استضافت مصر الخميس 13 يوليو “قمة دول جوار السودان” بمشاركة رؤساء دول وحكومات جمهورية إفريقيا الوسطي وتشاد وإريتريا وإثيوبيا وليبيا وجنوب السودان، وحضور رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي وأمين عام جامعة الدول العربية؛ لبحث سبل إنهاء الصراع السوداني- السوداني المستمر منذ 15 إبريل الماضي.
وطالبت خلالها الدول السبع المانحين الدوليين بتقديم مساعدات لاستقبال أكثر من 700 ألف لاجئ فروا من الحرب في السودان، وكانت الرئاسة المصرية قد أفادت في بيان سابق، أن هذه القمة تهدف إلى “وضع آليات فاعلة بمشاركة دول الجوار، لتسوية الأزمة في السودان بصورة سلمية”.
وكان سد النهضة أيضًا حاضر على هامش القمة التي حضرها الجانبين المصري والإثيوبي.
فكيف سارت القمة؟
وماذا كانت مُخرجاتها ومواقف الأطراف منها؟
وكيف حضر ملف النهضة على هامش القمة؟
وكيف يُمكن قراءة مُخرجات هذا الحضور؟
تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير..
أولًا: قمة دول جوار السودان ومُخرجاتها..
الحرب السودانية حصدت أكثر من ألفي ضحية، في حين نزح أكثر من مليونين ومئتي ألف سوداني، ولجأ أكثر من 528 ألفًا منهم إلى دول الجوار. استقبلت مصر، الجارة الشمالية أكبر عدد من اللاجئين أي أكثر من 255 ألف لاجئ، تليها تشاد (240 ألفا) وجنوب السودان (160 ألفا).[1]
والآن؛ في السودان، أحد أفقر بلدان العالم، يحتاج أكثر من شخص من كل اثنين إلى المساعدة للبقاء على قيد الحياة، في الوقت الذي وصلت فيه حالة التحذير من المجاعة إلى أقصاها، وبينما بات أكثر من ثلثي المستشفيات خارج الخدمة. ومع بدء موسم الأمطار، يتوقع أن تنتشر الأوبئة كما هو الحال في كل عام، الأمر الذي يسهم في تفاقم أزمة سوء التغذية لا محالة.
وفيما يخص الجهود الدبلوماسية التي يقودها سعوديون وأمريكيون، فلم تسفر سوى عن هدنات قصيرة انتُهكت بسرعة.
وفي هذه الأثناء، تسعى الدول الإفريقية إلى استعادة زمام المبادرة. ولكن الجيش السوداني قاطع الاجتماع الأخير للهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (إيجاد).[2] ومن هنا تأتي أهمية المبادرة المصرية للدعوة لعقد قمة دول الجوار بالقاهرة..
1. مواقف دول الجوار من الأزمة السودانية وتصريحاتهم خلال القمة: في قمة القاهرة، حذَّر عبد الفتاح السيسي في كلمة له من خطورة الوضع في السودان، وتداعياته السلبية على دول العالم وخاصة دول الجوار السوداني.
وطالب بوقف القتال الدائر حفاظًا على مؤسسات السودان، ومعالجة جذور الأزمة، والوصول لحل سياسي شامل يستجيب لآمال وتطلعات السودانيين، مُشيدًا بموقف دول الجوار التي استقبلت مئات الآلاف من النازحين ووفرت لهم سبل الإعاشة.[3]
وطالب السيسي المجتمع الدولي الذي تعهَّد بتقديم 1,5 مليار دولار خلال قمة عُقدت في يونيو “بالوفاء بتعهداته؛ من خلال دعم دول جوار السودان الأكثر تضررًا من التبعات السلبية للأزمة”.[4]
ومن جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن “السودان يعاني من فراغ في القيادة، ويجب ألا نقف مكتوفي الأيدي، فالعواقب وخيمة عليه وعلى المنطقة”.[5]
وقال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي إتنو “خلال أسبوع واحد، استقبلنا أكثر من 150 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال” الهاربين من دارفور، حيث تم تسجيل أسوأ الفظائع.
ومن جانبه، استنكر رئيس إفريقيا الوسطى فوستان آرشانج تواديرا “ارتفاع الأسعار” و”نقص المواد في المناطق الحدودية”، مُحذرًا من ارتفاع مستوى “انتقال الأسلحة الخفيفة عبر الحدود التي يسهل اختراقها”.[6]
وقال رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي إن “الصراع في السودان له آثار أمنية واقتصادية إنسانية بالغة الصعوبة تجاوزت حدود البلد الجار إلى دول الجوار وتفاوتت حدتها من بلد لآخر”.
