خطة “الجنرالات” الإسرائيلية في شمال غزة: الأهداف والخلفيات والتحديات

رغم إعلان جيش الاحتلال قطاع غزة “ساحة قتال ثانوية”1، وفي الوقت الذي تُسلط فيه الأضواء على الحرب مع حزب الله في الجبهة الشمالية، وعلى الردود العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران، يبدو أن إسرائيل بدأت بتنفيذ ما تخطط له في كل ما هو مرتبط بـ “اليوم التالي” للحرب بالنسبة إلى قطاع غزة. ولعل ما أثار مثل هذا الاحتمال هو قيام إسرائيل بإعادة “الفرقة العسكرية 162” إلى جباليا برفقة دعوة سكان شمال القطاع إلى إخلاء منازلهم والتوجه جنوبًا عبر “محور نتساريم”، وهو ما اعتبره الكثير من المحللين بمثابة تحقيق لجزء كبير من الفكرة التي يُطلق عليها اسم “خطة الجنرالات” والتي يعد الجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي غيورا آيلاند من أبرز الممثلين لها في الإعلام، وهي تهدف إلى السيطرة على شمال قطاع غزة، وإخلائه من السكان المدنيين هناك، وفرض حصار على المنطقة، كخطوة يفترض أن تعزز تحقيق أهداف الحرب ضد حركة حماس (استعادة المخطوفين، وتقويض القوة العسكرية والسياسية لحماس). وفي الخطة اقتراح ينص على تجويع الناس الذين سيبقون في شمال القطاع بافتراض أنهم بصورة أساسية من عناصر حماس. وأشير في أكثر من مناسبة، كان آخرها في سياق ورقة تقدير موقف صادرة عن “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، إلى أن المنظومة الحكومية والسياسية في إسرائيل تفاعلت مع الخطة بإيجابية، على الرغم من أنها لم تعتمدها بالكامل بعد2. أولًا: ماهية خطة الجنرالات الإسرائيلية: ارتبطت “خطة الجنرالات” باسم اللواء في الاحتياط “غيورا آيلاند” الذي شغل منصب رئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي ورئيس مجلس الأمن القومي، وكان قد اقترح منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تدمير القطاع، وكتب في مقال رأي: “ليس أمام دولة إسرائيل سوى خيار أن تجعل من غزة مكانًا لا يصلح للحياة بصورة مؤقتة أو دائمة”. ثم أضاف بعد بضعة أسابيع في مقال آخر: “يجب أن يقال لسكان غزة أن عليهم أن يختاروا ما بين البقاء والموت جوعًا، أو الرحيل”. وهذا الموقف جعله واحدًا من المستهدفين في قرار محكمة العدل الدولية في يناير 2024 الذي أشار إلى أن من المحتمل أن تكون دولة اسرائيل قد ارتكبت أفعالًا مخالفة لمعاهدة الإبادة الجماعية3. ودعا آيلاند، في أغسطس 2024، إلى فرض حصار شامل على شمال غزة من أجل الانتصار على حركة حماس4. وفي 4 سبتمبر الفائت، نشر “منتدى قادة ومقاتلي الاحتياط” في جيش الاحتلال الإسرائيلي خطة تهدف إلى “إجبار حماس على الاستسلام وعلى إعادة الرهائن”، أُطلق عليها اسم “خطة الجنرالات”، كان غيورا آيلاند قد بلورها، ووافق عليها عشرات الجنرالات السابقين5. وفي نهاية سبتمبر 2024، ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت صدقا على دراسة العمليات التي يمكن تنفيذها في غزة على أساس خطة تهدف إلى تهجير سكان شمال قطاع غزة وتسمي بـ”خطة الجنرالات”، ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن نتنياهو وقتها قوله خلال جلسة مغلقة في الكنيست إنه يدرس هذه الخطة التي وصفها بـ”المنطقية”6. وتعتمد خطة الجنرالات على الافتراضات التالية: ورغم عدم الإعلان رسميًا عن بدء تنفيذ الخطة، فقد أعلن الجيش الإسرائيلي، في 6 أكتوبر 2024، عن بدء عملية برية جديدة شمال قطاع غزة (جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا)، مشيرًا إلى معلومات تشير إلى “محاولات حركة حماس ترميم بنيتها العسكرية”. وقال في بيان: “بدأت قوات الفرقة 162 (فرقة مدرعة نظامية تتبع قيادة المنطقة الجنوبية) الليلة الماضية العمل في منطقة جباليا بعد ورود معلومات استخبارية مسبقة وبعد تقييم وضع مستمر وأعمال القوات في الميدان التي دلت على وجود مسلحين وبنى عسكرية في المنطقة إلى جانب محاولات لترميم بنى عسكرية من قبل حماس”. وأضاف: “لقد استكملت الفرق القتالية للوائي 401 و460 تطويق المنطقة لتواصل القوات العمل في المنطقة”. ولفت البيان إلى أنه “قبل بداية العملية هاجمت قوات سلاح الجو عشرات الأهداف العسكرية لمساندة القوات المناورة ومن بينها مستودعات أسلحة وبنى تحت أرضية”. وأكد الجيش الإسرائيلي أن “العملية ستتواصل وفق الضرورة مع تسديد ضربات ممنهجة وتدمير جذري للبنى العسكرية في المنطقة”. من جهة أخرى، نشر الجيش الإسرائيلي خريطة إخلاء جديدة إلى سكان شمال قطاع غزة، مشددًا على أن منطقة شمال قطاع غزة لا تزال تعتبر منطقة قتال خطيرة. وأشار إلى أن طرق الانتقال والإخلاء الإنسانية المفتوحة نحو المنطقة الإنسانية في المواصي وهي شارع رشيد (البحر) وشارع صلاح الدين، لافتًا إلى توسيع المنطقة الإنسانية10. وقد قامت آليات الاحتلال بدخول شمال القطاع من ثلاثة محاور وهي: محور الشيخ زايد شمالًا، محور شرق تل الزعتر والإدارة المدنية شرقًا، محور الفالوجة ومنطقة القصاصيب غربًا. وقد أعلن الجيش الإسرائيلي، في 18 أكتوبر 2024، عن انضمام لواء غفعاتي إلى الفرقة 162، في إطار توسيع عمليته العسكرية. حيث أصبحت الألوية المدرعة 401 و460 في وضع إسناد لكتيبة “روتم” (كتيبة استطلاع خاصة)، التابعة للواء غفعاتي الذي ما زال ينشط مقاتلوه في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة11. وتستخدم إسرائيل في عمليتها العسكرية الجديدة على شمال قطاع غزة، والتي تعد الثالثة من نوعها على مناطق جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون منذ بدء العدوان الإسرائيلي، شتي أنواع الإبادة الجماعية لتحويل شمال القطاع إلى أرض سوداء محروقة غير قابلة لأي صورة من صور الحياة. حيث فرض جيش الاحتلال الإسرائيلي حصارًا مشددًا على شمال قطاع غزة وأحاطت الآليات والجيبات العسكرية بمحافظة الشمال من جميع اتجاهاتها لمنع الحركة وإحكام السيطرة عليها، وألقت طائرات الاحتلال منشورات ورقية تطالب السكان والنازحين في مدارس ومراكز الإيواء إخلاءها والذهاب باتجاه المناطق الوسطى والجنوبية من القطاع. ثم بدأت إسرائيل القصف المدفعي والجوي الكثيف علي المنطقة، ويلاحظ استخدام الاحتلال في هذه العملية للبراميل المتفجرة والروبوتات المفخخة ذات القوة التدميرية الهائلة12. وفي السياق، قال المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل، أن سياسة قوات الاحتلال الإسرائيلي في جباليا شمال القطاع هي تفريغ المربعات السكنية واحدًا تلو الآخر، وأضاف بصل أن المئات من المدنيين في جباليا تحت خطر شديد، إذ تعمد الاحتلال تدمير كتلة سكنية كبيرة، ويركز الآن على مراكز الإيواء في بيت لاهيا المتاخمة لمخيم جباليا13. وهو ما تسبب في خروج العشرات من منازلهم إلى المناطق التي يتمركز فيها جيش الاحتلال والمرور عبرها، ذلك لأن المنطقة أصبحت محاطة بشكل كامل بالقوات والآليات، ووضع جيش الاحتلال كاميرات مراقبة وحساسات في المناطق التي طلب من السكان الإخلاء عبرها للقيام بتفتيشهم (أقام الاحتلال حواجز تفتيش إحداها على شارع صلاح الدين بالقرب من موقع الإدارة المدنية على شارع صلاح الدين شرقًا، والثاني قرب دوار “التوام” في المنطقة الشمالية الغربية على شارع الرشيد14). وسُجلت حالات اعتقال لنازحين فلسطينيين من قبل جيش الاحتلال الذي نشر صورة لاعتقاله عددًا من الفلسطينيين بزعم الاشتباه بانتمائهم لفصائل المقاومة15. وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه “منذ بداية العمليات في المنطقة (مخيم جباليا ومناطق أخرى شمال غزة)، تم إجلاء حوالي…

