دلالات زيارة السيسي فرنسا.. توقيتها وانعكاساتها الإقليمية

دلالات زيارة السيسي فرنسا.. توقيتها وانعكاساتها الإقليمية

  جاءت زيارة عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا “7-9 ديسمبر” في وقت بالغ الحساسية، في ظل هجوم موسع وعنصرية مقيتة تمارسها إدارة الرئيس ايمانويل ماكرون، ضد المسلمين في فرنسا،  وثوابت الدين الاسلامي بصفة عامة، من اهانة الرسول برسوم كاريكاتيرية مسيئة، وحملات اعتقال ودهم للمساجد والمراكز الإسلامية وتضييق على المحجبات، وهو ما استثار غالبية الشعوب العربية والإسلامية، ضد فرنسا، معبرة عن ذلك بحملات مقاطعة للمنتجات الفرنسية، ومقاطعة من قبل السلطات السياسية في الدول، ولكن بشكل غير معلن، وجاءت الزيارة على عكس المتوقع، من قبل النظام المصري، وكأنه يمد يد العون لمن يهين الإسلام والمسلمين، وهو ما مثل طعنة من قبل نظام السيسي لعموم الشعوب الإسلامية. زيارة مبرمجة سابقا وتأتي زيارة السيسي إلى فرنسا بعد نحو عامين من لقاء جمع ماكرون والسيسي في العاصمة المصرية القاهرة، حيث اختلفا خلاله حول قضايا تتعلق بحقوق الإنسان وأوضاعها في مصر. وعببرت الزيارة عن حاجة كلا من ماكرون والسيسي لبعضهما البعض،  تلك الزيارة التي كانت مبرمجة منذ فترة طويلة، إلا أن الإعلان عنها فاجأ الجميع، خصوصا نشطاء المنظمات الحقوقية الفرنسية والدولية، بما أن باريس تكتمت عن موعدها حتى قبل أربعة أيام من حدوثها، إذ تدرك أن زيارة من هذا القبيل هي تزكية مجانية لجرائم دكتاتور مصر. وحتى ساعات قليلة قبل نزول الطائرة الرئاسية المصرية في فرنسا، نددت عدة منظمات حقوقية فرنسية بمدّ “السجاد الأحمر” للسيسي في باريس. لكن الرئيس الفرنسي المتعجرف تحدّى، مرة أخرى، الجميع، وأصرّ على استقبال ضيفه، غير المرحّب به شعبيا، على الرغم من كل الاحتجاجات والاعتراضات التي رافقت زيارته، ليس فقط من أجل صفقات السلاح التي حاول ماكرون أن يبرّر بها سكوته عن جرائم ضيفه في مجال حقوق الإنسان، فقيمة الصفقات المبرمة في هذا المجال لم تتعدّ، حسب وسائل إعلام فرنسية، 1.4 مليار يورو خلال السنوات الماضية، وإنما لأسباب أخرى في نفسه! أهداف الزيارة وجاءت الزيارة لتحقيق العديد من الأهداف من قبل الطرفين الفرنسي والمصري: -دعم خيار السلطوية الاستبدادية لماكرون قبيل الانتخابات الفرنسية: بعد سلسلة من السياسات الاستبدادية من قبل ماكرون، باتت كثير من وسائل الإعلام الفرنسية، تلقبه بـ”الدكتاتور الصغير” و”الدكتاتور الناعم”، وتزيّن رسومه الساخرة، وهو يرتدي بزّة عسكرية، أغلفة مجلات فرنسية معروفة، مثل “لوكوييه أنترناسيونال”، ويتهمه كتاب الافتتاحيات بتحويل الجمهورية الفرنسية في عهده إلى “دكتاتورية قانونية”، كما جاء في افتتاحية صحيفة ليمانيتي، الناطقة باسم الحزب الشيوعي الفرنسي الصادرة يوم وصول السيسي إلى باريس، أو كما جاء في أسبوعية لوبوان التي كتبت قبل يومين مشكّكة “يبدو أن فرنسا تعيش الآن في ظل نظام استبدادي”! وذلك وفق ما يذهب اليه الباحث المغربي علي أنوزلا، بـ:العربي الجديد”، بمقاله ” السيسي يستنجد بـ “دكتاتور” فرنسا الناعم”. ولعل أبرز ما يكمن وراء سر التقارب بين ماكرون والسيسي، هو تمسّكهما بالسلطة، فماكرون يُعدّ لها، بخبثٍ ومكر، انتخابياً، والسيسي يستعد لمواجهة تقلباتها متوجّساً من تقلب الإدارة الأمريكية الداعمة له طوال سنوات خكم ترامب، الذي يودع البيت الأبيض حاليا. فماكرون ومنذ وصوله إلى الحكم، أظهر، القادم إلى السياسة من عالم المال والأعمال، احتقارا كبيرا للطبقات الشعبية الكادحة، وأطلق تصريحاتٍ مستفزّة ضد مواطنيه، وواجه بعجرفةٍ وعنف شديدين احتجاجات أصحاب “السترات الصفراء”، وتعنّت في الاستجابة لمطالب حركة الإضرابات ضد تعديل قانون التقاعد. ويوما عن يوم، تتصاعد الاتهامات ضده برفض الأخذ بعين الاعتبار توجّه الرأي العام الرافض والمشكك في كثير من سياساته التي لا تخدم سوى الطبقات الميسورة داخل المجتمع الفرنسي. وأخيرا، باتت الصحافة العالمية تشير إلى تصاعد القلق داخل المجتمع الفرنسي من التحول الأمني الذي اتخذه ماكرون في بلاده، وتجسّد في مشروع قانون “الأمن الشامل”، المثير للجدل الذي قسم الفرنسيين إلى من يؤمن بقيم الديمقراطية ويجد نفسه في مواجهة عنف الشرطة في الشارع، ومن يعارضها ويجد نفسه مصطفّا في صف ماكرون. وقُبيل الإعلان عن زيارة السيسي باريس، فتح ماكرون على نفسه جبهة معارضة واسعة في العالم الإسلامي، عندما أطلق تصريحاته المستفزّة حول الإسلام، وطرح مشاريع قوانينه العنصرية حول ما يصفها بـ “الانعزالية الإسلامية”، وعرّض بلاده لحملة مقاطعة اقتصادية شعبية عمت أكثر من بلد إسلامي، من جاكارتا إلى طنجة، جعلته يتودّد إلى الرأي العام الإسلامي للتخفيف من وطأتها. بجانب فشله الذريع في تدبير أزمة وباء كورونا وتداعياتها التي ما زالت تتفاعل سلبا، مؤثرة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للفرنسيين، هي التي دفعت ماكرون إلى الاستنجاد بالسيسي، في وقت يدرك فيه أن نظام السيسي  يواجه سيلاً من الانتقادات بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر، ويعبر واحدةً من أشد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي قد تنسفه مع أول انفجار اجتماعي يهزّ البلد. وقد أراد ماكرون أن يزكّي السيسي  تصريحاته، داخل فرنسا، حول الخطر الإسلامي الذي اتخذ منه حطبا لحمله الانتخابية السابقة لأوانها، وفي الوقت نفسه، يرسل رسائل اطمئنان إلى الخارج، وخصوصا إلى الرأي العام الإسلامي الغاضب، عندما يستقبل رئيس أكبر دولة إسلامية سنية وعربية، يقاسمه آراءه نفسها، حول ما يتفقان على وصفه بـ “الإرهاب الإسلامي”!. وبعيدا عن العناوين الكبرى التي طغت على لقاء ماكرون والسيسي، مثل الأزمة الليبية ومحاربة الإرهاب، ومواجهة التمدّد التركي في شرق المتوسط، وصفقات الأسلحة وحقوق الإنسان، فإن ما يشغل بال الرجلين هو تمسّكهما بالسلطة، ماكرون يُعدّ لها، بخبثٍ ومكر، انتخابيا، والسيسي يستعد لمواجهة تقلباتها متوجّسا من خيبات الأمل المفاجئة القادمة. -البحث عن حليف قوي بديلا لترامب، تحسبا لتغيرات دراماتيكية في العلاقات الأمريكية مع القاهرة في عهد بايدن، فإن للسيسي هو الآخر، مآربه الخاصة من زيارةٍ فرنسا، التي يراهن عليها للتخفيف من عزلته، وتُكسبه صداقة جديدة في سياق بحثه عن “كفيلٍ” غربي يحميه، ويغطي على انتهاكاته حقوق الإنسان في بلاده، خصوصا بعد أن خبا نجم راعيه المفضل، دونالد ترامب، ووصول جو بايدن إلى الحكم الذي سبق أن غرّد علانية “لا مزيد من الشيكات البيضاء لديكتاتور ترامب المفضل”. -دلالات الزيارة: -تراجع مكانة حقوق الإنسان في صناعة السياسات: وعلى الرغم من المحاولات الرسمية الفرنسية لإبقاء زيارة السيسي تحت الرادار تؤكد الطبيعة المتشابكة لاحتضان غير لائق، بين فرنسا التي تقدم نفسها على أنها نموذج لحقوق الإنسان والحرية، ومصر التي برزت كواحدة من أكثر الأنظمة وحشية وقمعًا على هذا الكوكب، مع سجل حقوق الإنسان المتدهور وسجون المعارضين. ولعل تهميش مبادئ حقوق الإنسان، وتحطم قيمها اقليميا ودوليا،  هو ما مكن السيسي من الوصول إلى فرنسا، رغم دعوات من قبل المنظمات والنشطاء والدوائر الثقافية والمجتمعية الدولية والمصرية، وهو ما ترجمته منظمة “هيومن رايتس ووتش” ببيانها بشأن الزيارة “في ظل حكومة عبد الفتاح السيسي، مصر تعاني من أسوأ أزمة حقوقية منذ عدة عقود، ومع ذلك، أصر ماكرون على أنه لن يمارس أي ضغط على مصر بشأن سجل حافل يشمل الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القانون والتعذيب وظروف السجن الفظيعة والمحاكمات الجماعية”. ونقل عنه قوله مع بدء زيارة السيسي: “لن أشترط…

