حذف الآيات والأحاديث من المناهج الدراسية وعلاقتها بتغيير الهوية الإسلامية لمصر

      في جلسة الأحد 14 فبراير 2021م، ناقشت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب بتشكيلته الجديدة خطة وزارات الثقافة والأوقاف والتعليم  في مواجهة ما أسمته بالتطرف والإرهاب. وفجَّر «رضا حجازي»، نائب وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، مفاجأة مدوية؛ حيث كشف أمرين: الأول، أن هناك توجيهات (لم يكشف هوية هذه التوجيهات.. وبالطبع هي توجيهات عليا من السيسي وأجهزته) بحذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة من مادتي اللغة العربية والتاريخ، واقتصادرها على مادة الدين فقط؛ بذريعة أن ذلك يعمل على نشر «الأفكار المتطرفة». أما الثاني، فقد كشف أن الوزارة قد وافقت على اقتراح قدمه النائب «فريدي البياضي» بشأن تدريس مادة جديدة تتضمن القيم المشتركة بين الدين الإسلامي والمسيحية واليهودية، إضافة إلى تدريس مبادئ التسامح والعيش المشترك في مختلف مراحل التعليم الأساسي، وفق مقترحه. وبحسب مضابط الجلسة، فقد شرح «البياضي» وجهة نظره مدعيا أن هناك خطورة حقيقية في وضع النصوص الدينية في مواد اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا، معتبرًا أن ذلك «يعطي مجالًا للمعلمين غير المؤهلين لتفسير هذه النصوص تفسيرات متطرفة وهدامة»، حسب قوله. لافتاً إلى أن هناك العديد من الدراسات المتخصصة التي استنتجت تأثير هذا الأمر على نشر الافكار المتطرفة، دون أن يحدد هذه الدراسات، وطالب وزارة التربية والتعليم بوضع خطة لمناهضة «التطرف». ومن جانب آخر، استنكر البياضي ما وصفه بحالة التجاهل للحقبة القبطية في مناهج التاريخ؛ وطالب السيسي ووزارة الأوقاف والأزهر بتجديد الخطاب الديني، واعتبر أن بداية هذا التجديد يجب أن تبدأ من مادة الدين في مراحل التعليم الأساسي. وفقا لتصريحاته في مضابط الجلسة.[[1]] هذه التصريحات أصابت المجتمع المصري بصدمة؛ فمعروف أن 95% من المصريين مسلمون، وأمام حالة الغضب التي سادت أوساط المصريين ومواقع التواصل الاجتماعي، اضطر رضا حجازي بعدها بيومين فقط إلى نفي هذه التصريحات، زاعما أن ذلك شائعة روجت لها مواقع التواصل الاجتماعي نقلا عن المواقع الإخوانية المعادية للدولة بهدف زعزعة استقرار الدولة بنشر الشائعات المستمرة لإثارة البلبلة بين الرأي العام!.[[2]] هذه التوجهات من جانب نظام 3 يوليو 2013م،  يمكن رصدها وتحليلها من ثلاثة جوانب: الأول، يتعلق بمخططات ومحطات تغيير المناهج الدراسية، والثاني، يتعلق بعلاقة تغيير المناهج بتوجهات النظام فيما يتعلق بتجديد الخطاب الديني وتدشين دين جديد على هوى النظم الحاكمة بدعوى التعايش بين أصحاب الديانات الثلاثة الإسلام والنصرانية واليهودية، والثالث هو مستهدفات النظام نحو إجراء تحولات كبرى على هوية مصر الإسلامية بما يجعلها أكثر علمانية وأكثر بعدا عن الإسلام.   التلاعب بالمناهج الدراسية مسألة مراجعة المناهج الدراسية في مصر مستمرة منذ عقود، ومن دواعي الأسف أنها لا ترتبط بمقتضيات تطوير التعليم، إنما تجري وفق هوى النظام. ولعل أبرز محطات التلاعب بالمناهج الدراسية هو ما جرى في أعقاب اتفاق كامب ديفيد “مارس 1979م” فقد كان من شروط هذا الاتفاق المشئوم تعديل المناهج لتصبح أكثر تجاوبا مع أجندة القوى الدولية، وتحت لافتة “السلام” تم الحذف ــ بشكل متدرج ــ لكل ما له علاقة بالعداء مع الكيان الصهيوني بهدف دمج إسرائيل في المنطقة والقبول بالتطبيع معها باعتبارها كيانا طبيعيا وليس احتلالا استيطانيا؛ وبناء عليه تمت مراجعة المناهج وصياغتها بما يتفق مع متطلبات السلطة وهواها. منذ ذلك الوقت والأمور تسير على نهج التخفف من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، والمواضيع المرتبطة بهما، وعمدت وزارة التعليم في مصر عام 2015 إلى حذف دروس كاملة عن صلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع، بدعوى أنها تحرض على العنف. وكانت وزارة التربية والتعليم شكلت لجنة من الخبراء التربويين في مارس/آذار 2015 لمراجعة مناهج مراحل التعليم “لتنقيحها من كافة الأفكار التي تدعو إلى العنف والتطرف”، وكذلك الأفكار السياسية والدينية التي يمكن إساءة فهمها، بالإضافة إلى إزالة الحشو والتكرار، طبقا لبيان وزاري. وكان تطوير المناهج الدراسية بدعوى تنقيحها من المواضيع والنصوص الخاطئة، ضمن توصيات منتدى الوسطية الذي عقد في مايو/أيار 2015 بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف تحت عنوان “تجديد آليات الخطاب الديني”، حيث طالبت الوثيقة “بتطوير المناهج الدراسية، وطريقة تكوين الدعاة، فضلا عن الدعوة لتعاون مؤسسات وقطاعات الدولة لإنتاج خطاب يتناسب مع ظروف العصر”. وفي إبريل/نيسان 2015، قامت وكيلة وزارة التربية والتعليم بمحافظة الجيزة بثينة كشك بحرق عشرات الكتب في فناء مدارس فضل بفيصل، في واقعة جاءت بعد دعوة السيسي إلى تجديد الخطاب الديني، وتفنيد كتب التراث مطلع عام 2015، بدعوى أنها تحرض على العنف والإرهاب. لكن منظمات حقوقية -من بينها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان- أعربت عن قلقها البالغ إزاء الواقعة، واعتبرتها انتهاكا صارخا لحرية الإبداع الفني والأدبي المكفولة بموجب الدستور المصري والمواثيق والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.[[3]] السلطة العسكرية في مصر لم تدخر منذ الانقلاب العسكري يوم 3 يوليو/تموز 2013 جهدا في تعديل المناهج الدراسية على مستوى كل المراحل التعليمية بما يتناسب مع مخططها لإعادة كتابة التاريخ وفق رؤيتها. واستهدفت السلطة ثورة 25 يناير وجماعة الإخوان المسلمين بشكل أساسي في التغييرات بمناهج التعليم، حيث اختزلت الثورة اختزالا في أسباب اندلاعها وأحداثها، كما مس الإخوان التشويه. و لم تتحمل السلطة في مصر بيت شعر يحمل كلمة “إخواني” ضمن نشيد يتعلمه تلاميذ المرحلة الابتدائية فعدلتها إلى “خلاني” ليصير بدلا من “هيا هيا يا إخواني.. نبني وطنا للإنسان” إلى “هيا هيا يا خلاني.. نبني وطنا للإنسان”. وحذفت وزارة التربية والتعليم فصلا كامل من منهج التاريخ للصف الثالث الثانوي يتحدث عن فساد الرئيس المخلوع حسني مبارك خلال فترة حكمه، والذي أدى إلى اندلاع الثورة. كما أسقطت ذكر الحركات والحملات التي رفعت لواء المعارضة ضد نظامه مثل حركتي “6 أبريل” و”كفاية” وتعامل قوات الأمن بالقوة مع المتظاهرين وسقوط قتلى خلال المظاهرات. وفي تقرير لها، قالت صحيفة واشنطن بوست إن السلطة في مصر تعمدت حذف كل ما له علاقة بثورة 25 يناير من المناهج الدراسية بحيث لا يكاد يُلحظ اليوم وجود لها في المناهج. وبنفس أسلوب إخفاء الأحداث، عمدت وزارة التربية والتعليم إلى قص شخصيات لها دورها السياسي خلال السنوات الماضية مثل حذف اسم د. محمد البرادعي -الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2005- من المناهج الدراسية للصف الخامس الابتدائي. وأمام ذلك، دفع النظام بشخصيات جديدة صورها على أنها أبطال مثل محمود بدر مؤسس حركة “تمرد” التي تولت جمع توقيعات لسحب الثقة من الرئيس المعزول، وزميله محمد عبد العزيز، وكذلك المستشارة تهاني الجبالي وهي من معارضي الرئيس مرسي. غير أن وزارة التربية تراجعت وحذفت ما يتعلق بشخصيات حركة “تمرد” من مناهج العام الدراسي الحالي. أما جماعة الإخوان، فنالت نصيبها من التشويه في المناهج الدراسية، إذ قُدمت باعتبارها جماعة استبدت بالحكم وكانت تحمي مصالحها فقط وتعاقب معارضيها ولم تجسد أيا من المطالب الشعبية في الحرية والكرامة والعدالة. كما حذفت أسماء وصور قادتها مثل د. سعد الكتاتني -الذي كان رئيسا لبرلمان 2012 المنحل- والنائب د. محمد البلتاجي، من منهج التربية الوطنية للثانوية العامة….

تابع القراءة

زيارة وزير البترول المصري “إسرائيل” أبعد من “الغاز”

