المشهد السياسي عن الفترة من 10 وحتى 16 أبريل 2021

  المشهد المصري: داعش ينتقل بعملياته من شمال سيناء لوسطها وتحالف بين الجيش وقبائل لملاحقته. شهدت الأسابيع الماضية، نشاط ملحوظ لتنظيم ولاية سيناء، الموالي لتنظيم داعش، في مناطق بوسط سيناء، على حساب التراجع في مناطق شمال سيناء، وقد نجم عن هذا التحول مخاوف لدى مسئولين عسكريين، من إقتراب عناصر “داعش سيناء” من مرافق استراتيجية وحيوية تابعة للقوات المسلحة المصرية، ولعل أهم تلك المرافق مطار “الميلز” العسكري الواقع في منطقة الجفجافة جنوب مدينة بئر العبد بمسافة 60 كيلومتراً. المناطق الجديدة التي بدأ التنظيم ينقل نشاطه إليها، في بئر العبد وجنوبها باتجاه جبل المغارة ومحيطه، هي مناطق وعرة جغرافياً يصعب التحرك فيها، وهي بالتالي تختلف عن المناطق التي كان ينشط فيها سابقاً،  في قرى قاطية، واقطية، والجناين، والمريح، وقصرويت، وتفاحة، وغيرها من قرى بئر العبد، والتي بدأ التنظيم يختفي منها بعد أن أحكم الجيش سيطرته عليها. بالتالي انتقل التنظيم من مناطق حضرية يسهل التحرك فيها، إلى مناطق وعرة يصعب التحرك فيها، وتم هذا الانتقال بعد أن تمكن الجيش من استعادة السيطرة على قرى بئر العبد التي كان ينشط بها التنظيم. من ثم فإن هذا الانتقال يضمن للتنظيم تفوق نسبي، خاصة أن المناطق التي إلتجأ إليها جبلية، يتخفى عناصر التنظيم في كهوف ومغارات ومخابئ « لا يمكن الوصول إليها بسهولة، وكذلك لا يصلح معها القصف الجوي، نظراً إلى الطبيعة الصخرية المحيطة بها، بالإضافة إلى انعدام المعلومات عن الإرهابيين، لعدم وجود سكان محليين، أو نقاط عسكرية كثيفة في تلك المناطق، وسهولة التمويه عن أعين طيران الاستطلاع المصري خلال تحليقه فوق تلك المناطق». الأصعب في الأمر، أن يستخدم التنظيم معاقله الجديدة التي يصعب الوصول إليها قاعدة انطلاق لهجماته ضد السكان المدنيين في سيناء وضد المرافق والنقاط التابعة للجيش وللشرطة. في السياق ذاته، فإن تنظيم سيناء هاجم منذ أيام، قرية المنجم قرب جبل المغارة وسط سيناء، بهدف إعادة طريق الإمدادات للتنظيم من منطقة المشبه، ثم جبل المحاش، ثم الاتجاه غرباً باتجاه جبل الحمه، حيث تتمركز مجموعات التنظيم بشكل كبير في تلك المنطقة. جبل الحمه هذا لا يبعد سوى 25 كيلومتراً فقط عن مطار “الميلز” العسكري، ويكشف حركة الطيران داخله، وبالتالي فإن كل تحركات الطيران في اتجاه قصف مجموعات التنظيم في كافة مناطق سيناء باتت مكشوفة لمجموعات المراقبة التابعة له. أما عن تفسير ما حدث وخطورته: فإن وسط سيناء تكتسب أهميتها من كونها؛ (1) أن الوسط مرتبط بالحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة لمسافات طويلة. (2) أن مناطق الوسط تغص بالمصانع الكبرى للآسمنت وغيره من مواد البناء، بالإضافة إلى محاجر ذات قيمة اقتصادية عالية، تُستخرج منها أصناف متعددة من الرخام والحجر. (3) توجد في تلك المناطق مواقع ومعسكرات تابعة للجيش المصري لتخصصات استراتيجية مختلفة، وضمن أهم المواقع مطار “الميلز” العسكري، الذي توجد فيه طائرات بأنواع مختلفة، مروحية وحربية. وتكمن الخطورة في أن وسط سيناء يتسم بوجود الجبال ووديان ذات طرق وعرة، وهو ما يجعل من الصعوبة أن تطارد قوات الشرطة والجيش عناصر التنظيم في هذه البيئة الوعرة التي يصعب تحرك الآليات العسكرية فيها، كذلك يصبح استهداف الطيران لهذه المناطق قليل الجدوى، لذلك يلجأ الجيش لأهالي سيناء لملاحقة عناصر التنظيم في هذه المناطق، خاصة أنهم أكثر معرفة بدروب الصحراء. لكل هذه الأسباب فقد جعل التنظيم هذه المناطق بمثابة حديقة خلفية لمجموعاته المنتشرة في شمال سيناء، إذ جرت العادة أن تنتقل خلايا التنظيم من الشمال إلى الوسط في الأوقات التي يضغط فيها الجيش المصري على التنظيم، وهذا ما حصل فعلياً بعد سيطرة الجيش على قرى بئر العبد، وطرد “ولاية سيناء” منها، نهاية العام الماضي. جراء ذلك فإن المجموعات القبلية المساندة للجيش المصري في وسط سيناء، وصلتها تعزيزات من «اتحاد قبائل سيناء» الذي يديره رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، المقرب من رجل الاستخبارات محمود عبدالفتاح السيسي، وذلك بالتنسيق مع قوات الجيش، وتحسباً لأي اعتداءات قد يقدم عليها تنظيم “ولاية سيناء” في قابل الأيام، فيما سيجري رفع مستوى الحراسة على المرافق الحيوية في مناطق الوسط، وزيادة نقاط انتشار الجيش والمجموعات القبلية[1]. في النهاية تثير هذه التطورات أسئلة أخرى؛ عن المصدر الذي تحصل من خلاله هذه المجموعات على الدعم والتسليح اللازمين للاستمرار في صراعهم مع الجيش والشرطة في سيناء، كما تثير تساؤل آخر حول مستقبل التنظيمات العنيفة في سيناء في ظل قدرتها على البقاء رغم مرور هذه السنوات، وعلى الرغم من جهود الجيش والشرطة طوال كل هذا الوقت للقضاء عليها.   هل تشهد الأيام القادمة إنفراجة في ملف المعتقلين: شخصيات سياسية ونقابية ذات صلة بقيادات مختلفة في النظام المصري، «خصوصاً من مدير الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، تحاول إقناع السيسي والأجهزة صاحبة الكلمة العليا في إدارة المشهد السياسي، باتخاذ خطوات جدية لإحداث انفراجة في ملف المعتقلين والمحبوسين احتياطياً، وإعادة تفعيل اللجنة التي كانت قد شكلت قبل أربع سنوات، لبحث حالات المحكوم عليهم واستصدار قرارات جمهورية بالعفو عنهم»؛ وذلك بهدف «توحيد الشارع خلف القيادة السياسية، ليكون مستعداً في أي وقت، لأي قرارات مصيرية قد تتخذ في قضية سد النهضة، بما في ذلك خيار الحلّ العسكري ضد إثيوبيا». في هذا السياق فقد اقترحت بعض قيادات الأمن الوطني إصدار قرار عفو عن بعض المحكومين الذين قضوا نصف المدة في قضايا التظاهر والانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، بدون المدانين بارتكاب جرائم عنف، وإصدار القرار بمناسبة ذكرى تحرير سيناء التي تحين بعد أسبوعين. لكن تعطل المقترح مع إثارة قيادات أخرى من أن مثل هذا القرار قد يفهم داخلياً بصورة خاطئة؛ في ظلّ الاتصالات الدبلوماسية والأمنية الجارية حالياً مع تركيا لتحسين العلاقات الثنائية، فقد يُفهم باعتبارها رسالة إيجابية لجماعة “الإخوان” في الداخل تحت ضغوط أو مناشدات تركية. كذلك اقترح المؤتمر الذي عقده المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، التابع للاستخبارات العامة، عدة توصيات في نفس هذا السياق، منها، مدّ جسور التفاهم مع المجتمع المدني الداخلي والخارجي وإعادة العمل بقرارات العفو الرئاسي عن المحكومين وغيرها من الأمور الإيجابية. ويبدو أن ثمة مؤشرات تؤكد وجود هذه المساعي، منها؛ انطلاق عدد من المبادرات الحقوقية والأهلية التي انطلقت خلال الأيام الأخيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للإفراج عن معتقلين ومحكومين بعينهم. يأتي على رأسهم الصحفيين المعتقلين، والطلاب والشباب الذين حُكم عليهم بالسجن لمدد طويلة على خلفية أحداث عامي 2013 و2014، وقضوا نصف مدد العقوبة أو أكثر[2]. ويبدو أيضاً أن هناك استجابة -وإن بقيت محدودة- لهذه المقترحات، حيث تم الإفراج عن الصحفيين الثلاثة خالد داود وسولافة مجدي وحسام الصياد خلال اليومين الأولين من شهر رمضان[3]. وبحسب مراقبين فإن هناك بالفعل إستجابة للمقترح الذي تقدم به مقربين للنظام بضرورة الإفراج عن عدد من المعتقلين بهدف «توحيد الشارع خلف القيادة السياسية، ومن ثم فستشهد الفترة القادمة الإفراج عن عدد محدود من المعتقلين، الصحافيين والنشطاء اليساريين والناصريين، وستشمل القائمة المحددة…