وأشار المنفي، خلال كلمته أمام القمة، إلى أن ليبيا “عبَّرت منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب الموجعة عن الاستعداد للانخراط والمساهمة بفاعلية في جهود إقليمية ودولية لوقف الحرب، وعودة الأخوة إلى حوار بنَّاء وجاد؛ للتوافق على مستقبل السودان الديمقراطي الموحد الذي يسعى للاستقرار والتنمية”.
وأكَّد “جاهزية بلاده لبذل أقصى الجهود التي تصب في مصلحة السودان الشقيق وشعبه، وفي إطار تعزيز حالة السلم والأمن في الإقليم وإفريقيا والعالم”.
ومن جهته، أكَّد رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت على أن “هذه القمة تأتي في وقت حساس وحرج”، وأضاف سلفاكير: “هذا الصراع اندلع في 15 إبريل 2023 بين العديد من الأطراف، وأنا شخصيًا أطلب منهم وقف إطلاق النار الفوري، وأطالب بذلك لأنني أعرف أن حال الحرب ستكون له تداعياته على الوضع الأمني في السودان، وكذلك الوضع الاجتماعي والاقتصادي على دول الجوار أيضًا”.
وبدوره، قال الرئيس الإريتري أسياس أفورقي خلال كلمته في القمة: “ندعو إلى احترام استقلال وسيادة السودان، ومنع التدخلات الخارجية في الشأن السوداني”، مضيفًا: “الشعب السوداني ستكون له الكلمة الأخيرة في حل الأزمة”.[7]
هذا، وأكدت الدول السبع المُجتمعة في القاهرة إلى جانب الأمين العام للجامعة العربية ونظيره في الاتحاد الإفريقي، في بيان مشترك، أنها ستقوم بما في وسعها لمنع تحول السودان إلى “ملاذ للإرهاب والجريمة المنظمة”.[8]
2. مُخرجات القمة: أكد البيان الختامي لقمة دول جوار السودان على ضرورة حماية الدولة السودانية ومؤسساتها، معربًا عن قلقه البالغ من تدهور الأوضاع الإنسانية في البلاد. وكانت هناك مجموعة من النقاط التي توافق عليها المشاركون بالقمة: أولها؛ الإعراب عن القلق العميق إزاء استمرار العمليات العسكرية والتدهور الحاد للوضع الأمني والإنساني في السودان، ومناشدة الأطراف المتحاربة على وقف التصعيد والالتزام بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار.
وثانيها؛ التأكيد على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شئونه الداخلية.
وثالثها؛ التأكيد على أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها، ومنع تفككها أو تشرذمها وانتشار عوامل الفوضى بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة في محيطها.
ورابعها؛ أهمية التعامل مع الأزمة الراهنة وتبعاتها الإنسانية بشكل جاد وشامل يأخذ في الاعتبار أن استمرار الأزمة سيترتب عليه زيادة النازحين وتدفق المزيد من الفارين من الصراع إلى دول الجوار.
وخامسها؛ الإعراب عن القلق البالغ إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان، وإدانة الاعتداءات المتكررة على المدنيين والمرافق الصحية والخدمية، ومناشدة كافة أطراف المجتمع الدولي لبذل قصارى الجهد لتوفير المساعدات الإغاثية العاجلة لمعالجة النقص الحاد في الأغذية والأدوية ومستلزمات الرعاية الصحية.
وسادسها؛ الاتفاق على تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان عبر أراضي دول الجوار، وذلك بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية، وتشجيع العبور الآمن للمساعدات لإيصالها للمناطق الأكثر احتياجًا داخل السودان، ودعوة مختلف الأطراف السودانية لتوفير الحماية اللازمة لموظفي الإغاثة الدولية.
وسابعها؛ التأكيد على أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار.
وثامنها؛ الاتفاق على تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، تعقد اجتماعها الأول في جمهورية تشاد، لاتخاذ بعض الإجراءات؛ هي: وضع خطة عمل تنفيذية تتضمن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ لوقف الاقتتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلف، وتكليف آلية الاتصال ببحث الإجراءات التنفيذية المطلوبة لمعالجة تداعيات الأزمة السودانية على مستقبل استقرار السودان ووحدته وسلامة أراضيه والحفاظ على مؤسساته الوطنية، وتعرض الآلية نتائج اجتماعاتها وما توصلت إليه من توصيات على القمة القادمة لدول جوار السودان.[9]
ثانيًا: المواقف من القمة..