    جاءت زيارة وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا، إلى إسرائيل، كأول زيارة لوزير مصري إلى إسرائيل منذ 5 سنوات، حيث كان قد زار وزير خارجية السيسي، سامح شكري، الأراضي المحتلة، وتناول العشاء مع نتانياهو وأسرته واستمعا لمباراة كرة قدم سويا في العام 2016، وذلك أثناء تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية وادخال اسرائيل في منظومة الأمن الاقليمي بالبحر الأحمر. فيما كان اللقاء المعلن الوحيد بين السيسي ونتنياه عقد في نيويورك في العام 2017، على هامش مشاركتهما في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث زار نتنياهو السيسي في مقر إقامته، حيث كان علم مصر فقط وراءهما. وفي أغسطس 2018 نشرت الصحف الإسرائيلية أن نتنياهو سافر سراً إلى مصر في مايو من العام ذاته، والتقى السيسي وتشاركا مأدبة إفطار رمضانية بحضور مستشارين من الجانبين، وفي يوليو 2019، تعمّد نتنياهو أن يعلن عن سابقة عقد “لقاءات” مع السيسي خلال حفل السفارة المصرية في تل أبيب بثورة 23 يوليو 1952، حيث وصفه بـ”الصديق العزيز“. وفي الفترة بين توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، في إبريل 2016، بما تضمنه من التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وحتى إقرار الاتفاق بقرار جمهوري في أغسطس 2017، جرت اتصالات ومكاتبات عديدة بين السيسي ونتنياهو للحصول على مباركة إسرائيلية للاتفاق. وخلال لقاء نتانياهو بالملا، أخيرا،  قال: “أهلا وسهلا بكم. الرجاء نقل تحياتي الحارة إلى صديقي فخامة الرئيس السيسي. هذا هو يوم مهم يمثل التعاون المتواصل بيننا في مجال الطاقة وفي مجالات كثيرة أخرى. ونعتقد أن عصرا جديدا من السلام والازدهار يسود حاليا بفضل اتفاقيات إبراهام“. أضاف: “هذا بدأ بطبيعة الحال باتفاقية السلام التاريخية التي وقعت بين مصر وإسرائيل، ولكن هذا يتحول الآن إلى ما يمكن له أن يحسن الأوضاع الاقتصادية عند جميع شعوب المنطقة. نعتقد أن هذه هي فرصة هائلة لتحقيق تعاون إقليمي بين مصر وإسرائيل والدول الأخرى”.     أهداف معلنة وبحسب  صحيفة “يديعوت احرنوت” استهدفت الزيارة زيادة مستوى التعاون في مجال الطاقة، لاسيما في مجال التنقيب عن الغاز، والتقى  مسؤولين إسرائيليين بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزيري الخارجية غابي أشكنازي والطاقة يوفال شتاينتس، كما التقي الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، بجانب عدة لقاءات مع شركات طاقة إسرائيلية. ونقلت قناة “i24news” الإسرائيلية في نسختها العربية، زيارة الملا حقل “لفيثان” الإسرائيلي لاستخراج الغاز في البحر المتوسط، كما أفادت القناة (13) الإسرائيلية الخاصة، إلى أن الملا بحث مشروع مد خط أنابيب يربط إسرائيل بشبه جزيرة سيناء في مصر، إضافة إلى “تطوير حقول الغاز”،ومنها حقل الغاز بقطاع غزة، وذكرت صحيفة “يسرائيل هيوم”، أن الملا بحث بشكل أساسي خلال زيارته صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر، ومشروع “إيست ميد” المخطط إقامته عبر مد خط أنابيب لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي من منطقة شرق المتوسط.   تقليل هدر الغاز الاسرائيلي وكان “الملا” قد صرّح نهاية الشهر الماضي بأن استيراد مصر الغاز الطبيعي من دولة الاحتلال “جاء للحفاظ عليه من الهدر، لأن عدد السكان هناك قليل، وبالتالي لديها فائض كبير من الغاز”، مدعيا أن هذا الغاز سيمرر على محطات الإسالة في مصر، بهدف إعادة تصديره للأردن، ويعبر كلام الملا عن دور مصر في دعم  اسرائيل ، والحفاظ على امكاناتها المالية  ، حتى لو كان على حساب مصر، إذ أن صفقة تصدير الغاز لمصر من اسرائيل ، تمت بأعلى من أسعار السووق العالمية، ومما ضاعف  من خسارة مصر التي كانت تستهدف تصدير الغاز لأوروبا بعد اسالته، حالة الاغلاق والتراجع الاقتصادي العالمي اثر  جائحة كورونا، وهو ما عطل تصدير الغاز للخارج،  حيث جرى تصدير شحنتين فقط، خلال العام 2020، وهو ما اضطر السيسي ونظامه للضغط على السوق المحلية لاستخدام الغاز الاسرائيلي، سواء عبر فرض استخدامه  على السيارات أو المصانع والمخابز والمزارع وفي الريف المصري. وهو ما يفند تخرصات الملا، أمام مجلس النواب مؤخرا ، بأن مصر تستهدف التحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول البترول والغاز الطبيعي، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي، وإنما بحكم الاستكشافات المستمرة للطاقة داخل حدودها، مدعيا أن مصر “نجحت في جذب المزيد من الشركات العالمية للاستثمار، بسبب عوامل الأمن والاستقرار في مصر خلال الفترة الأخيرة” وفقا لتصريحاته، وأفاد بأن الوزارة تعمل على جذب المزيد من الاستثمارات للبحث والكشف عن المواد النفطية، خصوصا في منطقة البحر الأحمر، مستطردا بأن “مصر وقعت العديد من الاتفاقات الدولية الهادفة للبحث والاستكشاف في القطاع النفطي، والتي أسفرت عن تحقيق 62 كشفا للبترول والغاز في عام 2020“.   تشجيع القادة المطبعين على الزيارات العلنية لتل ابيب وهو ما تواجهه حكومة السعودية، التي قطعت أشواطا كبيرة في التطبيع مع اسرائيل إلا أنها تتحرج شعبيا من اعلان الزيارات او الترتيبات، ولعل مشاريع البحث عن الغاز في البحر الاحمر، التي اتفق عليها الملا مع اسرائيل، ستكون بابا مناسبا للتشارك السعودي، من باب الأمن القومي السعودي المتشاطئة مع مصر في البحر الأحمر، كما تدعم العلاقات الاقتصادية والزيارات المعلنة، تواصل حكومات الدول العربية المتوافقة مع اسرائيل على اتفاق ابراهام، كالسودان والمغرب.   ثمن استرضاء امريكا على نظام السيسي وعلى ما يبدو، فإن زيارة الملا  وما جرى من اتفاقات معلنة او سرية ، تأتي كثمن لتدخل اللوبي اليهودي من خلال الضغط داخل الأرض المحتلة من قبل حكومة بنيامين نتنياهو على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إزاء نظام السيسي وقمعه وانتهاكاته الحقوقية، وهو ما أسفر عن الموافقة على صفقة الأسلحة والصواريخ الأمريكية إلى السيسي..وهو ما ترافق مع اعلان وزارة خارجية بايدن “إنها تدعم دفاع مصر عن أمنها وأنها دولة حليف استراتيجي لنا“، وذلك رغم انتقاداتها السابقة واللاحقة لممارسات نظام السيسي الحقوقية. كما لا يمكن تجاهل العامل الاقتصادي كأحد محفزات الموقف الأميركي، على اعتبار أن الشركات الأميركية تضطلع بدور كبير في تنفيذ مشاريع التنقيب عن الغاز في حوض المتوسط؛ حيث إن شركة “نوبل إنيرجي” تستحوذ على حوالي 50% من عقود التنقيب عن الغاز في فلسطين المحتلة والذي ينهبه الاحتلال الإسرائيلي؛ وهو ما يمثل مصدر دخل مهم، لا سيما في ظل تداعيات أزمة كورونا.   دلالات الزيارة وتحمل الزيارة التطبيعية الأولى لوزير البترول المصري ، مننذ 5 سنوات، العديد من الدلالات،ومنها: تفعيل التنسيق الاقتصادي والسياسي بشكل أساسي، حققت الزيارة الاتفاق على تفعيل التفاهم السابق بين الحكومتين حول ربط حقل “ليفاثان” بوحدتي إسالة الغاز بدمياط وإدكو، اللتين تميزان مصر في سوق الطاقة بالمنطقة، رغم معاناتهما من صعوبات وعقبات إنتاجية على مدار العقد الماضي، لكنّ زيارة الملا ولقاءه بنظيره الإسرائيلي يوفال شطاينتس ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حفلا بالرسائل السياسية، للتأكيد على استمرار التنسيق السياسي والاقتصادي، خاصة في مجال الطاقة، بين الحكومتين، رغم التوتر المكتوم بينهما بسبب الخلافات التي أحاطت بمشروع زيارة نتنياهو للقاهرة للقاء عبدالفتاح السيسي نهاية العام الماضي، تزامناً مع الاندفاع الإماراتي ترحيباً بتطبيع العلاقات مع…

