العلاقات الأمريكية الإفريقية من ترامب لبايدن

  برزت إفريقيا في أجندة الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، بطريقة جعلت من الأهمية بمكان استبانة مُستقبل السياسة الأمريكية إزاء القارة، في ضوء المُتغيرات الأمريكية الحالية؛ وما إذا كان وصول الديمقراطي جو بايدن سيسهم في إعادة صياغة إستراتيجية متوازنة نسبيًّا، عن تلك التي انتهجها ترامب خلال فترته الرئاسية. حيث تراجعت أهمية إفريقيا في قائمة أولويات إدارة الرئيس دونالد ترامب على مدى السنوات الأربعة الماضية، والتي شهدت حالة من الجفاء السياسي والدبلوماسي بين أمريكا ترامب وإفريقيا؛ حيث لم يقم بزيارة واحدة للقارة، ولم يتوقف عن إصدار تصريحاته الساخرة عنها، والتي وصف فيها إفريقيا بأفظع التعبيرات، التي لا تليق باللغة الدبلوماسية. فكيف كانت ملامح السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إفريقيا في عهد ترامب؟ وكيف ستكون في عهد بايدن؟ وكيف سيكون مُستقبل العلاقات الأمريكية الإفريقية خلال الفترة القادمة؟ وكيف سيؤثر ذلك على قضية سد النهضة؟ كل تلك الأسئلة ستحاول تلك الورقة الإجابة عنها.   إفريقيا في سياسة ترامب: أظهرت إدارة دونالد ترامب لا مبالاة واضحة حيال إفريقيا، واكتفت بالحفاظ على الوضع القائم في الأماكن التي توجد فيها الولايات المتحدة. وتُذكر له عبارة: “الأوكار القذرة”، التي وصف بها الدول الإفريقية التي يأتي منها أشخاص راغبون في الهجرة للولايات المتحدة، وركزت الولايات المتحدة خلال تلك الفترة على ما هو مهم بالنسبة لها، مثل مكافحة الإرهاب، وبرامج الدعم القائمة. لكنها لم توفر سوى اهتمام محدود بالدبلوماسية والسياسة والإستراتيجية الاقتصادية. ومن ثمَّ كانت حصيلة ترامب في القارة أدنى من سلفيه أوباما وبوش، وافتقد إلى إستراتيجية محددة، ولم تطأ قدماه القارة، حتى أنه أقال وزير خارجيته ريكس تيلرسون عندما كان في جولة إفريقية عام 2018[1]. وقد ركزت إدارة ترامب على إعادة صياغة دور القيادة الأمريكية حول العالم، ولعل أبرز ما عكس التصور الأمريكي إزاء إفريقيا كانت إستراتيجية إدارة ترامب لإفريقيا الجديدة، التي كشف عنها مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون في ديسمبر 2018، التي جاءت مدفوعة بمصالح الولايات المتحدة، وعليه ارتكزت السياسة الجديدة تجاه إفريقيا على تعزيز الأولويات والمصالح الأمريكية، التي عبرت عنها الوثيقة في ثلاثة محاور: أولها: تعزيز العلاقات التجارية مع الدول الإفريقية لصالح كل من الطرفين؛ انطلاقًا من تعزيز مبدأ المعاملة بالمثل، والقضاء على مظاهر التبعية التي أوجدها المنافسون. ثانيها: مكافحة الإرهاب والتطرف الراديكالي العنيف؛ حيث ركزت الإستراتيجية على تنامي انتشار الإرهاب والتطرف، مع إعادة انتشار داعش في القارة، وانعكاس ذلك على المصالح الحيوية الأمريكية. ثالثها: إعادة صياغة المساعدات التنموية والإنسانية، وذلك بما يخدم الأهداف الإستراتيجية والمصالح الأمريكية، والتراجع عن دعم بعثات حفظ السلام غير الناجحة، ومساعدة الدول الإفريقية في الاعتماد على النفس[2]. وكان أحد قرارات ترامب الأولى عند توليه قيادة البلاد، هو تقييد تأشيرات الدخول الأمريكية لمواطني العديد من البلدان ذات الأغلبية السكانية المسلمة، فقد تم منع مواطني ليبيا والسودان من الدخول إلى الأراضي الأمريكية. وفي يناير 2020، قرَّر ترامب منع مواطني السودان وتنزانيا وإريتريا ونيجيريا من الإقامة في الولايات المتحدة؛ مما أغلق الباب أمام إمكانية لم شمل بعض الأُسر. وبحسب الرئيس دونالد ترامب، فقد عُوقِبت هذه الدول الإفريقية؛ لعدم امتثالها للقواعد الأمنية التي طالب بها. وقد تراجعت العلاقات التجارية بين أمريكا وإفريقيا كذلك، ففي عام 2018، بلغ حجم التبادل الأمريكي مع إفريقيا حوالي 61.8 مليار دولار؛ لكنه تراجع في عام 2019، ليصل إلى 56.8 مليار دولار، بانخفاض قدره 8.07٪. أما في مجال الأمن ومحاربة الإرهاب؛ ففي نهاية عام 2019، أعلن دونالد ترامب عن تخفيض كبير في عدد القوات الأمريكية في إفريقيا، التي يبلغ عددُها حاليًّا نحو 7000 عسكري[3].   إفريقيا في سياسة بايدن: يرمي الديمقراطيون إلى تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلام والأمن والنمو الاقتصادي، والطاقة النظيفة والزراعة المستدامة وحماية البيئة. هذا، بالإضافة إلى تعزيز التحولات السياسية الهشة في السودان وإثيوبيا والشركاء الرئيسين، ومساعدة البلدان في وسط إفريقيا والساحل والقرن الإفريقي؛ لمواجهة الإرهاب والتطرف، والأسباب الجذرية لانعدام الأمن. هذا بالإضافة إلى دعم اتفاقية التجارة الحرة القارية، وتعزيز الشراكة الاقتصادية متعددة الأوجه؛ الثنائية والإقليمية، فضلًا عن مشاركة القارة في التعافي من آثار جائحة كورونا، وتعزيز مرونة النظم الصحية. كما ركز برنامجهم على الأفرو – أمريكان، ووعدهم بمكافحة العنصرية ضدهم في الولايات المتحدة، والتعهد برفع الأصوات الإفريقية في المنتديات متعددة الأطراف[4].   أعضاء فريق بايدن الجدد وإفريقيا: اعتمد جو بايدن -الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس باراك أوباما- على أعضاء فريق مستشاريه من الإدارات السابقة؛ لبناء فريق حملته الانتخابية، لا سيما في مجال الشؤون الخارجية، وعلى الأغلب سوف يقدمون له المشورة بشأن سياسته الإفريقية المحتملة في المستقبل.  ومن أبرز هؤلاء: أنتوني بلينكين مستشار بايدن الرئيس للشؤون الدولية، الذي كان عضوًا سابقًا في إدارة كلينتون، وعرف بايدن لفترة طويلة. قام الرجل برحلات رسمية إلى المغرب وجيبوتي ونيجيريا وجنوب إفريقيا، ويُعبِّر دومًا عن دعمه لقيام شراكة أمريكية إفريقية قوية. الاسم الثاني الأبرز في فريق بايدن هو سوزان رايس التي شغلت منصب مستشار الأمن القومي من 2013 إلى 2017 في عهد الرئيس أوباما، كما عملت قبل ذلك مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية من 1997 إلى 2001. وتولَّت ملف الأزمات في دول إفريقية عدة، مثل الكونغو الديمقراطية وسيراليون وملف العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا، من بين أمور أخرى. ومارست سوزان رايس دورًا رئيسًا في تمرير قرار التدخل الدولي في ليبيا في مجلس الأمن، بمساعدة مستشارة الأمن القومي سامانثا باور، التي خلفتها في الأمم المتحدة، وتحت قيادة هيلاري كلينتون. وعليه فمن المتوقع أن تعود إدارة بايدن لتبنِّي نهج السياسات النيوليبرالية، في تعاملها مع القارة الإفريقية. ويعتمد بايدن كذلك على ميشيل جافين، سفيرة الولايات المتحدة السابقة في بوتسوانا (2011-2014)، وممثلة الولايات المتحدة السابقة في مجموعة التنمية للجنوب الإفريقي (سادك)، وهي واحدة من أبرز المتخصصين الرئيسين في إفريقيا لدى بايدن[5].   ملامح التغيير القادم: جاء بايدن للأفارقة ليس فقط بأجندة تأخذ مصالح الأفرو – أمريكان، والعلاقات الأمريكية الإفريقية في الحسبان، وإنما أيضًا بتاريخ تمثَّل في كونه نائبًا للرئيس السابق أوباما، صاحب الأصول الإفريقية، وكذلك اختياره لنائبته في السباق الانتخابي الحالي كامالا هاريس، ذات الأصول الإفريقية، واستدعاء قضايا الأفارقة والعلاقة مع إفريقيا، كأحد موضوعات الانتقاد، التي ركَّز عليها في منافسته لخصمه الانتخابي ترامب. كل هذا في ظل دور أمريكي متراجع عالميًّا، وسياق إفريقي يشهد مزيدًا من التحول في علاقاته التقليدية الأمريكية، وتصاعد المنافسة الدولية والإقليمية في إفريقيا؛ الأمر الذي استدعى ضرورة محاولة استشراف مستقبل الدور الأمريكي في القارة الإفريقية. ففي حين كان تقديم الدعم الأمريكي هو المأمول لإفريقيا، فإن إدارة أوباما هي من تم اتهامها بعسكرة الساحل، والأمر نفسه فيما يتعلق باتهامات ترامب بالتراجع عن تقديم الدعم لقوات حفظ السلام وجهود مكافحة الإرهاب، الذي أوضحته إستراتيجيته تجاه القارة، بضرورة اعتماد الدول الإفريقية على نفسها في بناء قدراتها، وأنه لن يكون هناك دعم دون مقابل، فهذه التحفظات كانت…