شهدت القمة دعمًا من مختلف الأطراف السودانية والإقليمية والدولية؛ كالتالي..
1. مواقف الأطراف المُتصارعة من مُخرجات القمة: بالنسبة لموقف الجيش السوداني؛ فقد رحَّب مجلس السيادة السوداني بمخرجات قمة دول الجوار التي عُقدت في القاهرة، مؤكدًا على استعداده لإيقاف العمليات العسكرية إذا التزمت قوات الدعم السريع بالامتناع عن مهاجمة الأحياء السكنية والمرافق الحكومية.
وقال المجلس في بيان نشرته وكالة الأنباء السودانية إن حكومة السودان تؤكد حرصها على العمل مع كل الأطراف الساعية لوقف الحرب وعودة الأمن للبلاد.[10]
كذلك، أعلن مجلس السيادة “التزامه ابتدار حوار سياسي فور توقف الحرب، يفضي إلى تشكيل حكومة مدنية تقود البلاد خلال فترة انتقالية تنتهي بانتخابات يشارك فيها جميع السودانيين”.[11]
أما عن موقف قوات الدعم السريع؛ فقد رحَّبت أيضًا قوات الدعم السريع بالبيان الختامي و “تبنِّي الحل الشامل أساسًا لمعالجة المشكلة السودانية”.
قالت قوات الدعم السريع إن “هذه الخطوة تُمثِّل دفعة قوية للجهود المبذولة والمتواصلة من قِبل السعودية والولايات المتحدة الأميركية التي تهدف للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين”.
وحثَّت قوات الدعم السريع على “تكامل الجهود الدولية والإقليمية كافة بتوحيد المبادرات المطروحة لتسهيل وتسريع الوصول للحل الشامل، لاسيما مع منبر جدة ومبادرة الإيجاد”.
وأبدت استعدادها التام “للعمل مع جميع الفاعلين في الداخل والخارج من أجل التوصل إلى حل جذري للأزمة السودانية عبر استعادة المسار المدني الديمقراطي”.[12]
وأعلن مستشار قوات الدعم السريع، أحمد عابدين، إن مخرجات قمة دول الجوار “تجد الترحيب من جانبنا”، مشيرًا إلى أن “البيان الختامي حاول إيجاد صيغة توافقية بين الدول المجاورة والمحيط الإقليمي ككل، الذي تتباين رؤاه حول التعامل مع الموقف في السودان، وحاول البيان عدم إغفال المبادرات الأخرى، سواء السعودية الأميركية، أو مبادرة (إيجاد)، وكلها تحاول إيجاد صيغة لوقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين وحماية المدنيين”.
إلا أنه أبدى تحفظه على بندين في البيان الختامي: الأول يتعلق باقتراح حوار شامل بين فرقاء الأزمة السودانية، مشيرًا إلى أن ذلك البند “سيستغله فلول النظام السابق لإيجاد موطئ قدم لهم في أي حوار”.
أما البند الثاني، فهو المتعلق بعدم التدخل الأجنبي في الشأن السوداني، معتبرًا أن “الفقرة ستُفسر من قبل المجموعة نفسها بوجود دعم خارجي للدعم السريع، وهذا ليس صحيحًا”، مؤكدًا أن “قوات الدعم السريع نفسها ضد أي تدخل في الشأن السوداني، ولا ترحب إلا بالمساعي الحميدة لتقريب وجهات النظر”.[13]
2. مواقف القوى الداخلية والإقليمية والدولية من القمة: على المستوى السوداني الداخلي؛ رحَّب “تحالف الحرية والتغيير/ الكتلة الديمقراطية” بمخرجات قمة دول الجوار، خصوصًا ما يتعلق بـ “تأكيد الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم التدخل في شأنه الداخلي”.