تابع القراءة

تصريحات السيسي حول حوكمة وسائل التواصل الاجتماعي – الدوافع والدلالات

    على الرغم من موجات الاعتقال والتضييق والحجب لمواقع الانترنت وملاحقة النشطاء ومن يعبر عن رايه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، واغلاق مواقع الصحف والمواقع الالكترونية المستقلة والمعارضة، والذي وصلت أعدادهم أكثر من 34 ألف موقع وحساب وصفحة -وفق تقديرات حقوقية- والتي كانت مثار انتقاد من قبل حكومات دول العالم ومنظمات حقوقية  ومنصات اعلامية دولية خلال الفترات الماضية، الا ان السيسي ما زال يرى في  الاجراءات القمعية التي يتخذها نظامه في التضييق على حرية الرأي والتعبير، غير كافية، لوقف الأصوات المعارضة لسياساته، وهو ما  قد يفسر على أنه تمهيد لموجات اوسع لقضم الحريات العامة بصورة اكبر خلال الفترة المقبلة. وجاء تصريح السيسي الصادم، خلال كلمته، في اجتماع لرؤساء المحاكم الدستورية والمجالس الدستورية الأفريقية، دعا خلاله إلى “حوكمة قانونية لوسائل التواصل الاجتماعي، ومحتواها، الذي يؤثر بصورة كبيرة على الداخل والخارج” معتبرا أن “تنامي قدرة الأفراد على التواصل الرقمي يمثل تهديداً على الحكومات والأنظمة، ويتطلب محاولة ضبط هذا التواصل عن طريق إقرار التشريعات اللازمة لذلك، في إطار تنظيم التعاملات والتفاعل الرقمي للأفراد والكيانات الخاصة”. وحاول السيسي تغليف تصريحه المنذر بكوارث حقوقية، بالحديث عن بعض التشريعات التي اتخذها لمواجهة كورونا، مطالبا بـ “التفكر والتدبر بصورة جماعية في كيفية التعامل مع التحديات الناشئة عن الجائحة، من منظور قانوني ودستوري، إلى جانب التحديات التقليدية الأخرى”، كما دعا إلى تأمين توافر البنية التحتية الدستورية العصرية القادرة على التعامل مع التحديات الناجمة عنها، بما فيها تنظيم التعاملات والتفاعل الرقمي للأفراد والكيانات، ووضع الإطار القانوني المنظم للتعامل معها.   دلالات التوجهات الجديدة -فشل سياسات القمع الالكتروني السابقة والحالية وتؤكد التصريحات الأخيرة الكاشفة عن نوايا السيسي الكثر قمعا، انه لم يتعلم الدروس نهائيا،  إذ يصر على نفس السياسات التي أنتجت فشلا، على السير فيها متوقعا تحقيق نتائج أخرى مغايرة، وهو ما يؤكد فشل السيسي، والذي أكدته نتائج دراسة برلمانية،جرت عقب  أحداث احتجاجات سبتمبر 2020، حيث أقر نواب في البرلمان المصري، بفشل النظام في مواجهة الانتشار الواسع للمنشورات والفيديوهات المعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم القمع الأمني والترهيب الإعلامي والهجمات الإلكترونية ضد المعارضين. وأشارت الدراسة، التي أعدتها لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب إلى إن شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين، شهدا بث 2850 مقطعا مصورا، وصفتها بأنها “ضد الدولة”، وهو التعبير الذي يستخدمه النظام للإشارة إلى ما يبثه المعارضون من انتقادات لسياساته أو كشف لوقائع فساد، وأظهرت وصول منشورات المعارضة إلى ملايين المستخدمين على مواقع التواصل المختلفة، في حين حققت بعض الفيديوهات مشاهدات تجاوزت أكثر من 2 مليون مشاهدة للمقطع الواحد. وأقرت الدراسة  بفشل الفيديوهات الداعمة للنظام في مجابهة الانتشار الواسع للفيديوهات المعارضة، وكانت  شركة “فيسبوك”، أعلنت في أغسطس الماضي، وأكتوبر الجاري، حذف مئات الصفحات والحسابات المرتبطة بمصر والسعودية والإمارات، بسبب تورطها في حملات دعائية منسقة لصالح الأنظمة الحاكمة في هذه الدول، لتضليل مستخدمي منصات التواصل، وفي محاولة لإثناء المصريين عن مشاركة الفيديوهات المعارضة للنظام، هدد رئيس لجنة تكنولوجيا الاتصالات بمجلس النواب أحمد بدوي، بأن قيام الكثير من رواد “فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب”، بمشاركة هذه المقاطع يعرضهم للمساءلة القانونية، وفقا لقانون الجريمة الإلكترونية الصادر من مجلس النواب (في يونيو 2018). وينص القانون المذكور على عقوبات تصل إلى السجن وغرامة مالية، قد تبلغ 5 ملايين جنيه، بحق مستخدمي الإنترنت والشركات مقدمة الخدمة في حال مخالفة أحكام هذا القانون، ويمنح جهات التحقيق المختصة حق حجب موقع أو عدة مواقع أو روابط أو محتوى، وواجه القانون اعتراضات حقوقية لتأثيره السلبي على حرية الرأي والتعبير، وتقنينه المراقبة الشاملة على الاتصالات في مصر، حيث يعطي القانون للنظام الخاكم  سلطة إغلاق المواقع على الإنترنت، ورفع شكاوى جنائية على المنابر والمواطنين الذين يتهمون بجرائم، مثل تحريض الناس على انتهاك القوانين، والتشهير بالأشخاص والأديان، ولم يترفع السيسي نفسه عن الانشغال بما يحدث على المنصات الاجتماعية، حيث ألمح أكثر من مرة إلى متابعته لما يتم تداوله عبرها، بل إنه أبدى غضبا شديدا في يوليو 2018 بسبب هاشتاج حمل عنوان “ارحل يا سيسي” وسبق ذلك تهديد صريح منه بتكميم صوت الإعلام الجديد، فقال في إبريل 2016 “أنا ممكن بكتيبتين أدخل على النت وأعملها دايرة مقفولة، وأخلي الإعلاميين ياخدوا منها أخبار وشغل”.   -تأثير النشطاء المتصاعد وأفادت “ورقة تحليلية” أن الملاحقات الأمنية الإلكترونية التي تتم يوميًّا للنشطاء، بإغلاق صفحاتهم؛ حتى يتوقفوا عن النشر، وإذا لم يتوقفوا يتم البحث عنهم، واعتقالهم؛ حتى لا يفاجأ العسكر بدعوات جديدة للحشد يمكن أن تهدد بقاؤهم في السلطة، وكشف الورقة التي جاءت تحت عنوان “تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على صانع القرار في مصر” أن النظام  متأكد من جود غضب في الشارع المصري؛ نتيجة القرارات الخاطئة والمشاريع الفاشلة، وتأثر حياتهم سلبيًّا بسبب هذه السياسات، بالإضافة إلى سلسلة الاعتقالات التي لا تتوقف، وأنه “بالرغم من حركة الاعتقالات والرقابة الإلكترونية التي أطلقتها -ومازالت تطلقها- أنظمة الحكم الاستبدادية، إلا أنها لم تستطع وقف تأثير مواقع التواصل الاجتماعي؛ نتيجة للتكنولوجيا الحديثة في التخفي الإلكتروني، والدخول لشبكة الإنترنت بأكثر من هوية، بالإضافة إلى عدم معرفة مدى الانتشار الذي يمكن أن تحققه دعوات الرفض التي يتم إطلاقها”. وقالت الورقة إن وسائل التواصل الاجتماعي بدأت في الضغط على صانع القرار خلال العقد الأخير، وذلك مع الاحتجاجات التي ظهرت في الدول العربية ”ثورات الربيع العربي”، واعتماد نشطائها على المنصات الرقمية، وفي مصر تم الاستفادة من هذه الوسائل؛ لكشف القصور والتجاوزات الموجودة في المنظومة الأمنية، فتم نشر فيديوهات وصور تثبت تجاوز ضباط الشرطة تجاه المواطنين، وتداول النشطاء هذه الفيديوهات محليًّا وعالميًّا، وأضافت أن “وسائل التواصل الاجتماعي” سهلت عملية تواصل المحتجين بالميادين؛ للمطالبة بحقوقهم الإنسانية والاجتماعية، وتحقيق مبدأ الحشد الجماهيري؛ للضغط على صانع القرار، حتى أجبره على الانهيار والتنحي. وقالت الورقة إن أنظمة الحكم في العالم العربي تمارس السيطرة على هذه الوسائل بنفس الأسلوب بشكل عام، فتبدأ السيطرة عادة باعتقالٍ واسع للنشطاء الإلكترونيين وتكثيف الضغط عليهم، وكان تقرير “فريدوم هاوس” قد أشار لعدة حالات اعتقال طالت المتظاهرين لأسباب تتعلق بتبادل الرسائل إلكترونيًّا، وأضافت أنه للسيطرة على محيط السوشيال ميديا “تلجأ الحكومات أيضًا لبناء لجان إلكترونية تروج لما تريد الحكومات تسويقه، وتهاجم المعارضين وتشوههم.. إلخ. فلم تكتفِ فقط بقمع مستخدمي هذه الوسائل الجديدة، إنما حاولت أن تؤسس سلطتها داخل هذا المجال؛ ليصبح خاضعًا لها، وليس مساحة مجهولة لا تحسن التعاطي معها”، كما تحاول السلطات استخدام أنظمة التجسس التي تضمن للحكومات والنظم مصادر لا تنضب من البيانات، ليس فقط عن المعارضين، إنما على المجتمع الذي تحكمه ككل، والمزاج العام للمحكومين، والرأي العام السائد في هذه الفضاءات الجديدة تجاه سياسات الحكومة.   -اختبار قدرات بايدن واستراتيجياته وتأني تلك التصريحات في توقيت مهم، حيث يمكن اعتبارها  من ضمن سياسات السيسي ونظامه لاختبار إلى أي مدى يمكن ان يذهب الرئيس الامريكي الجديد جو…

تابع القراءة

الاتفاق النووي… بين الوساطة الأوروبية وحدود التغير في الموقف الأمريكي

    عادت التحليلات الخاصة بالعلاقات الأمريكية الإيرانية للتصدر مجددًا، في محاولة لاستشراف الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للتعامل مع ملف الاتفاق النووي. يواجه الرئيس الأمريكي الجديد حالة ضغط متزايد من الداخل ومن حلفائه وفي الخارج، وقد حاول طمأنتهم بتصريحه المباشر بأن العودة للاتفاق النووي يجب أن تبدأ بتوقف أنشطة طهران التخريبية والتي تدمر الاستقرار في المنطقة. مازالت الأمور غامضة رغم التحرك الذي احدثته أوروبا في اعلان قيادتها للوساطة بين طهران وواشنطن في اعادة العمل الدبلوماسي لحل المشاكل العالقة بينهم. يبحث هذا التقرير أبرز رسائل جو بايدن التي وجهها لطهران، وكيف ردت الأخيرة عليها، وما هي أبرز التحديات التي تواجه الوساطة الأوروبية من جهة، واستراتيجية إدارة بايدن لمواجهة التهديدات المتعددة التي تتعرض لها الولايات المتحدة الأمريكية.   بايدن يسير على خطى ترامب في شروطه ضد طهران: تصر إيران على فصل الملف النووي عن بقية ملفات المنطقة، وهذا هو أصل المشكلة مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والذي قرّر في عام 2018 الانسحاب من الاتفاق الذي وقعه سلفه بارك أوباما مع طهران في عام 2015. وطرح ترامب صيغة من أجل اتفاق جديد، يقوم على وقف نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وهو ما رفضته طهران، وتواصل اليوم سياسة رفض التفاوض على اتفاق جديد، طرحت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن إطاره الذي لا يبتعد كثيرا عن شروط ترامب، ويؤكّد على نقطتي وقف النشاطات المزعزعة للاستقرار، وإشراك أطراف إقليمية في الاتفاق، ومنها السعودية وإسرائيل. وهو ما ردّت عليه طهران بالرفض، وقالت صراحة إنها لن تجلس على طاولة المفاوضات مع الرياض من أجل التفاوض على اتفاق نووي. تكمن الأزمة أن الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار تجري كلها في المنطقة العربية، وتشمل سورية، لبنان، العراق، اليمن، والسعودية، التي تتلقى الضربات بالطائرات المسيرة بصورة شبه يومية، ويتم تسجيل ذلك على أنه رد حوثي على حرب السعودية والإمارات على اليمن. ولكن لا يخفى على أحد أن الأسلحة المستعملة والتصويب يحتاجان درجة عالية من الحرفية، ولا شك أن من يقوم بهذه المهمة هي طهران التي تزوّد الحوثيين بأسلحة متطورة، وبخبراء يقومون بتشغيل هذه الأسلحة. والمشكلة الأكبر أن تلك الأنشطة السلبية لا تقتصر على التدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان على المستوى السياسي، وإنما تعمل على تغيير هويتها الثقافية كاملةً من خلال بناء هوية طائفية جديدة، كما هو حاصل حاليا في شمال شرقي سورية في محافظتي دير الزور والحسكة، حيث يجري نشر التشيع في دير الزور بقوة، وبنت إيران مراكز ثقافية وأقامت حسينيات دينية وشكلت فرق كشافة، بالإضافة إلى إنشائها تشكيلات عسكرية تحت مسمّيات طائفية. وهذا هو أحد أهم أسباب قبول المعارضة السورية للجلوس على طاولة المفاوضات مع الجانب الروسي، في الوقت الذي ترفض ذلك مع طهران، لأن تهديد الأخيرة أعمق وأكثر خطورة، لأنها تغير دين الناس وثقافتهم وتحولهم لخلايا إيرانية سرطانية في المجتمع، وهو ما يغير موازينه ويجعله اقرب للتشيع[1].   الوساطة الأوروبية: لا يخفي على أحد أنه خلال حملة بايدن الانتخابية، كان من الواضح رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي. ولكن لم يكن واضحاً كثيرا ًكيف ومن ضمن أي صيغة. ولكن تعيين روبرت مالي رئيس مجموعة الأزمات الدولية ومستشار السياسة الخارجية للرئيس السابق باراك أوباما هو دليل نية أميركية بالبدء بتنفيذ وعود بايدن بخصوص إجراء اتفاق نووي مع إيران. وخاصة أن أميركا تريد أن تتفرغ لملفات أخرى أكثر أهمية لها مثل روسيا والصين إضافة للملفات الداخلية، وتريد الخروج من نفق الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وتفويض بعض المهام من خلال الحلفاء ومن خلال اتفاقات وتسويات مع الخصوم. وقد اتخذت الإدارة الأميركية الجديدة خلال الأيام الماضية جملة إجراءات عملية، من شأنها أن تشكل اختراقاً في أزمة العودة إلى الاتفاق. وأهم هذه الإجراءات سحب واشنطن إعلان الإدارة الأميركية السابقة إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران من مجلس الأمن، وإنهاء القيود على تحركات البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الأمم المتحدة بنيويورك، وإعادة الوضع إلى سابق عهدها قبل فرض هذه القيود في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والموافقة الأميركية على طلب الاتحاد الأوروبي للمشاركة في اجتماع أطراف الاتفاق النووي في وقت لاحق، فضلاً عن أنباء حول احتمال إعلان الرئيس جو بايدن نيته العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران قريبًا. يحاول بايدن إدخال الأوروبيين في هذا المسار، وفوض للفرنسيين تعزيز قنوات التواصل في المنطقة وفتح باب الحوار الغير مباشر والبدء بالمفاوضات في الملفات الأقل تأثيرا، كمحاولة لخرق جدار الانقطاع الكامل، وبالتوازي البدء بمسار حلحلة الملفات المعقدة كالملف اليمني كمحاولة لتقطيع الأزمات وتسويتها كمنطلق لإبرام اتفاق مقبل.من هذا المنطلق يتمكن بايدن من تخفيف وهج معارضة الاتفاق حيث يكون أنهى إحدى نقاط تعديل الاتفاق وهو دور إيران في المنطقة، وفي المقلب الآخر يبقى موضوع الصواريخ الباليستية والجيوش الإيرانية حيث يمكن أن نشهد حروبا جانبية لتسوية هذه النقطة، وبناء على نتائج هذه الحروب إن كانت عسكرية أو سياسية توضح أكثر معالم الاتفاق المقبل.والسؤال من سيدفع الثمن في المرحلة الحالية؟ ومن سيدفع الثمن بعد حدوث الاتفاق؟ لأن لا تسويات من دون ثمن وأحياناً دم.[2] وتصر إسرائيل والسعودية أنها لن تدفع الثمن مرة أخرى، وأن ما حدث في 2015 لن يتكرر، ولذلك ستشهد المرحلة المقبلة اصطفاف إسرائيلي خليجي كبير للدخول في تلك المفاوضات مهما كان الثمن. من جهتها، عبرت طهران عن موقفها من عما الخطوات الأميركية الأخيرة بمناشدة البعض لها أن وقف العمل بالبروتوكول الإضافي الذي يفرض رقابة صارمة على الأنشطة النووية ويمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفتيشات مفاجئة، قال النائب المحافظ مالكي إن الخطوات الأميركية تجاه الاتفاق النووي بأنها إيجابية، لكنها غير كافية، مؤكداً أن على أميركا العودة إلى تنفيذ كامل تعهداتها بالاتفاق، كما أكد على أنه ثمة اتصالات قطرية وأوروبية مع الولايات المتحدة وإيران لحلحلة أزمة تنفيذ الاتفاق النووي. وأكد أن الاتفاق النووي بني على التعهد مقابل التعهد، أي أن الجمهورية الإسلامية قبلت بتعهدات نووية مقابل رفع جميع العقوبات النفطية والبنكية وغيرها، قائلاً إن طهران نفذت جميع تعهداتها بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ من يناير 2016 لكن ترامب أنهى التعهدات الأميركية وانسحب من الاتفاق النووي عام 2018. وتزامناً مع ذلك طالب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن برفع جميع العقوبات عن بلاده التي فرضتها إدارة سلفه دونالد ترامب دون أي قيود أو شروط. وشدد على أنه في حال رفعت واشنطن كافة العقوبات ستتراجع إيران فورا عن جميع الإجراءات التي اتخذتها. وعن المباحثات المحتملة المرتقبة بين إيران والمجموعة السداسية الدولية بعد تجاوب واشنطن مع دعوة الاتحاد الأوروبي للمشاركة في اجتماع لمجموعة 1+5، وأكد مالكي أن الجمهورية الإسلامية لن تقبل بالتفاوض حول الاتفاق النووي مرة أخرى.[3] من ناحية أخرى، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي للصحافيين إن الولايات المتحدة لا تخطط لرفع العقوبات المفروضة على إيران قبل الانضمام لمحادثات مع أوروبا،…

