هل يوجد خلاف بين الرؤية الأمريكية والإسرائيلية حول الحرب علي غزة؟

جاءت زيارة نتنياهو إلي واشنطن، في 4 فبراير 2025، لتبرز أهمية العلاقات الخاصة والاستثنائية التي تجمع الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث كان نتنياهو أول مسؤول أجنبي يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض بعد وصوله الثاني إلى سدة الحكم.وكانت الحرب على غزة محور لقاءات الطرفين التي شارك فيها كبار مسؤولي ملفات السياسة الخارجية الأمريكيين والإسرائيليين، وطرح ترامب للمرة الأولى فكرة تهجير سكان غزة للخارج، وأن تأخذ بلاده القطاع وتطوره كي يصبح “ريفيرا جديدة” في الشرق الأوسط.كذلك ألغى ترامب عقوبات فرضها الرئيس السابق جو بايدن على المستوطنين الذين يرتكبون جرائم ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية، وأمر بشحن أسلحة لإسرائيل احتجزها بايدن. شهد الشهران الماضيان منذ زيارة نتنياهو الأولي وحتي زيارته الثانية في 6 أبريل 2025 تطورات عديدة مثيرة ومهمة فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية علي غزة. وبداية انهار اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الذي تم التوصل إليه يوم 19 يناير 2025، برعاية أمريكية قطرية مصرية مشتركة. ونص الاتفاق على 3 مراحل بما يشمل انسحابًا إسرائيليًا كاملًا من غزة، وهو ما لم يحدث. وخرقت إسرائيل الاتفاق بعد رفضها تنفيذ المرحلة الثانية وطالبت حماس بالإفراج الفوري عن بقية المحتجزين، الأحياء منهم والأموات. وأعادت حربها على القطاع يوم 18 مارس الماضي، وقتلت أكثر من 1300 مواطن وجرحت آلافا آخرين، أضيفوا إلى أكثر من 50 ألف شهيد قتلوا منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة بعد 7 أكتوبر 2023. كما منعت إدخال المساعدات للقطاع منذ أكثر من شهر، في محاولة للضغط على حماس1. وخلال زيارة نتنياهو إلي واشنطن، تصدر ملف الحرب علي غزة محور المباحثات بينه وبين ترامب، ومن المتوقع أن تكون هذه المباحثات قد تركزت حول ثلاثة ملفات رئيسية فيما يتعلق بالحرب علي غزة، تتمثل في: 1- اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسري: خلال الزيارة،التقي نتنياهو مع مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، لإحياء مفاوضات وقف الحرب علي غزة وتبادل الأسري. وبدعم من ويتكوف، سعت إسرائيل لتأمين مرحلة أولى ممتدة من الاتفاق الموقع في يناير يطلق بموجبها المزيد من المحتجزين الأحياء، بدلًا من الدخول بالمرحلة الثانية من الاتفاق التي ستلزمها بإنهاء الحرب والانسحاب الكامل من غزة2. وحسب التأكيدات الإسرائيلية، لا تزال حماس تحتجز 59 شخصًا في قطاع غزة، يقول جيش الاحتلال إن 35 منهم قُتلوا، وتعتقد الاستخبارات الإسرائيلية أن بينهم 22 ما زالوا على قيد الحياة، بينما وضع اثنين آخرين غير معروف. ومن بين المحتجزين 5 أمريكيين3. بينما يقبع في سجون الاحتلال أكثر من 9500 فلسطيني، يعانون تعذيبًا وتجويعًا وإهمالًا طبيًا، أودى بحياة العديد منهم، بحسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية. وفي هذا السياق، قالت صحيفة “يسرائيل هيوم” إن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وافقت على إطلاق سراح 5 محتجزين، لكن إسرائيل تصر على الإفراج عن 11 محتجزًا من الأحياء وإعادة 16 جثمانًا وتقديم معلومات عن جميع المحتجزين الإسرائيليين، مقابل وقف القتال 40 يومًا وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، وهو ما رفضته حماس التي تصر على الالتزام بإنهاء الحرب وإعادة إعمار قطاع غزة. ودعا مقترح المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف إلى وقف إطلاق النار لمدة 40 يومًا مقابل إطلاق سراح 10 أو 11 محتجزًا حيًا، يليه استمرار المحادثات لإنهاء الحرب بشروط تشمل نزع سلاح قطاع غزة وإبعاد حماس عن السلطة، ولكن قيادة حماس تطالب بوقف إطلاق نار يؤدي بالضرورة إلى إنهاء الحرب وانسحاب إسرائيل من غزة وإعادة إعمار القطاع، حسب الصحيفة4. كما أن الحركة ترفض بشكل قاطع تسليم السلاح وتعتبره خطًا أحمر، وإن كانت تبدي مرونة فيما يتعلق بتراجعها عن حكم غزة. ومؤخرًا، تلقت دولة الاحتلال مقترحًا مصريًا جديدًا لصفقة تبادل أسرى مقابل وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يشمل الإفراج عن ثمانية أسرى إسرائيليين أحياء مقابل وقف لإطلاق النار لمدة تصل إلى 70 يومًا. وذكرت “القناة 12” العبرية أن المقترح المصري “يتضمن إعادة 8 أسرى إسرائيليين أحياء، بينهم الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر، إضافة إلى جثث 8 أسرى، ويتضمن أيضًا إعادة فتح محور نتساريم، وعودة سكان غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، والنقاش حول المرحلة الثانية، مع ضمانات من الوسطاء”. وأشارت القناة إلى أن “الحديث يدور حول محاولة وساطة للتقريب بين موقف حركة حماس، التي وافقت على الإفراج عن 5 مختطفين، وبين المطلب الإسرائيلي بالإفراج عن 11 مختطفًا”. وتابعت القناة: “ترفض إسرائيل مناقشة المقترح المصري بسبب البند الذي يتطلب مناقشة إنهاء الحرب، وهو الأمر الذي تعارضه إسرائيل بشدة، وحتى الآن تحظى إسرائيل بدعم أمريكي في معارضتها، وتأمل الأطراف أن يساعد لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض في الضغط على إسرائيل”5. وفي المقابل تطالب قيادات حماس بتطمينات لمدى التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار بعد تسليم الرهائن، فتم التوصل لصيغة تقضي بألا يكون تسليم الرهائن الثمانية دفعة واحدة، بل قد يكون الإفراج عن رهينة كل يوم على مدى أسبوع حتى يكتمل العدد المتفق عليه، وأن توقف إسرائيل القصف وتسمح بإدخال المساعدات مع أول تسليم للرهائن، وكذلك الإفراج عن معتقلين في سجون إسرائيل، وبشكل متزامن يتم استئناف المفاوضات من أجل تنفيذ المراحل المتفق عليها في الهدنة الأصلية. لكن الرد النهائي من حماس علي المقترح المصري لم يصل بعد، كما أن الجانب الإسرائيلي يدرس المقترح المعدل، ويبدو أنه سيرد بعد لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في واشنطن6. وتزامنًا مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن، أجرى قادة مصر وفرنسا والأردن، بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 7 أبريل، مكالمة هاتفية مشتركة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على هامش القمة الثلاثية التي عُقدت في القاهرة، حسب بيان للرئاسة المصرية. وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية، السفير محمد الشناوي، إن “القادة الثلاثة ناقشوا مع الرئيس ترامب سبل ضمان وقف إطلاق النار بشكل عاجل في قطاع غزة”. وأكدوا “ضرورة استئناف الوصول الكامل لتقديم المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين على الفور”. وأضاف المتحدث باسم الرئاسة المصرية أن “القادة الثلاثة شددوا على أهمية تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق أفق سياسي حقيقي وتعبئة الجهود الدولية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، واستعادة الأمن والسلام للجميع، وتنفيذ حل الدولتين”7. ويبدو من زيارة نتنياهو لواشنطن التي جاءت بالتزامن مع القمة الثلاثية بين مصر والأردن وفرنسا أنه في حين يسعي نتنياهو للضغط على الدول الوسيطة، قطر ومصر، من خلال واشنطن؛ للالتزام بالشروط الإسرائيلية في مفاوضات التهدئة وتبادل الأسري مع حماس. فإن هؤلاء الوسطاء يعملون علي محاولة اقناع واشنطن بضرورة الضغط علي إسرائيل لتخفيف شروطها. 2- مخطط التهجير: من المتوقع أن يتناقش نتنياهو مع ترامب حول مخطط التهجير الذي يسرع جيش الاحتلال بتنفيذه عمليًا، فمن المرجح أن تتركز النقاشات حول الخطوة التالية في هذا المخطط، والبحث عن إجابة للسؤالين الملحين: التهجير إلى أين؟ وكيف؟ تشير المؤشرات…

