريقي نسبةً إلى المنافسة على النفوذ الاستراتيجي في المنطقة بين دول الخليج، خاصةً بين السعودية والإمارات من جانب وقطر وتركيا من جانب آخر. لم يعد سرًا أن الحلف الاستراتيجي التركي والقطري في المنطقة، مقابل تحالف دول الحصار الذي يضم السعودية والإمارات والبحرين ومصر، قد دخل في منافسة لكسب مزيد من النفوذ الجيوستراتيجي في منطقة القرن الإفريقي. لعل أبرز الشواهد على الاستثمار السياسي الخليجي في المنطقة هو الوساطة الناجحة التي قادتها الإمارات والسعودية لتطبيع العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا، حيث شهدت مدينة جدة الساحلية في المملكة العربية السعودية توقيع اتفاق السلام في سبتمبر 2018. وبالرغم من كون خطط الاستثمارات الخليجية وتقوية اقتصاديات المنطقة تُعد عامل استقرار لها، لكن في المقابل استخدام دول المنطقة كحديقة خلفية وقاعدة تدريب عسكري وقواعد عسكرية للحرب في اليمن وفرض النفوذ السياسي…

تابع القراءة

العراق وجدل الانتخابات المتكرر

    لاتزال الأوضاع في العراق متغيرة متبدلة غير واضحة المعالم بعد مرور شهور على الاحتجاجات الشعبية، خاصة بعدما تزايدت الأنباء حول امكانية تأجيل الانتخابات، نتيجة عدم توفير البيئة المناسبة لضمان نزاهتها، ونجاح تنظيمها، فقد شهدت العاصمة بغداد اجتماعات ولقاءات مكثفة بين القوى السياسية، فضلا عن رؤساء الحكومة والجمهورية والبرلمان، والقضاء، وبرعاية بعثة الأمم المتحدة، إلى جانب مفوضية الانتخابات، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي حيال موعد الانتخابات المبكرة العامة، وتشير آخر التسريبات من اجتماع لبحث الاستعدادات لإجراء الانتخابات، جرى  بين رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس مجلس القضاء فائق زيدان، إلى جانب مبعوثة الأمم المتحدة، إلى إمكانية الإعلان رسميا خلال الساعات القادمة عن تأجيل موعد الانتخابات المبكرة لغاية سبتمبر أو أكتوبر من العام الحالي. يبحث هذا التقرير أبعاد قضية الانتخابات العراقية، وابرز التحديات التي تواجهها، وهل يمكن للانتخابات أن تمثل إرادة الشعب بصورة نزيهة بالفعل.   معوقات تواجه الانتخابات: يظل السؤال الرئيسي في أزمة الانتخابات هو السطوة الواسعة التي يتمتع بها المليشيات غير النظامية التابعة لإيران في السيطرة على الشارع، حيث يخشى الجميع من كيفية تأمين المشاركة الواسعة في العملية الانتخابية، وكيفية حماية القرار الفردي للمجتمعات التابعة لتلك المليشيات، مرورًا بالفرز واعلان نتائج الانتخابات، بدون تهديدات من المليشيات، وكيفية تأمين المراقبة الدولية على الانتخابات من مصير تعرضها لمضايقات عنيفة. تسعى حكومة الكاظمي نحو اتمام الانتخابات، إلا أنها تخشى أن تعجز مفوضية الانتخابات عن حسن إدارة العملية، وذلك في الوقت الذي ترغب القوى السياسية الداعمة لطهران مثل قوى الفتح ودولة القانون نحو تأجيل الانتخابات للعام القادم، ونظرًا لحالة الاستقطاب المتزايد، خاصة بعد تزايد الصراع بين طهران وواشنطن على أراضي العراق، وهو ما يقود لمحاولة القوى السياسية الوصول لحل وسط، ولذلك قد يكون التأجيل لشهر أكتوبر حل وسط للجميع، ومما يؤكد تلك المعلومات هو بيان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، والتي أوضحت فيه أنها مستعدة لإجراء الانتخابات في موعدها أو في موعد لا يتجاوز شهر سبتمبر المقبل، واستخدمت عبارة “موعد واقعي للانتخابات لتتمكن مفوضية الانتخابات من إجراء انتخابات حرة ونزيهة”، في بيان آخر نقلته وسائل الإعلام المحلية العراقية، ومن الجدير بالذكر، موقف زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر الذي حذر من محاولات تأجيل الانتخابات المبكرة، معبرا عن أمله في أن يتحلى الجميع بالحكمة والعمل معا على إنجاح العملية الانتخابية[1].   