قضية السيناتور مينينديز وتأثيرها علي العلاقات المصرية الأمريكية

قضية السيناتور مينينديز وتأثيرها علي العلاقات المصرية الأمريكية

يواجه رئيس “لجنة العلاقات الخارجية” في مجلس الشيوخ الأميركي، روبرت مينينديز (69 عامًا) وزوجته نادين أرسلانيان (لبنانية الأصل) تهمًا في قضايا فساد وتلقي الرشاوى من ثلاثة رجال أعمال في ولاية نيوجيرسي بغرض حمايتهم وإثرائهم، كما تضمنت لائحة الاتهام “مساعدة الحكومة المصرية”[1]. وتضمنت لائحة الاتهام، التي أصدرتها وزارة العدل الأمريكية، في 22 سبتمبر 2023، التي جاءت في 39 صفحة، أربع تهم رئيسية، أبرزها تقديم معلومات حساسة عن الحكومة الأمريكية، وخطوات أخرى لمساعدة الحكومة المصرية سرًا، بما في ذلك خطط للحفاظ على تدفق مبيعات الأسلحة الأمريكية والمساعدات الأمريكية السنوية المقدمة لمصر. كما أتهم مينينديز، بمحاولة التدخل في تحقيق جنائي لصالح أحد رجال الأعمال المتورطين معه، والتوصية بترشيح شخص لمنصب المدعي العام في ولاية نيوجيرسي، اعتقادًا منه أنه يمكن أن يؤثر على محاكمة رجل الأعمال المتورط معه. وضمت القائمة كذلك، محاولة التأثير على وزارة الزراعة لصالح أحد رجال الأعمال المتورطين معه. وأشارت لائحة الاتهامات، إلى تورط عدد من المسؤولين المصريين في التواصل والترتيب لإقامة هذه العلاقة مع مينينديز، وأشارت إليهم دون ذكر أسمائهم أو مناصبهم، واكتفت بـ”المسؤول المصري”، وصنفتهم بالأرقام من 1 إلى 5، ويحقق مكتب التحقيقات الفيدرالي حاليًا في دور محتمل لجهاز الاستخبارات المصري[2]. أولًا: تفاصيل الاتهامات المرفوعة ضد السيناتور مينينديز: وجه المدعي العام لمدينة نيويورك، في 22 سبتمبر 2023، اتهامًا إلى السيناتور الديمقراطي، روبرت مينينديز، وزوجته، نادين مينينديز، وثلاثة من ولاية نيوجيرسي، هم: رجال الأعمال وائل حنا، وخوسيه أوريبي (مضارب في أسهم النقل بالشاحنات والتأمين، تم إلغاء ترخيص مضاربة التأمين الخاص به بسبب الاحتيال)، وفريد دعيبس (مطور عقاري في نيوجيرسي)، بالتورط في مخطط رشوة استمر لسنوات (بين عامي 2018 و2022) سمح لمسؤولين مصريين بالوصول المباشر، وبشكل غير مشروع، إلى أحد أهم صناع السياسة الخارجية الأمريكية[3]. وتفصل وثيقة الاتهام ماهية وحيثيات الاتهامات الموجهة إلى مينينديز وزوجته كما يلي: 1– تسهيل المعونات والصفقات العسكرية لمصر: بحسب لائحة الاتهام، يمنح منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، مينينديز، نفوذًا خاصًا على المحفظة الأميركية الواسعة من مبيعات الأسلحة والمساعدات للقاهرة، بما في ذلك التخصيص السنوي البالغ 1.3 مليار دولار من التمويل العسكري الأجنبي الذي جعل مصر على مدى عقود واحدة من أكبر المستفيدين من المساعدات الأميركية[4]. وبحسب وثيقة الاتهام، بدأ تأسيس العلاقة بين مينينديز والمسؤولين المصريين في 2018. حيث قام كل من حنا ونادين، التي كانت صديقة مينينديز الجديدة آنذاك، بإعداد سلسلة من حفلات العشاء جمعت بين السيناتور وأفراد من الجيش المصري أو من المسؤولين الحكوميين المصريين. وفي تلك الاجتماعات، أثار الجانب المصري طلبات تتعلق بالمبيعات العسكرية والتمويل العسكري الأجنبي، فاستجاب السيناتور وزوجته بالتعهد بأن يستخدم السيناتور نفوذه وسلطته لتسهيل مثل هذه الصفقات والتمويل لمصر. وبحسب لائحة الاتهام، ففي مايو 2018، صاغ مينينديز رسالة لكي تقدمها الحكومة المصرية إلى أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي لإقناعهم بالإفراج عن 300 مليون دولار من المساعدات التي تم حجبها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. وفي يناير 2022، أرسل مينينديز إلى نادين مقالًا إخباريًا يتحدث عن مبيعات أسلحة أمريكية بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 2.5 مليار دولار كانت معلقة في ذلك الوقت ووافقت عليها إدارة الرئيس جو بايدن بعد فترة وجيزة. وأرسلت نادين الرابط إلى حنا، وأضافت: «كان على بوب [مينينديز] التوقيع على هذا»[5]. 2- جمع المعلومات واتخاذ قرارات لصالح مصر: وثيقة الاتهام زعمت أيضًا أن مينينديز استخدم منصبه لوضع مصالح مصر الإقليمية في واجهة أجندة الحكومة الأمريكية، والضغط من أجل اتخاذ قرارات أو اتصالات للمضي قدمًا لصالح مصر. فقد دعم مينينديز احتكار شركة حنا «آي إس إي جي حلال»، الشركة التي حصلت فجأة على احتكار لتوريد اللحوم الحلال إلى مصر في 2019، بعدما استبعدت وزارة الزراعة المصرية فجأة جميع جهات اعتماد اللحوم الحلال المؤهلة للعمل في الولايات المتحدة في مايو 2019، باستثناء شركة واحدة مُرخصة حديثًا، هي شركة حلال، على الرغم من افتقارها إلى الخبرة في شهادات الأغذية الحلال[6]. فقد أدى احتكار وائل حنا إصدار شهادات “الحلال” للحوم والأغذية الأمريكية المصدرة إلى مصر إلى ارتفاع كلفة هذه الصادرات ما يعني ارتفاع التكاليف على منتجي اللحوم الأمريكيين مما حدا بعدد من المسؤولين الحكوميين في وزارة الزراعة الأمريكية إلى الاتصال بالحكومة المصرية للتعبير عن اعتراضهم على منح شركة وائل حنا الحق الحصري في اصدار هذه الشهادات، ومطالبين الحكومة المصرية بإعادة النظرة في هذا القرار. وأعدت الوزارة تقريرًا عن ارتفاع كلفة اصدار شهادات “الحلال” والتداعيات السلبية لاحتكار شركة وائل حنا على السوق الأمريكية. وفي مايو 2019 التقى مينينديز ونادين ووائل حنا، وطلب وائل من مينينديز المساعدة في الرد على اعتراضات وزارة الزراعة الأمريكية على حصول شركته على الحق الحصري في اصدار شهادات الحلال لصادرات الأغذية الأمريكية إلى مصر. بعد اللقاء بيومين قدم وائل حنا لنادين بعض الخطابات الموجهة من وزارة الزراعة الأمريكية إلى المسؤولين المصريين والتي حولتها بدورها إلى مينينديز. بعد ذلك بأيام معدودة اتصل مينينديز بمسؤول رفيع في وزارة الزراعة الأمريكية طالبًا منه التوقف عن الاعتراض على التوكيل الحصري لشركة وائل حنا بإصدار شهادات “الحلال” ورغم عدم تجاوب المسؤول الأمريكي مع طلب مينينديز لكن شركة حنا ظلت تحتكر اصدار هذه الشهادات[7]. وبالنسبة لرجلي الأعمال خوسيه أوريبي وفريد دعيبس، فقد اتهم منينديز بإعطائهما وعودًا باستخدام نفوذه للتدخل في محاكمات منفصلة لوزارة العدل متعلقة بهما[8]. وفي أبريل 2020، أعرب مينينديز لوزيري الخزانة والخارجية الأمريكيين، عن قلقه بشأن تطورات المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان، حول سد النهضة الإثيوبي. وكان هذا جزءًا من الاتفاق بين زوجته، نادين، ومسؤولين حكوميين لحماية المصالح المصرية. وجاء في رسالة السيناتور: «أكتب إليكم للتعبير عن قلقي بشأن المفاوضات المتوقفة بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن (السد)»، مضيفًا: «لذلك أحثكم على زيادة إشراك وزارة الخارجية بشكل كبير في المفاوضات المتعلقة (بالسد)». وفي إحدى المرات، أبلغ مينينديز أيضًا نادين بمعلومات تتعلق بعدد وجنسيات الموظفين في السفارة الأمريكية بالقاهرة، كان قد حصل عليها من وزارة الخارجية الأمريكية. بدورها، نقلت نادين المعلومات إلى «المسؤول المصري-2» عن طريق حنا. ووفقًا للائحة الاتهام، فإن هذه المعلومات «تعتبر حساسة للغاية لأنها يمكن أن تشكل مخاوف أمنية تشغيلية كبيرة إذا تم الكشف عنها لحكومة أجنبية أو إذا تم نشرها على الملأ». وفي يونيو 2021، قامت نادين ومسؤول مصري، تمت الإشارة إليه باسم «المسؤول المصري-4»، بترتيب اجتماع في أحد فنادق واشنطن، جمع مينينديز و«المسؤول المصري-5»، الذي وصفته وثيقة الاتهام بأنه مسؤول كبير في المخابرات. وفي اليوم التالي، زود مينينديز «المسؤول المصري-4»، عن طريق نادين، بنسخة من وثيقة تتضمن الأسئلة التي يعتزم أعضاء مجلس الشيوخ طرحها على «المسؤول المصري-5»، في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان في مصر، وفيما يتعلق بمرور طائرتين سعوديتين أقلتا فريق اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي فوق القاهرة. وقالت نادين في رسائلها النصية: «اعتقدت أنه سيكون من الأفضل أن تعرف مسبقًا ما الذي يتم الحديث عنه، وبهذه الطريقة يمكنك إعداد تفنيداتك»….