تابع القراءة

استقالة وزير الخزانة والمالية التركي تربك المشهد السياسي

يتعرض النظام السياسي والاقتصادي التركي لتحدٍّ جديد، يتمثل في الزلزال الذي حدث بإعلان وزير المالية والخزانة التركي بيرات ألبيرق استقالته على صفحته الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي. وتأتي أبعاد الصدمة في هذا القرار، من كون الرجل صهر الزعيم التركي رجب طيب أردوغان؛ حيث يتزوج من ابنته؛ لذا فالجميع في الداخل والخارج كانوا يرونه الخليفة المنتظر لأردوغان، بعدما صعد بقوة في سلم السياسة والاقتصاد، حتى أصبح الرجل الثاني في الدولة، والمخطط الأهم لسير العملية الاقتصادية برمتها. يدور هذا التقرير حول الأسباب التي دفعت ألبيرق للاستقالة من منصبه، والطريقة التي تعامل بها أردوغان في إدارة تلك الأزمة، ومآلاتها على المدى القريب والمتوسط.   أسباب استقالة وزير الخزانة والمالية: إن الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي كانت تعاني منها تركيا كانت وراء استقالة صهر الرئيس رجب أردوغان من الحكومة، وجاءت بعد أشهر من التحديات المتزايدة، التي عجز وزير الخزانة عن التعامل الصحيح معها؛ بل كان أحد الأسباب الرئيسة وراء تفاقم الأزمات الاقتصادية، التي أحدثت حالة من الغضب داخل قطاعات المجتمع الفقيرة، التي عانت من ارتفاع الأسعار من ناحية، وعدم استقرارها من ناحية أخرى؛ نتيجة انهيار العملة المحلية. الغريب في الأمر، هو الطريقة التي خرج بها ألبيرق من المشهد السياسي، وكأنه خروج بلا عودة مجددًا؛ حيث وضع رسالة عاطفية على إنستغرام، أعلن فيها عن استقالته. قائلا: “آمل بقضاء وقت أكثر مع أبي وأمي وزوجتي وأولادي”. ولم يكن هناك أي ذكر للرجل الذي جعله ثاني أقوى رجل في الحكومة، والمدين له بمسيرته السياسية؛ أي أردوغان، وكأنه تعمد تجاهله، بعدما شعر بالاستياء من القرار الذي اتخذه أردوغان بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي، وهو واحد من أهم المعارضين لسياسة ألبيرق، إضافة إلى عدم حضوره مراسم تسليم المنصب المعتاد عليها لخلفه لطفي ألوان، يؤكد على أنها استقالة من طرف واحد، ودون علم الرئيس. شعر ألبيرق أن الرئيس سيقيله؛ لذلك بادر بإعلان قراره هذا، متجاهلا حجم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا جراء سياسته، رغم أن أردوغان والحزب لم يعلنا عن إقالته، وهناك من يقول إن أردوغان كان يحاول ثنيه عن قراره بالاستقالة. إن سبب اندلاع الانفجار السياسي والعائلي هو اكتشاف الرئيس الوضع الحقيقي للاقتصاد. وتعرض أردوغان في الأسابيع الماضية لضغوط من داخل حزب العدالة والتنمية، الذي عانى بسبب فيروس كورونا، وارتفاع أسعار المعيشة، ومعدلات البطالة، وانهيار قيمة العملة التركية. وظل ألبيرق طوال الأشهر الماضية يؤكد أن تركيا في وضع اقتصادي أفضل من الدول المنافسة لها، وتعيش وسط عملية تحول اقتصادي كبرى. وردد الكلام نفسه في اجتماع مع نواب حزب العدالة والتنمية في الأسبوع الماضي، حسب الإعلام التركي. وأكد أن الليرة التي فقدت ثلث قيمتها أمام الدولار الأمريكي منذ بداية العام الحالي، يجب ألا تكون المعيار الوحيد للحكم على صحة الاقتصاد. ولكن الرئيس قرر التحرك عندما قُدمت له كشوفات عن حجم الأزمة الاقتصادية، وذلك حسب مسؤولين من داخل حزب العدالة والحكومة، خاصة الوضع الخطير للعملة الصعبة داخل المصرف المركزي. وعند استبعاد الأموال المقترضة والمسؤوليات الأخرى جانبًا، فوضع العملة الأجنبية خطير؛ حيث وضعتها تقديرات بحوالي 50 مليار دولار في نهاية شهر سبتمبر. والعجز هذا سببه التدخل الفاشل في العملة، الذي قاده ألبيرق، والذي كلف أكثر من 140 مليار دولار خلال العامين الماضيين. ولكن البعض يجد صعوبة في عدم معرفة أردوغان، الذي يلتقي عادة برجال الأعمال من كل المجالات بالوضع الاقتصادي. ولكنّ آخرين يرون أنه عزل نفسه عن الواقع؛ بسبب تهميشه النقاد الداخليين، وإحاطة نفسه بالموالين الأشداء. من جانب آخر، قال الأكاديمي التركي محمد خيري قرباش أوغلو، إن جميع أحزاب المعارضة منذ البداية وجهت انتقادات قاسية جدًّا للسياسة الاقتصادية والمالية للحزب الحاكم، وتصاعدت وتيرتها عندما شغل ألبيرق منصب وزارة الخزانة والمالية. وأضاف قرباش أوغلو بأن تدهور سعر صرف الليرة، وفشل إستراتيجية الوزير المستقيل في إنقاذ الاقتصاد التركي، فرضت على أردوغان تغيير منهجيته، وإجراء تغييرات على مستوى مسؤولي الملف، وهذا يدل على فشل رؤية الرئيس وصهره في الخروج من أزمة البلاد الحالية، على حد وصفه. وتابع بالقول إن “إصرار أردوغان على سياساته، سبب انحدارًا في صرف الدولار مقابل الليرة في السوق المحلية، فالضخ المستمر للدولار من المخزون الوطني في الأسواق المحلية من قبل الحكومة، لم يكبح جماح هبوط الليرة؛ ما دعاه بالنهاية إلى العدول عن سياساته، والتضحية بالوزير ككبش فداء أمام الرأي العام”[1]. ووصف قرباش أغلو خطوات الرئيس أردوغان حيال التطلعات والسيايات الجديدة المرتقبة في الملف الاقتصادي بـ “المتأخرة”، كما حذر من اقتراب البنك المركزي من الإفلاس.   إدارة الرئيس التركي للأزمة: أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن حكومته أطلقت إصلاحات اقتصادية جديدة، داعيًا المستثمرين المحليين والدوليين للوثوق بها، وضخ استثمارات. جاء ذلك في كلمة ألقاها، خلال مؤتمر لـ “حزب العدالة والتنمية”، في ولاية تكيرداغ شمال غربي تركيا. وقال أردوغان إنه تم إطلاق مرحلة جديدة، ترمي إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وزيادة النمو والتوظيف، مضيفًا: “بدأنا عهد إصلاحات جديدة على صعيدي الاقتصاد والقوانين”[2]. وأردف: “بإذن الله سنصل إلى أهدافنا، عبر بناء سياساتنا الاقتصادية على 3 ركائز، هي: استقرار الأسعار، والاستقرار المالي، واستقرار الاقتصاد الكلي”. وأضاف: “شهدنا حركة إيجابية ظاهرة للعيان في الأسواق، مع الإعلان عن ركائز المرحلة الاقتصادية الجديدة”. واستطرد الرئيس التركي: “أدعو المستثمرين المحليين والدوليين مرة أخرى للوثوق ببلدنا، وضخ استثمارات جديدة بسرعة”[3]. وتابع: “نعلم أن مبدأ سيادة القانون من أهم السبل لتهيئة المناخ المناسب للاستثمارات؛ لضمان النمو الاقتصادي والتنمية والازدهار، والاستقرار في البلاد”. وشدد على أن حكومته أعدت وثيقة إستراتيجية للإصلاح القضائي، تتضمن تعديلات قانونية مهمة للغاية بهذا الاتجاه، وأن جزءًا من هذه التعديلات أقرها البرلمان التركي. وأكد أن أولوية الحكومة خفض التضخم بأسرع وقت إلى رقم من خانة واحدة، ثم إلى المستويات المحددة في برنامجها على المدى المتوسط. وأوضح أردوغان أن النظام العالمي الذي اهتز بسبب الاضطرابات في العالم والمنطقة، بات يواجه مشاكل أعمق بكثير مع انتشار فيروس كورونا، مضيفًا أن هذه الصدمات العالمية أثرت أيضًا على تركيا بطبيعة الحال. وأشار إلى أن “الذين حاولوا إخضاع تركيا عبر الوصاية والإرهاب، والانقلابات العسكرية، والأزمات السياسية والاجتماعية، أدركوا فشلهم، فتوجهوا للهجوم على اقتصادنا”. وقال أردوغان إن مدير المصرف المركزي والاقتصاد يخططان لحملة تهدف لاستعادة ثقة المستمثرين والعملة الأجنبية التي يحتاجها الاقتصاد. وبناء عليه استعادت الليرة التركية بعضًا من قيمتها. ويرى المتشككون والمعارضون للعدالة والتنمية أن مصاعب تركيا لا تُحل بتغيير مسؤول، أو بلغة لطيفة، كما أن أردوغان سيظل الشخصية الأقوى في السلطة، ولديه مواقف غير تقليدية من الاقتصاد. وفي حالة قرر المصرف المركزي رفع سعر الفائدة الأسبوع المقبل، فقد يساعد على عودة الاستثمارات الضرورية. وفي الوقت الذي يقول فيه المحللون إن مشاكل الاقتصاد التركي هي من صنع أردوغان، إلا أن أحداث الأسبوع الماضي كشفت عن براعة وتكيّف الرجل، الذي تسيّد السياسة التركية على مدى العقدين الماضيين؛…

