لماذا أفرج السيسي عن صاحب شركة جهينة في هذا التوقيت؟

فأجأ نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي المجتمع المصري وقطاع رجال الأعمال بالإفراج عن مؤسس شركة جهينة للصناعات الغذائية، رجل الأعمال صفوان ثابت ونجله سيف، بعد اعتقال دام نحو سنتين، الإعلان عن الإفراج عن ثابت ونجله جاء على لسان ابنته مريم، على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” حيث كتبت: «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ، استجاب الله الدعوات.. أبويا صفوان ثابت وأخويا سيف الدين ثابت، معانا».

أصدرت نيابة أمن الدولة العليا مساء السبت 21 يناير23م، قراراً بإخلاء سبيل ثابت، ونجله، وكانت أجهزة النظام الأمنية قد اعتقلت الأب في ديسمبر 2020م، ثم اعتقلت الابن في فبراير2021م، على ذمة التحقيقات في القضية رقم 865 لسنة 2020، ووجهت له اتهامات بـ”تمويل الإرهاب، ومشاركة جماعة أُسست على خلاف القانون، وهي القضية التي اعتقل على ذمتها أيضا رجل الأعمال سيد السويركي صاحب سلسلة محلات «التوحيد والنور» التي أجبر على التخلي عنها للأجهزة  الأمنية، كما اعتقل على ذمتها أيضا وزير القوى العاملة الأسبق في حكومة الدكتور هشام قنديل “خالد الأزهري”.

وتمتلك عائلة ثابت الحصة الأكبر في هيكل ملكية “جهينة”، وذلك من خلال “شركة فرعون للاستثمارات المحدودة”، التي تُقدر حُصتها بنحو 50 في المائة، وتمتلك العائلة غالبية أسهم شركة “فرعون”، بحصص منفردة لأفراد، وكذلك بحصة هي الأكبر لشركة “sbsmh investment limited” (المملوكة للأسرة، وسُميّت بالأحرف الأولى لصفوان وزوجته بهيرة وأولادهما الثلاثة سيف ومريم وهبة”، وهي شركة مؤسسة في جزر العذراء البريطانية، أحد الملاذات الضريبية.

فلماذا تم الإفراج عن صاحب شركة جهينة في هذا التوقيت؟

وما علاقة الإفراج بحالة السخط والغضب بين مجتمع رجال الأعمال والقطاع الخاص؟

وهل للأمر علاقة بشروط صندوق النقد الدولي؟

وما الرسائل والدلالات من عملية الإفراج في هذه التوقيت؟

 

الأسباب

تعددت أسباب إفراج النظام عن صفوان ثابت ونجله في هذا التوقيت.

أول هذه الأسباب، هو ما يرجح كثير من مجتمع رجال الأعمال بأن عملية الإفراج  عن ثابت ونجله ما جرت إلا بضغوط من صندوق النقد الدولي، وأن الصندوق اشترط لإتمام القرض الأخير والرابع لنظام السيسي فتح المجال أمام القطاع الخاص وتهميش دور الجيش وهيمنته على الاقتصاد، ولذلك فإن السيسي لم يكن ليفرج عن ثابت ونجله إلا بضغوط الصندوق الذي بات  له دور نافذ في رسم السياسات المالية والنقدية وحتى الاقتصادية، وبالتالي فإن عملية الإفراج عن ثابت ونجله تأتي استجابة لشروط الصندوق بتحسين بيئة الأعمال، وطمأنة المستثمرين ومجتمع الأعمال للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بفعل قرارات وإجراءات جرت بحق رجال أعمال ومستثمرين مثل صلاح دياب، واضطرت بعضهم للهروب خارج البلاد ومنهم رجل الأعمال ممدوح حمزة.

ثاني الأسباب، أن ثابت ونجله كانا ضمن قائمة أسماء نصح الرئيس الأمريكي جو بايدن السيسي بالإفراج عنها كخطوة في سبيل تحسين حالة حقوق الإنسان في البلاد واستعادة الثقة في بيئة الاستثمار، وهناك تسريبات تشير إلى أن ذلك جرى خلال لقاء بايدن بالسيسي في نوفمبر 2022م على هامش قمة المناخ التي انعقدت في شرم الشيخ، لكن نظام السيسي كان يتعنت لأنه يعتبر  الإفراج عن أي سياسي معتقل بضغوط خارجية هو بمثابة هزيمة له وللنظام، وعلى كل حال فإن الضغوط الأمريكية ساهمت إلى جانب العوامل الأخرى في إجبار السيسي على القرار الذي لم مستريحا له على الإطلاق، لكن سوء الوضع الاقتصادي وضغوط مؤسسات التمويل الدولية والتداعيات السلبية التي حدثت للسوق المصري جراء ما جرى مع صاحب شركة جهينة كلها عوامل تضافرت لتجبر السيسي على الإفراج عن صاحب جهينة ونجله.[[1]]