تابع القراءة
شاهد || أسباب فشل قمة القاهرة للسلام

شاهد || أسباب فشل قمة القاهرة للسلام

اختتمت “قمة القاهرة للسلام” يوم السبت 21 أكتوبر الجاري، المنعقدة بعد 15 يوماً من معركة “طوفان الأقصى” لمناقشة التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، والتي كانت بعيدة جدًا عن مواكبة المعركة، والعدوان “الإسرائيلي” المتواصل واللا محدود على قطاع غزّة، فضلًا عن أن تستطيع الضغط باتّجاه وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، حيث انتهت دون إصدار بيان ختامي، بسبب خلافات بين المشاركين بها،

تابع القراءة
خيارات مصر القادمة بعد انتهاء الملء الرابع لسد النهضة وفشل جولتي المفاوضات بالقاهرة وأديس أبابا

خيارات مصر القادمة بعد انتهاء الملء الرابع لسد النهضة وفشل جولتي المفاوضات بالقاهرة وأديس أبابا

خيارات مصر القادمة بعد انتهاء الملء الرابع لسد النهضة وفشل جولتي المفاوضات بالقاهرة وأديس أبابا انتهت الجولة الثانية من المفاوضات الجديدة حول سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان، والتي عقدت في أديس أبابا يومي 23 و 24 سبتمبر الماضي، دون تقدم.. وانتهى مساء الأحد 24 سبتمبر، الاجتماع الوزاري الثلاثي بشأن أزمة السد، بمشاركة وفود التفاوض من مصر والسودان وإثيوبيا، وبدا واضحا حجم الخلافات والتباعد بين الأطراف في جولة اديس أبابا، وأكدت وزارة الري المصرية، أن الجولة التفاوضية المنتهية لم تسفر عن تحقيق تقدم يُذكر، حيث شهدت توجهاً إثيوبيًا للتراجع عن عدد من التوافقات التي سبق التوصل إليها بين الدول الثلاث في إطار العملية التفاوضية، مع الاستمرار في رفض الأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة وكذا الترتيبات الفنية المتفق عليها دوليا، وفق البيان الحكومي المصري الصادر عن وزارة الري. أسباب فشل المفاوضات باثيوبيا: ويرجع سبب الفشل في التوصل لنتائج، إلى قصر المدة المحددة بـ4 أشهر فقط، والتي سبق أن أعلنها أبي احمد خلال زيارته القاهرة، في 13 يوليو الماضي.. حيث التقى السيسي، مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، واتفقا على بدء مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق حول ملء سد النهضة وقواعد تشغيله خلال 4 شهور، مع تعهد إثيوبيا بعدم إلحاق ضرر بمصر والسودان أثناء ملء السد خلال العام الهيدرولوجي 2023/2024، وفقًا لبيان للرئاسة المصرية، آنذاك. وجرت الجولة الأولى من المفاوضات في القاهرة خلال يومي 27 و28 أغسطس الماضي، وعلّقت مصر، بأنها لم تشهد تغيرات ملموسة في مواقف الجانب الإثيوبي، مؤكدة استمرار المساعي للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة. ودفع تعنت أديس أبابا خلال الجولتين الأولى والثانية من المفاوضات الجديدة، وعدم إبدائها أية مرونة إزاء التوصل لحل مرضي، في حيبة أمل لدى القاهرة والحرطوم.. وبجانب التعنت الاثيوبي، ساهم ضعف التحضيرات الجيدة قبل إطلاق هذه الجولات لضمان تحقيق تقدمًا نسبيًا في المفاوضات، في افشال المفاوضات.. إذ كان يستوجب مشاركة أطراف دولية كمراقبين فاعلين، مثلما حدث من قبل، كمشاركة سابقة للاتحادين الإفريقي والأوروبي والبنك الدولي في المفاوضات ولكن دون تأثير فعال، ولكن غياب تلك الأطراف هذه المرة أثر سلبًا على التوصل لحل. وهو ما راكم الفشل المصري السوداني، وجعل الجولتين الأخيرتين تنضما إلى حلقات كثيرة سابقة، وسط تشدد ومماطلة إثيوبيين بشأن المطالب المصرية الخاصة بالتوصل إلى اتفاق قانوني تلتزم بموجبه أديس أبابا بتنظيم عملية الملء والتشغيل بالتنسيق مع الخرطوم والقاهرة. وبرز الخلاف الرئيسي المعرقل للتوصل لاتفاق، في الاختلاف في أجندة كل طرف في المفاوضات. فأديس أبابا تتمسك بتحديد حصة لها في مياه النيل، ما يؤدي إلى تقليل حصة مصر والسودان بشكل مباشر.. كما أن الأجندة الإثيوبية -وفق تقديرات استراتيجية- لا ترتبط بتوليد الكهرباء من سد النهضة، بل تريد إقحام تقاسم المياه في أجندة المفاوضات، رغم أن هذا الملف غير موجود في اتفاق المبادئ 2015. وقد شدّد الوفد الإثيوبي على أن بلاده ترفض التوقيع على أي وثائق أو بنود ملزمة… ورفضت أديس أبابا مجموعة من الطروحات التي سبق وتمّ تناولها في أبو ظبي بين الوفود الفنية من الدول الثلاث.. وأيضا رفض الوفد الإثيوبي القبول بحلّ وسط طرحته القاهرة بشأن إمكانية التوقيع على وثيقة تمهيدية، تضمنت تنازلاً مصرياً، بأن تلتزم بالحد الأدنى من الحصة المصرية المنصرفة من السد. على أن تكون تلك الوثيقة بمثابة مرحلة من أجل التفاوض يتم لاحقاً استكمال تفاصيلها فيما يخص حجم الحد الأدنى الذي تلتزم به إثيوبيا تجاه مصر. لكن الوفد الإثيوبي رفض هذا الطرح أيضا، متعلللا بأن بلاده “ترفض في الأساس التوقيع على أي وثائق أو بنود ملزمة”. كما رفضت إثيوبيا التعهد بأية التزامات متعلقة بمراحل الملء المقبلة، والتي من المقدر أن يتم خلالها تخزين قرابة الـ33 مليار متر مكعب من المياه.. وبعيدا عن أية ترتيبات دولية ملزمة، أكد الوفد الإثيوبي خلال الاجتماعات الأخيرة، أن هناك لجاناً فنية إثيوبية هي من تقدر حجم المياه التي سيتم تخزينها خلال كل مرحلة من مراحل الملء من منطلق ما يتوفر لديها من معلومات خاصة بحجم الإنشاءات، وحجم المياه خلال موسم الفيضان، وهو الأمر الذي يخالف كافة المواثيق الدولية، الحافظة لحقوق دول المصب في الأنهار الدولية.. ثانيا: مؤشرات كاشفة: وتضمنت جولة المفاوضات العديد من المؤشرات الكاشفة لحقيقة الأوضاع على الأرض وتسيير اثيوبيا المفاوضات لصالحها، على حساب دولتي المصب.. ومن تلك المؤشرات: وحسبما ما رشح من تفاصيل، فأن الوفد الإثيوبي عرض خلال الاجتماعات، الوفاء بالتعهد الذي قدمه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد خلال لقائه عبد الفتاح السيسي، يوليو الماضي، بالتوصل لاتفاق خلال مدة أربعة أشهر، وذلك عبر إعلان التوصل لإطار عمل بين الدول الثلاث من دون أن يكون في صيغة اتفاق ملزم.. واقترح المسؤولون في أديس أبابا، أن يتضمن الاتفاق، مجموعة من القواعد العامة التي تغطي الملاحظات المصرية، من دون التزامات تمسّ السيادة الإثيوبية -حسب الأطراف الاثيوبية. ولعله من المثير للاستغراب، أنه وعلى الرغم من عدم تحقيق أي مطالب مصرية، تشطاط أثيوبية في مطالبها، بمحاصصة غير مسبوقة لمياة النيل، حيث شهدت جولة المفاوضات الأخيرة، مطالبات اثيوبية بحقها في حصة من مياه النيل.. وفي سبيل ذذلك، ترفع اثيوبيا عناوين براقة، تدور حول تتقنين قواعد الاستخدام المنصف والمعقول للمياه وتضمن حصة عادلة لها.. وفي مارس الماضي، وخلال مفاوضات فنية استضافتها الامارات، تمسكت اثيوبيا بالمحاصصة، رافضة الانتقال بالمفاوضات الفنية إلى المستوى السياسي، من دون اعتراف مصر والسودان، بشرط تقاسم حصص المياه قبل الشروع في أية مفاوضات سياسية بشأن السد.. وهو الأمر الذي تتفق الخرطوم والقاهرة على رفضه.. ولكن كان لافتا قبول بعض الوسطاء العرب، لفكرة المحاصصة، التي قد تمكن اثيوبيا لاحقا من خصم حصص من مصر والسودان، وبيعها لأطراف اقليمية، كاسرائيل او اي دول اخرى عبر مصر، او لمصر نفسها.. وترفض القاهرة التصورات الإثيوبية الرامية للحصول على حصة من مياه النهر تصل إلى نحو 20 مليار متر مكعب من المياه.. وخلال سلسلة المفاوضات السابقة، التي شارك فيها مراقبون من الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والإمارات، قدم المسئولون المصريون دلائل عديدة على سلامة الموقف المصري، وعدم صحة الدفوع الإثيوبية بشأن استحواذ مصر على مياه النيل.. إذ أن حوض نهر النيل يسري به 3.4 تريليونات متر مكعب من المياه، وتبلغ حصة إثيوبيا وحدها من تلك المياه 150 مليار متر مكعب، في حين يحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب، ومصر على 55.5 مليار متر مكعب.. كما أن الجولة التفاوضية، باثيوبيا، شهدت توجهاً إثيوبياً للتراجع عن عدد من التوافقات التي سبق التوصل إليها بين الدول الثلاث في إطار العملية التفاوضية، مع الاستمرار في رفض الأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة، والترتيبات الفنية المتفق عليها دولياً.. وذكر المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري المصرية أن “الجولة التفاوضية المنتهية لم تسفر عن تحقيق تقدم يُذكر”، وقال إنها “شهدت توجهاً…