تابع القراءة

قوانين الوقف في عهد السيسي.. محطات على طريق النهب المنظم

    منذ سنوات طويلة، تعمل الحكومات المتعاقبة لنظام يوليو العسكري في مصر على أمرين: الأول الاستيلاء على أموال التأمينات والمعاشات والمضاربة بها في البورصة لتحقيق مكاسب للحكومة رغم أنها أموال خاصة وليست ملكا للحكومة، وهو ما استطاعت  حكومة أحمد نظيف خلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك تنفيذه؛ واستولت على نحو 600 مليار من أموال التأمينات دون محاسبة أو مساءلة من أحد حتى يومنا هذا. و الثاني هو السيطرة على أموال الوقف الإسلامي، والذي يعمل نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي منذ اغتصابه للحكم في 3 يوليو 2013م على تحقيقه خصوصا وأن الأوقاف هي أغنى وزارة مصرية تدير أكثر من ألف مليار جنيه عبارة عن أصول وعقارات وشركات وأسهم وأراضي زراعية.[[1]] وخلال الشهور والسنوات الماضية، خطا نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي خطوات كبيرة في طريق عمليات تقنين السيطرة على أموال وأصول الوقف الخيري الإسلامي، آخر هذه الخطوات ما جرى يوم الإثنين 5 أبريل 2021م حيث وافق مجلس الشيوخ في جلسته العامة على مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن الوقف الخيري، تمهيداً لإحالته إلى مجلس النواب، والتصويت نهائياً على مواده، وهو القانون الذي يمهد للاستيلاء على أموال صندوق الوقف الخيري في مصر، من خلال منح وزير الأوقاف سلطة التصرف في أموال الصندوق، وتوجيهها لصالح إقامة المشروعات الخدمية والتنموية والبنية التحتية، بحجة معاونة الدولة في ملف التطوير. ويستهدف نظام السيسي من هذا القانون السطو على أموال صندوق الوقف الخيري وفتح أبواب جديدة لتمويل العجز المزمن في الموازنة العامة، وأن يكون “صندوق الوقف الخيري” بابا من أبواب الحكومة للإنفاق على المشروعات الحكومية والبنية التحتية باعتبار ذلك شكلا من أشكال التعاون المجتمعي مع الحكومة. [[2]] نصت المادة الأولى من مشروع القانون على أن “ينشأ صندوق باسم الوقف الخيري تكون له الشخصية الاعتبارية، ويتبع رئيس مجلس الوزراء، ويكون مقره مدينة القاهرة، وله أن ينشئ فروعاً أخرى في جميع أنحاء الجمهورية”. ونصت المادة الثانية على أن “يهدف الصندوق إلى تشجيع نظام الوقف الخيري، لإقامة ورعاية المؤسسات العلمية والثقافية والصحية والاجتماعية، ومنها: دعم أجهزة الدولة في إقامة وتطوير المشروعات الخدمية والتنموية والبنية التحتية، وغيرها من المشروعات الاجتماعية والاقتصادية التي تُسهم في دعم الموقف الاجتماعي والاقتصادي للدولة، والمساهمة في تطوير العشوائيات، والحد من ظاهرة أطفال الشوارع والمشردين”. ونصت المادة الثالثة من القانون على أن “يتولى إدارة الصندوق مجلس إدارة يُشكل برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية كل من: وزير الأوقاف (نائباً لرئيس مجلس الإدارة)، وأربعة أعضاء من الشخصيات ذات الخبرة الاقتصادية يختارهم رئيس الوزراء، وثلاثة أعضاء يختارهم وزير الأوقاف، أحدهم من داخل الوزارة، والثاني من هيئة الأوقاف المصرية، والثالث من الشخصيات العامة من ذوي الخبرة في هذا المجال”. كما يضم تشكيل مجلس إدارة الصندوق أحد أعضاء الجهات أو الهيئات القضائية يرشحه وزير العدل، ويختاره المجلس الخاص للجهة أو الهيئة، وعضو في مجال إدارة المحافظ المالية يرشحه رئيس هيئة الرقابة المالية. ويصدر بتسمية أعضاء مجلس الإدارة قرار من رئيس الوزراء، يُحدد فيه المعاملة المادية لرئيس الصندوق، وأعضائه. ونصت المادة الرابعة على أن “مجلس إدارة الصندوق هو السلطة المسؤولة عن إدارة شؤونه، ومباشرة اختصاصاته على النحو الذي يحقق أهداف الصندوق، وأغراضه”. ويختص المجلس برسم السياسة العامة لإدارة واستثمار أموال الصندوق على الأسس المالية والاقتصادية السليمة، لتحقيق أعلى عائد ممكن منها، ووضع الهيكل التنظيمي والإداري للصندوق، وإصدار اللوائح والقرارات الداخلية له في المسائل المالية والإدارية والفنية، من دون التقيد بالقواعد الحكومية، والموافقة على مشروع الموازنة، والحساب الختامي”. كذلك يختص بـ”النظر في التقارير الدورية التي تقدم عن سير العمل بالصندوق، ومركزه المالي، واتخاذ ما يراه بشأنها، والنظر في كل ما يرى رئيس المجلس أو نائبه عرضه من المسائل التي تتعلق بنشاط الصندوق، واتخاذ ما يراه المجلس مناسباً من قرارات لتحقيق أهداف الصندوق، وأغراضه”.   قانون هيئة الأوقاف ويعتبر مشروع قانون “صندوق الوقف الخيري” تشريعا مكملا لقانون رقم 209 المعروف بقانون “إعادة تنظيم “هيئة الأوقاف” المصرية”  الذي وافق عليه البرلمان في جلسة يوم الأحد 28 يونيو 2020م، وصدَّق عليه السيسي يوم الخميس 3 ديسمبر 2020م، والذي ألغى بمقتضاه القانون رقم 80 لسنة 1971م وقرار رئيس الجمهورية رقم 1141 لسنة 1972م بشأن تنظيم العمل بهيئة الأوقاف واستمرار العمل باللوائح والقرارات السارية لحين إصدار وزير الأوقاف اللائحة التنفيذية للقانون خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به (مايو المقبل 2021).[[3]] وبقانون هيئة الأوقاف ومشروع قانون صندوق الأوقاف الخيرية يسعى نظام 3 يوليو إلى قوننة إجراءات بيع الوقف بالمخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، تحت ذريعة تشجيع نظام الوقف، وضمان استقلاله، وإدارته على نحو يعظم الاستفادة منه، وذلك استجابة لتوجيهات زعيم الانقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي في شأن حصر أصول وأموال الوقف؛ وفي سبيل تحقيق هذا الهدف الذي يسعى إليه السيسي منذ سنوات يستخدم ترزية القوانين عبارات منمقة حول حسن إدارة واستثمار أموال الوقف على أسس اقتصادية وحصر وتقييم هذه الأموال من أجل اتخاذ الإجراءات التي تكفل المحافظة على الهيئة في مواجهة المستأجرين أو المستبدلين أو واضعي اليد فضلا عن تحديد مشروع القانون للحالات التي يجوز فيها الاستبدال والبيع لهذه الأوقاف، وتوجيه حصيلتها لصالح الدولة. وتتيح المادة الثانية من قانون هيئئة الأوقاف للحكومة ممثلة في مجلس هيئة الأوقاف المعين من جانبها صلاحيات ممارسة جميع التصرفات والأعمال حيث تنص على أنّ “للهيئة أن تتعاقد وتجرى جميع التصرفات والأعمال، التي من شأنها تحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله في مجال إدارة واستثمار أموال الأوقاف”. وقد مارس وزير الأوقاف مختار جمعة قدرا من المكر والدهاء من أجل أن يبقى له دور ملموس في مشروع القانون؛ حيث «نص مشروع القانون على أن “تنوب هيئة الأوقاف المصرية عن وزارة الأوقاف فيما لها من حقوق، وما عليها من التزامات، تتعلق بإدارة واستثمار الأموال التي تختص بها”، بعدما انتهت اللجنة إلى حذف كلمة “تحل”، واستبدالها بكلمة “تنوب”، بناءً على طلب وزير الأوقاف».[[4]] وهو التعديل الذي يجعل الوزارة هي الأصل وهيئة الأوقاف هي مجرد نائب ومن حق الأصل أن يراجع قرارات من ينوب عنه ويشرف عليه، بينما كلمة “تحل” تجعل من الهيئة بديلا مباشرا للوزارة ويحول دون تدخلها بأي صورة في قرارات الهيئة، وهو ما يحرم الوزير من القيام ببمارسة سلطاته على هيئة الأوقاف التي ستتولى كل ما يتعلق ببيزنس الأوقاف بدعوى الاستثمار. و تعد  الأوقاف أغنى الوزارات في مصر، وذلك وفقا لحجم أملاكها ؛حيث تبلغ المحفظة المالية للوزارة نحو تريليون و37 مليارا و370 مليونا و78 ألف جنيه، وفق ما أعلنه رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية سيد محروس سنة 2018م. وتتوزع هذه الأصول بين أملاك زراعية تقدر بـ759 مليارا و181 مليون جنيه وعقارات بقيمة تقديرية تبلغ نحو 137 مليار جنيه وأرض فضاء تقدر قيمتها بأكثر من 141 مليار جنيه. وعلى الرغم من ضخامة تلك الأموال فإن رئيس مجلس إدارة…

تابع القراءة

الهجوم التخريبي ضد منشأة “نطنز” الإيرانية..الأهداف والرسائل وسيناريوهات المستقبل

    جاء الهجوم التخريبي الذي تعرض له موقع مفاعل نطنز النووي بإيران، الأحد 13 ابريل، في توقيت بالغ الصعوبة، حاملا الكثير من الرسائل والدلالات.. ضمن سلسلة حوادث وحرائق مجهولة بعدد من المنشآت والمواقع النووية والصناعية واغتيال مسئول المشروع النووي الايراني في نطنز محسن فخري زادة  في نوفمبر 2020. وأعلنت إيران أن انفجارا وقع الأحد الماضي، في إحدى منشآتها النووية المهمة، وكان عملا تخريبيا نفذته إسرائيل، وتعهدت بالانتقام لهجوم بدا أنه أحدث فصول حرب تدور في الخفاء منذ وقت طويل، معتبرة أن “الهدف من العمل هو استهداف قدرات إيران النووية”. الانفجار ألحق أضراراً بشبكة توزيع الكهرباء وكابل موصول بالبطاريات، ومع ذلك، ليس واضحاً سبب وقوع الانفجار، إن كان يعود إلى زرع متفجرات أو أسباب أخرى. وبحسب تقارير وكالة نور نيوز ، القريبة من مجلس الأمن القومي الايراني، فأن موقع “نطنز” النووي لديه “محطة كهربائية توصل الكهرباء إلى عمق 40 إلى 50 متراً تحت الأرض”، وقد بني باستحكامات قوية، لكيلا تقدر الهجمات الجوية والصاروخية على تدميره.. وتسببت عملية التفجير بقطع شبكة توزيع الكهرباء وكذلك الكهرباء الواصلة من الكابل الموصول بالبطاريات إلى أجهزة الطرد المركزي، وهذا الكابل يستخدم لاستمرار عمل الأجهزة في حال انقطاع الكهرباء. والإثنين الماضي، اعتبرت إيران، في رسالة إلى الأمم المتحدة، أن الاستهداف المتعمد لمنشأة نووية محمية، مع وجود مخاطر عالية من الإطلاق العشوائي للمواد المشعة، بمثابة “إرهاب نووي وجريمة حرب”.   الرد الايراني وردا على استهداف تعطيل مشروعها النووي، وفي 16 ابريل  الجاري، أعلنت ايران بدء  تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق..وذلك وفقا لرئيس البرلمان الإيراني “محمد باقر قاليباف”، الذي أدلى بهذه التصريحات في تقرير بثه التليفزيون الرسمي الإيراني يوم الجمعة الماضي. ويمثل الإعلان تصعيدا كبيرا بعد عملية نطنز، وفي الأيام الماضية، عبرت الدول الغربية عن خيبة أملها إثر قرار إيران بدء التخصيب بنسبة 60% وأكد الناطق باسم الاتحاد الأوروبي “بيتر ستانو”: “هذا أمر مقلق للغاية من وجهة نظر منع انتشار الأسلحة النووية”، مذكرا بأنه “ليس هناك أي مبرر مدني معقول لإجراء كهذا”. وقال وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن”، من بروكسل، مساء الأربعاء: “نأخذ هذا الإعلان الاستفزازي بجدية كبيرة”…وهو ما يثير تساؤلات حول جدية إيران في المحادثات النووية، الدائرة في فيينا. ويوم الأربعاء الماضي، قال الرئيس الإيراني “حسن روحاني”، إن تركيب أجهزة طرد مركزي من الجيل السادس، وتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% هو رد إيران على الهجوم الذي استهدف مفاعل “نطنز”. ووفق تقرير لـ”صابر غل عنبري”  بـ”العربي الجديد”، كشف رئيس مركز بحوث البرلمان الإيراني علي رضا زاكاني عن أنه في الهجوم الأخير في “نطنز” “أعطبت عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي”، غير أن الحكومة لم تؤكد أو تنفِ  صحة هذه الأرقام. بينما اقتصرت الرواية الحكومية على التأكيد على لسان  المتحدث باسم الحكومة في مؤتمره الصحفي، أن الهجوم “خلّف أضراراً محدودة لنشاط تخصيب اليورانيوم”، مضيفاً أن “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية طمأنت أنها خلال وقت قصير ستعوض الجزء الكبير من الأضرار، وستستخدم التقنيات الأكثر حداثة لأجل إعادة بناء ما تضرّر وفقاً للقرارات المتخذة. كما أن وسائل إعلام إسرائيلية وغربية قدمت روايتها عن عملية استهداف “نطنز” الأخيرة، حيث نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، عن مسؤولَين في الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، تأكيدهما الدور الإسرائيلي في الهجوم الذي طاول منشأة نطنز النووية الإيرانية الأحد الماضي. وقال مسؤولان اطلعا على الأضرار، للصحيفة، إنّها نجمت عن انفجار كبير دمّر بالكامل نظام الطاقة الداخلي المستقلّ، والمحميّ بشدّة، والذي يزوّد أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض بالطاقة لتخصيب اليورانيوم. وقد وجه الانفجارضربة قاسية لقدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وأنّ استئناف الإنتاج في نطنز قد يستغرق تسعة أشهر على الأقل، وفق تقديرات اسرائيلية. إلا أن إيران أكدت رسمياً أن عملية تخصيب اليورانيوم “مستمرة”، مشددة على أنها ستستبدل أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول، المتضررة على خلفية الهجوم، بأجهزة أكثر تطورا وبقدرات إنتاجية أعلى. ويعد الهجوم هو الثالث من نوعه الذي تتعرض له “نطنز”، فالهجوم الأول كان عبر إرسال فيروس “ستاكس نت” إلى أجهزتها عام 2010، الذي صُنّف أنه أخطر فيروس عسكري، والهجوم الثاني تم خلال يوليو الماضي، حيث دمّر انفجار صالة لتجميع وإنتاج أجهزة الطرد المركزي المتطور، قبل أن تعلن إيران، السبت 12 ابريل الجاري سإعادة بنائها قبل يوم من الهجوم الثالث.   الأهداف: -عرقلة  محادثات فيينا: وفي ضوء القراءة المتأنية  للسياق الدبلوماسي الدائر في فيينا بشأن الملف النووي الإيراني، يبدو أن استهداف نطنز موجها لاجتماعات فيينا  غير االمباشرة بين امريكا وايران، عبر وسطاء دوليين “الصين، روسيا، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا” بشأن النظر  في تخفيف العقوبات الدولية عن ايران، وقد انطلقت  المفاوضات في فيينا في الثاني من ابريل الجاري، وهي مستمرّة.  وبالتزامن مع ذلك جاء  الهجوم على مفاعل نطنز أهم منشأة لانتاج اليورانيوم المخصب، بالتوافق  مع وصول وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى إسرائيل..كما  تعرضت الثلاثاء الماضي، سفينة “إيران سافير” إلى هجوم في البحر الأحمر.. الهجوم استهدف إفشال المسار الدبلوماسي الذي أطلقته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع إيران لمعالجة الأزمة، والمباحثات في فيينا، وإزاء تلك القراءة تتجه أصابع الاتهام لإسرائيل، باعتبارها الجهة الأكثر معاداة لهذه المباحثات والاتفاق النووي. وهذه القراءة أيضاً، هي التي تتبناها الحكومة الإيرانية، فتصريحات وزير الخارجية محمد جواد ظريف ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي خلال اليومين الأخيرين تؤكد وجود هذه المقاربة..وبغض النظر عن مدى وجاهة هذا الرأي، فإذا سلّمنا بأن إسرائيل هي الجهة الوحيدة التي خططت ونفذت الهجوم على سفينة “إيران سافيز” الثلاثاء قبل  الماضي، وكذلك العملية في “نطنز”، فمن المستبعد إلى حدّ كبير أن تكون الولايات المتحدة غير مطلعة على هذه الهجمات قبل وقوعها. ففيما يتعلق بموضوع السفينة، أوردت وسائل إعلام أميركية أن الحكومة الإسرائيلية أعلمت الإدارة الأميركية بالهجوم قبل تنفيذه. وعليه، على الرغم من خلافات بين واشنطن وتل أبيب على طريقة مواجهة إيران، يُستبعد قيام إسرائيل بهذه الخطوة لأجل إحراج الإدارة الأميركية وإفشال مباحثاتها مع طهران، فالمتابعون للعلاقات الأميركية الإسرائيلية، يعرفون جيداً أنه في القضايا الأمنية الكبرى، وخصوصاً في الشأن الإيراني، هناك تنسيق كامل بين الطرفين، ولا يتصرف طرف بمعزل عن الآخر، ومن دون التنسيق معه. كما أنه مهما بلغت الخلافات الأميركية الإسرائيلية، فليس وارداً أن يقوم الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة الفجة، بمعاقبة الولايات المتحدة، وهي أكبر دولة داعمة له في العالم، على تبنيها الخيار الدبلوماسي مع طهران، بينما هو يستضيف وزير دفاعها. وبناءً على ما سبق، فالاحتمال الجاد الآخر هو أن الولايات المتحدة، من خلال منح الضوء الأخضر للجانب الإسرائيلي أو الموافقة على تصرفه هذا أو المشاركة فيه، أرادت أولاً نزع أهم أداة ضغط للجانب الإيراني في المباحثات الدائرة معه في موضوع تخصيب اليورانيوم، وثانياً إيصال رسالة لطهران مفادها أنه إذا لم تتجاوب مع الحلول…