تابع القراءة

أزمة معبر الكركرات وفرص التسوية للأزمة بين “البوليساريو” مع المغرب

بعد أيام من تدشين الإمارات قنصلية لها في منطقة الصحراء -على الرغم من عدم وجود أحد من رعاياها في المنطقة المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو- دخلت أزمة الصحراء المغربية مرحلة جديدة من التأزيم السياسي والعسكري، بعد التصعيد العسكري الذي شهده معبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا، منذ أسابيع، حيث عرقلت جماعة “البوليساريو” مرور حركة البضائع المغربية إلى موريتانيا، بحجة خرق المغرب للاتفاقيات الموقعة بينهما، وقامت بإغلاق المعبر في 21 أكتوبر الماضي. والأسبوع الماضي، انتقد العاهل المغربي الملك “محمد السادس” عرقلة بوليساريو حركة النقل بين المغرب وموريتانيا عبر الكركرات، ثم أعلنت الرباط التدخل العسكري يوم الجمعة 13 نوفمبر، وفتح المعبر بالقوة دون التوسع في التصعيد العسكري، والاكتفاء بإقامة حزام أمني حول المعبر، الذي تحرسه قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، وفق ما أشار إليه أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة “ابن طفيل القنيطرة” بالمغرب رشيد لزرق، في تصريحات صحفية نقلها موقع “نون بوست”، مشيرا الى إن بلاده تدخلت وفق ميثاق الأمم المستحدة الذي يخول للدول اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة من أجل الدفاع الشرعي الوقائي المتمثل في عرقلة مرور البضائع والأشخاص. ومع التصعيد العسكري المغربي، أعلنت البوليساريو أنها في حالة حرب مع المغرب، وفق ما أشار إليه ممثل الجبهة في الجزائر “عبدالقادر طالب عمر”، الجمعة الماضية، وقال “عبدالقادر” إن “وقف إطلاق النار تم خرقه”، بعد الحملة التي شنها الجيش المغربي في معبر “الكركرات” وفي غضون ذلك، دخلت الجزائر على خط الأزمة، وأرسلت يوم الإثنين 16 نوفمبر، مساعدات معيشية إلى الجبهة تقدر بـ60 طنا، وصلت إلى مطار “الرائد فراج” في ولاية تندوف، عبر طائرتين عسكريتين تابعتان للقوات الجوية الجزائرية، وفق صحية “النهار” الجزائرية، كما استعرضت الجزائر قدراتها العسكرية، في تحد للرباط. مستنكرة، العمليات العسكرية، التي جرت الجمعة الماضي، ودعت إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، مع مساندة واضحة للجبهة ودعم حقها في تقرير المصير “حسب رؤيتها”، وهو ما ترك أثره على العلاقات المغربية الجزائرية طوال السنوات الماضية حتى اليوم. وأيضا نشرت وزارة الدفاع الجزائرية تقريرا لافتا، الأحد 15 نوفمبر، من حيث المحتوى والتوقيت، استعرضت فيه قدراتها العسكرية، وظهر خلال الفيديو للمرة الأولى “صاروخ إسكندر الباليستي” وأكد تقرير وزارة الدفاع الجزائرية أن “القضية الصحراوية  قضية عادلة نصرتها ودعمتها الجزائر وستدعمها حاضرا ومستقبلا” وتعترف الجزائر بجبهة البوليساريو، التي تطالب بانفصال أقاليم الجنوب في المغرب. وكان تم إغلاق الحدود البرية بين الجزائر والمغرب عام 1994، عقب هجوم إرهابي استهدف فندقًا في مدينة مراكش السياحية، وظل معبر “زوج بغال” موصدًا بين البلدين منذ ذلك الحين.   أهمية معبر الكركرات ويعتبر معبر الكركرات، الواقع على بعد 11 كيلو مترا من الحدود مع موريتانيا وعلى بعد 5 كيلو مترات من المحيط الأطلسي، منطقة منزوعة السلاح بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في 6 سبتمبر 1991م الذي ترعاه الأمم المتحدة، والذي يعتبر الجدار الذي شيده المغرب في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي خطاً لوقف إطلاق النار، حيث تنتشر القوات الأممية “المينورسو” لمراقبة تنفيذه. وتعرف منطقة الكركرات في الأوساط الشعبية بـ قندهار”، نظرا لحالة الفراغ التي تعيشها وازدهار عمليات التهريب فيها. وتحوّل معبر الكركرات الحدودي إلى نقطة توتّر منذ صيف عام 2016، حينما بادر المغرب إلى إطلاق حملة تمشيط للمعبر الحدودي الرابط بينه وبين موريتانيا، مستهدفاً شبكات التهريب والاتجار غير المشروع، حيث حجزت السلطات المغربية حينها ما يربو على 600 عربة غير قانونية، وهو ما ردّت عليه جبهة “البوليساريو” بإيفاد مجموعة من مسلحيها إلى المعبر، مسبّبة حالة من التوتّر الإقليمي والدولي. وبعد شهور طويلة من التوتّر، الذي خيّم على المنطقة، انتهت الأزمة من الجانب المغربي في شهر فبراير 2017، إذ استجابت المملكة لطلب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بسحب قواتها التي دفعت بها نحو المنطقة لمواجهة مسلحي “البوليساريو” الذين أتوا إليها من معسكراتهم الواقعة إلى الشمال. لكن الجبهة الانفصالية رفضت الامتثال لذلك الطلب، وبقيت في محيط المعبر الحدودي إلى أن اقترب موعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي في نهاية إبريل 2017، إذ نفّذت انسحاباً جنّبها إدانة رسمية من طرف المجلس. وفي يناير الماضي عادت المنطقة لتشتعل بعدما عمد بعض المنتمين إلى “البوليساريو” إلى دخول هذه النقطة الحدودية التي تعتبر المنفذ البري الوحيد للمغرب مع موريتانيا، واعتصموا فيها، ما تسبّب في إغلاقها، وذلك بالتزامن مع وصول المشاركين في سباق “أفريقيا إيكو ريس” للسيارات إلى هذه النقطة الساخنة في الصحراء، قبل أن تضطر الجبهة إلى الانسحاب بعد تدخل الأمم المتحدة. ورغم هذه الانسحابات، إلا أن المعبر بقي نقطة توتّر، خاصة من جانب جبهة “البوليساريو” التي تلوّح بتهديده كلما واجه ملف الصحراء أزمة جديدة.   أسباب تصاعد أزمة الكركرات تباطؤ الحلول الدولية وتعود أسباب تفجر الصراع بين البوليساريو والمغرب مؤخرا، إلى تباطؤ جهود المجتمع الدولي في حلحلة الأزمة الأقدم في إفريقيا. ودعا الوزير السابق محمد الشيخ بيدالله، جبهة البوليساريو للانضمام إلى الحل الذي اقترحته المغرب لتسوية النزاع حول الصحراء. وقال بيدالله، الأمين العام الأسبق لحزب “الأصالة والمعاصرة”، في تغريدة نشرها عبر حسابه الخاص على موقع “تويتر”، إنه “آن الأوان للبوليساريو أن يستخلص الدروس من تجربة الحركات المشابهة في إيرلندا وأمريكا الجنوبية، ويطرح السلاح، ويتحول إلى كيان سياسي، وينضم إلى الحل الجدي الذي اقترحته بلادنا للم الشمل، والتفرغ معًا لبناء وطن موحد”، حسبما نقلت وكالة “سبوتنيك”، أن الدعوات المذكورة قد تكون وجيهة لكن قرار جبهة البوليساريو مملوك من لدن “دولة أخرى”، وحصول تحول في طبيعة وعقيدة الجبهة لن يتحقق إلا إذا رأت الجزائر مصلحتها في الموضوع، أو بواسطة إجراءات قد تكون بعضها رادعة. وفي فبراير الماضي، استقر رأي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على تعيين وزير خارجية سلوفاكيا الحاليّ والرئيس السابق للجمعية العامة للأمم المتحدة ميروسلاف لايتشاك كمبعوث خاص له إلى الصحراء، وكان غوتيريش قد أخبر الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول الأوروبية الكبرى بقراره هذا دون استشارة مسبقة مع الأطراف المعنية بالنزاع، مما يعد سابقة في تاريخ المنظمة الدولية وتاريخ النزاع بشأن الصحراء. ويضع غوتيريش بهذا التعيين حدًا لشغور منصب المبعوث الأممي الخاص إلى المنطقة الذي استمر لنحو تسعة أشهر، أي منذ استقالة الألماني هوريس كوهلر نهاية شهر مايو 2019 لدواعٍ صحية، بعدما تسلم مهامه في يونيو 2017، وخلال هذه الفترة القصيرة نجح كوهلر في جمع الأطراف المعنية إلى طاولة الحوار، لا سيما حين عقد في سويسرا اجتماعين في ديسمبر 2018 ومارس 2019 شارك فيهما كل من المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا، لكن لم تنجح هذه المحادثات في إيجاد مخرج للنزاع الشائك، وظلت متوقفة منذ استقالة كوهلر.   استفزازات البوليساريو ودأبت عناصر البوليساريو التحرش على بالمغرب في مناطق التماس، وخاصة الكركرات التي تقع في المنطقة العازلة رغم صدور قرارات من مجلس الأمن تأمر البوليساريو بالانسحاب من المنطقة، منها القرار 2414و…

تابع القراءة

هجوم “كباء علماء السعودية” على الإخوان .. قراءة في الأهداف ومغزى التوقيت

فاجأت ما تسمى بهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية المسلمين والعالم بهجوم مفاجئ على جماعة الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية في مصر و العالم، وأصدرت الهيئة بيانا شانئا احتوى على كثير من المغالطات والأكاذيب حيث ادعى البيان أن الجماعة لا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي الدين الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب. وواصل البيان هجومه على الجماعة بلا دليل أو برهان زاعما أنه لم يظهر من “الإخوان” عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم ومن رحمها خرجت جماعات إرهابية”. وفي سياق الحملة السعودية السوداء ضد الجماعة خصصت وزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد موضوع خطبة الجمعة 13 نوفمبر 2020م عن التحذير من جماعة الإخوان المسلمين بالتحديد وليس من تنظيمات داعش أو القاعدة! وجرى توظيف منابر الحرمين الشريفين لهذه التوجهات «السياسية»؛ حيث حذَّر خطيب الجامع الحرام أسامة خياط من التحزب والاختلاف وخص بالذكر الانتماء إلى تنظيمات وأحزاب وجماعات مخالفة في نهجها كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد “صلى الله عليه وسلم” وهدي سلف الأمة؛ مؤكدا أن عاقبة ذلك الفشل وذهاب الريح وسوء المصير والعذاب في الآخرة  مستدلا على ذلك ببيان ما تسمى بهيئة كبار العلماء.[[1]] أولا، تطاول المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية على الإخوان ليس الأول من نوعه، فقد سبق أن أصدرت بيانا مماثلا سنة 2017م يحذر مما سمته “منهج الجماعة القائم على الخروج على الدولة”. لكن بيان «كبار العلماء» الأخير أشار صراحة إلى الجماعة باعتبارها “إرهابية، لا تمثل الإسلام، وتتبع أهدافها الحزبية”. لكن اللافت أن البيان صيغ بعبارات سياسية تفتقد إلى الصيغة الفقهية الشرعية، وعبَّر عن توجهات ومضامين «سياسية» تتطابق مع تصورات النظام ورؤاه السياسية دون أن يبرهن على الاتهامات الخرافية التي ساقها ضد جماعة الإخوان المسلمين؛ وبالتالي فالبيان هو تكرار لذات التوجهات والمضامين والتوصيفات المعلبة التي وردت في بيان وزارة الداخلية السعودية في مارس 2014م، والذي صنف جماعة الإخوان على أنها تنظيم “إرهابي”؛ في سياق دعم نظام آل سعود للانقلاب العسكري في مصر والعصف بكل ما له صلة بالديمقراطية وإرادة الشعب الحرة. كما يمثل بيان الهيئة تماثلا مع توجهات ولي العهد الذي وصف في مارس/آذار 2018 جماعة الإخوان بأنها “حاضنة للإرهابيين” كما هاجم الجماعة في مقابلة تلفزيونية في محطة “سي بي الأميركية، متعهدا بـ”اجتثاث عناصر الإخوان المسلمين” من المدارس السعودية في وقت وجيز. المؤسف في الأمر من جهة ثانية، أن بيان هيئة كبار العلماء السعودية يزيد الانقسام والفرقة داخل الأمة ويزيد من لهيب الفتنة المشتعلة أصلا في وقت حساس تحتاج فيه الأمة إلى الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق؛ في ظل تكالب الأعداء على الأمة الإسلامية؛ إضافة إلى أن الإخوان ومن يؤمنون بمدرستهم الفكرية في بلاد الحرمين لا يعرف لهم تنظيم أعلن الخروج على آل سعود؛ وتيار الصحوة المحسوب على الإخوان جرى اعتقال علمائه ودعاته على نحو ظالم؛ لمواقف وتصريحات رصينة تستهدف لم شمل الأمة وعدم تمزقها؛ وبالتالي فإن بيان ما تسمى بهيئة كبار العلماء يمثل برهانا ساطعا على حجم التوظيف السياسي للمؤسسة الدينية والإسلام ذاته من أجل إضفاء مسحة شرعية دينية على مواقف سياسية هي محل خلاف كبير، وبذلك يجري “تديين السياسة” وصبغها بقداسة مزيفة عبر فتاوى وبيانات تنحاز للسلطة وتدور معها  ومع مواقفها حيث دارت بعيدا عن الموقف الشرعي الصحيح من  المسألة موضع النظر. كما يمثل برهانا على أن “المؤسسة الدينية” الرسمية تحولت بدورها إلى ظهير سياسي وأدوات في يد السلطة تتلاعب بها كيف تشاء في سبيل تكريس سلطتها الباطشة وحكمها الاستبدادي بهدف إضفاء صبغة شرعية على نظام يمارس الظلم والطغيان في أوسع صوره وأشكاله وبالتالي أمست المؤسسة الدينية أكثر من مجرد أدوات دعم للنظام؛ بل أضحت جزءًا من الطغيان نفسه، وشكلا سافرا من أشكال التطرف الديني”. وبالتالي فإن ما تحتاجه المجتمعات العربية والإسلامية عمليا ليس تحرير السياسة من الدين، لأن العلاقة بينهما ستبقى قائمة كما في أعرق الديمقراطيات في العالم كالمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرها،  وإنما تحرير الدين من قبضة السياسة، لأنها هي من تستخدمه عمليا في تبرير القمع والفساد، وكل ذلك في معرض رفضها الإصلاح السياسي الحقيقي حتى تبقى مغتصبة للحكم لأطول فترة ممكنة. بيان الهيئة السعودية من جانب ثالث يمثل سطوا مع سبق الإصرار والترصد للخطاب الديني واحتكارا لحق تأويله وتفسيره لحساب النظم القمعية التي استبان خذلانها للإسلام والمسلمين وعرفت الشعوب حجم خيانتها للأمة من خلال علاقاتها المشبوهة مع الكيان الصهيوني ودعمه ضد المسلمين والإقرار بحقه في اغتصاب واحتلال أرض المسلمين وبلادهم وإذلال شعوبهم؛  ذلك أن أية قوة إسلامية لا يمكن أن يكون بوسعها الادعاء بأنها تمثل الدين في ظل كثرة الحركات واختلافها في تفسير النصوص وتباين طروحاتها. كما أن هناك فرقا بين من يطرح رؤاه الدينية ويعرضها على الجمهور بقوة الإقناع، وبين من يفرضها بسطوة الأمن والمال، ومؤخرا بسطوة الفضائيات والصحف الممولة من مال المسلمين المنهوب، بل يفرضها من خلال مصادرة المساجد برمتها، والحيلولة دون سماع الناس أي رأي يخالف الرأي الرسمي؛ الأمر الذي يجعل من دعوات تحرير الإسلام من قبضة السياسة ضرورة ملحة، أكثر من حاجتنا إلى منع استغلال الدين في السياسة، لأن أحدا في التاريخ لم يكن بوسعه ادعاء الحق المطلق في النطق باسم الدين، ولم يتمكن أي عالم أو لون فكري أو مذهبي من صهر الناس جميعا في بوتقته.[[2]] من جهة رابعة، فإن البيان يمثل توريطا للمؤسسة الدينية الرسمية في الضلال السياسي، وهو ما يمثل خطورة على مستقبل هذه المؤسسة وصورتها أمام الرأي العام المحلي والعربي والإسلامي؛ وعلى الأرجح فإن مثل هذا التوظيف السياسي للمؤسسة الدينية من جانب السلطة السعودية سوف يفضي تلقائيا إلى انكشافها وفضح أمرها ليس باعتبارها أدات من أدوات القهر والطغيان فقط، بل لأنها تمارس دور “القوَّاد” الذي يتستر على «الدعارة السياسية» التي يمارسها النظام السعودي، بمباركة مواقفه المخزية وسياساته الظالمة؛ حيث يبطش بالعلماء والدعاة الربانيين وسجون الطغاة وعلى رأسهم بن سلمان تضم أكثر العلماء تميزا واستنارة بين شعوبهم، في وضع أسوأ من العصور الوسطى في أوروبا، حيث يتعرضون لأقسى أنواع التعذيب داخلها. ولذلك جاءت الردود على بيان الهيئة من الهيئات الإسلامية المشهود لها بالمصداقية وعدم الانحياز للسلطة؛ وتدليلا على سقوط مكانة المؤسسة الدينية السعودية فقد وجه الداعية الهندي الشهير سلمان الحسيني الندوي انتقادا لاذعا للهيئة في بيان له أكد فيه أن “كبار العلماء السعودية” وبدلا من دعم الحق ونصرة المظلوم، سخرت منبر الحرم، وكافة المنابر لـ”مهاجمة عباد الله الصالحين”. وأضاف: «تتملقون للحكام الظلمة الفسقة المجرمين الذين انكشفت خباياهم للأمة الإسلامية فكرهتهم، وأبغضتهم فتجادلون عنهم، فمن يجادل الله عنكم يوم القيامة؟». وتابع بقوله «كانت شعوب الهند وباكستان وبنغلادش وغيرها تحبكم لخطبكم وإمامتكم في المساجد وندواتكم، والآن باتت تكرهكم وتبغضكم لنفاقكم وكذبكم وجرأتكم…