وذكر التحالف أنه “يسعى جاهدًا مع بقية القوى السياسية، خصوصًا الحليفة، للمشاركة في تنفيذ تلك المخرجات، والعمل مع الحلفاء لإشراك القوى السياسية والمدنية والشبابية والنسوية كافة ولجان المقاومة والمكونات السودانية المختلفة لضمان الوصول إلى مشاركة شاملة لا تقصي أحدًا”.[14]
وكان رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر يوسف الدقير، دعا قمة القاهرة للعمل على رفض التدخلات الخارجية بأية أقوال أو أفعال من شأنها “توسيع” رقعة الحرب. وأكَّد رئيس حزب المؤتمر على أهمية القمة كونها تجمع الدول “الأكثر تأثُّرًا بالحرب” الدائرة في السودان. [15]
ويرى رئيس تحرير صحيفة “اليوم التالي”، الطاهر ساتي، أن “قمة دول جوار السودان حقَّقت نجاحًا كبيرًا؛ أولًا لأنها عقدت في مناخ توافقي بين دول الجوار، بعكس قمة اللجنة الرباعية التابعة لـ (إيجاد)، والتي قاطعها السودان بسبب موقف الخرطوم من كينيا، كما أن قمة الجوار السوداني في القاهرة سحبت البساط من (إيجاد) ورئيس كينيا وليام روتو المتحيز، ومن أجندات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، ورفضت التدخل الأجنبي في الأزمة السودانية، وحرصت على إظهار دعمها لوحدة السودان وسلامة أراضيه”.[16]
أما على المستويين الإقليمي والدولي؛ فقد دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إلى الحفاظ على مؤسسات السودان ومنع انهيارها ورفض أي تدخل خارجي، مُضيفًا أنه يجب دعم مسار جدة لحل الصراع في السودان.[17] ومن جهته، لفت رئيس البعثة الأممية “فولكر بيرتس” إلى أن جيران السودان تأثروا بالنزاع القائم، بالتالي أهمية الاجتماع في القاهرة لتوحيد المواقف وإنهاء هذه الحرب.[18]
ثانيًا: سد النهضة حاضر على هامش لقاءات القمة..
التقى عبد الفتاح السيسي برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على هامش أعمال القمة يوم الخميس 13 يوليو 2023..
1. نتائج اللقاء المصري- الإثيوبي: اتفق الطرفان على بدء مفاوضات “عاجلة” بخصوص سد النهضة وقواعد تشغيله، حسبما جاء في “بيان مشترك” نشره متحدث الرئاسة المصرية، أحمد فهمي، على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك. حيث قال فهمي، إن “الرئيس السيسي وآبي أحمد عقدا اجتماعًا لاستئناف المناقشات بينهما”، على هامش قمة دول جوار السودان التي استضافتها القاهرة، اليوم.
وأوضح متحدث الرئاسة المصرية أن “الزعيمين ناقشا سبل تجاوز الجمود الحالي في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي”.
كما أشار متحدث الرئاسة المصرية إلى أنهما “اتفقا على الشروع في مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء سد النهضة وقواعد تشغيله، وبذل جميع الجهود الضرورية للانتهاء منه خلال أربعة أشهر”.
فيما ذكر البيان، أن “إثيوبيا أوضحت خلال فترة المفاوضات التزامها أثناء ملء السد خلال العام الهيدرولوجي 2023-2024، بعدم إلحاق ضرر ذي شأن بمصر والسودان، بما يوفر الاحتياجات المائية لكلا البلدين”.
كما لفت بيان الرئاسة المصرية، إلى أن السيسي وآبي أحمد “جدَّدا تأكيد إرادتهما المتبادلة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا”. أضاف أن ذلك يأتي “انطلاقًا من الرغبة المشتركة، في تحقيق مصالحهما المشتركة وازدهار الشعبين الشقيقين، بما يسهم أيضًا بشكل فعَّال في تحقيق الاستقرار والسلام والأمن بالمنطقة، وقدرة الدولتين على التعامل مع التحديات المشتركة”.[19]
2. ردود الفعل حول الاتفاق المصري- الإثيوبي: في سياق ردود الفعل على الاتفاق كتب مبارك أردول، وهو قائد سابق لإحدى مجموعات التمرد في السودان ويعد مقربًا من الجيش، عبر حسابه على موقع “تويتر”، “على رغم غيابنا ولكننا ندعم بالكامل هذا البيان الثنائي في شأن سد النهضة”، مضيفًا أن السودان “سينضم قريبًا لجعل الاتفاق ثلاثيا من دون وسطاء خارجيين”.[20]
وأشاد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي، بقرار السيسي وأحمد، بشأن تعزيز العلاقات بين البلدين واستئناف المفاوضات حول سد النهضة. وقال فقي في تغريدة على “تويتر”: “أود أن أثني بحرارة على رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، ورئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي، لقرارهم المشترك بشأن تعزيز العلاقات الثنائية، بما في ذلك استئناف المفاوضات لحل القضايا العالقة بشأن سد النهضة لصالح شعوبهم”.[21]
ورحَّب الاتحاد الأوروبي كذلك بقرار القاهرة وأديس أبابا البدء في مفاوضات عاجلة للتوصل إلى اتفاق في شأن ملء سد النهضة وقواعد تشغيله، إذ قال ممثل الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عبر صفحته على “تويتر”، “نرحب بقرار إثيوبيا ومصر تعزيز العلاقات الثنائية بما في ذلك حل القضايا المتعلقة بسد النهضة”، مضيفًا أن “الاتحاد الأوروبي لا يزال مستعدًا لدعم مثل هذه الجهود التي تفيد ملايين الأشخاص”.[22]
3. هل يُمكن للاتفاق أن يحلحِّل الأزمة؟ بقدر الزخم السياسي الذي أحدثه الاتفاق المشترك بين القاهرة وأديس أبابا على استئناف المفاوضات والانتهاء منها في غضون أربعة أشهر، إلا أنه يجب الحذر عند تناول الأمر، حيث توجد الكثير من الأسئلة عما ستفضي إليه الفترة المقبلة من نتائج.