تابع القراءة

حملة السيسي على رجال الأعمال .. المآرب والمآلات

  يشن نظام 3 يوليو العسكري حاليا (ديسمبر 2020م) حملة سوداء على بعض رجال الأعمال، حيث جرى اعتقال بعضهم كأحمد صفوان ثابت، صاحب ورئيس مجلس إدارة شركة جهينة والتي تعتبر كبرى شركات منتجات الألبان بمصر والشرق الأوسط، وسيد السويركي، صاحب فروع محلات “التوحيد والنور” الشهيرة لتجارة الملابس، ومحمد رجب، صاحب فروع أولاد رجب الشهيرة لتجارة البقالة  تمثل رسالة تهديد مباشر لكل رجال الأعمال. وقبل ذلك بنحو أسبوع، تضمنت قائمة لجنة التحفظ على “أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين” الأخيرة منع رجل الأعمال محمد منصور عبد الرحمن أبو عوف، وشقيقه مصطفى، من التصرف بأموالهما وأملاكهما، والتحفظ على شركتهما “ماي واي إيجيبت” (My way Egypt‎) لمستحضرات التجميل، إحدى أكبر الشركات العاملة في السوق المصرية في هذا المجال. وفي غرة سبتمبر 2020م، كانت أجهزة السيسي قد احتجزت رجل الأعمال صلاح دياب، رئيس مجلس إدارة شركة بيكو ومالك صحيفة المصري اليوم، للمرة الثانية في عهد نظام الانقلاب، وجرى تسوية الأمر بعد إجباره على دفع نحو مليار جنيه للنظام، وبيع أسهم غالبة من صحيفة المصري اليوم لجهاز أمني كبير يحتكر الإعلام المصري. وقبل عدة شهور شنت أجنحة داخل النظام حملة ضد شركات “توشيبا العربي” المملوكة لرجل الأعمال الشهير محمود العربي. هذه السلسلة المتلاحقة من استهداف رجال أعمال وكياناتهم التجارية الكبرى أثارت تساؤلات عن أهدافها الحقيقية وآثارها الاقتصادية في مناخ الاستثمار والصناعة المحلية بمصر، فضلا عن انعكاساتها على شريحة عريضة من الطبقة المتوسطة والفقيرة ممن يستفيدون من تلك الكيانات المتضررة.   «صندوق تحيا مصر!» وحتى نفهم مغزى توقيت هذه الحملة والرسائل والدلالات من ورائها، والمآرب المستهدفة بها، يتعين الرجوع إلى الوراء قليلا وتحديدا بعد مسرحية الرئاسة سنة 2014م، وقد ظهر لاحقا تسريب كاشف للواء عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات حاليا والذي كان قتها مديرا لمكتب الطاغية عبدالفتاح السيسي، رئيس الانقلاب، وقد بدا عباس كامل خلال التسريب في حالة حنق وغضب من رجال الأعمال قائلا: «ومش عايزين حاجة من شوية العيال رجال الأعمال دول»! وحتى تكتمل الصورة، دعا السيسي في يوم 3 يوليو 2014م، إلى إنشاء صندوق «تحيا مصر» وقال إنه يريد في هذا الصندوق مبلغ 100 مليار جنيه وفق حديثه: «أنا عايز 100 مليار جنيه على جنب كده»، بعدها قامت وسائل الإعلام بعمل حملة للتبرع وبدأت الدعوات لرجال الأعمال الكبار (شوية العيال) للاجتماع بالرئيس الذي سطا على الحكم بانقلاب عسكري قبل سنة وخرج للتو رئيسا من مسرحية انتخابية بائسة الشكل والجوهر والإخراج. وفي 11 يوليو 2014 تم عقد اجتماع مع كل رجال الأعمال الكبار في قصر الاتحادية وجلس السيسي معهم قرابة النصف ساعة ودعاهم بشكل غير مباشر إلى التبرع إلى صندوق تحيا مصر، وتركهم ليرأس الاجتماع أحد أقرب المقربين للسيسي، ولم يكن وقتها من الحكومة. ودار الحديث حتى منتصف الليل وانتهى إلى ما يلي: فريق من رجال الأعمال دفع على الفوز وبدون نقاش. وهؤلاء خرج مانشيت «اليوم السابع» في اليوم التالي مباشرة “15 يوليو” تحت عنوان: «قائمة الشرف للمتبرعين لصندوق تحيا مصر»، وشملت «نجيب ساويرس» و «أحمد أبو هشيمة» و «منصور عامر» و«محمد أبو العينين» ورجال أعمال آخرين بقيمة تبرعات وصلت 5.4 مليار جنيه من أصل مبلغ طلبه السيسي وهو 100 مليار جنيه. فريق آخر وضع شروطا تخدم مصالحه الشخصية. هؤلاء تبرعوا في وقت لاحق بعد حصولهم على امتيازات خاصة وتسهيلات لخدمة أعمالهم. فريق ثالث رفض فكرة التبرع من الأساس باعتباره شكلا من أشكال الإتاوة، خصوصا وأنهم يدفعون ما عليهم من ضرائب والتزامات للدولة. وزاد من تحفظهم غياب أي رقابة على الصندوق والاعتماد على أنه تحت إشراف “الرئيس!” وهو الذي يحدد جهات الصرف منه، والتأكيد على أنهم على استعداد للمشاركة في مشروعات تراها الدولة من خلال شركاتهم بدلا من التبرع، وأن جهودهم الخيرية منتشرة في ربوع مصر؛ لكن النظام أصر على التبرعات؛ لأنه سيتم إسناد المشروعات المستهدفة للقوات المسلحة؛ وهو ما رفضه رجال أعمال متسائلين: ” كيف نتبرع للبلد ثم تنفذ القوات المسلحة المشروعات بدلا من شركاتنا؟”، لكن هؤلاء تلقوا تهديدا مباشرا من جانب مفوض السيسي الذي هددهم بقوله”اللي أخدتموه من البلد أكبر من المطلوب منكم، وكل واحد عنده مشاكل كبيرة في شغله”! وفي يوم 5 اغسطس 2014م، خرج السيسي مهددا: «هتدفعوا هتدفعوا وإن أخدت مني جنيه يبقالك الكلام، عارفين يعنى إيه أقول إن الصندوق ده أنا أشرف عليه.. اسألوا الجيش أنا كنت بعمل إيه وهناخد من جيب المصريين وهناخد إن شاء الله». ويوم 28 أكتوبر 2014 أمر السيسي القوات المسلحة والحكومة باسترداد الأراضي من أباطرة الأراضي بقيمة 100 مليار جنيه. بعد تلك الأحداث لم يعد أحد من رجال الأعمال الذين أبدوا تحفظا على التبرع لصندوق السيسي يأمن على نفسه وأهله وشركاته؛ وبدأ النظام في عملية إعادة تصميم المشهد الاقتصادي بما يضمن احتكار المؤسسة العسكرية لمفاصل الاقتصاد، وتشكيل طبقة جديدة من رجال الأعمال تدين بالولاء المطلق للنظام،  وبناء على تلك المخططات جرى تقسيم رجال الأعمال إلى ثلاثة اصناف: الأول، هم المغضوب عليهم؛ وهؤلاء هو رجال الأعمال المنتمون إلى الإخوان، فقد جرى التنكيل بهم على نحو واسع، وصلت حد الاستئصال، كما جرى مع محمد خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للإخوان، وحسن مالك وغيرهم؛ فقد جرى اعتقالهم واعتقال أبنائهم، وومصادرة أموالهم وشركاتهم. وسن القوانين التي تشرعن هذا السطو الإجرامي على المال الخاص المفترض أنهم محمي بنصوص الدستور الذي جرى انتهاكه على نحو بالغ. الثاني، هو فريق المقربين من رجال الأعمال؛ وهؤلاء جرى منحهم امتيازات واسعة، وتسهيلات كبيرة تعزز من نشاطهم بشرط الإذعان الكامل للنظام والولاء المطلق له. على أن يكون نشاطهم تحت إشراف ورعاية من المؤسسة العسكرية التي ستمنحهم هذه الامتيازات عبر احتكارها لجميع المشروعات ومفاصل الاقتصاد من الألف إلى الياء. وبعضهم مجرد واجهة لاستثمارات كبرى خاصة بأجهزة المخابرات وغيرها من أجهزة النظام. الثالث، هو الفريق الذي يضم خليطا من رجال الأعمال، بعضهم رفض فكرة التبرع من الأساس باعتبارها شكلا من أشكال الإتاوة بعيدا عن القانون، والإقرار بها أول مرة سيغري النظام بتكرار طلب مثل هذه التبرعات. وبعضهم حاول أن يحيط نفسه بهامش من الاستقلالية عبر الابتعاد عن السياسة باعتبارها شرا محضا. وبعضهم تبرع لاحقا لصندوق السيسي “تحيا مصر” بدافع استرضاء النظام وعدم وضع العراقيل أمام نشاطه الاقتصادي رغم التزامه واستقامته، لكن يجمع كل  هؤلاء عدم رضاهم عن النظام وتوجهاته الاقتصادية، وربما أن استجابتهم للتبرع لم تكن بالشكل والحجم المطلوب. والنظام من جانبه يتعامل في الملفات السياسية والاقتصادية بمنطق جورج بوش الابن «من ليس معنا فهو ضدنا»! فهو لا يرضى سوى بالإذعان الكامل والولاء المطلق الذي لا تشوبه شائبة.  وهؤلاء هم من يجري التنكيل بهم حاليا، وبعضهم له تجارب سابقة  غير جيدة مع نظام السيسي؛ فقد جرى وضع  أحمد صفوان ثابت على قوائم الإرهاب سنة 2015م. كما جرى احتجاز…

تابع القراءة

الديمقراطية التونسية بمواجهة دعوات الانقلاب العسكري: من عبير موسي إلى “العكروت” و”عبو” فماذا بعد؟