تابع القراءة

عِلاقة الدولة بالمجتمع في صعيد مصر… الملامح ومحاولة للتفسير

هذه السطور محاولة لإثارة النقاش حول العِلاقة المتوترة بين الدولة والمجتمع في الصعيد، توترات وجدت ترجمتها في لحظات الصدام بين الجانبين التي كثيرًا ما تكررت منذ نشأة الدولة الحديث في 1805. نستحضر هنا مشهدين؛ الأول… أحداث العنف في ساحل سليم: حيث شهدت قرية العفاردة بمركز ساحل سليم بمحافظة أسيوط، في يومي 15 – 16 فبراير 2025، اشتباكات بين قوات الأمن وعائلة هناك، استعانت خلالها الشرطة بوحدة “بلاك كوبرا” المختصة بالعمليات الخطرة، “كما استُخدمت خلال الاشتباكات الأسلحة الثقيلة مثل القذائف المضادة للدروع، ما أسفر عن تدمير جزء من البنية التحتية للقرية”، كما أسفر عن سقوط قتلى من الجانبين1؛ إذ سقط ضابط من قوات الشرطة في أثناء المواجهات، إضافة إلى إصابة 6 آخرين بينهم جنود، من جانب المدنيين سقط محمد محسوب كبير إحدى العائلة التي اشتبكت مع الأمن، وشقيقه، وأحد أولاده، وخمسة من معاونيه، كما قتل 4 من الأهالي، إما لتصادف وجودهم في مواقع الاشتباك أو من جراِء الرَّصاص العشوائي2. تدخل الشرطة جاء بعد اندلاع اشتباكات بين عائلتين بالقرية على قطعة أرض، وفي محاولة منها للقضاء على بؤرة إجرامية هناك تتجر في المخدرات والسلاح، وتفرض إتاوات على أصحاب الأعمال، يتزعمها محمد محسوب، البالغ من العمر 40 عامًا، ومطلوبًا في 1200 قضية متنوعة، حصل فيها على أحكام بالسجن والسجن المؤبد بمدد بلغت 191 سنة، وفقًا لبيان وزارة الداخلية فإن القوات داهمت مجموعة من الخارجين على القانون، يتزعمهم محمد محسوب، لكن المجموعة بادرت بإطلاق النار تجاه القوات كما فجروا أسطوانات غاز للحيلولة دون تمكين القوات من الوصول إليهم3. أما الرواية التي يطرحها محمد محسوب، في أكثر من فيديو، فهي أنه بريء من القضايا التي لفقت له، وأن استهدافه وأخوه وأقاربه إنما هي جزء من ممارسات انتقامية يرتكبها ضباط فاسدون4، لكنه قال أنه متهم في قضايا ملفقة5. المشهد الثاني… مقتل شاب على يد ضابط شرطة في الأقصر: في 20 سبتمبر 2020، توجهت قوة أمنية إلى قرية العوامية في محافظة الأقصر، للقبض على شاب شارك في تظاهرات سبتمبر التي دعا لها المقاول محمد علي، فلم تجده، “فاعتدت على عائلته وقام ضابط الشرطة بصفع والده، فمَا كان من ابنه عويس الراوي إلا أن صفع الضابط الذي رد بإطلاق عدة رصاصات في رأسه وأرداه قتيلًا”6. يلاحظ في الحالتين، أن في حالة قرية العوامية قام الأهالي باحتجاز 3 أمناء شرطة احتجاجًا على مقتل عويس الراوي، وفي حالة قرية العفاردة، شيع الأهالي محمد محسوب في جِنازة مهيبة. كما نلاحظ في الحالتين أن الشرطة قطعت الكهرباء عن قرية العفاردة وقرية العوامية كجزء من تكتيكات الضغط والحصار. فمَا ملامح هذا العداء وهل ثمة نظرية لتفسيره؟ سياسات الإفقار التهميش في الصعيد: يعود التوتر في العِلاقة بين الدولة والمجتمع في الصعيد إلى بدايات الدولة الحديثة في مصر، مع وصول محمد علي إلى الحكم7؛ إذ لم يتمكن محمد علي من دخول الصعيد والسيطرة عليه، إلا في 1811، أي بعد مرور 6 سنوات من تقلده السلطة، كما عبر هذا التوتر عن نفسه في احتجاجات شعبية متكررة، وفي ظهور حالات التمرد الفردي. أما عن أسباب التوتر بين الدولة والمجتمع في الصعيد، يمكن الوقوف عليها إذا عرفنا أن طوال سنوات حكم محمد علي “لم تتوقف الحكومة المركزية التي أسسها “الباشا” في القاهرة عن نهب الجَنُوب وجمع الضرائب”؛ وقد حكت الدكتورة زينب أبو المجد في كتابها امبراطوريات متخيلة عن “آلاف الشكاوى التي كانت تعج بها السجلات الرسمية المحفوظة في دار الوثائق القومية وتنم عن عِلاقة شديدة الاضطراب بين الصعيد والحكومة المصرية في القاهرة8“. استمر التوتر في العِلاقة بين الدولة والمجتمع في الصعيد في عهد عبد الناصر، إذ تبنى سياسة التصنيع السريع المتمركزة في القاهرة والإسكندرية والسويس وبورسعيد، وفي عهد السادات استمر التهميش، إذ يكفي أن نعرف أن نسبة الاستثمارات العامة المخصصة للصعيد في عهده كانت 9% فقط من إجمالي استثمارات الدولة، وهو ما انعكس بدوره على مستوى الدخل، ففي الوقت الذي وصل فيه متوسط الدخل في القاهرة عام 1976 إلى 230 جنيهًا كان المتوسط في محافظة سوهاج بصعيد مصر 135 جنيهًا، وبينما بلغت نسبة العائلات المحرومة من الماء النقي في القاهرة نحو 11.3% فقط، وصلت النسبة في بني سويف إلى 88.4%9. بدأ مبارك عهده وملامح التمييز ضد الصعيد قائمة، وتأثيراتها السلبية مستمرة، “ففي عام 1980 كان نصيب المواطن في سوهاج من الاستثمارات العامة حوالي 6.6% من نصيب المواطن في القاهرة، كما حصل الصعيد كله على إجمالي 17.2% من هذه الاستثمارات بالرغم من أن عدد سكانه كان يتجاوز 32% من إجمالي عدد السكان حينئذ”10. في بداية التسعينيات ومع اندلاع المواجهات المسلحة بين نظام مبارك والجماعات الإسلامية الراديكالية حاولت الحكومة تجريف تربة التطرف في الصعيد عبر التنمية ومكافحة الفقر والبطالة، إلا أن هذه المحاولات لم تلاق النجاح المتوقع، ومن ثم استمر التهميش والفقر؛ حيث أكد تقرير البنك الدولي لعام 2002 ارتفاع نسبة الفقراء في الصعيد من 47.8% عام 1991 إلى 67% عام 200011. في ظل النظام الحالي استمر التهميش، وبقي الفقر ينهش في جسد المجتمع بالصعيد، فوفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، في 2017 – 2018، احتلت محافظة أسيوط المرتبة الأولى على مستوى الجمهورية في الفقر، إذ تبلغ نسبة الفقراء فيها 66.7% من إجمالي السكان، تليها محافظة سوهاج بنسبة 59.6%، ثم الأقصر بنسبة 55.3%، فيمَا يعجز 51.9% من سكان ريف الوجه القبلي، عن تلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره12. المجال السياسي الغائب في الصعيد: لا يتمتع الصعيد بوجود مجال سياسي حقيقي ومكتمل، بل يسهل القول أن الصعيد بلدان ليس بها مجالًا سياسيًا، أما المواسم الانتخابية فإن المرشحين فيها يستندون إلى موقعهم الطبقي وعائلاتهم الممتدة وشبكات علاقاتهم الاجتماعية التي يتم توظيفها سياسيًا خلال المواسم الانتخابية، من جراء غياب بِنَى وهياكل سياسية متخصصة، إنما هناك بِنَى اجتماعية مثل العائلة تلعب أدوار سياسية خلال المواسم الانتخابية، وسرعان ما تعود إلى ممارسة أدوارها التقليدية. القِوُى الإسلامية كانت الفاعل الوحيد الذي سعى إلى خلق مجال سياسي في الصعيد، عبر تنظيم احتجاجات تعقيبًا على بعض السياسات، ومن خلال خوض المنافسات الانتخابية بالاستناد إلى هياكل سياسية حقيقية فاعلة -كالأحزاب الإسلامية، المساهمة في استنبات خطاب سياسي يشتبك مع القضايا السياسية، ويحاول بلورة موقف منها، ما ينتج عنه ظهور خطابات سياسية أخرى تناهض الخطاب الإسلامي وتحاول تأسيس خطابات سياسية بديلة. عدم ظهور أو بلورة مجال سياسي في الصعيد يعود بصورة أساسية إلى عدم وجود انتخابات للمجالس المحلية، وكون جهاز الحكم في محافظات الصعيد مكون من موظفين، يخضعون للسلطة المركزية في المحافظات، التي تخضع بدورها للسلطة المركزية في القاهرة، أما الانتخابات البرلمانية كل 4 – 5 سنوات ليست كافية لاستنبات مجال سياسي، خاصة مع التدخلات الأمنية وغياب المنافسة الحقيقة، وغياب الفاعل السياسي مع إقصاء الإسلاميين، في حين تبقى الأدوار السياسية…