تابع القراءة

زيارة قيس سعيد للقاهرة.. دلالة السياق ورمزية التوقيت والمكان

  زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد للقاهرة التي استغرقت ثلاثة أيام من الجمعة 9 أبريل إلى الأحد 11 أبريل “2021”م، واجتماعه برئيس الانقلاب العسكري في مصر دكتاتور ترامب المفضل الجنرال عبدالفتاح السيسي تحمل في طياتها دلالات خطيرة فيما يتعلق بالسياق الذي جرت فيه في ظل حالة الشلل التي تسبب فيها الرئيس التونسي في منظومة الحكم في بلاده، وصدامه مع البرلمان من جهة والحكومة من جهة أخرى، كما تحمل الزيارة رسائل بالغة الخطورة فيما يتعلق برمزية التوقيت والمكان والأشخاص الذين  التقى بهم والملفات التي جرى النقاش حولها، ومدى انحياز قيس سعي لسياسة المحاور والتحالفات في المنطقة لا سيما محور تحالف الثورات المضادة وصولا إلى رمزية ودلالة الأماكن التي زارها في القاهرة على هامش الزيارة المثيرة للجدل. وتباينت آراء المراقبين حيال الزيارة بين من ينظرون إليها باعتبارها تعزيزا للعلاقات الثنائية بين البلدين في المجالات المختلفة، ومن ينظرون إليها باعتبارها انعكاسا لحقيقة توجهات الرئيس التونسي الغامض والمثير للجدل وأن بهذه الزيارة يكشف عن انحيازه لتحالف الثورات المضادة في المنطقة.   تعزيز العلاقات الثنائية المؤيدون للرئيس التونسي يقرأون الزيارة باعتبارها تعزيزا للعلاقات بين البلدين العربيين، خصوصا في ظل حالة الفوضى والاضطرابات التي تشهدها المنطقة وتدهور أوضاعها الاقتصادية في ظل تفشي جائحة كورونا. وبحسب هؤلاء فإن الزيارة تأتي  ضمن مساعي سعيد، منذ وصوله الرئاسة، إلى بناء توازن في علاقات بلاده بين المحاور بالمنطقة، حيث ظهر ذلك أثناء زيارة الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) إلى تونس أواخر 2019، وزيارة سعيد إلى الدوحة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020″؛ وبالتالي يدافع أنصار سعّيد عن الزيارة باعتبارها إثباتا أنه ليس خاضعا لسياسة المحاور في المنطقة، ولا يتبع محورا بعينه. الزيارة تطرقت لملفات حساسة منها الملف الليبي ومكافحة الإرهاب والإسلام السياسي، وإعادة السلام في بلدان الساحل الإفريقي”. وبحسب هذا الفريق فإن الزيارة كانت مهمة لنظام السيسي الذي يتطلع دعم تونس، العضو العربي الوحيد حاليا بمجلس الأمن، في موقفه من أزمة “سد النهضة”؛ لا سيما وأن حكومة السيسي تتجه نحو إعادة تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن من أجل إلزام إثيوبيا بوقف أعمال قد تضر بالمصالح السودانية والمصرية، ومن هنا تأتي أهمية تونس لمصر؛ كون الأولى دولة عضوا بالمجلس، وتمثل المجموعة العربية داخله”. كما يدعي هؤلاء أن الزيارة تستهدف أيضا تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، خصوصا وأن البلدين يعانيان بشكل كبير من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وفي هذا الصدد، اعتبر وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار التونسي علي الكعلي، في تعليقه على الزيارة، أن آفاق حجم التبادلات التجارية والاستثمارات بين بلاده ومصر تبقى واعدة، والنتائج قابلة للتطور، رغم أن حجمها دون الطموحات والإمكانيات المتاحة. وأوضح الكعلي، في تصريحات لوكالة الأنباء المصرية الخميس 8 أبريل، أنه على المستوى التجاري، بلغت صادرات تونس إلى مصر عام 2019 قرابة 60 مليون دولار، في حين سجلت الواردات ما يناهز 500 مليون دولار. وأضاف أن الاستثمارات المصرية في تونس بلغت حوالي 2.5 مليون دولار، والاستثمارات التونسية في مصر بلغ حجمها قرابة 35 مليون دولار بنهاية 2019، وهي استثمارات تنشط في جملة من القطاعات على غرار الخدمات والسياحة والصناعات الغذائية والاتصالات وغيرها. لكن سعّيد خلال زيارته للقاهرة لم يصطحب معه وزراء أو  مستشارين اقتصاديين؛ وهو ما يلغي أي إمكانية لتكون للزيارة أبعاد اقتصادية أو على علاقة بالاستثمار.   قراءة مغايرة يذهب المعارضون لقيس سعيد إلى قراءة فحوى الزيارة والهدف منها على نحو مغاير؛ وذلك من خلال النقاط الآتية: أولا، الزيارة أثارت الجدل نطرا لطبيعة النظام السياسي في مصر فهو نظام عسكري اغتصب السلطة بانقلاب على تجربة ديمقراطية؛ وبالتالي فإن زيارة قيس سعيد للقاهرة باعتباره رأس الدولة الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي والرئيس العربي الوحيد المنتخب من الشعب عبر استحقاق نزيه وشفاف، تمثل مكسبا لنظام قمعي استبدادي. هذه الزيارة منحت السيسي هذه الرمزية بخلاف زيارة الرئيس التونسي السابق الباجي قايد السبسي للقاهرة سنة 2015م؛ ذلك أن السبسي كان محسوبا على النظام القديم وكان وزيرا في حكومة المخلوع زين العابدين بن علي، أما قيس سعيد فإنه يقدم نفسه باعتباره رمزا من رموز الثورة الشعبية. وارتماء قيس سعيد في أحضان النظام العسكري المصري على هذا النحو وفي هذا التوقيت بعد زيارته ليبيا تؤكد أنه يدور في فلك السياسة الفرنسية في علاقاته الخارجية والدولية.  ولهذه الأسباب هاجم  الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي زيارة الرئيس الحالي قيس سعيد إلى القاهرة، وكتب على صفحته الرسمية على “فيسبوك”: “عفواً يا روح محمد مرسي، عفواً يا رفات شهداء رابعة وغيرها من المجازر الفظيعة، عفواً يا آلاف المقبورين أحياء في سجون السيسي. أيا كانت مشاربكم السياسية… عفوا يا ملايين المصريين الذين أرادت ثورة 25 يناير المجيدة أن تجعل منكم شعباً من المواطنين لا شعباً من الرعايا، شعباً يملك دولة لا شعباً تملكه عصابة… عفواً عفواً من محبيكم في تونس البوعزيزي. هذا الرجل لم يعد يمثلني”. وأضاف المرزوقي: “هذا الرجل لا يمثل الثورة التي سمحت له بالوصول للسلطة، هذا الرجل لا يمثل استقلال تونس، ووحدة دولتها، ومصالحها، وقيمها. والأهم من هذا كله؛ شرفها، الذي هو أغلى ما يملكه إنسان أو شعب”. وختم قائلاً: “رحم الله في هذا اليوم شهداءنا وشهداءكم وشهداء الأمة… كل الذين ناضلوا من أجل حرية يهددها أكثر من أي وقت مضى المتطفلون على التاريخ… ولا بد لليل أن ينجلي… علينا… عليكم… على كل شعوب الأمة”. تذهب تقديرات إلى أن قيس سعيد بزيارته للقاهرة ولقائه  بقائد الانقلاب إنما يكشف عن وجهه الحقيقي فهو صدى الاختراقات الفرنسية الإماراتية ومعبر عن سياستهما، يدبر لانقلاب غير عسكري على الثورة التونسية وتجربتها الديمقراطية القصيرة، ويريد أن يمسي دكتاتورا، لكن الدستور يمنعه، ومن أجل هذا قرر أن يعرقل الحكومة حتى يحصل على صلاحيات ليست من حقه بالبلطجة السياسية، ولهذا تأتي زيارته للقاهرة من أجل  استشارة عرّاب الانقلابات في المنطقة ليستفيد من خبراته وتجاربه في قمع الشعوب بالحديد والنار. ثانيا، اكتسب قيس سعيد شعبيته من تصريحاته التي سبقت الانتخابات التي جاءت به رئيسا، وخصوصا قوله الشهير “التطبيع خيانة عظمى”، لكنه يذهب مهرولا إلى أحد أكبر عرَّابي التطبيع في المنطقة وكنز إسرائيل الاستراتيجي.  وتأكيدا على أن موقف قيس سعيد من إسرائيل لا يعدو التصريحات الجوفاء فإنه خلال وجودة بالقاهرة ذهب إلى ضريح الرئيس السابق محمد أنور السادات الذي يعد أول من اعترف بإسرائيل وأقام معها اتفاق تطبيع؛ وأول من حوَّل قضية فلسطين من قضية عادلة لشعب محتل إلى صفقة يمكن المساومة بشأنها في دنيا المصالح.  معنى ذلك أن الرئيس التونسي يبعث برسالة واضحة لا تقبل اللبس أن تصريحاته السابقة بأن التطبيع خيانة عظمى تقبل المراجعة والتراجع، وأن هناك خفايا بين السطور لا يمكن البوح بها إلا في دهاليز الغرف المغلقة. تتعزز هذه النظرة للرئيس التونسي بشأن موقفه من التطبيع إذا راجعنا سجله ومواقفه بشأن…