    من النائبة المثيرة للجدل عبير موسي إلى البرلماني محمد عبو و الجنرال العسكري كمال العكروت، تعيش تونس أجواء انقلاب مضاد على تجربتها الديمقراطية، منذ الانتخابات النيابية والرئاسية الماضية، وهو نفس الأمر الذي سبق وأن تكرر مرارا منذ ثورة الياسمين عبر الإمارات والسعودية وحلفائهم الاقليميين والمحليين، مستغلين تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد المأزومة سياسيا. وهو ما حذر منه الرئيس قيس سعيد، وفق ما وصفه بـ”محاولات خفية لضرب الدولة من الداخل” وذلك يوم 14 ديسمبر الجاري، خلال زيارته إلى منطقتي بئر سلطان والعين السخونة بولاية قبلي (جنوب غرب)، إثر خلاف حول قطعة أرض أودى بحياة شخص وإصابة 70، وفق بيان للرئاسة، حيث تشهد عدة مناطق جنوب تونس من حين إلى آخر صراعات بينها حول الأراضي المشاعة التي لا تخضع عادة لتوثيق عقاري.   دعوات متنوعة وخلال الفترة الأخيرة، أثارت  دعوات لتدخل الجيش وحل البرلمان جدلا واسعا. وتتصاعد تلك الدعوات، على هامش خلافات سياسية حادة  بين الأحزاب والقوى السياسية، بجانب أزمات معيشية. ووفق الباحث التونسي خليل الحناشي، بصحيفة “الصباح” التونسية، فإن “ارتفاع وتيرة الأزمة تحت قبة البرلمان التي وجد فيها البعض فرصة  لتفكيك منظومة الحكم والدعوة إلى تغييرات تشمل طبيعة الحكم وتحوير الدستور الذي لم يعد يستجيب لمتطلبات البعض”.   لائحة استهداف “النهضة” ويوم الثلاثاء 15 ديسمبر، فشلت عبير موسى وتيارها في تمرير ما أسمته “لائحة الإرهاب” التي تستهدف من خلالها تجريم نشاط حزب النهضة، وكان من المقرر عقد جلسة عامة يوم 15 ديسمبر الجاري،  لمناقشة لائحة تقدم بها الحزب الدستوري الحر لمطالبة البرلمان بإصدار بيان “يندد بتبييض الإرهاب ويدعو فيه الحكومة لتجفيف منابعه وتفكيك منظومة تمويله”، إلا أن غياب النواب حال دون عقد الجلسة،  ولم يتجاوزعدد الحضور 48 نائبا. ويتضمن نص اللائحة أيضا، دعوة الحكومة بالقيام بإجراءات حل التنظيمات السياسية والجمعيات الداعمة للعنف والفكر الظلامي والخطاب التكفيري المتطرف، إلى جانب مطالبة البنك المركزي بتشديد الرقابة على مصادر التمويل الخارجي للجمعيات وكشف شبكات التمويل الأجنبي للأحزاب وإحالتها على القضاء-وفق عبير موسي. وقبل ذلك، وفي شهر مايو  الماضي، انطلقت دعوات حلّ البرلمان التونسي، من طرف مجهولين دعوا إلى “ثورة الجياع” في تونس، بهدف حل الأحزاب الحاكمة والبرلمان والمطالبة بمحاسبتهم، وتعليق العمل بالدستور، ثم اعتصام 1 يونيو الذي قاده المحامي المعزول عماد بن حليمة قبالة البرلمان التونسي، يليه “حراك الإخشيدي 14 يونيو 2020 “، وآخرها حراك “ائتلاف الجمهورية الثالثة” وجميعها طالبت بحلّ مجلس نواب الشعب والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة وتشكيل حكومة لتصريف الأعمال، فضلًا عن إجراء استفتاء على النظام السياسي والتوجه نحو نظام رئاسي ديمقراطي وتنقيح قانون الأحزاب، لكنها لم تجد صدى عند التونسيين ما عجّل بفشلها. كما فشل نواب حركة الشعب في البرلمان التونسي، إلى جانب نواب الحزب الدستوري الحر في يونيو الماضي، في إدانة ما اعتبروه تدخلًا تركيًا في ليبيا، حيث سقطت اللائحة التي قدمتها كتلة الحزب الدستوري الحر لرفض ما وصفته بـ “التدخل التركي في ليبيا” ومساءلة رئيس البرلمان راشد الغنوشي على ضوء مواقفه المساندة للشرعية الدولية هناك، واتصاله برئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج بعد استعادة قاعدة الوطية من قوات حفتر. وفي نوفمبر الماضي، رفضت محكمة تونسية دعوى استعجاليه، تقدم بها الحزب الدستوري الحر ورئيسته عبير موسي، ضد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فرع تونس، لإيقاف نشاطه داخل البلاد.   تحفيز العسكر من العكروت إلى عبو وأمام المشهد الموتور، يرى فريق أن الحل في  عسكرة الحياة السياسية وتمصير الوضع العام “على نسق انقلاب الجيش على السلطة المدنية في مصر في 2013” ، بينما آخرون يرون أن الدعوة لإقحام الجيش في تفاصيل سياسية ما هي إلا دعوة للانقلاب على الديمقراطية وعبث قد لا يجد صداه من المؤسسة العسكرية التونسية، اعتبارا لمواقف سابقة ، أبرزها موقف الجيش من الثورة التونسية في 2010، ودعوات الانقلاب المتوالية خلال الفترة الماضية. ولعل الملفت في هذا السياق تقاطع دعوة العسكرة بين الأميرال الأسبق والمستشار السابق لرئيس الجمهورية كمال العكروت والوزير والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي محمد عبو، حيث أثار عبو عدة ردود أفعال انتهت بإعلان استقالته، مؤخرا، من التيار الديمقراطي، وقد ربط المتابعون للشأن العام الاستقالة بالتصريح الأخير لعبو على إذاعة «شمس» حيث عبر عن مساندته لنشر قوات الجيش الوطني في كل المدن بإذن من القائد الأعلى للقوات المسلحة. واعتبر عبو أن رئيس الجمهورية يمكنه النظر بمعية وزير الداخلية في وضع الأشخاص الذين يمثلون خطرا على الدولة تحت الإقامة الجبرية إلى حين عودة القضاء إلى عمله. وقد فهم موقف عبو في البداية على ،نه ردة فعل طبيعية على مجموعة الأحزاب (النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة) التي أطاحت به وبحكومة الياس الفخفاخ. إلا أن موقف عبو تقاطع زمنيا وفعليا مع ما دعا له الأميرال كمال العكروت في تدوينة وصفت بالغريبة حيث دوّن صاحبها “معركتنا اليوم معركة إنقاذ وطن من إرهابيين وسفهاء وجهلة ومرضى نفسانيا، قاعدين يلعبوا بأمن بلادنا وبمستقبل أولادنا الحياد والوقوف فوق الربوة تخاذل وجبن” تلك الدعوات التي وصفها وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، بأنها محاولات منسقة ومتدرجة لإرباك الأوضاع، تبدأ باستخدام الأوجاع الاجتماعية ومحاولة تهييج الناس في الجهات عبر قطع الغاز والموارد الحيوية، ثم تحريك الشباب العاطلين والفئات الضعيفة، ويكون ذلك مصحوبا بإدخال حالة من الفوضى والهرج في البرلمان لتوليد الشعور بفشل الطبقة السياسية وكل منظومة الحكم، وبموازاة ذلك تتحرك جوقة الإعلام لصنع رأي عام مساند لانقلاب ناعم، مع  توظيف بعض فقهاء القانون.   “حراك 14 يونيو” وفي 14 يونيو 2020، فشلت الدعوات التي تبنتها النائبة عبير موسي، لتنظيم احتجاجات في العاصمة التونسية، للمطالبة بإسقاط الحكومة وحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. ولم تلق الدعوة قبولا، سوى عشرات تجمّعوا بالقرب من محيط مقرّ البرلمان في جهة باردو، رافعين شعارات مناوئة لحركة النهضة وأخرى تدعو لتغيير النظام السياسي. وكشف فتحي الورقلي، قائد “حراك 14 يونيو”،  لـ”الجزيرة نت”، أن أهداف الحراك؛ الإطاحة بالبرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة وتنقيح القانون الانتخابي وتغيير النظام السياسي، متوعدا بالدعوة للعصيان المدني.   الحرب الإعلامية ومن ضمن أنشطة نشر الفوضى، الحملة الاعلامية التي تتبناها الأذرع الاعلامية الإماراتية، فزعمت قناة “العربية” التي تعمل بتمويل سعودي ومقرها الإمارات، أن راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي، رئيس حركة “النهضة ، الذي عاد من المنفى عام 2011 مع “ثورة الياسمين”، تمكن من امتلاك ثروة مالية بوسائل غير مشروعة. ويعمل تلفزيون “الغد”، ومقره مصر وهو امتداد للمحور الإماراتي السعودي، على الإسهاب في الترويج لهذه القضية، وتحاول القناة، التي تأسست على يد الفلسطيني محمد دحلان بتمويل إماراتي، إيجاد تصور بأن الشعب التونسي لا يثق بحكومته ولا بالتحقيقات التي برأت الغنوشي. ودعمت أبوظبي الاحتجاجات المناهضة لحركة “النهضة”، عام 2013، كما دعمت حزب “نداء تونس” (ليبرالي) ضد “النهضة” في الانتخابات الرئاسية، عام 2014، وعملت على استمالة الرئيس التونسي…

تابع القراءة

آفاق الأزمة السياسية بين الإمارات والجزائر ومستقبل النظام الإقليمي الجديد

    دخلت العلاقات بين الجزائر والإمارات في أتون أزمة سياسية متصاعدة، خلال الأيام الماضية، وتنوعت مظاهر الأزمة بين إعلان الإمارات وقف منح تأشيرات عمل أو سياحة لمواطني 13 دولة مسلمة، من بينهم الجزائر، وجاءت المعلومة وفقاً لوثيقة أصدرها مجمع أعمال حكومي إماراتي، وزعت على شركات سياحية، بدأ العمل بها الأيام الأخيرة. ومن ضمن مظاهر الأزمة، الانتقاد العلني للرجل الثاني بالدولة رئيس مجلس الأمة الجزائري بالإنابة “صالح قوجيل” للإمارات، على خلفية افتتاح الإمارات  قنصلية لها في مدينة العيون جنوب المغرب، كاعتراف ضمني منها بمغربية الصحراء، خصوصاَ أن الجزائر تتبني طرح “البوليساريو”، وتقول إن “العيون هي مدينة توجد في المناطق المتنازع عليها مع المغرب” رابطا بين التحولات الإماراتية نحو التطبيع العلني مع إسرائيل وافتتاح القنصلية، بموقف الجزائر الرافض للتطبيع. وكانت الإمارات أول دولة عربية تفتح قنصلية في مدينة العيون، كبرى مدن الصحراء الغربية، وخلفت الخطوة انتقادات كبيرة من سياسيين وشخصيات جزائرية، واعتبرتها خطوة للرد على الجزائر بسبب انتقادها التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي. وفي سياق  التصريحات التصعيدية، ما جاء على لسان الدبلوماسي الجزائري والوزير السابق “عبد العزيز رحابي” في تصريحات صحفية حول خطوة الإمارات في العيون: “كل بلد سواء كان عربيا أو غير عربي لديه موقف معاد للمصالح الأساسية للجزائر، أعتبره موقفا عدوانيا إزاء الجزائر”، وأن “الجزائر لا تضبط العلاقات بين المغرب وحلفائها، لكن هناك بعض المواقف تأخذها بعض الدول لضرب مصالح الجزائر، مثلا التسليح الحربي تتكفل به دول ثانية هذا ليس موقفا سياسيا، بل لديه تداعيات على أمن وسلامة الحدود الجزائرية”. وبحسب الموقع الفرنسي “مغرب إنتليجنس” تتحرك أبوظبي ضد الجزائر، وتعمل على ممارسة ضغوط على قيادتها بسبب عدد من المواقف لم ترض ساسة الإمارات. ووفق الموقع، تشهد العلاقات بين الجزائر والإمارات  توتراً في عدة ملفات، لا سيما بعد تصريحات الرئيس “عبدالمجيد تبون” حول الدول العربية التي تطبع علاقاتها مع إسرائيل. ويعود التوتر الحاصل بين البلدين للصيف الماضي عندما ندد الإمارات يون بوضوح بتقارب الجزائر مع مواقف تركيا بشأن الملف الليبي، وبعض الملفات الإقليمية الأخرى في المنطقة. فقد بعثت القنوات الدبلوماسية الإمارات ية غير الرسمية رسائل غضب أبوظبي إلى الجزائر، حيث أرسل “محمد بن زايد” تهديداً مباشراً لنظيره الجزائري، عبر الملحق العسكري الجزائري السابق في أبوظبي “عبدالغني الراشدي” ومفاد رسالة حاكم الإمارات الفعلي للقيادة الجزائرية أن أبوظبي لن تتردد لثانية واحدة في تبني عقوبات اقتصادية وسياسية ضد الجزائر إذا استمرت السلطات في التحرك خارج سرب توجهات الدولة الخليجية، كما هددت أبوظبي الجزائر بمراجعة تعاونها الاقتصادي والثنائي بشكل كامل. ولكن لتوجيه ضربة، افتتحت أبوظبي قنصلية في الصحراء المغربية في أوائل نوفمبر الجاري، لتوضح للجزائر أنهم لم يعودوا في نفس الجانب. وكانت علاقات الإمارات والجزائر في أحسن حال في عهد الفريق “أحمد قايد صالح” قائد الجيش الجزائري الراحل، لكن منذ وصول “تبون” إلى السلطة، وتقاربه من محور تركيا وقطر، انجرفت العلاقة إلى حرب باردة خطيرة. ويسعى المغرب، ضمن سياسة “دبلوماسية القنصليات” لفتح عدد من القنصليات لدول أفريقية بمدينتي العيون والداخلة، حيث بلغ عدد القنصليات إلى اليوم ما مجموعه 15 قنصلية، منها 8 بالعيون و7 بالداخلة، وفق ما كشف عنه وزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة” وكانت تقارير أشارت إلى أن المغرب قد يكون على استعداد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتحدة بالسيطرة المغربية على الصحراء الغربية. ويمكن تفسير القرار الإمارات ي على أنه خطوة في هذا الإطار، خاصة أن أبوظبي تقوم بدور عراب التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل.   حرب باردة وبحسب تقارير استخبارية جزائرية، أشارت إليها صحيفة “الوطن” الجزائرية، مؤخرا، فإن العميد “عبدالغني الراشدي” المدير العام لقسم الأمن الداخلي في جهاز المخابرات الجزائري استقبل رسالة سرية من نظرائه في الإمارات. تحدثت بنبرة تهديدية، وقالت “إذا لم تتراجع الجزائر عن التعامل مع حلفاء ضد سياسة أبوظبي. فعليها أن تتحمل مسؤوليتها الاقتصادية والسياسية”. الرسالة تم تحويلها مباشرة إلى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الذي اختار التزام الصمت تجاه التهديدات الإماراتية. فبدأت الحرب الباردة بين الطرفين، آخرها اصطفاف الإمارات  مع المغرب في نزاعه مع جبهة “البوليساريو”في أزمة معبر الكركارات الأخيرة. حيث اختارت الإمارات  فتح قنصلية لها في مدينة العيون جنوب المغرب. كاعتراف ضمني منها بمغربية الصحراء، خصوصاَ أن الجزائر تتبني طرح “البوليساريو”. وتقول إن العيون هي مدينة توجد في المناطق المتنازع عليها مع المغرب. وبحسب خبراء تحدثوا لـ”عربي بوست” فإن الإمارات  قبل افتتاحها قنصلية في مدينة العيون بعثت برسائل تحذيرية للجزائر. لتنبيهها بخصوص نهج سياسة تركيا وقطر، خصوصاً في الملف الليبي، بالإضافة إلى تخلي الجزائر عن استثمارات إماراتية مهمة. وبحسب تقارير إعلامية، نشرتها صحيفة “الخبر” الجزائرية، من الأسباب التي حركت الإمارات  ضد الجزائر مؤخراً تجميد استثمار الشركات الإمارات ية الكبرى بالسوق الوطنية في الجزائر وعلى رأسها شركة “موانئ دبي” بعدما كانت تلعب دوراً مهماً في السابق. وزاد من الشرخ القائم بين أبوظبي والجزائر،  التطبيع الإمارات ي مع إسرائيل. فوفق المحلل السياسي الجزائري مصطفى بونيف إن “التصريح الأخير للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حول تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل كان سبباً في ازدياد عمق الهوة بين البلدين، لأن الإمارات أحست بالإهانة والتدخل في شؤونها الداخلية”. وفي سياق التصعيد الإمارات ي، تحول التوتر بين البلدين  إلى حرب إلكترونية عبر الذباب الإلكتروني الإمارات ي الذي بدأ بمهاجمة الجزائر. وتعرض الناشط والمرشح السابق للرئاسيات في الجزائر عبدالحميد مدني لهجوم الذباب الإمارات ي، حيث اتهم “مدني” الإمارات  بالوقوف وراء محاولات تمزيق الجزائر وبث الخلاف والفتنة بين الجزائريين. وقال مدني: “للإمارات دوراً فاضحاً وواضحاً في اللعبة، خاصة بعد فشلها في ضرب الحراك الشعبي، وعرقلة المسار الإصلاحي بعيداً عن الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وحاشيته”. وكانت العديد من الروايات الجزائرية أكدت لوكالات أنباء دولية، أنه في حراك فبراير 2020 في الجزائر، سعت أبوظبي بكل الطرق إلى منع أي تغيير في الجزائر، وحاولت إخراج المسيرات من إطارها السلمي.   مواقف خلافية وعلى مدى سنوات، سعت الإمارات  لجذب السياسة الخارجية الجزائرية للاتجاه الإمارات ي، غير أن الجزائر غالبا ما ترفض ذلك، وتصر على اتخاذ سياسات مستقلة بحسب ما ترى فيه مصالحها السياسية والإقتصادية. وبحسب الباحث جلال إدريس، بموقع “العدسة”، خلال السنوات الأخيرة، فجرت عدد من القضايا الإقليمية الخلافات بين الجزائر والإمارات ، ووسعت الهوة بينهما، غير أن الدولتين حافظا على الشكل الدبلوماسي في العلاقات، رغم التباعد الكبير بين سياسات كل منهما…ومن تلك القضايا: الموقف من حصار قطر أزمة حصار قطر الذي أشرفت عليه الإمارات والسعودية، وشاركت فيه مصر والبحرين، ودول عربية أخرى سرعان ما تراجعت، كانت أبرز الأزمات التي أحدثت شرخا في شكل العلاقة بين الإمارات والجزائر. وتطلعت أنظار الإمارات  مع بداية الأزمة الخليجية، نحو موقف الجزائر من هذه الأزمة، وخياراتها تجاه دعم أيٍّ من الجانبين، قبل أن تصدر الجزائر بيانًا رسميًّا تدعو فيه الدول…