تابع القراءة

الانتخابات الرئاسية الجزائرية 2024: قراءة في النتائج والتحديات

الانتخابات الرئاسية لعام 2024 في الجزائر تُعد حدثًا محوريًا في السياق السياسي والتاريخي للبلاد. بعد سنوات من الحراك الشعبي والتغيرات السياسية الكبيرة التي تبعت استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 2019، جاءت هذه الانتخابات في وقتٍ حرج للدولة الجزائرية. شهدت الجزائر تغييرات في المشهد السياسي، مع بروز مطالب الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وتحقيق العدالة الاجتماعية. يناقش هذا التقرير خلفيات الانتخابات، والأطراف الرئيسية المُتنافسة، ونتائج الانتخابات، والتحديات التي ستواجه الرئيس الجديد على المستويات الداخلية والخارجية. خلفيات الانتخابات: كانت هذه الانتخابات هي السابعة في تاريخ الجزائر، منذ دخولها عهد التعددية السياسية عام 1989، ومنذ أول انتخابات رئاسية جرت في عهد التعددية السياسية في عام 1995، وهي الثانية بعد الحراك الشعبي الذي كان قد اندلع في فبراير 2019، لكنها أول انتخابات رئاسية تُجرى في ظل الدستور الجديد، الذي صدر في نوفمبر 2020. وتُجرى هذه الانتخابات تحت وصاية الهيئة المستقلة للانتخابات وسلطتها. وهي ثاني انتخابات رئاسية بعد 2019، تُجرى تحت إشرافها الكامل، بعد خمس استحقاقات رئاسية (1995 حتى 2014) كانت قد جرت بإشراف وزارة الداخلية، حيث تأسَّست الهيئة المُستقلة للانتخابات في أعقاب الحراك الشعبي عام 2019. لكنها أيضًا أول انتخابات رئاسية تجري في ظل وضع دستوري جديد (دستور 2020)، الذي كرَّس سلطة الانتخابات لهيئة دستورية مستقلة في قرارها وسلطتها المادية.[1] والانتخابات الرئاسية 2024 جاءت بعد سنوات من الحراك الشعبي الذي بدأ في 2019، وهو ما أدَّى إلى تنحي بوتفليقة بعد حكم دام لعقود. شهدت البلاد سلسلة من التغييرات السياسية، بما في ذلك إصلاحات دستورية، ومحاولات لتهدئة الشارع من خلال إجراءات مكافحة الفساد والتغيير التدريجي في المشهد السياسي. وكانت البلاد تواجه تحديات اقتصادية كبيرة نتيجة لانخفاض أسعار النفط، مما أدَّى إلى تأثير كبير على الاقتصاد الجزائري الذي يعتمد بشكل كبير على الصادرات النفطية. بالإضافة إلى ذلك، كانت الحكومة تواجه تحديات اجتماعية مُتعلقة بمطالب تحسين المعيشة وتوفير فرص العمل للشباب. وخلال الفترة السابقة للانتخابات الرئاسية الجزائرية انقسم المشهد السياسي والقوى الحزبية بشكل لافت على أساس التوجهات والمرجعيات الأيديولوجية. ولوحظَت عودة نسبية لتكتل الأسر والتيارات السياسية في البلاد، فيما انحازت قوى التيار الوطني، وخصوصًا المُشكِّلة للأغلبية النيابية كجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وصوت الشعب، إضافةً إلى حركة البناء الوطني، وكذا كبرى النقابات العمالية والتنظيمات المدنية لصالح مرشح السلطة، تبون، الذي يحظى أيضًا بدعم الجيش. في المقابل، انضمَّت أحزاب وقوى إسلامية، كحركة النهضة والعدالة والتنمية، وكتلة من جبهة الإنقاذ، وائتلاف المبادرة المستقلة، وشخصيات إسلامية مستقلة، إلى المرشح الإسلامي عبد العالي حساني، فيما تراقب قوى التيار الديمقراطي، كالتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب العمال وجيل جديد والاتحاد من أجل التغيير والرقي، المشهد، من دون أن تُعلن دعمًا واضحًا لمرشح التيار يوسف أوشيش.[2] الأحزاب والمُرشحون: تنافَس في هذه الانتخابات أقل عددٍ من المرشحين منذ أول انتخابات رئاسية تعددية في الجزائر عام 1995؛ فقد شارك فيها مرشحان يُمثلان حزبَين سياسيَّين فقط، وهما عبد العالي حساني شريف (58 سنة) عن حركة مجتمع السلم، ذات التوجه الإسلامي المحافظ، ويوسف أوشيش (41 سنة) عن جبهة القوى الاشتراكية. أما المرشح الثالث، وهو الرئيس المُنتهية ولايته عبد المجيد تبون (79 سنة) فقد ترشح بصفته مُستقلًّا، علمًا بأن كل الرؤساء الذين فازوا بالانتخابات الرئاسية منذ عام 1995 ترشحوا باعتبارهم مُستقلين، وكانوا جميعًا يحظون بدعم ضمني من الجهات الفاعلة في البلاد، خاصةً الجيش وبيروقراطية الدولة. واختارت أحزابٌ أربعة، سبق أن قدمت مرشحين عام 2019 للمنافسة على الرئاسيات، وهي حركة البناء الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وحزب طلائع الحريات، أن تدعم ترشح الرئيس تبون لعهدة ثانية. وانضمت مع حزب جبهة التحرير الوطني صاحب الأغلبية في البرلمان، إضافةً إلى 14 حزبًا، إلى تكتل حزبي حشد الدعم للرئيس لاستكمال برنامجه السياسي والاقتصادي. شاركت حركة مجتمع السلم مرة ثانية في هذه الانتخابات، بعد أن ترشح مؤسسها محفوظ نحناح عام 1995، وحلّ في المرتبة الثانية بعد اليامين زروال، بحصوله على ربع أصوات الناخبين. وسبق أيضًا لجبهة القوى الاشتراكية أن رشحت زعيمها التاريخي الراحل حسين آيت أحمد في انتخابات 1999، لكنه انسحب في نهاية المطاف مع باقي المترشحين؛ احتجاجًا على ما اعتبره تزويرًا مُسبقًا لمصلحة مرشح الجيش حينها عبد العزيز بوتفليقة. تُمثِّل حركة مجتمع السلم الحزب المعارض الوحيد في البرلمان الحالي، ولم يدعم ترشح رئيسها سوى “حركة النهضة”، وهي حزب إسلامي صغير. أما جبهة القوى الاشتراكية، أقدم الأحزاب المعارضة، فقد قاطعت انتخابات 2019 الرئاسية وكذلك الانتخابات البرلمانية التي جرت في يونيو 2021؛ بحجة أنّ مطالب الحراك لم تتحقَّق وأنّ الظروف لم تكن مُهيَّأة لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة. وقد مثّل ترشح أمينها العام لهذه الانتخابات مفاجأة؛ نظرًا إلى الخط السياسي المعارض للحزب. وربما أسهم التغيير في قيادة الحزب، والتحول الحاصل في البيئة السياسية الداخلية، والتخوف من فقدان مكانته الرمزية في اتخاذ قرار التخلي عن سياسة المقاطعة.[3] إجراءات الانتخابات ونزاهتها: تنافس المرشحون الثلاثة للفوز بأصوات الكتلة الناخبة التي بلغ مجموعها 24.5 مليون ناخب، بينهم أكثر من 300 ألف ناخب جديد، فيما كان هناك نحو 900 ألف ناخب في الخارج. والعدد الأكبر من مجموع الناخبين في الخارج، البالغ أكثر من 845 ألف ناخب، يوجدون في فرنسا، حيث إن 82% من الناخبين الجزائريين في الخارج يصوتون في فرنسا، باعتبارها البلد الذي يضم أكبر جالية جزائرية، وتأتي بعدها كندا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا، إضافةً إلى كتلة مهمة من الناخبين في تونس والمغرب ودول عربية أخرى. لكن مدى تأثير تصويت الجالية في النتيجة النهائية يبقى محدودًا، ما يعني أن العملية الانتخابية بالنسبة إلى الجالية تُعَدّ تكريس انتماء وطني أكثر منه بهدف التأثير في النتائج. وكان التنافس شديدًا في الولايات ذات الكتلة الناخبة الكبيرة على غرار العاصمة، التي تضم 1.2 مليون ناخب، وسطيف شرقي الجزائر التي تضم 1.1 مليون ناخب، ووهران التي تضم أكثر من 1.1 مليون صوت. كذلك لفتت ولايات منطقة القبائل، تيزي وزو وبجاية خصوصًا، الأنظار في هذه الانتخابات على مستوى المنافسة فيها بين تبون وأوشيش، لكونها تمثل الحاضنة الأساسية لحزب أوشيش، جبهة القوى الاشتراكية، وعلى صعيد مدى استجابة الناخبين للتصويت، لأنها كانت قد سجلت في انتخابات 2019 أدنى معدل تصويت في مجموعها بأقل من 1%. وتطمح السلطة والأحزاب السياسية في هذه الانتخابات أساسًا إلى رفع نسبة التصويت، التي بلغت في انتخابات عام 2019 نحو 38%. وعلى عكس الانتخابات النيابية والمحلية التي لا يشاركون فيها، ينتخب أفراد الجيش والشرطة والأسلاك النظامية في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، لكنهم يؤدون الانتخابات في مكاتب الاقتراع العادية أو عبر وكالات لعائلاتهم، منذ قرار إلغاء المكاتب الخاصة التي كان ينتخب فيها عناصر الجيش داخل الثكنات في عام 2002.[4] والإشراف على الانتخابات تمَّ من قِبل الهيئات المُستقلة، وكانت هناك دعوات لضمان النزاهة ومنع التلاعب في النتائج. مع ذلك، اعترض بعض المرشحين على نتائج…

تابع القراءة

الدعم النقدي أم الدعم العيني؟

مقدمة يوم الاثنين بتاريخ 21 أكتوبر، كشف وزير التموين والتجارة الداخلية شريف فاروق في جلسة عامة امام مجلس النواب عن بعض جهود وزارته في تطوير منظومة الدعم والتموين بحيث يمكن ضمان وصول الدعم لمستحقيه وقال الوزير: “مناقشة ملف دعم السلع خلال إقرار الموازنة العامة للدولة بمجلس النواب، شهد كثيرًا من التخوفات من ارتفاع نسبة الفاقد، نتيجة استمرار تطبيق الدعم العيني، الأمر الذي اقتضى منا إعادة النظر في صياغة منظومة دعم السلع التموينية والخبز، من أجل تحقيق أقصى استفادة للمواطن، وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، تماشيًا مع رؤية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة، لذا عقدنا العزم على دراسة التحول من الدعم العيني إلى النقدي، أو الدعم النقدي المشروط، وهو بعينه الملف المطروح على مجلس النواب في الوقت الراهن، وكذلك على مائدة الحوار الوطني، وصولا إلى ما فيه صالح المواطن”. في هذا التقرير نقوم بالمقارنة بين نظامي الدعم النقدي والعيني ونستعرض بعض تحديات الانتقال من العيني إلى النقدي الدعم المادي في سياقات الدول ذات الناتج المحلي الإجمالي المنخفض المزايا: تحفيز الاقتصادات المحلية يوفر الدعم المادي للأشخاص القوة الشرائية، مما قد يحفز الأسواق المحلية، خاصة في الاقتصادات الصغيرة وغير الرسمية. يمكن أن يدعم هذا الطلب الأعمال المحلية ويساهم في النمو الاقتصادي الشعبي. المرونة والاختيار الشخصي يمكن للمستفيدين استخدام النقد لتلبية احتياجاتهم المحددة، والتي قد تتفاوت بشكل واسع (مثل نفقات الصحة، الرسوم المدرسية، الطعام، أو السكن). تكاليف إدارية منخفضة التحويلات النقدية تتطلب عمومًا بنية تحتية ودعمًا لوجستيًا أقل من الدعم العيني، مما يجعلها أكثر عملية في الأماكن التي تكون فيها موارد الحكومة محدودة. العيوب: التضخم وارتفاع الأسعار قد يؤدي التدفق المفاجئ للنقد في المناطق ذات سلاسل التوريد المحدودة إلى التضخم، خاصة للسلع الأساسية. قد تفتقر الأسواق المحلية إلى القدرة على تلبية الطلب المتزايد، مما يؤدي إلى زيادة الأسعار التي تقلل من القيمة الحقيقية للدعم المادي. مخاطر سوء الاستخدام في الحالات التي تكون فيها الثقافة المالية للأسر منخفضة أو حيث توجد ضغوط مالية متعددة (مثل الديون المرتفعة أو التبعية)، يوجد خطر أن لا تُستخدم الأموال في تلبية الاحتياجات الأساسية المقصودة. الدعم العيني في سياقات الدول ذات الناتج المحلي الإجمالي المنخفض المزايا: ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية يضمن الدعم العيني تلبية الاحتياجات الأساسية مباشرة، مثل الطعام أو المأوى، والتي غالبًا ما تكون الأولوية في المناطق ذات الدخل المنخفض. وهذا مهم بشكل خاص للفئات السكانية الأكثر ضعفًا التي قد تفضل إنفاق الأموال على غير الأساسيات. استقرار الأسعار يمكن أن يمنع توفير السلع الأساسية بدلاً من النقد ارتفاع الأسعار، خاصة في الأسواق التي تعاني من نقص العرض. يمكن أن يساعد ذلك في استقرار تكلفة السلع الأساسية مثل الغذاء والوقود. دعم الأهداف الصحية والتغذوية يمكن تصميم الدعم العيني، مثل توزيع الغذاء، لضمان الكفاية التغذوية. على سبيل المثال، يمكن توفير أطعمة مدعمة لمعالجة النقص الغذائي المنتشر الذي قد لا يعالجه الدعم المادي بشكل مباشر. العيوب: التكاليف الإدارية واللوجستية العالية يتطلب الدعم العيني بنية تحتية واسعة للتخزين والنقل والتوزيع، مما قد يكون تحديًا ومكلفًا في المناطق ذات الناتج المحلي الإجمالي المنخفض والبنية التحتية غير المتطورة. تشوهات السوق قد يؤدي الدعم العيني على نطاق واسع، خاصةً إذا كان مستوردًا، إلى تعطيل المنتجين والأسواق المحلية، مما يقلل من الحافز للإنتاج المحلي. على سبيل المثال، قد تثبط التوزيع المجاني للغذاء المزارعين المحليين إذا لم يتمكنوا من المنافسة مع السلع المقدمة. اعتبارات للدول النامية ذات الناتج المحلي الإجمالي المنخفض قدرة السوق المحلية إذا كانت الأسواق المحلية قادرة على تلبية الطلب، قد يكون الدعم المادي أكثر جدوى، لأنه يسمح بالمرونة دون تشويه الأسعار بشدة. إذا كانت الأسواق ضعيفة، فقد يكون الدعم العيني أفضل لضمان توفر الأساسيات. البنية التحتية الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في الأماكن التي تكون فيها البنية التحتية للتوزيع والمراقبة غير متطورة، قد يكون الدعم المادي أسهل في الإدارة. قد يكون الدعم العيني قابلاً للتطبيق فقط مع دعم لوجستي قوي من الحكومات أو المنظمات الدولية. ضوابط التضخم في البيئات ذات الناتج المحلي الإجمالي المنخفض التي تستخدم الدعم المادي، قد تكون هناك حاجة إلى آليات للسيطرة على التضخم، مثل التقييمات الدورية لأسعار السوق أو الإعانات على السلع الأساسية. بعض التحديات أمام الانتقال من نظام دعم عيني إلى دعم نقدي التحول من نظام دعم عيني إلى نظام دعم مادي في بلد منخفض الدخل يمكن أن يوفر مرونة وكفاءة، ولكنه أيضًا يحمل تحديات كبيرة، خاصة بالنظر إلى العوامل الاقتصادية والإدارية والاجتماعية الفريدة في هذه البيئات. وفيما يلي استعراض للتحديات الرئيسية التي قد يواجهها البلد والنظر في مدى ملاءمة التحول: 1. جاهزية السوق والسيطرة على التضخم التحدي: قد لا تكون الأسواق المحلية قادرة على تلبية الطلب المتزايد الذي قد ينتج عن تقديم الدعم المادي، خاصة إذا كانت هشة أو تعاني من نقص في العرض. قد يؤدي الدعم المادي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما يتسبب في تضخم يضعف القدرة الشرائية للمستفيدين. النظر في التحول: قبل التحول، يجب على الدولة تقييم قدرة الأسواق المحلية على استيعاب الطلب المتزايد دون حدوث تقلبات في الأسعار. وإذا كانت سلاسل الإمداد ضعيفة، فقد يؤدي التحول إلى زعزعة استقرار الأسعار، مما قد يزيد من انعدام الأمن الغذائي ويقلل من رفاه المستفيدين. 2. البنية التحتية المالية وإمكانية الوصول التحدي: في البلدان منخفضة الدخل، قد تكون البنية التحتية المالية محدودة. قد يفتقر العديد من المستفيدين إلى الوصول إلى البنوك أو أنظمة الدفع الرقمية، خاصة في المناطق الريفية، مما يجعل من الصعب توزيع الدعم المادي بأمان وكفاءة. النظر في التحول: يمكن أن يكون توسيع الوصول المالي عبر البنوك المتنقلة أو آليات توزيع النقد الرقمي حلاً قابلاً للتنفيذ. ومع ذلك، فإن ذلك يتطلب استثمارات كبيرة وتطويرًا للبنية التحتية، مما قد يكون مكلفًا ويستغرق وقتًا. 3. مخاطر سوء الاستخدام والثقافة المالية التحدي: تتيح التحويلات النقدية المزيد من الحرية، لكن هذه الحرية قد تؤدي إلى سوء استخدام الدعم، خاصة حيث تكون الثقافة المالية منخفضة. قد يفضل المستفيدون شراء سلع غير أساسية أو استخدام الأموال بطرق لا تحسن من رفاههم، مثل سداد الديون أو شراء الكماليات. النظر في التحول: يمكن لبرنامج تثقيف مالي قوي أن يساعد في ضمان اتخاذ المستفيدين قرارات مدروسة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن هيكلة الدعم المادي ببعض العناصر المشروطة (مثل متطلبات مرتبطة بالتعليم أو الرعاية الصحية) للمساعدة في توجيه الإنفاق نحو الأهداف الاجتماعية. 4. تكاليف الانتقال الإداري التحدي: يتطلب الانتقال من نظام الدعم العيني إلى نظام الدعم المادي تغييرات كبيرة في العمليات الإدارية، وتدريب القوى العاملة، وتطوير أنظمة البيانات. يمكن أن يكون هذا الانتقال مكلفًا وقد يثقل كاهل الميزانية المحدودة بالفعل، خاصة في المراحل الأولية. النظر في التحول: يجب على البلد تقييم التكلفة الإجمالية للانتقال ومقارنتها بالوفورات طويلة الأجل…