تابع القراءة

الموقف الإسرائيلي من مفاوضات المرحلة الثانية لوقف إطلاق النار في غزة: المحددات والأبعاد

أقرت الحكومة الإسرائيلية اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير 2025، وهي غير متصالحة مع جميع مركباته، وجاء قبولها بضغط من إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عشية تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية. وكانت مقاربة إسرائيل للاتفاق بأنه سينهي حكم حماس وينزع السلاح عن غزة من خلال ربط الإعمار بنزع السلاح. للتذكير في هذا الصدد، فإن الاتفاق الحالي هو مقترح الرئيس الأمريكي السابق، جوزيف بايدن، وكانت إسرائيل قد عارضته وطالبت بتطبيق “المرحلة الأولى” منه، وذلك للحصول على أكبر عدد من المحتجزين الإسرائيليين الأحياء1. أولًا: محددات الموقف الإسرائيلي من مفاوضات المرحلة الثانية لوقف إطلاق النار في غزة: يفضل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع عليه مكرهًا بضغط من المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، وخاصة في مرحلته الثانية والثالثة، لعدة أسباب أهمها: 1- تعد المرحلة الثانية هي المرحلة الأهم في الاتفاق؛ فمنطق الاتفاق برمته قائم على المرحلة الثانية التي من المفروض أن تؤدي إلى وقف مستدام للقتال، وانسحاب القوات الإسرائيلية من محور فيلادلفيا، وتحرير جميع المحتجزين الإسرائيليين، لاسيما الأحياء منهم، بحيث يحقق الطرفان مرادهما: حماس بوقف الحرب، وإسرائيل باستعادة جميع أسراها من قطاع غزة، والتمهيد لبدء مباحثات المرحلة الثالثة حول مستقبل قطاع غزة وإعادة الإعمار. بمعنى أن المرحلة الثانية هي التي ستحدد مستقبل الحرب، لكنها لن تحدد مستقبل قطاع غزة. لا يرغب نتنياهو بهذا المسار للمرحلة الثانية، ويعتقد أن الثمن التي ستدفعه إسرائيل كبيرًا قياسًا بالنتائج. فهي عمليًا سوف تحقق هدفًا واحدًا من أهداف الحرب: إغلاق ملف الأسرى والرهائن الإسرائيليين دون ضمان تحقيق باقي الأهداف (وعلي رأسها القضاء علي حماس سياسيًا وعسكريًا)، مع التأكيد على أن هدف استعادة الأسرى والرهائن، لم يكن يومًا يحتل الأولوية لدى الحكومة الإسرائيلية الحالية، بل كان الهدف الأخير2. أضف إلي ذلك، فإن المرحلة الثانية تشمل الجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية، ومنهم من يحمل رتبًا عسكرية عالية. وبالتي يتضمن الإفراج عنهم أن تقبل إسرائيل بإطلاق سراح معظم الأسرى الفلسطينيين المحكومين بالمؤبدات، والذين كانت ترفض الإفراج عنهم سابقًا. وبما أن المرحلة الأولى من الاتفاق تشمل الإفراج عن 33 محتجزًا من مجمل 99 أسيرًا بقوا لدى الفصائل الفلسطينية، فإن المرحلة الثانية تتضمن إطلاق سراح ممن هم على قيد الحياة من بين 66 جنديًا وضابطًا إسرائيليًا، على أن يتم تبادل رفات الموتى منهم في المرحلة الثالثة. وبالنظر إلى مفاتيح التبادل التي شملتها المرحلة الأولى، فإنه مقابل كل مجندة أفرجت عنها فصائل المقاومة الفلسطينية، أطلقت قوات الاحتلال مقابلها 50 أسيرًا من أصحاب المؤبدات والمحكوميات العالية، فإن ذلك يعني أن ما ستقدمه إسرائيل مقابل كل جندي وضابط سيكون أكبر من ذلك، مما سيلاقي معارضة من قبل مكونات الحكومة اليمينية الإسرائيلية “المتطرفة”، وبالتالي وضع عراقيل جديدة أمام استكمال الصفقة3. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة “معاريف” عن مصادر في وزارة الجيش الإسرائيلي، إلى أنه “خلال المحادثات التي جرت في الأيام الأخيرة في القاهرة، قدمت حماس مفاتيح جديدة للإفراج عن الأسرى. وتشير التقديرات في إسرائيل إلى أن عدد المختطفين الأحياء يتراوح بين 22 و24”. ونوهت إلى أنه “حتى الآن، كان مفتاح كل رهينة هو عشرات الأسرى الأمنيين. وقالت أن “حماس تطالب بالإفراج عن 500 إلى ألف أسير مقابل كل أسير، وهذا يعني أن حماس تريد إخلاء كافة السجون الإسرائيلية، بما في ذلك عناصر النخبة الذين نفذوا هجوم السابع من أكتوبر”4. 2- فرض تمرير المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار مزيدًا من الهشاشة على استقرار الائتلاف الحكومي، حيث أعاد للمشهد مرة أخرى حالة الابتزاز التي يخضع لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من شركاءه في الائتلاف من الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة، من خلال التهديد بدفع الائتلاف للانهيار عبر الانسحاب منه، ورغم تكرار وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، تهديده بالانسحاب طوال فترة الحرب إلا أنه نفذ هذه المرة تهديده وانسحب من الحكومة في أعقاب التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالانسحاب في حال عدم استئناف الأعمال العسكرية بعد الانتهاء من المرحلة الأولى. ويبدو أن الأخير قد أبدى مرونة تكتيكية للحفاظ على الائتلاف ودفعه للاستمرار حتى عام 2026، لقطع الطريق أمام نتنياهو للجوء لشبكة أمان من المعارضة، تعويلًا على فرص تمرير رؤيته اليمينية المتطرفة بشأن التوسع الاستيطاني، وضم أراض جديدة بالضفة الغربية، عبر هذا الائتلاف اليميني المتطرف، وذلك اعتمادًا على مجئ إدارة جمهورية أمريكية مفضلة، وهو ما كان قد عبر عنه سومتريتش في تصريحات له في 19 يناير 2025، لتوضيح موافقته على تمرير المرحلة الأولى من الاتفاق، حيث وصف الظرف الناشئ باعتباره يشكل “فرص تاريخية كامنة في عامين من حكم الحكومة اليمينية المدعومة من إدارة ترامب”، موضحًا هذه الفرص في “منع قيام دولة فلسطينية، وتوسيع اتفاقيات إبراهيم، وتعزيز الهوية اليهودية للبلاد (في إشارة لعمليات الضم المحتملة لأراضٍ جديدة في الضفة الغربية)”. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أنه ربما يعول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ظل هامش الحركة الذي تعزز على خلفية زيارته الأخيرة لواشنطن التي عززت موقفه الداخلي في مواجهة شركاءه خاصة على وقع أصداء تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، على كسب مزيد من الوقت من أجل تمرير ميزانية عام 2025، المتوقع التصويت عليها بالقراءة الثانية والثالثة بحد أقصى في 31 مارس 2025، وهو إجراء يعد بمثابة تصويت بسحب الثقة من الائتلاف إذا ما فشل في تمريره5. وجدير بالذكر هنا، أنه عقب استئناف إسرائيل الهجمات الجوية علي قطاع غزة، في 18 مارس 2025، فقد أعلن حزب النائب اليميني المتشدد إيتمار بن غفير، إنه سيعود إلى حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وكان حزب “القوة اليهودية” قد ترك الائتلاف الحكومي بعدما وافق نتنياهو على وقف إطلاق النار في قطاع غزة في يناير 2025. وتمثل عودة بن غفير تعزيزًا للائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو6. 3- التزام نتنياهو بوقف الحرب على غزة والانسحاب التام، حسب الاتفاق، قد يؤدي لانهيار ائتلافه الحكومي، ومن ثم الذهاب لانتخابات برلمانية، ترجح كافة استطلاعات الرأي أنه لن يفوز فيها، بمعنى تحوله إلى أقلية في الكنيست، وخروجه من رئاسة الحكومة، وهذا يشكل له نهاية لحياته السياسية البائسة. كما سيتعرض نتنياهو للجنة تحقيق رسمية، ربما تحمله مسؤولية تاريخية عن الفشل في السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى)، وعن فشله في تحقيق أهداف الحرب المتوحشة على غزة، والتي كان لها تداعيات استراتيجية على إسرائيل داخليًا وخارجيًا7. 4- يستخدم نتنياهو الحرب أداة داخلية لتخفيف الضغط عن الحكومة الإسرائيلية. حيث تعاني من احتجاجات داخلية حادة، وخلافات بين الأجهزة الأمنية، إضافة إلى الضغوط السياسية والدبلوماسية المتعلقة بالحرب. في هذا السياق، يستخدم نتنياهو التصعيد العسكري أداة سياسية داخلية لإعادة توحيد الشارع الإسرائيلي خلف حكومته، وتحويل الاهتمام عن الأزمات الداخلية8، خصوصًا بعد المأزق…

