في مطلع الشهر الجاري؛ أُعلن عن تعليق المفاوضات بين الجيش والدعم السريع إلى أجلٍ غير مسمى، وغادر الوفدان مدينة جدة السعودية لإجراء مشاورات مع القيادة بعد إخفاقهما في تنفيذ إجراءات بناء الثقة وإنهاء الوجود العسكري في المدن الرئيسية. وتبدو الأزمة السودانية في ضوء انهيار الجولة الثانية من مفاوضات منبر جدة أعقد بكثير من التكهنات التي طالما ظلت تتردَّد قرب الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار عبر هذا المنبر. ويعكس هذا الانهيار خيبة أمل كبيرة للسودانيين الذين راهنوا كثيرًا على المنبر الذي ترعاه كل من السعودية والولايات المتحدة. ولتكتمل قتامة المشهد، جاء الانهيار بالتزامن مع الإعلان عن إنهاء تفويض البعثة الأممية لدعم الانتقال في السودان (يونيتامس)، وكذلك خلاف طرفي الحرب حول مخرجات قمة الإيجاد. فما هي أسباب انهيار منبر جدة؟ وما تداعيات إنهاء تفويض البعثة الأممية في السودان؟ وما هي أوجه الخلاف بين طرفي الحرب حول مخرجات قمة الإيجاد؟ وكيف يُمكن أن يؤثر كل ذلك على مستقبل الأزمة السودانية؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير..
أولًا: انهيار منبر جدة: الأسباب وردود الفعل..
1. أسباب الخلاف بين الجيش والدعم السريع في مفاوضات جدة: كان وفدا الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مفاوضات جدة قد اتفقا على وقف شامل لإطلاق النار، لكن المسافات تباعدت بينهما تمامًا فيما يخص التفاصيل، ولاسيما حول النقطة الأولى المُتعلقة ببند انتشار الطرفين على الأرض بعد وقف إطلاق النار. حيث يصر وفد الجيش على خروج كامل لقوات الدعم السريع من منازل المدنيين وكل المنشآت المدنية وعدم السماح لها بإقامة نقاط ارتكاز في الشوارع، كما يحدث حاليًا في معظم مناطق وأحياء العاصمة الخرطوم، وقد وافق الدعم السريع وافق على مقترح الخروج من المنازل ولكنه رفض فكرة إبعاده عن نقاط الارتكاز لتخوفه من القصف الجوي في حال عودته إلى معسكراته القديمة. والنقطة الثانية، وهي الأكثر إثارة للخلاف، وتتعلق ببند إجراءات الثقة، الذي تم التوصل إليه سابقًا، وأهم ما فيه هو إعادة إلقاء القبض على رموز نظام الرئيس المعزول عمر البشير وحزبه المؤتمر الوطني، الذين خرجوا من السجون مع بدء الحرب، وهو البند الذي يتمظهر الدعم السريع بالتشديد عليه، مطابقةً لخطابه العام أثناء الحرب وتركيزه على أن حربه بالأساس ضد من يسميهم فلول النظام البائد. وعلاوةً على ذلك، فإن هناك خلافًا ثالثًا يتمحور حول توصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب.[1]
2. آراء مختلفة حول أسباب تشدُّد الطرفين في المفاوضات: يرى البعض أن الجيش يُظهر موقفًا متشددًا في المفاوضات على الرغم من تقهقهره في الميدان. واستدل هؤلاء على ذلك بتقرير مجلة الإكونوميست القائل: “هناك عدم تطابق صارخ بين ضعف الموقف العسكري للقوات المسلحة السودانية وموقفها التفاوضي المثير للسخرية”. وعزا هؤلاء موقف الجيش لما وصفوه بوقوع قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان، في براثن الإسلاميين، والإنابة عنهم في خوض معركتهم المؤجلة الوجودية ضد قوات الدعم السريع احتجاجًا على أدوار القوات في الإطاحة بالبشير في 2019. واعتبروا أنه من الغريب أن تظهر قوات الدعم السريع الموصوفة بشبه العسكرية مرونةً تفاوضية على الرغم من سيطرتها على معظم الخرطوم