تابع القراءة

ولاية العهد بالأردن وأزمة انقلاب الأمير حمزة

    على وقع مشكلات مجتمعية جوهرية يعايشها الاردن، وتأزم في بيت الحكم الهاشمي، جاءت أزمة الامير حمزة مع ما اثير عنه محاولة انقلاب على الحكم. بين فقر مدقع وبطالة متزايدة وحياة اقتصادية تعتمد على المساعدات السعودية والخليجية، وهو ما ترجمته تزايد نسب الضرائب والرسوم الجمركية ، حيث بات الوعاء الضريبي مرتفعا جدا في الأردن والذي يشمل ضرائب الدخل والمبيعات والرسوم الجمركية وغيرها حيث يذهب حوالي ربع دخل المواطنين للضرائب بشكل مباشر وغير مباشر. وحسب وزارة المالية فقد بلغ العائد من ضريبة المبيعات العام الماضي 3.533 مليارات دينار (حوالي 4 مليارات دولار)، فيما بلغت قيمة تحصيلات ضريبة الدخل لذات الفترة 1.138 مليار دينار (حوالي 1.6 مليار دولار). وأشارت دائرة الإحصاءات العامة الحكومية أخيرا إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بأسعار السوق الثابتة في الربع الأخير من عام 2020 بنسبة 1.6 بالمائة مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2019 والبالغة 2.1 بالمائة.وحسب بيانات الدائرة أظهرت التقديرات الأولية أن معظم القطاعات الاقتصادية حققت تراجعا خلال الربع الأخير من عام 2020 مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2019.وتوقعت الحكومة أن تسجل الموازنة للعام الحالي عجزاً بقيمة 2.05 مليار دينار (2.89 مليار دولار) بعد المنح، وتمثل الضرائب غالبية الإيرادات المقدرة بقيمة 11.1 مليار دولار رغم التأثيرات السلبية الواسعة على دخل الكثير من المواطنين. كما يعاني الأردن من ارتفاع حجم المديونية بشقيها الداخلي والخارجي والتي بلغت حوالي 50 مليار دولار وفقا لأحدث بيانات صادرة عن البنك المركزي الأردني. بجانب التباس سياسي اقليمي منذ توقيع اتفاقات ابراهام بين اسرائيل وعدد من دول المنطقة كالامارات والبحرين والسودان والمغرب برعاية امريكية وسعودية، وضغوط على الاردن للتخلي عما تبقى لها من دور في دعم الفلسطينيين  وسط تمسك من الملك عبد الله الثاني باهداب القضية الفلسطينية التي تمثل له مصدر مشروعية ومكانة دولية، وسط تراجع الدور الاقليمي لبلاده سياسيا واقتصاديا ووقوع الأردن وسط تجاذبات اقليمية عديدة، في منطقة ملتهبة من تقاطع الصراعات في سوريا والعراق والسعودية واسرائيل، في تلك الظروف يمكن قراءة الحدث ومن ثم تفسيره واستشراف مستقبله..   ماذا حدث؟ في 3 ابريل الجاري، تناقلت تقارير صحفية أنباء عن انقلاب محتمل دبره الأمير “حمزة”، وربما تلائم هذه الخطوة للوهلة الأولى الخلافات المتواجدة داخل العائلة المالكة، والتي تتزامن مع ضغائن متصاعدة حول قضايا خلافة العرش، رغم أنه لا يمكن استبعاد التدخل الخارجي تماما، بحسب تقديرات استراتيجية. واعتقلت أجهزة الأمن عددا من الأشخاص، بينهم الشريف حسن بن زيد، ورئيس الديوان الملكي السابق، باسم عوض الله، ومدير مكتب ولي العهد السابق، الأمير حمزة بن الحسين، لأسباب تشكل تهديدًا للأمن الوطني الأردني. بينما تحدّثت وسائل إعلام أميركية عن وضع الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية، مع شيوع أنباء عن محاولة انقلابية. وعلى الرغم من أن الديوان الملكي نشر بيانًا موقّعًا من الأمير حمزة يضع فيه نفسه تحت تصرّف الملك، ويعلن التزامه بدستور البلاد، فإنّ نشرَ مقطع صوتي للقاءٍ عاصف بين الأمير ورئيس أركان الجيش الأردني، اللواء يوسف الحنيطي، دفع إلى التشكيك في انتهاء الأزمة. ولكن رسالة الملك إلى الأردنيين عادت وأكدت انتهاءها بوضع الأمير حمزة “تحت رعايته“. إلا أنه من المستبعد، على أقل تقدير، أن يكون قرار قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي توجيه تحذير للأمير “حمزة” بضرورة الامتناع عن الاتصال بزعماء القبائل الساخطين، واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، اُتخذ دون موافقة الديوان الملكي.والذي تربطه علاقة متوترة مع الأمير “حمزة” منذ عام 2004؛ حيث جرد الملك عبد الله الثاني الأمير حمزة  من لقب ولي العهد.ومن التسجيل المسرب للمحادثة بين الأمير “حمزة” و”الحنيطي”، يتضح أن التحذير نُقل بشكل أخرق إلى حد ما، رغم أنه من الصحيح أيضا أن الأمير “حمزة” تعهد لاحقا بالولاء للملك “عبدالله“. فنظرا لعدم توجيه اتهام محدد أثناء المحادثة للأمير الذي لا يزال قيد الاقامة الجبرية  في قصره، فقد يكون من المعقول أكثر أن نفترض أن هذه الخطوة جاءت مدفوعة بمخاوف من أن الأمير “حمزة” قد يستخدم الاستياء الواسع داخل المملكة لزيادة شعبيته الواسعة بالفعل؛ أي إنها أقرب إلى نوع من التحرك الوقائي. إضافة إلى ذلك، لا يمكن استبعاد التدخل الأجنبي؛ حيث من المحتمل أن تحرص السعودية وإسرائيل على التخلص من ملك غير راغب في الانحياز لـ”اتفاقات إبراهيم” “اتفاقات التطبيع الأخيرة” ومصمم على دعم القضية الفلسطينية. وفد وضعت “اتفاقيات إبراهام” بين إسرائيل والإمارات والبحرين، وفيما بعد السودان والمغرب، بالفعل قنبلة موقوتة تحت عرش الملك الأردني. فأثناء طرحها، كان على إدارة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” طمأنة المملكة بأن الشائعات حول وجود مخطط لإنشاء اتحاد أردني فلسطيني لا صحة لها.   تاريخ من التقلبات وبالعودة قليلا للوراء، نجد  العديد من تقلبات المشهد الأردني، فلقد نجا النظام الملكي من محاولة اغتيال الملك “عبدالله الأول” عام 1951، ومحاولة الانقلاب القومي العربي عام 1957، وزوال أبناء عمومته الهاشميين في العراق عام 1958، وخسارة الضفة الغربية عام 1967، والانتفاضات العربية عام 2011. ولكن هذه المرة مختلفة؛ حيث أنها تكشف تحلل النظام السياسي للهاشميين. وتأتي الخلافات الحالية مع تصاعد المطالب المحلية من أجل الديمقراطية والشفافية والإصلاحات الاقتصادية؛ بالإضافة إلى تزايد الضغط الإقليمي للقبول بصفقة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وينبع الخلاف الحالي من عداء بين اثنين من أفراد العائلة المالكة الهاشمية، الملك “عبدالله الثاني” وأخيه غير الشقيق الأمير “حمزة”، ولي العهد السابق. والأمر لا يتعلق بمواجهة مؤامرة خارجية كما جادل الأول، أو محاربة الفساد والاختلاس وتقييد الحريات السياسية كما يجادل الأخير، ولكن الأمر يتعلق بالتنافس على الهيمنة السياسية والمزايا الاقتصادية. تاريخياً، يدين ملوك الأردن بالكثير لعشائر البلاد التي انضمت إلى “حسين بن علي” في تمرده ضد الإمبراطورية العثمانية عام 1916. وفي عام 1957، أوقفت وحدات البدو من الجيش الأردني محاولة الانقلاب التي قامت بها الوحدات الفلسطينية من الجيش. وحتى الان ما يزال الهاشميون متشككين من الفلسطينيين الذين يشكلون ما يقرب من 70% من سكان الأردن، ويعتمد الهاشميون بشكل كبير على الدعم العشائري. (تسيطر مجموعات صغيرة من الأقليات الشيشانية والشركسية على أجهزة المخابرات وحراس القصر). وبحسب هلال خاشان،  بـ”جيبوليتكال فيوتشرز”، لم يتجه أسلاف “عبدالله الثاني” إلى تركيز سلطة الدولة بشكل مطلق؛ وبدلاً من ذلك، اشتروا ولاء العشائر عن طريق السماح لهم بتطبيق قوانينهم العشائرية في الأمور المدنية والجنائية. ونجح هذا الترتيب حتى بدأ الملك الحالي في الاعتماد بشكل أكبر على القوات المسلحة للحفاظ على القانون والنظام. من جانبهم، أظهر الهاشميون درجة من الوحدة دائما، وعادة ما قدموا أنفسهم للشعب الأردني كعائلة حاكمة متماسكة.قبل وفاته بقليل، في عام 1999، سحب الملك “حسين” لقب ولي العهد من شقيقه “الحسن”، الذي احتفظ بها لمدة 34 عامًا، وأعطاه لابنه “عبدالله الثاني”، وعيّن الأخير أخاه غير الشقيق “حمزة” ولياً للعهد، لكنه سحب اللقب منه بعد 5 سنوات وأعطاه لابنه “حسين“ لم ينتقد “الحسن” ولا “حمزة” علانية الإطاحة بهم،…