تابع القراءة

المحادثات المباشرة بين الإدارة الأمريكية وحماس: الدوافع والدلالات

أكد البيت الأبيض إجراء إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مباحثات مباشرة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وكان موقع “أكسيوس” الأمريكي قد أفاد بأن إدارة ترامب تجري محادثات مباشرة مع حماس حول إطلاق سراح أسرى أمريكيين في قطاع غزة، وإمكانية التوصل إلى اتفاق أوسع لإنهاء الحرب. وأشار الموقع إلي أن المحادثات التي أجراها المبعوث الرئاسي الأمريكي لشؤون المحتجزين آدم بولر، لم يسبق لها مثيل، إذ لم تنخرط أمريكا من قبل بشكل مباشر مع حماس في أي محادثات، منذ أن صنفتها منظمة إرهابية عام 1997. وأضاف أن الاجتماعات عُقدت بين بولر ومسؤولي حماس في الدوحة خلال الأسابيع الأخيرة1. وهو ما أثار التساؤلات حول دوافع الإدارة الأمريكية لإجراء محادثات مباشرة مع حماس في هذا التوقيت، وأسباب موافقة حماس علي هذه المفاوضات، وموقف إسرائيل من هذه المفاوضات. أولًا: الدوافع الأمريكية من المفاوضات المباشرة مع حماس: حرصت الإدارة الأمريكية تقليديًا على تفادي الخوض في محادثات مباشرة مع حركة حماس؛ لأنها تصنفها حركة إرهابية منذ العام 1997، ويردد الساسة الأمريكيون شعار: “نحن لا نتفاوض مع الإرهابيين”، منذ سبعينيات القرن الماضي، وذلك بذريعة عدم تعزيز شرعية هذه المنظمات2. فيما أصدرت منذ بداية معركة “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023 عشرات القرارات بحق شخصيات قيادية ومؤسسات محسوبة على الحركة، بتجميد أرصدتها ووضع قادتها على قوائم الإرهاب، مثل إسماعيل هنية ويحيى السنوار وصالح العاروري ومحمد الضيف وشخصيات قيادية أخرى3. وظلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على مدار سنوات تضع شروطا تعجيزية أمام أي حوار مع حماس، أبرزها الاعتراف بإسرائيل، ونزع السلاح، والالتزام بالاتفاقات السابقة مع الاحتلال4. وإن كانت الولايات المتحدة قد خرقت قاعدة “التفاوض مع ما تصنفهم إرهابيين” مرارًا. حيث تفاوضت الولايات المتحدة مع منظمة التحرير الفلسطينية عندما كانت تعتبر تنظيمًا “إرهابيًا”، وقبل زمن طويل من اتفاق أوسلو 1993؛ كذلك، شارك موفدو ترامب في المفاوضات المباشرة مع زعماء طالبان، ووقعوا اتفاقًا في فبراير 2020، يقضي بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، والرئيس بايدن احترم الاتفاق. أيضًا التقى موفدون أمريكيون الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، قبل توقفهم عن اعتباره “إرهابيًا”، وألغوا جائزة العشرة ملايين دولار في مقابل رأسه. وطوال سنوات، امتنعت الولايات المتحدة من إجراء محادثات مباشرة مع حزب الله، لكن مسؤولين أوروبيين رفيعي المستوى، بينهم رئيس الاستخبارات الفرنسية، التقوا كبار مسؤولي الحزب من أجل الدفع قدمًا بوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، ولم تحتج واشنطن على ذلك5. كما كانت الإدارة الأمريكية تتواصل مع حركة حماس من خلال المسؤولين الأوروبيين، أو من خلال مسؤولين سابقين في الحكومة الأمريكية، كالرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر. وتسعى الولايات المتحدة من خلال هذا التكتيك أيضًا إلى تفادي تقديم أي التزامات أو مواقف ذات طبيعة ثابتة، فما يقوله الوسطاء أو المسؤولون المتقاعدون غير ملزم للإدارة الأمريكية على العموم6. وفي تحول لافت، فقد أجرت الولايات المتحدة ولأول مرة عبر المبعوث الرئاسي الأمريكي لشؤون المحتجزين آدم بولر محادثات مباشرة مع كبار مسئولي حماس. وقد جاءت هذه المحادثات مدفوعة بعدة أسباب، أبرزها: 1- جاءت لقاءات حماس وأمريكا التي عقدت في الدوحة في بداية الأمر، لتتجاوز الحوارات غير المباشرة التي تجري بين الاحتلال والحركة عبر وساطة قطرية ومصرية وأمريكية تستهدف الوصول إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بعدما انتهت المرحلة الأولى منه. فمع انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق مطلع مارس 2025، قامت إسرائيل، في 2 مارس، بإغلاق جميع المعابر المؤدية إلى القطاع لمنع دخول المساعدات الإنسانية والطبية والوقود للقطاع، في خطوة تهدف إلى استخدام التجويع أداة ضغط على حماس لإجبارها على القبول بإملاءاتها، وقد برر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ذلك بالقول أن حماس ترفض التجاوب مع مقترح أمريكي لوقف إطلاق نار مؤقت خلال شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي7. ويريد نتنياهو تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير 2025، للإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين في غزة، من دون تقديم أي مقابل لذلك أو استكمال الاستحقاقات العسكرية والإنسانية المفروضة في الاتفاق خلال الفترة الماضية. في المقابل، تؤكد حماس وجوب بدء مفاوضات المرحلة الثانية التي تشمل وضع حد للحرب والانسحاب الشامل لجيش الاحتلال من غزة، تمهيدًا للمرحلة الثالثة وأساسها إعادة إعمار القطاع المدمر8. وفي هذا السياق، نددت حركة حماس بخرق الاحتلال الإسرائيلي لاتفاق وقف إطلاق النار وعدم الالتزام بجدول الانسحاب المتفق عليه من قطاع غزة. وقالت الحركة – في بيان لها – إن الاحتلال لم يلتزم بالخفض التدريجي لقواته في محور فيلادلفيا خلال المرحلة الاولى، كما لم يلتزم ببدء الانسحاب منه في اليوم الـ42، حسبما ورد في الاتفاق. وأضافت أنه كان من المقرر اكتمال الانسحاب بحلول اليوم الـ50 للاتفاق، وكان يفترض أن يتم ذلك أمس الاثنين (10 مارس 2025). واعتبرت حركة حماس ما جرى انتهاكًا صارخًا وخرقًا واضحًا للاتفاق ومحاولة مكشوفة من الاحتلال الإسرائيلي لإفشاله وتفريغه من مضمونه9. وتعي حماس جيدًا خطورة تمديد المرحلة الأولى دون الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، حيث المخطط الأمريكي الإسرائيلي الرامي إلى تجريد الحركة من ورقة الأسرى التي تعد الورقة الأهم بحوزتها والأكثر تأثيرًا على طاولة المفاوضات الحالية، وعليه تحاول قدر الإمكان المناورة مع واشنطن والوسطاء لإكمال بقية مراحل الاتفاق، رغم ضيق المساحة التي تناور فيها10. 2- وفقًا لما كشفته صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، فإن قرار فريق المبعوث الرئاسي الأمريكي لشؤون المحتجزين آدم بولر بإنشاء مسار مباشر للمفاوضات مع حماس جاء، وفقًا لمحادثات الأمريكيين مع المقربين من عائلات الرهائن الإسرائيليين لدي حماس، بناءً على الفهم بأن المفاوضات للإفراج عن باقي الرهائن، سواء في إطار المرحلة الثانية من الصفقة الحالية لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في 19 يناير 2025 أو ضمن اتفاق جديد ومختلف، وصلت إلى طريق مسدود. كما أن احتمال استمرار المرحلة الأولى من الصفقة ليشمل الإفراج عن مزيد من الرهائن يبدو حاليًا ضعيفًا للغاية. وأضافت الصحيفة العبرية أن المسؤولين الأمريكيين تلقوا أيضًا تحديثات تفيد بأن إسرائيل تعد لعملية عسكرية واسعة النطاق وعنيفة جدًا في غزة، ويمكن أن تبدأ بها في أي لحظة. وأشارت إلى أنه، ومع تصاعد المخاوف من أن استئناف القتال قد يعرض حياة الرهائن المتبقين للخطر بشكل فوري وخطير، ويقلل بشكل كبير من فرص استعادة جثث الرهائن الآخرين، قررت الولايات المتحدة محاولة تأمين الإفراج عن الرهائن الأمريكيين، ومن بينهم عدان ألكسندر، آخر رهينة أمريكي- إسرائيلي لا يزال على قيد الحياة، بالإضافة إلى استعادة جثث أربعة إسرائيليين- أمريكيين آخرين. ووفقًا للصحيفة، فقد رفضت الحكومة الإسرائيلية باستمرار تقديم المساعدة للجهود التي كانت تركز على استعادة المختطفين غير الإسرائيليين، لأنها قد تثير غضب بقية عائلات الأسرى الآخرين. ولهذا قررت الولايات المتحدة أن الطريق الصحيح لإنجاح هذا الجهد ـ الذي يبدو أن الوقت ينفد أمامه ـ هو إجراء محادثات مباشرة وعاجلة وسرية مع حماس11. 3- مخاوف…