وغالبية إقليم دارفور، وأجزاء غير قليلة من كردفان. وفي المقابل، يرى البعض الآخر أن الدعم السريع وراء انهيار جولات المفاوضات السابقة من خلال استمراره في الانتهاكات، واحتلال بيوت المواطنين، علاوةً على تمسكه بالاحتفاظ بقواته المنفلتة في قلب المدن. ويعتبر هؤلاء أن مليشيا الدعم السريع الممتعضة من تصريحات قادة الجيش، تمارس العدائيات علانيةً بالتزامن مع جولات التفاوض بالانفتاح على المناطق الآمنة، وترويع أهلها، وسلب ممتلكاتهم بطرق غاية في الهمجية والبربرية. وأن الجيش في الحرب الحالية وإن لم يكن يعبر عن جميع السودانيين، فإنه يعبر على الأقل عن السواد الأعظم منهم، خاصةً سكان الخرطوم ودارفور الذين فر معظمهم هربًا من تفلت عناصره، ما يعني إن مواقفه في التفاوض تتأسس على رغبة المنكوبين بعودة آمنة إلى ديارهم. كما يرى هؤلاء أن حرص المليشيا على وضع نصوص تحفظ بقائها وسط المدنيين، يدفع الجيش للمضي قدمًا في الخيار العسكري كونه الأمثل في هذه الحالة لحفظ أرواح المواطنين.[2]
3. ردود الفعل الداخلية حول انهيار مفاوضات جدة: أصدر رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر بيانًا، قال فيه إن انهيار مفاوضات جدة يشكل خيبة أمل للشعب السوداني لأنه ينظر إلى المفاوضات كطريق للوصول إلى اتفاق يرفع عن الشعب مآسي الحرب اللعينة ويعيد الاستقرار إلى البلاد. وذكر ناصر، في بيانه، أن التصعيد الإعلامي والخطابات غير الحكيمة تشير إلى عدم توفر الإرادة السياسية لدى أطراف الحرب لتنفيذ ما اتفق عليه في الجولات السابقة والوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار. وناشد رئيس حزب الأمة القومي الطرفين بضرورة الالتزام بتعهداتهما واستشعار المسؤولية الوطنية والعمل الجاد على إنجاح العملية التفاوضية في جدة للوصول لسلام حقيقي. ويوضح القيادي بقوى الحرية والتغيير ماهر أبو الجوخ، في حديث له، أن السبب الأساسي لتعليق التفاوض مرتبط برفض وفد الجيش تنفيذ الالتزامات السابقة بإلقاء القبض على قيادات النظام السابق المتفق على اعتقالهم، ويشير إلى أن وفد الجيش ذكر أن الأمر يحتاج بعض الوقت، وأعلن استعداده للتوقيع على بقية تفاصيل الاتفاق الخاص بوقف العدائيات. ويضيف أبو الجوخ أنّ “الطريق لإنهاء الحرب يتم عبر التفاوض والمدخل الصحيح لإثبات جدية التفاوض هو الوفاء بالالتزامات السابقة بشكل جاد، وإلا فإن البديل هو استمرار الحرب والتي ستستمر، لكن ستنتهي بالتفاوض مع وجود فرق، أن كلفتها وخسارتها ستكون كبيرة للغاية مقارنة بنهايتها في أوان سابق”. ويؤكد الناطق الرسمي باسم تحالف الكتلة الديمقراطية محيي الدين جمعة، وهو تحالف داعم للجيش، أن أسباب التعليق يعود إلى عدم التزام قوات الدعم السريع بما تم الاتفاق عليه في الاتفاقية الأولى، التي نصت صراحةً على إخلاء الدعم السريع منازل المواطنين والخروج نهائيًا من الأحياء وإخلاء جميع المدن من المظاهر العسكرية، وعلى الجيش أن يضمن سلامة قوات الدعم السريع أثناء الخروج ويحدد لهم مواقع جديدة خارج المدن. ويرى جمعة أن من “أسباب عدم نجاح الجولة الأخيرة ما يتصل بالمكاسب الأخيرة التي أحرزها الدعم السريع في دارفور، وهو ما خلق نوعًا من رفع سقف التفاوض لدى الدعم ضد الجيش وتقديم بنود يصعب تنفيذها أو الالتزام بها”.[3]
ثانيًا: إنهاء عمل البعثة الأممية في السودان، والخلاف حول مُخرجات قمة (الإيجاد)..