تابع القراءة
المشهد السياسي

المشهد السياسي.. عن الفترة من 27 وحتى 2 أبريل 2021

  المشهد المصري: انتخابات نقابة الصحفيين واستمرار سياسة تأميم المجال العام. في 17 مارس 2021، كان مجلس نقابة الصحفيين قد قرر تأجيل انتخابات التجديد النصفي لمجلس النقابة أسبوعين لتعقد الجمعة 2 أبريل؛ حتى يتسنى لها عقد الانتخابات في مكان مفتوح بدلاً من مقر النقابة؛ كإجراء إحترازي ضد تفشي فيروس كورونا. وقد أثار هذا القرار مخاوف صحفيين وأعضاء المجلس والمرشحين من أن يفتح ذلك بابًا خلفيًا للطعن في نتائج الانتخابات. ولعل أحد خلفيات القرار هو رفض الحكومة طلباً للنقابة بإغلاق شارع عبد الخالق ثروت يوم الانتخابات ما يسمح للنقابة بإقامة سرادق يسهل على الصحفيين الإدلاء بأصواتهم في مكان مفتوح غير مكتظ[1]. وقد أجريت انتخابات نقابة الصحفيين بالفعل في 2 أبريل، في نادي المعلمين في الجيزة، لاختيار النقيب رقم 23 في تاريخ النقابة، و6 أعضاء للمجلس. وقد أسفرت الانتخابات عن فوز «ضياء رشوان» بمنصب النقيب، حيث حصد 1965 صوتاً، من إجمالي عدد أصوات الناخبين الصحيحة التي بلغت 3844 صوتاً، في المنافسة مع 5 آخرين على المنصب، وعن فوز 6 أعضاء جدد، منهم  3 على مقاعد فوق السن، هم: «محمد خراجة» 1338 صوت، «إبراهيم أبو كيلة» 1277 صوت، «حسين الزناتي» 1201صوت. و 3 آخرون على مقاعد تحت السن، هم: «أيمن عبدالحميد» 1864 صوت، «دعاء النجار» 1078 صوت، «محمد سعد عبدالحفيظ» 1045 صوت[2]. وقد تنافس على مقعد النقيب بالإضافة إلى النقيب الحالي «ضياء رشوان»، كل من: «كارم يحيي»، و «سيد الإسكندراني»، و«طلعت هاشم»، و «محمد المغربي»، و «رفعت رشاد» الخاسر أمام رشوان في الدورة النقابية السابقة. بينما تنافس على مقاعد مجلس النقابة، 21 مرشح على عضوية مقاعد فوق السن، و 35 مرشح على عضوية مقاعد تحت السن. أما الباقون من المجلس الحالي من دون انتخاب هم: خالد ميري، ومحمد شبانة، وحماد الرمحي، ومحمود كامل، ومحمد يحيى يوسف، وهشام يونس[3]. أفاد مراقبون –نقلاً عن مندوبين لمرشحين على مقعد النقيب ومقاعد أعضاء المجلس ممن حضروا فرز الأصوات- أنه كان هناك إلتزام واضح من عدد كبير شارك في التصويت من الصحفيين تجاه أربعة من المرشحين حيث تكررت أسمائهم بشكل لافت، هذه الأسماء الأربعة هم: إبراهيم أبو كيلة، وحسين الزناتي، وأيمن عبد المجيد، ودعاء النجار، إلى جانب ضياء رشوان. وقد نُقل عن مصادر صحفية أن هؤلاء الفائزون الخمسة مدعومين من جانب «جهاز الأمن الوطني» الذي أجرى أحد ضباطه أجتماعاً حضره رؤوساء تحرير صحف قومية واخرى خاصة، في مطعم «جروبي» وسط القاهرة، في منتصف فبراير الماضي، بخصوص هذا الشأن[4]. كما ذكرت مصادر صحفية، أن «علي حسن» رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، وكالة الأنباء الرسمية التابعة للدولة، كان المسئول عن حشد الصحفيين التابعين لرؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة، وتنسيق عملهم مع ضابط الأمن الوطني الذي كان يجلس خارج “نادي المعلمين”، مقر إجراء الانتخابات، وقد كان كل رئيس تحرير مكلف بحشد عدد معين من الصحفيين لتأييد الشخصيات المدعومة من «جهاز الأمن الوطني»[5]. وقد تم رصد عدد من المخالفات التي وقعت خلال انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين؛ وهي: (1) قرار اللجنة المشرفة على الانتخابات، برئاسة خالد ميري، مد التسجيل للجمعية العمومية للنقابة ساعة إضافية لثلاث مرات، بالمخالفة للقانون رقم 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحافيين، وذلك حتى يكتمل النصاب القانوني الذي يسمح بانعقاد الجمعية العمومية للنقابة، حيث يشترط حضور 2420 صحافياً، يمثلون نسبة الربع+1 من عدد المقيدين في جدول المشتغلين في النقابة. (2) رفض الأشخاص المنتدبين من هيئة قضايا الدولة للإشراف على انتخابات النقابة السماح لمندوبي المرشحين بحضور عملية فرز الأصوات، التي جرت داخل كل لجنة على حدة للمرة الأولى في تاريخ النقابة، ما دفع مرشحون للاشتباك معهم لفظياً. (3) توزيع مرشحين محسوبين على قائمة الأمن وداعميهم من رؤساء تحرير الصحف الحكومية وجبات ساخنة من مطاعم مشهورة، على سبيل الرشوة الانتخابية لأعضاء الجمعية العمومية، وفي مقدمتهم رئيس مجلس إدارة وتحرير “وكالة أنباء الشرق الأوسط” الرسمية علي حسن، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة “الأهرام” عبد المحسن سلامة، فضلاً عن المرشح الفائز أيمن عبد المجيد[6]. الصراع على الإعلام بين أجنحة النظام. كتب أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الدكتور أيمن منصور ندا، مقال على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، حذفه الموقع بعد وقت قليل من نشره، بعنوان «إعلام البغال: من أحمد موسى إلى كرم جبر!!»، وهو المقال الثامن ضمن سلسلة مقالات كتبها “ندا” على صفحته، هاجم خلالها مذيعين وصحافيين ومسؤولين في المؤسسة الإعلامية[7]، فقد وصف كرم جبر، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، بأنه “نموذج مكتمل لمسؤولي إعلام البغال.. طريقة قيامه بوظيفته وأداؤه يؤكدان ذلك”، ووصف المذيعة رانيا متولي هاشم، والمعروفة باسم “رانيا هاشم”، مقدمة برنامج “مانشيت” على قناة “إكسترا نيوز”، بأنها “سيدة المجلس وصاحبة النفوذ والعصمة وكلمة السر لكرم جبر”، كما وصفها بأنها صاحبة شبكة العلاقات العامة المتنامية الأطراف والمتغلغلة في كافة مفاصل الدولة.. وكأنَّها استنساخ لقصة “لوسي أرتين[8]“، كما تناول بالنقد أداء إعلاميين من قبيل عمرو أديب، وأحمد موسى. ومع بدأ ظهور المقالات انفتحت النار على كاتبها؛ فقد تقدم رئيس “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام” في مصر، الكاتب كرم جبر، بشكوى إلى النائب العام حمادة الصاوي، يطالب فيها باتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها حماية مؤسسة كفل لها الدستور حماية حرية الإعلام، متهماً عضو هيئة التدريس في كلية الإعلام في جامعة القاهرة أيمن منصور ندا بكتابة سلسلة مقالات عبر موقع “فيسبوك”، تتضمن “جرائم سب وقذف في حق الإعلاميين في مصر عامة، وفي حق البعض منهم خاصة”. كما استدعت كلية الإعلام في جامعة القاهرة أيمن منصور ندا للتحقيق، وهو رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في الكلية، بزعم النظر في الشكوى المقدمة ضده من أستاذ الإذاعة والتلفزيون السابق بركات عبد العزيز، بشأن الاعتداء عليه في اجتماع للجنة الدراسات العليا منذ بضعة أشهر[9]. كذلك قرر المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة تقديم شكوى جنائية إلى النائب العام المصري بحق “ندا” واتخاذ كافة الإجراءات بزعم أن “ما كتبه يمثل جرائم سب وقذف في حق الإعلاميين في مصر عامة وفي حق بعض الزملاء”، كما أصدر المجلس القومي للمرأة بيانا (مخصوصا) أشار فيه إلى شكوى من إحدى الإعلاميات (رانيا هاشم)، جاء فيه أن المقال “حمل إهانات وتشهير بالشاكية، مما يشكل جريمة طبقاً لقانون رقم 175 لسنة 2018 الخاص بتقنية المعلومات”، ووصف المجلس العبارات الواردة في المقال بأنها “تشكل جريمة سب وقذف يترتب عليها أضرارا جسيمة بسمعة الشاكية، و تنعكس آثارها على عملها، وتنتهك حرمة حياتها الخاصة وخصوصيتها وتتضمن نشر معلومات من شأنها المساس باعتبارها وشرفها”[10]. وقد قرر قرر النائب العام المصري، المستشار حمادة الصاوي، فتح التحقيق مع عضو هيئة التدريس في كلية الإعلام في جامعة القاهرة، رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في الكلية، أيمن منصور ندا، في البلاغ المقدم ضده من رئيس “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام”، الكاتب كرم جبر[11]. كما قررت كلية الإعلام…

تابع القراءة
سد النهضة

«6» حقائق تؤكد مسئولية السيسي عن أزمة سد النهضة.. فمتى يكف الجنرال عن ترويج الأكاذيب؟