تابع القراءة

أحزاب الحركة المدنية مشهد ضبابي وانقسامات لا تتوقف

في الوقت الذي شهدت أحزاب الموالاة ولادة حزب الجبهة الوطنية، في محاولة جديدة من النظام بناء مصدّات أو عوازل تحمي دولته في حال وقوع أي انفجار اجتماعي1، شهدت قُوَى المعارضة المدنية مزيد من الانقسام، ومن الانشطار الذي نجم عنه ولادة كيانات جديدة تتصارع مع الكيانات القائمة على مساحة محدودة لم تشهد أي تمدد. فالمعارضة المدنية تعيش انقسام بين من يرجحون التحالف مع أحزاب الموالاة بحثا عن فرص أعلى خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، بصرف النظر عن تكلفة هذا التحالف وجدواه، ومن يشجبون ويستنكرون هذا التحالف ويشككون في جدواه ويستهولون تكلفته. كما تشهد تنافسًا بين الكيانات القائمة فعلًا والكيانات الجديدة على جَمهور محدود وغير مرشح للزيادة. وهو ما نستعرضه في هذه السطور. انقسامات بخصوص تحالفات الانتخابات البرلمانية المقبلة: أحزاب الموالاة هي مركز التحالفات الانتخابية، وتستهدف السلطة من هذه التحالفات ضمان تمثيل واسع تحت قبة البرلمان للمعارضة المستأنسة؛ بما يمنح النظام القائم شرعية ولو صورية، ويستبقي هذه المعارضة في حدود الدور الذي يسمح به النظام القائم. أما المعارضة المدنية فتجد في هذا التحالف تعظيم لحظوظها في الوصول إلى المجلس. في هذا السياق بَدْء حزب مستقبل وطن -صاحب الأغلبية البرلمانية الحالية- تحضيراته لتنظيم ملتقى الأحزاب والكيانات السياسية، في 7 يناير 2025، وفي 9 يناير 2025، بمشاركة أحزاب “الشعب الجمهوري وحماة الوطن، والمؤتمر، والشعب الديمقراطي، والمصريين، والأحرار الاشتراكيين، وإرادة جيل، والحرية المصري، والتجمع، والوفد، والجيل الديمقراطي، ومصر أكتوبر”، وبمشاركة 3 أحزاب من الحركة المدنية، وهي أحزاب المصري الديمقراطي، الإصلاح والتنمية، والعدل. وهو ما اعتبره مراقبون بداية صناعة التحالف الانتخابي. وقد رجحت مصادر أن أحزاب الحيز المتاح (الحزب المصري الديمقراطي، الإصلاح والتنمية، والعدل)، وهي جزء من الحركة المدنية، لا تستبعد التحالف مع حزب مستقبل وطن، ومشاركته في قائمة موحدة خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة2. إلا أن النقد الواسع الذي تعرضت له الأحزاب الثلاث دفعها لنفي الاتفاق على التحالف مع مستقبل وطن؛ إذ نفي قيادي بالحزب الديمقراطي الاجتماعي وجود أي حديث عن تحالفات انتخابية في اللحظة الراهنة، معتبرًا ذلك محض عبث؛ إذ لم يتحدد موعد الانتخابات بعد، مشيرًا إلى أن هذا القرار متروك لهيئة الحزب الذي لم يصلها شيء3. كما نفي حزب الإصلاح والتنمية بقيادة محمد أنور السادات، الاتفاق على التحالف مع مستقبل وطن خلال الانتخابات المقبلة. أما حزب العدل، فقد صرح حسام حسن، أمين التنظيم المركزي بالحزب، أن “المسار النهائي لشكل التحالفات الانتخابية في الحزب مرتبط بقرار الهيئة العليا للحزب والمكتب السياسي، وأن الحزب في انتظار صدور قانون الانتخابات، لتحديد مواقفه النهائية من التحالفات وعلى رأسها بناء تيار ليبرالي اجتماعي في مصر، مؤكدًا أن قيادات الحزب لم تصرح بخصوص التحالف مع مستقبل وطن”4. ومع ذلك فإن نائب رئيس الديمقراطي الاجتماعي، ورئيس هيئته البرلمانية، محمود سامي، أشار إلى غياب ما يمنع “المشاركة في القائمة الوطنية” للانتخابات البرلمانية 2025. كما أن الإصلاح والتنمية لم ينف احتمالية خوض الانتخابات في قائمة الموالاة، مبررًا ذلك بأن التحديات التي تواجهها مصر تتطلب الاصطفاف الوطني”5. أما الحركة المدنية، فقد أعرب مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي ورئيس مجلس أمناء الحركة المدنية الديمقراطية، عن رفضه القاطع للمحاولات الجارية لإجراء الانتخابات البرلمانية القادمة بنظام القائمة الموحدة تحت مظلة ما يسمى “الاصطفاف الوطني”، مؤكدًا أن هذه المحاولات انحرافًا صارخًا عن قيم الديمقراطية وخروجًا على مبادئ الدستور المصري، وهي إلى ذلك تعيد إنتاج النظام الأحادي الشمولي في قالب تعددي شكلي وهزيل، كما أن هذا المسار يتعارض بشكل صريح مع توجهات ومبادئ الحركة المدنية الديمقراطية، معتبرًا أن قَبُول الحركة المدنية الديمقراطية بمبدأ التوافق الوطني في مواجهة التهديدات الخارجية لا يعني بأي حال من الأحوال القبول بالانضمام إلى قائمة موحدة مع أحزاب تتبنى السياسات الراهنة6. المعارضة المدنية… انشطار لم يتوقف: الخلاف حول الموقف من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ومن التحالف مع حزب مستقبل وطن، ليسا التباين الوحيد الذي تنقسم حوله الحركة المدنية، إذ لا زالت نخبة الحركة المدنية يؤسسون كيانات حزبية جديدة، تتبنى نفس الرؤية، وتتطلع إلى نفس الأهداف، في هذا السياق نقرأ خبر تأسيس حزب الوعي. فقد دشن القيادي السابق في حزب المحافظين باسل عادل، في 11 فبراير 2025، بعد يوم واحد من إعلان لجنة الأحزاب عن تأسيس حزب الجبهة الوطنية، حزبًا جديدًا، هو حزب الوعي، معلنًا “أنه يتبنى توجهًا ليبراليًا وسطيًا منحازًا للطبقة المتوسطة، وينقل المعارضة من حالة الغضب الدائمة إلى حالة البراغماتية التوافقية”، وأنه “يسعى لتجديد الحياة السياسية المصرية عبر ضخ وجوه جديدة”7. الحزب الجديد، منبثق عن كتلة الحوار التي دشنت في مايو 2023، التي تتحرك على نفس أرضية الحركة المدنية، وتستقطب نفس العناصر التي تستقطبها الحركة، فالحزب ومن قبله كتلة الحوار بمثابة بديل يشبه المعارضة؛ يمكن الاستعانة به في حال قررت أحزاب الحركة المدنية عدم الالتزام بالترتيبات أو المبادئ التي تقررها السلطة. كما أن مؤسس الحزب قادم من صفوف المعارضة، فقد “كان عضوًا في حزب الغد، قبل ثورة 2011، ثم شارك في تأسيس حزب المصريين الأحرار بعد الثورة، واستقال منه، في 2012، ثم انضم لحزب الدستور، كما كان نائبًا في برلمان 2012”8. في الوقت ذاته، فإن الحزب، وكما يظهر في أسماء هيئته التأسيسية، ليس بعيدًا عن الدولة، إذ كثيرًا من أعضائها الـ 42 هم مسؤولين سابقين بأجهزة الدولة9. بل ثمة من يرى أن تدشين الحزب جاء بضوء أخضر من السلطة. الخاتمة: انقسامات المعارضة المدنية تأتي في وقت لم تظهر فيه بعد أية ملامح للانتخابات القادمة، وفي ظل مناخ ضبابي، على الصعيد الوطني وعلى المستوى الإقليمي. كذلك لم يتحدد بعد شكل النظام الانتخابي الذي سيتبع في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فقد رفع مجلس أمناء الحُوَار الوطني في أغسطس 2023، إلى رئيس الجمهورية، ثلاث أنظمة انتخابية للاختيار بينها للانتخابات المقبلة؛ الأول: النظام المستخدم خلال انتخابات 2020، حيث تنتخب 50% من المقاعد عبر القائمة المطلقة المغلقة، و50% بالنظام الفردي على 4 دوائر بالجمهورية. الثاني: انتخاب كل الأعضاء بالقائمة النسبية غير المنقوصة عبر 15 دائرة على مستوى الجمهورية. الثالث: نظام انتخابي مختلط، يتمثل في انتخاب 50% من الأعضاء بالنظام الفردي و25% بنظام القائمة المطلقة و25% بنظام القائمة النسبية10. فيمَا لم تعلن الرئاسة عن اختيار إحداها. وبينما تميل المعارضة لنظام يجمع بين المقاعد الفردية والقائمة البسيطة. نجد أن الحكومة ومعها أحزاب الموالاة تميل إلى نظام انتخابي يجمع بين القائمة المغلقة والمقاعد الفردي، على غرار انتخابات 2020؛ إذ يسمح هذا النظام لقائمة واحدة بالفوز في حال حصلت على 1+50% من الأصوات، في دوائر شديدة الاتساع والتنوع، كما يضمن إضعاف وتهميش المعارضة الجادة، ويقوي من السيطرة الأمنية على المشهد السياسي والانتخابي11. 1 حسام الحملاوي، مصر: حزب النظام الجديد وأزمة الهيمنة، المفكرة القانونية، 15 يناير 2025، في: https://tinyurl.com/3mw9xjyr 2 حسن القباني، “ثلاثي الحيز المتاح” في قائمة انتخابية واحدة مع “مستقبل وطن”،…

