قضية السيناتور مينينديز وتأثيرها علي العلاقات المصرية الأمريكية
يواجه رئيس “لجنة العلاقات الخارجية” في مجلس الشيوخ الأميركي، روبرت مينينديز (69 عامًا) وزوجته نادين أرسلانيان (لبنانية الأصل) تهمًا في قضايا فساد وتلقي الرشاوى من ثلاثة رجال أعمال في ولاية نيوجيرسي بغرض حمايتهم وإثرائهم، كما تضمنت لائحة الاتهام “مساعدة الحكومة المصرية”[1]. وتضمنت لائحة الاتهام، التي أصدرتها وزارة العدل الأمريكية، في 22 سبتمبر 2023، التي جاءت في 39 صفحة، أربع تهم رئيسية، أبرزها تقديم معلومات حساسة عن الحكومة الأمريكية، وخطوات أخرى لمساعدة الحكومة المصرية سرًا، بما في ذلك خطط للحفاظ على تدفق مبيعات الأسلحة الأمريكية والمساعدات الأمريكية السنوية المقدمة لمصر. كما أتهم مينينديز، بمحاولة التدخل في تحقيق جنائي لصالح أحد رجال الأعمال المتورطين معه، والتوصية بترشيح شخص لمنصب المدعي العام في ولاية نيوجيرسي، اعتقادًا منه أنه يمكن أن يؤثر على محاكمة رجل الأعمال المتورط معه. وضمت القائمة كذلك، محاولة التأثير على وزارة الزراعة لصالح أحد رجال الأعمال المتورطين معه. وأشارت لائحة الاتهامات، إلى تورط عدد من المسؤولين المصريين في التواصل والترتيب لإقامة هذه العلاقة مع مينينديز، وأشارت إليهم دون ذكر أسمائهم أو مناصبهم، واكتفت بـ”المسؤول المصري”، وصنفتهم بالأرقام من 1 إلى 5، ويحقق مكتب التحقيقات الفيدرالي حاليًا في دور محتمل لجهاز الاستخبارات المصري[2]. أولًا: تفاصيل الاتهامات المرفوعة ضد السيناتور مينينديز: وجه المدعي العام لمدينة نيويورك، في 22 سبتمبر 2023، اتهامًا إلى السيناتور الديمقراطي، روبرت مينينديز، وزوجته، نادين مينينديز، وثلاثة من ولاية نيوجيرسي، هم: رجال الأعمال وائل حنا، وخوسيه أوريبي (مضارب في أسهم النقل بالشاحنات والتأمين، تم إلغاء ترخيص مضاربة التأمين الخاص به بسبب الاحتيال)، وفريد دعيبس (مطور عقاري في نيوجيرسي)، بالتورط في مخطط رشوة استمر لسنوات (بين عامي 2018 و2022) سمح لمسؤولين مصريين بالوصول المباشر، وبشكل غير مشروع، إلى أحد أهم صناع السياسة الخارجية الأمريكية[3]. وتفصل وثيقة الاتهام ماهية وحيثيات الاتهامات الموجهة إلى مينينديز وزوجته كما يلي: 1– تسهيل المعونات والصفقات العسكرية لمصر: بحسب لائحة الاتهام، يمنح منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، مينينديز، نفوذًا خاصًا على المحفظة الأميركية الواسعة من مبيعات الأسلحة والمساعدات للقاهرة، بما في ذلك التخصيص السنوي البالغ 1.3 مليار دولار من التمويل العسكري الأجنبي الذي جعل مصر على مدى عقود واحدة من أكبر المستفيدين من المساعدات الأميركية[4]. وبحسب وثيقة الاتهام، بدأ تأسيس العلاقة بين مينينديز والمسؤولين المصريين في 2018. حيث قام كل من حنا ونادين، التي كانت صديقة مينينديز الجديدة آنذاك، بإعداد سلسلة من حفلات العشاء جمعت بين السيناتور وأفراد من الجيش المصري أو من المسؤولين الحكوميين المصريين. وفي تلك الاجتماعات، أثار الجانب المصري طلبات تتعلق بالمبيعات العسكرية والتمويل العسكري الأجنبي، فاستجاب السيناتور وزوجته بالتعهد بأن يستخدم السيناتور نفوذه وسلطته لتسهيل مثل هذه الصفقات والتمويل لمصر. وبحسب لائحة الاتهام، ففي مايو 2018، صاغ مينينديز رسالة لكي تقدمها الحكومة المصرية إلى أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي لإقناعهم بالإفراج عن 300 مليون دولار من المساعدات التي تم حجبها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. وفي يناير 2022، أرسل مينينديز إلى نادين مقالًا إخباريًا يتحدث عن مبيعات أسلحة أمريكية بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 2.5 مليار دولار كانت معلقة في ذلك الوقت ووافقت عليها إدارة الرئيس جو بايدن بعد فترة وجيزة. وأرسلت نادين الرابط إلى حنا، وأضافت: «كان على بوب [مينينديز] التوقيع على هذا»[5]. 