  لا يكف جنرال الانقلاب عبدالفتاح السيسي عن نشر أكاذيبه بين الناس بشأن مسئولية ثورة 25 يناير 2011م عن أزمة سد النهضة، معتمدا في الترويج لهذه الأكاذيب على الآلة الإعلامية الضخمة التي تديرها أجهزته المخابراتية والأمنية، وكان آخر هذه الأكاذيب يوم الأربعاء الماضي “7 أبريل 2021م” خلال افتتاح مركز إصدار الوثائق المؤمنة، حيث قال إن قلقه على مياه النيل بدأ منذ عام 2011 وبالتحديد يوم 25 يناير، وهو اليوم الذي انطلقت فيه الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك بعد 30 عاما قضاها في السلطة. وعادة ما يربط السيسي بين ثورة يناير وبين سد النهضة، لكن الاتهام الأكثر وضوحا جاء في سبتمبر عام 2019 خلال إحدى مؤتمرات الشباب، حيث أعلن بوضوح أنه لولا ما جرى في عام 2011 (يقصد ثورة يناير)، ما أقدمت إثيوبيا على بناء سد النهضة. وخلال المؤتمر قال السيسي:  «سأقول لكم عن غلطة واحدة أو ثمن واحد دفعناه وسندفعه، 2011 (في إشارة إلى الثورة) لم يكن أبدًا تبنى سدود على نهر النيل إلا بها». لكن الهدف من هذه التصريحات ليس كشفا للحقيقة بل هي أكاذيب وافتراءات لسبب واحد هو خوف السيسي من ثورة شعبية جديدة تقضي على نظامه الاستبدادي وهو نفسه اعترف بذلك في ذات التصريحات خلال المؤتمر «محذرا من احتمال اندلاع ثورة جديدة بقوله “والأخطر منه إنكم تكرروه تاني (اندلاع ثورة جديدة)”. وتابع السيسي، الذي كان مديرًا للمخابرات الحربية آنذاك “أنا قلت 2011 فقط ليه (لماذا) لأني جبتلكم (تحدثت إليكم عن) نقطة واحدة وتقولوا لي: حل يا سيسي وهات لنا الميه (حل أزمة المياه) أنتم (المصريون) عملتم كده (من فعل ذلك)”. وهي التصريحات التي تلقي بالمسئولية على الشعب وثورته العظيمة؛ في محاولة من جانب السيسي للتغطية على فشله من جهة وتهربه من المسئولية من جهة أخرى. وفي هذا التقرير نرصد الحقائق التالية للبرهنة على مسئولية السيسي تحديدا والنظام العسكري بشكل عام عن أزمة سد النهضة. محطات كاشفة أولا، تكشف تصريحات السيسي عن مغالطة يحاول تمريرها، إذ على الرغم من أن الإعلان عن بناء سد النهضة بدأ في أبريل 2011، بعد اندلاع ثورة يناير، إلا أن الخطط الإثيوبية وتصميمات السد والدراسات المتعلقة به بدأت قبل ذلك بسنوات. كما أن المجلس العسكري، الذي كان السيسي أحد أبرز أعضائه، هو من يحكم مصر في ذلك الوقت ولمدة عام ونصف حتى منتصف 2012م. وخلال هذه الفترة الانتقالية انشغل المجلس العسكري وباقي مؤسسات الدولة التي تسيطر عليها مافيا الدولة العميقة الموازية وغير المنتخبة (الجيش ــ المخابرات ــ أمن الدولة ـ القضاء ـ الإعلام) بكيفية إفشال الثورة واسترداد نفوذهم بدلا من حماية حقوق مصر المائية وحدودها ومكانتها الإستراتيجية، وهو ما تكلل بانقلاب 3 يوليو 2013م. والبرهان على ذلك الحقائق الآتية: بدأت الخطط الإثيوبية في إنشاء سدود على نهر النيل في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. في العام 2001 أعلنت الحكومة الإثيوبية عن نيتها إنشاء عدد من المشروعات على أنهارها في إطار استراتيجية وطنية للمياه. نشر موقع ويكيلكس وثيقة مسربة يعود تاريخها إلى 26 من مايو 2010 ومفادها أن مبارك طلب من الخرطوم إنشاء قاعدة عسكرية لاستخدامها حال إصرار الجانب الإثيوبي على بناء سد. في أغسطس 2010 أعلنت الحكومة الإثيوبية الانتهاء من عملية مسح موقع سد النهضة، والتي بدأت في أكتوبرعام 2009. في نوفمبر 2010م، انتهت الحكومة الإثيوبية من تصميم السد، وأعلنت اعتزامها البدء في تنفيذه. وهو نفس العام العام الذي وقعت فيه أديس أبابا ودول حوض النيل على اتفاقية عنتيبي التي تضع معايير جديدة لتوزيع مياه النيل وهي الاتفاقية التي رفضتها مصر والسودان، ولم يوقعا عليها حتى اليوم. وخلال سنوات ما قبل ثورة يناير كانت هناك جولات عديدة من المفاوضات المتبادلة بين الجانبين المصري والإثيوبي، وهي مفاوضات غلب عليها العلاقات المتوترة بين البلدين. جريمة الانقلاب ثانيا، فإن انقلاب السيسي على الرئيس المنتخب والمسار الديمقراطي أضعف الموقف المصري؛ حيث جرى تعليق عضوية مصر في الإتحاد الإفريقي بسبب انتزاع السلطة بشكل غير دستوري “انقلاب”، وهو الإجراء الذي وظفته أديس أبابا لصالحها لاحقا؛ حيث ساومت السيسي وابتزته ليعترف بالسد مقابل الاعتراف بشرعية انقلابه من جانب الاتحاد الإفريقي وعودة مصر إلى الاتحاد مرة أخرى. وهو ما جرى بالفعل؛ ما يبرهن على أن السيسي منح الأولية لأطماعه في السلطة على حساب مصر وشعبها وحقوقها المائية. الأمر الآخر، أن اللجنة الدولية لتقييم الدراسات الإثيوبية لسد النهضة والتي جرى التوافق عليها بين الدول الثلاث في 29 نوفمبر 2011م،  وكانت تضم خبيرين من كل دولة(مصر ـ السودان ـإثيوبيا) وأربعة خبراء أجانب محايدين، ومتخصصين في مجالات هندسة السدود والموارد المائية، وتأثيرات السدود على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وبدأت اللجنة عملها في مايو 2012، وأنجزت تقريرها النهائي في 31 مايو 2013م،  كشف التقرير النهائي الذي أصدرته عن وجود سلبيات خطيرة في التصميمات الإنشائية، وقالت اللجنة إن التصميمات الإنشائية التى قدمتها إثيوبيا عن السد هي تصميمات أولية وسطحية، ولا تختص بالمشروع نفسه ولا موقعه الحالي، ولا ترقى لمستوى الدراسات المطلوبة لسد بهذا الحجم الضخم، وأن بعض هذه الدراسات قد وضعت بعد البدء في بناء السد وأثناء عمل اللجنة. وأثبت التقرير أن حكومة إثيوبيا تخفي كثير من المعلومات الحيوية عن السد وتتعامل معها بسرية تامة، وأوصى الخبراء بضرورة وضع تصميمات جديدة للسد، وبإتاحة كل المعلومات المتعلقة ببناء السد، وإجراء دراسات إنشائية وبيئية واقتصادية جادة وحديثة، وقد أقرت إثيوبيا بما ورد في التقرير، ووقّع الخبيران الإثيوبيان عليه كاملًا. وعلى الفور شرع الرئيس مرسي في توظيف نتائج التقرير لدعم الموقف المصري والذي اعترفت إثيوبيا بكل ما ورد فيه من مخاطر، في مطالبة إثيوبيا بوقف بناء السد إلى حين التأكد من أنه لا يشكل خطرًا على أمن مصر المائي”. حيث دعا القوى الشعبية لتوحيد الصف الوطني، ودعا أحزاب المعارضة للاجتماع في مقر الرئاسة(في 3 يونيو 2013م)، وأطلعهم بشفافية على ما ورد في تقرير اللجنة الدولية، وهو الاجتماع الذي اذاعه التلفزيون الرسمي على الهواء مباشرة(قيل إنه جرى بثه دون علم المشاركين)، ودعا بعضهم إلى أعمال استخباراتية ضد اثيوبيا، واعتبرته وسائل الإعلام الموالية لأجهزة الدولة العميقة، فضيحة وكشفا لأسرار الدولة. وبعيدا عن بروباجندا الإعلام المرتزق، فإن كل ما ورد في هذا الاجتماع هو تعبير جاد وحقيقي للرأي العام المصري، وبث ذلك مباشرة أعتقد أنه كان مقصودا للأسباب الآتية: أولا، ليكون رسالة واضحة الدلالة وغير ملتبسة بأن الموقف الشعبي ينسجم مع الموقف الرسمي بالتأكيد على أن مصر جادة في تهديدها، وأنها مفتوحة على كافة السيناريوهات لحماية حقوقها المائية بما فيها الخيار العسكري؛ دفاعا عن أمن مصر القومي. ثانيا، الاجتماع لم يكن كشفا لأسرار الدولة لأن المتحدثين كانوا رؤساء أحزاب وقيادات شعبية ولم يكونوا مسئولين بالحكومة؛ وبالتالي فإن الهدف من البث هو رسالة لإثيوبيا أن الشعب المصري كله مجمع…

تابع القراءة
سد النهضة

بعد تهديدات السيسي وفشل مفاوضات كينشاسا.. سيناريوهات حرب المياه في أزمة سد النهضة