السبب الثالث، هو حالة الغضب المكتوم داخل مجتمع رجال الأعمال؛ فما جرى مع شركتي “جهينة” و «التوحيد والنور»، وقبلها ما جرى من مصادرة شركات قيادات الإخوان محمد خيرت الشاطر وحسن مالك وغيرهما، كلها عوامل أدت إلى حالة رعب داخل مجتمع الأعمال؛ ودفع  كثيرين منهم إلى التخارج التدريجي من السوق المصري، وفي الشهور الأخيرة على وجه التحديد نقل العديد من رجال الأعمال أجزاء كبيرة من ثرواتهم واستثماراتهم إلى خارج البلاد لتكون في مأمن؛ لأن الطريقة التي جرى بها التعامل مع جهينة وصاحبها كانت تثير مخاوف مجتمع رجال الأعمال والمستثمرين المصريين طيلة الفترة الماضية.[[2]]

فالسيسي منذ اغتصابه للسلطة شرع في وضع العراقيل أمام رجال الأعمال والقطاع الخاص لإفساح المجال أمام المؤسسة العسكرية للهيمنة على اقتصاد البلاد؛ البداية كانت بمصادرة أموال قيادات الإخوان بدعوى تجفيف منابع الإرهاب المحتمل، ثم تعطيل عمل بعض شركات القطاع الخاص من خلال وقف استيراد عشرات السلع وإسناد المشروعات وعمليات استيراد واسعة للقوات المسلحة حتى تنافس هؤلاء في نشاطهم الاقتصادي، وفرض المزيد من الضرائب منها ضرائب على أرباح البورصة وإحلال مجموعة رجال أعمال جدد خليجين ومصريين، وبدأ الاستثمار العسكري والخليجي يحتكر قطاعات بكاملها كقطاع الصحة والمقاولات وبعض الصناعات، وجرى إسناد جميع المشروعات الحكومية للهيئة الهندسية للقوات المسلحة، في مرحلة تعزيز بيزنس المؤسسة العسكرية وتوسيع إمبراطورية الجيش الاقتصادية.

أمام هذه التحولات الضخمة والهائلة؛ قرر رجال أعمال الهروب إلى إفريقيا والخليج والصين وهو ما ذكره «طارق عامر» محافظ البنك المركزي السابق، في تقريره للبرلمان بنفس النص: «أنه ولأول مرة يتم ملاحظة هروب رؤوس أموال مصرية خارج البلاد وتراجع الإنتاج المحلي برغم تراجع الاستيراد»، وهو يعنى أن رجال الأعمال يهربون برؤوس أموالهم خارج البلاد وتوقف الإنتاج مما أدى إلى نقص المعروض.

وفي تقرير لهيئة أملاك دبي 2015 و2016م وصل عدد شراء المصريين للعقارات أكثر من مليار دولار، وهي كلفة لن يستطيع أن يقوم بها سوى رجال الأعمال من الحجم الثقيل، هذه التحولات تؤكد أن النظام منذ اغتصابه للسلطة شرع على الفور في إعادة تصميم المشهد المصري كله سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحتى التلاعب بالهوية المصرية والإسلامية لمكونات المجتمع المصري؛ بما يضمن بقاء النظام واستمراره؛ ومضى بخطوات واثقة وصارمة نحو تغيير تركيبة رجال الأعمال من أبناء العائلات العريقة والذين أسهم بعضهم بشكل فعال في مجال التنمية عبر عقود طويلة، وبدأ إحلال المؤسسة العسكرية بدلا منهم مع السماح برجال الأعمال الفاسدين بالبقاء ومنحهم امتيازات واسعة مقابل الإذعان المطلق والولاء  الكامل للنظام.

وكانت الحملة على جهينة والتوحيد والنور تستهدف إخلاء الساحة لبيزنس المؤسسة العسكرية في هذه القطاعات؛ فقبل رئيس شركة “جهينة” بيوم واحد، نشر المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية خبرًا عن اجتماع السيسي بقيادات حكومية، وعسكرية، لبحث سلسلة مشروعات رسمية كفائية في قطاعي الألبان واللحوم.