1. بعثة الأمم المتحدة في السودان (يونيتامس): أُنشئت بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان، في عام 2020، بناءً على طلب من حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وعين الألماني فولكر بيرتيس رئيسًا لها وممثلًا للأمين العام للأمم المتحدة. وقبل أشهر من تكوينها النهائي وبدء بيرتيس مهمته، وقع انقلاب 25 أكتوبر 2021 بقيادة قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، والذي أطاح بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وشهدت الفترة اللاحقة احتقانًا سياسيًا واسعًا بعد الرفض الشعبي للانقلاب من خلال استمرار الاحتجاجات الشعبية بأشكالها المختلفة، فقادت البعثة مع الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “إيجاد” جهودًا لتسهيل الحوار بين الانقلابيين والمدنيين انتهى بالتوقيع على اتفاق إطاري في الخامس من ديسمبر 2022 لإنهاء حالة الانقلاب وتكوين حكومة مدنية بديلة ودمج قوات الدعم السريع في الجيش. غير أن البعثة ورئيسها فولكر بيرتيس، واجهت اتهامات متكررة بالانحياز لأحزاب الحرية والتغيير وتجاهل بقية المكونات السياسية في البلاد.[4]
2. خلفيات قرار إنهاء عمل بعثة (يونيتامس) في السودان: أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن عقوباتٍ ضد مدير جهاز الأمن والمخابرات الأسبق، صلاح عبد الله قوش، ونائبه ومدير جهاز الأمن الأسبق، محمد عطا، والمدير الأسبق لمكتب رئيس الجمهورية، المعزول عمر البشير، طه عثمان الحسين. الاتهامات التي وجهتها لهم وزارة الخزانة هي ذاتها التي وجهتها قبل أسابيع لزعيم الحركة الإسلامية السودانية علي كرتي: تقويض السلام والأمن والاستقرار في السودان. يُمكن قراءة هذه العقوبات في سياق التصعيد السريع في حربٍ أخرى تخوضها السلطة العسكرية ضد المجتمع الدولي. فقبل أيام، فاجأت السلطة العسكرية مجلس الأمن بطلب عدم التجديد لبعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال (يونيتامس)، بعد أسابيع من إعلان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البعثة، فولكر بيرتس، شخصًا غير مرغوب فيه، ومنعه من دخول السودان، ما دفعه إلى الاستقالة من منصبه. وجاء طلب مندوب السودان في الأمم المتحدة بعدم التجديد للبعثة مخالفًا لما تسرّب عن لقاء قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريتش في نيويورك، وما راج أنه تم الاتفاق عليه بمزيد من التعاون بين السلطة العسكرية والمجتمع الدولي، للوصول إلى حل سلمي للحرب وإجراء عملية تحول ديمقراطي. لم تكن الدول الأعضاء في مجلس الأمن متحمسة لإنهاء عمل البعثة، لكن عدم الرغبة في الصدام مع الفيتو الروسي جعل قرار إنهاء عمل البعثة أقل كلفة للمجتمع الدولي. تزامنت هذه الأحداث مع تعليق منبر جدة التفاوضي، الذي بدأ جولته الأخيرة وسط كثير من التفاؤل، وآمال كبيرة بالوصول إلى حل سلمي يوقف معاناة السودانيين من الحرب، لكنه لم ينجح في الأخير تحقيق أي اختراق حقيقي.[5]
3. العلاقة بين مفاوضات جدة والقرار الأممي: يربط البعض بين مفاوضات جدة التي تمت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وبين القرار الأممي الأخير، في إشارة إلى احتمالية توافق الطرفين في جدة على إنهاء مهمة البعثة. وأن إجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي يرمي إلى إعادة النظر لتطبيق الفصل السابع “المُتعلق باستخدام القوة لفرض الأمن في البلاد” الذي طُبق سابقًا في إقليم دافور، غرب البلاد، على مدى 12 سنة متصلة، بدلًا من الفصل السادس، وذلك لضمان حماية المدنيين من الموت اليومي، لاسيما وأن هذا الأمر من أولويات الأمم المتحدة. ويُرجِّح هؤلاء توجه مجلس الأمن في المدى القريب لإرسال قوات أممية للسودان بموجب الفصل السابع كما حدث في بلدان أخرى، فلا يُمكن لمجلس الأمن تجاهل الحالة السودانية المتدهورة يوميًا.[6]
