خطة “الجنرالات” الإسرائيلية في شمال غزة: الأهداف والخلفيات والتحديات
رغم إعلان جيش الاحتلال قطاع غزة “ساحة قتال ثانوية”1، وفي الوقت الذي تُسلط فيه الأضواء على الحرب مع حزب الله في الجبهة الشمالية، وعلى الردود العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران، يبدو أن إسرائيل بدأت بتنفيذ ما تخطط له في كل ما هو مرتبط بـ “اليوم التالي” للحرب بالنسبة إلى قطاع غزة. ولعل ما أثار مثل هذا الاحتمال هو قيام إسرائيل بإعادة “الفرقة العسكرية 162” إلى جباليا برفقة دعوة سكان شمال القطاع إلى إخلاء منازلهم والتوجه جنوبًا عبر “محور نتساريم”، وهو ما اعتبره الكثير من المحللين بمثابة تحقيق لجزء كبير من الفكرة التي يُطلق عليها اسم “خطة الجنرالات” والتي يعد الجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي غيورا آيلاند من أبرز الممثلين لها في الإعلام، وهي تهدف إلى السيطرة على شمال قطاع غزة، وإخلائه من السكان المدنيين هناك، وفرض حصار على المنطقة، كخطوة يفترض أن تعزز تحقيق أهداف الحرب ضد حركة حماس (استعادة المخطوفين، وتقويض القوة العسكرية والسياسية لحماس). وفي الخطة اقتراح ينص على تجويع الناس الذين سيبقون في شمال القطاع بافتراض أنهم بصورة أساسية من عناصر حماس. وأشير في أكثر من مناسبة، كان آخرها في سياق ورقة تقدير موقف صادرة عن “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، إلى أن المنظومة الحكومية والسياسية في إسرائيل تفاعلت مع الخطة بإيجابية، على الرغم من أنها لم تعتمدها بالكامل بعد2. أولًا: ماهية خطة الجنرالات الإسرائيلية: ارتبطت “خطة الجنرالات” باسم اللواء في الاحتياط “غيورا آيلاند” الذي شغل منصب رئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي ورئيس مجلس الأمن القومي، وكان قد اقترح منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تدمير القطاع، وكتب في مقال رأي: “ليس أمام دولة إسرائيل سوى خيار أن تجعل من غزة مكانًا لا يصلح للحياة بصورة مؤقتة أو دائمة”. ثم أضاف بعد بضعة أسابيع في مقال آخر: “يجب أن يقال لسكان غزة أن عليهم أن يختاروا ما بين البقاء والموت جوعًا، أو الرحيل”. وهذا الموقف جعله واحدًا من المستهدفين في قرار محكمة العدل الدولية في يناير 2024 الذي أشار إلى أن من المحتمل أن تكون دولة اسرائيل قد ارتكبت أفعالًا مخالفة لمعاهدة الإبادة الجماعية3. ودعا آيلاند، في أغسطس 2024، إلى فرض حصار شامل على شمال غزة من أجل الانتصار على حركة حماس4. وفي 4 سبتمبر الفائت، نشر “منتدى قادة ومقاتلي الاحتياط” في جيش الاحتلال الإسرائيلي خطة تهدف إلى “إجبار حماس على الاستسلام وعلى إعادة الرهائن”، أُطلق عليها اسم “خطة الجنرالات”، كان غيورا آيلاند قد بلورها، ووافق عليها عشرات الجنرالات السابقين5. وفي نهاية سبتمبر 2024، ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت صدقا على دراسة العمليات التي يمكن تنفيذها في غزة على أساس خطة تهدف إلى تهجير سكان شمال قطاع غزة وتسمي بـ”خطة الجنرالات”، ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن نتنياهو وقتها قوله خلال جلسة مغلقة في الكنيست إنه يدرس هذه الخطة التي وصفها بـ”المنطقية”6. وتعتمد خطة الجنرالات على الافتراضات التالية: ورغم عدم الإعلان رسميًا عن بدء تنفيذ الخطة، فقد أعلن الجيش الإسرائيلي، في 6 أكتوبر 2024، عن بدء عملية برية جديدة شمال قطاع غزة (جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا)، مشيرًا إلى معلومات تشير إلى “محاولات حركة حماس ترميم بنيتها العسكرية”. وقال في بيان: “بدأت قوات الفرقة 162 (فرقة مدرعة نظامية تتبع قيادة المنطقة الجنوبية) الليلة الماضية العمل في منطقة جباليا بعد ورود معلومات