تابع القراءة

الرد الإسرائيلي علي هجوم “الوعد الصادق 2” الإيراني: المحددات والسيناريوهات

شنت إيران هجومًا صاروخيًا كبيرًا على إسرائيل في الأول من أكتوبر 2024، أسمته “الوعد الصادق 2″، ردًا على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في طهران، في 31 يوليو، واغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، وعباس نيلفورشان، نائب قائد العمليات في الحرس الثوري الإيراني، في الضاحية الجنوبية، في 27 سبتمبر. تركز الهجوم الإيراني على مواقع عسكرية، وأعلنت إسرائيل أنها سوف ترد على الهجوم الإيراني بقوة كبيرة، معتبرة أن إيران أخطأت بهذا الهجوم على إسرائيل، وأنها ستدفع الثمن باهظًا[1]. وعليه تسعي هذه الورقة إلي الوقوف علي دوافع هذا الهجوم الإيراني ودلالاته، ثم التطرق إلي محددات الرد الإسرائيلي علي هذا الهجوم، وأخيرًا، أبرز السيناريوهات المطروحة لطبيعة وشكل الرد الإسرائيلي. أولًا: دوافع ودلالات هجوم “الوعد الصادق 2” الإيراني: شنت إيران، في 1 أكتوبر 2024، حملة صاروخية بأكثر من 200 صاروخ باليستي خلال نصف ساعة علي العديد من المناطق داخل إسرائيل فيما اصطلح عليه بعملية “الوعد الصادق” الثانية. وهذه العملية تأتي بعد عملية “الوعد الصادق” الأولى، في 13 إبريل 2024، حين أمطرت إيران سماء إسرائيل بمئات الطائرات المسيرات وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية. وفي أول تعليق على الهجوم، أكد الحرس الثوري الإيراني، أنه تم ضرب أهداف أمنية وعسكرية مهمة في قلب الأراضي المحتلة بعشرات الصواريخ، وأن 90% من الصواريخ أصابت أهدافها بدقة. وأوضح الحرس الثوري في بيان، أن العملية تمت بناءً على قرار من المجلس الأعلى للأمن القومي ودعم الجيش. وأضاف أنها تأتي بعد مرحلة من الالتزام بضبط النفس بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله. كما أنها تأتي بناءً على حق إيران القانوني في الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. وأشار الحرس الثوري الإيراني إلى أن أي رد عسكري إسرائيلي على هذه العملية سيواجه بهجمات أقوى وأكثر تدميرًا. فيما قال قائد الأركان الإيراني محمد باقري إنه تم خلال الهجوم الصاروخي ضرب ثلاث قواعد جوية رئيسة إسرائيلية ومقر للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد). كما تم استهداف قاعدة نفاطيم التي تضم مقاتلات إف-35، وقصف رادارات وتجمع للدبابات وناقلات الجند في محيط غزة، واستهداف قاعدة حتسريم المسؤولة عن اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. وقد ذكر التلفزيون الإيراني الرسمي أن الحرس الثوري استخدم للمرة الأولى “صواريخ فتاح” الفرط صوتية، وأضاف أنه استهدف ثلاث قواعد عسكرية إسرائيلية هي قاعدة “نفاطيم” الجوية وقاعدة “حتسريم” الجوية وقاعدة “تل نوف” الجوية في الأراضي المحتلة، كما استهدف أجهزة الرادار في الأنظمة الدفاعية التي توجه صواريخ “آرو-2″ و”آرو-3”. وقد توعدت هيئة الأركان الإيرانية إسرائيل بتدمير بناها التحتية بشكل واسع وشامل إذا ردت على الهجوم الصاروخي غير المسبوق الذي نفذه الحرس الثوري. كما حذر بيان هيئة الأركان الإيرانية من أنه في حال تدخلت “الدول الداعمة للكيان الصهيوني” فإن طهران ستستهدف مصالحها ومقارها في المنطقة بقوة حسب ما جاء في البيان. وفي السياق أكد وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده أن عملية الحرس الثوري مشروعة ووفق القوانين الدولية. مشيرًا إلى أن بلاده لم تستخدم قدراتها الصاروخية الأكثر تطورًا وذات القوة التدميرية الأكبر بعملية الوعد الصادق. وشدد على أن المنطقة إذا تعرضت للتصعيد والحرب فإن طهران ستتعامل بشدة أكبر في الموجات القادمة. من جهته، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن الهجوم الصاروخي على إسرائيل كان جزءًا من قدرات إيران وتم تنفيذه دفاعًا عن مصالحها ومصالح مواطنيها. واعتبر بزشكيان أنه تم الرد بحزم على “الاعتداءات الصهيونية” بناءً على حق إيران المشروع وبهدف ضمان أمنها وأمن المنطقة. وأضاف أنه على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يعلم أن إيران لا تسعى للحرب لكنها ستقف بحزم ضد أي تهديد وأن ردها سيكون أكثر تدميرًا إذا تمت مهاجمتها. من جانبه قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن تحرك بلاده انتهى ما لم يقرر النظام الإسرائيلي استدعاء مزيد من الرد. وأشار عراقجي إلى أن داعمي إسرائيل عليهم مسؤولية كبيرة الآن “لكبح جماح مروجي الحرب في تل أبيب”. لافتًا إلى أن إيران مارست حق الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. وفي نفس الإطار حذرت الخارجية الإيرانية من دخول ما وصفته بطرف ثالث في الصراع[2]. ويأتي الهجوم الصاروخي الإيراني علي إسرائيل عقب اغتيال هنية في إيران توعدت الأخيرة بالرد علي إسرائيل، ولكنها أخرت هذا الرد لإتاحة الفرصة أمام الوسطاء من أجل الوصول إلي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، حيث حاولت إيران أن تقايض بين عدم الرد علي إسرائيل لاغتيالها هنية داخل أراضيها مقابل الوصول إلي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، والذي سيتبعه بالضرورة وقف لإطلاق النار علي باقي ساحات “محور المقاومة” مع حزب الله في لبنان، ومع الحوثيين في اليمن، ومع المقاومة الإسلامية في العراق. إذ يلاحظ من تصريحات الرئيس الإيراني الإصلاحي الجديد، مسعود برشكيان، ووزير خارجيته، في أن هنالك وعودًا غير صادقة قدمت لإيران بعد اغتيال زعيم حركة حماس في طهران، إسماعيل هنية، بأن الوضع في غزة سيتجه نحو التهدئة وعدم التصعيد[3]، مما أضعف موقفه وفريقه أمام الحرس الثوري الإيراني، ومؤسسة المرشد الأعلى للثورة، علي خاميني، والتيار المحافظ، الذي دفع نحو اتخاذ قرار بالهجوم الإيراني. جاء هذا القرار مدفوعًا أيضًا بما تعرض له حزب الله، الحليف الأقرب والأقوى والأهم لإيران في المنطقة، سواء بما أطلق عليه الزعيم السابق للحزب، حسن نصر الله، مصطلح “مجزرة البيجرات” في 17 و18 سبتمبر الماضي، أو اغتيال نصر الله نفسه مع قيادات الصف الأول والثاني في الحزب، بالإضافة إلى قيادات عسكرية بارزة في فيلق القدس الإيراني، وبدء عملية عسكرية إسرائيلية (جوية وبرية) ضد الحزب في لبنان لاستثمار حالة “انعدام التوازن” لدى الحزب. حيث أوشكت كل تلك الاختراقات الخطيرة بتكسير ميزان القوى وتدمير معادلة الردع التي عمل “محور المقاومة” الذي تقوده إيران على ترسيخها، سواء من خلال استراتيجية “توحيد الساحات” أو “إسناد الساحات”، كما أصبح يطلق عليها لاحقًا. هنا، تحديدًا، جاءت نقطة التحول في القرار الإيران؛ ألا وهي ما أُطلق عليه مصطلح “هجوم ترميم الصورة”؛ لأن إيران لأكثر من عشرة أيام كادت أن تفقد تمامًا ما حاولت بناءه من صورة لقوة إقليمية كبيرة وحلف ممانعة ممتد إقليميًا، يجلس على الطاولة ويتحدث من منطلق قوة، فعشية الهجوم الإيراني كانت الصورة متدهورة للغاية، ومثارًا لسخرية خصوم إيران، وشكوك لدى حلفائها بمستوى قدرة إيران عن الدفاع عن مصالحها الإقليمية وحلفائها وصورتها التي بنتها في المنطقة، في مواجهة صورة نتنياهو التي كانت في الحضيض، داخليًا وخارجيًا، قبل الهجوم على حزب الله، إذ تمكن من رفع رصيده الشعبي واستعادة صورة “البطل” لدى جمهور إسرائيل. وعلي الجانب الآخر، فإن ضعف ردود الفعل الإيرانية قبل هذا الهجوم وانهيار صورة إيران الإقليمية، كانا يدفعان إلى تهشيم قوة إيران…