تابع القراءة

حملة الاعتقالات المسعورة في مصر قبل تنصيب بايدن.. الرسالة والدلالة

    استبق رئيس الانقلاب في مصر الجنرال عبدالفتاح السيسي تنصيب الرئيس جو بايدن يوم 20 يناير المقبل (2021م)، بثلاثة تحركات: الأول، هو التعاقد مع شركة دعاية أمريكية من أجل تبييض صورة النظام أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، في ظل حقيقتين: الأولى أن النظام اغتصب الحكم بانقلاب عسكري أجهض به المسار الديمقراطي في مصر. الثانية أن هذا النظام العسكري الذي سطا على الحكم بانقلاب عسكري منتصف 2013م لا يزال حتى اليوم يمارس أبشع صور القمع والانتهاكات في ظل تواطؤ أمريكي غربي يعلي من المصالح على حساب القيم الإنسانية. أما التحرك الثاني، فهو شن حملة اعتقالات مسعورة معتادة في هذا التوقيت قبل ذكرى يناير من كل سنة، لكن الحملة اتسعت وامتدت في معظم المحافظات بما يعني أنها تمثل رسالة ودلالة على إصرار النظام على منهجه القمعي، دون اكتراث للتحولات الجارية على الساحتين الأمريكية والدولية. والتحرك الثالث، هو الادعاء بتخفيف الحصار والضغط على بعض منظمات المجتمع المدني التي حوصرت خلال السنوات الماضية في سياق قضايا التمويل التي مثلت سيفا مسلطا على هذه المؤسسات الحقوقية والمدنية وجرى على إثرها توقيف عشرات النشطاء. وفي هذا التقرير نحاول رصد هذه التحركات وقراءة الرسائل والأهداف من ورائها ودلالتها في سياق التطورات الجارية في أعقاب هزيمة الرئيس دونالد ترامب، الانتخابات الرئاسية والذي  كان يمثل أكبر داعم لنظم الاستبداد العربي، ومدى انعكاسات هذه السياسات والتحركات من جانب نظام السيسي على مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية خلال عهد الرئيس بايدن.   أولا: الاعتماد على جماعات الضغط بمجرد ظهور مؤشرات نتائج الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر 2020م، والتي كشفت فوز المرشح الجمهوري جوبايدن، تحركت وزارة الخارجية بحكومة السيسي بتوجي*هات مباشرة من رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، بالتعاقد يوم الإثنين 9 نوفمبر 2020م، مع شركة «براونستاين هيات فاربر شريك Brownstein Hyatt Farber Schreck» للعلاقات العامة والقانون. كان عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية في عهد مبارك، خلال استضافته في البرنامج الذي يقدمه الإعلامي المقرب من السلطة أحمد موسى على فضائية “صدى البلد”، قد دعا نظام السيسي إلى التعاقد بشكل فوري مع جماعات الضغط في الولايات المتحدة الأمريكية، وقدم نصيحته بالإنجليزية قائلا: «Lobby, Lobby, Lobby” (لوبي، لوبي، لوبي)، في إشارة إلى ضرورة استعانة النظام العسكري بجماعات الضغط.، ورصدت الباحثة الأمريكية ميشيل دن، قد رصدت استخدام موسى لعبارة “لوبي” 20 مرة خلال 40 دقيقة مدة استضافته في البرنامج، وألح على النظام مضيفا «علينا اللجوء لجماعات الضغط بشكل غير طبيعي، وليس فقط للضغط على الإدارة، بالطبع، ولكن هناك الكونغرس والمجتمع المدني ووسائل الإعلام».[[1]]   ويمكن رصد الملاحظات الآتية: أولا، التعاقد جرى في أول يوم عمل في أعقاب خطاب الفوز لجو بايدن الذي ألقاه قبل ذلك بيومين فقط. ما يعني أن نظام السيسي لم يضع وقتا مطلقا لشعوره بخطورة الأمر، بما يعكس حالة القلق والخوف من التطورات  الجديدة بعد عودة الديمقراطيين مجددا إلى البيت الأبيض. وفي تعليق للباحثة “ميشيل دن”، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي والرئيس المشارك لمجموعة العمل بشأن مصر والمشكلة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري قولها إنه من الواضح أنهم قلقون. عندما اتضح أن بايدن سيكون الفائز، قام (الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي) بتهنئته والآن ترى أنه يتم استدعاء عدد كبير من وزراء الخارجية السابقين والشخصيات البارزة للظهور في البرامج الحوارية لبث الطمأنينة لدى مؤيدي الحكومة في مصر بأن كل شيء سيكون على ما يرام مع بايدن”. ثانيا، بحسب موقع “فورين لوبي”، فإن «قيمة العقد “65” ألف دولار شهريا، حيث وقع عن الجانب المصري سفيرها في واشنطن معتز زهران»، وهو ما يعني أن النظام لا يبالي بإهدار أموال الشعب من أجل تبييض صورته أمام الحكومة الأمريكية الجديدة رغم التضخم الهائل في حجم الديون الخارجية والمحلية والتي ارتفعت من 1.7 تريليون جنيه إلى أكثر من 6 تريليونات جنيه حاليا، ورغم مستويات الفقر المرتفعة والتي تصل إلى نحو 60% بحسب تقديرات البنك الدولي سنة 2019م، بخلاف تدهور الوضع الاقتصادي في أعقاب تفشي جائحة كورونا منذ بداية 2020م، والتي أفضت إلى سقوط نحو 12 مليون مصري تحت خط الفقر على أدنى تقدير وفق دراسات حكومية. كما أن هذه الأموال الطائلة يتم إهدارها في ظل تكتم من جانب الآلة  الإعلامية للنظام التي لم تشر مطلقا لهذا الاتفاق. كما يأتي في الوقت الذي تخلو فيه المستشفيات على مستوى الجمهورية من الأدوية والأدوات اللازمة للوقاية والعلاج من عدوى فيروس كورونا. ثالثا، العقد ينص على أن تتشكل جماعة الضغط من الحزبين الجمهوري والديمقراطي “لتقديم خدمات في مجال العلاقات الحكومية والاستشارات الاستراتيجية بشأن الأمور المعروضة على حكومة الولايات المتحدة”، وذلك بحسب ما ورد في الملف الذي تم تقديمه لوزارة العدل الأمريكية. وتستمر مدة العقد لعام واحد بشكل مبدئي على أن تجرى عملية تقييم بعد ذلك. ويضم فريق الشركة عضو الكونجرس السابق عن الحزب الجمهوري من كاليفورنيا إدوارد رويس، والذي ترأس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب من عام 2013 حتى 2018م. ونديم الشامي، الرئيس السابق لموظفي رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي والذي قضى نحو ربع قرن في مقر الكونجرس، في الإشراف على عمل الفريق مع رويس. كما تم تسجيل اثنين من شركاء الشركة أيضا وهما:العضو المخضرم في جماعات الضغط التابعة للحزب الجمهوري مارك لامبكين، الذي يدير مكتب الشركة في العاصمة واشنطن، والعضو البارز في جمع التبرعات لصالح الحزب الديمقراطي ألفريد موتور، بالإضافة إلى مدير السياسات دوغلاس ماجواير. رابعا، يأتي التعاقد مع شركة «براونستاين هيات فاربر شريك» للعلاقات العامة والقانون، بعد فسخ التعاقد مع شركة «جلوفر بارك جروب» سنة 2019م في أعقاب المقابلة الكارثية مع برنامج “60 دقيقة” بعد أن ضغط مقدم البرنامج سكوت بيلي عدة مرات على رئيس الانقلاب فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان والانتهاكات المروعة في سجون مصر. و”جلوفر بارك جروب” هي الشركة التي تعاقد معها نظام الانقلاب سنة 2013م بعد أن انسحبت الشركتان اللتان كانتا تمثلان مصر عقب الانقلاب العسكري على الرئيس الشهيد محمد مرسي. ووفقا لموقع “إنترسبت” الأمريكي في تقرير له سنة 2017م، فإن رسائل البريد الإلكتروني المسربة من حساب السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة كشفت أن أبو ظبي هي التي كانت تتكفل بمصاريف الدعاية لنظام السيسي مع الشركة. لكن موقع “فورين لوبي” يؤكد أنه ليس من المعروف حاليا ما إذا كانت الإمارات ستتكفل هذه المرة أيضا، لافتا إلى أن “رويس” لم يرد على تساؤلات بهذا الأمر.   حملة اعتقالات مسعورة التحرك الثاني من جانب نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي هو شن حملة اعتقالات مسعورة امتدت لعدد من المحافظات المصرية؛ حيث كشف مدير مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان محمود جابر، أن أجهزة السيسي الأمنية شنت حملة اعتقالات مسعورة بمختلف المحافظات المصرية خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية. وأكد أنهم في المنظمة تلقوا استغاثات…

تابع القراءة

قبل مغادرة البيت الأبيض.. هل ينجح ترامب في إدراج الإخوان على قوائم الإرهاب الأمريكية؟