تابع القراءة

دراسة: التطبيع الصهيوني الصومالي.. تاريخ طويل من السجالات ومستقبل ملتبس

منذ سنوات، يتعرض الصومال لضغوط أمريكية وإسرائيلية من أجل تطبيع العلاقات مع تل أبيب، وإعلان اتفاق إقامة علاقات رسمية بين الطرفين، وذلك امتدادا لتاريخ طويل من العلاقات والتقاطعات السياسية بين الكيان الصهيوني ودولة الصومال، عبر تاريخ  الصراعات على أراضيها، كذلك تتقاطع على أراضي الصومال العديد من الأجندات الإقليمية والدولية، نظرا لموقعها الاستراتيجي في القرن الإفريقي. والأسبوع الماضي، كشف حساب “الصومال بالعربية”، على موقع “تويتر” أن مصادر مطلعة تؤكد تعرض الحكومة الصومالية لضغوطات سياسية وابتزاز من قبل إدارة الرئيس الأمريكي -الخاسر بالانتخابات- دونالد ترامب للتطبيع مع إسرائيل” وبحسب دوائر سياسية إفريقية، قوبلت الضغوطات الأمريكية بالرفض من قبل الرئيس الصومالي “محمد عبدالله فرماجو”، والحكومة الصومالية. وفي نفس السياق، استدعت الخارجية الصومالية، مطلع نوفمبر الجاري، السفير المصري في مقديشيو وحذرته من مغبة الانسياق وراء سياسات أبوظبي والتدخل في الشأن الداخلي الصومالي. وقال مقربون من الخارجية الصومالية؛ إن المخابرات المصرية بإيعاز من الإمارات رتبتا لقاء بين المرشح الرئاسي “حسن شيخ” ومسؤولين إسرائيليين في القاهرة، لدعم حملته الانتخابية مقابل التطبيع مع إسرائيل.   تاريخ العلاقات الصومالية الإسرائيلية وبحسب الباحث المصري المتخصص في الشئون الإفريقية، د. سامي صبري عبد القوي، تنطلق أهمية الصومال إسرائيليًّا، من كونها إحدى الدول الرئيسة المكوِّنة لمنطقة للقرن الإفريقي، والتي تُمثل بدورها أهميةً قصوى في التوجه العام للسياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه إفريقيا؛ نظرًا لما تتسم به  تلك المنطقة من خصائص استراتيجية تبدو فريدة، بجانب تقاطعها مع مناطق جيو-استراتيجية عدة تنطلق منها؛ وهو ما جعلها دائمًا وأبدًا محط أنظار القوى الإقليمية والدولية. حيث تطل  على خليج عدن والمحيط الهندي، والمُشرف على مدخل باب المندب الجنوبي، والطريق عبر البحر الأحمر، وقناة السويس، واقترابها من حقول النفط بالشرق الأوسط. ورغم محاولات إسرائيل العديدة تأسيس علاقات دبلوماسية مع الصومال، وتطبيع العلاقات معها في مختلف المجالات، غير أن المتغيرات الأمنية سواءً المتصلة بتنامي ظاهرة القرصنة أمام السواحل الصومالية، وتهديدها لحركة التجارة العالمية، أو المتصلة بنشاط حركة الشباب الصومالية، التي تُصنِّفها إسرائيل كحركة إرهابية معادية لها؛ قد جعلت من الصومال -حسب وصف البعض- الغائب الحاضر في العديد من الاتفاقيات والمحادثات الأمنية بين إسرائيل ودول المنطقة، وفي مقدمتها كينيا وإثيوبيا، وقد كرَّس ذلك من جعل الصومال هدفًا مهمًّا لتكثيف التغلغل الإسرائيلي، لا سيما خلال السنوات القليلة الفائتة، وفق دراسة غادة محمد أحمد زيان: “السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه منطقة القرن الإفريقي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر” . ووفق دراسة “الصومال في الاستراتيجية الاسرائيلية”  المنشورة في موقع “قراءات افريقية”، في العام 2017، توجهت سياسة إسرائيل إزاء الصومال في الفترة ما بين استقلالها، حتى انهيار الدولة، متناقضةً على نحوٍ كبيرٍ في وسائلها، لكنها في نهاية المطاف رَمَتْ إلى تحقيق هدفٍ واحدٍ؛ ألا وهو إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع تلك الدولة، وتطبيع العلاقات معها، مهما كانت الكلفة ترغيبًا وترهيبًا. وفي خمسينيات القرن المضي، ووفق سياسات جولدا مائير لخقل أرضية في الدول المقبلة على الاستقلال، اتجهت إسرائيل قبيل استقلال الصومال بعدة أشهر، إلى التمهيد لإقامة علاقات معه؛ ففي أواخر عام 1959م، التقت وزيرة الخارجية جولدا مائير بالدكتور محمد جيو، أحد قادة حركة المقاومة الصومالية، خلال وجوده في ليبيريا، التي كانت تزورها حينذاك، وعرضت عليه مساعدة إسرائيل الاقتصادية للصومال بعد الاستقلال. وفي 6 يونيو 1960م، قام راحاميم  تيمور مسئول وحدة تشغيل العملاء في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (آمان)، والقنصل الأسبق لإسرائيل في أديس أبابا؛ بزيارة مقديشيو، واتصل بكلٍّ من عبد الله عيسى رئيس وزراء الصومال، ومحمد جيو الذي أصبح وزيرًا للدستور، وكرَّر عليهما عرض مائير. وفي 30 يونيو 1960م، بعث الرئيس الإسرائيلي إسحاق بن زئيفي برقية تهنئة للرئيس الصومالي بمناسبة استقلال بلاده، أعلن فيها اعتراف تل أبيب بالدولة الصومالية الجديدة، إلا أن الحكومة الصومالية تجاهلت البرقية. ومنذ تلك اللحظة تبنَّت الصومال خطًّا قوميًّا معاديًا لإسرائيل، بل وانضمت إلى جامعة الدول العربية، أي: أصبحت دولة عربية، ومِن ثَمَّ باتت الصومال تُعِدُّ نفسها في حالة حرب مع إسرائيل، بحكم انتمائها للعالم العربي؛ وبذلك قطعت الطريق أمام محاولات إسرائيل تأسيس علاقات دبلوماسية معها، فاتجهت إسرائيل نجو توثيق علاقاتها بأديس أبابا ضد الصومال، خاصة فيما يتعلق بإقليم أوجادين الصومالي، الذي تحتله إثيوبيا، وقد انفجرت أول حرب على الحدود بين إثيوبيا والصومال خلال شهري يناير وفبراير 1964م، ولم تتوقف إلا بعد تدخُّل منظمة الوحدة الإفريقية ودعوتها طرفي النزاع إلى وقف إطلاق النار بينهما في منتصف فبراير 1964م، وقامت إسرائيل بدعم الجيش الاثيوبي وارسال مدربين عسكريين إليه . وعندما نشب نزاع مسلح بين إثيوبيا والصومال خلال عامي 1977-1978 حول إقليم أوجادين؛ كان هناك اعتقاد إسرائيلي أنه في حالة استقلال أوجادين؛ فإنها ستنضم إلى الصومال لا محالة، مما يعني توسع الحدود الصومالية على حساب إثيوبيا، وهو ما عدته إسرائيل يُشكِّل خطرًا عليها، باعتبار أن الصومال يمثل أحد أطراف صراعها مع العرب، وأن أية زيادة في قوتها-أي الصومال- تعني مزيدًا من القوة “للعدو” وتجلت رؤية مناحم بيجن، رئيس وزراء إسرائيل، في عدم رؤية البحر الأحمر والقرن الإفريقي خاضعًا لهيمنة العرب، وخاصة مِن قِبَل مَن أسماهم بالعرب “المتطرفين” !وشاركت إسرائيل بجانب إثيوبيا في حرب الأوجادين ، على الرغم من مقاطعة أمريكا لإثيوبيا، وهو ما دفع إثيوبيا للتوجه نحو الاتحاد السوفييتي طلبًا للمساعدة العسكرية، ولعبت اسرائيل دورا كبيرا في تطوير الطائرات والصواريخ في اثيوبيا، ومع الحرب الأهلية الصومالية، وانهيار الدولة ، جعلها “بيئة مثلى” للتغلغل الإسرائيلي، لكنه أضحى نسبيًّا بعد أن بدأت الصومال تخطو خطواتها صوب إعادة بناء مؤسساتها. وبحسب تقرير لموقع “الصومال الجديد”، عقب سقوط نظام سياد بري عام 1991م، وتردّي الأوضاع الداخلية وغياب الأُطُر المؤسساتية، وانفراط عقد الدولة وانهيارها. وجدت إسرائيل في ذلك فرصة مواتية للتغلغل داخل الصومال؛ وهو ما تمَّ على نحو فعلي عبر آليتين؛ هما: الواجهة التجارية، ومساندة إحدى الفصائل ضد الأخرى والاتصال بقوى المعارضة. وكان الموساد قائد تنفيذ هاتين الآليتين لا سيما بعد نشر تقارير عن وجود عناصر تابعة له داخل معسكرات القوات الدولية، التي كانت تعمل بالصومال تحت ستار واجهة شركات هولندية معنية بتوفير مستلزمات الجنود. وبرزت في هذا الصدد شخصية “ديفيد مورس” وهو يهودي أسترالي كانت له علاقات قوية بالموساد، وقد بدأ نشاطه مع دخول القوات الدولية للصومال في عام 1992م، وتميز بقدرته الواسعة على التواصل والتغلغل في الوسطين السياسي والتجاري؛ حيث مُنِحَ عدة عطاءات من الأمم المتحدة لتوريد المواد الغذائية لقواتها في الصومال، كما تمكَّن من الانتشار في الوسط التجاري في العاصمة مقديشيو، بعدما اتسع نشاطه بها ليشمل عدة مجالات، أبرزها: تحلية المياه، وتصدير الماشية، وتوريد المواد الغذائية. وقد اغتيل في أبريل 1995م، من قِبل عناصر مسلحة، ونَسْجت اسرائيل علاقات مع قادة الفصائل الصومالية، وذلك من خلال مشاركتها في المؤتمر الدولي الثاني لتنسيق المساعدات الإنسانية للصومال في أديس أبابا في ديسمبر 1992،  وقد تبرعت إسرائيل في…