تابع القراءة

المشهد الاقتصادى الاسبوعى من 19 الى 25 اكتوبر 2024

“إس آند بي” تبقي على نظرتها المستقبلية لاقتصاد مصر بلا تغيير أكدت وكالة “إس آند بي” للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية لمصر عند “إيجابية”، وأبقت على تصنيفها للديون عند “B-/B”.  الوكالة أشارت في مراجعتها إلى أن التوقعات الإيجابية “تعكس إمكانية القيام بالمزيد من التحسينات في المواقف الخارجية والمالية لمصر. كما تعكس وجهة نظرنا بأن نظام سعر الصرف الجديد، المدفوع بقوى السوق، سيساعد في دفع نمو الناتج المحلي الإجمالي، وبمرور الوقت، يدعم توحيد الموازنة العامة”. كانت الوكالة عدلت في مارس الماضي من نظرتها لمصر، بعدما كانت “مستقرة”، وذلك عندما حصلت القاهرة على استثمار بقيمة 35 مليار دولار من الإمارات، لتكر بعدها سبحة التعهدات والتمويلات الدولية، والتي فاقت 50 مليار دولار. ساعدت الأموال التي حصلت مصر عليها، والمتوقع أن تحصل عليها في السنوات القليلة المقبلة، في تنفيذ أعلى زيادة في أسعار الفائدة على الإطلاق، وخفض قيمة العملة للمرة الرابعة منذ أوائل عام 2022. https://www.asharqbusiness.com/economics/57290/%D8%A5%D8%B3-%D8%A2%D9%86%D8%AF-%D8%A8%D9%8A-%D8%AA%D8%A8%D9%82%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%86%D8%B8%D8%B1%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A8%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D9%8A%D8%B1 كلفة دعم الوقود في مصر بالربع الأول من السنة المالية تسجل 39.3 مليار جنيه كشف مسؤول مصري لـ”الشرق”، أن كلفة دعم الوقود في الربع الأول من السنة المالية الجارية 2024-2025 التي بدأت في يوليو وتنتهي في 30 يونيو 2025، بلغت 39.3 مليار جنيه.  تصريحات المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه، تأتي بعد ساعات من إعلان البلاد رفع أسعار جميع أنواع البنزين والسولار والمازوت الصناعي، بنسب تراوحت بين 7.7% إلى 17%، في خطوة هي الثالثة من نوعها هذه السنة. تدعم حكومة مصر منذ فترة طويلة أسعار الوقود، بهدف بيعه في الأسواق بسعر أدنى مما يباع في الأسواق العالمية، وذلك مع تكبد وزارة المالية فارق السعر. https://www.asharqbusiness.com/economics/57299/%D9%83%D9%84%D9%81%D8%A9-%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%82%D9%88%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%AA%D8%B3%D8%AC%D9%84-39-3-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%AC%D9%86%D9%8A%D9%87 مصر تتوقع توفير 80 مليار جنيه بعد زيادة أسعار الوقود رفعت الحكومة المصرية تقديراتها للوفر المالي من الوقود بنهاية السنة المالية الحالية (2024-2025)، إلى 80 مليار جنيه بعد إقرارها أمس الجمعة الزيادة الثالثة لأسعار الوقود هذا العام بين 11و17%، وذلك بحسب مسؤول حكومي تحدث مع “الشرق” شريطة عدم نشر اسمه. قررت الحكومة رفع لتر بنزين 80 (الأقل جودة) 12.2% إلى 13.75 جنيه، وسعر لتر بنزين 92 بنسبة 10.9% إلى 15.25 جنيه، على أن يصل سعر لتر بنزين 95 الأعلى جودة بعد الزيادة إلى 17 جنيهاً، كما رفعت سعر بيع لتر السولار 17.4% إلى 13.50 جنيه، كما زاد سعر بيع لتر الكيروسين بنفس النسبة والقيمة. وزاد سعر المازوت الموجه للمصانع بنسبة 11.8% إلى 9500 جنيه. في حين جرى تثبيت المازوت المورد للكهرباء والصناعات الغذائية. https://www.asharqbusiness.com/power/57311/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D8%AA%D9%88%D9%82%D8%B9-%D8%AA%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%B1-80-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%AC%D9%86%D9%8A%D9%87-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D8%B9%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%82%D9%88%D8%AF موجة تضخمية مرتقبة تضرب جيوب المصريين بعد رفع أسعار الوقود قد يشهد الاقتصاد المصري موجة تضخمية جديدة خلال الربع الأخير من العام الجاري، نتيجة لارتفاع أسعار المحروقات، والتي يتوقع أن تؤثر بشكل مباشر على جيوب المواطنين بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات المختلفة، بحسب 5 بنوك استثمار، استطلعت “الشرق” آراءهم. رفعت مصر، أسعار الوقود للمرة الثالثة هذا العام، لتشمل الزيادة جميع أنواع البنزين والسولار والمازوت الصناعي، بنسبة تتراوح 7.7% إلى 17%، وذلك بهدف تقليل الفجوة بين أسعار بيع المنتجات البترولية وتكاليفها الإنتاجية والاستيرادية المرتفعة.  من شأن زيادة أسعار كافة فئات المحروقات أن تغذي التضخم في مصر الذي خالف التوقعات الشهر الماضي وتسارعت وتيرته إلى 26.4% على أساس سنوي، مقارنةً بـ26.2% في أغسطس، رغم توقعات بنوك الاستثمار تباطؤ وتيرته.  https://www.asharqbusiness.com/financial-markets/57313/%D9%85%D9%88%D8%AC%D8%A9-%D8%AA%D8%B6%D8%AE%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B1%D8%AA%D9%82%D8%A8%D8%A9-%D8%AA%D8%B6%D8%B1%D8%A8-%D8%AC%D9%8A%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B1%D9%81%D8%B9-%D8%A3%D8%B3%D8%B9%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%82%D9%88%D8%AF وزير لـ”الشرق”: مصر ترجئ طرح محطتي “الزعفرانة” و”كهرباء بني سويف” أرجأت الحكومة المصرية طرح محطتي رياح “الزعفرانة” وكهرباء “بني سويف” على المستثمرين الأجانب، بحسب ما قال محمود عصمت، وزير الكهرباء المصري لـ”الشرق” على هامش مؤتمر صحفي بالقاهرة اليوم. محطة كهرباء “بني سويف” هي واحدة من 3 محطات جرى افتتاحها في مصر في يوليو 2018. المحطات الثلاث بنتها شركة “سيمنز” الألمانية بالتعاون مع “أوراسكوم كونستراكشون” و”السويدي إليكتريك” لتوليد الكهرباء، بتكلفة 6 مليارات يورو، بقدرات 14.4 غيغاواط في العاصمة الإدارية ومدينة البرلس وبني سويف. عصمت أضاف لـ”الشرق” أن بلاده اتفقت “مع المستثمرين على إنشاء محطات هجينة بين طاقة الرياح والطاقة الشمسية بموقع رياح الزعفرانة”. https://www.asharqbusiness.com/power/57326/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D8%A6-%D8%B7%D8%B1%D8%AD-%D9%85%D8%AD%D8%B7%D8%AA%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B9%D9%81%D8%B1%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D9%88%D9%83%D9%87%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D8%A8%D9%86%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D9%8A%D9%81 مصر تخفض “كوتا” استيراد السيارات 20% إلى 8 آلاف وحدة شهرياً تعتزم الحكومة المصرية خفض “كوتا” استيراد السيارات بنحو 20% بدءاً من الشهر الجاري، ليصبح الحد الأقصى 8 آلاف سيارة شهرياً بدلاً من 10 آلاف سيارة بالكوتا السابقة التي حددتها في يونيو الماضي، بحسب مسؤول حكومي تحدث لـ”الشرق” شريطة عدم الكشف عن اسمه، مرجعاً الإجراء الجديد إلى محاولات الحكومة لترشيد استخدام الدولار وعدم الإفراط في الاستيراد. تصريحات المسؤول تأتي بعد أيام قليلة من تصريحات الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي: “هل من المعقول أننا غير قادرين على تصنيع سيارات فى مصر تكفي احتياجاتنا المحلية”، موضحاً أنه إذا أردنا تجاوز تحدي الدولار يجب تصنيع نسبة كبيرة من المنتجات محلياً، وهذا أمر ليس سهلاً. https://www.asharqbusiness.com/vehicles/57312/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D8%AE%D9%81%D8%B6-%D9%83%D9%88%D8%AA%D8%A7-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-20-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A6%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-8-%D8%A2%D9%84%D8%A7%D9%81-%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A%D8%A7 السيسي: مصر ستراجع الاتفاق مع صندوق النقد إذا جعل وضع الناس صعباً قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إنه “لا بد من مراجعة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي إذا كان سيضع الناس في وضع غير محتمل”. وأضاف، خلال جلسة حوارية بالمؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية، المنعقد في القاهرة اليوم الأحد: “لو لم يُؤخذ في الاعتبار التحديات التي نواجهها، بما في ذلك أننا فقدنا 6 إلى 7 مليارات دولار من دخل قناة السويس -ومن المحتمل أن يستمر هذا الوضع لمدة سنة- وإذا كان البرنامج المتفق عليه مع الصندوق سيجعلنا نضغط على الناس، لا بد للحكومة من مراجعة هذه الاتفاق”. في مايو الماضي، أقرّ مجلس صندوق النقد الدولي صرف الشريحة الثالثة من برنامج دعم مصر بقيمة 820 مليون دولار، واعتمد مجلس الصندوق في نهاية مارس الماضي، المراجعتين الأولى والثانية في إطار تسهيل الصندوق الممدد لمصر، ووافق على زيادة قيمة البرنامج الأصلي بنحو 5 مليارات دولار، ليصل إلى 8 مليارات دولار؛ بما يناهز حجم الخسارة التي ذكرها السيسي اليوم. https://www.asharqbusiness.com/economics/57380/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D9%85%D8%B9-%D8%B5%D9%86%D8%AF%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A5%D8%B0%D8%A7-%D8%AC%D8%B9%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B6%D8%B9-%D8%B5%D8%B9%D8%A8%D8%A7 “هيليوس” تتم الاستحواذ على 49% من “راية فودز” المصرية مطلع 2025 توقع أحمد خليل، الرئيس التنفيذي لشركة راية القابضة للاستثمارات المالية المصرية إتمام استحواذ “هيليوس إنفستمنت بارتنرز” (Hehios Investment Partners)، ومقرها لندن، على 49% من شركته التابعة “راية فودز” مطلع العام المقبل، بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة ودراسة العرض ومناقشة الشروط التفصيلية. وافق مجلس إدارة “راية القابضة” اليوم على عرض إلزامي مقدم من شركة “هيليوس” بشراء 49% من إجمالي رأسمال “راية فودز” بقيمة 40 مليون دولار، وبقيمة تقديرية للشركة تساوي 65 مليون دولار، وفق بيان صادر عن الشركة. خليل كشف في مقابلة مع “الشرق” أجراها الزميل محمد سعيد في القاهرة اليوم، أن السيولة المتولدة من بيع هذه الحصة سيتم ضخ جزء منها في “راية فودز” لزيادة قدرتها الإنتاجية، فيما ستوجه السيولة المتبقية إلى شركة “أمان” التابعة والمتخصصة في الخدمات البنكية غير المصرفية.  https://www.asharqbusiness.com/financing-and-investment/57367/%D9%87%D9%8A%D9%84%D9%8A%D9%88%D8%B3-%D8%AA%D8%AA%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B0-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AD%D8%B5%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%88%D8%AF%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B7%D9%84%D8%B9-2025 مصر أمام قفزة جديدة بالأسعار حتى 15%…