تابع القراءة
فشل قمة القاهرة للسلام.. الأسباب والدلالات

فشل قمة القاهرة للسلام.. الأسباب والدلالات

في اليومِ الخامسَ عشرَ من معركة “طوفان الأقصى”، يوم السبت 21 أكتوبر الحاري، نظّمت مصر “قمة القاهرة للسلام”، والتي كانت بعيدة جدًا عن مواكبة المعركة، والعدوان “الإسرائيلي” المتواصل واللا محدود على قطاع غزّة، فضلًا عن أن تستطيع الضغط باتّجاه وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات. واختتمت قمة القاهرة للسلام، لمناقشة التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة دون إصدار بيان ختامي، بسبب خلافات بين المشاركين بها. وشارك في قمة القاهرة للسلام أكثر من ثلاثين دولة بينهم قادة ورؤساء وزارات ووزراء خارجية ومسؤولون من قطر وتركيا واليونان وفلسطين والأردن والإمارات والبحرين والكويت والسعودية والعراق وروسيا وإيطاليا وقبرص وغيرهم. وكان لقرار الأردن إلغاء القمة الرباعية (الأردن-مصر-السلطة-الولايات المتحدة) في عمّان الأربعاء 19 أكتوبر، في أعقاب مجزرة المستشفى الأهلي المعمداني في غزّة؛ الدافع للنظام المصري المُسارعة في توجيه الدعوة لقمة القاهرة للسلام. وتصاعدت الخلافات بين المجموعة العربية وممثلي الغرب المشاركين في القمة، الذين عرقلوا صدور البيان.. إذ أراد ممثلو الغرب في أن يتضمن البيان فقط إدانة لحركة حماس، بينما رفضوا إدانة إسرائيل بقتل آلاف المدنيين في غزة، أو المطالبة بوقف عاجل لإطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر.. لهذا خرجت الرئاسة المصرية ببيان عبر عن وجهة نظرها في الأزمة، وأشار إلى ما كانت تتطلع إليه مصر عبر دعوتها لهذه القمة.. إذ أصر الجانب الأوروبي على إضافة جملة تشير إلى “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” وطلب “إدانة واضحة وصريحة لحماس”، بينما تحفظت المجموعة العربية على هذه الجمل وشهدت المناقشات اختلافاً حاداً، إلا أنها لم تتوصل إلى نتيجة نهائية. ووفق مصادر دبلوماسية، فإن الدول الأوروبية الكبرى لم تكن راغبة فى صدور أي بيان بغض النظر عن صياغته”، وقالت إن ممثليها “تحججوا بأسباب واهية، وكلما طرحت حلول وسط لم يوافقوا عليها لأنهم غير راغبين فى صدور بيان”… وشددت الكلمات التي ألقيت خلال القمة على ضرورة خفض التصعيد، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، وتجنّب توسّع الصراع في المنطقة. السيسي من جانبه، أكد في كلمته خلال افتتاح القمة، إن “مصر تدين بوضوح كامل استهداف أو قتل أو ترويع كل المدنيين المسالمين، وفي الوقت ذاته؛ تعبر عن دهشتها البالغة من أن يقف العالم متفرجاً على أزمة إنسانية كارثية يتعرض لها مليونان ونصف المليون إنسان فلسطيني، في قطاع غزة، يُفرض عليهم عقاب جماعي، وحصار وتجويع، وضغوط عنيفة للتهجير القسري، في ممارسات نبذها العالم المتحضر الذي أبرم الاتفاقيات، وأسس القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، لتجريمها، ومنع تكرارها، مما يدفعنا لتأكيد دعوتنا، بتوفير الحماية الدولية، للشعب الفلسطيني والمدنيين الأبرياء”. وكان أمير قطر الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني” قد غادر مصر، بعد أن شارك في قمة القاهرة للسلام بشأن تطورات الأوضاع في قطاع غزة، من دون أن يلقي كلمة خلال القمة. بيان الرئاسة المصرية بديل عن البيان المشترك: وأصدرت الرئاسة المصرية بيانا جاء فيه، أن “مصر سعت من خلال دعوتها إلى هذه القمة، لبناء توافق دولي عابر للثقافات والأجناس والأديان والمواقف السياسية. توافق محوره قيم الإنسانية وضميرها الجمعي، ينبذ العنف والإرهاب وقتل النفس بغير حق. يدعو إلى وقف الحرب الدائرة التي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. يطالب باحترام قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. يؤكد الأهمية القصوى لحماية المدنيين وعدم تعريضهم للمخاطر والتهديدات، ويعطى أولوية خاصة لنفاذ وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية وإيصالها إلى مستحقيها من أبناء قطاع غزة، ويحذر من مخاطر امتداد رقعة الصراع الحالي إلى مناطق أخرى في الإقليم”. وتابع البيان المصري: “تطلعت مصر أيضا إلى أن يطلق المشاركون نداء عالميا للسلام، يتوافقون فيه على أهمية إعادة تقييم نمط التعامل الدولي مع القضية الفلسطينية على مدار العقود الماضية، وبحيث يتم الخروج من رحم الأزمة الراهنة بروح وإرادة سياسية جديدة تمهد الطريق لإطلاق عملية سلام حقيقية وجادة، تفضي خلال أمد قريب ومنظور إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود يونيو 1976 وعاصمتها القدس الشرقية”. وأضاف: “المشهد الدولي عبر العقود الماضية كشف عن قصور جسيم في إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، لكونه سعى لإدارة الصراع، وليس إنهائه بشكل دائم. اكتفى بطرح حلول مؤقتة ومُسكّنات لا ترقى لأدنى تطلعات شعب عانى على مر أكثر من 80 عاما من الاحتلال الأجنبي ومحاولات طمس الهوية وفقدان الأمل“. واستطرد البيان: “كما كشفت الحرب الجارية عن خلل في قيم المجتمع الدولي في التعامل مع الأزمات، فبينما نري هرولة وتنافس على سرعة إدانة قتل الأبرياء في مكان، نجد ترددا غير مفهوم في إدانة نفس الفعل في مكان آخر، بل نجد محاولات لتبرير هذا القتل، كما لو كانت حياة الإنسان الفلسطيني أقل أهمية من حياة باقي البشر”… واعتبرت الرئاسة المصرية أن “الأرواح التي تزهق كل يوم خلال الأزمة الراهنة، والنساء والأطفال الذين يرتجفون رعبا تحت نير القصف الجوي علي مدار الساعة، تقتضى أن تكون استجابة المجتمع الدولي على قدر فداحة الحدث، فحق الإنسان الفلسطيني ليس استثناء ممن شملتهم قواعد القانون الدولي الإنساني أو الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، والشعب الفلسطيني لا بد أن يتمتع بكافة الحقوق التي تتمتع بها باقي الشعوب، بدءا بالحق الأسمى، وهو الحق في الحياة، وحقه في أن يجد المسكن الآمن والرعاية الصحية اللائقة والتعليم لأبنائه، وأن تكون له قبل كل شيء دولة تجسد هويته ويفخر بالانتماء لها“. وتابع البيان: “تؤكد مصر بهذه المناسبة أنها لن تدخر جهدا في استمرار العمل مع جميع الشركاء من أجل تحقيق الأهداف التي دعت إلى عقد هذه القمة، مهما كانت الصعاب أو طال أمد الصراع. وسوف تحافظ مصر دوما على موقفها الراسخ الداعم للحقوق الفلسطينية، والمؤمن بالسلام كخيار استراتيجي لا حياد أو تراجع عنه، حتى تتحقق رؤية حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، اللتين تعيشان إلى جوار بعضهما البعض في سلام“. وختم: “في إطار سعي مصر نحو تحقيق تلك الأهداف السامية، لن تقبل أبدا بدعاوى تصفية القضية الفلسطينية على حساب أي دولة بالمنطقة، ولن تتهاون للحظة في الحفاظ على سيادتها وأمنها القومي في ظل ظروف وأوضاع متزايدة المخاطر والتهديدات، مستعينة في ذلك بالله العظيم، وبإرادة شعبها وعزيمته“. أولا: أهداف القمة: وركزت دعوة القمة على عدة قضايا ، للوصول إليها، ومنها: وعلى الرغم من فشل القمة، إلا أن أهميتها  تكمن في أنها كانت محاولة إقليمية لإعادة وضع القضية الفلسطينية على خريطة السياسة الدولية. وتعود الفكرة الأساسية التي وضعها الأتراك مع المصريين، وهي تبني مبدأ أن يكون هناك ضامنون للقضية الفلسطينية، عبارة عن مجموعة من الأطراف الإقليمية بشكل أساسي، تعمل كضامن للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، في حل القضية..  وكانت مصر وتركيا معنيتان بأن تكون السعودية شريكة، بالإضافة إلى دول أخرى مثل جنوب أفريقيا. حاولت القمة إظهار أن الأطراف الإقليمية، تعادل موقف الغرب غير المسبوق المنحاز لإسرائيل، والذي يهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية، عبر الدعوة والقبولل بفكرة تهجير الفلسطينييين إلى سيناء.. إلا…