تابع القراءة

مصر وخطة إعادة إعمار غزة: بين خيانة القضية الفلسطينية وخدمة المصالح الصهيونية

حسام نادي – باحث سياسي في تطور جديد يعكس مجددًا تبعية النظام المصري للمصالح الإسرائيلية والأمريكية، كشفت تقارير دولية عن تفاصيل الدور المصري في خطة إعادة إعمار غزة، وهي الخطة التي تبدو ظاهريًا كمشروع إنساني، لكنها في جوهرها ليست سوى حلقة أخرى من مسلسل تصفية القضية الفلسطينية. فبحسب تقارير نشرتها صحيفة الغارديان ووكالة أسوشيتد برس، يعمل النظام المصري على تنفيذ خطة لإعادة إعمار غزة بآليات أمنية مشددة، تشمل إقامة مناطق “آمنة” داخل القطاع، في خطوة تثير تساؤلات جدية حول الأهداف الحقيقية لهذا المشروع. التعاون مع الاحتلال تحت ستار الإعمار تشير التقارير إلى أن مصر تتعاون بشكل وثيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل لضمان تنفيذ هذه الخطة، التي تهدف إلى فرض واقع جديد على الفلسطينيين، حيث يتم تأمين هذه المناطق “الآمنة” بوسائل تضمن عدم عودة المقاومة الفلسطينية إلى العمل بحرية داخل القطاع. ووفقًا لتايمز أوف إسرائيل، فإن مصر اقترحت إقامة هذه المناطق لضمان عدم تهديد إسرائيل، مما يعني عمليًا إنشاء جيوب أمنية تحت سيطرة القاهرة وتل أبيب بدلاً من أن تكون غزة خاضعة لسلطة فلسطينية موحدة تمثل إرادة الشعب الفلسطيني. خدمة للأجندة الصهيونية أحد أبرز المخاطر في هذه الخطة هو أنها تتماهى مع المقترحات الإسرائيلية التي لطالما سعت إلى تقليص النفوذ الفلسطيني في غزة وإبعاد فصائل المقاومة عن الواجهة. وبينما ترفض دول عربية مثل السعودية والأردن والإمارات خطط ترامب السابقة المتعلقة بغزة، فإن النظام المصري يتصدر المشهد لتنفيذ خطط مشابهة دون أي اعتبار للتداعيات السياسية أو الوطنية. وفقًا لتقرير رويترز، أكد وزير الخارجية المصري أمام السيناتور الأمريكي ماركو روبيو أن بلاده ترفض خطط تهجير الفلسطينيين، ولكن الممارسات الفعلية على الأرض تناقض هذه التصريحات. الضغط على حماس واستغلال الوضع الإنساني من الواضح أن النظام المصري يستغل الوضع الإنساني الكارثي في غزة للضغط على حركة حماس للقبول بتسويات تخدم مصالح الاحتلال، حيث أشار تقرير بي بي سي إلى أن القاهرة تستخدم معبر رفح كأداة ضغط سياسي، وهو ما يزيد من معاناة الفلسطينيين بدلًا من تخفيفها. إن التسهيلات التي تقدمها مصر وفقًا لما نشرته وكالة أسوشيتد برس ليست سوى غطاء لفرض واقع جديد يخدم إسرائيل أكثر مما يخدم الفلسطينيين. النظام المصري: وسيط منحاز أم شريك في التصفية؟ لطالما ادعى النظام المصري أنه “وسيط محايد” في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لكنه يثبت مرة تلو الأخرى أنه طرف منحاز للعدو، بل وأداة رئيسية في تنفيذ سياسات تصب في صالح الاحتلال. إن هذه الخطة ليست مجرد مشروع إعادة إعمار، بل هي خطوة تهدف إلى تفريغ المقاومة من محتواها، وفرض نموذج أمني يخدم أجندة الاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية. إن الشعب المصري، الذي حمل راية الدفاع عن فلسطين لعقود، لن يقبل بهذه الخيانة التاريخية. وإذا كانت الأنظمة المستبدة تتلاعب بالقضية الفلسطينية لحماية مصالحها، فإن الوعي الشعبي والمقاومة هما السلاح الحقيقي لإفشال هذه المخططات.