وقبل سنة، أبدى وزير قطاع الأعمال العام، استياءه من بُنية قطاع الألبان المصريّ، المقسَّم بين ملايين ملّاك الأبقار الصغار وبين المصنَّعين الكبار، منوهًا عن نيّة الدولة، السّيطرة على هذه السّلاسل، ومركزتها، عبر مشروع عملاق، بالشراكة مع الصّندوق السياديّ المصريّة “ثراء”، الّذي يتعاون مع جهاتٍ خليجيّة، سعوديّة وإماراتيّة، في المشروع المنتظر إنشاؤه في توشكى.

وبالتالي فإن ضرب شركة “جهينة” يصب بشكل مباشر في تعزيز بيزنس الجيش لأن الشركة التي تأسست قبل 35 سنة، و وتمتلك 70٪ من سوق الألبان في مصر ويقدر رأس مالها السوقي بنحو نصف مليار دولار أمريكي، تمثل المنافس الأبرز لمشروع النظام المرتقب وبيزنس الجيش في هذا المجال.[[3]]

وكان ربط القضية بالإخوان للتغطية على المآرب الحقيقية وراء الحملة على رجال الأعمال وإجبارهم على التنازل عن هذه الشركات لجهات تسمى بالسيادية.

السبب الرابع هو تداعيات حملة الابتزاز التي جرت لمؤسس شركة جهينة ونجله وإجبارهم على التنازل عن الشركة لجهات أمنية تسمى بالأجهزة السيادية؛ وهو ما شوه سمعة السوق المصري في مجال الاستثمار وبعث رسائل بالغة السلبية لكل المستثمرين على مستوى العالم بأن مصر دولة تحكمها مافيا؛ وفي إبريل 2022م نشرت مجلة «إيكونوميست» البريطانية تقريرا حول ابتزاز أجهزة السيسي الأمنية لصفوان ثابت بعد اعتقاله في زنزانة انفرادية في أوضاع بالغة السوء؛ استنكرت المجلة هذا السلوك من جانب حكام مصر العسكريين؛ مؤكدة أن مثل هذه الشركة العملاقة التي تغزو منتجاتها الأسواق العربية والإفريقية تعتبر في أي دولة محترمة شركة وطنية وبطلة قومية؛ لكن الشركة تعرضت لابتزاز على غرار ما تفعله عصابات المافيا؛ واعتبرت ذلك برهانا على أحد أهم عيوب الاقتصاد المصري.[[4]]

كما أن ما جرى مع جهينة بعث رسالة تهديد وقلق للجميع، ولكافة المستثمرين الأجانب وحتى المستثمر المحلي لم يعد آمنا في بلد تحكمه مافيا، وربما يفكر بعضهم في ضخ استثماراته خارج السوق المصرية من باب توزيع المخاطر، بخلاف احتكار المؤسسة العسكرية لكافة المشروعات الاقتصادية بما لها من نفوذ واسع وامتيازات لا تحصى تجعل من منافستها ضربا من الجنون، وإما بفعل التشريعات الشاذة التي تخلق أجواء سلبية للاستثمار، وإما بفعل عدم الأمان في دولة لا مكان فيها للقانون، بل تحكمها أجهزة أمنية أصيبت بالسعار، كما أن فريقا من المستثمرين ربما يلجئون إلى التشارك مع المؤسسة العسكرية حماية لشركاتهم وأموالهم؛ وحتى يكون لهم شوكة وظهر يستندون إليه أمام تغول الأجهزة الأمنية.

وبغض النظر عن المآرب الحقيقية للحملة على جهينة وغيرها، فإن ما حدث هو عملية “سطو بالقوة القاهرة” على الأموال بدون وجه حق وبدون أي مسوغ قانوني حقيقي ومقنع، وهو ما يؤثر سلبا بالضرورة في مناخ الاستثمار، كما يؤثر في الطبقة الفقيرة التي توفر لها الكيانات المستهدفة سلعا بأسعار مقبولة، فالنظام حريص كل الحرص على تعزيز الإمبراطورية الاقتصادية للجيش دون النظر إلى المآلات الخطرة لهذه السياسات على مستقبل مصر واقتصادها الهش.[[5]]

لكن الأكثر خطورة أن النظام بهذه الممارسات القمعية وضع تعريفا جديدا لرجل الأعمال الصالح من وجهة نظر السلطة العسكرية في مصر؛ فرجل الأعمال الصالح، وفق هذه الممارسات، لا من يقوم بأداء دوره الوطنيّ والاجتماعيّ، عبر سداد الضرائب والتأمينات والأجور، إلى جانب تنمية أرباحه، بغض النظر عن ميوله السياسيّة والفكريّة، وإنما هو من ينجح في خطب ودّ السّلطة، سياسيًا وإعلاميًا، أو على الأقلّ تجنّب إغضابها.