تابع القراءة
الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.. الأهداف والتحديات والآثار المتوقعة علي مصر

الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.. الأهداف والتحديات والآثار المتوقعة علي مصر

وقعت الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والهند وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، على هامش قمة العشرين التي عقدت في نيودلهي في 9 – 10 سبتمبر 2023، مذكرة تفاهم لإنشاء ممر اقتصادي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، المعروف اختصارًا بـ IMEC، ويشمل الممر بناء خطوط للسكك الحديدية وأنابيب لنقل الطاقة، وكابلات لنقل البيانات[1]. واتفقت الدول المعنية على التوصل إلى خطة عمل خلال ستين يومًا، وسيلتزم جميع الموقعين بالتمويل، وتشير تقديرات هندية إلى أن تكلفة المشروع ستبلغ نحو 20 مليار دولار[2]. وقد أثار الإعلان عن هذا المشروع الاقتصادي العديد من التساؤلات حول أهدافه، وإمكانية تنفيذه، فضلًا عن تأثيراته المتوقعة علي مصر. وهي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها في هذا التقرير، كما يلي: أولًا: تفاصيل وخلفيات مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا: تتمحور فكرة المشروع الذي تدعمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، بما يخفض التكاليف اللوجستية للنقل (تكاليف الشحن واستهلاك الوقود)، بنحو 40%[3]، سواء تعلق الأمر بنقل موارد الطاقة (البترول والغاز الطبيعي) عبر خطوط أنابيب، أو نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات، أو النقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية، أو نقل السلع والبضائع الأخري عبر السفن والقطارات. ويتكون المشروع من ممرين: الممر الشرقي الذي يربط الهند بالخليج العربي عبر بحر العرب، والممر الشمالي الذي يربط الخليج العربي بأوروبا، عبر إسرائيل والأردن وساحل البحر الأبيض المتوسط. كما متصور، ستنطلق السفن البحرية من شواطئ الهند نحو الإمارات، ثم عبر خط مطول من السكك الحديدية يمر بالسعودية، ومنها إلى الأردن، ثم ينتقل إلى إسرائيل، حيث تتحرك السفن البحرية من شواطئ البحر المتوسط إلى اليونان وإيطاليا؛ لتستكمل البضائع رحلتها إلى باقي الدول الأوروبية، عبر الخطوط البرية. وفي التفاصيل، سيربط الممر الشرقي ميناء موندرا على الساحل الغربي للهند بميناء الفجيرة أو جبل علي في دبي في الإمارات، ثم يستخدم خط السكة الحديد، عبر السعودية والأردن؛ لنقل البضائع؛ عبر حاويات موحدة إلى ميناء حيفا الإسرائيلي[4]على ساحل المتوسط، حيث يعاد شحنها بحريًا إلى ميناء بيرايوس في اليونان أو الموانئ الإيطالية الرئيسية من تارانتو إلى تريستا أو ميناء مارسيليا في فرنسا[5]. ويمكن القول أن هذا المشروع يستمد قوته من أربعة منابع رئيسية: المنبع الأول، هو “اتفاقيات إبراهيم للسلام”، التي رعتها إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، والتي أطلقت في سبتمبر 2020 عملية تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، ين انضمت لهما المغرب والسودان لاحقًا. وتقوم هذه الاتفاقيات على مبدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “السلام مقابل السلام” وترفض المبدأ الذي قامت عليه اتفاقيات التطبيع السابقة “الأرض مقابل السلام”. الهدف الرئيسي لاتفاقيات إبراهيم هو دمج إسرائيل في المنطقة اقتصاديًا وعسكريًا، وتخطي القضية الفلسطينية، واعتبارها شأنًا “عربيًا – إسرائيليًا” يمكن التعاون لتسويته لمصلحة الطرفين، وألا يكون عائقًا في وجه تطوير عملية التطبيع ودمج إسرائيل إقليميًا. المنبع الثاني، هو التجمع الاقتصادي – الاستراتيجي الرباعي، الذي يضم الولايات المتحدة والهند والإمارات وإسرائيل (I2U2) الذي تأسس في عام 2021، أي في العام التالي لتوقيع اتفاقيات إبراهيم. هذا التجمع هو جزء من استراتيجية أمريكية لبناء مجموعة من التحالفات الاقليمية الجديدة حول العالم لضمان استمرار الهيمنة الأمريكية، وبناء حوائط صد قوية أو مناطق عازلة حول الصين، لمنع توسعها خارجيًا. ومن الملاحظ أن الهند والولايات المتحدة تشتركان معًا في تجمع رباعي آخر يضم أستراليا واليابان هو تجمع “كواد للمحيط الهادئ”. المنبع الثالث، هو مبادرة “الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالميين”  (PGII)، باستثمارات كلية تصل إلى 600 مليار دولار، وهي المبادرة الأمريكية التي تبنتها قمة الدول السبع الصناعية الرئيسية، التي انعقدت في كورنويل – بريطانيا في يونيو 2021، وتمثل الرد الغربي على مبادرة “الطوق والطريق”، التي أطلقتها الصين عام 2013 في شأن تنمية البنية الأساسية التي تربطها بالعالم. وكان الاتحاد الأوروبي خصص ما يصل إلى 300 مليار يورو للإنفاق على استثمارات البنية التحتية في الخارج بين عامي 2021 و2027، من خلال مشروع “البوابة العالمية”، الذي تم إطلاقه لمنافسة مبادرة “الطوق والطريق” الصينية. المنبع الرابع، هو تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، الذي يمثل من وجهة النظر الإسرائيلية الشرط الرئيسي لتحقيق اندماجها الكامل في الشرق الأوسط، على أساس معادلة الزواج الشرعي بين التكنولوجيا الإسرائيلية، ورؤوس الأموال الخليجية، والانطلاق من قاعدة هذا الزواج إلى آفاق عالمية رحبة في مجالات التكنولوجيا الرقمية، والطاقة الجديدة والمتجددة، والحلول التكنولوجية لقضايا الأمن الغذائي والزراعة والمياه وغيرها. وقد لاحظنا في الأشهر الأخيرة أن عجلة الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط دارت بأقصى سرعتها، في تنسيق قريب جدًا مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية والقيادة السعودية، من أجل وضع أسس جيدة لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية. وخلال الأشهر الثمانية الأخيرة، قد حدث تقدمًا كبيرًا على طريق بناء تفاهم شامل بشأن القضايا الثلاث الرئيسية المتصلة بالتطبيع الإسرائيلي- السعودي، الاتفاق الأمني والعسكري، والتعاون النووي السلمي، والمسألة الفلسطينية. ولم يكن من الملائم أبدًا، ولا من الممكن إعلان اتفاق الممر الاقتصادي قبل التوصل إلى خطوط عامة للتفاهم في القضايا الثلاث[6]. جدير بالذكر هنا؛ أن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا هو واحد من عدة مشروعات متنافسة لربط آسيا مع أوروبا، وهو مؤشر حاسم على حدة التنافس الدولي، والسعي لتنويع سلاسل التوريد عقب أزمة جائحة كوفيد-19، فضلًا عن سعي القوى الإقليمية في الشرق الأوسط لتعزيز موقعها الجيوسياسي، وحيازة المزيد من الاعتبار على المستوى الدولي. وهذه المشروعات هي: – مبادرة الحزام والطريق الصينية: التي أطلقتها الصين عام 2013، تهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مئات المليارات من الدولارات في البنية التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ويشمل ذلك بناء موانئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية، تشارك فيه 123 دولة، تريد الصين من خلاله تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك آسيا وأوروبا، وأفريقيا. وقد أدى ذلك إلى توسيع نفوذ الصين الاقتصادي والسياسي بشكل كبير، مما دفع الولايات المتحدة لتبني مبادرات منافسة. ويتكون الشق البحري من المبادرة من سلسلة من الموانئ بنتها الصين، تمتد من ميانمار وبنغلاديش على الجانب الشرقي للهند، وسريلانكا على الجانب الجنوبي للهند، وفي باكستان على الجانب الغربي، ثم يمر عبر قناة السويس إلى أوروبا[7]. – ممر العبور الدولي بين الشمال والجنوب: يربط ممر “شمال جنوب” الهند بإيران وروسيا وأوروبا، يتكون من شبكة طرق برية وبحرية وسكك حديد يمتد من ميناء مومباي الهندي إلي ميناء تشابهار الإيراني، ومن ثم العبور برًا من هذا الميناء الأخير عبر إيران وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، مرورًا ببحر قزوين إلي مدينة سان بطرسبرغ الروسية على بحر البلطيق حتى وسط القارة الأوروبية[8]. لكن المشروع عانى نكسات جيوسياسية واقتصادية، كما أن تمركزه حول إيران وروسيا الخاضعتين للعقوبات الغربية أصبح متعارضًا مع شراكة نيودلهي وواشنطن، وبالتالي…