    تعاملت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها عدوا يجب استئصاله لضمان لمصالح الأمريكية في مصر والمنطقة وعلى رأسها ضمان أمن الكيان الصهيوني، وقبل أن يغادر ترامب البيت الأبيض تقدم أربعة أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي هم تيد كروز، وجيم إنهوف، ووبات روبرتس، ورون جونسون، وجميعهم من الحزب الجمهوري، بمشروع قانون يصنف الجماعة كمنظمة إرهابية.[[1]] وهو ما قوبل من جانب إعلام تحالف الثورات المضادة بحفاوة كبيرة ومبالغة تعكس الحرص الشديد من جانب النظم المستبدة على تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ لأن ذلك سيمثل دعما كبيرا للسياسات القمعية من جانب هذه النظم، كما ستمنح هذه السياسات القمعية دفعة هائلة وزخما كبيرا، وسيدفع هذه الحكومات نحو مزيد من القمع بدعوى محاربة الإرهاب. وبالطبع سيفضي مثل هذا القرار إلى حصار أنشطة الجماعة في الولايات المتحدة الأمريكية وسيدفع ذلك حكومات أوروبية إلى الاقتداء بالسياسات والمواقف الأمريكية وملاحقة قيادات الجماعة عبر الإنتربول الدولي وغير ذلك من الحصار والتضييق على الجماعة على المستوى الدولي. الخطوة الجمهورية الأخيرة تبرهن على أن محاولات اليمين المتطرف لا تتوقف من أجل وضع الجماعة على لوائح الإرهاب الأمريكية؛ فالعمل على وضع الإخوان على لوائح الإرهاب الأمريكية يمثل قناعة راسخة لدى الرئيس دونالد ترامب وفريق إدارته الجمهوري الذين ينتمون جميعا إلى اليمين المتطرف، وقد سعى ترامب بالفعل وفريق إدارته إلى الضغط على المؤسسات الأمريكية التي تشارك بفعالية في صناعة القرار الأمريكي كالكونجرس بغرفتيه (الشيوخ والنواب)  ووزارة الدفاع (البنتاجون)، والخارجية والمخابرات (CIA) ومجلس الأمن القومي الأمريكي. وفي 30 إبريل 2019م، خرجت سارة ساندرز، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، لتعلن أن الرئيس ترامب يعمل على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية، وأن ترامب قد استشار فريق الأمن القومي وقادة المنطقة الذين يشاركونه قلقه، وهذا التصنيف يسير في طريقه من خلال عملية داخلية”. وقد نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مصادرها الخاصة أن إدارة ترامب تضغط من أجل إصدار قرار بوضع الجماعة على لوائح الإرهاب الأمريكية. وهي التحركات الأمريكية التي جاءت في أعقاب زيارة قام بها رئيس الانقلاب في مصر عبدالفتاح السيسي لواشنطن في 9 إبريل 2019م. حيث توسل السيسي لترامب من أجل إصدار هذا القرار.[[2]] ورغم التوجهات العدائية من جانب اليمين المتطرف وعلى رأسه الرئيس ترامب نفسه للإخوان إلا أنه لم يتمكن من وضع الجماعة على لوائح الإرهاب الأمريكية رغم سيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض والكونجرس من جهة أخرى؛ وذلك لاعتبارات سياسية تتعلق بصناعة القرار داخل مؤسسات الحكم الأمريكية والتي لا ينفرد بها مؤسسة عن باقي المؤسسات. فإذا كان للبيت الأبيض دور كبير في صناعة القرار الأمريكي، فإن للكونجرس بغرفيته وأجهزة الأمن الأمريكية سواء جهاز السي آي إيه والخارجية الأمريكية والبنتاجون و جماعات الضغط والمصالح تأثيرا كبيرا على صانع القرار بما يضمن حماية المصالح الأمريكية وديمومتها من منظور قومي وليس حزبي.   محطات وملاحظات وبشأن المحاولات الأخيرة التي تبنتها أجنحة داخل الحزب الجمهورية للضغط على الكونجرس من أجل وضع جماعة الإخوان على لوائح الإرهاب الأمريكية يمكن رصد الملاحظات الآتية: أولا، هذه هي المحاولة الثالثة لتيد كروز، لتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية. المحاولة الأولى كانت في 2015م بعهد الرئيس السابق باراك أوباما، وأعاد تقديم ذات المشروع في 2017م، بعد انتخاب ترامب ، دون أن يحظى بقبول في المجلس رغم الأغلبية الجمهورية.  وفي محاولته الثالثة في 3 ديسمبر 2020م، غرَّد “كروز” متباهيا بالخطوة واعتبرها خطوة في إطار دفع معركة الولايات المتحدة ضد إرهاب التطرف الإسلامي. ثانيا، مغزى التوقيت في هذه الخطوة أنها محاولة لاستدراك الوضع بعد هزيمة ترامب من جانب تحالف الثورات المضادة بالمنطقة، والتي فقدت ـ بلا شك ــ حليفا كبيرا هو سيد البيت الأبيض، كما أنها ما جاءت إلا بضغوط من أنظمة الاستبداد العربي في محاولة لإرباك إدارة بايدن وقطع الطريق على أي دعم من الإدارة الجديدة للبيت الأبيض للجماعة التي تمثل في حقيقة الأمر عنوانا كبيرا لتفسير الإسلام على نحو يتقارب مع الديمقراطية وينفي وجود أي تصادم بينهما. وحتى جماعة الإخوان ممثلة في نائب المرشد/ إبراهيم منير، اعتبرت تقديم تيد كروز لمشروع القانون مفاجأة في توقيتها؛ لأن الرئيس ترامب وفي ظل وجود أغلبية جمهورية داخل الكونجرس لم يتمكن من وضع الجماعة على لوائح الإرهاب الأمريكية؛ الأمر الذي اعتبر توافقا مع محددات وتوجهات الخارجية الأمريكية وأجهزتها واستجابة لتوجهات الكونجرس التي تكونت من خلال جلسات الاستماع التي عقدها حول مصر. وطالب منير  بالرجوع إلى ما انتهت إليه التحقيقات البريطانية الموسعة حول أنشطة الجماعة و أفكارها بمشاركة أمريكية والتي برأت الجماعة من الإرهاب. واعتبر التوقيت يستهدف الإلهاء عن الورطة التي تواجه نظام العسكر في مصر في قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني بعد توجيه الادعاء الإيطالي الاتهام ـ رسميا ـ لأربعة من القيادات الرفيعة في أجهزة السيسي الأمنية. [[3]] ثالثا، من اللافت أن المحاولة الثالثة لوضع الجماعة على قوائم الإرهاب الأمريكية، جاءت بعد بيانات صادرة من أكبر هيئات دينية في الرياض وأبو ظبي تصنف الجماعة كتنظيم إرهابي وتصف أعضاء الجماعة  بالخوارج، كما جرى في بيان هيئة كبار علماء السعودية في 10 نوفمبر 2020م، وبيان إفتاء الإمارات في 24 نوفمبر، كما مورست ضغوط كبيرة على  الأزهر لإصدار بيان مشابه بهذا الشأن؛ ورغم رفض الإمام الأكبر إلا أن الأزهر يبدو أنه رضخ أخيرا وأصدر بيانا مشابها عبر أحد مراكز الفتوى الإلكترونية التابعة له؛ الأمر الذي يعني أن هناك تنسيقا على أعلى مستوى بين اليمين المتطرف في الولايات المتحدة ونظم الاستبداد العربي لتصعيد الحرب على الجماعة وإضفاء مسحة شرعية على هذه الحرب القذرة ضد أكبر حركة إسلامية في العالم، عبر التوظيف السياسي للمؤسسات الدينية لخدمة أجندة النظم المستبدة واليمين المتطرف في كل من إسرائيل والولايات المتحدة. رابعا، المحاولة الثالثة انتهت أيضا بالفشل، كما حدث في المحاولتين الأولى والثانية. معنى ذلك أنه باختلاف الرئيس سواء كان ديمقراطيا كأوباما، أو جمهوريا كترامب، وباختلاف تركيبة الكونجرس بغرفتيه، فقد فشلت محاولات تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية رغم الضغوط الخليجية الكبيرة خصوصا من جانب أبو ظبي والرياض والقاهرة؛ الأمر الذي يكشف أن سياسة الولايات المتحدة تجاه الإسلام السياسي لا تختلف بصورة جذرية، وإنما تتبع منظورات المصالح الأمريكية في المنطقة وتصوراتها حول القضايا الكلية المتعلقة بمحاربة الإرهاب وضمان أمن إسرائيل.   عقبات في قانونية ودبلوماسية بحسب تقدير موقف لمعهد كارنيجي، يُجمع الخبراء بشكل صارخ على أن جماعة الإخوان المسلمين ليست تنظيماً إرهابياً. ويحظى هذا الأمر بأهمية نظراً إلى الخلافات الشديدة بين هؤلاء الخبراء حول سائر جوانب إيديولوجيا المنظمة وسلوكها وسياستها. لقد تطوّرت فروع الإخوان المسلمين وتفرّعت في اتجاهات عدّة مختلفة منذ العام 2011. ففي مصر، تبعثر الإخوان بسبب الانقلاب العسكري، فيما تولّوا إدارة الحكومة في المغرب، وتقاسموا السلطة في تونس، واضطلعوا بدور قيادي في المعارضة السورية. لذا، مثل هذا التصنيف…

تابع القراءة

التطبيع مع إسرائيل  مقابل الاعتراف الأمريكي  بسيادة المغرب على الصحراء الغربية… مخاطر وتحديات