تابع القراءة

آبي أحمد والحرب الإثيوبية

تشهد إثيوبيا احتقانًا سياسيًّا غير مسبوق بين الحكومة الفيدرالية وبين حكومة إقليم التيجراي. الخلاف بين الطرفين ليس جديدًا بالطبع، إلا أنه تفاقَم أكثر مؤخرًا، على خلفية الخلاف على إجراء الانتخابات العامة في البلاد. ففي حين رأت الحكومة الفيدرالية تأجيل الانتخابات، رأى إقليم التيجراي -الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، ضمن النظام الفيدرالي في البلاد- إجراء الانتخابات في موعدها. وبالفعل أجرى الإقليم انتخاباته في موعدها، متجاوزًا تحذيرات الحكومة المركزية؛ الشيء الذي اعتبرته الأخيرة تمرُّدًا من حكومة الإقليم، وأعلنت بأنه لن يكون لها أي علاقة إدارية مع حكومة الإقليم. وقرر البرلمان إيقاف الميزانية المخصصة له، وبدأ فعليًّا في إيقاف كافة الخدمات الفيدرالية التي يستحقها الإقليم؛ بصفته عضوًا في الاتحاد الفيدرالي؛ ليتفاقم الخلاف من جديد، وتصل حالة انسداد الأُفق السياسي إلى أقصى مدى. وفي مُستهل هذا الأسبوع، أرسل رئيس إقليم التيجراي، رسالة مفتوحة موجَّهة إلى نحو سبعين رئيس دولة، يُحذر فيها من مخاطر تدهور الأوضاع في البلاد، والذي جاء فيها أن آبي أحمد يريد بناء نظام يُتيح له تحقيق طموحاته الديكتاتورية. فما هي جذور الأزمة؟ وكيف تطورت في الأيام الأخيرة؟ وما هي السيناريوهات المحتملة في المستقبل؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عنها. جذور الأزمة: منذ العام الماضي، بدأت أعمالُ الرفض والاحتجاجات بالازدياد، وهو ما قابلتْهُ الحكومةُ بقطع متكرر لخدمات الإنترنت، تزامن ذلك مع حملات اعتقالات طالت الآلاف من المتظاهرين والمعارضين، وعلقت عليها كثير من المنظمات الحقوقية، كما حدث في أواخر مايو الماضي، عقب اغتيال مغني الأرومو هشالو هنديسا؛ حيث تم التعامل مع هذا الحدث كإهانة لمجمل القومية. التنافس الحالي بين العاصمة اليفيدرالية وإقليم التيجراي الشمالي، هو أحد مظاهر التنازع الذي تعيشه البلاد، فقد دخل الرئيس آبي أحمد والحزب الحاكم في إقليم تجراي (جبهة تحرير شعب التيجراي)، ما يشبه المواجهة، حين أصر سياسيو الإقليم على تنظيم انتخاباتهم البرلمانية، بمعزل عن رأي المركز، الذي كان يرى تأجيلها. منطق التيجراي -جنبًا إلى جنب مع مجموعات أخرى وناشطين سياسيين، أبرزهم جوهر محمد، الذي ينتمي للأرومو والمعتقل حاليًّا- هو أن الحكومة أكملت فترتها، وأنه كان يجب عليها تنظيمُ الانتخابات؛ تحقيقًا لوعود آبي أحمد. حسب هذا المنطق، فإن الخطأ ليس في انعقاد الانتخابات في موعدها في التيجراي، وإنما في تلكؤ رئيس الوزراء، ورفضه التنحي وإتاحة الفرصة للشعب. وجائحة كورونا التي كانت السبب خلف تأجيل العملية الانتخابية، يعتبرها كثيرون من أنصار ذلك التيار مجرد ذريعة، خاصة، وأنها لم تمنع قيام فعاليات وتظاهرات أخرى رعتها الدولة[1]. تطور الأزمة في الأيام الأخيرة: في استمرار للتصعيد المتبادل بين الحكومة الفيدرالية -بزعامة رئيس الوزراء آبي أحمد- وحكومة إقليم التيجراي، اتخذ بُعدًا خطيرًا، يتمثل في محاولة كل طرف نزع الشرعية عن الآخر. فقد اتخذ مجلس الاتحاد (الذي يمثل الغرفة العليا في البرلمان الإثيوبي) عدة قرارات، باتجاه فك الارتباط مع الإقليم المتمرد على مؤسسات الحكم الفيدرالي في البلاد. فأولًا: أمر مجلس الاتحاد الحكومة الفيدرالية بوقف جميع التعاملات مع كل من المجلس التشريعي ومجلس الوزراء في إقليم التيجراي؛ بحجة أنهما نتاج “انتخابات إقليمية غير دستورية”. وثانيًا: علق التحويلات المالية الفيدرالية إلى المنطقة. وثالثًا: قام بإيقاف التعامل مباشرة مع المؤسسات المحلية على المستويات الأساسية؛ من أجل ضمان استمرار توفير الخدمات العامة الملحة لأبناء الإقليم. وقد اعتبرت النخبة الحاكمة في الإقليم هذه القرارات بأنها بمثابة إعلان حرب على التيجراي.[2] وفي تطور سريع يعكس تدهور العلاقة بين حكومة إقليم التيجراي والحكومة الفيدرالية في أديس أبابا، أمر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الجيش بالرد الحاسم على ما سماه عدوان الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي. يقول البيان الصادر عنه: لقد تم تجاوز الخط الأحمر، وعلى الجيش إنقاذ البلاد؛ حيث تم اتهام الجبهة الحاكمة في التيجراي -التي ترفض شرعية الحكومة الاتحادية بعد 5 أكتوبر الماضي- أنها هاجمت معسكرًا للجيش الاتحادي؛ للاستيلاء على الأسلحة والمعدات؛ في محاولة وصفها البعض بالانقلاب على آبي أحمد. وهو ما يشير إلى تطور خطير، قد يهدد استقرار إثيوبيا والمنطقة بأسرها، وتحوّل حامل نوبل للسلام إلى مغامر يقود البلاد إلى حرب أهلية[3]، وهو ما يتضح في تطورات الوضع حتى الآن بعد الأمر الذي صدر من آبي أحمد لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية ببدء هجوم عسكري ضد جبهة تحرير شعب التيجراي؛ الأمر الذي يفضي لإعلان الحرب، ليس فقط في إثيوبيا، وإنما ستمتد إلى الجارة إريتريا، وسينعكس صداها على المنطقة ككل، لاسيما إن أفضت إلى انفصال التيجراي. سيناريوهات ومسارات محتملة: في ظل هذا الوضع المُتأزم؛ صعدت للأُفق ثلاثة سيناريوهات مُستقبلية: أولها: سيناريو المواجهة: وهو ما تم بالفعل، بالانتقال من المواجهة الإعلامية إلى مواجهة مسلحة في الأخير، وهو ما دعمته مقاربات آبي أحمد، التي نزعت إلى إظهار قوة الحكومة المركزية، وسياساته الرامية إلى تضييق الخناق على حكومة التيجراي -عبر عزلها وتطويقها من جهة الجارة إريتريا-؛ الأمر الذي انعكس بدوره على حتمية المواجهة المباشرة. وثانيها: سيناريو إضعاف سلطة الحكومة المركزية: وتُعتبر هذه المقاربة هدفًا أساسيًّا لعدد معتبر من التنظيمات، التي تميل إلى تقوية سردية الفيدرالية العرقية. فمنذ خروج الإيطاليين وعودة الحكم الوطني -ممثلًا في حكومة الإمبراطور هيلا سلاسي- بُذلت جهود جبارة من أجل حكومة مركزية، تبسط هيمنتها على الأقاليم كافة. وفي ضوء الأزمة الحالية تتزايد المخاوف بشدة، ويطل شبح عودة قبضة الدولة المركزية، وهو ما دعمه توجه آبي أحمد لعزل إقليم التيجراي، وقراره بالمواجهة العسكرية؛ خشية إضعاف قبضته على الدولة الإثيوبية؛ حيث إن إشكالية المواجهة التي بين حكومة إقليم التيجراي والحكومة المركزية تزيد من احتمالية إضعاف سلطات الأخيرة (مستقبلًا) كمقاربة جديدة؛ تفاديًا لسيناريوهات أسوأ على شاكلة الانفصال كليًّا، عبر ممارسة حق تقرير المصير الذي يكفله الدستور الإثيوبي. وثالثها: تصاعد النزعة الانفصالية: حيث يكفُل الدستور الإثيوبي، الذي وُضع في أعقاب إسقاط نظام منجستو هيلا مريام حق تقرير المصير لكل الشعوب الإثيوبية، الذي ربما يشجع حكومة إقليم التيجراي بعد التطورات الأخيرة إلى إعلان الإقليم كيانًا مستقلًّا ذا سيادة[4]. وربما كان مزيج من تلك السيناريوهات مجتمعة هو نتاج حتمي للوضع الراهن. الخُلاصة: لا يمكن التقليل من تأثير جبهة تحرير التيجراي، فمن ناحية الدور التاريخي استطاعت الجبهة العمل على إسقاط النظام الماركسي المتسلط، كما ساهمت في كتابة الدستور الحالي؛ الذي يمنح الإثنيات الحكم الذاتي على الطريقة الفيدرالية؛ بل حق تقرير المصير أيضًا. كما أن للموقع الجغرافي للتيجراي أهمية كبيرة؛ لأنه سيصعب عقد صلح حقيقي مع الصديقة الجديدة إريتريا، دون ثبات الوضع الأمني في عموم المنطقة. كما أنه من المهم هنا بحث ما إذا كانت للقوى الغربية مصلحة في تفكيك الدولة الإثيوبية، أو خلق بؤرة فوضى إقليمية جديدة، وذلك بالنظر لعدد من العوامل الطارئة، التي من أهمها -بعد أزمة التيجراي- التوترات العرقية المتزايدة في أكثر من مكان بالبلاد، كان من آخرها تجدد القتال بين العفر والصوماليين في شرق البلاد. هذا بالإضافة إلى التصريحات التهديدية التي أدلى بها الرئيس…