ما بعد الغزو الأمريكي: تجربة الانتخابات في العراق: ثمة أسباب عديدة تعوق نزاهة الانتخابات، بخلاف قضية المليشيات العسكرية التي تتعمد وسائل تشكيل الوعي المختلفة تصديرها للجمهور، ونحن هنا لسنا بصدد القول بأن الدور الذي تقوم به تلك المليشيات هامشي وثانوي، بالطبع لا، فدور المليشيات معيق بقوة، ولكنه ليس السبب الوحيد الذي لا يضمن صدق نتائج الانتخابات، حيث تخبرنا التجربة في سياق الوهم الأمريكي لدمقرطة العراق، عندما أصدر رئيس سلطة الائتلاف المؤقتة، وهي السلطة التي أقرها مجلس الأمن كسلطة احتلال، الأمر رقم 92 في مايو 2004 بتشكيل مفوضية الانتخابات العراقية المستقلة التي تحكم ذاتها، باعتبارها جهة غير حزبية، محايدة ومهنية، والأهم من ذلك، مستقلة عن سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وكأن الديمقراطية قرار يمكن أن يسقط من أعلى لاسفل بهدوء تام، ناهيك عن توافر الإرادة الصادقة في نشر الديمقراطية من عدمه[2]. إن مراجعة إدارة الاستفتاء الخاص بالدستور الذي جرى في 15 أكتوبر 2005 تحديدا، فيما يتعلق بنتيجة تصويت محافظة نينوى، كشف عن التسييس الذي حكم عمل المفوضية، فاستنادا إلى ما قرره قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، كان تصويت محافظة نينوى حاسما، بعد تصويت محافظتي الأنبار وصلاح الدين ضده بنسبة أكثر من الثلثين (التصويت بالرفض بنسبة 96.9٪ و 81.7٪ على التوالي)، لأنه كان سيعني رفض ثلثا ثلاث الناخبين في ثلاث محافظات لتمرير الدستور، لذلك تأخر إعلان نتيجة الاستفتاء بشكل غير منطقي، لتأتي النتيجة في النهاية برفض محافظة الموصل للدستور بنسبة 55.08٪ فقط، أي دون نسبة الثلثين، والمفارقة هنا أن الأمريكيين أنفسهم، وهم الذين أرادوا مفوضة مستقلة قد تدخلوا للإطاحة بهذه الاستقلالية هذه المرة، لأن النتائج لم تكن على هواهم في تلك المحافظات السنية التي كانت مؤيدة للرئيس الراحل صدام حسين. بعد شهرين من ذلك، وفي اول انتخابات برلمانية جرت في 15 ديسمبر 2005، أعلنت المفوضية أرقام المشاركة في الانتخابات، وقد جاءت هذه الأرقام بعيدة عن الواقع؛ تحديدا فيما يتعلق بمحافظتي الانبار وصلاح الدين، فالأرقام التي أعلنتها حول نسبة مشاركة الناخبين في محافظة الانبار فيها بلغت 86.4٪ (585429 مصوتا من مجموع 677821 ناخبا مسجلا) في حين بلغت نسبة المشاركة في محافظة صلاح الدين 98.4٪ (555755 مصوتا من مجموع 564607 ناخبين مسجلا)، في حين كان الجميع في العراق يعلم أن هذه الأرقام أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة، مع المقاطعة الواسعة لتلك الانتخابات في هاتين المحافظتين تحديدا، ومع سيطرة الفصائل المسلحة عليهما [3]. والمفارقة الأكبر هنا أن المفوضية نفسها، تحدث عن مشاركة سنية واسعة في انتخابات عام 2010، وقارنوها بـالمقاطعة التي جرت لانتخابات عام 2005، مع أن أرقام المفوضية تحدثت في العام 2010 عن نسبة مشاركة في محافظة الانبار بلغت 61٪ فقط، ونسبة مشاركة في محافظة صلاح الدين بلغت 73٪، يومها لم يسأل أحد عن صحة هذه الأرقام، او مدى مصداقيتها، بما فيهم المفوضية نفسها، فهذه الأرقام المعلنة لم تكن تعني سوى أمرين: أن تلاعبا رسميا بالأرقام قد حدث، أو أن تزويرا واسع النطاق قد وقع، فتسييس الانتخابات حكم الجميع، ليس محليا فقط، بل دوليا أيضا، ولم تكن الأمم المتحدة نفسها، وعبر تقاريرها، بمعزل عن هذا التسييس وهذا التواطؤ. في تجربة الانتخابات في 2005 و2010، كانت هناك رغبة دولية لتمكين المليشيات التابعة لطهران من السيطرة على المشهد السياسي، لضمان تصفية الجيوب البعثية التي تؤمن بالولاء لصدام حسين[4]. منذ اندلاع الربيع العربي، وفي اطار سياسة إدارة أوباما في عدم التدخل أو تقليله، فقد تركت عملية الانتخابات للأحزاب الشيعية بصفة خاصة، وللوجود الإيراني عامة، وقد ساهمت التطورات التي حدثت منذ 2014 بتوسع تنظيم داعش في السيطرة على محافظات عراقية مختلفة، في المزيد من التقوية للأحزاب الشيعية، بعدما تعاونت مع التحالف الدولي في مواجهة داعش، وهو ما كتب قتلًا جديدًا للقوى السياسية السنية، التي تعرضت محافظاتها للحرق والقتل والتنكيل من جانب تلك المليشيات الشيعية، التي تعاملت مع الأهالي كما لو كانوا داعمين لداعش. في ديسمبر 2019 شرع قانون جديد للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، تغير، بموجبه، مجلس أمناء المفوضية بقضاة لا يزالون في الخدمة، بل ومُنح هؤلاء القضاة حق العودة إلى الخدمة بعد انتهاء دورة المفوضية البالغة خمس سنوات مع أن تجربة القضاة المنتدبين لإدارة عملية العد والفرز اليدوي في انتخابات عام 2018 كانت تجربة فاشلة باعتراف الجميع. عندما يرتهن البلد بيد طبقة سياسية تقفز على القوانين والدستور حسب المصالح الشخصية والاتفاقات السياسية التي تحقق…