تابع القراءة

ماذا يقصد الوزير بـ “إقتصاد الحرب”؟

منذ أيام قليلة في كلمة لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قال الوزير انه في حال اتساع دائرة الحرب في المنطقة فسوف يتوجب على مصر تبنى “إقتصاد الحرب” على حد تعبيره. في هذا التقرير نستعرض ما الذي يعنيه مصطلح “إقتصاد الحرب” وبعض أمثلة له معنى مصطلح إقتصاد الحرب اقتصاد الحرب هو مصطلح يشير إلى الطريقة التي تدير بها الدولة أو الكيان السياسي الاقتصاد خلال فترة النزاع أو الحرب. يتميز هذا النوع من الاقتصاد بتركيز الجهود والموارد الاقتصادية لدعم المجهود الحربي وضمان استمرارية العمليات العسكرية. في ظل اقتصاد الحرب، تتغير الأولويات الاقتصادية بشكل جذري بحيث تصبح إنتاج وتوزيع الموارد الضرورية للحرب من الأساسيات، وغالباً ما تتخذ الحكومة تدابير استثنائية للسيطرة على الاقتصاد. أهم ملامح اقتصاد الحرب تشمل: تأميم أو تحكم الدولة في الإنتاج: في كثير من الأحيان تقوم الدولة بتأميم بعض الصناعات الأساسية أو التحكم في إنتاج المواد الخام الضرورية للحرب مثل المعادن، الوقود، والغذاء. زيادة الإنفاق العسكري: يتم تحويل جزء كبير من الميزانية الوطنية نحو الإنفاق على المعدات العسكرية، تسليح الجنود، وعمليات البحث والتطوير العسكري. التقنين والرقابة: يتم فرض تقنين على استهلاك السلع الأساسية لضمان توفر الموارد بشكل كافٍ للقوات المسلحة والسكان المدنيين. التعبئة العامة: تعبئة الموارد البشرية والاقتصادية في خدمة المجهود الحربي، بما في ذلك تحفيز الصناعات لتعمل بأقصى طاقتها وتوظيف المدنيين في أعمال تخدم الجبهة الداخلية. السيطرة على الأسعار والأجور: يمكن أن تقوم الحكومة بتحديد أسعار السلع والخدمات وحتى الأجور لضمان عدم حدوث تضخم مفرط أو نقص في الموارد. بعض الأمثلة لتطبيق إقتصاد الحرب 1. الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية: في فترة الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، قامت الولايات المتحدة بتحويل جزء كبير من اقتصادها لدعم المجهود الحربي بعد دخولها الحرب في 1941. تم إنشاء مجلس الإنتاج الحربي (War Production Board) لتنظيم الإنتاج الصناعي وتوجيهه نحو تصنيع الأسلحة والمعدات الحربية. تم فرض تقنين على استهلاك المواد الغذائية والوقود لتوفير المزيد من هذه الموارد للقوات المسلحة. زادت نسبة النساء العاملات في المصانع، حيث اضطلعن بأدوار تقليدية للرجال الذين كانوا يخدمون في الجيش. زيادة الإنفاق الحكومي على الأبحاث والتطوير العسكري أدى إلى اختراعات مهمة مثل الطائرة النفاثة والأسلحة النووية. 2. الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية: خلال الحرب العالمية الثانية، خاصة بعد اجتياح ألمانيا النازية للأراضي السوفيتية في 1941، قام الاتحاد السوفيتي بتعبئة موارده الاقتصادية لمقاومة الهجوم. تم نقل الصناعات من الجزء الأوروبي من الاتحاد السوفيتي إلى المناطق الآمنة في سيبيريا لضمان استمرار الإنتاج بعيدًا عن مناطق القتال. التقنين الصارم تم تطبيقه على المواد الغذائية والسلع الأساسية لضمان إمدادات الجيش. التعبئة العامة شملت تسخير الملايين من العمال المدنيين في الصناعات الحربية والزراعة لدعم المجهود الحربي. 3. بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية: طبقت بريطانيا اقتصاد الحرب بشكل واسع خلال الحرب العالمية الثانية. تم إنشاء وزارة التموين (Ministry of Food) التي فرضت تقنينًا صارمًا على المواد الغذائية مثل السكر، اللحم، والزبدة. العمالة النسائية ازدهرت، حيث أصبحت النساء جزءًا أساسيًا من القوى العاملة، سواء في المصانع الحربية أو في الزراعة من خلال “جيش الأرض” (Land Army). تم تحويل الصناعات المدنية إلى صناعات عسكرية؛ على سبيل المثال، تم تحويل مصانع السيارات إلى إنتاج الطائرات الحربية. 4. ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية: مع صعود الحزب النازي إلى السلطة في الثلاثينيات واندلاع الحرب العالمية الثانية، تم توجيه الاقتصاد الألماني بالكامل لدعم المجهود الحربي. هتلر ومستشاره الاقتصادي ألبرت شبير قاما بتنظيم موارد ألمانيا لتصنيع الأسلحة والمعدات الحربية بكميات هائلة. تم تطبيق تقنين صارم على السلع الاستهلاكية، واستخدمت ألمانيا العمالة القسرية من البلدان المحتلة لدعم صناعاتها. التحول الصناعي شمل تصنيع الدبابات والطائرات بشكل مكثف. 5. سوريا خلال الحرب الأهلية: منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، اضطرت الحكومة السورية إلى إعادة هيكلة اقتصادها لدعم العمليات العسكرية والبقاء في السلطة. تم توجيه الموارد المتبقية نحو دعم الجيش وتمويل المليشيات الموالية للحكومة. تعرضت سوريا لعقوبات اقتصادية دولية، مما زاد من الحاجة إلى توجيه الموارد المحدودة نحو المجهود الحربي. في هذه الحالة، تم استخدام اقتصاد الحرب بشكل أساسي للبقاء على قيد الحياة في ظروف حرب مستمرة وعقوبات شديدة. وبالتأكيد لا ننسى الأمثلة في تاريخ مصر: 1. أثناء حرب 1948 (النكبة): خلال حرب فلسطين 1948، والتي كانت أول مواجهة عسكرية كبيرة لمصر بعد الاستقلال النسبي عن الاستعمار البريطاني، قامت الحكومة المصرية بتخصيص جزء كبير من الموارد لدعم الجيش. الإنفاق العسكري زاد بشكل ملحوظ لدعم القوات المشاركة في الحرب ضد إسرائيل، لكن هذه الفترة لم تشهد اقتصاد حرب شامل كما في الحروب التالية. 2. أثناء العدوان الثلاثي 1956: بعد تأميم قناة السويس في 1956، واجهت مصر هجومًا مشتركًا من بريطانيا، فرنسا، وإسرائيل (العدوان الثلاثي). في هذه الفترة، اتجهت الحكومة المصرية نحو إدارة الاقتصاد بطريقة تدعم المجهود الحربي. تقنين الموارد: كان هناك نقص في المواد الاستهلاكية، نتيجة للحصار البحري المفروض على مصر من قبل القوى المعتدية، مما أدى إلى تقنين بعض السلع الغذائية والوقود. قامت الحكومة بالسيطرة على بعض الموارد الحيوية وتوجيهها لدعم الجيش والدفاع عن البلاد. 3. أثناء حرب 1967 وحرب الاستنزاف (1967-1970): بعد الهزيمة في حرب 1967 وفقدان شبه جزيرة سيناء، بدأت مصر تحت حكم الرئيس جمال عبد الناصر بتطبيق نظام اقتصاد الحرب لدعم حرب الاستنزاف ضد إسرائيل (1967-1970). تأميم وتوجيه الاقتصاد: تم تأميم الصناعات الكبرى، وكان التركيز على دعم الصناعات العسكرية، خاصة في مجال إنتاج الأسلحة والذخيرة. الإنفاق العسكري: تم تخصيص نسبة كبيرة من الميزانية لدعم الجيش، وزاد الإنفاق على البحث والتطوير في مجال التسليح. التعبئة العامة: شملت تجنيد أعداد كبيرة من الشباب المصري للخدمة العسكرية أو للعمل في المصانع المرتبطة بالمجهود الحربي. 4. أثناء حرب أكتوبر 1973: خلال حرب أكتوبر 1973، طبقت مصر تحت حكم الرئيس أنور السادات نظامًا صارمًا لاقتصاد الحرب. تعبئة عامة للموارد: تم توجيه جميع الموارد الاقتصادية لدعم المجهود الحربي، بما في ذلك تحويل العديد من الصناعات المدنية إلى صناعات عسكرية. التقنين: تم تقنين بعض السلع الأساسية، وتوجيه المواد الغذائية والوقود لدعم الجيش والمجهود الحربي. المساعدات الخارجية: ساهمت الدول العربية، خصوصًا السعودية وليبيا، في تقديم دعم مالي ضخم لمصر لدعم اقتصادها وتمويل الحرب. كما استخدمت مصر عائدات النفط والدعم العربي في تعزيز قدراتها العسكرية. التحفيز الصناعي: تم استخدام المصانع المصرية في إنتاج المعدات العسكرية وإصلاح الدبابات والطائرات المقاتلة، ما ساعد في الحفاظ على القوات المسلحة المصرية خلال الحرب. ويتضح للقارئ أنه في كل الأمثلة السابقة كان هناك عاملين اساسيين لابد من تواجدهما لتطبيق “إقتصاد الحرب وهما: وجود الحرب، ووجود العدو وهو ما يدعو للتساؤل؛ الحرب موجودة …. فأين العدو؟ والسؤال الثاني: لم قد يحتاج الجيش المصري للدعم من ميزانية الدولة بينما يستولي الجيش بالفعل على…