كما أن اعتقال رجال الأعمال هؤلاء يمثل رسالة تهديد مباشرة لكل رجال الأعمال ولكل مكونات المجتمع بأنه لا حصانة لأحد إلا لشخص الطاغية وعصابته ومن ينافقونه؛ فالكل مهما بلغ نفوذه تحت التهديد، وما اعتقال رجال الأعمال إلا إعادة رسم خرائط المستثمرين المهيمنين على القطاعات الكبرى ليظلّوا تحت المجهر دائما، ولضمان بقاء ولائهم للنظام مدى الدهر.

السبب الخامس، هو مدى التشويه الذي لاحق القضاء المصري بسبب قضية جهينة؛ فعملية الابتزاز التي تعرض لها مؤسس شركة جهينة والزج به في السجن بتهم ملفقة لا دليل عليها اعتبرت برهانا على مدى انحطاط المنظومة القضائية في مصر، وكيف أصبحت أداة من أدوات السلطة التنفيذية للانتقام من معارضيها؛ وبالتالي وصلت الرسالة بأن مصر دولة لا يحكمها القانون ولكن تحكمها عصابة متسترة بالدستور والقانون والقضاء الذي فقد استقلاله وبات رهينا لإرادة السلطة ومنفذا لأوامرها دون تردد أو مراجعة.

الإفراج عن ثابت ونجله فتح الباب أما تساؤلات كثيرة ليس لها إجابة؛ بعدما تحولت قضيته إلى قضية رأي عام ولاقت اهتماما كبيرا من جانب خبراء الأمم المتحدة ومنظمات أعمال ومال دولية ومؤسسات حقوقية كبرى مثل “هيومن رايتس ووتش”، وقالت منظمة العفو الدولية في بيان لها في سبتمبر2021، إن السلطات المصرية “أساءت استخدام قوانين مكافحة الإرهاب من أجل احتجاز رجل أعمال بارز هو صفوان ثابت وابنه بشكل تعسفي، وفي ظروف ترقى إلى مستوى التعذيب، وذلك انتقاماً منهما لرفضهما تسليم أصول شركتهما إلى جهة ما”.

زاد من حرج النظام والسلطة القضائية أنه وجه اتهامات لثابت ونجله تتعلق بقيادة مخطط يهدف إلى تمويل وإحياء جماعة الإخوان، وإن المخطط استهدف استخدام شركات صفوان ثابت في عمليات نقل وإخفاء أموال التنظيم واستثمار عوائدها لصالح أنشطة إرهابية. وأسندوا له أنه يقوم بتهريب أمواله إلى الخارج، واتهموه بمخالفات مالية، لكن النظام عندما طلب منه تقديم الأدلة على هذه التهم لم يستطع أن يقدم دليلا واحدا لإدانة الرجل ونجله! الأمر الذي أقنع العالم أن هذه الاتهامات جزافية ترقى للمزاعم التي تنتقم بها السلطة من رجال الأعمال الذين لا ترضى عنهم رغم أن ثابت تبرع بخمسين مليون جنيه لصندوق تحيا مصر بمجرد إنشائه في 2015م درءا للصدام مع النظام العسكري.

السبب السادس، هو ضغوط حكومات أجنبية لها استثمارات ضخمة في مصر، وبعضها  لديها استثمارات في شركة جهينة (الحكومة السعودية)، حيث طالب الطرف السعودي بمعرفة مصير ثابت ونجله وشركة جهينة، وهي الاستفسارات التي عرضت بنبرة تحمل استنكارا لما جرى مع ثابت ونجله، وترحيبا بإخلاء سبيلهما.[[6]]

وهو ما تزامن مع تصريحات رسمية سعودية تؤكد وضع شروط جديدة للمساعدات التي كانت تقدمها الرياض لحلفائها من دول المنطقة وعلى رأسها مصر ولبنان. وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان قد شدد الأربعاء 18 يناير 3م، في تصريحات خلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي بسويسرا، أن بلاده غيّرت طريقة تقديم المساعدات لحلفائها والخاصة بتقديم منح مباشرة وودائع دون شروط. قائلا: «عتدنا على تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط.. ونحن نغير ذلك.. كما نحث دول المنطقة على القيام بإصلاحات».