تابع القراءة

البرلمان المصري الجديد.. تعددية حزبية بنكهة أمنية وغياب تام للمعارضة

    بدأت أعمال الدورة البرلمانية الأولى لمجلس النواب الجديد في مصر، الثلاثاء 12 يناير 2021، برئاسة فريدة الشوباشي أكبر الأعضاء سناً، بدأت دورة الانعقاد بقراءة  قرار رئيس الجمهورية رقم (5) لسنة 2021 بدعوة المجلس للانعقاد لافتتاح دور الانعقاد العادي الأول للفصل التشريعي الثاني، وبعدها قراءة قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات بشأن دعوة الناخبين لانتخابات مجلس النواب ونتائج الانتخابات، ثم بدأ النواب أداء اليمين الدستورية لممارسة دورهم التشريعي كأعضاء في المجلس الجديد، الذي يتألف من 596 عضواً، بينهم 28 عينهم رئيس الجمهورية[1]. في هذه السطور نتعرف على تركيبة مجلس النواب الجديد من خلال الوقوف على القوى الحزبية والمستقلين الممثلين في البرلمان، ونتعرف على أبرز الخاسرين من نواب البرلمان المصري السابق الذين اسقطهم النظام المصري من حساباته ولم يدخلوا في تشكيلة البرلمان الجديد، وكذلك نحاول أن نقدم تفسيرات لعملية الإحلال والتجديد التي ظهرت في تركيبة البرلمان الجديد، وأخيراً نحاول التعرف على وزن القوى المعارضة في البرلمان الجديد، ونقارن موقعهم الحالي من موقعهم الذي تمتعوا به في مجلس النواب السابق.   خريطة القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب: يتألف المجلس الجديد من 14 من القوى السياسية هى 13 حزبا والمستقلين، مقابل 20 حزبا والمستقلين فى البرلمان السابق، حيث خرج من البرلمان 8 أحزاب هى المصريين الأحرار الذى انشق منذ ثلاثة أعوام بفعل تدخلات خارجية، والمحافظين، والسلام، ومصر بلدى، والناصرى، والصرح، وحراس الثورة، والحركة الوطنية[2]. وقد حصل حزب مستقبل وطن على أغلبية المقاعد بـ 316 مقعد، منها 171 بالفردى على الأقل، ونحو 145 بالقائمة، بنسبة 55,7% من جميع عدد المنتخبين، وذلك كله مقابل 53 مقعدا فى البرلمان المنقضى بنسبة 9% فقط من المنتخبين، يأتي بعده حزب الشعب الجمهوري ممثلاً بـ 50 مقعد (وكان قد حصد 13 مقعد فقط فى البرلمان المنقضى)، والوفد 26 مقعداً (وكان قد حصل على 35 مقعدا فى المجلس المنقضى)، وحماة الوطن بـ23 مقعداً، وحزب مصر الحديثة 11 مقعداً، والإصلاح والتنمية 9 مقاعد، كما حصلت أحزاب المصري الديمقراطي والنور والمؤتمر والحرية على 7 مقاعد لكل منها، والتجمع 6 مقاعد، وحصل حزب العدل على مقعدين بنظام القائمة، وحصل حزب إرادة جيل على مقعد واحد، فيما تمكن المستقلون من حصد 95 مقعداً[3]. وبذلك فإذا كان عدد المقاعد الكلية بمجلس النواب 596 مقعد، ويحوذ أغلبية المقاعد من يستحوذ على 299 مقعد (50%+1)، فإن حزب مستقبل وطن قد حقق أغلبية مريحة بحصوله على 316 مقعد، فهو ليس بحاجة لتشكيل ائتلاف برلماني على غرار «ائتلاف دعم مصر»، وهو أيضاً غير معرض لفقدان موقعه كحزب الأغلبية في البرلمان، حتى لو تحالفت كل ممثلي الأحزاب والمستقلين في البرلمان، والذين حصدوا مجتمعين 280 مقعد فقط. فيما يتعلق بتمثيل المرأة في النواب الجديد، فقد حصلت المرأة على 142 مقعدًا بنظام القائمة بنسبة 25%، و6 مقاعد فردي بنسبة 1.056% من المنتخبين، وبذلك حصلت على 148 مقعدًا من مجمل عدد مقاعد البرلمان بنسبة 26.05%[4].   قيادات البرلمان الجديد: بدأت أعمال الدورة البرلمانية الأولى لمجلس النواب الجديد بعملية انتخاب هيئة مكتب المجلس (الرئيس والوكيلين) من بين الأعضاء، والتي تمخضت عن فوز فوز رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق المستشار حنفي علي جبالي برئاسة المجلس، خلفاً لرئيس المجلس السابق علي عبدالعال، وحصل جبالي على 508 أصوات من مجموع 587 صوتاً، مقابل 57 صوتاً فقط لمنافسه اللواء محمد صلاح أبو هميلة، و9 أصوات لنائب حزب “الوفد” محمد مدينة، وصوتين فقط للنائب المستقل أحمد عبد الحميد دراج، فيما أبطلت أصوات 11 عضواً، ليصبح بذلك أول رئيس محكمة يشغل رئاسة البرلمان في تاريخ مصر. والمستشار الجبالي (البالغ من العمر 71 عام، حيث ولد في يوليو 1949)، هو الرئيس السابق للمحكمة الدستورية العليا، حيث تولى رئاستها في أغسطس 2018، خلفاً للمستشار عبد الوهاب عبد الرازق، والذي أصبح بدوره رئيس لمجلس الشيوخ (وبذلك يكون رؤساء المحكمة الدستورية السابقون قد استكملوا السيطرة على غرفتي البرلمان (النواب والشيوخ)، والجبالي بدأ حياته العملية وكيلاً للنائب العام، ثم عُين بمجلس الدولة، المكان الذي تدرج فيه حتى وصل إلى درجة مستشار مساعد، ليُعين بعدها في المحكمة الدستورية العليا كمستشار بهيئة المفوضين، ثم عضواً بهيئة المحكمة ابتداءً من عام 2001. وشغل منصب النائب الأول لرئيس المحكمة، قبل اختياره رئيساً للمحكمة، إلى جانب انتخابه أميناً عاماً لاتحاد المحاكم والمجالس الدستورية العربية في عام 2013[5]. ويرى كثير من المراقبين أن اختيار المستشار الجبالي لهذا المنصب –رئاسة البرلمان- جاء مكافأة للأحكام التي أصدرتها المحكمة الدستورية لصالح النظام أبان رئاسته لها، وأهمها الحكم الذي أصدره شأن عدم الاعتداد بجميع الأحكام الصادرة عن مجلس الدولة ومحكمة الأمور المستعجلة، ببطلان اتفاقية تنازل مصر عن جزيرتي “تيران وصنافير” لصالح المملكة العربية السعودية، وبموجب هذه الأحكام استمر تطبيق اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، ولم يتغير الموقف القانوني للقضية. ورئاسة الجبالي للبرلمان ليست المكافأة الأولى له على خدماته للنظام، فقد منحه السيسي وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عقب تقاعده في 11 يوليو 2019، معرباً عن خالص تقديره لرئيس المحكمة الدستورية السابق إزاء “جهوده الكبيرة، وتفانيه في إنفاذ القانون، وحماية العدالة، والحفاظ على حقوق المجتمع والمواطنين”، حسب بيان صادر عن مؤسسة الرئاسة آنذاك[6]. أما وكيلي البرلمان فقد فاز بهما كلا من: الأمين العام السابق للمجلس المستشار أحمد سعد الدين، والذي حصل على 485 صوتاً، ورجل الأعمال محمد أبو العينين على 412 صوتاً، وكلاهما مرشحا حزب الأغلبية «مستقبل وطن»[7]. و المستشار أحمد سعد الدين هو الأمين العام لمجلس النواب السابق (من ديسمبر 2015 حتى أغسطس 2019)، وهو ضابط شرطة سابق بمديرية أمن القاهرة/ قسم شرطة مدينة نصر، فى الفترة من 1990/1993، ثم عين فى هيئة قضايا الدولة، وترقى بها حتى وصل إلى درجة نائب رئيس مجلس الدولة، كما عمل مستشارا بقسم التشريع بمجلس الدولة، كما عمل بإدارة الفتوى لوزارات الداخلية والخارجية والعدل[8]. أما محمد أبو العينين فهو رجل أعمال مصري، ورئيس مجلس إدارة مجموعة “سيراميكا كليوباترا”، التي أنشأت أول مصنع للسيراميك في الشرق الأوسط، وكذلك شركة “كليوباترا ميديا للقنوات الفضائية”، المالكة لقناة “صدى البلد”، وموقع “صدى البلد” الإخباري، وهو حالياً نائب رئيس حزب مستقبل، وقيادي سابق في الحزب الوطني المنحل، حيث كان يشغل عضوية لجنة السياسات، والتي كان يترأسها نجل الرئيس المخلوع جمال مبارك، وخلال تلك الفترة كان يشغل رئاسة لجنة الصناعة والطاقة في مجلس الشعب، وبحسب مراقبين فإن أبو العينين اعتمد في بناء إمبراطوريته الاقتصادية على منظومة الفساد السائدة في جميع قطاعات الدولة، لا سيما القطاع المصرفي، خلال فترة حكم حسني مبارك[9]. بحسب تقارير صحفية فإن قرار حزب مستقبل وطن ترشيح المستشار الجبالي على منصب رئيس البرلمان، جاء بعد اجتماع مطول استمر نحو 5 ساعات، بحضور كل من الأمين العام للحزب أشرف رشاد، ونواب رئيس الحزب عبد الهادي القصبي، ومحمد منظور، وعلاء عابد،…