تابع القراءة

مقترح الرئيس الأمريكي بتهجير الفلسطينيين إلي مصر والأردن: الدوافع وفرص النجاح

بعد تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن قطاع غزة يجب إفراغه من سكانه ونقلهم إلى مكان دائم، خطا الرئيس الأمريكي خطوة أبعد في سياسته المعروفة باسم سياسة “الضغط الأقصى”، والتي كان قد اتبعها لأول مرة ضد إيران في ولايته الأولى (2017-2021)، حيث صرح أثناء لقاءه برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، في 4 فبراير 2025، قائلًا: “إذا استطعنا إيجاد منطقة مناسبة لإعادة توطين أهل غزة بشكل دائم في منازل جيدة سيكون ذلك أمرًا رائعًا”. في بداية تصريحاته المثيرة للجدل والتي بدأ في إطلاقها قبل أقل من أسبوعين من لقاءه بنتنياهو، كان الحديث يدور عن نقل مليون ونصف المليون من سكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر “بشكل مؤقت”، ليتحول حاليًا للحديث عن إعادة توطين “دائم”، ويزعم أن مصر والأردن ودولًا أخرى ستكون “الوطن البديل” لسكان غزة، رغم الرد الحاسم من جانب كل الدول التي ذكرها صراحة، أو تلك التي تناولتها التقارير الإعلامية مثل ألبانيا وماليزيا، برفض واستهجان تلك التصريحات. بهذه التصريحات يكون ترامب قد مد سياسة “الضغط الأقصى” التي يفترض أنها مخصصة للتعامل فقط مع الخصوم والدول المعادية للولايات المتحدة، لتصل إلى دول كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تنظر إليها إما كدول حليفة، أو دول معتدلة لا تهدد المصالح الأمريكية. فما أسباب هذا التحول؟، وما هي تداعيات وفرص نجاح هذه السياسة في المدى المنظور؟1. أولًا: الخلفية التاريخية لمخططات تهجير الفلسطينيين: تعتبر فكرة “الوطن البديل” بما يعني تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، هي إحدى الأفكار الصهيونية التي طرحت بين الحين والآخر بهدف التخلص من الفلسطينيين لتسهيل الاستحواذ على الأراضي الفلسطينية، وقد كان مطلبًا للصهيونية منذ مؤتمرها الأول عام 1897 إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين. حيث كان يعتقد قادة “الصهيونية الدينية” لاسيما زئيف جابوتنسكي، الذي يعد الملهم الروحي لحزب الليكود، وطالما يذكره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطاباته كمرشد له، أن الفلسطينيين شعب، وأنه لا يتوقع منهم التخلي طوعًا عن حقهم القومي في تقرير المصير. وفي عام 1923 كتب جابوتنسكي أن “الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يوافق بموجبها العرب على دولة يهودية في فلسطين هي القوة التي تسحقهم وتذعنهم”، وليس فتح الحوار معهم. وكان متطلب تهجير الفلسطينيين في العقلية الصهيونية راسخًا إلى الخارج وإلى الدول العربية المحيطة باستثناء منطقة شرق الأردن لأنها تعتبر بالعقيدة التوراتية أنها جزء من “الأرض الموعودة”2. وقد أصبح تهجير الفلسطينيين بالنسبة للأب المؤسس لإسرائيل وأول رئيس لحكومتها دافيد بن غوريون، بمثابة الهاجس والحل معًا في الفترة ما بين سنة 1936 وسنة 1948. وفي تلك الفترة خاطب بن غوريون اجتماعًا للوكالة اليهودية قائلًا: “أنا أحبذ الترانسفير بالقوة، ولا أجد في ذلك أي شيء يخالف الأخلاق”، كما كتب في مفكرته عام 1937 أن في إمكان الصهيونية أن تسيطر على كل فلسطين الانتدابية في المستقبل (بين نهر الأردن والبحر المتوسط) وعلى مراحل. ومع احتدام الثورة الفلسطينية في ربيع 1938، وهي التي انطلقت ضد الإدارة البريطانية للمطالبة بالاستقلال، وبسبب ذلك وجدت لجنة التقسيم إلى البلاد برئاسة “جون فدهر”، وسعت لـ”تقديم المساعدة لحكومة بريطانيا في تنفيذ مخطط التقسيم الذي اقتُرح من قبل اللجنة الحكومية برئاسة اللورد روبرت بيل في صيف 1937”. ولجنة بيل التي أُقيمت للتحقيق في أسباب الانتفاضة في الثورة الفلسطينية الكبرى التي انطلقت عام 1936، وسعت لقبول كل من العرب واليهود بنصيبهم المقترح حسب مخطط التقسيم؛ لكن العرب جددوا ثورتهم وضاعفوها، أما اليهود فقد حظوا بحماية لمستعمراتهم في أرض فلسطين. اقترحت لجنة بيل إنشاء ثلاثة أقاليم في فلسطين، إقليم تحت الانتداب البريطاني يضم القدس وبيت لحم وممرًا إلى يافا على البحر المتوسط، ودولة يهودية في الجليل، والجزء الأكبر من السواحل الغربية، على أن يتحد باقي فلسطين مع شرق الأردن ويكونان دولة عربية. ويقتضي التقسيم نقل السكان العرب، طوعًا أو كرهًا، من مناطق “الدولة اليهودية” إلى المنطقة العربية الملحقة بالأردن إضافة للدول العربية المجاورة3. وعندما تم الإعلان عن قيام دولة إسرائيل عام ١٩٤٨ عقب قرار تقسيم فلسطين إلي دولتين عربية ويهودية في نوفمبر 1947، وبعد أن رفض العرب حل الدولتين كان الشغل الشاغل للحكومة الإسرائيلية هناك هو الكيفية التي يمكن بها التغلب على الحقيقة الديموغرافية المتمثلة في أن عدد العرب أكبر من عدد اليهود في فلسطين التاريخية. وكانت واحدة من أهم الأدوات التي تم استخدامها للتغلب على هذه المعضلة هو القيام بالأعمال الإرهابية من أجل إجبار الشعب الفلسطيني على الهجرة، أو بمعنى أدق التهجير نحو الدول المجاورة مثل الأردن وسوريا ولبنان. وخلال شهر واحد فقط (ديسمبر ١٩٤٩) تم تهجير ٧٥٠ ألف فلسطيني وفلسطينية مما تم اعتباره الأراضي الإسرائيلية إلى الأراضي المفترضة لدولة فلسطين (غزة، الضفة الغربية، وأجزاء من صحراء النقب)، بل وإلى خارج فلسطين التاريخية بالكامل. ‎أمام هذا الإرهاب الإسرائيلي، ولمواجهة الوضع الإنساني المتدهور لهؤلاء اللاجئين، قامت الأمم المتحدة في نفس هذا الشهر (ديسمبر ١٩٤٩) بإنشاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي تعرف باسم “الأونروا”. ورغم أن الأونروا كانت تهدف بالفعل إلى مساعدة اللاجئين إلا أن بعض العاملين بها كان لديهم أفكار خبيثة تتخذ من العمل الإغاثي غطاء نحو التأكد من عدم عودة هؤلاء الفلسطينيين إلى أراضيهم مرة أخرى. كان من ضمن هؤلاء الأمريكي بلاندفورد المفوض العام الثانى للأونروا، حيث ‎تقدم بلاندفورد بمقترح للجمعية العامة لتخصيص ٢٠٠ مليون دولار أمريكي (ما يعادل الآن حوالى ٢.٥ مليار دولار) من أجل “برنامج جديد” يتم فيه بناء معسكرات للاجئين الفلسطينيين في الدول العربية، تقوم هذه المعسكرات على النشاط الزراعي، فمن ناحية يجد اللاجئ مكانًا آمنًا للعيش، ومن ناحية أخرى تقوم نهضة زراعية في الدول العربية وهو ما يتماشى مع سياسة الولايات المتحدة في دعم عملية التنمية في الدول العربية لاستقطابها في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي آنذاك. وافقت الجمعية العامة بالفعل على دعم المشروع، كما تحمست الولايات المتحدة لدعمه، لكن ومع نهاية عام ١٩٥١ قررت الأونروا أن يكون أول معسكر لإعادة التوطين في سيناء، حيث ادعى بلاندفورد أن الأزمة الأكبر التي تواجه الأونروا هي في غزة، كون أن هذا القطاع صغير المساحة كان يعيش فيه ٢٠٠ ألف لاجئ ولاجئة وهو ما كان يعادل وقتها ثلاثة أضعاف عدد سكان القطاع الأصليين، كما أن قطاع غزة كان بالفعل تحت السيادة الإدارية المصرية، كذلك أعلن بلاندفور والأونروا أن مشاريع الجدوى أظهرت أن إقامة هذا المشروع العملاق في غزة غير مجد من الناحية الاقتصادية والفنية. وليتم إرسال عدة لجان فنية بواسطة الأونروا إلى سيناء للنظر في مسألة إيصال المياه إلى المكان المفترض فيه إقامة معسكر اللاجئين الزراعي، وكلها أجمعت على عدم جدوى ذلك، ليتوقف المشروع لبضعة أشهر حتى قامت حركة الضباط الأحرار بإنهاء الحكم الملكي في يوليو عام 1952. عاد المشروع إلى الواجهة مجددًا عام 1953، عندما اقترحت حكومة الاحتلال الإسرائيلي في حينه ترحيل الفلسطينيين…