فمجرد استئناف المفاوضات ليست النهاية لتعثُّرها، ولا يُمكن اعتباره إنجازًا في حد ذاته، فليس هناك أي تأكيد أو توافق حول ما إذا كانت النقاط الخلافية التي أوصلت الجولات التفاوضية السابقة إلى طريق مسدود يمكن تجاوزها هذه المرة، وألا تُعرقل الأمور مجددًا.
وبالرغم من كون تحديد جدول زمني خلال أربعة أشهر أمر جيد؛ إلا أنه في النهاية تبقي الضمانات في عزم الطرفين على الوصول إلى حل ووجود إرادة سياسية لتحقيق ذلك، وهو ما لم يثبت خلال المفاوضات في العشر أعوام الماضية.
وعليه فيجب ألا نضع كثيرًا من الآمال والطموحات في استئناف المفاوضات في حد ذاتها بسبب تاريخ التفاوض السابق بين البلدين، وحتى التزام إثيوبيا بعدم إلحاق الضرر بدولتي المصب خلال عملية الملء الرابع ليس جديدًا، ولا يعدو كونه تصريحات دبلوماسية وغير واقعية، إذ إن تصريف المياه بات محكومًا من فتحات السد، وهي بوابتان فقط في جسم السد مما لا يتناسب والحاجات المائية اليومية لمصر.
حتى أن صورًا حديثة بالأقمار الاصطناعية لموقع السد قد كشفت في نفس يوم اللقاء المصري الإثيوبي عن فتح بوابتي التصريف، مما يعني أن إثيوبيا ستبدأ الملء الرابع فعليًا.
وأظهرت الصور كذلك أن إثيوبيا فتحت بوابتي التصريف الغربية والشرقية بعدما أكملت الإنشاءات في الممر الأوسط تمهيدًا لتعويض الكمية الناقصة من البحيرة والبالغ قيمتها 3 مليارات متر مكعب، واستقبال مياه الأمطار والفيضان لبدء التخزين الرابع.
ومن ثمَّ؛ فإن النقطة الفاصلة لا تزال تكمن في القدرة على تجاوز النقاط الخلافية، والتوصُّل إلى اتفاق شامل ومُلزم يحدد قواعد الملء والتشغيل، ويراعي المصالح المائية لدولتي المصب.[23]
الخُلاصة؛ جاءت المبادرة المصرية بشأن السودان والتي جمعت دول الجوار السبعة؛ في ظل تعثُّر وساطات دولية وإقليمية أخرى، أبرزها وساطة جدة المشتركة بين السعودية وأميركا، التي فشلت حتى الآن في إقناع طرفي النزاع بالجلوس معًا، والوساطة التي تقوم بها منظمة (إيجاد)، التي رفضت وزارة الخارجية السودانية المشاركة فيها بسبب رئاسة كينيا لاجتماعها.
وركَّزت القمة على الوصول لجلسة تجمع كبار مسؤولي الجيش السوداني والدعم السريع خلال الأسابيع القادمة. كما سعت لإبرام اتفاق مُلزم بين طرفي النزاع السوداني مدته ثلاثة أشهر على الأقل. ولقيت دعوة مصر استجابة وترحيبًا من السودان وجيرانه، فضلًا عن عدد من المنظمات الإقليمية والعربية، من بينها جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، وذلك في ظل مخاوف دولية من تمدُّد خطر الصراع إلى دول الجوار أو حتى من تسلُّل العناصر الإرهابية إلى السودان.