4. قمة الإيجاد وموقف طرفي الحرب منها: ذكر البيان الختامي لقمة الإيجاد أن البرهان وحميدتي أعلنا التزامهما غير المشروط بوقف إطلاق النار، وحل النزاع عبر الحوار السياسي. وأقرَّت قمة الإيجاد بحسب بيانها الختامي تشكيل آلية دولية موسعة، مهمتها استعادة التحول المدني الديمقراطي بعد وقف الحرب، ودعم خارطة الطريق الإفريقية المُقترحة لوقف الاقتتال في السودان، والتي تنص على دمج منبر جدة ورؤية الإيجاد من أجل وقف الحرب، وبدء العملية السياسية التي تنتقل بموجبها السلطة للمدنيين. وأوضحت الخارجية السودانية في بيان نقلته وكالة السودان للأنباء أن ملاحظات لها على مسودة البيان الصادر من سكرتارية رؤساء الإيجاد لم يتم الأخذ بها في البيان. وذكرت الخارجية أن وفد السودان لاحظ أن هناك “فقرات أُقحمت في المسودة دون مسوغ، فضلًا عن الصياغة المعيبة لما اتُفق عليه في بعض المسائل المهمة، بحيث أنها لم تعكس حقيقة ما تم التوصُّل إليه”. وأفادت الخارجية السودانية أن ملاحظاتها تضمَّنت طلب تصحيح ما ورد في المسودة بشأن موافقة رئيس مجلس السيادة الانتقالي على لقاء قائد قوات الدعم السريع، مشيرًا إلى أن البرهان “اشترط لعقد مثل هذا اللقاء إقرار وقف إطلاق دائم للنار وخروج قوات التمرد من العاصمة وتجميعها في مناطق خارجها”. كما شملت الملاحظات حذف فقرة تشير إلى مكالمة هاتفية بين رؤساء الإيجاد وقائد الدعم السريع، إذ قالت الخارجية السودانية إن هذه المكالمة إذا تمت بين الرئيس الكيني وقائد الدعم السريع لا تُعد من أعمال القمة حتى يُشار إليها في البيان الختامي.بدورها، قالت قوات الدعم السريع في بيان إن حميدتي وافق على مبدأ الاجتماع مع البرهان بشرط أن يأتي البرهان للاجتماع المقترح بصفته “قائدًا للجيش وليس رئيسًا لمجلس السيادة”. وأشار بيان الدعم السريع إلى أن حميدتي أكَّد خلال مكالمة هاتفية مع القادة المشاركين في القمة على رؤية قوات الدعم السريع “المطروحة والرغبة في وقف إطلاق النار والمُضي قُدمًا في العملية السياسية بشرط أن تقود إلى معالجة جذور الأزمة في السودان وتفضي إلى تأسيس دولة سودانية جديدة، بما في ذلك تأسيس جيش وطني قومي ومهني جديد ينأى عن السياسة”.[7]
ثالثًا: اتجاهات الوضع في السودان..
1. إلى أين تتجه الأوضاع؟ ومتى تنتهي الحرب؟ يرى البعض أن خيار الحسم العسكري بات هو الأكثر رجاحةً وموضوعيةً، حيث سيلجأ الجيش مضطرًا لاستخدام أقصى درجات العنف والقوة، مدعومًا بالرأي الشعبي الذي ملَّ من اتخاذ المليشيا للمفاوضات فرصة لإطالة أمد الأزمة، وكسب أراضٍ جديدة، مع زيادة تسليحها وعتادها الحربي. وفي المقابل، يرى آخرون، إن الأمور تتجه إلى تدخل دولي سافر في الشأن السوداني، يُعزِّز من ذلك تأكد الوسطاء بزهد الطرفين في الوصول إلى تسوية سياسية، وتفاقم الأزمة في السودان بدرجة تهدد الأمن والسلم الإقليميين.[8] هذا وتشير بعض القراءات إلى أن الحرب سوف تنتهي بالطريقة نفسها التي بدأت بها، على نحوٍ مفاجئ وبلا استئذان، لاسيما أن الجهة الخارجية التي تمدّ حركة التمرد بالأسلحة والأموال لديها أهداف من وراء هذه الحرب، ومتى تحققت أهدافها، أو شعرت بعدم جدوى ما تقوم به، فسوف تتوقف بالضرورة، أو من الممكن أن تغيّر نهجها في التعاطي مع الشأن السوداني.[9]
2. مستقبل الأزمة السودانية: السيناريوهات المستقبلية للسودان ترتبط بصورة أساسية بنتيجة الصراع بين هذه القوى، ومفتاح ذلك هو تحرير العاصمة الخرطوم. ففي حال انتصر الجيش على الدعم السريع، لاسيما بعد حصول الجيش على أسلحة نوعية واستنفار آلاف المقاتلين، وتصدع الجبهة السياسية المساندة للدعم، مع ارتفاع وتيرة الإدانات الدولية لانتهاكات قوات الدعم السريع، واختراقات عديدة في السياسة الخارجية، أهمها إنهاء مهمة (يونيتامس) في السودان، التي انحازت لطرف دون الآخر، فضلًا عن اقتراب تحديد مصير قائد الدعم السريع حميدتي، حيث تذهب كثير من المؤشرات إلى احتمالية مقتله؛ فإن هذا الانتصار لا يعني فناء قوات الدعم السريع بالكامل، ولا حتى