    خلال تفقده المجرى الملاحي لقناة السويس الثلاثاء 30 مارس 2021م، في أعقاب تعطله لأسبوع كامل بعد جنوح حاملة حاويات عملاقة “إيفر جيفين”، أطلق الجنرال عبدالفتاح السيسي تصريحات حملت نبرة تهديد لأثيوبيا بشأن أزمة سد النهضة وإصرار أديس أبابا على بدء الملء الثاني لخزان السد في يوليو المقبل “2021م”. فقد اعتبر السيسي حرمان مصر من مياه النيل خطا أحمر، وهدد برد لا يمن تخيله سيتردد صداه في المنطقة حال تآثرت إمدادات مصر من المياه بسبب السد، الذي تشييده إثيوبيا على مجرى النيل الأزرق. وقال السيسي: “نحن لا نهدد أحدا؛ لكن لا يستطيع أحد أخذ نقطة مياه من مصر، وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد”، موضحا أنه لم يسبق له أن تحدث بهذه اللهجة، وأنه لا يهدد؛ لكن “المساس بمياه مصر خط أحمر.. ومن يريد أن يجرب فليجرب” على حد قوله. وتلقفت الآلة الإعلامية للنظام هذه التصريحات وراحت تضخم فيها من  أجل تلميع صورة السيسي المتآكلة، وشعبيته التي باتت في الحضيض بعيدا عن بروباجندا الإعلام التي تقلب الحقائق وتنشر الزيف والضلال بين الناس. تصريحات السيسي تمثل تهديدا مباشرا يصدر لأول مرة؛ رغم أن قوى المعارضة كانت تحذره باستمرار من عواقب سياساته العشوائية على مدار السنوات الماضية بهذا الملف الخطير الذي لا يهدد الأمن القومي المصري فحسب بل يهدد الوجود المصري من الأساس. برامج التوك شو على فضائيات السلطة راحت تضخم في هذه التصريحات، وكذلك جاءت مانشيتات وعناوين الصحف، وحتى كتاب الأعمدة والرأي راحوا يحللون أبعاد هذه التهديدات. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، استمرت الكتائب الإلكترونية هي الأخرى في ترديد تصريحات السيسي عن الخط الأحمر، والدعوة للثقة في قائد الضربة الجوية المنتظرة للسد، والتلويح بالحرب.[[1]] وفي اليوم السابع، يرى أكرم القصاص أن تصريحات السيسي حاسمة وواضحة وتؤكد أن مصر الصبورة المسالمة، لديها قدرات على حماية مقدراتها، تقدم السلام والتفاوض، لكنها جاهزة للتعامل مع كل السيناريوهات”. واعتبر الكاتب الصحفي عبدالباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة “رأي اليوم” اللندنية، وهو بالطبع ليس محسوبا على النظام، أن «السيسي يقرع طبول الحرب ضد إثيوبيا ويهدد بالخيار العسكري». ويقول عطوان إن هذه هي “المرة الأولى.. التي يلجأ الرئيس المصري إلى هذه اللهجة التهديدية القوية”. ويُرجع الكاتبُ ذلك إلى عدد من الأسباب، منها إبلاغ إثيوبيا المبعوثَ الأمريكي إلى السودان أنها ستمضي قدما في المرحلة الثانية من ملء خزانات السد، وقيام إثيوبيا بإزالة الغابات من أجل تسهيل مرحلة الملء، وبدء السودان تفريغ خزان جبل أولياء جنوبي الخرطوم للحد من الآثار المتوقعة جراء عملية الملء الأحادي. وبحسب عطوان نقلا عن مصادر مصرية وصفها بعالية المستوى، فإن  السلطات العسكرية المصرية أقدمت على ثلاث خطوات في الأسابيع الماضية في إطار التّحضير للخِيار العسكري الذي بات يتقدّم على الخِيارات الدبلوماسيّة وبشَكلٍ مُتسارع: الأوّل: إرسال أنظمة دفاع جوي إلى السودان لحماية أجوائه من أيّ ردّ فِعل عُدواني إثيوبي. الثّاني: إرسال مُستشارين عسكريين مِصريين للتّمركز في مِنطقة الحُدود السودانيّة الإثيوبيّة المُتوتّرة حاليًّا، ومُساعدة القوّات السودانيّة. الثّالث: إيفاد خُبرات لدراسة “طوباغرافيا” المِنطقة الحُدوديّة السودانيّة الإثيوبيّة القريبة من سدّ النهضة (على بُعد 25 كم)، ووضع الخرائط اللّازمة تَحسُّبًا لتوسّع دائرة الصّراع، أو اللّجوء إلى الخِيار العسكري. ونفت المصادر نفسها إرسال أيّ طائرات حربيّة مِصريّة إلى السودان لأنّه سيَسهُل رصدها عبر الأقمار الصناعيّة، ولكنّ هذا الاحتِمال غير مُستَبعد كُلِّيًّا، والأمر يتَعلّق بكيفيّة التطوّرات.   قراءة في تهديدات السيسي وفي قراءة لتهديدات السيسي يمكن رصد الملاحظات الآتية: أولا، تصريحات السيسي تمثل اعترافا  بفشل مسار التفاوض منذ انطلاقه حتى اليوم، وأن ما جرى خلال السنوات الماضية كان مسارا عبثيا لم يسفر عن شيء، كما تعبر تهديداته الأخيرة عن شيء من اليأس من حل الأزمة عبر التفاوض؛ ولذلك لوَّح بالحرب بطريقة غير مباشرة، وتؤكد تصريحاته أنه بات على يقين أن الأزمة لن تحل عبر الوساطات الأفريقية والأمريكية، وتوصل إلى قناعة بأن إثيوبيا تستهدف كسب المزيد من الوقت، ولم يبق إلا شهران تقريبا على موعد المرحلة الثانية من بدء ملء خزانات السد، وأراد أن يوجه رسالة واضحة لأمريكا وأوروبا ومبعوثيهما بأنه لن يتردد في اللجوء للحل العسكري خاصة بعد أن اطمأن للأوضاع في ليبيا، ويتجه نحو توافقات مع تركيا، وبات السودان يقف بالكامل حكومة وشعبا في الخندق المصري لأنه يواجه تهديدا وجوديا أيضا”. ثانيا، ورغم وجاهة ما ذكرناه في الملاحظة الأولى إلا أن السيسي  لا يستهدف بهذه التهديدات التنصل من المسار التفاوضي وإعلان الحرب كما ذهبت الآلة الإعلامية للنظام وكتائبه الإلكترونية، بل الهدف هو دعم المفاوضات وإجبار أثيوبيا على المرونة في التفاوض وعدم البدء في الملء الثاني للسد إلا بعد اتفاق ملزم يراعي مآخذ كل الأطراف. ولعل اختيار السيسي الاهتمام العالمي بأزمة تعطل المجرى الملاحي لقناة السويس، وإطلاق هذه التهديدات لتمثل رسالة “عسكرية” للمجتمع الدولي والقوى الكبرى، وقبل انطلاق مفاوضات كيناشا بأيام من أجل إجبار أديس أبابا على أن تكون مرنة في مفاوضات “الفرصة الأخيرة”. والبرهان على ذلك أن السيسي عاد في ذات التصريحات ورهن القضية برمتها بضرورة التوصل إلى اتفاق، وقال إنه لا بد من التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لتعبئة وتشغيل سد النهضة، مشيرا إلى أن “التفاوض هو خيارنا”! وجاءت تصريحات السيسي يوم الأربعاء 7 أبريل 2021م أي بعد تهديداته بأسبوع واحد فقط، وذلك بعد ساعت قليلة من إعلان الخارجية المصرية فشل مفاوضات كينشاشا بالكونغو الديمقراطية، لتؤكد على ذات التوجه؛ حيث خاطب الجانب الإثيوبي متمنيا عدم الوصول إلى مرحلة المساس بـ”نقطة مياه من مصر  لإن الخيارات كلها مفتوحة”، مضيفا “نبني مع بعض أفضل من إننا نختلف ونتصارع”. موضحا: “ننسق مع أشقائنا في السودان، وسنعلن للعالم عدالة قضيتنا في إطار القانون الدولي”، متابعاً حديثه قائلاً إن “مسار مياه النيل ربنا اللي محدده واللي عمله ربنا مش هيغيره البشر”. وأضاف السيسي خلال افتتاح المجمع المتكامل لإصدار الوثائق المؤمنة والذكية، إنه استشعر خلال السنوات السابقة عدم راحة الجانب الإثيوبي من ذهاب المياه إلى مصر مكررا:” ده موضوع بإيد ربنا وهو إللي عمله، إللي عمله ربنا مش هيغيره البشر”.[[2]]   معنى ذلك أن السيسي لا يزال يتمسك بحبال التفاوض المهترئة رغم ثبوت فشل المسار أو على الأقل الطريقة التي أديرت بها خلال السنوات الماضية. وبالتالي فإن إصرار أثيوبيا من جانبها على الملء الثاني بشكل أحادي يضع هذه التهديدات موضع الاختبار القاسي، لكن تهديدات السيسي تبقى دليلا على أن مصر قد تخلت لأول مرة عن هدوئها ولغتها الدبلوماسية، التي التزمت بها لسنوات تجاه أزمة سد النهضة، من أجل احتواء السياسة الإثيوبية التي تتهمها بالتعنت والتشدد. ثالثا،  هذه التصريحات من جانب السيسي ما كانت لتصدر أيضا لولا التقارب المصري السوداني الأخير على المستوى العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي، واتفاقهما على رؤية واحدة بشأن مفاوضات سد النهضة؛ بل ذهب البلدان (مصر والسودان) في تصريحاتهما الرسمية إلى…

تابع القراءة
المشهد السياسي

المشهد السياسي .. عن الفترة 20 من  وحتى 26 مارس 2021

  المشهد المصري: حادث جنوح « إيفر جيفن» في قناة السويس ودلالاته. أعلنت مصر، الخميس 25 مارس 2021، تعليق الملاحة مؤقتاً في قناة السويس؛ جراء جنوح سفينة الحاويات البنمية العملاقة «EVER GIVEN»، عند الكيلومتر 151 ترقيم قناة. وقد صرح رئيس هيئة القناة، أسامة ربيع أن تعليق الملاحة مستمر حتى الانتهاء من أعمال تعويم السفيبنة الجانحة. والسفينة الجانحة “إيفر جيفن” هي حاملة حاويات عملاقة طولها 400 متر وعرضها 59 متراً وحمولتها 224 ألف طن، ومدارة بواسطة شركة الشحن التايوانية “إيڤر غرين”، وقد أدى جنوحها صباح الثلاثاء 23 مارس 2021، نتيجة  «انعدام الرؤية الناجمة عن سوء الأحوال الجوية نظرا لمرور البلاد بعاصفة ترابية، حيث بلغت سرعة الرياح 40 عقدة (نحو 75 كيلومتراً في الساعة)، مما أدى إلى فقدان القدرة على توجيه السفينة ومن ثم جنوحها» بحسب بيان هيئة قناة السويس، إلى توقف حركة مرور السفن في كلا الاتجاهين بقناة السويس؛ ما تسبب في أكبر ازدحام في حركة الشحن البحري في العالم؛ حيث تجمعت عند طرفي القناة عشرات السفن، ومنها حاويات كبيرة أخرى وناقلات نفط وغاز وسفن نقل حبوب. جدير بالذكر أن قناة السويس البالغ طولها 193 كيلومترا، يمر منها يومياً نحو 30% من حاويات الشحن في العالم، ونحو 12% من إجمالي التجارة العالمية لجميع السلع. وهي تعتبر مصدر دخل حيوي لمصر وبلغت إيراداتها 5,61 مليار دولار العام الماضي. وقد أعلن السيسي في 2015 مشروعا لتطوير القناة يهدف إلى تقليل فترات الانتظار ومضاعفة عدد السفن التي تستخدمها بحلول عام 2023. ولهذه الغاية، تم حفر مجرى جديدا في 2014[1]. وقد أثارت حادثة تعطل الملاحة في قناة السويس ثلاث قضايا رئيسية[2]؛ الأولى: فشل النظام في التعامل الإعلامي مع مثل هذه الأزمات الكبرى، حيث إلتزم رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، القائد السابق للقوات البحرية المصرية، الصمت المطبق حيال الحادثة لأكثر من أربع وعشرين ساعة؛ فبينما وقعت حادثة جنوح الحاوية صباح الثلاثاء بحسب بيان الهيئة، فإن بيان الهيئة نفسه بشأن الحادثة لم يصدر سوى يوم الأربعاء، أي بعد وقوع الحادث بـ 24 ساعة؛ تاركين المجال خلال هذه الساعات لمتابعي شؤون النقل البحري والبحارة والعاملين بشركات النقل والسفن، ليكونوا هم مصدر الصور والمعلومات عن الحادثة على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما امتنع مسؤولو الهيئة خلال هذه الفترة عن الرد على جميع اتصالات وسائل الإعلام ومراسلي الوكالات العالمية في مصر، حتى فجر الأربعاء، عندما قال أحد المسؤولين بمقر الهيئة الرئيسي في محافظة الإسماعيلية، للصحافيين المصريين إنّ “النشر غير مسموح حتى الآن، وسنصدر بياناً في وقت لاحق”؛ وهو ما قاد إلى التأخر اللافت لوسائل الإعلام العالمية والعربية في التعاطي مع الحدث. القضية الثانية: قدرة هيئة القناة على إدارة قناة السويس ومدى قدرتها على مواجهة مثل هذه الأزمات، خاصة مع وجود ملاحظات بشأن تعاطي هيئة القناة مع مسألتين مهمتين؛ الأولى، هي أنه قبل ساعات من دخول السفينة الآتية من الصين للقناة، كانت هيئة الأرصاد المصرية قد حذرت من سوء الأحوال الجوية وانعدام الرؤية نظراً للعاصفة الترابية التي تضرب مصر منذ مساء الإثنين 22 مارس، إلا أنّ هيئة القناة لم تتخذ أي قرار بهذا الشأن، مما تسبب، وفقاً للبيان الصادر عن القناة، في تعطل الكهرباء وجنوح السفينة. المسألة الثانية: أن هناك معلومات تشير إلى أن السفينة الجانحة كانت تنقل حمولة تبلغ أكثر من 224 طناً، أي بزيادة 4 أطنان تقريباً عن أقصى استيعاب مسجل لها، وأن الهيئة لم تتخذ أي احتياطات خاصة لعبور السفينة العملاقة، التي تعتبر من أكبر عشر حاملات حاويات في العالم من حيث الحجم بطول 400 متر وعرض 60 متراً، ومن حيث الحمولة بقدرتها على استيعاب 220 طناً، علماً بسابقة تسببها في أزمة مشابهة في ميناء هامبورغ شمال ألمانيا عام 2019. القضية الثالثة: تتعلق بمدى كفاءة رئيس هيئة القناة أسامة ربيع (65 عاماً)، والذي عينه السيسي رئيساً لهيئة القناة في أغسطس 2019، خلفاً للفريق مهاب مميش، بعد ثلاث سنوات قضاها “ربيع” في منصب نائب رئيس هيئة القناة. حيث يرى مراقبون أن أختيار “ربيع” لهذا المنصب فقط لتكريس مبدأ انتماء رئيس الهيئة للقوات البحرية والخلفية العسكرية، على الرغم من مطالبات شرائح واسعة من العاملين بالهيئة بتغيير هذا التوجه، والعودة للاعتماد على أشخاص لديهم خبرة أكبر في التعامل مع النقل البحري المدني ومشاكله، كما كان الوضع حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي.   تقارب القاهرة وأنقرة وأثره على المعارضة المصرية في تركيا. منذ وقت طويل تحدث مراقبون عن إتصالات بين القاهرة وأنقرة لتقريب وجهات النظر ولتجاوز خلافات الجانبين بما يحقق مصالحهما؛ خاصة أن القطيعة بين البلدين أضرت كثيراً بمصالحهم خلال السنوات الماضية منذ يوليو 2013، سواء فيما يتعلق بالأزمة الليبية، وملف غاز شرق المتوسط، وغيرها من القضايا المشتركة، وقد كان ثمة مؤشرات عدة على هذه الإتصالات. منذ أيام طالبت السلطات التركية مسئولي قنوات «الالتزام بميثاق الشرف الإعلامي في سبيل المساهمة في تحسين العلاقات التركية المصرية»[3]، ومع الطلب نشطت سوق التحليلات والتكنهات بشأن مستقبل المعارضة المصرية بتركيا وقنوات المعارضة التي تبث من هناك، وقد أظهر مؤيدي النظام المصري فرح شديد وشماتة واضحة بهذا التطور معتبرينه بداية النهاية للمعارضة المصرية في تركيا وقنواتها الإعلامية، كما أظهر إعلاميون مصريون معارضون بتركيا وجل شديد مما حدث ومن تطوراته المستقبلية المتوقعة وساهموا بدورهم في نشر مشاعر الترقب بين المعارضين والإعلاميين المصريين المقيمين في تركيا[4]، وذلك رغم نفى ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وجود قرار تركي رسمي بإغلاق قنوات المعارضة التلفزيونية، قائلاً “بعدما تلقينا طلبا مصريا حول محتوى تلك القنوات، طلبنا منها تجنب التحريض على النظام المصري”، وهو ما أكده مصدر آخر في الحكومة التركية[5]. في هذا السياق، صرح إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد الإخوان، بأنه “إذا عُرض على المعارضة المصرية -ونحن جزء منها- حوار مع النظام بما ييسر أوضاع المعتقلين ويحسن أحوال الشعب، فلن نرفض”، وأنه يثق في تركيا ويقبل وساطتها لحلحلة الأزمة المصرية المستمرة منذ الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي. وهو التصريح الذي قوبل بترحيب واسع من جانب مختلف أطياف المعارضة السياسية في المنفى؛ مرحبين بأية وساطة تركية تحاول تقريب وجهات النظر بين الحكومة المصرية والمعارضة في المنفى، وفي نفس الوقت مثمنين لموقف جماعة الإخوان المسلمين من الحوار مع النظام المصري. يمكن القول هنا أن لدينا 4 قضايا مختلفة، قد تؤثر كل قضية منها على الأخرى، لكن تبقى كل منها مستقلة عن الأخرى في النهاية؛ القضية الأولى: التقارب المصري التركي، والذي رأى كثير من المراقبين أنه كان متوقعاً منذ فترة طويلة، وأنه كان ثمة مؤشرات عدة على وجود تواصل غير رسمي بين الدولتين منذ فترة. القضية الثانية: مستقبل المعارضة المصرية في تركيا، وهل تقود الاتصالات الجارية بين القاهرة وأنقرة إلى تسليم المعارضين لمصر. القضية الثالثة: مستقبل القنوات التلفزيونية الثلاث…