تابع القراءة

تونس 2024: بين الانتخابات والاحتجاجات

شهدت تونس في 6 أكتوبر 2024 انتخابات رئاسية هي الثالثة منذ قيام الثورة، وهذه الانتخابات هي الأولى بعد 25 يوليو 2021، تاريخ إعلان الرئيس قيس سعيد حزمة من الإجراءات الاستثنائية، شملت تعليق العمل بالدستور وتجميد عمل البرلمان وحل الحكومة. بناءً على تلك الإجراءات، جمع سعيد كل السلطات بين يديه وأدار البلاد بمراسيم رئاسية منح بمقتضاها لنفسه سلطات تنفيذية وتشريعية مُطلقة، لا رقابة عليها، وشكَّل لاحقًا حكومة اختار هو رئيسها ووزراءها، تعمل تحت إشرافه وتُنفِّذ برنامجه. وجاءت هذه الانتخابات بعد ثلاثة أعوام من السيطرة الكاملة لسعيد على الحكم، أحدث خلالها تغييرات جوهرية على النظام السياسي، وأعاد تشكيل المشهد العام في البلاد، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. وبالتزامن مع تلك الانتخابات؛ شهدت البلاد أيضًا موجة من الاحتجاجات الشعبية عبَّرت عن استياء واسع من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما يعكس الانقسامات العميقة في المجتمع التونسي. ومؤخرًا أعلنت الهيئة العُليا المُستقلة للانتخابات في تونس، مساء الإثنين 7 أكتوبر 2024، فوز المُرشح قيس سعيد بولاية رئاسية ثانية بنسبة بلغت 90.69% من أصوات الناخبين، في ظل جدل واسع مُتعلّق بنسب المشاركة، ونزاهة الانتخابات، وشفافيتها، والإجراءات التي رافقتها، وتداعياتها المُحتملة على المشهد السياسي التونسي. أولًا: الخلفية التاريخية والسياسية للانتخابات الرئاسية في تونس.. الانتخابات في تونس تتمتَّع بخلفية تاريخية وسياسية غنية تعكس تطور البلاد من الاستعمار إلى الدولة الحديثة، ثم التحول الديمقراطي. بعد الاستقلال عن فرنسا في عام 1956، شهدت تونس نظامًا سياسيًا بقيادة الحزب الواحد تحت حكم الحبيب بورقيبة، الذي حكم البلاد حتى 1987 حين تم الإطاحة به بانقلاب غير دموي قاده زين العابدين بن علي. خلال فترة بن علي، كانت الانتخابات شكليّة وغير ديمقراطية، حيث سيطر الحزب الحاكم على المشهد السياسي واستمرت القمعية السياسية. في عام 2011، جاءت الثورة التونسية كجزء من “الربيع العربي”، وأسقطت نظام بن علي، ما فتح المجال أمام انتقال ديمقراطي حقيقي. منذ ذلك الحين، أصبحت الانتخابات التونسية تُجرى بشكل تعددي وشفاف، حيث كانت انتخابات 2011 هي الأولى التي أجريت بحرية، وأنتجت دستورًا جديدًا في 2014. شهدت تونس عدة انتخابات برلمانية ورئاسية بعد الثورة، وتميَّزت بالتنافس بين الأحزاب السياسية المختلفة، بما في ذلك الإسلاميين والعلمانيين، مما جعلها نموذجًا ديمقراطيًا فريدًا في المنطقة. ومع ذلك، تواجه تونس تحديات في ترسيخ هذه الديمقراطية، وسط توترات سياسية واقتصادية مستمرة. 1. الثورة التونسية والتحول الديمقراطي وصعود قيس سعيد: كانت تونس من أولى الدول التي شهدت شرارة ثورات الربيع العربي في ديسمبر 2010، عندما قام محمد البوعزيزي، وهو بائع متجول، بإحراق نفسه احتجاجًا على الظروف المعيشية الصعبة وسوء معاملة السلطات. تسببت هذه الحادثة في إشعال موجة من الاحتجاجات الشعبية التي أدت في النهاية إلى هروب الرئيس زين العابدين بن علي في يناير 2011 بعد 23 عامًا من الحكم السلطوي.[1] عقب سقوط النظام، دخلت تونس في مرحلة انتقالية مهمة شهدت تبني دستور جديد في عام 2014، اعتُبر أحد أبرز الإنجازات الديمقراطية في المنطقة. كما نظمت انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة، مما جعل تونس نموذجًا للتحول الديمقراطي في العالم العربي. إلا أن هذه المرحلة الانتقالية لم تكن سهلة، حيث واجهت البلاد تحديات اقتصادية كبيرة، إلى جانب التوترات السياسية بين القوى العلمانية والإسلامية، وخاصة حزب النهضة الإسلامي الذي لعب دورًا مهمًا في الفترة الانتقالية.[2] وشهدت الانتخابات الرئاسية التونسية لعام 2019 مفاجأة كبيرة بفوز قيس سعيد، وهو أكاديمي مستقل كان غير معروف على نطاق واسع في الساحة السياسية التونسية. انتخب سعيد بنسبة تجاوزت 70% من الأصوات، ما يعكس رغبة الشعب التونسي في التغيير والابتعاد عن النخب السياسية التقليدية التي كانت في الحكم منذ الثورة. قدم سعيد نفسه كمنقذ للشعب، واعدًا بمحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية. 2. قيس سعيد وخلفيات الأزمة السياسية في تونس: باعتباره شخصًا مستقلًا، اضطر سعيد إلى العمل مع برلمان تسيطر عليه أحزاب المعارضة. ومن بين هذه الأحزاب كان حزب النهضة، الذي فاز بمقاعد أكثر من أي حزب آخر، وكان لاعبًا رئيسيًا في الإصلاح في تونس منذ الإطاحة بالحاكم الدكتاتوري زين العابدين بن علي في عام ٢٠١١. وباعتبارهم مُمثلين منتخبين شعبيًا، اكتسبت هذه الأحزاب البرلمانية أيضًا الشرعية لقيادة الأمة. وكان قد أسَّس دستور تونس ٢٠١٤ لنظام شبه رئاسي، حيث ينتخب البرلمان رئيس الوزراء، الذي يختار الوزراء ويقود الحكومة ورئاسة الدولة. وكان هذا الترتيب بمثابة رد مباشر على تجاوزات السلطة التنفيذية وممارسات الإفلات من العقاب التي ميَّزت حكم بن علي الذي دام ٢٤ عامًا. إلا أن قيس سعيد لم تعجبه مع تلك الترتيبات لتقاسم السلطة، فأعلن حالة الطوارئ وعلَّق عمل البرلمان في ٢٥ يوليو ٢٠٢١، حيث أرسل الدبابات للقيام بذلك. وأقال رئيس الوزراء هشام المشيشي وسيطر على مهام الحكومة والدولة –في مخالفة مباشرة للدستور– وبدأ يحكم بمراسيم. وفي أكتوبر ٢٠٢١، قام سعيد بتعيين رئيسة الوزراء نجلاء بودن لتكون مسؤولةً أمامه دون موافقة البرلمان. وقد واصل بعد ذلك هجومًا منهجيًا ومستمرًا على جميع المؤسسات الديمقراطية التي وصلت إليها تونس بشق الأنفس. وعندما عقد أغلبية أعضاء البرلمان اجتماعًا عبر الإنترنت في مارس ٢٠٢٢ (أثناء أزمة كوفيد) للتصويت على شرعية إجراءات الطوارئ التي اتخذها سعيد، قام بحل البرلمان رسميًا. واعترافًا بأن الدستور كان عائقًا أمام أسلوبه في الحكم، قام سعيد بتعليقه في سبتمبر ٢٠٢١. وأشرف على كتابة دستور جديد في عام ٢٠٢٢ أعاد إنشاء نظام رئاسي، حيث يشغل الرئيس منصب رئيس الدولة والحكومة. واعتبرت أحزاب المعارضة أن تصرفات سعيد كانت غير قانونية وغير شرعية، وقاطعت الاستفتاء على الدستور الذي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيه ٣1%. ومنحت الانتخابات البرلمانية اللاحقة، التي قاطعتها المعارضة مرة أخرى، لسعيد البرلمان الذي كان يريده. وقام سعيد بحل مجلس القضاء الأعلى المهني في فبراير ٢٠٢٢، واستبدله بهيئة مُعينة. وفي يونيو، أصدر مرسومًا يسمح للرئيس بإقالة وتعيين القضاة من جانب واحد، وهي السلطة التي يُقنِّنها دستور ٢٠٢٢ المُثير للجدل. وفي الفترة التي سبقت الاستفتاء على الدستور، استبدل سعيد اللجنة التنفيذية للهيئة العليا المُستقلة للانتخابات التي تحظى بالاحترام. تميز التصويت على الاستفتاء لاحقًا بانعدام الشفافية والأخطاء الحسابية وعدم قدرة معارضي الاستفتاء على القيام بحملاتهم بحرية. ومع شعوره بعدم القدرة على إظهار شفافية أو نزاهة الانتخابات الرئاسية، فقد منع سعيد بالفعل مُراقبي الانتخابات الدوليين من مراقبة انتخابات ٢٠٢٤. وقام سعيد بتسييس الجهات الأمنية للدولة التي تنفذ بفعالية أجندته السياسية ضد المنافسين المحليين، وفي نوفمبر ٢٠٢٣، طرح برلمان سعيد مشروع قانون لتقييد المجتمع المدني بشدة في محاولة لتقييد الفضاء الديمقراطي بشكل أكبر. من خلال حل البرلمان، قام بإلغاء الحصانة القانونية للمشرعين وتم سجن العشرات، بعضهم بعد محاكمات عسكرية.[3] وفي ظل هذا السياق، جاء الإعلان عن الانتخابات الرئاسية لعام 2024 كحدث بالغ الأهمية، في وقت تستمر فيه الأزمة السياسية والاقتصادية. ويأتي قرار الرئيس قيس سعيد بحل البرلمان التونسي في ظل سياق مضطرب تعيشه تونس على كافة…

