
الموقف الصيني من العدوان الإسرائيلي علي غزة: الأبعاد والمحددات والتحديات
تفاعلت الصين مع عملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها كتائب القسام “الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)” في غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023، حيث وقفت الصين على طرف النقيض مع الموقف الأوروبي والأمريكي من حماس فلم تقم بإدانتها. ومع بدء العدوان الإسرائيلي علي غزة، حملت المواقف الصينية وتصريحات المسؤولين قدرًا من “تصعيد اللهجة” حيال سلوك إسرائيل، فانتقدت بكين القصف الإسرائيلي الشامل للمدنيين، وأدانت انتهاكات القانون الدولي، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإنشاء ممر إنساني للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر. وذهب وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى أبعد من ذلك، واصفًا القصف الإسرائيلي للمدنيين في غزة بأنه “يتجاوز نطاق الدفاع عن النفس”[1].ولكن رغم تمايز الموقف الصيني عن مجمل المواقف الغربية المنحازة لإسرائيل، إلا أن هذا الموقف لم يكن له تأثيرًا كبيرًا، ولم يحدث اختراقًا باتجاه وقف إطلاق النار. مما أثار التساؤلات حول أبعاد الموقف الصيني من العدوان الإسرائيلي علي غزة، ومحددات هذا الدور، والقيود التي يمكن أن تحد من التأثير الصيني في الملف الفلسطيني خصوصًا، وقضايا الشرق الأوسط عمومًا. أولًا: أبعاد الموقف الصيني من العدوان الإسرائيلي علي غزة: يمكن الإشارة إلي أبعاد الموقف الصيني من العدوان الإسرائيلي علي غزة كما يلي: 1- التصريحات الرسمية: تبلور الموقف الصيني من عملية “طوفان الأقصى” بشكل سريع، حيث قالت الخارجية الصينية في 8 أكتوبر 2023، وبعد يوم واحد من العملية، “تعرب الصين عن قلقها العميق إزاء التصعيد الحالي للتوتر والعنف بين فلسطين وإسرائيل، وتدعو الدول المعنية إلى الحفاظ على التزام الهدوء وضبط النفس، والوقف الفوري لإطلاق النار، وحماية المدنيين، ومنع المزيد من التدهور في الوضع”[2]. وعقب بدء العدوان الإسرائيلي الوحشي علي قطاع غزة، فقد أكد وزير الخارجية وانغ يي، في 14 أكتوبر، أن تصرفات إسرائيل “تتجاوز نطاق الدفاع عن النفس”، وطالبها بالتوقف عن فرض “عقاب جماعي” على الفلسطينيين[3]. وبحسب تصريحات لوزير الخارجية الصيني، في 13 أكتوبر، فإن لإسرائيل الحق في إقامة دولة، وكذلك الأمر للفلسطينيين، معتبرًا أن الإسرائيليين حصلوا على ضمانات البقاء، ليكون من الواجب الآن الاهتمام ببقاء الفلسطينيين، وقال: “لم تعد الأمة اليهودية مشردة في العالم، ولكن متى تعود الأمة الفلسطينية إلى بيتها؟”، متحدثًا عن أن الظلم الواقع على الفلسطينيين مستمر منذ أكثر من نصف قرن، وهي المعاناة التي يجب العمل لمعالجتها من خلال “حل الدولتين” وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وبناءً على هذا الحل، يمكن أن ينعم الشرق الأوسط بالتعايش المتناغم بين الأمتين العربية واليهودية[4]. كما أعربت الناطقة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ، في 19 أكتوبر، عن “خيبة أمل الصين العميقة” إزاء استخدام الولايات المتحدة حق النقض ضد القرار البرازيلي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدعو إلى “هدنة إنسانية” في الحرب بين إسرائيل وحماس للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة[5]. وفي أول تصريحاته منذ بدء العدوان الإسرائيلي علي غزة، دعا الرئيس الصيني شي جين بينج، خلال اجتماع في بكين مع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في 19 أكتوبر، إلى “وقف فوري لإطلاق النار”، ومشيرًا إلي أن “السبيل الوحيد لكسر دائرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يكمن في حل الدولتين، واستعادة الحقوق الوطنية المشروعة للفلسطينيين، وإقامة دولة فلسطين المستقلة”[6]. كما طرح مبعوث الصين إلى منطقة الشرق الأوسط، تشاي جون، في كلمته أمام قمة القاهرة للسلام