  في مقايضة تبدو مقيتة من الوهلة الأولى، أعلن الرئيس الأمريكي  دونالد ترامب اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على إقليم  الصحراء الغربية، المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو، مقابل إعلان المغرب التطبيع الكامل مع إسرائيل، وتجديد علاقاتهما المشتركة المجمدة منذ العام 2000، بعد إعلان إسرائيل إنهاء عملية السلام، وردت بعنف على انتفاضة الأقصى. الإعلان الأمريكي تلاه العديد من الإجراءات من قبل واشنطن، بإعلان ترامب عن إشاء قنصلية جديدة لبلاده في المنطقة الصحراوية، وتقديم السفير الأمريكي  فيشر خريطة جديدة للمغرب تضم منطقة الصحراء للسيادة المغربية. إلى ذلك، ينتظر أن يشهد الأسبوع المقبل الإعلان عن سلسلة من القرارات لتعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المغربية في مجالي التنمية الاقتصادية والتجارة، بحسب ما قاله السفير الأميركي خلال مؤتمر صحافي عقده الجمعة الماضية. وسبق ذلك إعلان الإمارات إقامة قنصلية لها في منطقة العيون الجنوبية، وإعلان دولة البحرين إقامة قنصلية لها في المنطقة الجنوبية أيضا، وترحيب من قبل كل من مصر والسعودية بالخطوة المغربية، بالتطبيع مع إسرائيل ، وتسيير رحلات طيران متبادلة وإقامة علاقات كاملة. من جهة ثانية، أثار الإعلان الأمريكي  العديد من الاشكالات، ففي منطقة الصحراء، رفضته جبهة البوليساريو، التي ارتأته مخالفا لقواعد القانون الدولي والاتفاقات الدولية، التي تطالب باجراء استفتاء تقرير المصير للصحراويين، المعطل بسبب عدم الاتفاق على الإجراءات والخطوات التنفيذية، فيما تتمسك المغرب بالحكم الذاتي للإقليم  الصحراوي، وفق أوسكار ريكيت ودانيال هيلتون، بـ”ميدل إيست آي”. وكذلك رفضت الجزائر الإعلان الأمريكي  التي ارتأته متصادما مع القرارات الدولية، وأنه لن يغير شيء على أرض الواقع، ويبقى الحراك الصحراوي الذي تدعمه الجزائر، هو الفاصل في مستقبل الإقليم  المتنازع عليه. وأمريكيا ورغم ترحيب مستشار ترامب، كوشنر بالاتفاق، نددت عضوة الكونجرس الأمريكية “بيتي ماكولوم”، وهي مدافعة عن حقوق الفلسطينيين، بخطوة “ترامب” للاعتراف بمطالب المغرب في الصحراء الغربية. وكتبت “ماكولوم” على “تويتر”، الخميس: “أدين اعتراف ترامب أحادي الجانب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية مقابل اعتراف المغرب الدبلوماسي بإسرائيل .. للشعب الصحراوي حق معترف به دوليا في تقرير المصير ويجب احترامه”. وأيضا، اتهم “جيم إينهوفي”، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري البارز الذي يدعم مساعي شعب الصحراء الغربية لتقرير المصير، “ترامب” بـ “مقايضة حقوق شعب لا صوت له” لتأمين الصفقة المغربية الإسرائيل ية. وجاء الإعلان الأمريكي  ليضع إسلامي المغرب في حرج شديد، حيث يرفض تيار الاخوان المسلمين، الذي ينتمي إليه حزب التنمية والعدالة الحاكم التطبيع مع إسرائيل بشكل قاطع، وهو الموقف الذي عبر عنه رئيس الحكومة سعد العثماني، في بيان صحفي، إلا أن وضعية العلاقة مع الملك محمد السادس، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للمغرب، دفع نحو اصدار الحزب بيانا لاحقا، بعد اجتماع استثنائي لأمانته العامة، أيد خطوات الملك نحو الحفاظ على وحدة التراب المغربي، مرحبا بالإعلان الأمريكي، لكنه وقع في ازدواجية بقبوله الخطوة التطبيعية، مع التأكيد على دعمهم القضية االفلسطينية، وتمسكهم بحل الدولتين، وهو موقف ملتبس أثار انتقادات الشارع المغربي، وهو نفس التبرير والموقف الذي اتخذته جماعة العدل والإحسان وحزب الإصلاح والتوحيد وحركة الاصلاح وغيرهم من القوى الأسلامية، وكذلك سوقته وزارة الخارجية المغربية، بإعلان استئناف التواصل مع إسرائيل، مع دعم خيار حل الدولتين على الأراضي الفلسطينية، وسار الملك محمد السادس عليه باتصاله بمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ، رغم انتقادات حركات المقاومة الفلسطينية الذين وصفوا الخطوة المغربية بالخيانة للقضية الفلسطينية. ولعل ما يزيد من حرج الموقف المغربي ككل، أن إعلان التطبيع مع إسرائيل يأتي في توقيت يتصاعد فيه التوسيع الإسرائيل ي المستمر للمستوطنات غير القانونية، وتدمير المنازل والمباني الفلسطينية، والعنف المتواصل ضد الفلسطينيين. ومن جانب أخر، ثمنت الأوساط الإسرائيلية وادارة ترامب الخطوة والتي وصفتها بالإيجابية، حيث باتت المغرب الدولة الرابعة التي تدخل في مسار التطبيع خلال العام 2020، بعد الإمارات والبحرين والسودان، وسط مواءمات تجري مع السعودية لاخراج قرار التطبيع، بعد الاتفاق الإسرائيل ي السعودي الأمريكي على التفاصيل في اجتماع نيوم الشهير. علاقات قديمة وبالرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية كاملة بين إسرائيل والمغرب منذ تأسيس الأولى عام 1948، إلا أنهما مع ذلك يتبادلان العلاقات (خاصة الاستخباراتية) منذ وقت طويل. وبدأ المغرب وإسرائيل  علاقات منخفضة المستوى عام 1993، بعد أن توصلت الأخيرة إلى اتفاق سلام مع منظمة التحرير الفلسطينية كجزء من اتفاقيات أوسلو. لكن الرباط علقت علاقاتها مع (إسرائيل ) بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000. ووصف المغرب إعلان الخميس بأنه “استئناف” للعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل . ويعيش نحو نصف مليون يهودي مغربي في إسرائيل ، ومن المعروف أن الإسرائيل يين يزورون المملكة الأفريقية من حين لآخر. وقال “نتنياهو” إنه يتوقع بدء رحلات جوية مباشرة بين البلدين قريبا. وفي الأعوام الأخيرة، شجع الملك “محمد السادس” ترميم التراث اليهودي في بلاده، وهو ما شارك فيه اليهود المغاربة الإسرائيل يون. وفي فبراير الماضي ، ذكرت وسائل إعلام إسرائيل ية أن “نتنياهو” ضغط على الولايات المتحدة للاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في مقابل اتخاذ الرباط خطوات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل . وبعد بضعة أشهر، كشفت منظمة العفو الدولية عن استخدام برامج تجسس إسرائيل ية لاستهداف ناشطين مغاربة…وهي مؤشرات على علاقات مستمرة بين الجانبين، دون الإعلان عن تطبيع كامل.. يشار إلى أن الصحراء الغربية كانت مستعمرة أسبانية سابقة، وطالب بها المغرب منذ عام 1957، ويُعتقد أن بها احتياطيات نفطية كبيرة وموارد معدنية. وقد رفض سكانها الأصليون بشدة السيطرة المغربية. وبين عامي 1975 و1991، خاضت جبهة البوليساريو تمردا ضد الوجود المغربي. وتقدر البوليساريو أن عدد السكان الأصليين للصحراء الغربية يتراوح بين 350 ألفا و500 ألف وطالبت منذ فترة طويلة بحقهم في إجراء استفتاء على الاستقلال، وهو الأمر الذي وعدت به قرارات الأمم المتحدة. واتهمت البوليساريو المغرب مرارا باستغلال الثروات الطبيعية للمنطقة بينما ينتظر نصف سكانها الاستفتاء في المخيمات وفي المنفى. وفي الشهر الماضي، اشتبكت القوات المغربية ومقاتلو البوليساريو على طريق الكركرات المؤدي إلى موريتانيا، وذلك للمرة الأولى منذ إعلان الحركة الصحراوية وقف إطلاق النار عام 1991. الدوافع المغربية وتبرز العديد من الدوافع والأسباب التي أوصلت الصفقة للإعلان، ومنها: -المصلحة المغربية في فرض سيادتها على الإقليم  الصحراوي: وهو ما تسعى إليه الممغرب منذ عقود،وفق الباحث المغربي عادل نجدي بمقاله “التطبيع المغربي مع إسرائيل : لا تخلي عن القضية الفلسطينية” بالعربي الجديد. حيث  يبدو المغرب كمن يمسك عصا التطبيع من الوسط، ففي الوقت الذي تدفعه مصالحه الوطنية إلى السعي بكل الطرق لحسم ملف الصحراء، يحرص على التأكيد أن ترسيخ مغربية الصحراء لن يكون على حساب القضية الفلسطينية. ومؤخرا تحركت القوات السلحة المغربية نحو إقليم  الصحراء، عقب اغلاق جبهة البوليساريو الطريق الوححيد الواصل بين المغرب وموريتانيا بريا، والمعروف بمعبر الكركرات، وهو ما مثل تحديا للسيادة المغربية على أراضيها، ربما حفزها للتوجه نحو خطوة التطبيع، لضمان اعترافات دولية وعربية بسيادتها على الإقليم. -الضغوط  الأمريكية فقبل نحو…

تابع القراءة

اجتماع مجلسي النواب والأعلى للدولة الليبي في مدينة طنجة المغربية .. النجاحات والإخفاقات

    انطلق الاجتماع التنسيقي بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبي “لجنة “13+13″”، في 30 نوفمبر 2020، بمدينة طنجة المغربية؛ لمناقشة توحيد الأجسام القيادية السياسية في البلاد؛ ومن ثم الاتفاق على آليات اختيار قيادات تلك الأجسام. وتتمثل أبرز قضايا النقاش في كيفية توحيد المؤسسة التشريعية الليبية، ومناقشة ما تم التوصل له في ملتقى الحوار السياسي بتونس، الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة للدعم بليبيا، ومحاولة توحيد الموقف من المسار السياسي والدستوري في البلاد، وفتح ملف المناصب السيادية السبعة المنصوص عليها في المادة 15 من الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات عام 2015[1].   أولًا: نجاحات اجتماع طنجة: أسفرت تلك الاجتماعات عن مجموعة من التوافقات، خاصة فيما يتعلق بتوحيد البرلمان، وهي التوافقات التي جاءت أيضًا مع حل أزمة عائدات النفط بين المؤسسة الوطنية للنفط والبنك المركزي، وهو ما سنعرضه بمزيد من التفاصيل فيما يلي: – توحيد البرلمان: فقد أعلن أعضاء مجلس النواب، في طبرق وطرابلس، عقد جلسة عامة مكتملة النصاب، في 7 ديسمبر الجاري، في مدينة غدامس؛ تنفيذًا لما اتفق عليه في الأيام الماضية، بشأن توحيد المجلس؛ لمناقشة الاستحقاقات المقبلة في البلاد[2]. كما اتفق النواب على تشكيل أربع لجان نيابية؛ الأولى تضطلع بمهام إعداد مقر المجلس في غدامس، والثانية لوضع مقترحات لإعادة النظر في لائحة المجلس الداخلية، والثالثة لإعداد جدول أعمال الجلسة الأولى في غدامس في 7 ديسمبر الجاري، والرابعة تنتظر التوافق خلال اجتماعات النواب الحالية حول قضية اختيار رئاسة جديدة للمجلس بديلًا عن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب في طبرق حاليًّا[3]. ما يعكس تطورًا كبيرًا في سبيل توحيد المؤسسة التشريعية “البرلمان”، التي تعتبر خطوة أولى لإنهاء حالة الصراع والانقسام داخل المؤسسات كافة، وتمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق إطار دستوري، وإنهاء المرحلة الانتقالية في أقرب وقت ممكن: – حل إشكالية إيرادات النفط: فقد عقد رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، في 1 ديسمبر الجاري، بالعاصمة طرابلس، اجتماعًا طارئًا لإنهاء الخلاف الذي اندلع بين أكبر مؤسستين اقتصاديتين في ليبيا، المصرف المركزي بقيادة المحافظ الصديق الكبير، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، بعد نزاع حول عوائد النفط، وأوجه صرفها بين الطرفين. وكان هذا الخلاف قد ساهم في تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد؛ إذ تسبب في تراجع كبير لقيمة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، بعد إعلان المؤسسة الوطنية للنفط تجميد الإيرادات النفطية في حساب خاص، وعدم تحويلها لحساب المصرف المركزي؛ لاتهامها له بسوء إدارة هذه الموارد، على لسان رئيسها مصطفى صنع الله. وكشف المكتب الإعلامي  لحكومة “الوفاق” عن نتائج إيجابية لهذا الاجتماع الطارئ الذي دعا له السراج؛ لمناقشة فك تجميد الإيرادات النفطية، بحضور محافظ المصرف المركزي ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط، وعدد من القيادات السياسية في طرابلس، يتقدمهم رئيس مجلس الدولة خالد المشري. وبين أن “المشاركين في الاجتماع اتفقوا على تفعيل دور اللجنة المالية المشتركة، التي تضم أعضاء من وزارة المالية والمصرف المركزي وديوان المحاسبة، وممثلين عن وزارة المالية في المنطقة الشرقية؛ للشروع في توحيد المالية العامة، وإعداد مشروع ميزانية موحد للبلاد”. وأضاف المكتب الإعلامي أن “الاجتماع بحث آلية رفع التجميد القائم على ايرادات النفط، مع التأكيد على تفعيل آليات الرقابة، والتقيد بمعايير الإفصاح والشفافية لهذه الإيرادات من قبل المصرف المركزي”[4].   ثانيًا: مؤشرات فشل اجتماع طنجة: ظهرت مجموعة من الإخفاقات على ضوء هذا الاجتماع، التي قد تؤدي إلى إطالة أمد الأزمة الليبية، منها: 1- مهاجمة توحيد البرلمان: فقد هاجم رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح المسارات الموازية -في إشارة لحوارات طنجة وبوزنيقة- باعتبارها تحاول إفشال الحوار الليبي الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة. ويرجع هجوم صالح بالأساس إلى تخوفه على منصبه كرئيس للبرلمان، وكذلك تلاشي فرص وصوله إلى رئاسة المجلس الرئاسي الجديد، خاصة وأن الخطة الأممية تقضي بإزاحة الطبقة السياسية الحاكمة حاليًّا[5]. 2- التحشيد العسكري: فقد أقام طرفا النزاع في ليبيا، خلال الأيام الماضية، مناورات عسكرية، تشير إلى إمكانية عودة الطرفين مرة أخرى إلى الصراع المسلح. ففي جانب حكومة “الوفاق”، أعلنت غرفة عمليات سرت والجفرة، في 26 نوفمبر، الانتهاء من مشروع رماية بـ “المدفعية”، بمشاركة واسعة لـ “المنطقة العسكرية والكتائب والسرايا المتخصصة”. أما مليشيات حفتر فقد أطلقت مناورة عسكرية غرب بنغازي، في 25 نوفمبر، “شملت ضرباتٍ جوية من قبل الطيران الحربي، إضافة لعملية إنزال جوي لفرق المشاة، وتعاملهم بالذخائر الحية الدقيقة”، بالاضافة لــ “فرق من سرايا الهاون والهاوز والدبابات”. وما يزيد الأمور تعقيدًا، ما كشفه موقع “ذا درايف” الأمريكي، في 26 نوفمبر، عن رصده -من خلال فيديو- المناورات الذي عرضته مليشيا 106 التابعة لحفتر، عن مشاركة مقاتلات روسية من طراز “Su-24 فينسر” وأخرى من طراز “ميغ-29” فيها، بالإضافة لظهور مروحية روسية من طراز Mi-24 وهي تطلق صواريخ، مؤكدة أنها مؤشرات تدل على حجم الوجود الروسي الكبير إلى جانب مليشيات حفتر. ويعتبر ظهور سلاح روسي متقدم أثناء المناورات، رسالة من حفتر بأنه لا يزال يمتلك القوة لتقويض كل شيء. كما يعتبر رسالة من  موسكو بأن أي مفاوضات لا توفر لها مصالحها -سواء في الملف الليبي أو غيره- يعني قدرتها على الدفع بحفتر مجددًا كعامل لتخريب أي تقدم في المفاوضات الحالية[6]. 3- إشكالية عوائد النفط: فبعد أن تم حل إشكالية الإغلاقات المتكررة للقطاع النفطي في ليبيا، التي كان أحدثها في يناير الماضي، حين أغلقت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر حقولا ومنشآت نفطيةـ ليقوم حفتر -بضغوطات دولية، في 18  سبتمبر الماضي- بفك الحصار عن المنشآت، واستئناف إنتاج وتصدير النفط. فسرعان ما ظهرت إشكالية أخرى، تمثلت في تصاعد الخلاف بين الرئيس التنفيذي لـ «المؤسسة الوطنية للنفط»، مصطفى صنع الله، ومحافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، المحسوب على جماعة «الإخوان المسلمون». فقد أوقفت المؤسسة إحالة أموال النفط إلى المصرف بعد اتهامات متبادلة بالاختلاس، في خطوة من شأنها تجميد الأموال، حتى التوافق على آلية التوزيع العادل لها[7]. وعلى الرغم من حدوث انفراجة في حل الأزمة بين الكبير وصنع الله -عقب الاجتماع الطارئ الذى دعا له السراج، المشار إليه أعلاه- إلا أنه من المتوقع أن تتجدد تلك المعركة في القريب العاجل؛ لمجموعة من الأسباب، منها: – أن تلك المعركة تهدف بالأساس إلى الإطاحة بالصديق الكبير من منصبه رئيسًا للمصرف المركزي، وهو ما ظهر في تزامن الأزمة بين الكبير وصنع الله مع ظهور أصوات تطالب باستبعاد الكبير وتعيين محمد الشكري مكانه، الذي كان برلمان طبرق قد انتخبه بديلًا عن الكبير في ديسمبر 2017. كما أنها تأتي بالتزامن مع العملية السياسية الجارية حاليًّا، التي ستقود -حسب ما هو معلن- إلى استبدال المسؤولين على رأس المؤسسات السيادية، بما في ذلك مؤسسة النفط والمصرف المركزي[8]. وعليه فطالما ظل الكبير في منصبه، فإن احتمالات عودة الصراع مرة أخرى لا تزال قائمة. – أن الصراع بين الكبير وصنع الله يأتي بدعم من رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج لصالح الأخير؛ حيث أكد صنع الله…