تابع القراءة

الموقف المصري من انتخاب السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا.. الخلفيات والمآلات

    نحو عشر سنوات مرت منذ اندلاع أحداث الثورة الليبية في فبراير 2011[1]، طوال هذه السنوات كان التدخل الخارجي من أكثر المتغيرات قدرة على حسم الصراعات الميدانية، وعلى تشكيل الترتيبات السياسية في ليبيا؛ فقد كان تدخل حلف شمال الاطلسي “الناتو” ودول أخرى في البداية، هو الذي أسهم وبقوة في طي صفحة القذافي وبدء مرحلة جديدة. كذلك كان التدخل التركي في 2019، هو الذي أوقف الزحف العسكري الذي كان قد بدأه اللواء خليفة حفتر، بدعم إماراتي[2] روسي[3]، ومن ثم أعاد تغليب الخيارات السياسية على الخيارات العسكرية، حتى أن مراقبين يرون أن اختيار سلطة سياسية جديدة في ليبيا، وإتفاق وقف إطلاق النار هي نتائج مباشرة للتدخل التركي الذي أعاد التوازن بين حكومة الوفاق في غرب ليبيا وبين القوى السياسية في شرق ليبيا[4]. عندما أعلن الجنرال خليفة حفتر، في 3 أبريل 2019، إطلاق عملية “تحرير طرابلس”، لإنهاء سيطرة “حكومة الوفاق الوطني” على العاصمة، وقد حقق حفتر حتى نهايات عام 2019 مكاسب متتالية واقترب كثيراً من طرابلس، بعدما سيطر على معظم المناطق المهمة استراتيجياً غرب ليبيا، لكن بعد توقيع مذكرتي تفاهم بين أنقرة وطرابلس[5] تمكنت “حكومة الوفاق الوطني” في أسابيع قليلة من استعادة السيطرة على الشريط الساحلي بين طرابلس والحدود التونسية، ثم الاستيلاء على “قاعدة الوطية العسكرية”، وبعدها مدينة “ترهونة” ذات الأهمية الجيواستراتيجية، والتي كانت تمثل مركزاً رئيسياً للقيادة والسيطرة لدى “الجيش الوطني الليبي”، وكانت محصلة هذه التطورات المهمة، أن الميزان العسكري الذي كان يميل بشكل واضح لصالح قوات حفتر لعام كامل (أبريل 2019 – أبريل 2020) عاد إلى التوازن بين الجانبين[6]، هذا التوازن بدوره هو الذي أعاد الجاذبية للحل السياسي بعد أن أخفق سيناريو الحسم العسكري. ولقد كان مؤتمر برلين المنعقد في 19 يناير 2020 محاولة لبلورة حل سياسي للأزمة الليبية، ولقد انعقد المؤتمر في العاصمة الألمانية، بحضور 12 دولة، على رأسها الدول الخمسة دائمة العضوية بمجلس الأمن (الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين)، وبمشاركة تركيا وإيطاليا ومصر والإمارات والجزائر والكونغو، بالإضافة إلى فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليا، والجنرال المتقاعد خليفة حفتر، كما تشارك في المؤتمر أربع منظمات دولية ممثلة في: الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، والجامعة العربية[7]. وقد خرج المؤتمر بمقترح لحل الأزمة الليبية قائم على ثلاث مسارات ترعاها الأمم المتحدة: عسكرية واقتصادية وسياسية[8]. أما المسار الاقتصادي: فقد تم تشكيل مجموعة عمل إقتصادية، لتعمل على احترام ووحدة المؤسسات الاقتصادية السيادية، على رأسها البنك المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفط، وهيئة الاستثمار، بالإضافة إلى ديوان المحاسبة، وتشجيع إنشاء آلية لإعادة الإعمار خاصة في المدن المتضررة على غرار بنغازي ودرنة (شرق) وسرت وطرابلس (غرب) وسبها ومرزق (جنوب غرب). ويعد هذا المسار أكثر المسارات نجاحاً. بينما المسار العسكري: تم تشكيل لجنة مؤلفة من 10 ضباط، 5 عن كل جانب، لتحديد آليات تنفيذ وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى نزع سلاح المليشيات في ليبيا، وتفكيكها، وإعادة إطلاق مسار المصالحة، فضلاً عن فتح المسارات الجوية والبرية بين شرق البلاد وغربها، وأيضاً فتح الطريق الساحلي، وتأمين حركة المدنيين الليبيين وتبادل الأسرى، وتسليم الجثامين، والاستمرار في محاربة الجماعات المصنفة إرهابية دوليا، وإعادة النازحين قسريا. وقد نجحت اللجنة في تحقيق جزء معتبر من أهدافها. وفيما يتعلق بـ المسار السياسي: فقد قام على تشكيل ملتقى حوار سياسي، يمثل كل القوى السياسية والاجتماعية الليبية الفاعلة، بما فيها المحسوبين على نظام معمر القذافي، والذين كان يتم استبعادهم سابقاً، وذلك بهدف تشكيل مجلس رئاسي فاعل وحكومة وطنية جديدة[9]، تتجاوز صراعات الماضي القريب بين الفرقاء الليبيين.   خلفيات اختيار السلطة التنفيذية الجديدة: لقد انطلقت الجولة الأولى من ملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس، في 9 نوفمبر 2020، برعاية أممية، حيث اختارت المبعوثة الأممية في ليبيا 75 شخصية ليبية كممثلين للقوى السياسية والاجتماعية، منهم 13 من أعضاء مجلس النواب، ومثلهم من أعضاء المجلس الأعلى للدولة، بينما توزعت بقية الشخصيات على أطياف قبلية وسياسية مختلفة. كان الهدف الأساسي لهذا الملتقى التوصل إلى آليات ومعايير تقود للخروج من حالة الانقسام التي تعيشها السلطة التنفيذية/ غير العسكرية في ليبيا، وتمهد للوصول إلى الانتخابات العامة، باعتبارها السبيل الأفضل لإعادة القرار إلى الشعب الليبي، وتؤسس لمرحلة ديمقراطية في ليبيا[10]. وقد نجح المشاركون في ملتقى الحوار، في الاتفاق على تشكيل سلطة تنفيذية جديدة تقود البلاد، سلطة تتكون من مجلس رئاسي، وحكومة وحدة وطنية فعالة وموحدة، على أن تمهد هذه السلطة المؤقتة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في ديسمبر 2021[11]، تقود لظهور مؤسسات منتخبة دائمة. أما آلية أختيار ممثلي السلطة الجديدة (المجلس الرئاسي + حكومة الوحدة الوطنية) فقد تم الاتفاق عليها بمشاركة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا واللجنة الاستشارية للملتقى الليبي للحوار، وهي تقوم على تشكيل قوائم انتخابية، تضم كل قائمة أربعة مرشحين، هما رئيس للمجلس الرئاسي من الشرق ونائباه من الغرب والجنوب، على أن يكون رئيس الوزراء من الغرب[12]. والقائمة الفائزة هي التي تحصل على نسبة 60 في المئة من أصوات الناخبين، وفي حال عدم تحقيق أي قائمة هذه النسبة، تدخل القائمتان اللتان حصلتا على أكبر عدد من الأصوات، في جولةً فاصلة، تفوز فيها القائمة التي تحصل على نسبة النصف زائداً واحداً من الأصوات. وقد تلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أربع قوائم للمرشحين للسلطة التنفيذية، من أعضاء ملتقى الحوار السياسي، القائمة الأولى، تشكلت من ممثل الشرق عقيلة صالح مرشحاً لرئاسة المجلس الرئاسي، مع نائبين، هما عبد المجيد سيف النصر، من الجنوب، وأسامة جويلي ممثل المنطقة الغربية، ووزير الداخلية الحالي في حكومة الوفاق فتحي باشا آغا مرشحاً لرئاسة الحكومة. والقائمة الثانية، من الشرق عضو المؤتمر الوطني السابق الشريف الوافي، مرشحاً لرئاسة المجلس الرئاسي، ونائبان عن الجنوب عمر بوشريده، وعن الغرب عبد الرحمن البلعزي، إضافة إلى محمد المنتصر مرشحاً لرئاسة الوزراء، والقائمة الثالثة، ممثل الشرق محمد المنفي، رئيساً للمجلس الرئاسي، وعضوية ممثل الجنوب موسى الكوني، وعبد الله اللافي من الغرب، مع مرشح لرئاسة الحكومة وهو عبد الحميد دبيبة، من مدينة مصراتة، أما القائمة الأخيرة، فتشكلت من محمد البرغثي، مرشح من الشرق لرئاسة المجلس الرئاسي، مع ممثل الجنوب علي بو الحجب، نائباً لرئيس المجلس الرئاسي، وعن الغرب إدريس القايد، نائباً ثانياً، أما مرشح رئاسة الوزراء في القائمة فهو محمد الغويل[13].   اختيار سلطة تنفيذية جديدة في ليبيا.. نتائج مفاجئة تُربك الجميع: كان هناك توقعات سائدة لدى الجميع بأن قائمة عقيلة صالح هي المرشحة أكثر للفوز[14]؛ باعتبارها تجمع بين شخصيات لها ثقل سياسي كبير، كذلك تعكس توافق كبير سواء بين غرب وشرق ليبيا، أو حتى بين القوى الخارجية المهتمة بالشأن الليبي؛ حيث يمثل باشا آغا غرب ليبيا، ويمثل عقيلة صالح شرق ليبيا، وعلى المستوى الاقليمي يعد باشا آغا محسوب على الجانب التركي، بينما عقيلة صالح مقرب من مصر،…