تابع القراءة

الحوار السياسي الليبي في تونس.. التوافقات والتحديات

بعد عقد اجتماع برعاية الأمم المتحدة بصفة افتراضية في تونس (عبر تقنية الاتصال المرئي) يوم 26 أكتوبر 2020، فقد تم الاتفاق على أن يُعقد أول اجتماع مباشر بين الأطراف الليبية يوم 9 نوفمبر 2020، في مدينة جربة التونسية بمشاركة 13 ممثلًا من الطرفين الليبيين الرئيسَيْن (مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة)، بالإضافة إلى أكثر من 70 شخصية ليبية تختارهم بعثة الأمم المتحدة، على ألا يتولى المشاركون في ما بعد أي مسؤوليات سياسية قيادية في المرحلة الانتقالية. والمطلوب من اجتماعات جربة الاتفاقُ على رئيس المجلس الرئاسي ونائبين له، على أن تكون وظيفته مفصولة عن رئاسة الحكومة، وتعيين رئيس للحكومة مع نائبيه، وتسمية المسؤولين عن الوظائف السيادية الكبرى، على أن تتولى الحكومة الانتقالية تسيير المرحلة المقبلة، بما فيها كتابة دستور جديد للبلاد، وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية حرة ونزيهة، تعيد ليبيا إلى الوضع الدستوري الطبيعي[1]. ويأتي انطلاق الحوار السياسي في تونس مع وجود توافقات محلية وإقليمية ودولية، تتمثل في: 1- إعادة بناء الواجهة السياسية الحاكمة في ليبيا، بما يعني تعديل قواعد اللعبة المتولدة عن اتفاق الصخيرات 2015، وإزاحة الوجوه القيادية في الصراع، وفي مقدمتها رئيس الحكومة فايز السراج، الذي كان قد أعلن خروجه من الساحة السياسية (قبل تراجعه عن ذلك مؤخرًا)، مع تراجُع دور خليفة حفتر لصالح القيادات السياسية والقبلية في الشرق الليبي، وفي مقدمتها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح. 2- تعيين رئيس جديد للمجلس الرئاسي الجديد، قد يكون غالبًا رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، مع نائبين من الغرب والجنوب. 3- تعيين رئيس للحكومة من الشخصيات التكنوقراطية الإجماعية، على أن يكون من الغرب الليبي، ومقبولًا من طرف الجماعات السياسية النافذة في مصراتة وطرابلس والزنتان[2]. وفي الغالب سيكون وزير الداخلية فتحي شاغا -خاصة وأن باشاغا أكثر قبولًا من القاهرة، التي قام بزيارتها في 4 نوفمبر الجاري- الأقرب لتولي هذا المنصب؛ لعدة اعتبارات، منها: أن هناك اتصالات منذ فترة بين باشاغا والجانب المصري؛ فقد جرى التنسيق معه بشكل مباشر خلال أزمة تعرض العمال المصريين للإهانة في مدينة ترهونة، وكذا اختطاف عدد من العمال المصريين في مدينة بني وليد، في أكتوبر الماضي. كما أن باشاغا يحظى بدعم الجانب الأمريكي، الذي لعب دورًا بارزًا في التقريب بين القاهرة وباشاغا، الذي يتولى عملية موسعة لملاحقة العناصر المتطرفة، وتفكيك المليشيات المسلحة، ودمجها ضمن هياكل نظامية، تتبع الجيش الليبي؛ بحيث تكون خاضعة للإشراف والرقابة. وأخيرًا، فإن باشاغا سيكون حلقة الوصل بين القاهرة وأنقرة، في ظل العلاقات التي تربط باشاغا بتركيا؛ ما يعني أنه سيكون أكثر قدرة على الالتزام بألا تشكل تركيا مصدر تهديد على الحدود المصرية الغربية مستقبلًا[3].   إلا أن هناك مجموعة من التحديات التي تقف أمام هذه التوافقات، تتمثل أبرزها في: 1- توجس عدة أطراف سياسية وعسكرية في الغرب الليبي من الأسماء الـ 75، التي اختارتها البعثة الأممية للمشاركة في حوار تونس. وأبرز التحفظات التي يطرحها قادة عملية بركان الغضب، التابعة للجيش الليبي، الغموض في طريقة اختيار أسماء يقولون إنها لا تملك ثقلًا سياسيًّا أو عسكريًّا، وعدم وجود من يمثلهم في هذا الحوار المصيري، رغم أنهم لعبوا الدور الأساسي في طرد مليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر من الغرب الليبي، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من اقتحام العاصمة طرابلس. كما يخشى قادة “بركان الغضب” من أن تنجح مليشيات حفتر، في نقل شرعية السلطة التنفيذية من الغرب إلى الشرق، في حال تم اختيار مجلس رئاسي جديد بقيادة عقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق، التابع لحفتر. كما ستنقل مقرات المؤسسات الرسمية من طرابلس إلى مدينة سرت، الخاضعة حاليًّا لمليشيات حفتر، وحتى إن تم سحب الأخيرة من داخل المدينة، فإنها ستكون أقرب إليها من قوات بركان الغضب. والسيناريو الأسوأ بالنسبة إلى قوات بركان الغضب، أن يقوم صالح بنزع الشرعية منها، وإلغاء الاتفاقية الأمنية مع تركيا، بشكل يسهل من مهمة مليشيات حفتر في القضاء عليها، ودخول طرابلس بسهولة، بعد أن يكون حرم خصومه من أقوى ورقتين في أيديهم، الشرعية ودعم تركيا[4]. وربما كان ذلك من أهم الدوافع التي أدت إلى تراجع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج عن استقالته التي أعلن عنها في أكتوبر الماضي. كما أنه يفسر تأكيد وزير الدفاع في حكومة الوفاق “صلاح النمروش” أن وقف إطلاق النار لن يؤثر على اتفاقيات الدفاع بين تركيا وحكومة الوفاق. 2- الخلاف بين تركيا وقطر من جانب وفرنسا والإمارات ومصر من جانب آخر، فيما يتعلق بمدى مشاركة جماعة “الإخوان المسلمين”، التي يشغل حلفاؤها وأعضاؤها مناصب رئيسة في حكومة الوفاق. وربما ذلك ما يفسر الانتقادات التي تم توجيهها من قبل الإعلام الإماراتي والسعودي والمصري للشخصيات التي تم اختيارها من قبل البعثة الأممية لحضور ملتقى تونس، وادعاء أن أغلب الشخصيات ينتمون لجماعة الإخوان. 3- إمكانية لجوء حفتر مرة أخرى للعمل العسكري؛ خاصة إذا أسفرت المفاوضات عن نتائج تهدد مصالحه، مثل: – عدم القدرة على الاتفاق على آلية شفافة لتوزيع عائدات النفط، و/ أو تعيين محافظ بنك مركزي جديد غير متحالف سياسيًّا مع “حفتر” أو شرق ليبيا؛ الأمر الذي من شأنه أن يجلب المزيد من الدعم القبلي لقطع صادرات النفط مرة أخرى. – تعيين خصوم “حفتر” والمسؤولين الموالين لتركيا في مناصب دفاعية وعسكرية في الحكومة، و/ أو تعيين شخصيات مؤيدة لـ “الإخوان المسلمين” في مناصب بارزة في الحكومة؛ الأمر الذي من شأنه دفع كل من “حفتر” وداعميه الخارجيين -مثل الإمارات- لاتخاذ موقف أكثر عدائية في المفاوضات السياسية. – قد يدفع استمرار الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق أيضًا “حفتر” وأنصارَه إلى العودة إلى التكتيكات القسرية في المفاوضات. وهكذا، فبالنظر إلى صعوبة الأمر المتمثل في حل جميع المخاوف التي أعرب عنها “حفتر” وخصومه، سيكون من المرجح للغاية عودة قواته في نهاية المطاف إلى الممارسات القسرية أثناء المفاوضات، فيما يمكن أن يعطل عملية السلام الأوسع. وسبق أن عطل “حفتر” المفاوضات من خلال تحركات عدوانية في مناسبات متعددة في الماضي، ونظرًا للقيود العسكرية الحالية على تحركات قوات “حفتر”، فقد يكون تعطيل صادرات النفط هو الطريقة التي يميل لها “حفتر” إذا قرر الإفساد. وقد يتجلى الخيار غير النفطي المحتمل في المنافسة على النفوذ والعمليات العسكرية في جنوب غرب ليبيا، لكن ذلك سيكون له فوائد محدودة، بالنظر إلى النفوذ الكبير لقوات “حفتر” القائم بالفعل في المنطقة[5]. ————————– [1]  “آفاق الحل السياسي في ليبيا بعد الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار”، مركز الإمارات للسياسات، 2/11/2020، الرابط: [2]  المرجع السابق. [3]  “وزير داخلية “الوفاق” إلى القاهرة: دور أمريكي في التقارب، ومساعٍ لتأمين خلافته للسراج في ليبيا”، العربي الجديد، 3/11/2020، الرابط: [4]  “ليبيا .. حوار تونس يواجه انتقادات قبل انطلاقه (تحليل)”، الأناضول، 4/11/2020، الرابط: [5]  ستراتفورد، “أبرزها أطماع حفتر .. تحديات هائلة أمام التسوية السياسية الشاملة في ليبيا”، الخليج الجديد (مترجم)، 4/11/2020، الرابط:

تابع القراءة

استفتاء الجزائر.. وعزوف المواطنين عن المشاركة

    منذ أدائه اليمين رئيسًا للبلاد في 19 ديسمبر 2019، بعد أسبوع من انتخابات شهدت نسبة امتناع قياسية عن التصويت، تعهَّد تبّون تعديل دستور 1996، لكن ناشطي الحركة الاحتجاجية رفضوا النص المُقترح شكلًا وموضوعًا؛ لأنه لا يُمثِّل سوى تغيير في الواجهة من وجهة نظرهم، في حين أن الشارع طالب بتغيير النظام؛ لذلك دعوا إلى مقاطعة الاستفتاء. واختتم الجزائريون الأحد 1 نوفمبر التصويت في الاستفتاء على الدستور الجديد، لكن أرقام الإقبال الرسمية لم تظهر حماسًا يُذكر تجاه التغييرات التي تسعى من ورائها الحكومة إلى طي صفحة الحراك الشعبي، الذي عرفته البلاد العام الماضي. حيث قاطع الجزائريون -بشكل ملحوظ- عملية التصويت على تعديل دستوري، يُفترض أن يؤسس لـ “جزائر جديدة”، في ظل غياب صاحب المبادرة الرئيس عبد المجيد تبون؛ بسبب علاجه في الخارج. فماذا كانت معوقات الاستفتاء؟ وما هي نتائجه؟ وماذا كانت مواقف القوى السياسية منه؟ وماذا كانت الدوافع التي قادت لمقاطعة الجزائريين للاستفتاء؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عنها.   نتائج الاستفتاء: بلغت نسبة المشاركة الوطنية الخاصة بالاستفتاء على تعديل الدستور على المستوى الوطني 23.75%؛ ما يُعادل تصويت 5.5 ملايين ناخب من أصل 23.5 مليون مسجل بالجزائر، دون احتساب نحو 900 ألف ناخب في الخارج. ونسبة المشاركة هي أقل بكثير من النسبة المُسجلة في الانتخابات الرئاسية 39.93%، التي فاز بها تبون في 12 ديسمبر 2019، التي اعتُبرت هي الأدنى منذ عقود. وأفاد ناشطون -عبر مواقع التواصل الاجتماعي- وقوع أعمال شغب وتكسير لصناديق الاقتراع ليلة الاستفتاء، في منطقة القبائل المعروفة بعزوفها الانتخابي. وذكرت اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين، وجمعية داعمة للحراك، أن قوات الشرطة أوقفت عددًا من الأشخاص في العاصمة وولاية تيزي وزو[1]. وأعلنت السلطة المستقلة للانتخابات في الجزائر الاثنين، الثاني من نوفمبر 2020؛ إقرار الدستور  الجديد بموافقة 66.8% ممن شاركوا في الاستفتاء. وهكذا يُواجه تبون وضعًا معقَّدًا؛ بسبب نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات الرئاسية التي جاءت به. فحتى لو حاول الحصول على الشرعية من خلال صندوق الاقتراع، فإن مساحة المناورة لديه محدودة؛ لأن الجيش تعلم الدروس من رئاسة عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019)، الذي حرَّر نفسه من وصايته، وأصبح مرة أخرى الممسك الحقيقي بزمام السلطة. ويرى البعض أن الحكم على قوة الحراك يكون من خلال نسبة الامتناع عن التصويت، واستمرار طبيعته السلمية، والاستفتاء لا يمثل أي رهان من حيث التغيير السياسي، وتغيير أسلوب الحكم؛ لكنه يمثل رهانًا كبيرًا في ما يتعلق بتوطيد السلطة، بالاعتماد -في المقام الأول- على نسبة المشاركة. وجرى الاستفتاء في جو من القمع؛ إذ استنكر المعارضون -من الإسلاميين إلى أقصى اليسار، بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان- مشروعًا يهدف إلى دفن الحراك بالنسبة للبعض، وإلى دسترة العلمانية بالنسبة لآخرين[2].   معوقات الاستفتاء: اعترضت الاستفتاء الشعبي على الدستور عدة معوقات، يأتي على رأسها تقليد المقاطعة، التي دأب الجزائريون على التمسك بها في الاستحقاقات الانتخابية، وحالة الاحتقان السياسي الداخلي؛ بسبب تضييق السلطة على الحريات السياسية، وتجاهل مطالب الحراك الشعبي، فضلًا عن توجه عدة قوى سياسية إلى مقاطعة الاستحقاق؛ كتكتل البديل الديمقراطي، وجبهة القوى الاشتراكية، ولم يبق أمام السلطة إلا أحزاب الموالاة المغضوب عليها، ونسيج المجتمع المدني، الذي تراهن عليه لإنجاح الموعد، رغم اهتزاز صدقيته وتمثيله للشارع الجزائري[3].   مواقف القوى السياسية: انقسمت مواقف القوى السياسية ما بين مؤيد ومعارض: 1- مواقف مؤيدة: إلى جانب جبهة التحرير، أعلن عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني -في ندوة صحفية- عن موقف حزبه من الاستفتاء، دعا فيها للتصويت بـ “نعم” على الدستور. وأعلنت غالبية الأحزاب السياسية تأييدها لمشروع تعديل الدستور، وأبرزها حزب “الأفلان”، ودعت الأحزاب الهيئة الناخبة إلى التصويت بنعم؛ من أجل الانتقال إلى جزائر جديدة. وكذلك جبهة التحرير الوطني، والتجمع من أجل الثقافة الديمقراطية، وحزب تاج. 2- مواقف معارضة: كل أحزاب المعارضة، بما فيها حركة “الإخوان”، دعت للتصويت بـ “لا”، فيما دعا “الديمقراطيون” لمقاطعة الاستفتاء. والأحزاب المعارضة لمشروع الدستور، معظمها من الأحزاب الإسلامية؛ حيث ترى هذه الأحزاب أن هذا المشروع يفقد الهوية الجزائرية. إلا أنه في الأخير يُعد تأثير الأحزاب السياسية على الرأي العام غير وارد في الشارع الجزائري؛ حيث إن هناك قطيعة بين هذه الأحزاب والشارع الجزائري، خاصة أن تجمعات الأحزاب لا يحضرها إلا الأعداد القليلة جدًّا من أعضاء الأحزاب [4]. موقف الإسلاميين: أجمعت أغلب الأحزاب الإسلامية الفاعلة في الجزائر على رفضها -جملة وتفصيلًا- لدستور الرئيس عبد المجيد تبون؛ لأسباب فكرية وسياسية. وأعلنت حركة مجتمع السلم، أكبر أحزاب المعارضة الجزائرية، التصويت بـ “لا”، مُبررة قرارها برفض محتوى الوثيقة الدستورية، والتيار العلماني الذي يضغط لتمريرها بقوة، وأكدت جبهة العدالة والتنمية، التي يترأسها الشيخ عبد الله جاب الله، عن رفضها رفضًا قاطعًا لمشروع تعديل الدستور، وهاجم جاب الله مسودة الدستور، معتبرًا أن التيار التغريبي العلماني سيطر على لجنة الخبراء لإعداد المشروع. كما قررت حركة النهضة -هي الأخرى- التصويت ضد المشروع، عقب اجتماع مجلسها الشوري في دورة استثنائية، معتبرةً إياه تكريسًا لخيار الأقلية، والتمييز بين الجزائريين، بالإضافة إلى النظام الرئاسي بصلاحيات واسعة، في غياب أي آلية قانونية للمساءلة، بينما تتبنى الأحزاب الإسلامية النظام البرلماني. أما جمعية العلماء المسلمين الجزائريين -وهي الهيئة المرجعية الرمزية في الجزائر؛ لمكانتها التاريخية منذ عهد الإمام عبد الحميد بن باديس- فقد أعلنت بأنها فُوجئت بنسخة الدستور المعدل في صيغته النهائية، فلم تجد أثرًا لأي مقترح من مقترحاتها كجمعية للعلماء، كما أعلنت عن توجسها من تحييد المدرسة كمدخل للعلمانية”، واعتراضها على الصلاحيات المطلقة للمحكمة الدستورية، مقابل التراجع الكبير في صلاحيات السلطة المستقلة للانتخابات[5].   أسباب الانقسام والمقاطعة: جرى الاستفتاء وسط انقسام واسع بين الجزائريين حول مقترحات الدستور الجديد، سواء ما تعلق منها بتنظيم الحياة السياسية، أو ما يرتبط بالمبادئ الناظمة للمجتمع الجزائري، في سياق خاص تميز برفع سقف الطموحات والمطالب الإصلاحية بعد حراك 22 فبراير. وشكَّلت الصلاحيات الملكية لرئيس الجمهورية -وفق توصيف المنتقدين- أهم القضايا الخلافية في المشروع، فضلًا عن الوضع الدستوري للهيئة المكلفة بالانتخابات، من حيث الاستقلالية والتشكيل والصلاحيات. كما برز تغول السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية ضمن الانتقادات السياسية للمعارضة. أما قيميًّا فقد أثار وضع الإسلام، وحرية الرأي، وأماكن العبادة، والعربية والأمازيغية، والمدرسة -ضمن القواعد الدستورية- حفيظة التيار الديني في المجتمع. أما عن المقاطعة؛ فيرجع الجزائريون ذلك إلى عدة أسباب، أهمها: توسع دائرة العزوف لسوء التسويق لمشروع الدستور، وما لحقه من لغط؛ بسبب اللجنة المشرفة على إعداده، بعدما تشكلت صورة نمطية سلبية عن أفرادها، من خلال النقاش السياسي. والتصريحات غير الموفقة لأعضاء الطاقم الحكومي كانت مستفزة للناخب الجزائري؛ حيث بلغ بأحد الوزراء أن يقول للمواطنين: “من لم يعجبه الدستور فليرحل من البلاد”، في وقت تتفاعل وسائل التواصل الاجتماعي مع لحظة أي سلوك سياسي بصفة آنية. والأصوات الرافضة مُنعت من التعبير الإعلامي؛ مما أعطى الانطباع بحالة…