ويؤكد أن «المساعدات التي ستقدمها المملكة للدول الأخرى ستكون مشروطة بإصلاحات، نحن في حاجة لأن نشهد إصلاحات. نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم».[[7]]

تصريحات وزير المالية السعودي تأتي بعد يومين فقط من تقرير نشرته صحيفة “الأخبار” اللبنانية الأربعاء 8 يناير 2023م، أفادت فيه بوجود “أزمة” تعتري العلاقات بين القاهرة والرياض على خلفية توجيه الاستثمارات السعودية المرتقب ضخها في السوق المصرية، ويجري العمل على حلحلتها على مستوى رفيع، وتنقل الصحيفة عن مصادر مطلعة تربطها علاقات وثيقة بالسفارة السعودية في القاهرة، أن حكومة السيسي ترغب في أن تكون عمليات الاستحواذ السعودية على شركات تابعة للحكومة أو للأخيرة نسبة فيها، ما يسمح بدخول الدولار إلى السوق المصرية بشكل مباشر، في حين تفضل الحكومة السعودية الاستحواذ على شركات مملوكة للقطاع الخاص.

وأضافت أن التفاوض جرى، في الأسابيع الماضية، على عمليات استحواذ، استهدفت السعودية من خلالها شركات مملوكة لرجال أعمال مصريين يريدون إخراج أموالهم من مصر، فالسعوديون يريدون استغلال حالة الخوف والقلق بين رجال الأعمال المصريين لشراء أسهم شركات في القطاع الخاص قد تكون عوائدها أعلى من الاستحواذ على شركات وبنوك حكومية؛ علاوة على ذلك فإن الشراء من القطاع الخاص أكثر أمانا لأنه سيكون بعيدا عن أي مشاكل قضائية مع المجتمع المصري ورفضه لسياسات الخصخصة، كما جرى في عهد مبارك.

هذا التوجه السعودي مدفوع برغبة العديد من رجال الأعمال المصريين في تحويل أموالهم إلى بنوك في الخارج، نتيجة التخوّف من عمليات الاستحواذ الإجبارية التي واجهها بعضهم في الفترة الماضية.

وبعض هذه الشركات الخاصة لتأمين نفسها التفت على القوانين المصرية واتخذت خطوات لضمان عدم حدوث ما جرى مع جهينة والتوحيد والنور لها؛ كما فعل ملاك شركة «النساجون الشرقيون» الذين نقلوا حصّة فيها إلى المالكين أنفسهم، لكن تحت غطاء شركة أخرى مقرّها في بريطانيا، ما يهدد بخروج أموال القطاع الخاص من مصر بشكل فوري، ورغم السجالات المتعدّدة التي دخل فيها الجانبان المصري والسعودي في الأيام الماضية، لكن القاهرة تحاول الضغط على بعض رجال الأعمال في الداخل، وإرسال تطمينات إليهم مفادها أن الشراكات والاستحواذات الجبرية انتهت، مع التأكيد على حرية حركة رؤوس الأموال من البنوك المصرية وإليها.[[8]]

السيسي من جانبه يعمل على دفع الرياض نحو ضخ (5) مليارات دولارات من خلال شراء أصول مصرية تابعة للحكومة، مع ضخّ استثمارات أخرى في شركات القطاع الخاص، وهو ما كان يتعين مناقشته على هامش الاجتماعات المقرَّرة في أبوظبي، بحضور “السيسي” وقادة دول مجلس التعاون الخليجي، لكن محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لم يشارك.

خلاصة الأمر أن عملية الإفراج المفاجئة عن صفوان ثابت ونجله يحوم حولها شيء من الغموض، وإن كان المؤكد أنها جاءت بعد أيام قليلة من إبرام اتفاق بين حكومة السيسي وصندوق النقد الدولي من أبرز ملامحه التزام الحكومة بتحسين بيئة الأعمال وتشجيع مناخ الاستثمار وإزالة القيود على القطاع الخاص ودعم تنافسيته وفق مراقبين، ومن هذه النقطة يمكن النظر لقرار الإفراج عن صفوان ثابت ونجله وبشكل مفاجئ، قد تكون هناك خلفيات أخرى للقرار، لكن النظر لتوقيت الإفراج عن الرجل ونجله يأتي بعد أيام من الاتفاق مع الصندوق، وهو أمر لافت لا يمكن تجاهله.