نهاية قوى الحرية والتغيير. وهي قوى لا يرغب رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان في تلاشيها، وإنما يحرص، من خلال عدم قطع خطوط التواصل معها، على أن تكون موجودة في المرحلة المقبلة، لتوازن الملعب السياسي، وهي نفسها باتت على قناعة، بأنها لن تستأثر بالحكومة مرة أخرى، وما لا يُدرك كله لا يترك جله. أما القوى الإسلامية، التي ساندت الجيش وقاتلت إلى جانبه، فإنها سوف تلقي بعد نهاية الحرب السلاح عن كاهلها، وتستعد للانتخابات، باصطفافات جديدة، ونزعة أيديولوجية أكثر مرونة. وهي لترتيبات تنظيمية تخصها، قرّرت عدم المشاركة في الحكومة خلال المرحلة الانتقالية. لكن هذا السيناريو الذي سوف يُتوج بغلبة الجيش، يحتاج إلى مفاوضات، لاسيما أنه نادرًا ما توجد حرب لا تنتهي على طاولة التفاوض، وهي ضرورية حتى لترتيبات عملية الاستسلام، وتحديد التزامات الأطراف المتقاتلة، وضمان توفير الدعم المالي، وتعويض المتضررين، وتلك عقبات يصعب تجاوزها دون ضمانات دولية وممولين، ما يعني أن العودة إلى منبر جدة ممكنة، ولكن بصورة مختلفة هذه المرة، بعد إخفاقات صاحبت الجولات السابقة. ولربما نُفاجأ كذلك بقيادة جديدة للدعم السريع تنقلب على آل دقلو وتأخذ بزمام الأمور، في طاولة حوار مع قيادة عسكرية أخرى على رأس الدولة. وهو أمر غير مُستبعد أيضًا، وسط هذه الرمال المتحركة، وإن لم تكن تلك التغيُّرات على مستوى الأشخاص، فهي، قطعًا، ستصيب التحالفات والسياسات.[10]
الخُلاصة؛ يبدو مما سبق أن الوسطاء الدوليين وصلوا إلى قناعة بعدم التعويل على جدّية الطرفين في الوصول إلى حل سلمي، ما يجعل الضغط عبر العقوبات السياسية الأقرب إلى التنفيذ. لكن مع زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الخليج يبدو الاهتمام الروسي المتزايد بالمنطقة، وأحد أهم ملفاتها هو حرب السودان، مؤشرًا إلى حاجة الولايات المتحدة وحلفائها إلى حسم بعض الملفات، قبل أن تنجح موسكو في سحبها منهم. وهذا عامل إضافي في تعقيد المسألة السودانية، إذ أصبحت، للأسف، جزءًا مهمًا من صراع النفوذين، الإقليمي والدولي، وليست مجرد صراع داخلي على السلطة بين الجيش والدعم السريع. وهو الأمر الذي يزكيه انهيار منبر جدة، وسحب البعثة الأممية من السودان، وكذلك الخلاف حول مخرجات قمة الإيجاد، بالشكل الذي يفتح المجال للتدخل العسكري الدولي حال عدم وصول الأطراف المتحاربة لوسيلة لإنهاء الأزمة داخليًا؛ سواء على طاولة المفاوضات أو بالحسم العسكري.
[1] عبد الحميد عوض، “مصادر تكشف لـ”العربي الجديد” أبرز نقاط الاتفاق والخلاف بين وفدي المفاوضات في السودان”، العربي الجديد، 5/12/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/shX6j
[2] “انهيار مفاوضات جدة يضع السودان على شفا «البند السابع»”، التغيير، 9/12/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/LmHAY
[3] عبد الحميد عوض، “مصادر تكشف لـ”العربي الجديد” أبرز نقاط الاتفاق والخلاف بين وفدي المفاوضات في السودان”، مرجع سبق ذكره.
[4] عبد الحميد عوض، “السودان.. ماذا بعد إنهاء مهمة البعثة الأممية؟”، العربي الجديد، 3/12/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/p0g7b
[5] حمور زيادة، “حرب السودان والتصعيد الدولي”، العربي الجديد، 9/12/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/QnDG2
[6] عبد الحميد عوض، “السودان.. ماذا بعد إنهاء مهمة البعثة الأممية؟”، مرجع سبق ذكره.
[7] “خلافات جديدة بين البرهان وحميدتي تحبط المفاوضات في السودان”، العربية، 11/12/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/uzUhY
[8] “انهيار مفاوضات جدة يضع السودان على شفا «البند السابع»”، مرجع سبق ذكره.
[9] عزمي عبد الرازق، “السودان.. متى تتوقف الحرب؟ وماذا بعد انتصار الجيش؟!”، الجزيرة نت، 9/12/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/rqmUc
[10] عزمي عبد الرازق، مرجع سبق ذكره.