تابع القراءة

هل تشهد القضية الفلسطينية تحسن فى عهد الرئيس الأمريكى الجديد جو بايدن؟

  مع وصول الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى سدة الحكم، تناولت العديد من الكتابات والتحليلات ملامح السياسة الخارجية الأمريكية تحت رئاسته تجاه القضية الفلسطينية، وقد اختلفت هذه التحليلات وتلك الآراء فى بعض الجوانب واتفقت فى آخرى. وإن كان يمكن إجمالها فى ثلاثة رأيين رئيسيين، هما: الرأى الأول: عدم حدوث أى تحسن: يرى أنصار هذا الرأى أن إدارة بايدن لن تسعى إلى إدخال أى تحسينات على القضية الفلسطينية، وحتى إذا سعت لذلك فإنها ستواجه مجموعة من التحديات. وذلك لمجموعة من الأسباب، منها: 1- أن السنوات الأربع الماضية خلقت متغيرات جديدة على الساحة الأمريكية تتمثل فى؛ ظهور الشعبوية والسعي لهيمنة البيض والإنجليكيين على الحكم، وما نتج عنها من انتشار للعنصرية، بالإضافة للمتغير الصحي المتعلق بانتشار كوفيد 19، الذي تسبب بمقتل واصابة مئات الآلاف من الأمريكيين، وما نتج عنه من تراجع للاقتصاد وارتفاع نسب البطالة وتراجع فرص التشغيل. بالإضافة إلى نتائج الانتخابات الأخيرة والتي أفرزت فوز بايدن وما رافقها من جدل حاد حول قبول أو رفض الرئيس السابق ترامب للنتائج وهو ما قاد إلى حالة من الاحتقان داخل المجتمع الامريكي انتج انقسامًا حادًا تجلت فى اقتحام الكونغرس. بالتالي، سوف ينخفض اهتمام بايدن بالشؤون الخارجية ومنها القضية الفلسطينية مقابل التركيز على الشؤون الداخلية. 2- دور الكونغرس في النظام السياسي الأمريكي وفي إدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، والذى سيخلق جملة معيقات وتحديات أمام إدارة بايدن في التعاطي مع الملفات الخارجية وخصوصاً عندما يتعلق الامر بطرف إسرائيل؛ إذ من المحتمل أن تصطدم أى قرارات ضد إسرائيل بمعارضة قوية، وهذه المعارضة لن تكون من جانب الجمهوريين فحسب، بل كذلك من جانب الديمقراطيين المعتدلين أيضًا، الذين يريدون تقديم أنفسهم على أنهم مؤيدون لإسرائيل. خصوصاً وأن هناك خشية من قبل الكثير من السياسيين الأمريكيين من اتهامهم، بأنهم معادون للسامية من طرف خصومهم، إذا ما أظهروا أي انفتاح تجاه حقوق الفلسطينيين. فحتى أبسط الخطوات العكسية التي قد يتخذها بايدن بشأن فلسطين، لمعالجة بعض الأضرار التي ألحقها ترامب، والتى تتمثل فى إعادة بناء العلاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية، ستحتاج إلى موافقة الكونغرس. وقد أصبح هذا الأمر أكثر صعوبة، خصوصاً وأن الكونغرس كان قد أقر قانون تعديل مكافحة الإرهاب عام 2018 والذي يستهدف المنظمة بدعاوي مدنية، وهو ما يتيح للجماعات المؤيد لإسرائيل فرص رفع دعاوي ضدها[1]. 3- استمرار إسرائيل واصرارها على التوسع الإقليمي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث يعيش مئات الآلاف من المستوطنين الآن خارج حدود عام 1967، واستعداد أغلبية من أعضاء الكنيست الإسرائيلي، من حيث المبدأ، لدعم ضم أراضي الضفة الغربية من جانب واحد[2]. أضف إلى ذلك، أن إسرائيل لن تتنازل عن هذه المستوطنات؛ نظرًا لمقدار وحجم الثمن السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي الذي تجبيه إسرائيل من وراء تلك المستوطنات؛ فقد تحول الاستيطان من استيطان نخبوي إلى استيطان شعبوي يجتذب الطبقات الاجتماعية المهمشة والأكثر فقراً والتي لا تستطيع مواصلة العيش في إسرائيل المتمثل في منطقة تل أبيب وغوش دان، وحتى أن جزءًا مهمًا من الميزانيات المتعلقة بالاستيطان تبقى خافية غير مُدرجة بشكل واضح في الموازنات الحكومية، وذلك حسب تصريح سابق لـ “بايْغا شوحَط” أحد أشهر وزراء المالية الإسرائليين[3]. 4- عدم وجود قوة فلسطينية تجبر الولايات المتحدة وإسرائيل على إعادة المفاوضات مع الفلسطينيين فى ظل حالة الانقسام الحاد بين الأطراف الفلسطينية خاصة بين حركتى فتح وحماس، وإعطاء كلًا منهما الأولوية للحفاظ على سيطرتهما فى مناطق نفوذهما (الضفة الغربية وغزة)، وحتى لو كان ذلك على حساب الوحدة الفلسطينية التى أصبحت تمثل ضرورة قصوى فى سبيل تحرير فلسطين أو حتى إقامة دولة مستقلة على حدود 1967. 5- أن الحكومات العربية لم تعد تنظر إلى حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على أنه شرط أساسي لا غنى عنه لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما يتضح ذلك من الاتفاقات الأخيرة بين إسرائيل والبحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة لتطبيع العلاقات بينهم. وقد أدى ذلك إلى تراجع الضغوط – ولو كانت ضعيفة – على إسرائيل للاستجابة للمطالب الفلسطينية أو حتى إمكانية الدخول فى مفاوضات معهم من الأساس[4].   الرأى الثانى: حدوث تحسن نسبى: يرى أنصار هذا الرأى أن السياسة الأمريكية خلال الفترة المقبلة ستقوم على أساس تحسين علاقاتها مع الحكومة الفلسطينية واظهار التزامها بعلاقات مستقلة مع الفلسطينيين، على عكس سياسة جعل التواصل الدبلوماسي مع الفلسطينيين جزءاً من العلاقات الأمريكية مع إسرائيل. وهذا يعني إعادة تشغيل برامج المساعدة الاقتصادية للشعب الفلسطيني وتمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن والقنصلية في القدس. كما ستعمل الولايات المتحدة على إشراك الأطراف الاقليمية الأكثر تأثيرًا وتأثرًا بالوضع الفلسطينى – مصر والأردن – فى تنفيذ رؤيتها لحل القضية الفلسطينية[5]. ويرى أنصار هذا الرأى أن أولى المؤشرات التى تدعم وجهة نظرهم تتمثل فى تأكيد المبعوث الأمريكي لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز، فى 2 فبراير 2021، أمام مجلس الأمن، إن إدارة بايدن ستعيد تفعيل المساعدات التي علقتها إدارة الرئيس السابق (ترامب) للفلسطينيين. وأضاف أن بايدن وجّه إدارته لـ”استعادة التواصل الأمريكي الموثوق” مع فلسطين وإسرائيل، بما يشمل إحياء العلاقات مع القيادة والشعب الفلسطينيين التي ضمرت في عهد ترامب. وأوضح أن الجهود تلك ستشمل أيضا استعادة المساعدات الإنسانية لفلسطين[6]. ومع هذا التحسن، إلا أنهم لم يستبعدوا ظهور مجموعة من الإشكاليات التى ستواجه تحسين العلاقات الأمريكية- الفلسطينية، والتى تتمثل فى مسألتين أساسيتين: تتمثل الأولى؛ فى تعويضات الأسرى والشهداء الفلسطينيين، ففى حين تقدم السلطة الفلسطينية و/أو منظمة التحرير الفلسطينية بتقديم مدفوعات للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ولعائلات الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل في سياق الهجمات على أهداف إسرائيلية. حيث تقول منظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها حركة تحرير وطني، إن لها الحق في تعويض شعبها بهذه الطريقة، لا سيما وأن أفراد الأسرة كثيراً ما يتم تهجيرهم بسبب السياسة الإسرائيلية في هدم منازل الفلسطينيين الذين ينخرطون في هجمات على إسرائيل. بينما يجادل معارضو نظام المدفوعات هذا من الإسرائيليين والأمريكيين بأن هذا النظام يشكل تحفيزاً ومكافأة للعنف ضد إسرائيل. بينما تتمثل المسألة الثانية؛ فى إدماج حماس فى السلطة، ففى حين تسعى الولايات المتحدة إلى توحيد المؤسسات الفلسطينية، وانهاء الانقسام بين حماس وفتح، باعتبارها عقبة رئيسية أمام التقدم فى المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعلى الرغم من اتخاذ خطوات فعلية فى هذا المسار بعد إصدار الرئيس محمود عباس مرسوم حدد فيه مواعيد الانتخابات الفلسطينية (التشريعية والرئاسية والمجلس الوطنى)، وإمكانية قيام الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل للسماح بالتصويت في القدس الشرقية، كما فعلت في عامي 1996 و 2005. لكن الولايات المتحدة قد تعوق إمكانية تحقيق هذه الوحدة، فى ظل اشتراطها على ضرورة أن تعترف الحكومة الفلسطينية بإسرائيل وشرعيتها، وبالمفاوضات السلمية باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتسوية النزاع، بالإضافة إلى نبذ العنف (أى تخلى حماس وباقى فصائل المقاومة عن سلاحها)، وهو ما…