2- جمع المعلومات واتخاذ قرارات لصالح مصر: وثيقة الاتهام زعمت أيضًا أن مينينديز استخدم منصبه لوضع مصالح مصر الإقليمية في واجهة أجندة الحكومة الأمريكية، والضغط من أجل اتخاذ قرارات أو اتصالات للمضي قدمًا لصالح مصر. فقد دعم مينينديز احتكار شركة حنا «آي إس إي جي حلال»، الشركة التي حصلت فجأة على احتكار لتوريد اللحوم الحلال إلى مصر في 2019، بعدما استبعدت وزارة الزراعة المصرية فجأة جميع جهات اعتماد اللحوم الحلال المؤهلة للعمل في الولايات المتحدة في مايو 2019، باستثناء شركة واحدة مُرخصة حديثًا، هي شركة حلال، على الرغم من افتقارها إلى الخبرة في شهادات الأغذية الحلال[6]. فقد أدى احتكار وائل حنا إصدار شهادات “الحلال” للحوم والأغذية الأمريكية المصدرة إلى مصر إلى ارتفاع كلفة هذه الصادرات ما يعني ارتفاع التكاليف على منتجي اللحوم الأمريكيين مما حدا بعدد من المسؤولين الحكوميين في وزارة الزراعة الأمريكية إلى الاتصال بالحكومة المصرية للتعبير عن اعتراضهم على منح شركة وائل حنا الحق الحصري في اصدار هذه الشهادات، ومطالبين الحكومة المصرية بإعادة النظرة في هذا القرار. وأعدت الوزارة تقريرًا عن ارتفاع كلفة اصدار شهادات “الحلال” والتداعيات السلبية لاحتكار شركة وائل حنا على السوق الأمريكية. وفي مايو 2019 التقى مينينديز ونادين ووائل حنا، وطلب وائل من مينينديز المساعدة في الرد على اعتراضات وزارة الزراعة الأمريكية على حصول شركته على الحق الحصري في اصدار شهادات الحلال لصادرات الأغذية الأمريكية إلى مصر. بعد اللقاء بيومين قدم وائل حنا لنادين بعض الخطابات الموجهة من وزارة الزراعة الأمريكية إلى المسؤولين المصريين والتي حولتها بدورها إلى مينينديز. بعد ذلك بأيام معدودة اتصل مينينديز بمسؤول رفيع في وزارة الزراعة الأمريكية طالبًا منه التوقف عن الاعتراض على التوكيل الحصري لشركة وائل حنا بإصدار شهادات “الحلال” ورغم عدم تجاوب المسؤول الأمريكي مع طلب مينينديز لكن شركة حنا ظلت تحتكر اصدار هذه الشهادات[7]. وبالنسبة لرجلي الأعمال خوسيه أوريبي وفريد دعيبس، فقد اتهم منينديز بإعطائهما وعودًا باستخدام نفوذه للتدخل في محاكمات منفصلة لوزارة العدل متعلقة بهما[8]. وفي أبريل 2020، أعرب مينينديز لوزيري الخزانة والخارجية الأمريكيين، عن قلقه بشأن تطورات المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان، حول سد النهضة الإثيوبي. وكان هذا جزءًا من الاتفاق بين زوجته، نادين، ومسؤولين حكوميين لحماية المصالح المصرية. وجاء في رسالة السيناتور: «أكتب إليكم للتعبير عن قلقي بشأن المفاوضات المتوقفة بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن (السد)»، مضيفًا: «لذلك أحثكم على زيادة إشراك وزارة الخارجية بشكل كبير في المفاوضات المتعلقة (بالسد)». وفي إحدى المرات، أبلغ مينينديز أيضًا نادين بمعلومات تتعلق بعدد وجنسيات الموظفين في السفارة الأمريكية بالقاهرة، كان قد حصل عليها من وزارة الخارجية الأمريكية. بدورها، نقلت نادين المعلومات إلى «المسؤول المصري-2» عن طريق حنا. ووفقًا للائحة الاتهام، فإن هذه المعلومات «تعتبر حساسة للغاية لأنها يمكن أن تشكل مخاوف أمنية تشغيلية كبيرة إذا تم الكشف عنها لحكومة أجنبية أو إذا تم نشرها على الملأ». وفي يونيو 2021، قامت نادين ومسؤول مصري، تمت الإشارة إليه باسم «المسؤول المصري-4»، بترتيب اجتماع في أحد فنادق واشنطن، جمع مينينديز و«المسؤول المصري-5»، الذي وصفته وثيقة الاتهام بأنه مسؤول كبير في المخابرات. وفي اليوم التالي، زود مينينديز «المسؤول المصري-4»، عن طريق نادين، بنسخة من وثيقة تتضمن الأسئلة التي يعتزم أعضاء مجلس الشيوخ طرحها على «المسؤول المصري-5»، في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان في مصر، وفيما يتعلق بمرور طائرتين سعوديتين أقلتا فريق اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي فوق القاهرة. وقالت نادين في رسائلها النصية: «اعتقدت أنه سيكون من الأفضل أن تعرف مسبقًا ما الذي يتم الحديث عنه، وبهذه الطريقة يمكنك إعداد تفنيداتك»….