تابع القراءة

القاعدة الروسية في السودان.. الدوافع والدلالات

السودان تضع حجر الأساس لتطور العلاقات السودانية الروسية قبيل سقوط حكمه؛ حيث طلب حمايته من العدوان الأمريكي الذي يهدف إلى تقسيم السودان إلى خمس دول، وعمليًّا طلب من موسكو إبرام صفقة تسلح هائلة ونوعية، يصعب تصور الوفاء بما فيها من التزامات لدولة كانت تعاني من عقوبات أمريكية دامت لعقود، كما طلب إنشاء قاعدة عسكرية روسية في بورتسودان على البحر الأحمر؛ لتحقيق دور الحماية، وفي المقابل ستمثل تلك القاعدة مدخلًا لدور روسي في إفريقيا، ولم تتراجع روسيا عن هذا المسار حتى بعد سقوط البشير في أبريل 2019. وفي أكتوبر 2019، تقابل رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة سوتشي (روسيا – إفريقيا)، وعلى الأرجح اطلع على تفاصيل ما تم الاتفاق عليه بين البشير وموسكو. ولاحقًا كشف رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، في 6 نوفمبر 2020، عن اتفاق روسي سوداني حول إنشاء مركز لوجيستي على شواطئ البحر الأحمر السودانية. فماذا كان مضمون هذا الاتفاق؟ وما هي دلالاته على الجانبين السوداني والروسي؟ وما هي تأثيراته على المجتمع الدولي؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى هذه الورقة إلى الإجابة عنها خلال السطور القليلة القادمة. مضمون الاتفاق: وفقًا لنص الاتفاقية فإن فترة سريانها الأساسية هي 25 عامًا، مع إمكانية تمديدها لعقد آخر، بموافقة الطرفين. وسوف تضم القاعدة البحرية الروسية حوالي 300 فرد عسكري ومدني، وهي لا تخضع للولاية القضائية السودانية. وسوف تكون القاعدة قادرة على استيعاب نحو أربع سفن حربية، بما في ذلك السفن التي تعمل بالطاقة النووية. وستكون بمثابة مرفأ نوعي يضم ورشة عائمة، وقاطرة إنقاذ، وعلى الأرجح ستضم أيضًا مركزًا للاستخبارات، وقوات روسية خاصة. لن تدفع روسيا أي إيجار للسلطات السودانية، لكنها وافقت -على ما يبدو- على شحن بعض الإمدادات العسكرية والأسلحة إلى السودان مجانًا بموجب اتفاق إضافي منفصل. وتتحمل موسكو تكاليف أعمال البناء لإنشاء القاعدة، بما في ذلك أماكن المعيشة والمستودعات ومرافق الصيانة البحرية والأرصفة. علاوةً على ذلك، ستوفر روسيا دفاعات مضادة للطائرات لتغطية كلٍّ من قاعدتها والأصول البحرية السودانية القريبة في بورتسودان. ولا يذكر مشروع الاتفاق أي قاعدة جوية روسية في السودان، بالإضافة إلى محطة الإمداد البحرية المعلنة، لكن يبدو أنه سوف يتم السماح للطائرات الروسية باستخدام المجال الجوي السوداني. وقد يُسمح لموسكو بالاستفادة من المطار الدولي جنوب بورتسودان، ووفقًا لمسودة الاتفاقية يمكن زيادة عدد العسكريين الروس في السودان مستقبلًا[1]. دوافع ودلالات الاتفاق على المستوى السوداني: على المستوى السوداني، تحمل القاعدة عدة دلالات؛ أولها: خروج السودان من عزلتها، وتمكينها من الانفتاح المتوازن على العالم، ودرء خطر هيمنة قوة دولية واحدة، أو غطرستها في التعامل مع السودان. فعقب ثلاثة عقود من الانغلاق على الذات، والتوتر في العلاقات السودانية الأمريكية، تؤكد الخرطوم أن انفتاحها متوازن، ويهدف إلى تحقيق المصالح السودانية. وثانيها: أن وجود قوة كبرى على شواطئ السودان يمثل -من وجهة نظر الخرطوم- تعزيزًا للقدرات الدفاعية السودانية؛ حيث إن الدفاعات التي ستحمي المركز ستساعد في حماية البوابة الشرقية للسودان، وهي عامل ردع ضد أي محاولة للاعتداء على السودان، أو محاولة للتدخل السافر في شؤونه، وضرب استقراره، وأمنه القومي. وثالثها: أن المركز اللوجستي الروسي سيُمكِّن السودان من الحصول على الدعم الروسي اللازم لتطوير الأسطول السوداني، وتنمية القدرات البحرية والعسكرية السودانية –التي كانت روسيا هي المؤسس لها عام 1959 في عهد الفريق إبراهيم عبود-، ويتيح فرص التدريب للسودانيين داخل القاعدة على منظومات متطورة، فضلًا عن إمداد السودان بمنظومات دفاعية حديثة ومتطورة، وستقدم روسيا للسودان مجانًا، أسلحة ومعدات عسكرية؛ بهدف تنظيم الدفاع الجوي للمركز اللوجستي المقترح. وفي هذا السياق، تسلمت قيادة البحرية السودانية في قاعدة بورتسودان البحرية فلمنجو، سفينة تدريب حربية مهداة من روسيا، وتُعد السفينة إضافة حقيقية لقدرات القوات البحرية السودانية، خاصةً في مجال التدريب. كما يُعد المركز اللوجستي خطوة نحو تطوير قاعدة عسكرية بحرية متكاملة، على غرار ما حدث في طرطوس السورية[2] ورابعها: هناك مكاسب اقتصادية ستعود على السودان جراء هذا الاتفاق، فعلى المدى القريب، سيتم تحسين البنية التحية في مجال التعدين والاستخراج، وذلك فيما يتعلق بالاتفاق الخاص برفع كفاءة وتطوير خط نقل النفط بين دولتي الجنوب والشمال، وفقًا للاتفاق القائم بين البلدين، إضافةً إلى عوائد استخراج الذهب والغاز؛ فقد وقع الطرفان اتفاقية في 2018 للتنقيب في ولاية البحر الأحمر، كما وقعت اتفاقيات أخرى في العام الجاري؛ لزيادة مواقع التنقيب والاستخراج[3]. دوافع ودلالات الاتفاق على المستوى الروسي: على المستوى الروسي، تحمل القاعدة عدة دلالات، تتعلق بالحضور الروسي في منطقة البحر الأحمر، والمحيط الهندي، وإفريقيا بصفة عامة؛ أولها: لطالما سعى الاتحاد السوفييتي للحصول على موطئ قدم في منطقة البحر الأحمر، وكانت هناك محاولات مع جيبوتي والصومال ثم إثيوبيا، إلا إنها لم تكلل بالنجاح. ومن المعروف أنه لا يوجد تشكيل بحري روسي في المنطقة، وتوجد فقط سفينتان في المحيط الهندي، وعدد من الغواصات الروسية، التي لا يمكن كشفها وتتبع مسارها بالأقمار الصناعية. وتعد السفن الأربعة في المركز اللوجستي الروسي في السودان أول تشكيل بحري روسي في المنطقة، وموطئ قدم مهم لروسيا، وهو تشكيل يُعد صغيرًا نسبيًّا، ولكنه مهم وفعَّال، ويلبي احتياجات روسيا، وحجم الوجود الذي تريده في المنطقة. ولموقع المركز أهمية إستراتيجية كبيرة، ويتمتع بثقل بحري كثيف عبر البحر الأحمر، وقناة السويس؛ ومن ثمَّ فإن تثبيت قدم روسية في المنطقة له أهميته بالنسبة لموسكو. وثانيها: وجود المركز سيساعد روسيا على توسيع حضورها البحري في منطقة القرن الإفريقي، وإفريقيا بصفة عامة. ويتيح المركز آفاقًا رحبة لتنمية التعاون العسكري الروسي الإفريقي، ويفتح الأسواق الإفريقية للسلاح الروسي. : يسهم المركز اللوجستي الروسي في تعزيز الحضور الإستراتيجي الروسي في المنطقة العربية، والشرق الأوسط، في ضوء مثلث القواعد البحرية الروسية في سوريا – السودان – ليبيا، وما لذلك من تداعيات إستراتيجية مهمة[4]. ورابعها: تُعد القاعدة نقلة إستراتيجية للوجود الروسي، وبداية لطريقه نحو العالمية؛ فالطرادات الروسية التي تعمل بالطاقة النووية يمكنها استخدام المركز مكانًا للراحة لأفراد طاقمها. بينما لن يضطر البحارة في أساطيل الشمال والبلطيق إلى إجراء انتقالات مرهقة لقضاء عدة أشهر في المحيط الهندي. وخامسها: دلالات اقتصادية؛ حيث كانت شركات التنقيب الروسية عن الذهب والغاز قد حققت اكتشافات واعدة في السودان عام 2015، توازت مع تسريبات حول ظهور عناصر تابعة لمجموعة فاجنر الروسية شبه العسكرية لتأمين مواقع تلك الشركات، ثم وقعت بشأنها أكبر صفقة اقتصادية وصفت بالتاريخية، حيث حصلت شركة التعدين الروسية M Invest على عقد خاص باستخراج احتياطات الذهب السودانية عام 2017، إضافةً إلى بناء مصفاة لتكرير النفط بطاقة إنتاجية تصل إلى 200 ألف برميل في اليوم الواحد، ستوظف أيضًا لصالح جنوب السودان في إطار الاتفاقيات المشتركة بين دولتي الشمال والجنوب، ومن المتصور أن سوق السلاح الروسي في إفريقيا سيشهد قفزة نوعية أيضًا؛ نتيجة لإنشاء تلك القاعدة[5]. تأثير الاتفاق على المجتمع الدولي: وتتعلق…