استخبارية مسبقة وبعد تقييم وضع مستمر وأعمال القوات في الميدان التي دلت على وجود مسلحين وبنى عسكرية في المنطقة إلى جانب محاولات لترميم بنى عسكرية من قبل حماس”. وأضاف: “لقد استكملت الفرق القتالية للوائي 401 و460 تطويق المنطقة لتواصل القوات العمل في المنطقة”. ولفت البيان إلى أنه “قبل بداية العملية هاجمت قوات سلاح الجو عشرات الأهداف العسكرية لمساندة القوات المناورة ومن بينها مستودعات أسلحة وبنى تحت أرضية”. وأكد الجيش الإسرائيلي أن “العملية ستتواصل وفق الضرورة مع تسديد ضربات ممنهجة وتدمير جذري للبنى العسكرية في المنطقة”. من جهة أخرى، نشر الجيش الإسرائيلي خريطة إخلاء جديدة إلى سكان شمال قطاع غزة، مشددًا على أن منطقة شمال قطاع غزة لا تزال تعتبر منطقة قتال خطيرة. وأشار إلى أن طرق الانتقال والإخلاء الإنسانية المفتوحة نحو المنطقة الإنسانية في المواصي وهي شارع رشيد (البحر) وشارع صلاح الدين، لافتًا إلى توسيع المنطقة الإنسانية10. وقد قامت آليات الاحتلال بدخول شمال القطاع من ثلاثة محاور وهي: محور الشيخ زايد شمالًا، محور شرق تل الزعتر والإدارة المدنية شرقًا، محور الفالوجة ومنطقة القصاصيب غربًا. وقد أعلن الجيش الإسرائيلي، في 18 أكتوبر 2024، عن انضمام لواء غفعاتي إلى الفرقة 162، في إطار توسيع عمليته العسكرية. حيث أصبحت الألوية المدرعة 401 و460 في وضع إسناد لكتيبة “روتم” (كتيبة استطلاع خاصة)، التابعة للواء غفعاتي الذي ما زال ينشط مقاتلوه في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة11. وتستخدم إسرائيل في عمليتها العسكرية الجديدة على شمال قطاع غزة، والتي تعد الثالثة من نوعها على مناطق جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون منذ بدء العدوان الإسرائيلي، شتي أنواع الإبادة الجماعية لتحويل شمال القطاع إلى أرض سوداء محروقة غير قابلة لأي صورة من صور الحياة. حيث فرض جيش الاحتلال الإسرائيلي حصارًا مشددًا على شمال قطاع غزة وأحاطت الآليات والجيبات العسكرية بمحافظة الشمال من جميع اتجاهاتها لمنع الحركة وإحكام السيطرة عليها، وألقت طائرات الاحتلال منشورات ورقية تطالب السكان والنازحين في مدارس ومراكز الإيواء إخلاءها والذهاب باتجاه المناطق الوسطى والجنوبية من القطاع. ثم بدأت إسرائيل القصف المدفعي والجوي الكثيف علي المنطقة، ويلاحظ استخدام الاحتلال في هذه العملية للبراميل المتفجرة والروبوتات المفخخة ذات القوة التدميرية الهائلة12. وفي السياق، قال المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل، أن سياسة قوات الاحتلال الإسرائيلي في جباليا شمال القطاع هي تفريغ المربعات السكنية واحدًا تلو الآخر، وأضاف بصل أن المئات من المدنيين في جباليا تحت خطر شديد، إذ تعمد الاحتلال تدمير كتلة سكنية كبيرة، ويركز الآن على مراكز الإيواء في بيت لاهيا المتاخمة لمخيم جباليا13. وهو ما تسبب في خروج العشرات من منازلهم إلى المناطق التي يتمركز فيها جيش الاحتلال والمرور عبرها، ذلك لأن المنطقة أصبحت محاطة بشكل كامل بالقوات والآليات، ووضع جيش الاحتلال كاميرات مراقبة وحساسات في المناطق التي طلب من السكان الإخلاء عبرها للقيام بتفتيشهم (أقام الاحتلال حواجز تفتيش إحداها على شارع صلاح الدين بالقرب من موقع الإدارة المدنية على شارع صلاح الدين شرقًا، والثاني قرب دوار “التوام” في المنطقة الشمالية الغربية على شارع الرشيد14). وسُجلت حالات اعتقال لنازحين فلسطينيين من قبل جيش الاحتلال الذي نشر صورة لاعتقاله عددًا من الفلسطينيين بزعم الاشتباه بانتمائهم لفصائل المقاومة15. وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه “منذ بداية العمليات في المنطقة (مخيم جباليا ومناطق أخرى شمال غزة)، تم إجلاء حوالي…