تابع القراءة

التدخل العسكري الفرنسي في الساحل وقمة نجامينا

    إن منطقة الساحل إقليم شاسع ويبلغ عدد سكانه ما يقرب من 100 مليون نسمة ويشمل على وجه الخصوص 5 بلدان ألا وهي بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد، وتنضوي جميعها تحت لواء المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل. وتواجه دول هذا الإقليم العديد من الصعوبات والتحديات المتمثلة في تنامي التهديد الإرهابي والجريمة المنظمة، وتغير المناخ، والتوسع السكاني، مما يتسبب في إضعاف المنطقة. الأمر الذي فتح الطريق لفرنسا –القوة التقليدية في المنطقة- بمساعدة شركائها الأوروبيين والدوليين؛ لإعلان نفسها حامية تلك الدول من خطر الإرهاب الذي يتهددها؛ للحول دون أن تصبح هذه المنطقة بؤرة لعدم الاستقرار يُهدد الداخل الأوروبي. فما هي طبيعة التدخل الفرنسي في تلك الدول؟ وما هي سمات التوتر الحالي؟ وما هي أهداف قمة نجامينا؟ وما هو تقييم الوضع الحالي للتدخل ومستقبله؟ كل تلك التساؤلات ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها خلال السطور القليلة القادمة..   التدخل الفرنسي في منطقة الساحل: بدأ التدخل العسكري الفرنسي في دول الساحل بشمال مالي 2012، خلال تمرد قام به انفصاليون من الطوارق، لكن طغت عليهم جماعات إسلامية مسلحة في وقت لاحق. وتدخلت فرنسا لدحر المسلحين، لكنهم تفرقوا ونقلوا معاركهم إلى وسط مالي ثم إلى بوركينا فاسو والنيجر، وأدى القتال إلى مقتل آلاف الجنود والمدنيين في منطقة الساحل، بينما فرَّ أكثر من مليوني شخص من منازلهم. وفي 2017، أطلقت مجموعة الدول الخمس قوة قوامها خمسة آلاف عنصر، لكنها لا تزال متعثرة بسبب نقص الأموال وسوء المعدات والتدريب غير الكافي. وقبل عام تعهدت تشاد، التي تمتلك أفضل جيش بين الدول الخمس، بإرسال كتيبة إلى نقطة الحدود الثلاثية حيث تلتقي مالي والنيجر وبوركينا، لكن الانتشار العسكري لم يحصل بعد. وبعد مؤتمر قمة بو الذي عُقد في 13 يناير 2020؛ دشن رؤساء دول فرنسا وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد ائتلاف منطقة الساحل، وذك بحضور الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس المجلس الأوروبي والممثل السامي للاتحاد الأوروبي ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي والأمينة العامة للفرنكوفونية. وهدف الائتلاف إلى التصدي على نحوٍ مشترك للتحديات التي تواجه منطقة الساحل، وتوحيد الإجراءات التي تتخذها دول المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل وشركاؤها الدوليون.[1]   سمات التوتر الحالي في منطقة الساحل: منذ انطلاق عملية برخان، أعادت الجماعات الإرهابية تجميع وتنظيم نفسها، بالإضافة إلى توسيع منطقة عملها إلى غاية وسط مالي، مستمرين في شكل تصاعدي في التقدم وكسب الأرض وهو ما يبدو أكثر من واضح من خلال سلسلة الهجمات المتكررة في الجنوب المالي. وتزداد المخاوف هذه الفترة من مخاطر تصاعد الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة، والتي أصبحت تتسم بعدة سمات: أولها؛ استهداف المدنيين؛ فغالبًا ما يُجبر المدنيون على الانحياز لهذا المعسكر أو ذاك، خوفًا من الانتقام أو من أن يصبحوا عالقين بين نارين أو ضحايا خلط في المجتمع، ويستسلم بعضهم للسادة الجدد في المناطق الريفية الشاسعة في الساحل حيث تُعد من الأفقر في العالم ولا يمكنها فرض أدنى سيطرة أمنية، ويفر آخرون حاملين حقائب صغيرة ويتجمعون في ضواحي المدن، إذ تجاوز عدد النازحين، في بداية يناير، عتبة المليونين للمرة الأولى في منطقة الساحل. وثانيها؛ اتساع نطاق نشاط الإرهابيين؛ حيث انتشرت الجماعات الإرهابية التي تمركزت أولاً في شمال مالي في 2012 ثم في المناطق الحدودية مع بوركينا فاسو والنيجر، ثم وسَّعت مجال عملها منذ القمة الفرنسية الساحلية في فرنسا يناير 2020، وسط مخاوف للتوسع باتجاه دول خليج غينيا. وثالثها؛ عسكرة المجتمعات؛ ففي بوركينا فاسو أُنشئت وحدات ل ما سُمي بـ “متطوعين للدفاع عن الوطن”، وهي قوات رديفة للجيش في نوفمبر 2019، وفي وسط مالي، تسيطر ميليشيا “دان نان أمباساغو” رغم حظرها رسميًا على الأراضي التي تغيب عنها الدولة، وهاتان القوتان المسلحتان المتهمتان بارتكاب انتهاكات عديدة تملآن فراغ الدولة، الأمر الذي يهدد بوصول تلك الدول لمرحلة الدولة الفاشلة.[2]   قمة نجامينا: انعقدت يوم الاثنين 15 فبراير في العاصمة التشادية نجامينا، قمة بين فرنسا والمجموعة الخماسية لدول الساحل، لمناقشة الوضع الأمني في المنطقة التي تمزقها النزاعات والصراعات. وتأتي القمة التي استمرت ليومين، بعد عام على تعزيز فرنسا انتشارها قواتها في منطقة الساحل (برخان) من 4500 جندي إلى 5100 على أمل استعادة الزخم في المعركة التي طال أمدها، لكن رغم ما يُوصف بأنها نجاحات عسكرية، لا تزال الجماعات المسلحة في المنطقة تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي وتشن هجمات قوية بين الفينة الأخرى. وقد تمثَّلت تلك النجاحات –وفقًا لوجهة النظر الفرنسية- في مقتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد المالك دروكدال، وكذلك القائد العسكري لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة. لكن الهجمات الأخيرة رفعت عدد القتلى الفرنسيين في المعارك  التي تدور في مالي إلى 50 جندي، الأمر الذي أثار نقاشًا في الداخل الفرنسي حول كلفة مهمة برخان والفائدة منها. مما دعا الرئيس إيمانويل ماكرون الشهر الماضي إلى فتح الباب أمام إمكانية الانسحاب، ما يشير إلى أن فرنسا قد تخفض عدد قواتها في منطقة الساحل وذلك بعد تدخل دام ثمان سنوات.[3]   إمكانية سحب القوات: على الرغم من الشائعات حول الأمر، إلا أنه من غير المتوقع أن تُعلن فرنسا عن أي انسحاب لقواتها خلال اجتماع نجامينا. بدلاً من ذلك، ولتخفيف العبء، تأمل فرنسا في الحصول على مزيد من الدعم العسكري من شركائها الأوروبيين من خلال مهمة تاكوبا التي تساعد مالي في قتالها ضد الجهاديين، ربما بمحاولة استهداف كبار قادة جماعة نصرة الاسلام والمسلمين. الأمر الذي تختلف فيه فرنسا مع قادة مالي الذين يبدون رغبة متزايدة بفكرة إجراء حوار مع الجماعات المساحة  لوقف إراقة الدماء. ففي مالي بؤرة أزمة الساحل، أطاح ضباط الجيش بالرئيس إبراهيم بو بكر كيتا، في أغسطس الماضي بعد أسابيع من الاحتجاجات على الفساد وفشله في إنهاء الصراع الجهادي. وتعهدت الحكومة المؤقتة بإصلاح الدستور وإجراء انتخابات عامة، لكن منتقدين يقولون إن وتيرة التغيير بطيئة. وبالكاد حقق اتفاق إقليمي أُبرم عام 2015 بين حكومة مالي وجماعات المتمردين في الشمال تقدمًا، لكنه أحد الخيارات القليلة في البلاد لتجنب العنف، وبعد سنوات من الصراع الطاحن، بدأ التفاؤل يتراجع. وفي هذا السياق؛ يُعتقد أن قمة نجامينا لن تكون ذات أهمية، مثل القمة السابقة والمستقبلية.[4]   تقييم التدخل العسكري الفرنسي في الساحل ومستقبله: إن إعطاء الأولوية للعمل العسكري في المنطقة، في إطار هجين يجمع بين عملية برخان ودول مجموعة الساحل الخمس G5 من جهة وعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (MINUSMA) من جهة أخرى، على حساب خيارات وسياسات تنموية أخرى، وذلك ضد أهداف غير واضحة وغير مقنعة، أسهم وبقدر كبير في حجب وعدم وجود أي رد سياسي. وهذا الأمر يُعتبر أحد أكبر المطبات التي وقعت فيها المبادرات المحلية والخارجية لفك المعضلة الأمنية في منطقة الساحل. فبالموازاة مع انطلاق عملية برخان؛ كان من المفترض تصميم مساعدات التنمية كأداة تكميلية تهدف من ورائها إلى تفادي…

تابع القراءة

المشهد السياسي… عن الفترة من 13 فبراير وحتى 19 فبراير 2021

    المشهد المصري: خطاب السيسي: تصورات السلطة عن التنمية والمعارضة في مصر. على هامش افتتاح المجمع الطبي المتكامل، في محافظة الاسماعيلية، الثلاثاء 16 فبراير 2021، تطرق السيسي إلى عدة قضايا، معرباً من خلال كلمته عن تصورات السلطة الحاكمة في مصر عن هذه القضايا: (1) بخصوص مسألة الزيادة السكانية أن استمرار المعدلات المرتفعة للزيادة السكانية تتسبب في اندلاع الثورات التي تنتهي إلى “خراب في خراب”، معتبراً أن الزيادة السكانية تؤثر بشكل سلبي على كل القطاعات، مشيراً إلى أن البلاد لم تصل بعد إلى معدلات خفض الزيادة السكانية المطلوبة، منوهاً إلى أن ما بذلته الحكومة من جهود “معتبر وعظيم، وضخم جدًا وغير متوقع، كل الناس بتقول إزاي إنتوا عملتوا كده؟ وإزاي هتعملوا اللي عايزينه؟”. (2) كما تطرق السيسي إلى مسألة المعارضة السياسية في مصر، مؤكداً أن من حق الناس أن تعبر عن رأيها وأن تعترض لكن بشروط، هي؛ أن تكون المعارضة لتحسين أوضاع الناس وتحسين حياتهم وليست معارضة من أجل المعارضة، وأن يكون الشخص المعارض مدرك “فاهم” للقضايا التي يعارض فيها[1]. ليس هناك جديد في رد مشكلات غياب التنمية في مصر إلى الزيادة السكانية؛ باعتبار أن هذه الزيادة تلتهم ثمار التنمية وتحول دون شعور المواطنين بحدوث تغير إيجابي في أحوالهم المعيشية، ليس هناك جديد لأن هذا خطاب رائج لدى الراحل مبارك قبل أن يصل للسيسي، وكأنه يقول أن معاناتكم أنتم السبب فيها جراء إنجابكم غير المنضبط؛ وهو بذلك تبرءة للحكومة من الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها المجتمع المصري. أما مسألة القبول بوجود معارضة لكن شريطة أن تكون هذه المعارضة ليست من أجل المعارضة، فهو اشتراط غريب في الحقيقة؛ فأية معارضة تعارض من باب أنها تطرح بديل لنخبة الحكم القائمة، وأنها تقدم نفسها كبديل عن هذه النخبة القائمة، وبالتالي هي ترى في المعارضة حق أصيل لها ووسيلة لبلوغ السلطة، لكن ما طرحه السيسي في خطابه أن تكون المعارضة لتصحيح مسار السلطة القائمة وليست محاولة منها للوصول للسلطة، كما اشترط السيسي على المعارضة أن تكون معارضتها عن إدراك ومعرفة حقيقية للملفات التي تعارض فيها، وهو مطلب صائب، إلا أن السؤال الذي يثيره هذا المطلب متعلق بالمعيار الذي يمكن من خلاله أن نعرف إن كانت المعارضة مدركة لحقيقة الملفات التي تعارض فيها أم لا، فإن كانت الحكومة هي التي تحدد إن كانت المعارضة مدركة بشكل صائب للملفات التي تعارض فيها، فبالتالي سيصبح ذلك أداة الحكومة في استبعاد المعارضة الجادة باعتبارها تتكلم فيما لا تعلم. نظام هش لكنه قادر على البقاء ومعارضة ضعيفة وجيش متشبث بالسلطة. خلال ندوة نظمها المركز المصري للإعلام بعنوان “الدور السياسي للقوات المسلحة في مواجهة التحديات القادمة”،[2]، ذكر يزيد صايغ الباحث الرئيسي بمعهد كارينغي لدراسات الشرق الأوسط، جملة من الاستنتاجات بخصوص النظام السياسي المصري، وهي؛ (1) بخصوص النظام السياسي القائم: أن النظام الذي تأسس بعد 2013 هو نظام قوي قادر على على جلب دعم دبلوماسي واقتصادي وسياسي من الخارج، لكنه في ذات الوقت هش في مواجهة تهديد وجودي حقيقي ناجم عن أسباب إقتصادية أو إجتماعية. وأن السيسي هو الشخصية الأقوى داخل بنية النظام المصري، لكنه في الوقت ذاته رهينة ائتلاف حاكم في مقدمته الجيش والداخلية والقضاء. (2) بخصوص المؤسسة العسكرية: أن موقع المؤسسة العسكرية في بنية النظام المصري مركزية للغاية، وأن الجيش استطاع أن يصنع لنفسه وضعاً استثنائياً من خلال التعديلات الدستورية التي تمت في 2019، وأن المؤسسة العسكرية حريصة على الاحتفاظ بموقعها السياسي والمركزي في مؤسسات الدولة والحياة السياسية، ولا ترغب في تقليص حضورها في المجال السياسي والمدني. (3) فيما يتعلق بسيناريوهات التغيير: أن ليس هناك طرف في الوقت الحالي يمكن للمؤسسة العسكرية أن تتفاوض معه على ترتيبات انتقال السلطة إليه، وبالتالي فإن سيناريو التغيير السلس مستبعد، فالنظام الحالي خلق وضعاً يجعل الانهيار أو الحرب الأهلية هو المسار المتوقع. وأن الحراك الجماهيري الذي أطاح بالرؤساء من 2011، إلى 2019 كان جبارا ومثيرا للإعجاب ولكنه يفتقر للوحدة والتماسك. يبدو من كلام “صايغ” أنه يرى أن التغيير في مصر مرهون بأمرين؛ (أ) تدخل خارجي يدفع الحكومة المصرية باتجاه تحقيق مزيد من الديمقراطية وفتح المجال العام وتقليل من حدة القبضة الأمنية الخانقة لأية فعل سياسي مدني ديمقراطي. (ب) حدوث توترات بين مكونات التحالف الحاكم ما يسمح بحدوث حلحلة في الوضع المضغوط في مصر. لكنه يعود ليؤكد أن المؤسسة العسكرية تبقى هي المكون الأقوى في التحالف الحاكم وأن العسكريون غير راغبون في التراجع عن حضورهم السافر في المجال السياسي.   عن تحالف السلطة والرأسمالية الطفيلية في مصر. أعلنت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية (هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة)، توقيع عقد مع طلعت مصطفى؛ لبيع 21% من أراضي مدينة “حدائق العاصمة”، وهي مساحة قدرها 5 ألف فدان وتعادل 21 مليون متر مربع، وذلك بغرض إقامة مجتمع عمراني متكامل بالمدينة[3]. الأرض تم إسنادها بالأمر المباشر إلى طلعت مصطفى، بسعر 70 دولار للمتر، مع تحمُّل الدولة كلفة توصيل المرافق وما يخصّ البنية التحتية[4]. وقد تم توقيع الإتفاق بعد 4 أيام فقط من إعلان طلعت مصطفى التبرع لصندوق تحيا مصر لشراء 2 مليون جرعة لقاح لكورونا[5]. “حدائق العاصمة” هي مدينة جديدة قررت وزارة الإسكان إنشائها بالقرب من العاصمة الإدارية الجديدة حيث تقع على بعد 10 دقائق من العاصمة الجديدة، على مساحة تبلغ حوالي 30 ألف فدان، صدر بتخصيصها قرار رئيس الجمهورية رقم 645 لسنة 2020؛ وذلك بهدف توفير مساكن لصغار الموظفين الذين يعملون بالعاصمة الإدارية الجديدة ويعجزون عن السكن فيها. وتعتبر حدائق العاصمة امتدادا لمدينة بدر التي تبعد أيضاً نحو 10 دقائق عن العاصمة الإدارية الجديد، وقد بدأ التفكير في إنشاء “حدائق العاصمة” بعد الطلب الهائل على السكن في مدينة بدر. ومن المقرر أن تكونا المدينتين بدر وحدائق العاصمة مقر صغار العاملين بالعاصمة الإدارية الجديدة ممن لا يعيشون فيها، على أن تكون قيمة الوحدة في حدود 400 ألف جنيه مصري، بالإضافة إلى ذلك فإن حدائق العاصمة سيكون بها مناطق مخصصة للأثرياء، وأماكن أخرى مخصصة للإسكان الاجتماعي، والذي من المقرر أن يتضمن نحو 30 ألف وحدة سكنية، موزعة على 1194 عمارة، بتكلفة 7.5 مليار جنيه، ومن المقرر الانتهاء منها في يوليو 2021[6]. من الجدير بالذكر أن هذا المشروع ليس الأول لطلعت مصطفى في العاصمة الإدارية، ففي يونيو 2018 أطلقت المجموعة المملوكة لرجل الأعمال مشروع “سيليا” على مساحة 500 فدان، وهو من أكبر المشروعات السكنية بالعاصمة الإدارية الجديدة[7]. ومن الجدير بالذكر أيضاً أن طلعت مصطفى المدان في قضية مقتل سوزان تميم قد حصل على عفو صحي من السيسي في يونيو 2017[8]. المثير للتساؤلات في صفقة طلعت مصطفى ووزارة الإسكان: أن هناك غياب الشفافية ونقص للمعلومات حول الصفقة بحسب مراقبين؛ خاصة أن قيمة المتر في الصفقة 1350 جنيه، وهو صغير للغاية…