تابع القراءة

تفجيرات أجهزة الاتصالات اللاسلكية في لبنان: الأسباب والتداعيات

واجه حزب الله اللبناني، في 17 سبتمبر 2024، أكبر اختراق أمني في تاريخه من خلال تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية المعروفة باسم “البيجر” التي يحملها عناصره – سواء العسكريون منهم أو بعض العاملين المدنيين في مؤسساته الصحية والاجتماعية والخدمية – في بيروت وضاحيتها والجنوب والبقاع، وبعض المواقع في سوريا (حيث سُجلت 11 إصابة بين عناصر حزب الله في ضواحي العاصمة السورية دمشق)[1]. وتبعه في اليوم التالي موجة تفجيرات متزامنة أخرى لأجهزة اتصال لاسلكي (ووكي توكي) يحملها عناصر الحزب[2]. وقد أسفرت التفجيرات عن 37 قتيلًا و2931 مصابًا[3]. أولًا: كيف حدثت تفجيرات أجهزة الاتصالات اللاسلكية في لبنان؟: يعود استخدام عناصر حزب الله لأجهزة “البيجر” في التواصل فيما بينهم عبر الرسائل بالأساس إلي اعتقادهم بأنهم سيتمكنون من تجنب تعقب إسرائيل والتنصت عليهم، وبالتالي تتبع تحركات عناصر الحزب عبر هواتفهم واستهدافهم؛ لأن هذه الأجهزة لا تتطلب إنترنت أو شبكة لاسلكية، ولا تستخدم بيانات تحديد الموقع الجغرافي؛ مما يجعها آمنة نسبيًا مقارنة بالهواتف الذكية[4]. كما أن أجهزة البيجر تعمل عبر بطاريات ليثيوم أيون، التي تتميز بخفة وزنها وطول عمرها وكفاءتها في استهلاك الطاقة[5]. وفي محاولة تفسير كيفية تنفيذ التفجير، فقد طرحت ثلاث فرضيات رئيسية؛ ترجح الفرضية الأولى تنفيذ التفجير بواسطة اختراق بإشارة لاسلكية على الترددات التي تستقبلها هذه الأجهزة بما أدى إلى ارتفاع الجهد الكهربي بها ورفع حرارة البطاريات التي تغذيها فانفجرت البطاريات مُوقعة الإصابات لحاملي هذه الأجهزة. بينما ذهبت الفرضية الثانية إلى أن هذه الأجهزة لم تنفجر باستقبال إشارة لاسلكية أو عملية قرصنة ولكنها كانت تحتوي على أجهزة تفجير معدة مسبقًا وقد تم تفجيرها عن بعد بشكل آلي بما طال كل الأجهزة في كل المناطق اللبنانية وفي سوريا أيضًا في الوقت نفسه. تنافست الفرضيتان الأولى والثانية في التحليلات التي قدمت لبضعة ساعات قبل أن تخرج بعض التسريبات التي تتحدث عن صفقة حديثة لأجهزة الاتصال اللاسلكي تسلمها حزب الله خلال الشهور الأخيرة ووزعها على عناصره[6]، بما يرجح احتمالية الفرضية الثانية، أي أن هذه الأجهزة قد اخترقت على مستوى جسمها الصلبHardware  وليس البرمجيات Software. بينما تبرز فرضية ثالثة تربط بين الاحتمالين الأول والثاني، وهي أن هذه الأجهزة قد تم العبث بها فعليًا وزُرع شيء ما بها ولكنه ليس جهاز تفجير بل جهاز استقبال على موجة خاصة تتحكم بها إسرائيل فقط، وعندما انطلقت الإشارة استقبلتها هذه الأجهزة وانفجرت على إثر ذلك عبر التلاعب بالبطاريات الداخلية بها. الفرضية الأولى تستدعي أن يتم توجيه رسائل لاسلكية على الموجة الترددية التي تستقبلها هذه الأجهزة – أي معرفة هذه الموجة الترددية واختراقها على نطاق واسع يشمل بيروت والجنوب والبقاع ودمشق في الوقت نفسه، وهو أمر من الصعب حدوثه بهذه الدرجة من التزامن الدقيق. ولكن الفرضية الثانية والثالثة تعني أن هذه الأجهزة التي تم استيرادها حديثًا قد تم اختراقها وزُرع بها إما متفجرات دقيقة أو أجهزة استقبال مستقلة قبل أن تصل لعناصر حزب الله ومن ثم تم تفجيرها عن بعد، وهو ما يعني أن سلسلة الإمداد الخاصة بحزب الله قد تم اختراقها لزرع المتفجرات أو المستقبلات في هذه الأجهزة، إما من المصدر، أي من الشركة المُصنعة أو في مراحل النقل والتوريد. لاحقًا، نُشرت تقارير تشير إلى ترجيح الفرضية الثانية، بما يعني زرع مادة متفجرة داخل الشحنة الأخيرة لأجهزة الاتصال النصية قبل وصولها إلى عناصر حزب الله. ومادة التفجير تلك كانت كفيلة بالتلاعب بالبطارية الداخلية لتحدث هذا الانفجار المحدود ولكنه قد يكون مميتًا إذا ما كان الجهاز قريبًا للغاية من الجسم، وهو عادةً ما يكون الحال لأنه جهاز يُحمل في الجيوب أو يثبت على الأيدي أو في حزام الخصر، وبالتالي يكون ملاصقًا لجسد من يحمله. وقد أعلنت الشركة التايوانية “جولد ابوللو” المصنعة أنه بمطابقة الأجهزة التي تم تفجيرها مع الأجهزة التي تنتجها الشركة، تبين أن الأجهزة التي كانت بحوزة حزب الله لم تصنعها الشركة التايوانية الأم ولكنها صُنعت بواسطة شركة أخرى في أوروبا تحمل رخصة تصنيع من تايوان ولكنها ليست منتجة للأجهزة الأصلية (أشارت تقارير إعلامية إلى أنها شركة (BAC) ومقرها المجر). بينما نشرت وزارة الاقتصاد التايوانية بيانًا يؤيد الشركة المصنعة ويرجح التلاعب بالأجهزة بعد تصديرها خارج تايوان بالفعل، إذ نفت وجود أي سجلات للتصدير المباشر إلى لبنان خلال الفترة الأخيرة[7]. ثانيًا: هل إسرائيل مسئولة عن هذه التفجيرات؟: عزفت إسرائيل في البداية عن إعلان أي مسئولية لها عن الهجوم على أجهزة اتصالات حزب الله، كما تم توجيه أعضاء الحكومة الإسرائيلية إلى عدم التعليق على الهجوم. فيما ألمح أحد مستشاري رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى مسئولية إسرائيل عن هذا الهجوم قبل أن يتراجع ويحذف تغريدته[8]. وفي أول تصريح رسمي، فقد نفى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، تورط إسرائيل في هجمات أجهزة “البيجر”، في مستهل رده على سؤال “سكاي نيوز” البريطانية عما إذا كانت إسرائيل مسؤولة عن هجمات البيجر واللاسلكي التي وقعت في لبنان، قائلًا إنه “يرفض جملة وتفصيلًا أي صلة بهذه العملية”[9]. إلا أن بعض التفاصيل بدأت تتسرب إلى الإعلام الأمريكي من مصادر يبدو أنها إسرائيلية ولكن غير مسموح لها بالتصريح علنًا. أفادت المصادر الإسرائيلية بأن عملية تفجير أجهزة الاتصالات كانت مُعدة منذ مدة للتنفيذ في حال البدء في حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله بهدف شل حركة الحزب وقطع الاتصالات بين قيادته وعناصره. ولكن تنبه اثنين من عناصر حزب الله لاحتمالية أن يكون جهاز الاستقبال النصي مخترقًا عجل بتنفيذ عملية التفجير الواسعة لإحداث الضرر المرجو منها قبل اكتشاف الحزب لاختراقها وبالتالي استبعادها من الاستخدام[10]. كما نقل موقع “والا” الإسرائيلي عن مصدر إسرائيلي “مطلع على التفاصيل” لم يسمه، قوله: “تمت الموافقة على عملية تفجير أجهزة اللاسلكي من نوع بيجر بداية الأسبوع في إطار سلسلة من المشاورات الأمنية التي أجراها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع كبار الوزراء ورؤساء المؤسسة الأمنية وأجهزة المخابرات”[11]. كما أشار موقع “والا” أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أجرى اتصالًا هاتفيًا بنظيره الأميركي لويد أوستن قبل دقائق من تفجير أجهزة الاتصال (البيجر)، ونقل الموقع عن مسؤول أميركي لم يسمه، أن غالانت أخبر نظيره الأميركي بأن إسرائيل تعمل على تنفيذ عملية صعبة في لبنان قريبًا، ورفض تزويده بمزيد من التفاصيل بشأن الهدف وكيفية التنفيذ[12]. ومما يرجح مسئولة إسرائيل عن هذه الحادثة، أن تل أبيب لها تاريخ طويل مع مثل هذه العمليات، حيث قامت الأجهزة الإسرائيلية باغتيال عدد من قادة فصائل المقاومة وخصوم آخرين، والأهم من ذلك إن التكنولوجيا لعبت دورًا محوريًا في عدد كبير من هذه العمليات. ففي عام 1996، استشهد المهندس يحيى عياش، الذي كان يعد من أبرز صانعي القنابل في حركة حماس، وذلك بعدما نجح عملاء إسرائيليون في زرع المتفجرات داخل هاتفه، وعندما استخدمه عياش انفجر الجهاز، ما أدى إلى مقتله على الفور. وفي عام 2010، كشف عن برمجية خبيثة تُعرف باسم…