تابع القراءة
قراءة في المواقف الإفريقية من طوفان الأقصى

قراءة في المواقف الإفريقية من طوفان الأقصى

أثار الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس على الكيان الصهيوني في إطار عملية “طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر الجاري؛ ردًا على الاعتداءات المُتكررة على الفلسطينيين والمسجد الأقصى؛ ردود فعل مُتباينة في القارة الإفريقية، والتي تعكس الخلافات بشأن هذا الصراع المُعقد. حيث أبدت عددًا من الدول الإفريقية البارزة موقفها الواضح والصريح من العدوان الصهيوني الغاشم الذي يستهدف مدينة غزة الفلسطينية، وتأتي على رأس هذه الدول الجزائر وجنوب إفريقيا. بينما أبدت مجموعة أخرى من الدول تعاطفها ودعمها الكامل للكيان الصهيوني، وكان على رأسها كينيا، بينما جاءت العديد من المواقف المُترددة. فكيف كانت مواقف الدول الإفريقية المختلفة؟ وكيف يُمكن قراءة تلك المواقف؟ وما هي التداعيات التي يُمكن أن تخلفها معركة طوفان الأقصى على الدول الإفريقية؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير.. أولاً: ردود الفعل المختلفة للدول الإفريقية.. تباينت ردود الأفعال الإفريقية ما بين مؤيد لحق الشعب الفلسطيني في حربه العادلة لنيل حريته، وآخر داعم للحكومة الصهيونية ” المُعتدى عليها” من قِبل حماس ” المنظمة الإرهابية” -وفقًا لمواقفهم-، وثالث متردد كنتيجة لمصالح مع دولة الكيان، أو أوضاع داخلية مُعقدة.. 1. المواقف الداعمة للشعب الفلسطيني.. – على المستوى الإقليمي: الاتحاد الإفريقي: شدَّد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد، على ضرورة إنهاء التوترات المتصاعدة بين الفلسطينيين والصهاينة وعودة الطرفين إلى طاولة المفاوضات. ودعا محمد فقي في بيان، الفلسطينيين والمحتلين الصهاينة إلى وقف الاشتباكات فورًا والتفاوض دون قيد أو شرط من أجل حماية أرواح المدنيين. وحذَّر فقي من أن التوتر المتزايد بين فلسطين والكيان الصهيوني قد يكون له عواقب وخيمة على الطرفين والمنطقة برمتها. وأشار إلى أن رفض مطلب الفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة وذات سيادة، هو السبب الرئيسي للأزمة. كما دعا المجتمع الدولي إلى تحمّل المسؤولية لضمان أمن شعوب المنطقة. وهكذا فإن موقف الاتحاد الإفريقي جاء متوازنًا، لاسيما في تشديده على أن السبب الرئيسي للأزمة هو رفض مطلب الفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة وذات سيادة، الأمر الذي يعكس دعمًا تقليديًا للقضية الفلسطينية.[1] – على مستوى شمال إفريقيا: الجزائر: كانت الجزائر من بين أوائل الدول التي حمَّلت الكيان الصهيوني مسئولية ما يحدث في الأراضي المحتلة، وأدانت اعتداءات جيش الاحتلال على قطاع غزة، وطالبت المجموعة الدولية بالتدخل الفوري لحماية الشعب الفلسطيني. وجاء في بيان لوزارة الخارجية أن الجزائر “تتابع بقلق شديد تطور الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، التي أودت بحياة العشرات من أبناء وبنات الشعب الفلسطيني الأبرياء” وأضاف البيان: “وتدين الجزائر بشدة هذه السياسات والممارسات المخلة بأبسط القواعد الإنسانية ومراجع الشرعية الدولية”، كما دعت الخارجية الجزائرية إلى “التدخل الفوري للمجموعة الدولية لحماية الشعب الفلسطيني”. وتابع البيان: “كما تُجدِّد الجزائر قناعتها بأن الاحتلال الاستيطاني الصهيوني هو لبّ الصراع العربي- الإسرائيلي، وأن إنهاء ما ينجر عن هذا الصراع يكمن في الاستجابة للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني”. تونس: أعربت تونس عن “دعمها الكامل وغير المشروط للشعب الفلسطيني”، وذكّرت بأن قطاع غزة هو “أرض فلسطينية كانت تحت الاحتلال الصهيوني منذ عقود، وأن الشعب الفلسطيني له الحق في استعادته واستعادة كل أرض فلسطين” وأمرت وزارة التربية جميع المدارس برفع العلم الفلسطيني إلى جانب العلم الوطني وأن يقوم الطلاب ومعلموهم بترديد النشيد الوطني الفلسطيني كدليل على الدعم. الموقف التونسي مُتوقع بالنظر إلى أن الرئيس قيس سعيد، دائمًا ما يُشدِّد على دعم الشعب الفلسطيني وتخوين “التطبيع”، واتخذت العديد من منظمات المجتمع المدني والمراكز النقابية، بما في ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل، موقفًا في هذا الاتجاه، مما يدل على وجود اتفاق واسع حول هذا الموضوع، بين جميع الأطراف السياسية. موريتانيا: من جهتها أعربت موريتانيا عن بالغ انشغالها لما يجري من تصعيد بالأراضي الفلسطينية المحتلة، ‏مؤكدةً أن ما يجري في الأراضي الفلسطينية نتيجة حتمية لما تمارسه سلطات الاحتلال الصهيونية ‏من استفزازات مستمرة وانتهاكات منتظمة لحقوق الشعب الفلسطيني ولحرمة المسجد الأقصى ‏المبارك وتمادٍ في التوسع الاستيطاني. وجدَّدت، في بيان صادر عن وزارة خارجيتها، موقفها الداعم للحل السلمي العادل الذي يحفظ ‏للشعب الفلسطيني حقه المشروع في الكرامة والسيادة في إطار دولة مستقلة عاصمتها القدس ‏الشرقية طبقًا لمبادرة السلام العربية والقرارات الدولية ذات الصلة. كما أكَّدت ضرورة أن يتحمل المجتمع الدولي مسئولياته باتخاذ التدابير اللازمة لإيقاف دائرة ‏العنف في المنطقة وإقامة سلام دائم بها.‏[2] – على مستوى إفريقيا جنوب الصحراء: جنوب إفريقيا: أصدرت وزارة التعاون الدولي والخارجية في جنوب إفريقيا بيانًا أدانت فيه العدوان الصهيوني على قطاع غزة وأشارت في بيانها أن ما يتعرض له الفلسطينيون من ممارسات فصل عنصري واحتلال منذ أكثر من خمسين عامًا أدى إلى تطور الأوضاع بهذا الشكل، وأن ما يقوم به الفلسطينيون هو رد فعل طبيعي لشعب عاش تحت الاحتلال منذ أكثر من 50 عامًا وحصار مستمر لـ 15 عام على سكان القطاع ارتكب الاحتلال بحقهم خلالها 4 حروب وحشية. وأصدرت معظم الأحزاب السياسية في جنوب إفريقيا بيانات أدانت الغارات الصهيونية الوحشية ضد المدنيين العُزل، وأعلنت وقوفها التام إلى جانب الشعب الفلسطيني كون شعب جنوب إفريقيا عاش تجربة الفصل العنصري المماثلة لتجربة الشعب الفلسطيني، حيث أصدر كلٌّ من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم والحزب الشيوعي الجنوب إفريقي وحزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية بيانات بهذا الخصوص إضافةً لبيانات مجموعات التضامن الشعب الفلسطيني مثل مجموعة تحالف التضامن مع فلسطين ومنظمة إفريقيا من أجل فلسطين ومؤسسة القدس ومجلس العلماء، وقد شهدت مدينة كيب تاون فعالية تضامنية حاشدة نظمها الحزب الحاكم بالتعاون مع منظمة إفريقيا من أجل فلسطين.[3] واستكمالًا لانتهاج جنوب إفريقيا أدوارًا إقليمية وسياسات خارجية مميزة الطابع، تحدثت خلال تلك الأزمة عن مبادرة لإحلال السلام أو على الأقل لوقف الحرب، ومن ثمَّ يبدو وأن كيب تاون، التي طرحت من قبل مبادرة لإنهاء النزاع الروسي-الأوكراني، في مايو 2023، دون أن يُفهم ما هو مصيرها أو طبيعة مخرجاتها، تريد الانخراط بشكل أكبر في القضايا الإقليمية والدولية.[4] 2. المواقف الداعمة للكيان الصهيوني.. كينيا: أصدرت كينيا بيانات رسمية قوية داعمة للرواية الصهيونية وللحكومة في ” تل أبيب”، ودعا الرئيس الكيني ويليام روتو، الذي يُنظر إليه على أنه حليف رئيسي للغرب، المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات ضد من أسماهم ” مرتكبي ومنظمي وممولي ورعاة ومؤيدي الأعمال الإرهابية الإجرامية”، على حد وصفه. لكن بعض المصادر الإعلامية أشارت إلى أن لهجة خطاب الرئيس روتو لم تجد استحسان قطاعات من الجمهور الكيني، الذي أعربت قطاعات منه دعمها لفلسطين، ومن ثمَّ كان من الطبيعي أن تتطرق الدبلوماسية الكينية بعدها إلى القاعدة التقليدية التي تنص على أن ” نيروبي تدعم وقف إطلاق النار”.[5] ويُعد الموقف الكيني مُتسقًا إلى حدٍّ كبير مع التقارب المستجد بين نيروبي وواشنطن، والمعبَّر عنه بقبول الأولى إرسال قوات أمنية إلى هايتي (على البحر الكاريبي)، وقيادة قوة متعددة الجنسيات لمواجهة عنف العصابات في هذا البلد، استجابةً لقرار مجلس الأمن…