وبما أن القمة جمعت الطرفين المصري والإثيوبي؛ فكان لابد من حضور ملف سد النهضة على أجندة اللقاءات والمفاوضات؛ فكان الاتفاق المصري- الإثيوبي على استئناف المفاوضات للخروج باتفاق نهائي لحل الأزمة. ورغم إيجابية الخطوة بعد تعثُّر المفاوضات في الفترة الأخيرة؛ إلا أنه من غير المُنتظر أن تُحقِّق تقدمًا ملموسًا في ظل الإصرار الإثيوبي على استكمال أعمال السد والملء الرابع، وعدم وجود جديد في تصريحات الجانب الإثيوبي الذي لطالما أكَّد حرصه على عدم إلحاق ضرر “ذي شأن” بمصر والسودان، وهي الكلمة المطاطة التي لطالما دارت حولها النقاشات والسجالات؛ فما تراه مصر والسودان صررًا ذي شأن لا تراه إثيوبيا كذلك.
وبالرغم من كون الملء الرابع قد يتعطَّل ولا يُحقِّق تخزين الكمية المستهدفة له لأسباب فنية، وكذلك ما تمر به المنطقة من أوضاع سياسية وأمنية؛ إلا أنه من غير المُرجَّح الوصول لاتفاق نهائي مُلزم للجانب الإثيوبي يكفل الحقوق المائية لمصر والسودان، لاسيما خلال الأربعة أشهر القادمة وفقًا لاتفاق القاهرة، وفي الغالب هي محاولة للمماطلة وكسب الوقت والدعم كعادة آبي أحمد.
[1] أشرف عبد الحميد، “قمة القاهرة تؤكد على حماية السودان ومؤسساته.. ترحيب من الجيش والدعم السريع”، العربية نت، 13/7/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/hRgqd
[2] “مصر تحتضن “قمة دول جوار السودان” لبحث إنهاء الصراع ومواجهة خطر تمدده”، France 24، 13/7/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/yiNLB
[3] أشرف عبد الحميد، مرجع سبق ذكره.
[4] “مصر تحتضن “قمة دول جوار السودان” لبحث إنهاء الصراع ومواجهة خطر تمدده”، مرجع سبق ذكره.
[5] أشرف عبد الحميد، مرجع سبق ذكره.
[6] “مصر تحتضن “قمة دول جوار السودان” لبحث إنهاء الصراع ومواجهة خطر تمدده”، مرجع سبق ذكره.
[7] “انعقاد قمة دول جوار السودان في القاهرة: لوقف فوري للقتال وحلّ سلمي”، العربي الجديد، 13/6/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/mx0F8
[8] “مصر تحتضن “قمة دول جوار السودان” لبحث إنهاء الصراع ومواجهة خطر تمدده”، مرجع سبق ذكره.
[9] “تعرف على مخرجات قمة دول جوار السودان”، الغد، 13/7/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/UYqX6
[10] أشرف عبد الحميد، مرجع سبق ذكره.
[11] عبد الحميد عوض، “مجلس السيادة و”الدعم السريع” يرحبان بمخرجات قمة دول جوار السودان”، العربي الجديد، 13/7/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/n9XgS
[12] أشرف عبد الحميد، مرجع سبق ذكره.
[13] عبد الحميد عوض، مرجع سبق ذكره.
[14] عبد الحميد عوض، مرجع سبق ذكره.
[15] أشرف عبد الحميد، مرجع سبق ذكره.
[16] عبد الحميد عوض، مرجع سبق ذكره.
[17] “انعقاد قمة دول جوار السودان في القاهرة: لوقف فوري للقتال وحلّ سلمي”، مرجع سبق ذكره.
[18] أشرف عبد الحميد، مرجع سبق ذكره.
[19] “السيسي وآبي أحمد يتفقان على بدء مفاوضات “عاجلة”.. يتطلعان لحل أزمة سد النهضة في 4 أشهر”، عربي بوست، 13/7/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/2YPO4
[20] أحمد عبد الحكيم، “هل حلحل لقاء السيسي وآبي أحمد أزمة “سد النهضة”؟”، عربية Independent، 14/7/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/rkp7D
[21] “رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي يعلق على نتائج لقاء السيسي وأبي أحمد في القاهرة”، عربي RT، 13/7/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/XamdG
[22] أحمد عبد الحكيم، مرجع سبق ذكره.
[23] أحمد عبد الحكيم، مرجع سبق ذكره.