تابع القراءة

بعد ضم “فلسطين” إلى ولايتها.. هل تحاكم “الجنائية الدولية” قادة الاحتلال؟

  قرار الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية يوم الجمعة 5 فبراير 2021م، وضع “فلسطين” تحت الاختصاص الإقليمي للمحكمة باعتبارها (فلسطين) دولة طرف في نظام روما الأساسي للمحكمة يمتد إلى الأراضي التي تحتلها “إسرائيل” منذ سنة 1967م، بما في ذلك غزة والضفة الغربية والقدس  الشرقية يفتح الباب أمام البدء في تحقيقات بارتكاب جرائم حرب من جانب جيش الاحتلال وقادة الحكومة الإسرائيلية.  قرار المحكمة الذي صدر بأغلبية أصوات الدائرة يؤكد أيضا أن الحجج المتعلقة باتفاقيات أوسلو وبنودها التي تحد من نطاق الولاية القضائية الفلسطينية، ليست ذات صلة بحل قضية الاختصاص الإقليمي للمحكمة في فلسطين. ويأمل كثير من الفلسطينيين والمحبين للعدالة أن تكون هذه الخطوة إيذان بنهاية تاريخ طويل لجيش الاحتلال وحكومته من الإفلات من العقاب على الجرائم الوحشية التي ارتكبتها “إسرائيل” ضد الشعب الفلسطيني دون مساءلة أو محاكمة، وأن يكون وضع “فلسطين” تحت ولاية الجنائية الدولية محطة مهمة في تاريخ الصراع وأن تضع حدا لعربدة “إسرائيل”، وأن يدرك قادتها أنهم باتوا اليوم ملاحقين من العدالة الدولية على جرائمهم ضد الإنسانية والتي لا تسقط بالتقادم. التحقيق مع قادة جيش الاحتلال من جانب المحكمة بارتكاب جرائم حرب كان على وشك الصدور قبل عام ــ بحسب كبيرة مدعي المحكمة، فاتو بنسودا ــ التي أكدت أنه في 2019 “كان هناك أساس معقول” لفتح تحقيق جرائم حرب في سلوك الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، إضافة إلى النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية. إلا أنها طالبت المحكمة بتحديد ما إذا كان لها اختصاص هناك قبل أن تطلق التحقيق. واعتبر قضاة المحكمة الجنائية في قرارهم الذي صدر في ستين صفحة، “أن التحقيق بدأ من الناحية القانونية، حتى إن لم تعلن المدعية العامة ذلك بشكل رسمي”.   كواليس القرار ومن الجدير بالذكر أن دولة فلسطين أودعت في 14 ديسمبر/كانون الأول 2014، إعلاناً منحت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية اختصاصاً قضائياً رجعياً حتى 14 يونيو/حزيران 2014 لتمنح المدعية العامة صلاحية النظر في العدوان الإسرائيلي على غزة في العام نفسه، وبتاريخ 2 يناير/كانون الثاني 2015، أودعت دولة فلسطين صك الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية كدولة طرف، ودخل ذلك حيز التنفيذ في 1 إبريل/نيسان 2015. وبشكل عام، عقدت فلسطين ما يقارب 100 اجتماعٍ، وقامت بتسليم أكثر من 54 رسالةً وملفاً منها الملفات الأساسية، وهي: الاستيطان، الأسرى، العدوان على غزة عام 2014 وإرهاب المستوطنين. ونظر ثلاثة قضاة في الدائرة التمهيدية في الولاية القانونية للمحكمة على الأراضي الفلسطينية، اثنان كان قرارهما مع الولاية القانونية، وهما: قاضٍ فرنسي، وآخر من دولة بنين غرب أفريقيا، فيما صوّت القاضي الثالث وهو من هنغاريا (المجر) ضد القرار، في انعكاس لسياسة بلده المنحازة للاحتلال الإسرائيلي سواء في الاتحاد الأوروبي، أو في مختلف المحافل الدولية. يذكر أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قاد بنفسه حملة تحريض ضد المحكمة الجنائية، وتواصل مع قادة دول أوروبية وأقنعهم بتقديم مذكرات ضد فتح التحقيق في الدائرة التمهيدية، بعد أن قدمت لها المدعية العامة الطلب، حيث قدمت العديد من الدول مذكرات للمحكمة بعدم فتح التحقيق، منها على سبيل المثال: ألمانيا، أستراليا، المجر، التشيك، النمسا وغيرها.   ردود أفعال متباينة وكالعادة جاء رد فعل السلطة الفلسطينية مبالغا في الإشادة بالقرار؛ حيث أكد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، أن القرار «انتصار للعدالة وللإنسانية، وقيم الحق والعدل والحرية، وإنصاف لدماء الضحايا ولذويهم الذين يكابدون ألم فراقهم، وكان آخرهم الشهيد خالد نوفل من قرية راس كركر غرب رام الله، الذي قتل بدم بارد برصاص المستوطنين». ومضى اشتية إلى القول إن القرار «رسالة لمرتكبي الجرائم أن جرائمهم لن تسقط بالتقادم، وأنهم لن يفلتوا من العقاب”، مبينًا أن الحكومة الفلسطينية تواصل توثيق الجرائم الإسرائيلية، وخاصة جرائم القتل وهدم البيوت والاستيلاء على الأراضي، والتوسع الاستيطاني لابتلاع الأراضي”، وتعهد برفعها إلى المحكمة الجنائية “في أقرب وقت». وطالب المحكمة كذلك بتسريع إجراءاتها القضائية في الملفات المرفوعة أمامها، والتي تتضمن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل خلال ثلاثة حروب شنتها على قطاع غزة، إضافة إلى ملفي الأسرى والاستيطان». والمبالغة هنا لأن القرار هو مجرد خطوة على طريق طويل، لكن أن يفضي القرار إلى انتصار العدالة والإنسانية وقيم الحق والعدل والحرية فهذا شأن آخر، ولا تزال هذه القيم بعيدة المنال، والوصول إليها في قضية “فلسطين” تحديدا لا يزال يحتاج إلى جهاد طويل، ولعل الشهور والسنوات المقبلة كفيلة باختبار مدى عدالة هذا القرار من جانب الجنائية الدولية. في المقابل، وفي أول رد إسرائيلي، علق نتنياهو على القرار قائلاً: “قرار المحكمة الجنائية الدولية يضعف قدرة الدول الديمقراطية على الدفاع عن نفسها في مواجهة الإرهاب”. ومعلوم أن (إسرائيل) ليست عضواً بالمحكمة، وسبق لها أن أكدت أنه ليس للمحكمة اختصاص قضائي هناك. وكان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية “الكابينت” قال يوم الأحد: “تم تشكيل المحكمة الجنائية الدولية من أجل منع وقوع فظائع مثل تلك التي ارتكبها النازيون بحق الشعب اليهودي، وخلافًا لذلك، تلاحق المحكمة دولة الشعب اليهودي”. وهو تعليق يكشف عن عمق الأزمة في تكوين النفسية الإسرائيلية ذلك أن تعرض الإنسان للظلم والاضطهاد ليس مبررا له لارتكاب ذات الفظائع ضد آخرين ولا تحول مطلقا دون محاكمته، كما يكشف هذا التعليق عن مواصلة “إسرائيل” ابتزاز المجتمع الدولي بالمحرقة التي تعرض له يهود على يد النازيين أثناء الحرب العالمية الثانية (1939ـ 1945م). ومارست إدارة ترامب السابقة على المدعية العامة وفريق المحكمة عقوبات تحاكي التي تنفذ على الإرهابيين من حيث التضييقات، ومنع المساعدات والتحويلات المالية وحتى المنع من السفر، ما اضطر المدعية العامة للجوء للقضاء الأميركي ورفع شكاوى ضد هذه العقوبات. وأعربت الولايات المتحدة، الجمعة، عن “قلقها العميق” حيال قرار المحكمة الجنائية الدولية، وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، إن الإدارة “تنظر في قرار المحكمة الجنائية الدولية”، معرباً عن شعور الإدارة “بقلق جدّي” لجهة ما يتعلق الأمر بالمواطنين الإسرائيليين، مضيفاً بأنها في الوقت ذاته “تدين الأعمال الإرهابية”. وقال برايس للصحافيين في هذا السياق “نحن قلقون بشدة لمحاولات المحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها على العسكريين الإسرائيليين. لقد تبنينا دائما موقفا مفاده أن اختصاص المحكمة يجب أن يشمل حصرا البلدان التي تقبله أو (القضايا) التي يحيلها مجلس الأمن الدولي” إلى المحكمة. وفي رده على سؤال فيما إذا كانت إدارة جو بايدن سترد بفرض “عقوبات” كان الرئيس السابق ترامب قد هدد بها لو جاءت المحكمة بقرار من هذا النوع، قال “إننا ننظر عن كثب” في موضوع صلاحية المحكمة. وكأنه يستبعد هذا الخيار، خاصة وأن بايدن يقوم بانقلاب كامل على سياسات وتوجهات سلفه، إلا إذا تعرض البيت الأبيض لضغوط من مجلس الشيوخ الذي صوت مساء أمس بشبه إجماع على ترك السفارة الأميركية في القدس بالرغم من أن نقلها غير وارد أصلاً في حسابات الإدارة الجديدة.   “3” ملفات أمام المحكمة وبحسب راحيل دوليف، التي تعمل…