ويبقى التساؤل: هل يكون الإفراج عن ثابت ونجله بداية  لسلسلة من الإفراجات عن مزيد من الاقتصاديين ورجال الأعمال المحبوسين احتياطيا من دون اتهام أو جرى احتجازهم على خلفيات سياسية وذلك بهدف تحسين مناخ الاستثمار كما يطالب صندوق النقد، أم يتم الاكتفاء بحالة صفوان ثابت ونجله باعتبارها الأشهر في عالم المال والأعمال؟ وهل سيعود الرجل ونجله لموقعه في إدارة الشركة التي أسسها أم أن هناك صفقة جرى بمقتضاها الإفراج لم تتكشف ملامحها بعد؟!

فهناك تسريبات تقول إن عملية الإخلاء تمت ولا يزالان على ذمة القضية بعد عامين من الحبس الاحتياطي بدون إحالة للمحاكمة، حيث قررت النيابة العامة إخلاء سبيل رجل الأعمال صفوان ثابت ونجله بضمان محل إقامتهما على ذمة التحقيقات في القضية المتهمين فيها، ونفذت الأجهزة الأمنية القرار بالإفراج عنهما، ولم تتخذ النيابة العامة قرارًا في القضية التي تحمل رقم 865 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا حتى الآن، سواء بإحالة المتهمين فيها للمحاكمة أو بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية فيها وحفظها، ومع بقاء الاتهام في القضية قائمًا واستمرار آثار قرار إدراجه على قوائم الإرهاب، يظل صفوان ثابت ممنوعا من السفر ومُتحفظ على أمواله حتى إبريل 2023م.[[9]]

هذه الحقائق تعني أن ما جرى قد يكون تخفيفا للوضع على أن يبقى مؤسس شركة جهينة ونجله رهن الإقامة الجبرية في قصره بدلا من وضعهما في السجن لتهدئة مخاوف رجال الأعمال من جهة، والحد من الانتقادات التي تلاحق النظام من جهة أخرى، وإن كان ذلك لن يكون كفيلا بطمأنة رجال الأعمال والمستثمرين؛ لأن ذلك إذا صح سيكون التفافا على ما يستحقه الرجل من براءة ورد اعتبار وليس عقوبة بديلة لا ترد له حقوقه المغصوبة، وسيبقى تأثير ذلك قائما على مناخ الاستثمار الذي سيبقى مأزوما دون حل.

 

 

[1] مصر: تفسيرات عدة لتوقيت إطلاق سراح صفوان ثابت ونجله/ العربي الجديد ــ الثلاثاء 24 يناير 2023

 

[2][2] البحث عن خروج “آمن وهادئ”.. حيل رجال أعمال وشركات صرافة مصرية للهرب من شح الدولار وسطوة الحكومة/ عربي بوست ــ السبت 31 ديسمبر 2022م

[3] لماذا يشن النظام المصري حملة أمنية ضد رجال الأعمال؟/ نون بوست  13 ديسمبر 2020

[4] إيكونوميست: هذه انعكاسات “ما حدث لمالك شركة جهينة وابنه” على الاستثمار في مصر/ الجزيرة مباشر ــ 23 إبريل 2022م

 

[5] عبد الرحمن محمد/ استهداف رجال أعمال بارزين بمصر.. لماذا الآن؟/ الجزيرة نت 10 ديسمبر 2020

[6] مصر: أوساط سياسية واقتصادية ترحب بالإفراج عن صفوان ثابت ونجله بعد حبسهما لعامين على ذمة اتهامات بـ«دعم الإرهاب»/ الشرق الأوسط ــ الأحد – 29 جمادى الآخرة 1444 هـ – 22 يناير 2023 مـ

[7] وعود تحولت إلى سراب: أزمة مصر الاقتصادية تتفاقم رغم القروض والتعويم/ العربي الجديد ــ  الخميس 19 يناير 2023

[8] صحيفة لبنانية: صفقات الاستحواذ تثير أزمة بين السعودية ومصر.. وهذا هو عرض القاهرة لحل الخلاف/ الخليج الجديد ـ الأربعاء 18 يناير 2023                                                                                                                                                                          

[9][9] محمد جمعة ومصطفى المنشاوي/8 سنوات من الاتهامات.. ماذا يواجه صفوان ثابت بعد الإفراج عنه في قضية تمويل الإخوان؟/ بوابة الشروق ــ الأحد 22 يناير 2023

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022