تابع القراءة
مصر تركيا

هل تمثل المصالحة التركية المصرية انتصارًا لنظام السيسى حقًا؟

  أثارت العديد من وسائل الإعلام مؤخراً (المقروءة والمسموعة) جدلاً كبيراً حول ماهية العلاقة بين مصر وتركيا، وعن طبيعة المسارات المدفوعة نحو التقارب بين البلدين، وذلك على خلفية ترحيب الجانب التركي في الحوار والتعاون مع مصر كي تعود العلاقات طبيعيةً كما كانت في عام 2013، فى مقابل وضع مصر – كما نُقِل عن قنواتها – اشترطت لعودة العلاقات بعض الاشتراطات، من قبيل، سحب القوات التركية من ليبيا، وإغلاق قنوات المعارضة المصرية التي تبث من تركيا، وتسليم المطلوبين من قيادات جماعة الإخوان، والتوقف عن انتهاك السيادة الإقليمية لكل من ليبيا والعراق وسوريا، والتوقف عن انتهاك السيادة البحرية لكل من قبرص واليونان[1]. وهو ما يثير التساؤل حول مدى استجابة تركيا لهذه الاشتراطات فى حالة قيام مصر بطرحها فعليًا لعودة العلاقات مع أنقرة، وهو ما سنحاول توضيحه فى السطور القادمة.   أولًا: ملف المعارضة المصرية: تشير أغلب التقارير والتحليلات الإعلامية إلى أن تركيا أصبحت تنظر إلى المعارضة كعبء عليها، تجعلها تخسر حلفاء وأسواق تجارية مهمة في ظل محاربة الأقطاب الدولية للاقتصاد التركي، فلذلك ستعمل على تحجيمها، خاصة أن المعارضة الحالية ليس لها تأثير على الشارع، ولم تنجح في توحيد صفوفها ولا قيادتها إلى الآن ولا حتى برامجها ورؤيتها السياسية،  فمن هنا يسهل استبدالها بالسوشيال ميديا إذا أراد النظام التركي ذلك في أي وقت[2]. أكثر من ذلك، فقد تحدثت بعض التقارير الإعلامية عن أن القاهرة ستطالب تركيا بمنع بعض الإعلاميين من الظهور أو ترحيلهم من تركيا وتسليمهم إلى القاهرة[3]، وكأن الأخيرة أصبحت لها الكلمة العليا فى موضوع المعارضة وما على تركيا إلا الاستجابة للقاهرة فى هذا الشأن. ولكن إذا نظرنا إلى الأمر بصورة أعمق، سنجد أن تركيا تنظر إلى المعارضة المصرية على أنها مسألة حقوق إنسان وحريات سياسية نسبية، تدار في المشهد العالمي مؤخرًا بضغط أمريكي وأوروبي وهذا مؤثر أكثر من الدور التركي الذي يفضل أن يبتعد قليلًا سياسيًا حتى لا يساعد السيسي في تغطية عورته بتحفيز الاستقطاب الدولي الأيدلوجي ضد أردوغان. أكثر من ذلك، فإن الموقف الدولى (الأمريكى والأوروبى) سيصبح أكثر دعمًا لبقاء تركيا كقوة اقليمية، وأيضًا الحفاظ على التيار الإسلامى الحليف لها، في ظل اشتعال حرب باردة شديدة بين أمريكا وحلفاءها من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، وهذه الحرب الباردة تعتبر أولوية لدى الولايات المتحدة عن كثير من قضايا الشرق. وبالتالى فإن المفاوضات الحالية بين مصر وتركيا (حلفاء الولايات المتحدة، والقوى الاقليمية الرئيسية فى الشرق الأوسط) قد تكون بدعم أمريكى. وفى ظل التوجه الأمريكى الجديد الذى يركز على قضايا حقوق الإنسان ودعم منظمات المجتمع المدنى والقوى السياسية الداخلية الفاعلة وفى القلب منها القوى الإسلامية، فإن المفاوضات التركية المصرية الحالية قد تصب فى صالح المعارضة، وقد نرى فى المستقبل القريب توافقات حول الإفراج عن المعتقلين، والسماح بعودة التيار الإسلامي للعمل داخل مصر وبعض الدول العربية بزى وشكل جديد[4]. وفيما يتعلق بتهليل الإعلاميين المحسوبين على النظام المصرى بأن تقارب تركيا مع مصر يعتبر انتصار ساحق لنظام السيسى فهذا الأمر مردود عليه، حيث أن هناك مجموعة العديد من الانتقادات التى توجه لنظام السيسى على خلفية أن النظام التركي يدير بلاده كسائر الدول الديمقراطية على مبدأ تحقيق المصالح، عكس النظام المصرى الذى تمحورت سياساته حول الاحتفاظ بالسلطة أطول فترة ممكنة حتى لو كان ذلك على حساب مصالح شعبه وأمنهم القومي ومصالحهم. فتركيا تسعى إلى استعادة العلاقات مع نظام معادى لها؛ لما فى ذلك من منافع اقتصادية ستعود على شعبها من جراء ترسيم الحدود البحرية مع مصر عكس الأخيرة التى قدمت العديد من التنازلات (مثل التنازل عن تيران وصنافير للسعودية ومناطق اقتصادية خالصة فى ترسيم الحدود مع قبرص) من أجل ضمان بقاء النظام. أكثر من ذلك، فإن مصر ترهن عودة العلاقات مع تركيا وما فى ذلك من مكاسب ضخمة على ضرورة وقف تركيا لقنوات المعارضة التى تركز على انتقاد النظام المصرى أو بعبارة أدق تعرية النظام وفساده، وهو ما يثبت مدى قوة هذه القنوات وقدرتها على تعرية النظام من ناحية، ومن ناحية أخرى، يثبت مدى تنازل النظام المصرى عن مقدرات البلاد لمجرد تسليم جزء من المعارضة هى فى النهاية جزء من الشعب المصرى، وكان بالإمكان ألا تهاجر من مصر إذا لم يلجأ السيسى إلى سياساته القمعية والوحشية.   ثانيًا: منطقة شرق المتوسط: على الرغم من أن مصر كانت نصيرًا قويًا للتحالفات المناهضة لتركيا في منطقة شرق المتوسط. ففي عام 2019، شكلت اليونان وقبرص وإسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية وإيطاليا منتدى غاز شرق المتوسط​​، ومقره مصر، وتم استبعاد تركيا بشكل واضح من المنتدى. بالإضافة إلى ذلك، زادت إسرائيل واليونان وقبرص ومصر من تعاونهم الأمني الموجه ضد تركيا فى هذه المنطقة. إلا أن هناك ثلاثة أسباب على الأقل قد تشكك في التزام مصر بالتوجهات الجيوسياسية الحالية ضد تركيا. أولاً، تشير تقارير إلى محاولات للتقارب بين السعودية والإمارات ومصر من جهة وأنقرة من جهة أخرى حيث يشعر قادة هذه الدول بالقلق بشأن علاقتهم بإدارة بايدن، وبالتالى فإن التقارب جاء برغبة من الجانبين وليس من جانب تركيا فقط، أى أن تركيا ليست مجبرة على تقديم تنازلات كبيرة للتقارب مع مصر فى ظل حاجة مصر هى الأخرى لهذا التقارب. ثانيًا، ترتبط الكتلة المناهضة لتركيا في شرق البحر المتوسط بتحالفات غربية، لكن القاهرة أظهرت مؤخرًا خطًا مستقلًا. ففي نوفمبر الماضى، اشتركت مصر مع روسيا في أول تدريب مشترك لها في البحر الأسود وتخطط لشراء مقاتلات روسية من طراز “سوخوي-35″، بالرغم من تهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات. ومن المفارقات أن مصر قد تواجه مصيرًا مشابهًا لتركيا، التي أدت شرائها لمنظومة الدفاع الجوي الروسية “إس-400” إلى توتر علاقتها بواشنطن. وهذا يمثل عامل إضافى فى تنسيق الرؤى وتوحيد الجهود للتعامل مع إمكانية فرض عقوبات أمريكية لشراء الأسلحة الروسية، خاصة أن الدولتين تريان أن أمريكا تحظر عليهما أسلحة أكثر تقدمًا لتحقيق نوع من التفوق لإسرائيل فى المنطقة. ثالثًا، لا تتوافق مصالح مصر تمامًا مع أثينا ونيقوسيا في جميع جوانب استغلال الطاقة. فبموجب اتفاق مع تركيا، ستحصل مصر على حدود بحرية ومناطق اقتصادية أكبر من التي تعطيها لها قبرص واليونان فى اتفاقيتهما مع مصر. بالإضافة لذلك خططت إسرائيل وقبرص واليونان (بدون مصر) لإنشاء خط أنابيب تحت البحر يمتد من قبرص إلى إيطاليا[5]. وبالتالى، فإن الإتفاقية البحرية مع تركيا، ستحقق انتصار لمصر من حيث الحصول على مناطق اقتصادية أكبر من تلك التى تحددها الإتفاقية مع اليونان، كما أن تلك الاتفاقية ستعيق أى إمكانية لإنشاء أى مشاريع حالية ومستقبلية لنقل الغاز إلى أوروبا بدون التنسيق مع مصر وتركيا. أى أن الإتفاقية ستحقق مكاسب مشتركة للدولتين، ولن تكون لصالح دولة على أخرى. ويبدو أن القاهرة لا تمانع بالفعل توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع تركيا، بعدما أبدت في وقت سابق…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022