تابع القراءة
جولة وزير الدفاع الأمريكي في إفريقيا.. الخلفيات والدلائل

جولة وزير الدفاع الأمريكي في إفريقيا.. الخلفيات والدلائل

بدأ وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في 24 سبتمبر 2023، جولة إفريقية، استمرت ستة أيام وشملت جيبوتي وكينيا وأنجولا، وعكست الجولة مساعي الولايات المتحدة في تعزيز حضورها في القارة الإفريقية، في ظل التنافس الدولي الحاد في القارة، وهو ما أثار تساؤلات عدّة بشأن ما إذا كانت واشنطن تستعد لتأسيس استراتيجية جديدة لها في إفريقيا، خاصةً مع المتغيرات المتلاحقة التي تشهدها دول القارة خلال الآونة الأخيرة. واكتسبت تلك الجولة أهمية خاصة، كونها أول جولة يقوم بها وزير دفاع أميركي أسود إلى القارة السمراء، كما أنها أول مرة يزور فيها وزير دفاع أميركي أنجولا، وهي المرة الأولى أيضًا التي يزور فيها رئيس البنتاغون كينيا منذ 1975. فلماذا هذه الدول الثلاث تحديدًا؟ وما أهداف الجولة؟ وهل تتماشى مع الإستراتيجية الأميركية الجديدة صوب القارة التي أعلنها وزير الخارجية أنتوني بلينكن قبل نحو عام؟ كيف يُمكن قراءة تلك الجولة؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير.. سياقات الجولة: تأتي جولة وزير الدفاع الأمريكي إلى القارة الإفريقية بالتزامن مع جملة من المتغيرات التي طرأت في السياقات المرتبطة بالمشهد الإفريقي. أولها؛ قلق أمريكي من استمرار نفوذ مجموعة فاغنر في إفريقيا: ألمح وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، خلال زيارته إلى جيبوتي، إلى أن الولايات المتحدة لم تشهد أي انسحاب كبير لقوات فاغنر من مناطق انتشارها في القارة الإفريقية منذ وفاة زعيمها السابق، يفغيني بريغوجين، في أغسطس 2023، لافتًا إلى أن إفريقيا لا تزال تشهد حضورًا كبيرًا لعناصر فاغنر، وأن موسكو لم تعمد بعد إلى استيعاب كامل لعمليات المجموعة في كافة أنحاء القارة. بل إن ثمّة تقارير غربية حذرت من وجود تطلعات راهنة لدى روسيا لتوسيع نطاق انتشار مجموعة فاغنر في القارة الإفريقية، والعمل على توظيف الأوضاع السياسية في بعض هذه الدول لتعزيز الانخراط فيها، خاصةً في النيجر.[1] وثانيها؛ التحركات المُرتقبة لمجموعة البريكس في إفريقيا: ثمّة قلق أمريكي متنامٍ من التوجهات الراهنة لمجموعة البريكس في القارة الإفريقية، خاصةً وأن هناك بعض التقارير توقعت أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من التحركات المتسقة لدول البريكس داخل إفريقيا، في محاولة لتعزيز نفوذها هناك، وفي هذا الإطار تحاول الولايات المتحدة توسيع نفوذها في القارة ومواكبة التنافس الدولي والإقليمي الراهن هناك، وهو ما قد تُعززه التحركات الأمريكية الأخيرة داخل القارة الإفريقية، ولاسيما الزيارة التي قام بها وفد أمريكي، برئاسة قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”، الجنرال مايكل لانجلي، إلى ليبيا، في 20 سبتمبر 2023. وثالثها؛ انزعاج واشنطن من سيطرة الصين على المعادن النادرة في إفريقيا: حيث هناك انزعاجًا أمريكيًا متزايدًا من التحركات الصينية في القارة الإفريقية، ولاسيما في ظل سيطرة بكين على المعادن الاستراتيجية في القارة، وخاصةً في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي إطار الحرب التجارية الباردة بين الولايات المتحدة والصين، والتي تشكل المعادن الأرضية النادرة أهمية خاصة فيها. ورابعها؛ التحولات الجيوسياسية الراهنة في القارة الإفريقية: تشهد القارة الإفريقية جملة من التحولات الجيوسياسية المهمة، لعل أبرزها التصاعد الملحوظ في وتيرة الانقلابات العسكرية التي تشهدها دول القارة، ورغم تركز هذه الظاهرة حتى الآن في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، فإن احتمالية تمددها لا تزال قائمة، كما وتنطوي التحولات الجيوسياسية في إفريقيا أيضًا على التصاعد اللافت في وتيرة التهديدات الإرهابية في كثير من دول القارة.[2] الاستراتيجية الأمريكية الجديدة: تأتي جولة وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، إلى القارة الإفريقية بالتزامن مع إعلان وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، في أغسطس 2023، عن استراتيجية جديدة تجاه إفريقيا، ومن ثمّ تُشكل هذه الزيارة ترسيخًا لملامح تلك الاستراتيجية. أولها؛ تركيز واشنطن على شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، وهو ما يتسق مع الاهتمام الأمريكي اللافت بالملف الليبي خلال الأشهر الأخيرة، لعرقلة المساعي الروسية للحصول على قاعدة عسكرية بحرية في ليبيا، فضلًا عن الحديث عن استراتيجية أمريكية جديدة تتعلق بمنطقة الساحل والصحراء، تستهدف التكيف مع التحولات الجيوسياسية الراهنة في هذه المنطقة، والتعامل مع السلطات الانقلابية الجديدة في دول هذه المنطقة، بما يضمن مصالح واشنطن، ويقوض من نفوذ روسيا ومجموعة فاغنر هناك. وثانيها؛ إعادة التفكير في منهج “الأمن أولًا”، والدفع نحو استبداله بمقاربة جديدة تعتمد على حوار شامل حول الاستثمارات والنمو الاقتصادي والمناخ والأمن. وثالثها؛ تجاوز البيروقراطية التقليدية، والتي كانت تُعزى بدرجة كبيرة لعدم اعتبار إفريقيا، ولاسيما منطقة الساحل، أولوية بالنسبة لواشنطن خلال الفترات الماضية. لكن يبدو أن الولايات المتحدة تعمل حاليًا على تجاوز هذه البيروقراطية، من خلال التركيز على القارة الإفريقية كإحدى أولويات الأجندة الأمريكية، وهو ما قد يسفر عن مزيد من الفاعلية في التحركات الأمريكية داخل إفريقيا. ورابعها؛ العمل على تقليل اعتماد إفريقيا على التسليح الروسي، والاتجاه بدلًا منه إلى السلاح الأمريكي والغربي، وفي هذا الإطار يمكن أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من صفقات التسليح الأمريكية مع الدول الإفريقية، مع تقليل القيود السابقة على هذه الصفقات. وخامسها؛ إعادة هيكلة الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب في إفريقيا، بما يضمن تحقيق التوازن والاستخدام المناسب للقوة ضد التهديدات الأمنية الحقيقية، مع تقليل استخدام القوة ضد المجموعات الإرهابية المحلية، والتي لا تشكل قوة عالمية قادرة على تهديد الولايات المتحدة وحلفائها. وسادسها؛ التركيز على سلاسل التوريد الإفريقية، خاصةً في ظل التحركات الراهنة لخصوم واشنطن داخل القارة، والتي تشكل مصدر قلق رئيسي للولايات المتحدة. وسابعها؛ توسيع التجارة مع إفريقيا، وفي هذا الإطار كانت واشنطن قد وقعت، في ديسمبر 2022، مذّكرة تفاهم مع الأمين العام لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وامكيلي ميني، لتعزيز التعاون المشترك في التجارة والاستثمار، وإلزام الجانبين بعقد اجتماع سنوي مشترك، ويمكن أن يتم عقد هذا الاجتماع خلال الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي للقارة الإفريقية، حيث يمكن أن يتم عقد هذا الاجتماع في كينيا، حيث يتوقع أن يتم توقيع اتفاق للشراكة التجارية والاستثمارية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وكينيا خلال هذه الزيارة.[3] ملامح الجولة: تُعد هذه الزيارة هي الأولى للويد أوستن إلى القارة الإفريقية منذ توليه منصبه الحالي كوزير للدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما عكس مؤشرات مهمة تتعلق بأولوية القارة الإفريقية على أجندة الإدارة الأمريكية الحالية في المرحلة المقبلة، وفي هذا الإطار برزت عدة ملامح للجولة الإفريقية الأولى لأوستن: أولها؛ زيارة للقاعدة الأمريكية في جيبوتي: بدأ وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، جولته الإفريقية من جيبوتي، والتي تستضيف أهم قاعدة أمريكية في إفريقيا، قاعدة القيادة الأمريكية الإفريقية “أفريكوم”، وهي القاعدة التي تنطلق منها الهجمات التي تشنها القوات الأمريكية على حركة الشباب الصومالية، وقد التقى أوستن خلال زيارته إلى جيبوتي بالرئيس، عمر جيله، ووزير دفاعه. كما شهدت زيارة أوستن لجيبوتي اجتماعًا عقده وزير الدفاع الأمريكي مع الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، الذي قام بزيارة إلى جيبوتي بالتزامن مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي، وقد ارتكزت هذه المباحثات على مستقبل الأوضاع الأمنية في مقديشو.[4] وبدا أن اللقاء الذي جمع أوستن بالرئيس الصومالي سيتمخض عنه مزيد من الدعم الأمريكي للحرب…