تابع القراءة

«العصيان المدني» هل يمثل طوق نجاة للمصريين للخلاص من الطغاة؟

    في كتابه «The Anti-Coup» «ضد الانقلاب»، يشرح الكاتب الأمريكي «جين شارب»، رئيس مركز “ألبرت أينشتاين” لدراسات “اللاعنف”، كيفية مواجهة الانقلابات العسكرية من خلال وسائل الكفاح السلمي، والتي تعتمد بشكل رئيسي على استراتيجية العصيان المدني. وقد أورد شارب في كتابه قصص نجاح لتجارب الكفاح السلمي ضد الانقلابات العسكرية. لكن اللافت في الكتاب أنه جعل للوقت قيمة كبيرة جدا في إحباط الانقلاب؛ معنى ذلك أنه كلما جرى استخدام أدوات المقاومة السلمية في الساعات والأيام الأولى للانقلاب بشكل فعال ومكثف؛ كان النجاح أمام الانقلابيين أوفر حظا وأكثر احتمالا، وكلما طال الوقت أفضى ذلك إلى تعزيز قوة الانقلاب والانقلابيين الذين سيسيطرون على أجهزة ومؤسسات الدولة ويقومون بتوظيفها على نطاق واسع لتكريس وجودهم وضمان استمرارهم في الحكم بقوة البطش والطغيان. ومن الأمثلة على كفاءة أدوات المقاومة السلمية وعلى رأسها العصيان المدني ضد انقلابات عسكرية؛ ما فعله الألمان في إحباط الانقلاب العسكري سنة 1920م، والذي استهدف الإطاحة بجمهورية فايمار التي نشأت عقب ثورة تشرين الثاني/نوفمبر 1918، بعدما شارك الشعب الألماني بكثافة في العصيان المدني الذي امتنع فيه العمال وموظفو الدولة عن التعامل مع قادة الانقلاب، ما أدى إلى فشله بعد أيام قليلة من تنفيذه. وفي روسيا، حاولت لجنة الدولة لحالة الطوارئ عزل رئيس الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف في 19 آب/أغسطس 1991، بحجة عجزه عن أداء مهامه بسبب تدهور حالته الصحية. وقد فرضت اللجنة سيطرتها العسكرية على العاصمة موسكو. لكن الانقلاب لم يستمر إلا ثلاثة أيام فقط، بعدما اجتمعت الحشود في وسط العاصمة، ووضع المتظاهرون المتاريس في شوارع موسكو ووزعوا المنشورات بمشاركة فئات مختلفة من الشعب في العصيان المدني. ومن جانبنا يمكن الاستشهاد بإحباط الأتراك للانقلاب العسكري الإجرامي ليلة منتصف يوليو 2016م، حيث خرج الأتراك بعزم وإصرار على رفض الانقلاب وإسقاطه، استجابة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فخرجوا بمئات الألوف يعترضون طريق الدبابات ومدرعات الانقلابيين، وهو ما شجع الجهات الرافضة للانقلاب داخل المؤسسة العسكرية والجهاز الأمني على التحرك بسرعة لوأد تحركات الانقلابيين للسيطرة على مؤسسات الدولة في ساعات مبكرة من الانقلاب؛ وهو ما أدى في النهاية إلى إسقاط الانقلاب واعتقال كبار الجنرالات والضباط المتورطين فيه خلال يوم واحد فقط. فما هو العصيان المدني وما شروطه وخصائصه؟ وما عوامل نجاحه؟ وهل يمكن أن ينجح في بيئة دكتاتورية وفي ظل نظام يشدد الحصار على جميع المؤسسات المدنية ويمنع أي حراك شعبي مناهض؟ وإذا استحال تنفيذ “عصيان مدني” فما هي البدائل المتاحة أمام الشعوب المقهورة التي تحلم بالخلاص والتحرر من الحكومات المستبدة التي تمارس أبشع صور الانتهاكات وحرمان الشعب من حقوقه في الحرية والأمن والأمان ومن نصيبه في ثروات بلاده، وحرمانه من العدالة السياسية وحقه في حكومة منتخبه وتداولا سلميا للسلطة؟   العصيان المدني “العصيان المدني” هو أداة من أدوات «المقاومة السلمية» وأسلوب من أساليب الكفاح السلمي تستخدمها الشعوب من أجل الخلاص من قوى محتلة أو نظم الحكم المستبدة التي تغلق أبواب التداول السلمي للسلطة وتفرض نفسها بقوة السلاح وتوظيف أدوات الدولة لتكريس بقائها وضمان استمرارها في الحكم رغم فشلها في كافة القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتهدف الشعوب من اللجوء إلى “العصيان المدني” وأدوات المقاومة السلمية إلى إجبار السلطة الظالمة على التراجع عن قرارات تعسفية مضرة بقطاعات شعبية معتبرة، أو حتى بهدف إطاحة نظام الحكم؛ لفشله في إدارة موارد الدولة، ورفض توظيفه لأدوات السلطة في تكريس نموذج من الحكم الشمولي الذي يعتمد على البطش والقهر والقمع بكل أشكاله لحماية الامتيازات التي تحظى بها الطبقة الحاكمة التي عادة ما تكون أقلية (عسكرية ــ طائفية ـ قبلية) مستبدة وفاسدة وقامعة للشعب. ويُعد العصيان هو النقيض لمبدأ الطاعة السياسية، وكلاهما يتقاطع مع فكرة الالتزام السياسي وفقا العقد الاجتماعي لنشأة السلطة السياسية واستمرارها، أي الرضاء والقبول الطوعي للنظم السياسية بجوانب ثلاثة متكاملة: الأول: قبول ما تمثله هذه الأنظمة وتعبر عنه من نظام قيم تتربع على قمته قيم عليا محورية كالحرية والمساواة والعدالة. والثاني: القبول بأشخاص الحاكمين من حيث امتلاكهم للأهلية السياسية والجدارة، والقبول بشرعية آليات إسناد السلطة إليهم واستمرارهم فيها. والثالث: القبول بالممارسات السياسية للأنظمة من حيث إجراءاتها، وغاياتها ومقاصدها، ومآلاتها. والعصيان السياسي يعبر عن رفض قاطع وصريح للمستويات الثلاثة فرادى أو مجتمعة؛ وبالتالي إسقاط واع لفكرة الطاعة السياسية. وبحسب الكاتب الأمريكي هنري ديفيد ثورو (1817-1862)، الذي يعتبر مؤسسا لفكرة العصيان المدني منذ القرن التاسع عشر، فإن المعارضة إذا نجحت في إقناع الشعب برفض التعامل مع النظام، والامتناع عن دفع الضرائب والرسوم، فإن ذلك كفيل بأن يؤدي في لحظة إلى هزيمته ومن ثم انهياره، وبالتالي فالعصيان المدني هو عصيان قوانين وقرارات السلطة الظالمة بشكل علني وإصرار على العداء لها وعدم طاعة أوامرها، والعمل على إسقاطها؛ لأنها تنتهك الأهداف الأساسية والقيم الحاكمة لنظامه الدستوري. معنى ذلك أن العصيان يجب أن يكون غير مسلح ولا عنيفا؛ ويتجنب مناهضة قوانين عادلة أو توخي غايات إجرامية من وراء عصيانها. وقد يكون رفض طاعة القوانين شاملا أو محدودا في مكانه وزمانه ومجاله. وهكذا فإن العصيان المدني على الصعيد الفردي موقف مبني على جملة من القيم أساسها رفض الظلم والخضوع للطغيان، ويصب على الصعيد الجماعي في تحرك سياسي يتسم بالوقوف الثابت والمنظم والعلني والمتواصل في وجه كل القوانين المعادية للحقوق الشرعية للفرد والمجتمع. والعمل على تعطيل هذه القوانين الجائرة وإزالتها بكل الوسائل السلمية دون غيرها، من خلال الامتناع عن تنفيذ أوامر السلطة والتوقف عن دفع الضرائب ورسوم الجمارك وفواتير الكهرباء والمياه والموارد المالية الأخرى. في مصر، استقرت القوى الثورية على الاعتماد على أدوات “المقاومة السلمية” منذ ثورة يناير وصولا إلى مشهد الانقلاب وحتى اليوم، وذلك استنادا على أن هذا المسار رغم عقباته وسلبياته هو أقل كلفة من “المقاومة العنيفة” والتي كان يمكن أن تفضي إلى نموذج مشابه لسوريا أو لجزأرة المشهد المصري بما يعرف بالعشرية السوداء ما بين (1990 حتى 2000) بعد أن رفض الجيش نتائج الانتخابات التي جاءت بالإسلاميين ورفض الإسلاميون في “جبهة الإنقاذ” موقف الجيش وظل الصراع الدموي عقدا كاملا قضى فيه مئات الألوف حتفهم. وفي كتابه كتابه «The Anti-Coup»، تناول «شارب» صور وأشكال العصيان المدني واستراتيجية مقاومة الانقلابيين ، والتي تعتمد على مبدئين: الأول هو “اللاتعاون”. والثاني، هو “المواجهة السلمية”، على أن يكون لكل أصحاب مهنة من المناهضين للانقلاب دورا محددا يتعلق بمجال عملها؛ فعلي سبيل المثال، يقوم عمال المواصلات،  كسائقي الحافلات وموظفي السكة الحديد والمطارات، بالبحث عن وسائل فعالة لشل حركة المواصلات تماما من أجل عزلها عن سيطرة الانقلابيين أو تقليص مدة تشغيلها. وفي مجال الاتصالات يجب الإبقاء على خدمات الهواتف والإنترنت التي يستفاد منها في تنسيق وتنفيذ تكتيكات المقاومة السلمية، والتحضير لوسائل اتصال احتياطية استعدادا لقطع الحكومة وسائل الاتصال عبر البلاد. أما موظفو الخدمات المدنية الحكومية فإذا لم يتمكنوا من المشاركة في…