تابع القراءة

مغزى زيارة وزير الاستخبارات الإسرائيلية للسودان.. توقيتها وتأثيراتها

    في أول زيارة رسمية معلنة لمسئول إسرائيلي إلى السودان، جاءت زيارة وزير الاستخبارات الإسرائيلي، إيلي كوهين، إلى الخرطوم، في سرية دون الافصاح من الجانب السوداني عن تفاصيلها. فبحسب صحيفة “إسرائيل هيوم”، جرت عدة تفاهمات حول قضايا أمنية بالدرجة الأولى، نحو “تبادل فتح سفارات بأقرب وقت”.. كما تخللت لقاءات الوفد الإسرائيلي مناقشة عدد من القضايا، بينها موضوع مكافحة الإرهاب، إلى جانب التعاون في مجالات عدة خصوصاً المياه والزراعة والطاقة والطيران والصحة والبنية التحتية. حيث اصطحب كوهين في زيارته طواقم من مجلس الأمن القومي ووزارة الاستخبارات ومسؤولين من وزارات إسرائيلية أخرى، تناولت الاستقرار الأمني الإقليمي الضروري، لتطوير العلاقات الاقتصادية وتعميق التعاون الاستخباراتي. كما طُرح خلال المحادثات اقتراح لضمّ إسرائيل لـ”مجلس دول البحر الأحمر”، الذي يضم في صفوفه أيضاً كلاً من السعودية ومصر. أما في المجال الاقتصادي، فقد طرح الطرف الإسرائيلي سلسلة من المشاريع الاقتصادية المشتركة المحتملة، مع التركيز على مجالات المياه والزراعة والطاقة المتجددة والصحة والطيران. وبحسب “الأناضول”، طرحت مقترحات للتعاون أيضاً في مجال مشاريع بنى تحتية ومنشآت لتحلية المياه وتبادل الوفود التجارية لشركات إسرائيلية، لتطوير بنى تحتية في القضايا المذكورة. ووفقاً للصحف الإسرائيلية، فقد استعرض الجانب السوداني التقدم في مسألة إلغاء قانون المقاطعة ضد إسرائيل، وأيضاً تعديل القانون الذي يفرض السجن على اللاجئين السودانيين، بمن فيهم الذين هاجروا إلى إسرائيل،نحو الغائه. ونقلت وكالة “رويترز” عن  هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، إن “كوهين أجرى زيارة تاريخية للسودان، مساء الإثنين، في أول زيارة رسمية علنية لوزير إسرائيلي للدولة العربية بعد التطبيع بين البلدين“، وتابعت هيئة البث أن مسؤولين إسرائيليين في هيئات مختلفة، رافقوا كوهين، في الزيارة، واجتمعوا مع نظرائهم في الخرطوم، وأن وفدا سودانيا سيزور إسرائيل “قريبا“.، وهو ما لم تعلق عليه السودان. وفيما أعلن كوهين عن اجتماعه، خلال زيارته إلى الخرطوم، بكل من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ووزير الدفاع الفريق يسن إبراهيم يسن عبد الهادي، فيما كشف مصادر حكومي لـ”العربي الجديد” إن الوفد الإسرائيلي التقى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. وهو ما نفاه مقربون من حمدوك..   أولا:  سياقات  الزيارة: وقد حملت زيارة أكبر مسئول اسرائيلي للسودان بشكل علني العديد من الأهداف والمغازي بجانب السياق الدولي والإقليمي والمحلي السوداني، من ضمنها: -الاستهداف الأمريكي الإسرائيلي : تزامنت زيارة كوهين للسودان، مع زيارة اندرويونغ، نائب قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا لشؤون الارتباط المدني العسكري، في زيارة تستغرق يومين، طبقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الحكومية. ويبحث المسؤول الأميركي خلال اجتماعاته مع كل من رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء ووزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان، بناء القدرات الأمنية والدفاعية وتعزيز الأمن والاستقرار في السودان والمنطقة، وهي نفس القضايا التي تضمنتها زيارة كوهين. وهو ما يرسم ابعادا اكثر تأثيرا على العمق الاستراتيجي السوداني. فمنذ بداية تشكيل الاستراتيجية الإسرائيلية في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ديفيد بن جوريون David Ben-Gurion، أصبح السودان محل استهداف إسرائيلي نظراً لكونه في العمق الاستراتيجي الجنوبي لمصر، وكان الاتجاه دائماً صوب تفكيك العلاقة مع مصر، ودعم الحروب الأهلية، وتمزيق السودان إلى دول وأقاليم متنازعة، وجعل السودان بؤرة توتر وقلق مصري دائم، وإضعاف السودان ومنعه من التحول إلى دولة مؤثرة أو مركزية أو محورية في محيطها الإفريقي. وبعد تطور العلاقة المصرية الإسرائيلية في عهد عبد الفتاح السيسي، تغيّرت الاستراتيجية الإسرائيلية مؤقتاً نحو جعل السودان منطقة جذب مصرية جنوبية، تتجه إليها حركة الهجرة والعمل إذا تعرضت مصر لأي انهيار سياسي أو كارثة عامة لمنع الاتجاه صوب الشرق، كما هو حاصل في أكثر التجارب التاريخية السابقة، كما يتاح للسودان أيضاً أن يكون قادراً على امتصاص حركة النزوح والهجرة في حال انهيار الدولة الإثيوبية ذات الكثافة السكانية العالية؛ حيث استسهل الإثيوبيون الهجرة إلى “إسرائيل” الأقرب إليهم من أوروبا والأقل كلفة في الهجرة غير الشرعية، ويمكنهم الادعاء أنهم يهود فلاشا Falash Mura. وهناك سبب ثالث يفترض أن السودان قادر على استيعاب الحركات الإفريقية، الموصوفة بالتطرف القادمة من وسط إفريقيا وغربها، والتي تمتاز بمرونة الحركة، وسرعة الانتقال، وسهولة الاختراق من جهات معادية لـ”إسرائيل” ومصر الحليفة لها، لا سيّما أن هذه الحركات تتحرك في الصحراء، والخلاء الفسيح، وفق منظومة حماية قَبَلية قوية بعيداً عن نفوذ الدول الإفريقية فيها. وهذه الاستراتيجية الجديدة ما تزال محل نقاش متقدم، وهناك ربط لهذه الاستراتيجية يشترط بأن يتحول السودان إلى مركز ثقل استراتيجي أمريكي؛ من خلال إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية استراتيجية في شرق السودان على البحر الأحمر، تهدف للتدخل السريع في إفريقيا والشرق الأوسط.   -السرية والالهاء استراتيجية العسكر الخطيرة: وأمام سياقات السرية والنفي والاتهامات المتبادلة، بات يُنظر إلى النفي المتكرر من الحكومة المدنية لحدود التطبيع مع إسرائيل بكثير من التشكيك في السودان، إذ إنه في كل مرة يتم فيها نفي أي حدث ويتبين عكس ذلك، يشار إلى أن تفعيل مسارات التطبيع من قبل النظام السوداني، حوى الكثير من السياسات الملتوية لتجاوز الغضب الشعبي، من التقارب السوداني الاسرائيلي. وحرص النظام العسكري في السودان على تمرير اتفاقات التطبيع، في اطار الترحيب الشعبي بالعرض الامريكي بحذف اسم السودان من قوائم الارهاب الدولي، وتيسير قروض امريكية لسداد ديون سودانية للمؤسسات الدولية بنحو مليار دولار، ووسط تلك الأجواء، جاء توقيع السودان على “اتفاق ابراهام”  الذي وقع بين النظام السوداني ووزير الخارجية الامريكي، وبمقتضاه يفتح باب التطبيع مع إسرائيل واسعا. كما عمدت الحكومة الانتقالية أيضا إلى افتعال أزمة المناهج الدراسية بإصدار رئيس الوزراء عبدالله حمدوك قرارا بتجميد المناهج ومن ثم استقالة مدير مركز المناهج عمر القراي، لشغل  الرأي العام بقضايا، وحتى الخلافات في السطح بين قوى الحرية والتغيير حول التطبيع غير حقيقية، لأن رافضي التطبيع لم يستقيلوا من الحكومة.. ومن وجهة نظر الخبير القانوني ووزير الخارجية السوداني السابق الدرديري محمد أحمد، لـ”الجزيرة نت”،  فإن إسقاط اسم السودان من قائمة الإرهاب كان مجرد مناورة استبدلت فيها الولايات المتحدة وسائل ضغط قديمة بأخرى جديدة أكثر مواكبة وأشد فتكا، فالاحتفاظ باسم السودان في قائمة الدول راعية الإرهاب -حسب الخبير القانوني- “من دون مبررات وجيهة، ومن دون نجاح في ربط السودان بعملية إرهابية واحدة؛ ظل محرجا لأميركا طوال العقدين الماضيين، فكيف به بعد التغيير الذي حدث في الطبقة الحاكمة، وهكذا ضمنت أميركا أنه رغم خروج السودان من قائمة الإرهاب فإنه يظل خاضعا لإجراءاتها ويقاضى بموجب تلك الإجراءات، وربما لعقود قادمة. كما من المتوقع في حال تعثر مسار التطبيع أو الخضوع السوداني للاملائءات الاسرائيلية أو الغربية أو الامريكية، أن يقع السودان بعد خروجه من القائمة السوداء في بعض المشكلات، ربما كانت أولاها الحصانة القانونية التي لم تشمل هجمات 11 سبتمبر 2001،  إذ أن أميركا ستحدد وسائل أخرى للضغط غير قائمة الإرهاب،كالديمقراطية وتأخير المؤسسة العسكرية السودانية اجراء الانتخابات البرلمانية، حيث غضت واشنطن الطرف عن تمديد الفترة الانتقالية في السودان؛ مما يعني عدم…