تابع القراءة
انقلاب الجابون.. قراءة في الأسباب والمآلات

انقلاب الجابون.. قراءة في الأسباب والمآلات

أعلنت مجموعة عسكرية في الجابون صباح 30 أغسطس الماضي، في بيان تُلي عبر محطة “جابون 24″، استيلاءها على السلطة، وإغلاق حدود البلاد حتى إشعار آخر، ووضع الرئيس علي بونغو قيد الإقامة الجبرية بعد ساعات قليلة من إعلان لجنة الانتخابات فوزه بولاية رئاسية ثالثة، في حين خرجت في شوارع العاصمة ليبرفيل تظاهرات مؤيدة للانقلاب. وشملت المؤسسات التي أُعلن حلها الحكومة ومجلس الشيوخ والجمعية الوطنية والمحكمة الدستورية ولجنة الانتخابات. وبعد انقلاب النيجر الشهر الماضي، أصبحت الجابون الدولة الثامنة التي تشهد انقلابًا عسكريًا في إفريقيا منذ العام 2020. وبدا أن الانقلاب الذي شهدته الجابون لم يكن مفاجئًا إلا من حيث توقيته، إذ إن معظم المؤشرات الداخلية في البلاد تشير إلى تراجع شرعية الرئيس المخلوع علي بونغو، منذ توليه حكم البلاد عام 2009 خلفًا لوالده عمر بونغو الذي تولى زمام الأمور منذ 1967. أخفقت جميع الوسائل السلمية في التغيير عبر صندوق الانتخابات، والجولات الانتخابية الثلاث التي خاضها بونغو الابن ترافقت مع تصفية جسدية وسياسية (اعتقالات) لخصومه ومعارضيه. فما هي أسباب هذا الانقلاب؟ وكيف يُمكن قراءة تداعياته ومآلاته؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير.. أولًا: الجابون وبونغو وتاريخ الانقلابات: الجابون توصف بأنها عملاق النفط في إفريقيا، إذ يبلغ إنتاجها من النفط الخام 181 ألف برميل يوميًا، وتبلغ صادراتها النفطية 4.6 مليار دولار، ولديها احتياطات نفط خام مؤكدة بملياري برميل. ويصل إجمالي صادرات البلاد النفطية وغير النفطية إلى 6 مليارات دولار، فيما يبلغ إنتاج الغاز الطبيعي 454 مليون متر مكعب يوميًا، واحتياطيات الغاز المؤكدة 26 مليار متر مكعب، وهي من أول منتجي الذهب الأسود في إفريقيا جنوب الصحراء. ورغم ذلك، يعيش فرد 1 من أصل 3 تحت خط الفقر، بحسب أرقام أُعلنت أواخر عام 2022، وفق البنك الدولي، وبلغت نسبة الشباب العاطلين من العمل 40%، في بلد تعادل مساحته مساحة المملكة المتحدة، وتغطي الغابات 90% من مساحته، ولا يتجاوز عدد سكانه 2،5 مليون نسمة.[1] 1. علي بونغو وحكم البلاد خلفًا لأبيه: سلَّط الانقلاب العسكري الذي قاده ضباط في الجابون الأضواء على الدولة الإفريقية الواقعة غرب إفريقيا، وتصدرت أخبارها كبريات القنوات والصحف العالمية على إثر إعلان الضباط انتهاء العهد السياسي لـ “سلالة بونغو” الذي استمر لأكثر من 55 عامًا بين فترة حكم الأب عمر بونغو (1967 – 2009) والابن علي بونغو (2009 – 2023).[2] الرئيس على بونجو الذي ترأس البلاد منذ 14 عامًا ويبلغ من العمر (64 عام)، انتُخب رئيسًا للمرة الأولى عام 2009 بعد وفاة والده عمر بونجو أونديما الذي حكم البلاد أكثر من 41 عام، وفى عام 2018 أصيب الرئيس بجلطة دماغية غاب على إثرها عن المشهد عدة أشهر، وقد أعلن فوز على بونجو على منافسه ألبير أوندو أوسا الذي حصل على 30% فيما حصل 12 مرشح آخر على بقية الأصوات، وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 56%.[3] وكانت أعلنت لجنة الانتخابات في 30 أغسطس الماضي فوز الرئيس علي بونغو بولاية ثالثة في الانتخابات، وحصوله على 64.27% من الأصوات، بعد اقتراع شهد تأجيلات وطعنت المعارضة في نتائجه. وقال رئيس لجنة الانتخابات ميشيل ستيفان بوندا إن المرشح ألبرت أوندو أوسا، منافس بونغو الرئيسي، جاء في المركز الثاني بحصوله على 30.77% وتحدّث المرشح المنافس أوندا أوسا عن “عمليات تزوير أدارها الرئيس بونغو” قبل ساعتين من إغلاق مراكز الاقتراع، مؤكدًا فوزه في الانتخابات، مطالبًا الرئيس بونغو “بتنظيم تسليم السلطة من دون إراقة دماء”. ورفض فريق بونغو مزاعم أوندو أوسا بحدوث مخالفات انتخابية.  شهدت الجابون تصاعد التوتر جراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي أجريت في غياب مراقبين دوليين. وقطعت خدمة الإنترنت وفرض حظر التجول ليلًا في جميع أنحاء البلاد، في إطار إجراءات اتخذتها الحكومة قبل إغلاق مراكز الاقتراع، للحيلولة دون “نشر أنباء كاذبة” وحصول “أعمال عنف” محتملة. وبلغت نسبة المشاركة في الاقتراع 56.65%، وفقًا لما أعلنته لجنة الانتخابات.[4] 2. الجابون وتاريخ الانقلابات: التاريخ الجابوني شهد محاولات انقلابية عدة منذ الاستقلال لعل أهمها انقلاب عام 1964 على الرئيس الأول للبلاد بات ليون مبا الذي تمت الإطاحة به بعد ثلاثة أعوام من الحكم، لكن التدخل العسكري الفرنسي أعاده لاحقًا للسلطة، ولم تعرف البلاد محاولات أخرى مشابهة حتى عام 2019، إذ وقعت المحاولة الانقلابية الثانية في تاريخ البلاد مستفيدة من غياب الرئيس علي بونغو بعد تعرضه لجلطة دماغية، لكنها لم تنجح في إزاحته من السلطة. والانقلاب الذي وقع في الـ 30 من أغسطس يُعد المحاولة الأولى الناجحة حتى الآن.[5] وعقب إعلان الانقلاب، ظهر الرئيس المعزول علي بونغو في تسجيل مصور من مقر إقامته الجبرية، حيث وجه رسالة إلى “كل العالم والأصدقاء للتحرك” ضد من قاموا باعتقاله. وقال إنه موجود في مقر إقامته ولا يدري ما يحدث”، وأضاف أن ابنه محتجز في مكان ما، وأن زوجته “مفقودة”.[6] ثانيًا: عوامل ومُبررات الانقلاب: بموجب الدستور الجابوني الرئيس هو رئيس السلطة التنفيذية ويُعين رئيس الحكومة، كما أنه يهيمن على السلطة القضائية من خلال تعيين القضاة، بالإضافة إلى تعيين 3 من قضاة المحكمة الدستورية، في حين يعين مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية، اللذان يخضعان لهيمنة حزبه 4 من أعضائها. هذه الهيمنة على المؤسسات والأجهزة السيادية جعلته يستغلها لتمرير ما يشاء من قوانين وتشريعات عبر آلة إعلامية تخضع له تمامًا. حتى أن المحكمة الدستورية -التي يرأسها أحد المقربين منه- رفضت إرسال بعثة مراقبة من الاتحاد الإفريقي لإعادة فرز أصوات الانتخابات الرئاسية لعام 2016 بعد طعن المعارضة فيها. والمفارقة هي أن أصوات الرئيس زادت بعد الفرز بنسبة تزيد على 1%. قبيل الانتخابات الأخيرة لعام 2023، سعى بونغو إلى الإطاحة بخصومه باستخدام قوانين انتقائية. ففي عام 2021، اقترحت الحكومة قانونًا جديدًا يُلزم المرشحين للرئاسة بالعيش في البلاد لمدة 6 أشهر على الأقل قبل عامين من موعد الانتخابات. وتم تفسير هذا القانون في حينه بأنه استهدف أفرادًا من عائلته الذين يقيمون في الخارج والذين قد يرغبون في الترشح ضده. أجرى أيضًا استفتاءً في أبريل الماضي للسماح له بالترشح لفترات رئاسية متعددة من دون حد أقصى، مع تقليص مدة الرئاسة من 7 سنوات إلى 5 سنوات فقط. هذه الممارسات القمعية التي تضمنت قمع المعارضة والخصوم من خلال حظر التجمعات وتحميل المنظمين المسؤولية الجنائية عن أي عنف يحدث خلالها، تزامنت مع ممارسات فاسدة من قِبل عائلة بونغو. واستغل العسكر هذه الظروف، بقيادة قائد الحرس الجمهوري، للإطاحة بالرئيس من دون مواجهة مقاومة مدنية أو شعبية قوية.[7] 1. عوامل قيام الانقلاب: قبل وقت قصير من إعلان الانقلاب، أعلنت هيئة الانتخابات فوز بونجو في الانتخابات العامة بنسبة 64.27% من الأصوات، وقالت إن منافسه الرئيسي ألبرت أوندو أوسا، حصل على 30.77%.[8] وفي قراءة للعوامل الرئيسة التي دفعت الضباط لاتخاذ قرار الإطاحة ببونغو الابن، فإن هناك مجموعة من الظروف الموضوعية والذاتية توافرت لقيام هذا الانقلاب ونجاحه،…

تابع القراءة
تنصيب البلطجي "نخنوخ" على رأس "فالكون".. هل يستعد السيسي لسيناريو الفوضى؟