المنعقدة في 21 أكتوبر 2023، موقف بلاده من الحرب على غزة، إذ يرى الجانب الصيني ضرورة منع توسيع رقعة الصراع، ووقف إطلاق النار وإنهاء القتال في أسرع وقت ممكن، وأن استخدام القوة بدون تمييز أمر غير مقبول، ولابد من فتح ممر الإغاثة الإنسانية في أقرب وقت ممكن، ويجب على إسرائيل أن تستأنف الإمدادات العادية مثل المياه والكهرباء والوقود لقطاع غزة، ووقف العقاب الجماعي على سكان القطاع[7]. وخلال القمة الاستثنائية لمجموعة “بريكس” حول القضية الفلسطينية الإسرائيلية، في 21 نوفمبر 2023، أكد الرئيس الصيني أنه منذ اندلاع الصراع الإسرائيلي– الفلسطيني الأخير وبكين تعمل على تعزيز محادثات السلام بين الطرفين، وقيادة الجهود الدولية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. كما دعا الرئيس الصيني إلى “عقد مؤتمر دولي للسلام لحل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين”[8]. يذكر أن الصين سبق وأن قدمت مقترحًا لعقد مؤتمر دولي للسلام، على أن يكون ذلك بمشاركة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وفي السابع والعشرين من سبتمبر 2023 – أي قبل عشرة أيام من اندلاع طوفان الأقصى – أعربت الصين في مجلس الأمن عن تأييدها دعوة الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” إلى عقد مؤتمر دولي للسلام، وأن يقوم مجلس الأمن بإرسال بعثة إلى فلسطين وإسرائيل[9]. وقد طرحت بكين في 30 نوفمبر 2023 خمس نقاط محددة: أولها ضرورة “وقف إطلاق النار وإنهاء القتال على نحو شامل”، وثانيها “حماية المدنيين بخطوات ملموسة”، وثالثها “ضمان الإغاثة الإنسانية”، ورابعها “تعزيز الوساطة الدبلوماسية”، وخامسها “إيجاد حل سياسي”[10]. ولم تخرج التصريحات الصينية الرسمية عن هذه المفردات طوال فترة العدوان الإسرائيلي علي غزة. فعلي سبيل المثال؛ قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، خلال مؤتمر صحفي في بكين في 7 مارس 2024، “إن الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة مأساة للبشرية ووصمة عار على الحضارة، حيث اليوم في القرن الحادي والعشرين هذه الكارثة الإنسانية لا يمكن وقفها”. وأضاف: “لا يوجد سبب يمكن أن يبرر استمرار النزاع”، مشددًا: “يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك بشكل عاجل، ويجعل من التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف الأعمال العدائية أولوية قصوى”. وأكد أن “ضمان الإغاثة الإنسانية هو مسؤولية أخلاقية عاجلة”. وشدد وانغ: “نحن ندعم أن تصبح فلسطين عضوًا رسميًا في الأمم المتحدة”، مشيرًا إلى أن: “الكارثة في غزة ذكرت العالم مرة أخرى بحقيقة أنه لم يعد بالإمكان تجاهل أن الأراضي الفلسطينية محتلة منذ فترة طويلة”. وأضاف أن “رغبة الشعب الفلسطيني التي طال انتظارها في إقامة دولة مستقلة لم يعد من الممكن تفاديها، كما أن الظلم التاريخي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يستمر لأجيال دون تصحيحه”[11]. 2- الاتصالات الدبلوماسية: أجري وزير الخارجية وانغ يي مكالمات هاتفية مكثفة مع وزراء الخارجية وكبار الشخصيات السياسية في كل من فلسطين وإسرائيل ومصر والسعودية وإيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة والبرازيل وماليزيا وغيرها، لتسليط الضوء على موقف ورؤية الجانب الصيني تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بهدف تهدئة الصراع[12]. 3– اللقاءات السياسية: فبعد لقاء السفير الإسرائيلي في بكين في 17 أكتوبر 2023، شرع المبعوث الصيني الخاص للشرق الأوسط، تشاي جون، في سلسلة من الرحلات، أولها إلى قطر حيث كان يجري التفاوض بشأن مصير بعض رهائن حماس في 19 و20 أكتوبر، ثم إلى مصر في اليوم التالي للمشاركة في قمة القاهرة للسلام، وإلى الإمارات في 24 أكتوبر، ثم إلى الأردن وتركيا[13]. ونقلت وسائل إعلام رسمية صينية عن مبعوث الصين الخاص للشرق الأوسط، بعد لقائه الممثل الروسي الخاص للشرق الأوسط ودول أفريقيا في…