تابع القراءة

اتفاق “بوزنيقة” حول توزيع المناصب السيادية الليبية…الفرص والتحديات

    توصل، الجمعة 21 يناير، الفرقاء الليبيون المشاركون في محادثات بوزنيقة جنوبي العاصمة المغربية الرباط، إلى توافق حول توزيع المناصب السيادية في ليبيا، والتي تشمل رئاسة مصرف ليبيا المركزي والنائب العام ورئيس المحكمة العليا وديوان المحاسبة وجهاز مكافحة الفساد وجهاز الرقابة الإدارية ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات. وقال البيان الختامي للحوار الليبي في المغرب، الذي نقلته “وكالة سبوتنيك”، إنه تقرر تلقي الترشيحات رسمياً لشغل المناصب السيادية في ليبيا، بين 26 يناير و2 فبراير، مع مراعاة التوازن الجغرافي العادل إلى جانب الكفاءة في تعيينات المناصب السيادية، كما اتفقوا على تشكيل وتسمية فرق عمل مصغرة تختص بإجراءات شغل المناصب السيادية.   مسار بوزنيقة المغربية والجمعة الماضية ، انطلقت جلسات الجولة الخامسة للحوار الليبي بين مجلسي النواب والأعلى للدولة (لجنة 13+13)، في مدينة بوزنيقة، شمالي المغرب، لبحث اختيار المناصب السيادية. ولجنة (13+13) تضم 13 عضوا من مجلس النواب، ومثلهم من “الأعلى للدولة”، ومهمتها العمل على المسارات المكلف بها المجلسان، والتي تتضمن مخرجات الحوار السياسي الليبي، والمناصب السيادية، والمسار الدستوري.‎ ويعد اجتماع بوزنيقة، جولة جديدة من الحوار الليبي – الليبي، وهي واحدة من أهم التحديات التي تواجه عملية التسوية الشاملة في ليبيا التي تقودها الأمم المتحدة. وجاء اجتماع بوزنيقة، الذي نتجت عنه هذه التفاهمات، بعد نحو شهر على اجتماع مثيل له في مدينة طنجة شمالي المغرب، شارك فيه وفدان يمثلان المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، ومرت فصوله وسط ترحيب دولي لافت.   اجتماع الغردقة وسبق ذلك، اجتماع اللجنة الدستورية  بمدينة الغردقة المصرية، حيث توصل أعضاء اللجنة المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الوطني إلى اتفاق بشأن الاستحقاق الدستوري في ليبيا، حيث وافقت اللجنة على إجراء استفتاء على الدستور قبل الانتخابات العامة في 24 ديسمبر المقبل..فيما تنتظر مصر الجولة الثالثة والأخيرة للمسار الدستوري في فبراير المقبل بحضور المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا لوضع خارطة الطريق لكل من الاستفتاء والانتخابات.   مسار الحوار الوطني بطرابلس فيما أعلنت البعثة الأممية في ليبيا، مساء الثلاثاء 19 يناير، موافقة ملتقى الحوار السياسي الليبي على مقترح آلية اختيار السلطة التنفيذية للفترة التمهيدية. وأوضحت البعثة، في بيان لها، أنها أجرت عملية تصويت استغرقت يوماً واحداً بدءاً من صباح الاثنين 18 يناير  وحتى صباح اليوم الثلاثاء 19 يناير ، طالبة من أعضاء الملتقى الإدلاء بأصواتهم على المقترح. وأشارت إلى أن 72 عضواً من أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي شاركوا في عملية التصويت، حيث صوّت 51 منهم لصالح الآلية المقترحة، مؤكدة أنه يمثل حوالي 73% من الأصوات المدلى بها، فيما صوّت 19 عضواً ضدها، وامتنع عضوان عن التصويت، ولم يشارك اثنان آخران في العملية. وبحسب البعثة، جاء ذلك بعد الاتفاق على مقترح آلية اختيار السلطة التنفيذية الموحدة، والذي توصلت إليه اللجنة الاستشارية بملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف السبت 16 يناير الجاري. وبحسب البيان، فقد لفتت رئيسة البعثة بالإنابة ستيفاني وليامز، إلى أن أعضاء الملتقى “اتخذوا في هذا التصويت خطوة هامة نحو تنفيذ خارطة الطريق التي تم تبنيها في تونس العاصمة في منتصف نوفمبر الماضي”، ولفتت إلى أن “أمام الليبيين الآن فرصة حقيقية لتجاوز خلافاتهم وانقساماتهم، واختيار حكومة موقتة لإعادة توحيد مؤسساتهم من خلال الانتخابات الوطنية الديمقراطية التي طال انتظارها”، مؤكدة أن هذه سلطة تنفيذية موقتة سيتم استبدالها بسلطة منتخبة بعد الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل.   ومن المقرر أن يعمل كل إقليم على اختيار مرشحه بنسبة 70٪ على الأقل، فإن لم يتم ذلك يصبح لازمًا اللجوء إلى خيار القوائم المكونة من 4 أشخاص لكل قائمة، مع تحديد المنصب الذي يترشح إليه، سواء في رئاسة المجلس الرئاسي أو عضويته أو رئاسة الحكومة. ويشترط في القائمة المترشحة أن تحظى بتزكية 17 عضوًا، 3 من الجنوب، و6 من الشرق، و8 من الغرب، وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم تخفيض نسبة العتبة الانتخابية من 75 ٪ إلى 60 ٪ من الأصوات لفوز أي قائمة بالجولة الأولى، وإذا تعذر الحصول على هذه النسبة، تتنافس القوائم في جولة ثانية للحصول على 50 ٪ + 1. ووفق النتائج التي توصلت لها اجتماعات بوزنيقة والغردقة المصرية، فتحت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، باب الترشح، ولمدة أسبوع، لعضوية السلطة التنفيذية للمرحلة التحضيرية التي ستنتهي بالانتخابات المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر 2021. ومن المقرر أن تشكل البعثة لجنة من 3 أعضاء من الملتقى، وبدعم من الأمم المتحدة لاعتماد الترشيحات من خلال مراجعة كل طلبات الترشح بما يطابق شروط الترشح، وإعداد قائمة نهائية لمرشحي المجلس الرئاسي لكل إقليم (طرابلس وبرقة وفزان) ومرشحي رئاسة الحكومة.   ترحيب دولي وقوبل التوافق الليبي بترحيب دولي، إذ دعا السفير الأمريكي لدي ليبيا “ريتشارد نورلاند” الشعب الليبي، إلى إحراز تقدم حقيقي يتوجه بالانتخابات التشريعية والرئاسية في ديسمبر المقبل. وحث “نورلاند” الليبيين، على دعم منتدى الحوار السياسي الليبي لإكمال عمله، معرباً عن ارتياحه لخطوة تقديم الترشيحات لمناصب مجلس رئاسي من 3 أعضاء ورئيس وزراء، والتي تنتهي الخميس المقبل. وكانت لجنة 5+5 العسكرية ، قد قادت حوارا مشتركا ، وتضم اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5)، 5 أعضاء من الحكومة الليبية الشرعية و5 من طرف قوات الجنرال المتقاعد “خليفة حفتر” الذي يقود قوات شرق ليبيا. فيما رحبت فرنسا وألمانيا وايطاليا وبريطانيا وواشنطن بالتوافقات الليبية..   تحديات الوصول لسلام شامل بليبيا وتكمن أهمية الإنجاز الدبلوماسي ، الذي تحقق في “بوزنيقة”، في كونه مقدمة لتشكيل سلطة تنفيذية للمرحلة التمهيدية في ليبيا، كونه أحد الملفات الخلافية، لكن العمل الشاق لا يزال أمام الليبيين خصوصا مع هشاشة الوضع الأمني والتدخلات الخارجية. كما سيساعد حسم المناصب السياسية في إتمام مهمة الحكومة الانتقالية، بعدما اتفق الفرقاء الليبيون على إجراء انتخابات عامة في البلاد في ديسمبر 2021 للوصول إلى حكومة موحدة، وتريد الأمم المتحدة حكومة مؤقتة سيجري التصويت عليها في فبراير المقبل بمدينة جنيف السويسرية، للإشراف على المرحلة الانتقالية… فيما ستعقد محادثات جديدة بين الأطراف الليبيين في مصر في فبراير المقبل، لتحديد خريطة طريق للاستفتاء والانتخابات، وفقما نقلت “فرانس برس” عن السلطات المصرية… الا ان التوافق يتواجه بالعديد من التحديات والصعوبات، ومنها:.   -وجود القوات الأجنبية والمرتزقة: ويمثل  ملف المرتزقة والقوات الأجنبية العاملة في ليبيا، أبرز التحديات أمام انجاح جهود التسوية السياسية التي ترعاها الامم المتحدة والاطراف الاقليمية… هو ما دفع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5)، للتأكيد في بيانها الصادر يوم السبت 23 يناير الجاري، الدول المشاركة في مؤتمر برلين، إلى تنفيذ ما تعهدت به من التزامات تجاه الأزمة الليبية، والتي تشمل ترحيل المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم. ويأتي بيان اللجنة العسكرية تزامناً مع نهاية مدة 90 يوماً لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي ينص على انسحاب المرتزقة من ليبيا، وهو الاتفاق المدعوم من البعثة الأممية في اجتماعي غدامس وسرت خلال نوفمبر الماضي. وطالبت اللجنة في…