تابع القراءة

اغلاق المصانع وبيع الشركات  الحكومية تهديد للأمن المجتمعي وتآكل الأمن القومي

يواجه القطاع الإنتاجي بمصر، أزمات عديدة، خاصة القطاع الصناعي، في ظل سيطرة العسكريين، النهمين لبناء أمجاد شخصية ، على حسب المجتمع والدولة والمواطنين… غير عابئين بالمردود الاقتصادي أو الديون التي يفاقمونها على حساب الأجيال القادمة. وباتت مصانع وشركات مصر الخاصة في مواجهة مباشرة مع أزمات التعثر والإغلاق وتشريد العاملين بها.. أما الشركات الحكومية والمصانع الحكومية  فتقف أمام كارثة من نوع ثاني، تدور حول التعثر، سواء الطبيعي أو المخطط ، لأجل الوصول إلى  البيع أو التخارج الحكومي أو التصفية والبيع أو التخريد… وبلا شك فإن الأزمتان يدفع ثمنها العمال المصريين، الذين باتوا في مواجهة التشرد والبطالة… أولا: أزمة  إغلاق المصانع وبيع الشركات: وتأخذ الأزمة العديد من الأشكال ، التي تترجمها القرارات الحكومية، أو قرارات المستثمرين في اغلاق مصانعهم، وتشريد العمالة، وخفض قدرات مصر الإنتاجية..ومن ضمن تلك الأشكال: 1-تعثر المصانع والشركات الخاصة: يواجه أكثر من 13 ألف مصنع في مصر تحديات مستمرة، تقودها للتعثر والإغلاق، لأسباب تتعلق بالتكاليف المالية، شح المواد الخام، وتراجع التمويل..علاوة على تعويم الجنيه وزيادة الفائدة البنكية، والتي تعطل المصانع والشركات ، وتزيد عليها الأعباء  المالية.. كما أنه منذ العام 2016، ارتفعت أسعار الخامات الأساسية بشكل كبير، مما أدى إلى زيادة الأعباء المالية على المصانع. ومع استمرار ارتفاع الأسعار، أصبحت الأمور أكثر صعوبة. بالإضافة إلى ذلك، تسببت التعديلات الإدارية والمالية التي اتبعتها الحكومة، مثل زيادة الفائدة على القروض وارتفاع الضرائب، في تفاقم الأعباء.. واضطرت المصانع لتقليص عدد العمالة لمواجهة الضغوط المالية. وتتفاقم أزمة تعثر المصانع، في المناطق الصناعية،  ففي عام 2018 بلغ عدد المصانع المتعثرة نحو خمسة آلاف مصنع من بين 19 ألف مصنع تعمل في مصر، وحاليُا تقدر بـ 13 ألف مصنع.. وتتمركز المصانع المتعثرة في عدد من المناطق الصناعية على مستوى الجمهورية، أبرزها منطقة العاشر من رمضان في محافظة الشرقية ، وتعد واحدة من أكبر المناطق في مصر التي تضم عددًا من المصانع المتعثرة التي تعاني من مشاكل مالية وإدارية، كذلك مناطق السادات في المنوفية، وحلوان في جنوب القاهرة، وشبرا الخيمة في القليوبية. ومع تعثر المزيد من المصانع، التي باتت في مرمى الاغلاق، على إثر  الأزمات المالية والمنافسة غير العادلة من شركات الجيش وأزمات الدولار،  يرى سمير عارف، رئيس جمعية مستثمري العاشر من رمضان، أن الطريق لإنقاذ المصانع المتعثرة والمتوقفة، هو الدعم الحكومي لها، عبر توفير تمويلات سريعة لدعم المنشآت التي تعاني ماليًا، مع ضرورة حماية المصانع المتضررة من المنافسة غير العادلة مع المنتجات المستورد، وضرورة تقليل الاستيراد في القطاعات التي تتعرض لممارسات إغراق ، والتي تؤثر سلبًا على الإنتاج المحلي. بجانب التخلص من الإجراءات البيروقراطية التي تعيق عملية الإصلاح، وتخفيض نسب الفائدة المفروضة على المصانع من قبل القطاع المصرفي، مما يمكن أن يخفف الأعباء المالية ويحفز النمو في هذا القطاع. وعلى الرغم من التصريحات المتعددة للحكومة وقياداتها، حول خطط الاستثمار والتطوير وإقالة تعثر الشركات والمصانع المهددة بالإغلاق، إلا أن القرارات والسياسات على أرض الواقع  تنافي الخطط والتصريحات، تماما، وكانت الخطة الاستراتيجية لرؤية مصر 2030 ، قد تضمنت بندًا رئيسيًا يهدف إلى تعزيز التصنيع، وزيادة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي وزيادة فرص العمالة الصناعية بحلول عام 2030، إلا أن محمد المهندس، رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية، يرى أن القرارات الحكومية الصادرة لحل أزمة المصانع المتعثرة لم تحقق الهدف المرجو منها حتى الآن، موضحا في تصريحات صحفية ، أن القرارات السابقة لم تؤتِ ثمارها بشكل ملموس على أرض الواقع، وأنه لا يمكن اعتبار القرارات الجديدة جادة حتى يتم تطبيقها فعليًا.. ويعاني قطاع الصناعة من مشاكل متراكمة، لا تقتصر على قطاع بعينه، مشيرًا إلى أن العديد من المصانع المتعثرة ترفض الإفصاح عن أزماتها خوفًا من التأثير على سير أعمالها. وأكد أن أبرز المشكلات تشمل الأزمات المالية والإدارية المتعلقة بالجهاز المصرفي وأجهزة الدولة مثل جهاز التنمية والسجل الصناعي. وأضاف أن القرارات الحكومية المتخذة منذ عام 2019 لحل مشكلات المصانع المتعثرة لم تحقق النتائج المرجوة حتى الآن.. ووفق  خطط حكومية، يسعى وزير الصناعة كامل الوزير، إلى  زيادة مساهمة القطاع الصناعي في إيرادات الدولة، وخلق فرص عمل جديدة في القطاع الصناعي، مستهدفة أن يصل عدد العاملين في هذا القطاع إلى سبعة ملايين عامل بحلول عام 2030، وهو ضعف العدد الحالي الذي يبلغ نحو 3.5 مليون عامل، أي ما يمثل 13% من القوى العاملة. ومن ضمن أسباب التعثر  ، عدم قدرة المصانع على تدبير العملة الأجنبية منذ فبراير 2022 وحتى مارس 2024 وهو ما كان له تأثير كبير على توفير مستلزمات الإنتاج، مما أدى إلى انخفاض الأرباح وتعطل العمليات الإنتاجية. وأكد بعض أصحاب المصانع أن المبادرات الحكومية، بما في ذلك تخفيض أسعار الطاقة وتقديم تسهيلات مالية، لم تساهم بشكل كافٍ في معالجة الأزمات الفعلية التي تواجههم. وبينما تواصل الحكومة الإعلان عن خطوات جديدة لحل المشكلة، فإن الكثير من المصانع المتعثرة لا تزال تنتظر حلولًا أكثر فعالية. 2-بيع الشركات الحكومية: ووفق بيانات متوفرة باتحاد الصناعات، فإن عدد المصانع التى أغلقت أبوابها وتوقفت عن الانتاج وسرحت العمالة تزايد مؤخرا إلى أكثر من 13 ألف مصنع بسبب الأزمة الاقتصادية .. وكانت هيئة التنمية الصناعية، قد أكدت أن عدد المصانع في مصر يتجاوز 34 ألف مصنع، باستثمارات تتخطى الـ300 مليار جنيه، فيما تبلغ أعداد المصانع المتعثرة 8222 مصنعًا بحسب اتحاد نقابات عمال مصر، أما اتحاد المستثمرين فيقدرها بـ1500 مصنع متعثر حتى عام 2013، منها 40% في قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، بينما الاتحاد المصري للعمال والفلاحين يقدرها بـ4500 مصنع كانت تضم 250 ألف عامل. وشهدت السنوات الأخيرة حالات تصفية لعدد من شركات قطاع الأعمال العام، مثل الشركة القومية للأسمنت في 2018، والحديد والصلب بحلوان في 2021، والنصر لصناعة الكوك في 2022. فيما تبذل الدولة جهودًا حثيثة لجمع إيرادات من بيع الأصول العامة، مع تدهور احتياطات النقد الأجنبي منذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في فبراير 2022. ووفق مصطفى مدبولي، حققت الحكومة نحو 5.6 مليار دولار من خلال التخارج الكلي والجزئي من 14 شركة حكومية، حتى ديسمبر 2023.. وأعلنت الحكومة المصرية  في ديسمبر الماضي، أنها ستضم شركات  جديدة لبرنامج الطروحات الحكومية، ليصل إجمالي عدد الشركات المطروحة للبيع والبورصة إلى أكثر من 40 شركة وليس 35 شركة فقط. مشيرة إلى أن إجمالي مبيعات الشركات التي طرحتها الحكومة للقطاع الخاص منذ بداية العام حتى شهر ديسمبر 2023 ، قارب نحو 3 مليارات دولار، وتستهدف خطة الحكومة تحقيق مبيعات تصل إلى 6 مليارات دولار ضمن برنامج الطروحات الأول الذي ينتهي في يونيو 2024. كما أن هناك صفقات بيع لعدد من الشركات الحكومية تتم خلال الوقت الراهن، ولكن الحكومة تدرس أفضل العروض المقدمة لتحقيق مكاسب أفضل .. وتعد الحكومة ملفات هيكلة بنك القاهرة والمصرف المتحد والبنك العربي الإفريقي تمهيدًا لطرحها…

تابع القراءة

إقتصاد مصر: الحاضر والمستقبل

إقتصاد مصر: الحاضر والمستقبل مقدمة تعاني مصر منذ عقود من تحديات اقتصادية كبيرة تعكس تاريخًا من عدم الاستقرار المالي والسياسات الاقتصادية المتخبطة. لقد لجأت البلاد إلى صندوق النقد الدولي 11 مرة خلال الخمسين عامًا الماضية، لتصبح نموذجًا للإفراط في الإنفاق والإفراط في الاعتماد على الدعم الدولي. هذا الوضع المعقد يتشابك مع مشاكل هيكلية أعمق، مثل الفساد المستشري، وخاصة داخل الجيش، وسوء إدارة الموارد، مما أدى إلى تدهور مستمر في الاقتصاد القومي، وأثر سلبي على مستوى معيشة المواطنين. الوضع الحالي للاقتصاد المصري تواجه مصر حاليًا أزمة اقتصادية حادة تتجلى في التضخم المفرط، وتدهور قيمة العملة المحلية، وانخفاض مستويات المعيشة، بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي المتكرر. وعلى الرغم من أن مصر تلقت حزمة إنقاذ مالية من صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار مؤخرًا، إلا أن هذا لم يمنع تفاقم الأوضاع، حيث يعاني الاقتصاد من عجز مزمن في الموازنة نتيجة للإفراط في الإنفاق الحكومي على مشاريع ضخمة ودعم غير فعال. قيمة الجنيه المصري خلال ال10 سنوات الاخيرة عجز الموازنة الحالي المصدر: رويترز من ناحية الإنفاق، أنفقت الحكومة المصرية مبالغ طائلة على مشاريع البنية التحتية مثل مشروع قناة السويس الثانية، والعاصمة الإدارية الجديدة، ومشاريع مدن جديدة لم تكتمل بعد، مما أدى إلى استنزاف ميزانية الدولة وزيادة حجم الديون الخارجية. ونتيجة لذلك، ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 96%، وهو رقم يُعتبر مرتفعًا بشكل مقلق بالنسبة لاقتصاد دولة نامية مثل مصر مع ناتج محلي إجمالي للفرد يقل عن 3200 دولار سنويًا. السياسة النقدية ومشاكل العملة تعاني السياسة النقدية في مصر من فشل ذريع، حيث فضّل البنك المركزي المصري لفترة طويلة الحفاظ على سعر صرف ثابت للجنيه المصري، مما أدى إلى استنزاف احتياطيات العملة الصعبة. وبسبب الأزمات الاقتصادية المتتالية، اضطرت مصر إلى تخفيض قيمة الجنيه أربع مرات منذ بداية جائحة كورونا، مما جعل العملة المحلية تفقد حوالي ثلثي قيمتها منذ عام 2022. هذا التدهور الحاد في قيمة الجنيه تسبب في ارتفاع أسعار السلع الأساسية وزيادة تكلفة المعيشة بشكل كبير، مما أثقل كاهل المواطن المصري البسيط. بالإضافة إلى ذلك، أدت هذه السياسات النقدية إلى زيادة الاعتماد على الواردات، مما جعل الاقتصاد أكثر عرضة للأزمات الخارجية، لا سيما مع تآكل الاحتياطيات النقدية. التغير في اسعار السلع الأساسية منذ 10 سنوات     الدين المتزايد والاعتماد على القروض إن مصر عالقة في دوامة من الديون، حيث يُخصص نصف ميزانية الدولة تقريبًا لسداد الديون القائمة، مما يقلل من قدرة الحكومة على الإنفاق على الخدمات العامة والتنمية. وتكمن المشكلة في أن جزءًا كبيرًا من هذه الديون هو ديون خارجية، مما يجعل الاقتصاد أكثر هشاشة أمام تقلبات الأسواق العالمية وتغيرات أسعار الصرف. لجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي عدة مرات، وكان آخرها في بداية عام 2024، في محاولة لتخفيف الأزمة الاقتصادية. ومع أن قروض صندوق النقد غالبًا ما تكون مصحوبة بشروط تقشفية تهدف إلى استقرار الاقتصاد، إلا أن هذه السياسات لم تُحقق نجاحًا يُذكر حتى الآن، حيث أدت إلى زيادة الفقر وارتفاع معدل البطالة. أزمة الطاقة وانقطاع الكهرباء تعد أزمة الطاقة الحالية أحد أبرز مظاهر التدهور الاقتصادي في مصر، فقد فشلت الحكومة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة على الرغم من تطوير حقل الغاز “ظهر” في البحر المتوسط، الذي كان من المفترض أن يجعل مصر مُصدّرة صافية للطاقة. وبدلاً من ذلك، اضطرت مصر إلى استيراد كميات كبيرة من النفط والغاز، مما زاد من عجز الموازنة وزاد الضغط على العملة المحلية. وقد أدت أزمة الطاقة إلى فرض الحكومة لجدول زمني لانقطاع الكهرباء، مما أثر على الحياة اليومية للمواطنين وأعاق نشاطات الأعمال، وخاصة في فصل الصيف الحار. وفي ظل التزايد السكاني الكبير، من المتوقع أن تستمر هذه الأزمة ما لم يتم تطوير سياسات طاقة أكثر فعالية. وعلى ذكر أزمة الطاقة واثرها عالاقتصاد المصري اعلن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بتاريخ 26 سبتمبر عن خفض توقعاته لنمو الاقتصاد المصري إلى 3.2% بدلاً من 3.9% كما توقع سابقاً الخبر على موقع بلومبرج الشرق التحديات المستقبلية والخيارات المتاحة تقف مصر في موقف صعب فمن جهة تفرض عليها قروض صندوق النقد الدولي وشروطه التقشفية الاستمرار في خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، مما يزيد من مخاطر اندلاع اضطرابات اجتماعية. ومن جهة أخرى، فإن الاستمرار في الإنفاق بشكل مفرط على مشروعات لا تحقق عوائد اقتصادية فورية قد يؤدي إلى زيادة الدين بشكل يصعب تحمله. في المستقبل، إذا استمرت مصر في الاعتماد على قروض صندوق النقد الدولي كحل مؤقت، فإن الوضع قد يزداد سوءًا، خاصةً في ظل استمرار تآكل الاحتياطات النقدية وارتفاع تكاليف خدمة الدين. وفي غياب إصلاحات هيكلية شاملة، مثل تحسين بيئة الأعمال، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، ومكافحة الفساد، ستظل مصر عالقة في حلقة مفرغة من الأزمات الاقتصادية.

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022