تنصيب البلطجي “نخنوخ” على رأس “فالكون”.. هل يستعد السيسي لسيناريو الفوضى؟

تحمل خطوة تنصيب زعيم البلطجية صبري نخنوخ على رأس مجموعة شركات فالكون للأمن والحراسة، وخدمات الأموال، في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر 2023م، دلالات شديدة الخطورة؛ تؤكد أن الدكتاتورعبدالفتاح السيسي يستعد لسيناريو الفوضى، واحتمال اندلاع احتجاجات شعبية كبرى ضد سياساته حتى لو نجح في تمرير مسرحية الانتخابات الرئاسية التي تتحكم فيها أجهزته من الألف إلى الياء. فحكاية صبري نخنوخ منذ ظهوره الأول على مسرح الأحداث بالتزامن مع ثورة 25 يناير 2011م، وما تلاها من أحداث تؤكد أنه كان ضلعا كبيرا ومؤثرا في الجرائم القذرة التي وقعت بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك، وكان أحد أهم أركان اللهو الخفي أو الطرف الثالث كما أطلق عليه الثوار ووسائل الإعلام حينها، وأن كل هذه الجرائم إنما تمت بتنسيق كامل مع الأجهزة الأمنية (أمن الدولة)، ثم تسلمت المخابرات الحربية مهمة التواصل مع تنظيم البلطجية الذي يقوده نخنوخ، والذي قام بكل الأدوار القذرة بأوامر مباشرة من مدير المخابرات الحربية اللواء عبدالفتاح السيسي والذي كان عضو المجلس العسكري حينها. ما الدليل على ذلك؟ الدليل على ذلك أنه حين تم القبض على نخنوخ والذي كان يقود تشكيلات عصابية منظمة تمارس جميع أشكال البلطجة، في أغسطس 2012م داخل فيلته بمنطقة كينج مريوط بالإسكندرية، وكان بصحبته عدد كبير من الخارجين عن القانون، وبحوزتهم كمية من الأسلحة، وتمكنت القوات من السيطرة عليهم والقبض عليهم جميعا. وقضت محكمة الجنايات، في 9 مايو 2013 بمعاقبة “نخنوخ”، بالسجن المؤبد وتغريمه 10 آلاف جنيه عن تهم إحراز السلاح الآلي والأسلحة النارية، والسجن المشدد 3 سنوات وتغريمه 10 آلاف جنيه عن حيازة وتعاطي المخدرات، وبرأته من حيازته طبنجة ماركة “سميث”. وفي 3 نوفمبر 2014م، رفضت محكمة النقض، الطعن المقدم من نخنوخ على حكم محكمة الجنايات الصادر بمعاقبته بالسجن 28 عامًا في اتهامه “بحيازة أسلحة نارية دون ترخيص والبلطجة” وحيازة وتعاطي المخدرات، وبذلك بات حكم النقض نهائي وبات.  لكن السيسي ـ الذي كانت تربطه علاقات وثيقة مع نخنوخ قرر في مايو 2018م، أن يكافئ نخنوخ على خدماته التي قدمها للجيش والأجهزة الأمنية  أثناء الثورة ومرحلة ما بعد الانقلاب في يوليو 2013م، حين أصدر السيسي عفواً عن صبري نخنوخ، ضمن قائمة عفو ضمت نحو 330 سجينا رغم أنه محكوم عليه حكما باتا بالمؤبد 28 سنة.[[1]] ومثل العفو عن صبري نخنوخ برهانا على أنه كان جزءا من الطرف الثالث (الذي كان خفيا) في مرحلة ثورة يناير وما تلاها من مذابح وفلتان أمني وجرائم سرقة ونهب وقطع طرق، وبالتالي تمت مكافأته على هذا الدور المشبوه رغم أنه يستحق الإعدام هو وكل من يرتبط به وبعصاباته المنشرة في البلاد. وكانت رسالة العفو عنه واضحة في رسالتها ودلالتها؛ فمن يقتل ويسرق ويرتكب أبشع الجرائم يمكن العفو عنه، أما من يعارض النظام ويرفض سياساته والاعتراف به بوصفه اغتصب السلطة بانقلاب عسكري فمثواه القتل أوالاعتقال حتى الموت. على رأس مجموعة فالكون المكافأة الثانية من السيسي لصبري نخنوخ تمثلت في تنصيبه على رأس مجموعة شركات فالكون للأمن والحراسة، حيث نشر نخنوخ عبر صفحته على موقع فيسبوك، صورًا وهو يترأس اجتماعا داخل مجموعة شركات فالكون للأمن والحراسة، وخدمات الأموال، وأخرى لشعار المجموعة، وأخرى ووراءه علمها، دون ذكر تفاصيل إذا كان يدير الشركة أو تم تعيينه رئيسا لمجلس الإدارة، بحسب منشورات شاركها صبري نخنوخ على حسابه. كما شارك نخنوخ منشورات من عدد من كبار العاملين بالشركة ترحب بقيادته لها، ولكن دون تعليق. وظهر في بعض الصور صبري نخنوخ في نفس المكتب الذي كان يظهر فيه شريف خالد العضو الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب للشركة، وخلفهما علم مصر إلى جانب علم فالكون. وشارك جون نخنوخ ابن شقيق صبري نخنوخ، صورًا على موقع فيسبوك، تجمعه مع عمه رجل الأعمال المعروف، مصحوبة بتعليق ” مليون مبروك يا كينج مصر”، حيث أرفق مع الصور شعار شركات فالكون، وانهالت تعليقات المقربين لتبارك لنخنوخ. ‎ وتصدر اسم صبري نخنوخ اهتمامات رواد وسائل التواصل الاجتماعي بعد ظهوره داخل المجموعة، نظرًا لأهمية المجموعة وخدماتها المتعددة في السوق المصرية. وحين نضع الأحداث إلى جانب بعضها نخرج بنتيجة واضحة للغاية؛ فنخوخ كوفئ بالعفو عن جرائمة لأدواره القذرة في قمع الثورة وإنجاح الانقلاب العسكري، أما شركة فالكون  فقد كان لها دور ملموس ومساهمة مؤثرة في قمع المظاهرات التي انطلقت ضد الانقلاب العسكري في سنوات 2013 و2014 و2015م، الدليل على ذلك ما نشرته “الشروق” أنه في  3 أغسطس 2014، أذاعت شركة فالكون فيلمًا تسجيليًا عن تدشين “قطاع الدعم والتدخل السريع”، حيث أظهرت تصديها لكافة أشكال الانفلات الأمني وأعمال الشعب، مع التأكيد على تكامل دورها مع دور قوات الشرطة! ‎وأسست الشركة قطاع الدعم السريع بعد موافقة وزارة الداخلية، بحسب الفيلم التسجيلي المنشور على تطبيق يوتيوب، حيث تولت الشركة تأمين 12 جامعة منها 9 جامعات حكومية أبرزها القاهرة وعين شمس، وواجهت بعض المظاهرات في ذلك الوقت، وحدثت بعض المشاكل مع الأمن الإداري بجامعة القاهرة تم احتواؤها بالتنسيق مع الجهات المعنية.[[2]] تقول إذاعة “مونت كارلو” الفرنسية عن نخنوخ: «صبري نخنوخ، الذي أطلقت عليه ألقاب كثيرة مثل “أمير البلطجية”، “رئيس جمهورية البلطجة” أو “وزير الداخلية الموازي”، ولد عام 1963، وأصبح في بداية الألفية الثانية المورد الأكبر لتزويد أجهزة الأمن ووزارة الداخلية بأعداد كبيرة من البلطجية لمواجهة المظاهرات وللسيطرة على مكاتب التصويت في الانتخابات وتنظيم عمليات تزوير النتائج، وأكد الكثيرون على انه كان على تعاون وثيق مع أجهزة الأمن في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، وأنه كان أداة أساسية لحماية النظام في الشارع، إلى جانب قيامه بفرض الإتاوات على أصحاب المحال وتأجير محال تجارية في بعض أحياء القاهرة الفاخرة. ويؤكد الكثيرون أن رجاله ساهموا في “موقعة الجمل” عام 2011، وتم إلقاء القبض عليه في أغسطس/آب 2012، حيث صدر ضده حكما بالسجن المؤبد بعد إدانته بتهمة حيازة أسلحة بصورة غير مشروعة.[[3]] الموقف القانوني من تنصب نخنوخ ناقش تقرير “الشروق” المنشور بتاريخ الخميس 28 سبتمبر2023م هذه المسألة؛ وتساءل التقرير: هل يمكن أن يقود نخنوخ شركة حراسة وأمن وهو مدان سابقا في حكم جنائي؟ فقانون شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال رقم 86 لسنة 2015 يشترط أن تتوافر في مؤسسي الشركة وأعضاء مجالس إدراتها ومديريها المسئولين عدة شروط. أهمها أن يكون الشخص مصري الجنسية من أبوين مصريين، ومحمود السيرة وحسن السمعة، وألا يكون قد سبق الحكم عليه في جناية أو جنحة بعقوبة سالبة للحرية، أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، مالم يكن قد رُد إليه اعتباره، وأن يكون لمدير الشركة خبرة بمجال حراسة المنشآت ونقل الأموال أو حاصل على دورة تدريبية في هذين المجالين. ولذلك فمن الطبيعي أن يثور تساؤل عما إذا كان هذا النص يقف عقبة أمام تولي نخنوخ إدارة شركة حراسة وأمن ونقل أموال، وهو محكوم عليه سابقا بحكم نهائي بات صادر من محكمة النقض…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022