تابع القراءة

المشهد السياسى: عن الفترة من 31 أكتوبر وحتى 6 نوفمبر 2020

    أولا: المشهد المصري بَدء المرحلة الثانية من انتخابات النواب وسط غياب الناخبين المسيسين: بدأت السبت، 7 نوفمبر 2020، المرحلة الثانية والأخيرة من انتخابات مجلس النواب، وتستمر عملية التصويت على مدار يومين، وتشمل 13 محافظة، من بينها القاهرة ومحافظات دلتا النيل وقناة السويس وشمال وجنوب سيناء، وكان تصويت المصريين الموجودين في الخارج بهذه المرحلة قد جرى في الرابع والخامس والسادس من نوفمبر الجاري، وكانت المرحلة الأولى من الانتخابات، التي شملت الجيزة والإسكندرية ومحافظات الصعيد (الجنوب) أجريت يومي 24 و25 أكتوبر الماضي[1]. من الجدير بالذكر أن الانتخابات البرلمانية الحالية تُجرى على مرحلتين؛ لانتخاب 568 عضوًا، وفقًا لنظام انتخابي يقضي بانتخاب نصفهم بالقائمة المغلقة، والنصف الآخر بالنظام الفردي، ويبلغ إجمالي عدد مقاعد مجلس النواب 596، يُعيِّن رئيس الجمهورية 28 نائبًا. المثير في الوقت الراهن هو عقد مقارنة بين مشهد انتخابات الرئاسة الأمريكية، وما شهدته من حدة التنافس بين المرشحَيْن، وحجم التقارب في نسب الأصوات التي حصل عليها كل منهم، وحالة الترقب واللايقين التي سبقت الإعلان عن فوز جو بايدن، وبين مشهد الانتخابات البرلمانية الراكد في مصر، وقد تحددت نتائجها قبل أن تبدأ، وقد رُسمت مساراته من قبل الجهات الأمنية، ورسم لكل مشارك فيها دور محدد لا يتخطاه. ومن الملاحظ أيضًا في مشهد الانتخابات البرلمانية في مصر، غياب الناخب المسيس، المهتم بالمشهد السياسي وتفاصيله وتطوراته، مقابل حضور “حزب الكنبة”، البعيدين عن المشهد السياسي، والمشاركين فقط بغرض الحصول على الرشاوى الانتخابية، سواء كانت في صورة سلع غذائية، أو في صورة نقود، ويبدو أن المشهد الراهن أصبح فيه دور البطولة للمواطن غير المسيس، فصارت تقوم على أكتافه الانتخابات التجميلية للنواب والشيوخ، وصار أيضًا هو بطل الاحتجاجات في مدن وقرى الهوامش والأرياف.   السلطات المصرية تستبق فوز بايدن برئاسة أمريكا بالإفراج عن موقوفين: قررت السلطات المصرية -قبل يومين فقط من فوز جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية- إخلاء سبيل 416 من المتهمين على ذمة قضايا تتعلق بالرأي والتعبير والتظاهر، من بينهم نشطاء وصحافيون ومدونون وسياسيون، وذلك في سابقة قضائية، تُنهي حبس مئات المسجونين احتياطيًّا، وقضت الدائرة الثانية “إرهاب” بمحكمة جنايات القاهرة استبدال الحبس الاحتياطي بالتدابير الاحترازية لأكثر من 400 متهم في كل القضايا المعروضة عليها، والمتعلقة بـ “التظاهر، ونشر أخبار كاذبة، والتحريض ضد الدولة”، على مدار السنوات الثلاث الماضية[2]. بعدها بيومين -وفور إعلان وسائل إعلام أمريكية فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، بعد ضمانه أصوات ولاية بنسلفانيا في المجمع الانتخابي- أطلقت السلطات المصرية سراح أولاد أعمام الناشط الحقوقي الأمريكي من أصل مصري محمد سلطان، بعد 144 يومًا من الاعتقال التعسفي، على خلفية القضية التي رفعها ضد رئيس الوزراء المصري الأسبق حازم الببلاوي، وحسب إفادة قدمها سلطان إلى محكمة أمريكية، فإن قوات الأمن المصرية داهمت منازل أقاربه في 15 يونيو الماضي، واعتقلت خمسة من أبناء أعمامه، تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عامًا، وأخفتهم قسريًّا لفترة؛ ردًّا على الدعوى القضائية، التي رفعها في محكمة أمريكية بموجب قانون حماية ضحايا التعذيب، ضد الببلاوي، الذي أشرف على تنفيذ مجزرة “رابعة العدوية”، وتعذيبه داخل السجن خلال فترة احتجازه[3]. يبدو أن السلطات المصرية تسابق الزمن لتبييض المشهد السياسي داخلها، ولتعالج بعض قضايا انتهاكات حقوق الإنسان؛ تحسبًا للتغيرات التي قد تحدث في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، بعد فوز المرشح الديمقراطي بايدن بانتخابات الرئاسة الأمريكية، وكان “بايدن” قد صرح قبل انتخابه قائلا: «لن نقدم المزيد من الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل»، في إشارة إلى عبد الفتاح السيسي، الذي سبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن أطلق عليه صفة «دكتاتوري المفضل»[4].   في ظل غياب الرقابة .. نوفمبر شهر الإعدامات: وثقت «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» -وهي منظمة حقوقية مصرية بارزة- توسّعًا غير مسبوق في تنفيذ أحكام الإعدام في مصر شهر أكتوبر الماضي، بعدما رَصدت تنفيذ 53 إعدامًا خلال الشهر الماضي في عدد من السجون، 34 متهمًا في قضايا جنائية، فيما يُصنّف باقي المتهمين في قضايا تحمل طابعًا سياسيًّا، منهم 13 اتُّهموا بالتورط في ما عُرف إعلاميًّا بـ «قضية تنظيم أجناد مصر»، ومن دون إعلانِ جميع الحالات التي نُفّذت فيها الأحكام. وبالمقارنة مثلا مع عام 2018، نفذت الدولة في تلك السنة كلّها 43 إعدامًا فقط، وهو رقم قريب مما تمّ تنفيذه في 2019 أيضًا، ليكون أكتوبر الماضي شهر الإعدامات بامتياز. الغريب أن وزارة الداخلية قد توقفت منذ شهور عن الإعلان عن أحكام الإعدام التي تنفذها، في ظل رصد تنفيذ نحو عشرة أحكام شهريًّا منذ بداية العام الجاري، مع العلم أيضًا بأن تنفيذ أحكام الإعدام لا يتمّ إلا بموافقة رئيس الجمهورية، وتصديقه على تنفيذ العقوبة[5]. في هذا السياق، ذكر حقوقيون إن عددًا من المُنفَّذة بحقهم أحكام الإعدام لم يحصلوا على حقهم في الدفاع عن أنفسهم؛ إذ حقّقت النيابة معهم رغم غياب محاميهم، فضلا عن تصوير الاعترافات تحت ضغوط جسدية، قبل أن يتراجعوا عنها، وهي اعتبارات لم يأخذ بها القضاة عند إصدار الأحكام[6]. يشارك في رسم هذا المشهد السوداوي عدد من المؤسسات، وليست وزارة الداخلية وحدها؛ حيث يشارك فيه مؤسسة القضاء، وقبولها بأن تلعب دور سيف النظام المسلط على رقاب مناهضيه، كما يشارك فيه البرلمان، الذي يعمل “ترزي” قوانين، ويجهز الترسانة القانونية التي يتجاوز بها النظام القائم قيم العدالة، ومن خلال السلطة القضائية والسلطة التشريعية، يتمكن النظام من فك الصلة بين القانون والعدالة في مصر، فيصبح القانون ليس هو الطريق الذي يتحقق من خلاله العدالة، إنما يتحقق من خلاله الانتقام والعنف غير المشرعن، وتتحقق آمال السيسي، الذي انتقد المنظومة القضائية في مصر قائلا: “يد العدالة مغلولة بالقوانين .. وسنعدل هذه القوانين لنحقق العدالة السريعة”[7].   انتهاكات مُعتادة أم صراع مؤسسات؟! في تطور جديد لما اعتبره البعضُ صراعًا بين مؤسسات الدولة، قررت النيابة العامة المصرية مساء الأحد 1 نوفمبر، تسليم طفل المرور –ابن المستشار صاحب واقعة الاعتداء على ضابط المرور- لأسرته، وتغريم مالك السيارة 10 آلاف جنيه مصري، بتهمة تعريض طفل للخطر، وذلك في أعقاب الفيديو الأول الذي ظهر فيه يقول لشرطي: “انتَ مش عارف بتكلم مين”، ويوجه له شتائم وإهانات متكررة. ثم ظهر نفس الطفل في مقطع فيديو ثاني برفقة 4 من أصدقائه، يتبادلون المزاح بالسباب والشتائم فيما بينهم وبين متابعيهم، في البث المباشر الذي انتشر بكثافة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسط موجة كبيرة من الانتقادات والاعتراضات، على جرأة الطفل على مثل تلك الأفعال، وتباهيه بسلطة والده في هذا السن. أما مقطع الفيديو الثالث، فظهر فيه الطفل بينما يصوره رفيقاه وهو يهين شرطيًّا مجددًا، ويقول له: “أنا كفيل أأكلك علقة أموتك”، حينها قررت السلطات المصرية التخلي عن معاملته بصفته ابن قاضٍ في الدولة، وقررت التعامل معه قانونًا، بأن ألقت أجهزة الأمن القبض عليه، وعلى 3 آخرين من أصدقائه، بعد انتشار مقطع مصور لهم، يتهكمون…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022