تابع القراءة

احتجاجات الشارع.. مآلات مستقبلية تهدد الثورة التونسية في ذكراها العاشرة

  تعايش تونس أجواء مأزومة منذ منتصف يناير، على وقع احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، تابعها تفاقم الأوضاع الصحية والإغلاق الذي فرضته السلطات التونسية، لمواجهة تصاعد أعداد الاصابات بفيروس كورونا، وهو ما ضاعف الأزمات المعيشية في البلاد. وتفجرت أعمال شغب واحتجاجات عنيفة، في أكثر من 15 مدينة في أنحاء البلاد، فيما ردت قوات الأمن باعتقال نحو 635 مواطنا، وذلك بعدما عمدوا إلى تخريب ممتلكات وحاولوا سرقة متاجر وبنوك، وفق بيانات وزارة الداخلية التونسية. وعلى الرغم من عدم إعلان أي جهة مسئوليتها أو دعمها للحراك، إلا أن الأحداث لا تخلو مظاهرها من وجود أدوار خارجية، قد لا تكون المحرك الاساس للاحتجاجات، إنما تريد استثمارها واللعب على وترها، كما كان باديا من بعض وسائل الإعلام الإماراتية، التي ركزت بكثافة على متابعة الأحداث وتطوراتها. وإلى أن يثبت حقيقة الدور الاقليمي في الاحداث، تأتي أحداث الشغب والاحتجاجات في أعقاب الذكرى العاشرة للثورة التونسية التي جلبت الديمقراطية لكنها لم تجلب سوى قليل من المكاسب المادية لمعظم التونسيين وسط تزايد الغضب من تردي الخدمات العامة والبطالة المزمنة التي ارتفعت نسبتها من نحو 12% في 2010 إلى 18% العام الماضي. وتحمل الاحتجاجات الشعبية العديد من الدلالات، والرسائل الخطيرة المعبرة عن أزمة سياسية واجتماعية بالبلاد، يمكن تلمسها.   أولا: دلالات الاحتجاجات وتوقيتها -احتبار صعب لحكومة  التكنوقراط ومع تصاعد الغضب الشعبي وسرقة بعض المحال التجارية والاعتداء من قبل المحتجين على المقار الحكومية والشركات الخاصة، لجأت السلطات لنشرالجيش في أربعة مدن هي سوسة وسليانة والقصرين وبنزرت لحماية المقرات السيادية. وتمثل الاحتجاجات اختبارا حقيقيا لقدرة حكومة رئيس الوزراء هشام المشيشي على التعامل معها بينما يشهد الوضع توترا كبيرا بين الفرقاء السياسيين. -انقسام سياسي وبحسب “فرانس برس” أدّت التوتّرات بين الأحزاب الممثّلة في البرلمان إلى إضعاف الحكومة التي أُجري عليها تعديل وزاريّ السبت الماضي، لا يزال يتعيّن على البرلمان المصادقة عليه. والطبقة السياسيّة منقسمة أكثر من أيّ وقت مضى منذ الانتخابات التشريعيّة في 2019، رغم تفاقم الأوضاع الاجتماعيّة جراء انتشار وباء كوفيد-19 (177231 إصابة منها 5616 وفاة) وغلاء الأسعار وارتفاع نسبة البطالة والتراجع المستمرّ للخدمات العامّة. ولا تجمع بين الرئاسيات الثلاثة “الحكومة- الرئاسة- البرلمان” علاقات متسقة أو ود سياسي، حيث تتصاعد الاختلافات والتجاذبات بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي منذ اختياره لرئاسة الحكومة، حيث تباينت وجهات النظر بينهما، حول اختياراته الوزارية، كما يسود الخلافا بين الرئيس سعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي. وهو ما يحمل كافة الأطراف المسئولية، في ظل أحاديث عن دور للرئيس سعيد في تحريك الشارع التونسي ضد المشيشي وقيادة البرلمان من جانب، وهو ما يدلل عليه، زيارة قيس سعيد للمحتجين وحديثه معهم عن حقوقهم وأنه سيسعى لتلبيتها، فيما بث على الصفحة الرسمية للرئاسة فيديوهات لمحتجين يطالبون باسقاط الحكومة والبرلمان- وهو ما عده البعض رسالة من سعيد. فيما تتجاذب الأطراف السياسية تحميل المسئولية على البرلمان الذي لم ينجز كثير من الملفات حتى الآن، كالإختلاف على تشكيل المحكمة الدستورية، وتعطل بعض الميزانيات الحكومية، وهو ما ينفيه برلمانيون بأن الاختلافات داخل البرلمان لم تمنع من إقرار الميزانيات، وتمرير التشريعات. وتشهد تونس منذ يونيو الماضي، معركة التنازع على الصلاحيات بين “المشيشي” و”سعيد” على رأس السلطة التنفيذية بدأت تدخل مرحلة خطيرة من شأنها أن تساهم في إرباك عمل الدولة، بعد أن وصلت إلى وزارة سيادية كالداخلية مؤخرا. وكان رئيس الجمهورية قد اختار “المشيشي”، لتشكيل الحكومة في يوليو الماضي، باعتباره “الشخصية الأقدر”، ليرفع في وجهه الفيتو بعد مدة قصيرة إثر تصاعد الخلافات بين الرجلين بشأن التركيبة الحكومية. واستلم “المشيشي” مهامه، إثر استقالة رئيس الحكومة السابق “إلياس الفخفاخ”، في يوليو الماضي، بسبب شبهات فساد. واختار “المشيشي”، تشكيل حكومة تكنوقراط، وهي الثالثة منذ انتخابات 2019، بسبب الخلافات بين الأحزاب. وتواجه حكومته تحديات اقتصادية كبرى في ظل نسبة انكماش متوقعة للاقتصاد في مستوى 7%  بعام 2020، واحتجاجات اجتماعية متواترة في عدة ولايات تطالب بتحسين مستوى العيش وفرص عمل للعاطلين. ويمثل الانقسام السياسي في الطبقة السياسية ، مدخلا لأية مشكلات اقتصادية أو اجتماعية لتتحول لإضرابات شعبية تعم البلاد، بحسب الباحث التونسي عبد القادر درماس، حيث أسفرت انتخابات 2019 عن برلمان منقسم بشكل كبير غير قادر على تشكيل حكومة مستقرة، حيث تتصارع الأحزاب على مقاعد وزارية وتؤجل قرارات كبيرة. كما أن الرئيس سعيد في خلاف مع المشيشي حول سلطاتهما وتحالفاتهما السياسية. ويشير التوتر إلى أزمة متوقعة قد تهدد حتى بانهيار حكومة التكنوقراط. وتشق الخلافات صفوف الائتلاف المؤيد للحكومة في البرلمان، إذ قال حزب الكرامة إنه لن يصوت على التعديل الوزاري وسيغادر الائتلاف، مما يضع الحكومة في موقف هش للغاية.   -تعديل وزاري مأزوم وتأتي الاحتجاجات الشعبية، بعد عشر سنوات من الثورة على تفشي البطالة والفقر والفساد والظلم، حيث قطعت تونس طريقا سلسا صوب الديمقراطية لكن الوضع الاقتصادي ازداد سوءا وسط تردي الخدمات العامة بينما أوشكت البلاد على الإفلاس. وجاءت المواجهات، مترافقة مع إعلان رئيس الحكومة التونسي هشام المشيشي، مساء السبت الماضي، إجراء تعديل وزاري شمل 11 حقيبة وزارية  (من أصل 25). وهو ما يثير الكثير من التوقعات لدى الشارع بتحسين اقتصاي وحلحلة لأوضاع الشعب المأزومة، وهو ما قد يكون دافعا للحراك الاحتجاجي. وكان رئيس الحكومة المشيشي، أعلن  السبت، إجراء تعديل وزاري شمل 12 وزارة في حكومته، وذلك بالتزامن مع معركة تنازع حادة على الصلاحيات بين “المشيشي”، والرئيس التونسي “قيس سعيد”، على رأس السلطة التنفيذية. وجاء التعديل، بعد 4 أشهر ونصف، من نيل حكومة “المشيشي” الثقة في البرلمان، مطلع سبتمبر الماضي. وشمل التعديل وزارتين سياديتين هما وزارتا العدل والداخلية، إضافة إلى تعيين وزراء جدد لسد الفراغ الذي خلفه إقالة وزراء الثقافة والبيئة والشؤون المحلية والداخلية، في وقت سابق. وأعلن “المشيشي”، تعيين “يوسف الزواغي” وزيرا للعدل، و”وليد الذهبي” وزيرا للداخلية، و”عبداللطيف الميساوي” وزيرا لأملاك الدولة والشؤون العقارية، و”خالد بن قدور” وزيرا للتنمية الجهوية والاستثمار، و”رضا بن مصباح” وزيرا للصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة. كما تقرر تعيين “سفيان بن تونس” وزيرا للطاقة والمناجم، و”شهاب بن أحمد” وزيرا للشؤون المحلية والبيئة، و”يوسف فنيرة” وزيرا للتكوين المهني والتشغيل، و”زكرياء بلخوجة” وزيرا للشباب والرياضة، و”أسامة الخريجي” وزيرا للفلاحة والصيد البحري والموارد المائية، و”يوسف بن إبراهيم” وزيرا للثقافة، و”الهادي خيري” وزيرا للصحة العمومية. وفي قراءة للتركيبة الجديدة لحكومة “المشيشي”، عادت عدة وجوه سبق لها أن تقلدت مناصب وزارية بنفس الحقائب تقريبا، ومن بينها “بن مصباح” و”الخريجي” في وزراتي الصناعة والفلاحة، والذين تقلدا مناصبهم ذاتها في الحكومة السابقة برئاسة “إلياس الفخفاخ”. كما سبق أن تولى “قدور” منصب وزير الطاقة والمناجم، و”بن أحمد”، منصب وزير النقل. وسبق أن كرر  الرئيس قيس سعيد، في أكثر من خطاب له تحذيراته من وجود مخطط لإجراء تغيير وزاري في الحكومة خدمة لأطراف بعينها، وكان آخرها في كلمة له بمناسبة رأس…