تابع القراءة

أزمة التغييرات الحكومية بين المشيشي وقيس سعيد.. مآلات خطيرة وبدائل صعبة

    دخلت الأزمة السياسية في تونس منعرجا جديدا، يهدد التجربة الديمقراطية، الهدف الذي طال انتظاره من تحالف الثورة المضادة بالمنطقة العربية، والتي راهنت على التأزيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي بتونس، وقامت بتعطيش الاقتصاد التونسي من المساعدات والاستثمارات المالية القادرة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي عبر انجازات ملموسة، تخفف حدة البطالة والفقر في البلد المأزوم، فيما تنتفش خزائن بعض الدول الأوروبية والعربية بأموال التونسيين المهربة، والتي فشلت جهود استعادتها منذ اسقاط نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.   أولا: مظاهر الأزمة وتطوراتها: وصلت الخلافات بين الرئاسيات الثلاث في تونس إلى مسار صعب، حيث امتنع الرئيس قيس سعيد عن قبول أداء الوزراء الجدد الذي عينهم رئيس الوزراء المشيشي  في التعديل الوزاري الجديد، اليمين الدستوري، وهو ما دفع رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، الاثنين 15 فبراير الجاري لإقالة 5 وزراء كان يريد استبدالهم منذ 26 يناير الماضي في التعديل الوزاري، لكن لم يتمكن من ذلك. وكان المشيشي قدّم لائحة لتعديل وزاري تضم 11 حقيبة إلى البرلمان، لكن على الرغم من تمرير البرلمان التعديل الوزاري، إلا أن الرئيس التونسي قيس سعيد رفض أداء الوزراء الجدد اليمين أمامه بسبب ما وصفه بشبهات فساد وتضارب مصالح بشأن عدد منهم، على الرغم من عدم وجود أي دليل قضائي أو اتهامات رسمية على ذلك. وضمّت لائحة الوزراء، الذين أقالهم المشيشي بحسب البيان الحكومي، كلاً من وزير العدل محمّد بوستّة، ووزيرة الصناعة والطاقة والمناجم سلوى الصغيّر، ووزير الشباب والرياضة والإدماج المهني كمال دقيش، ووزيرة أملاك الدولة والشؤون العقارية ليلى جفال، ووزيرة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عاقصة البحري من مهامهم، وتم تكليف وزراء من الحكومة الحالية بالإشراف على الوزارات المذكورة بالنيابة، بالإضافة إلى مهامهم الأصلية. وكان المشيشي قد أقال قبل التعديل الحكومي كلاً من وزراء الداخلية توفيق شرف الدين ووزير البيئة مصطفى العروي (الذي يتم التحقيق معه حالياً)، ووزير الثقافة وليد الزيدي، وقام بتقسيم وزارة الصناعة والطاقة إلى وزارتين، ولم يبعد المشيشي وزير الصحة فوزي المهدي، على الرغم من أنه قام بتغييره في التعديل المقترح، وذلك حتى لا يُتّهم بتعطيل مرفق الصحة في قلب أزمة كورونا، وفق البيان الحكومي. ويعترض سعيد على التعديل الحكومي عموماً واستبعاد وزراء قريبين منه، ولكنه يعترض في الظاهر على تعيين أربعة وزراء جدد بسبب ما وصفه بشبهات فساد، وهم وزراء الصناعة والطاقة والصحة والتشغيل، من دون أن يعلن عن ذلك صراحة، ويتحفظ “سعيّد” على التغيير الوزاري بسبب ما وصفه “خرق الدستور وشبهات تضارب المصالح وضعف تمثيل المرأة“ بحسب منطقه. كما يعيش الرئيس “سعيد” خلافا مع “المشيشي” حول سلطاتهما وتحالفاتهما السياسية، ويتجه سعيد إلى الاعتماد على مجلس الأمن القومي، والذي يوجه النصائح للوزراء مهددا بالعسكرة والجيش، فيما يرتهن المشيشي  التحالفات الحزبية بالبرلمان، وأمام التناغم بين حركة النهضة وبعض الاحزاب مع المششي لتسيير الأمور السياسية وتحريك الحياة في تونس، يستل سعيد سلاح سحب الثقة من راشد الغنوشي رئيس البرلمان عبر بعض النواب الموالين لتحالفات الثورة المضادة، وهو ما دفع الغنوشي وتحالفات برلمانية اخرى للتهديد بتحركات سياسية وتشريعية نحو تعديل النظام السياسي، والانتقال الى النظام البرلماني الكامل، والذي يقلص صلاحيات رئيس الجمهورية، وكلها تحركات تهدد المسار الديمقراطي. ويوجه المشيشي رسالة جديدة لسعيد، مفادها أنه لا فائدة من تعطيل التعديل الحكومي، وأن الوزراء المعنيين تم استبعادهم في نهاية الأمر، وكان المشيشي طلب أخيراً رسمياً من الرئيس سعيد إعلامه بأسماء الوزراء المتحفظ عليهم، والذين يرى أنه تحوم حولهم شبهات، وعطّل التعديل بسببهم، ولكن الردّ يبقى مستبعداً جداً لأن ذلك سيحمل اتهامات رسمية لهذه الشخصيات، ما يحمل تبعات قانونية على سعيد، بتوجيه اتهامات لا إثبات قانونياً لها.     ثانيا: أصل الأزمة ومسبباتها ولعله من جملة القول، أن الأزمة الحالية في تونس بين الرئاسيات الثلاثة، الرئيس والحكومة والبرلمان، ترجع إلى تاريخ ومحورية دور شخص الرئيس في التاريخ التونسي، والذي تسبب في أزمات عديدة للشعب التونسي، منذ حكم بورقيبة وانقلاب زين العابدين بن علي عليه، والذي ثار عليه الشعب التونسي في ديسمبر 2010. وكانت الثورة الشعبية التي اشتعلت نهاية العام 2010، في جانب ما، ضدّ النظام الرئاسي البغيض، وجلّى ذلك شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، لذلك أنتج الانتقال الديمقراطي نظاما برلمانيّا معدّلا، يكرّس سلطة الشعب، من خلال اختياره ممثّليه في البرلمان بطريقة ديمقراطية نزيهة، ويضبط صلاحيات رئيس الحكومة، ويقلّص من صلاحيات رئيس الجمهورية خشية تغوّله وتفرّده بمقاليد الحكم. وتعاقب على البلاد خلال عقد بعد الثورة خمسة رؤساء، تولّوا الحكم بطريقة دستورية سلمية سلسة (فؤاد المبزّع، منصف المرزوقي، الباجي قايد السبسي، محمّد الناصر، قيس سعيّد). لكنّهم تباينوا في مستوى التزامهم بصلاحياتهم واحترامهم الدستور. وبحسب الكاتب والمحلل السياسي التونسي أنور الجمعاوي، بمقاله “سطوة الرئيس التونسي” بـ”العربي الجديد”، تحمّل المبزّع والناصر مسؤولية الرئاسة في وضع استثنائي، وتفاديا للفراغ في أعلى هرم السلطة. فالأوّل حكم بعد هروب بن علي، والثاني حكم بعد وفاة السبسي، وكل منهما احترم حدوده وضمن السيرورة العادية لدواليب الدولة. فيما يُعتبر منصف المرزوقي من أعلام التجربة الديمقراطية في تونس، ففي عهده تمّت صياغة الدستور الجديد، وازدهرت الحرّيات بشكل غير مسبوق، وأحسن تمثيل البلاد في الخارج، خصوصا لدى الاتحاد الأوروبي، ومدّ جسور التواصل مع دول إفريقية، ومع بلدان داعمة لتونس (تركيا، قطر، المغرب)، وعزّز حيادية المؤسسة العسكرية وجاهزيتها، وكان على تعاونٍ معتبر مع البرلمان والحكومة ومنظمات المجتمع المدني. ومع السبسي بدأت بشكل واضح بوادر الصراع على الصلاحيات بين رئيسي الجمهورية والحكومة، فقد أراد التحكّم في الهيكل الحكومي، وكان له ذلك في حكومة الحبيب الصيد، لكنّ خلفه يوسف الشاهد لم يكن طوْع السبسي، واختلفا في مسائل ولم يُفلح رئيس الجمهورية في إطاحته نظرا إلى وجود حزام حزبي من حوله. وعلى الرغم من الخلافات، تحلّى السبسي بروح المسؤولية، ومرّر تعديلا وزاريا أجراه الشاهد، على الرغم من اعتراضه على بعض الوجوه، وفعل ذلك ضمانا لسيرورة الدولة، ولكي لا يكون مصدر تأزيم بل رئيسا توافقيا، جامعا إلى حدّ ما. أمّا قيس سعيّد، فمعروف بفصاحته، ونظافة يده، ودرايته الواسعة بالقانون الدستوري، واصطفافه نظريا إلى جانب الشباب والفقراء ومناداته بمكافحة الفساد، ومناهضة التطبيع مع إسرائيل، ولا يُخفي ازدراءه الأحزاب والبرلمان، ورغبته في تغيير النظام السياسي وتوسيع صلاحيات الرئيس. لكنّه عمليّا يبدو بلا برنامج واضح المعالم، وسياساته الاتصالية متعثّرة، ولم يقدّم أيّ مبادرةٍ تشريعيةٍ لتغيير ما يريد تغييره. ويبدو أنّه يريد أن يعمل خارج المؤسّسات أو فوقها، ومعه توقّفت الدبلوماسية الاقتصادية أو تكاد، ولم يكن لتونس حضور وازن في المحافل الدولية. وكثيرا ما تحدّث داخل المؤسسة العسكرية والأمنية أو خارجها عن “غرف مظلمة، وعن مندسّين، وعن مؤامرات تُحاك لتونس، وعن أطراف تريد التسلّل إلى المؤسسات السيادية لضربها من الداخل وبثّ الفتنة”، من دون أن يسمّي الأشخاص والأشياء بأسمائها، فكان خطابه هُلاميا، مُلغزا، غير جامع، ولا يبعث الطمأنينة في…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022