تابع القراءة

زيارة وزير الخارجية الأمريكية للمستوطنات الإسرائيلية.. الدوافع والتداعيات

    قام وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” بزيارة مستوطنتين إسرائيليتين، تفقَّد خلالها مصنع نبيذ بمستوطنة “بساجوت” في ضواحي رام الله في قلب الضفة الغربية المحتلة، و”مدينة داوود” الواقعة في حي سلوان الفلسطيني، خارج البلدة القديمة في القدس، وهي أول زيارة من نوعها لوزير خارجية أمريكي[1]. كذلك زار بومبيو هضبة الجولان المحتلة، وهي أيضًا الزيارة الأولى لوزير خارجية أمريكي للهضبة المحتلة منذ عام 1967. ولم تتوقف هدايا بومبيو لإسرائيل عند هذه الزيارات؛ بل طالب بومبيو بالتعامل مع السلع والبضائع التي تُنتج في الضفة الغربية باعتبارها منتجات إسرائيلية، وطالب بوضع شعار “صُنع في إسرائيل” عليها، في انتهاك غير مسبوق، ليس فقط للقانون الدولي الذي يعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، ولكن أيضًا لقرارات الإدارات الأمريكية السابقة التي رفضت الأمر، واعتبرته انتهاكًا للقانون الدولي. الأكثر منذ ذلك، إعلان بومبيو المثير للجدل، باعتبار حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) معادية للسامية؛ وذلك من أجل وقف نشاطها، ودعمها الدولي المتزايد[2].   أولًا: دوافع زيارة بومبيو للمستوطنات: يمكن الإشارة إلى مجموعة من الدوافع التي تقف خلف قيام بومبيو بهذه الزيارة، منها: 1- تقديم الدعم لنتنياهو: حيث تعد جولة “بومبيو” الاستيطانية هدية كبيرة أخرى لرئيس الوزراء الإسرائيلي المحاصر “بنيامين نتنياهو”، الذي يواجه احتجاجات دورية، ومحاكمة فساد تلوح في الأفق، من المقرر أن تبدأ أوائل عام 2021، مع إمكانية إجراء انتخابات أخرى، وهي الانتخابات الإسرائيلية الرابعة في أقل من سنتين[3]. 2- استعداد بومبيو للانتخابات الأمريكية القادمة: فبومبيو إنجيلي متدين، ينتمي لتيار المسيحية الصهيونية، الذي يؤمن بضرورة دعم إسرائيل؛ من أجل تحقيق النبوءة الدينية (أرمجيدون). ويستخدم بومبيو إيمانه المسيحي، ودعمه اللامحدود لإسرائيل، من أجل إرضاء القاعدة الإنجيلية الأمريكية، وهي قاعدة تصويتية مهمة لأي شخص يطمح إلى الوصول إلى البيت الأبيض. وقد صوّتت بكثافة لترامب في انتخابات عامي 2016 و2020. وهذا تحديدًا ما يسعى إليه بومبيو، حيث تتحدث تقارير إخبارية عديدة عن رغبته في الترشّح للانتخابات الرئاسية في عام 2024 عن الحزب الجمهوري. وهو يدرك جيدًا أنه لا يمكن الحصول على دعم القاعدة المسيحية الإنجيلية من دون إظهار دعمه اللامحدود لإسرائيل[4]. 3- شرعنة الوجود الإسرائيلي بالجولان: فقد وقع ترامب في 25 مارس 2019، أمرًا تنفيذيًّا، ينصّ على اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل. وسبق ذلك بأيام، تغريد ترامب عبر تويتر قائلًا إنه “بعد 52 عامًا، حان الوقت للولايات المتحدة أن تعترف بكامل سيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، التي تتسم بأهمية إستراتيجية وأمنية بالغة لها، وللاستقرار الإقليمي”. وجاء كل ذلك عقب صدور التقرير السنوي للخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان في العالم، الذي نزع للمرة الأولى صفة الاحتلال عن الأراضي التي تحتلها إسرائيل في الضفة الغربية والجولان. وتأتي زيارة بومبيو -التي تعتبر أول زيارة رسمية لوزير خارجية أمريكي، للجولان المحتل- تأكيدًا على قرار ترامب بالاعتراف بسيادة إسرائيل على هذه المنطقة، وتماشيًا مع مساعي دولة الاحتلال لشرعنة سيطرتها عليها. كما لا يمكن فصل الزيارة عن الرغبة بتوجيه رسالة لنظام بشار الأسد، بأنّ الجولان بات “أرضًا إسرائيلية”، وإذا أراد أن يطبّع علاقاته مع إسرائيل، عليه أن يدرك أنّ ورقة الجولان باتت من الماضي، ولا يمكن استخدامها للمقايضة وفق المبدأ الذي سارت عليه المفاوضات السابقة “الأرض مقابل السلام”[5].   ثانيًا: تداعيات الزيارة: وفيما يتعلق بالتداعيات التي ستخلفها تلك الزيارة، يمكن الإشارة إلى مجموعة من التداعيات، منها: 1- القضاء على إمكانية حل الدولتين: فزيارة بومبيو متسقة مع الإجراءات الأخرى التي اتخذتها إدارة “ترامب”، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإعلان وزارة الخارجية قبل عام عدم اعتبار المستوطنات غير شرعية، وذلك بعد أن ظلت الإدارات الأمريكية السابقة تنظر إلى الضفة الغربية وهضبة الجولان كمناطق محتلة، واعتبرت المستوطنات فيها غير شرعية. ويذكر أن إدارة ترامب أقدمت قبل أسبوعين على خطوة أخرى، تعد إقرارًا عمليًّا بضم المستوطنات لإسرائيل، فقد وقع السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على اتفاق يقضي بتطبيق الاتفاقات الموقعة بين واشنطن وتل أبيب على المستوطنات في الضفة[6]. ولكن تعتبر زيارة بومبيو لمستوطنة “بساجوت” -التي تعتبر أول زيارة يقوم بها وزير خارجية أمريكي لمستوطنة- فرصة استغلها إعلانًا عن تحولات أكثر جذرية في سياسة الولايات المتحدة، فأولًا، أعلن أن المنتجات القادمة من مناطق خاضعة لسيطرة إسرائيل، والمعروفة باسم “المنطقة ج”، يجب اعتبارها من الآن فصاعدًا “صُنعت في إسرائيل”، بما في ذلك البضائع التي ينتجها الفلسطينيون. ويرقى هذا إلى كونه اعترافًا من الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على كل “المنطقة ج”، التي تشكل حوالي 60% من الضفة الغربية[7]. وما يكشف عن أهمية هذه الخطوة بالنسبة لإسرائيل، أن المجتمع الدولي يرى المستوطنات في الضفة غير قانونية، ولا يعترف بها جزءًا من إسرائيل. أكثر من ذلك، فإن إسرائيل نفسها لم تفرض بعدُ قانونَها على المستوطنات. فضلًا عن أن إدارة الرئيس بيل كلنتون أصدرت في العام 1995، في أعقاب التوقيع على أوسلو، قرارًا يلزم بتمييز المنتجات التي مصدرها المستوطنات في الضفة بأنها “أنتجت في الضفة الغربية”[8]. 2- إمكانية إعلان إسرائيل رسميًّا عن ضم أجزاء من الضفة الغربية: فقد شهدت الآونة الأخيرة بالفعل ارتفاعًا كبيرًا في عمليات الهدم الإسرائيلية، وعمليات الإخلاء، وإعلانات المستوطنات، وفرض أشياء بحكم الواقع منذ 3 نوفمبر 2020، مع سعي “نتنياهو” وحلفائه في حركة الاستيطان إلى الاستفادة من الوقت المتبقي لـ “ترامب” في منصبه. فخلال أسبوع واحد، فتحت وزارة الإسكان الإسرائيلية وهيئة الأراضي الإسرائيلية عملية تقديم العطاءات لـ 1257 وحدة سكنية في “جفعات هاماتوس”، وهي مستوطنة إسرائيلية جديدة تقع في موقع إستراتيجي بين بيت لحم والقدس الشرقية الفلسطينية. وستفصل “جفعات هاماتوس” -التي وصفها البعض بأنها مستوطنة “يوم القيامة”؛ لتأثيرها الفتاك على احتمالية قيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة، بشكل دائم- حي بيت صفافا الفلسطيني عن بقية القدس الشرقية أيضًا، كما ستمنع الاتصال بين القدس وبيت لحم. وقبل أقل من أسبوعين، في يوم الانتخابات الأمريكية، هدم الجيش الإسرائيلي خربة حمصة في وادي الأردن، تاركًا 73 شخصًا -من بينهم 41 طفلًا- بلا مأوى، فيما وصفه مسؤولو الأمم المتحدة بأنه “أكبر حادثة نزوح خلال أكثر من 4 سنوات”. وبما أن “ترامب” راحل، وليس لديه ما يخسره، فقد يمنح هدايا أكبر لرئيس الوزراء الإسرائيلي المحاصر وحلفائه في حركة الاستيطان. ويقال إن “نتنياهو” يدفع الإدارة الأمريكية إلى إعطاء ضوء أخضر لمستوطنة “يوم قيامة” أخرى، معروفة باسم “عطروت”، وتقع بين رام الله والأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية. وبعد الاعتراف الأمريكي العملي بالسيادة الإسرائيلية على معظم الضفة الغربية، ليس من المستبعد أن يعود طرح الضم الإسرائيلي الرسمي لأجزاء من الأراضي المحتلة في وقت ما قبل 20 يناير 2021، وهو اليوم الذى سيتسلم فيه بايدن الحكم[9]. كما أن هناك توقعات بأن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية المحتلة، قبل أن يغادر منصبه في يناير المقبل. خاصة وأن…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022