تابع القراءة

ضم إسرائيل للقيادة المركزية الأمريكية بالشرق الأووسط.. ترتيبات أبعد من إيران

    في قرار يمثل خروجا عن هيكل القيادة العسكرية الأمريكية الذي تم وضعه لعقود، بسبب الخصومة بين إسرائيل وبعض حلفاء وزارة الدفاع الأمريكية من الدول العربية، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن ضم إسرائيل إلى منطقة عمليات القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية (سينتكوم) المسؤولة عن الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وجاء في بيان للبنتاغون يوم الجمعة 15 يناير الجاري، أنه تم إدخال تعديلات على خطة القيادة الموحدة منها نقل إسرائيل من منطقة عمليات القيادة الأوروبية للقوات الأمريكية إلى منطقة عمليات القيادة المركزية. وأرجع البنتاجون قراره لـ”الانفراج بين إسرائيل وجيرانها العرب في أعقاب “اتفاقات أبراهام”، والذي وفر فرصة استراتيجية للولايات المتحدة لتوحيد الشركاء الأساسيين في مواجهة الأخطار المشتركة في الشرق الأوسط“، وهو ما  سيوفر فرصا إضافية للتعاون بين شركاء القيادة المركزية مع الحفاظ على التنسيق المكثف بين إسرائيل والحلفاء الأوروبيين. وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية قد أفادت في وقت سابق بأن إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب تخطط لإضافة إسرائيل إلى منطقة عمليات “سينتكوم” بدلا من القيادة الأوروبية. ومن ثم ستكون إسرائيل الدولة الـ21 في منطقة عمليات القيادة المركزية التي تتولى الدور الأكبر في العمليات في العراق وسوريا وأفغانستان والخليج. وبحسب بيان البنتاغون، فإن إضافة إسرائيل لمنطقة عمليات “سينتكوم” ستسمح بتطوير التنسيق بين إسرائيل والإمارات والبحرين، وربما دول أخرى في المنطقة في حال تطبيعها للعلاقات مع إسرائيل لاحقا، وذلك  ما يتماشى مع اطروات سياسية، نشرتها صحيفة “جيروزاليم بوست”.. وتأسست القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” عام 1983، وتغطي المناطق المركزية من العالم الواقعة بين قارتي أوروبا وإفريقيا والمحيط الهادئ. وتشرف “القيادة المركزية” على الأعمال العسكرية للولايات المتحدة في بلدان عدة بينها سوريا واليمن والعراق وأفغانستان. ولسبر أغوار وأبعاد القرار، لابد من التوقف عند  العديد من المحاور الرئيسة، ومنها:   أولا: سياقات القرار الأمريكي التطبيع العربي الإسرائيلي وهو ما مثل تغيير كبير في السياسة العسكرية الأمريكية، وجاء هذا التغيير في السياسة العسكرية المستمرة منذ عقود، والذي أكَّدَته وزارة الدفاع الأمريكية، الجمعة 15 يناير الجاري، في أعقاب موافقة العديد من الدول العربية على تطبيع علاقاتٍ دبلوماسية مع إسرائيل بعد وساطةٍ أمريكية ومُحفِّزاتٍ عديدة.  وقال متحدِّثٌ باسم البنتاغون لموقع Middle East Eye البريطاني، في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني: “إن تخفيف التوتُّرات بين إسرائيل وجيرانها العرب بعد اتفاقيات أبراهام قد وفَّرَ فرصةً استراتيجيةً للولايات المتحدة لمحاذاة الشركاء الرئيسيين ضد التهديدات المشتركة في الشرق الأوسط“. وتاريخياً، كُلِّفَت القيادة الأوروبية للجيش الأمريكي بالإشراف على العلاقات مع إسرائيل بسبب العداء بين الدول العربية وقوة الاحتلال. وسمح هذا التنظيم للجنرالات الأمريكيين في الشرق الأوسط بالتفاعل مع الدول العربية دون وجود ارتباطٍ وثيقٍ بإسرائيل. وبينما رفضت معظم الدول العربية إقامة علاقاتٍ دبلوماسية مع إسرائيل، في ظلِّ احتلالها العسكري المفروض على السكَّان الفلسطينيين، فإن الدول الخاضعة لسلطة القيادة المركزية التي وقَّعَت اتفاقاتٍ مع إسرائيل تشمل مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان. وجميع هذه الدول باستثناء مصر والأردن -وهما دولتان تشتركان مع إسرائيل في الحدود- تبذل جهوداً دبلوماسية جديدة. من جهته، يقول أنتوني زيني، الجنرال المتقاعد من مشاة البحرية والرئيس السابق للقيادة المركزية، لصحيفة Wall Street Journal، إن “التوقيت قد يكون مناسباً للقيام بذلك”. وأضاف الجنرال زيني: “يمكننا أن نشهد المزيد من الدول العربية تعترف بإسرائيل، لذا فمن المنطقي إخضاعهم جميعاً لقيادةٍ أمريكية موحَّدة”، حسب وصفه.، والذي ترجمته موقع “عربي بوست”..حيث أكد  “سيجعل ذلك التعاون الأمني أفضل، لم يكن ذلك منطقياً في الماضي، لأنه كان هناك الكثير من عدم الثقة، وكان هناك خوفٌ عندئذٍ من أنه إذا كانت إسرائيل في القيادة المركزية فسيكون هناك تبادلٌ استخباراتي أمريكي مع إسرائيل بشأن جيرانها العرب“.     إعادة توزيع القوات الأميركية حول العالم ويمكن اعتبار قرار ضم اسرائيل للقيادة المركزية الأمريكية، ضمن استراتيجية واشنطن لتقليل وجود القوات الأريكية خارج الأراضي الأمريكية، والتي بدأت بفعالية قبل سنوات، ودخلت مراحلها الأخيرة في يناير 2020، حيث أعلن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، أن واشنطن بصدد البدء في إعادة توزيع مرتقبة للقوات على مستوى العالم هذا العام، في إطار مساع لإعادة تركيز وزارة الدفاع  على التحديات التي تمثلها الصين وروسيا. وذلك ضمن ما أطلق عليه “مراجعة للسياسات الدفاعية”، التي من المتوقع أن تسفر عنها إعادة توزيع القوات، والتي ربطها البنتاغون بالسنة المالية الجديدة التي انطلقت في اكتوبر 2020..وتسعى واشنطن لترطيز تواجدها بالمناطق المتاخمة للصين وروسيا أكثر من المنطقة العربية، التي مكنت إسرائيل من مقاليد أوصالها الأمنية عبر صفقة القرن، وغيرها من سياسات التطبيع المجاني، لخلق نظام اقليمي تقوده اسرائيل في الشرق الأاوسط.. إلا أن خبراء يقيمون التوجهات الأمريكية الجديدة، بالمتأخرة، في ظل التطور العسكري للصين على مدى العقدين الماضيين، بينما كانت الولايات المتحدة تركز على عمليات مكافحة الإرهاب في العراق وأفغانستان وسورية وغيرها. ولعل التصعيد الامريكي والاسرائيلي مع إيران وسلسلة الاتهامات الدولية المتتالية من حكومات عدة كمصر وفرنسا وواسشنطن واوروبا لايران ، يدفع نحو اعتماد واشنطن على القدرات العسكرية الاسرائيلية المتطورة. ومع سعي الجيش الأميركي للتعامل مع الصين على نحو أكثر حزماً، ترى القيادة الجنوبية بالجيش الأميركي أن أميركا اللاتينية يتعين أن تكون محورية في تحقيق ذلك. ووفقاً لبيانات الجيش الأميركي، زادت زيارات البحرية الصينية لموانئ المنطقة بنسبة 70 % خلال الأعوام الخمسة الماضية، وتعزّز بكين مبيعات الأسلحة واستثمارات البنية التحتية والتجارة مع دول أميركا اللاتينية. ورصدت القيادة الجنوبية بالجيش الأميركي مبيعات أسلحة صينية لفنزويلا وحدها على مدى العقد الماضي، تُقدّر بنحو 615 مليون دولار. هذه البيانات لا شك أثرت على قيادات وزارة الدفاع التي ترى اتجاهات مماثلة على مستوى العالم.، وذلك وفق تقرير لوكالة “رويترز” في 24 يناير الماضي.. كما تسرع أمريكيا عمليات اعادة الانتشار وسححب جنودها من العراق وافغانستان، لتبقي فقط نحو 2500 عسكري أمريكي بالعراق ومثلهم في افغانستان، عبر قيادة عمليات مصالحة في افغانستان، وتقليص الوجود الايراني بالعراق، ودعم حكومة الكاظمي بالعراق لمواجهة تمدد الفصائل المسلحة المقربة من ايران.   استراتيجية ترامب لتطويق بايدن وبحسب سياقات الصراع الأمريكي – الأمريكي، الدائر بين نظامي ترامب والادارة الجديدة المنتخبة،  تعبر الخطوة أيضا عن سعي إدارة ترامب لتطويق السياسة الامريكية الجديدة في عهد جو بايدن، في منطقة الشرق الأوسط. إذ أن الخطوة، تؤكد تواصل التعاون العسكري الوثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة في عهد الرئيس المنتخب جو بايدن، ويعزز من فرص التعاون الكبير بين ادارة بايدن واسرائيل، اختيار  الجنرال لويد أوستن، الذي رشحه بايدن لتولي منصب وزير الدفاع في الإدارة الجديدة، وهو معروف بعلاقاته الوثيقة مع الجنرالات الإسرائيليين، لاسيما مع وزير الأمن الحالي بني غانتس. وجاء قرار ترامب  في اللحظات الأخيرة إعادة تنظيم هيكل القيادة المركزية الأمريكية، استجابة لدعوات جماعات موالية لإسرائيل منذ فترة طويلة. وتعد هذه الخطوة هي الأحدث في سلسلة تحركات إدارة ترامب لتشكيل أجندة الأمن القومي، التي سيرثها الرئيس…

تابع القراءة

المصالحة الخليجية..التداعيات والتحديات وأفق المستقبل

    للمصالحة الخليجية، أسباب عدة ودوافع متنوعة أدت للوصول للحظة فارقة في مسار العلاقات العربية العربية، بل وتحمل في طياتها الكثير من التغيرات الاستراتيجية في المسارات المستقبلية للمنطقة العربية. فووفق روايات ، كان من المتوقع إعلان اتفاق ثنائي بين السعودية وقطر في أوائل ديسمبر 2020، ولكن يبدو أنه تم تأجيل هذه الخطوة لإقناع الإمارات بالانضمام إلى مصالحة خليجية عربية أوسع. وعندما أصبح من الواضح أن الإمارات تخلت عن معارضتها لإجراءات إنهاء الحصار، تم نقل القمة الخليجية إلى العلا، وهو موقع أثري وتاريخي وثقافي قبل الإسلام تم الترويج له للسياحة باعتباره رمزًا وطنيًا ممثلا للهوية السعودية الجديدة وليس للسلطة الدينية. وأوضحت تلك الخطوة أن الرياض أرادت الإعلان عن اتفاق في سياق القمة. وتم الترويج للاتفاقية باعتبارها اختراقا كبيرا من قبل جميع الأطراف في دول مجلس التعاون الخليجي. ونشر “تركي آل الشيخ”، أحد كبار مستشاري ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، صورًا تروج لوحدة الخليج العربي. كما رحب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية “أنور قرقاش” بإعادة الوحدة الخليجية لصالح الأمن والاستقرار الإقليميين. بالنسبة لقطر، تعتبر لاتفاقية اختراقًا هائلاً. ويكتسب التقارب الخليجي الراهن، والذي تمثّل في انعقاد القمة الخليجية، الحادية والأربعين في العُلا السعودية، 5 يناير الجاري، أهميةً حقيقية، لكونه يمثّل خطوة “تكيّف” مهمّة، قامت بها الرياض، بالتزامن مع اقتراب مغادرة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، البيت الأبيض. وتكتسب القمة التصالحية أهمية كبرى للسياسة القطرية التي لم تقدم أية تنازلات للرباعي العربي، وإنما ازيحت كافة العقوبات والعراقيل التي حاصرتها دون تقدينم تنازلات سياسية، عدا تعليق القضايا القانونية ضد السعودية وحلفائها، بما في ذلك الدعاوى المرفوعة في منظمة التجارة العالمية، ومحكمة العدل الدولية، وفق تقرير لـ” فايننشال تايمز”. وهو نفس ما أكدته صحيفة “نيويورك تايمز”، عقب قمة العلا، بأن قطر ستتنازل فقط عن الدعاوى الدولية ضد دول الحصار مقابل فتح الحدود وإنهاء الأزمة الخليجية. وسمح الإعلان باستئناف الرحلات التجارية بين قطر والسعودية للمرة الأولى منذ الحصار المعلن في يونيو 2017، بعد اتهام قطر بدعم الإرهاب والإسلاميين بالمنطقة وإقامة علاقات قريبة مع إيران. وعندما بدأ الحصار قدمت المملكة وحلفاؤها قائمة من المطالب إلى قطر شملت 13 مطلبا مثل إغلاق قناة “الجزيرة” وتخفيف العلاقة مع إيران وقطع علاقاتها مع الحركات الإسلامية، خاصة جماعة الإخوان. وعلى أية حال، فإن إزاحة العقوبات والحصار عن قطر، يصب في مصلحتها بصورة كبيرة، خاصة وأن قمة العلا التصالحية، تأتي قبيل فعاليات كأس العالم التي ستسضيفها قطر في 2022، حيث تختاج لأجواء مفتوحة وخطوط طيران منخفضة التكلفة.   دوافع متعددة تقف وراء المصالحة الخليجية، العديد من الدوافع المحلية والإقليمية والدولية، إلا أن نهاية أزمة الحصار لم تكن نتاج التزام قطر بشروط رباعية الحصار، بل نتيجة جهود أمريكية وكويتية لإنهاء الأزمة الى جانب تحولات إقليمية ودولية كان أبرزها خسارة ترمب الانتخابات الرئاسية.. وعدة دوافع أخر، أهمها:   بايدن بالانتخابات الأمريكية: وعلى الصعيد الدولي، فأن مواقف وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتيْن، ناهيك عن مؤسستَي الأمن القومي والاستخبارات، كلها كانت معترضة على “ارتباك” سياسات دونالد ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، وتحيزاتهما ضد قطر، أول اندلاع أزمة الحصار، التي تم تصحيحها تدريجياً، وصولاً إلى تدشين الحوار الاستراتيجي الأميركي القطري، يناير 2018. هذه الحالة قراتها الدوائر السياسية السعودية جيدا، حيث  استشعرت الرياض، بمجرد فوز جو بايدن في الانتخابات الأميركية 2020، أهمية تعديل سلوكها الإقليمي أو تكييفه، عبر “التخفّف” من تبعات حصار قطر وحرب اليمن واستعداء تركيا، تجنّباً لأية ضغوط مستقبلية عليها، يمكن أن تمارسها إدارة بايدن، في سياق سعيها إلى إعادة المسار التفاوضي مع إيران. وذلك في مقابل “تردّد” مصر، في مراجعة سياساتها الإقليمية، على الرغم من عودة قضية تصفية الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، إلى الواجهة، واحتمال تبنّيها أوروبياً بشكلٍ رسمي. والأهم من ذلك، أن إدارة “بايدن” أوضحت وراء الأبواب المغلقة أنها لا ترغب في وراثة هذا الأزمة المعقدة. ويبدو أن هذه الخطوة واحدة من عدة محاولات من جانب الرياض لتحسين العلاقات مع “بايدن” قبل توليه منصبه. كذلك فإن المخاوف بشأن العلاقات مع “بايدن” والديمقراطيين دفعت السعودية للمضي قدمًا حتى بدون تعاون الإمارات في أوائل ديسمبر الماضي،  لكن الرياض كانت قادرة بعد ذلك على تأمين تسوية خليجية أوسع بالنظر إلى أن الإمارات فضلت في نهاية المطاف ذلك على صفقة ثنائية قطرية سعودية لا تستطيع أبوظبي منعها. وسعوديا، فقد تراجعت جدوى الحصار بمرور الوقت. وبحسب مركز ستراتفور، تحاول الرياض موازنة الانتقادات من إدارة “بايدن” بشكل استباقي وسط دعوات في الولايات المتحدة لدول مجلس التعاون الخليجي بتقليص الخلافات الداخلية. خاصة وأنه خلال الفترة الأخيرة، تزايدت انتقادات  المشرعين الأمريكيين السياسات الخارجية العدوانية للسعودية تجاه دول مثل اليمن وقطر. وينسجم التنازل العلني عن المطالب الـ 13 الصادرة إلى قطر عام 2017 مع أولويات واشنطن في منطقة الخليج بما في ذلك التضامن الخليجي. وتحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري كبير في شبه الجزيرة العربية، مع قواعد في قطر والإمارات والكويت والبحرين. وكانت واشنطن أيضا داعما أمنيا رئيسيا لجميع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تعتمد السعودية على التعاون الاستراتيجي والدعم الأمريكي طوال تدخل الرياض في الصراع اليمني المستمر.   -المساعي الأمريكية لحصار إيران: وكان الرئيس “ترامب” قد دعم الحصار في البداية واعتبره خطوة ضد الإرهاب، ولكنه تراجع عن موقفه واعتبره إرباكا لجهود تشكيل جبهة خليجية موحدة ضد إيران. وتعتبر قطر مهمة من الناحية الاستراتيجية نظرا لاستقبالها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط.وبحسب تقديرات لـ”نيويورك تايمز” الأمريكية، “كانت إدارة ترامب تأمل في حصار إيران قبل نهاية ولايتها ولهذا ضغطت على دول الخليج من أجل المصالحة. وهو ما تجلى بوضوح خلال زيارة صهر ومستشار ترامب، جارد كوشنر، كلا من قطر والسعودية في ديسمبر 2020، وحث المسؤولين الخليجيين على التفاوض في اتفاق كاد ينهار قبل أن يبدأ ، حسبما قال مسؤولون أمريكيون… فالسعودية ترى في إصلاح الصدع الخليجي طريقة لبدء علاقات جيدة مع إدارة بايدن التي هددت بتبني خط متشدد مع السعودية”، لكن المحللين يرون أن قطر لن تغير شيئا من سياساتها التي أغضبت جيرانها، سواء بالتخلي عن قناة الجزيرة أو قطع العلاقات مع إيران. ومن ناحية واشنطن، فإن “السماح للطيران القطري بالتحليق في خطوطه السابقة هو مكسب ويعني خسارة إيران 100 مليون دولار كانت تتقاضاها كرسوم مقابل تحليق الطائرات القطرية فوق أجوائها”. وقد سرع التصاعد السريع للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران لا سيما في العراق واليمن حيث تصاعدت المخاوف من صدام عسكري في الأيام الأخيرة لـ”ترامب” في محاولة لعرقلة المبادرات الدبلوماسية مع طهران من قبل إدارة “بايدن”…قد عززت الولايات المتحدة مؤخرًا قواتها في المياه القريبة من إيران، ورفعت قدراتها على التزود بالوقود، بعد سلسلة من الهجمات الصاروخية التي شنتها الميليشيات الموالية لإيران على أهداف أمريكية في العراق. كما قامت إيران مرة أخرى بتهديد الملاحة الدولية…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022