تابع القراءة

حزب الجبهة الوطنية… قراءة في الدلالات عن الخريطة المتحركة لأحزاب الموالاة في مصر

في مشهد ضبابي يعاني فيه النظام من وضع صعب؛ في ظل تحديات خارجية ناجمة عن طوفان الأقصى وتداعياته، وتحديات داخلية تتعلق بالتعثر الاقتصادي والتراجع غير المسبوق في كل المؤشرات الرئيسية، سواء كانت سعر العملة أو معدل التضخم أو منسوب الفقر والبطالة وحجم الديون، ظهر حزب الجبهة الوطنية من فراغ، وإن جاء امتدادًا لاتحاد القبائل والعائلات المصرية، وجاءت هيئته العليا وكأنها تضم ممثلين عن سلطات الدولة الثلاث. في هذه السطور نثير التساؤلات ونستكشف دوافع ظهوره، والغرض منه حزب الجبهة الوطنية: أُعلن في 30 ديسمبر 2024 عن تدشين حزب الجبهة الوطنية، وبعد 40 يوم من تدشينه، وافقت لجنة الأحزاب السياسية، في 10 فبراير 2025، على تأسيس حزب الجبهة الوطنية1، وتمتعه بالشخصية الاعتبارية وحقه في مباشرة نشاطه السياسي اعتبارًا من الثلاثاء 11 فبراير 20252. الحزب -إن صح القول- خرج من عباءة اتحاد القبائل والعائلات المصرية الذي يرأسه رجل الأعمال المقرب من السلطة إبراهيم العرجاني، فالإعلان عن الحزب جاء عبر وكيل مؤسسيه، عاصم الجزار، الأمين العام لاتحاد القبائل والعائلات المصرية3، ورئيس مجلس إدارة شركة نيوم للتطوير العقاري المملوكة أيضًا للعرجاني4. أما بخصوص تكوين الهيئة العليا للحزب، فقد جاءت مكونة من رجال جهاز الدولة البيروقراطي5، فضلا عن وزير الإسكان السابق عاصم الجزار، فقد ضمت وزيرة الاستثمار؛ سحر نصر، والزراعة؛ السيد القصير، والمجالس النيابية؛ علاء الدين فؤاد، والاتصالات؛ هاني محمود، والبترول؛ عبد الله غراب، والشباب؛ طاهر أبو زيد، ووزيرَا التنمية المحلية السابقين: عادل لبيب ومحمود شعراوي، واللواء أحمد ضيف محافظ الغربية السابق، ومحمد عبد القادر محافظ القليوبية السابق، بالإضافة إلى رئيس سابق لمجلس الدولة، ومفتي جمهورية سابق، ورئيس جامعة سابق، ونائب وزير بالمعاش، ومن مسئولي الدولة أيضًا “رئيس هيئة الاستعلامات، ضياء رشوان، وهو أمين عام الحُوَار الوطني، ورئيس مجلس إدارة مصنع 18 الحربي، اللواء صلاح جنبلاط، ورئيس الإدارة المركزية لتطوير التعليم الفني، عمرو بصيلة6. كذلك ضمت الهيئة العليا للحزب برلمانيين سابقين وحاليين؛ من السابقين ضمت رئيس مجلس النواب السابق، علي عبد العال، وأيضا جهاد جلال البرلماني السابق وأحمد رسلان البرلماني السابق، ونائب رئيس اتحاد القبائل، ومن الحاليين، وكيل اللجنة الدينية للنواب، أسامة العبد، وهو عضو حزب مستقبل وطن، وعضو مجلس الشيوخ عن حزب «حماة الوطن» فايز أبو حرب، سليمان وهدان، نائب رئيس حزب الوفد السابق7، “أما باقي أعضاء التأسيسية من النواب الحاليين فكانوا من الأعضاء المعينين من قبل رئيس الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ8“. كما “ضمت قائمة المؤسسين رجال الأعمال: كامل أبو علي، وأيمن الجميل، وياسر عبد المقصود، ومحمد الأمين الدخميسي، بخلاف أبو العينين”، ومن رموز المجتمع “نقيب المحامين العرب، سامح عاشور، ورئيس نادي الصيد، محمد غراب، بالإضافة إلى شيخ الطريقة الصوفية الشيخ سيد الإدريسي، ونقيب المهن التمثيلية، أشرف زكي، ورئيس جمعية المؤلفين، مدحت العدل، والفنان سامح الصريطي9. الجبهة الوطنية وهيكلة القوى الداعمة للنظام: الجبهة الوطنية هو كيان تابع للسلطة، وليس حزبًا سياسيًا بالمعنى المتعارف عليه، وتركيبة الهيئة العليا للحزب، التي تضم عدد من كبار مسئولي السلطة التنفيذية، وبرلمانيين سابقين وحاليين، ورجال أعمال، ورموز مجتمع مقربين من الدولة، تكشف أنها محاولة لتمثيل كل القُوَى الأساسية بالمجتمع، ومغازلة مختلف أطياف المجتمع المصري، فهي محاولة لمأسسة القُوَى الداعمة للنظام القائم، فقد جاء في بيان تدشين الحزب “لا نسعى لتحقيق الأغلبية البرلمانية بل سنخوض الانتخابات بأكبر تحالف سياسي وطني مع الأحزاب القائمة لأن هدفنا لم الشمل في فترة لا تحتمل التشتت10“، كما صرح عضو الهيئة العليا للحزب، ضياء رشوان أن الحزب لا يسعى إلى الحكم أو تشكيل حكومة خلال الفترة المقبلة، ولا يرغب في أن يكون مجرد نقطة انطلاق للطموحين للوصول إلى عضوية البرلمان، لكنه “يهدف إلى إعادة الاعتبار للسياسة المصرية”11. وهو في هذا الجانب يشبه إلى حد بعيد اتحاد القبائل والعائلات المصرية، الذي يأتي في تعريفه أنه “كيان اجتماعي يهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على التراث الثقافي للقبائل والعائلات المصرية12“. إن اتحاد القبائل والعائلات المصرية، ومعه حزب الجبهة الوطنية، إن هما إلا محاولة لمأسسة وتنظيم وتعبئة القُوَى الداعمة للنظام القائم، وهما من جهة أخرى محاولة لضخ دماء جديدة في مجال عام أصابه التكلس، لكن في الوقت ذاته إبقاءه تحت السيطرة. حَسَبَ “سياسيون وبرلمانيون ومصادر مصرية” فإن حزب الجبهة جاء استجابة لتوصيات صندوق النقد الدُّوَليّ “الذي طالب الحكومة المصرية بتنفيذ “انفراجة سياسية” تعمل على توفير مناخ مناسب للاستثمار الاقتصادي”، وقد يستخدم ربما في تمهيد “الطريق من خلال حملة شعبية كبيرة للدعوة إلى تعديل دستوري جديد يتضمن بقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في السلطة إلى ما بعد 2023”13. لكن يبقى عيب هذه الكيانات في نخبويتها، وكونها محسوبة على السلطة وليس لها امتدادات حقيقية في الشارع، فهي كيانات تمثل السلطة ولا تمثل الشارع؛ فهي تشبه، من حيث أدوارها، نموذج الفتوة؛ حيث يؤدّي دور الوسيط بين الشارع والسلطة، لكن يلعبه لحساب السلطة وليس لحساب الشارع. عن التشابه بين الجبهة الوطنية ومستقبل وطن والغاية منهما: حسب تقارير، فإن حزب الجبهة الوطنية، هو تكرار لتجربة حزب مستقبل وطن الذي تأسس في منتصف 2014، وقاد منذ تأسيسه “الانتخابات البرلمانية مرتين، وحشد وشحذ الجماهير إبان الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لدعم المشاركة، وكذلك التظاهرات التي دعت لها السلطة أكثر من مرة”14، وفق هذا الطرح فإن من المحتمل أن يكون حزب الجبهة الوطنية هو وريث حزب مستقبل وطن. أما سبب استبدال مستقبل وطن بالجبهة الوطنية، فيمكن فهمه من خلال الربط بين تدشين الحزب الجديد والتغييرات التي شهدتها المخابرات العامة، مع إقالة عباس كامل من قيادة الجهاز، وتعيين اللواء حسن رشاد بدلًا منه15، ما يعني أن التغييرات في قيادة المخابرات أسفرت عن هذه التغييرات في المشهد السياسي؛ فمن المعروف أن المخابرات العامة في مصر تلعب دور رئيس في هندسة المشهد السياسي، وفي إخراج المواسم الانتخابية. نستشهد في هذا السياق بشهادة حازم عبد العظيم16، المسئول السابق في حملة ترشح المشير عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية، و”تضمنت تفاصيل كشفت لأول مرة عن دور جهاز المخابرات العامة في تشكيل قائمة “في حب مصر” الانتخابية الموالية للرئيس، وهي التي حصدت كافة المقاعد المئة والعشرين المخصصة للقوائم في الانتخابات البرلمانية” التي جرت في نهاية 201517. فيمَا كان حزب مستقبل وطن بمثابة حجر الزاوية لتلك القائمة، إذ حصل الحزب منفردًا على 57 مقعدًا داخل مجلس النواب، وكانت عدد المقاعد البرلمانية 596 مقعدًا، ولاحقًا في عام 2018 اندمجت قائمة “في حب مصر” داخل مستقبل وطن، وقدم معظم نواب الأحزاب الأخرى في التحالف استقالتهم لينضموا للحزب، ويصبح فعليا الحزب الأكبر تحت قبة البرلمان بشكل غير رسمي، وفي انتخابات البرلمان 2020 كان المشهد أكثر سهولة إذ خلا من التكتلات والتحالفات الحزبية, وحصد الحزب 316 مقعدًا من أصل 596، في حين حصل الحزب الثاني في التمثيل البرلماني “الشعب الجمهوري” على 50 مقعدًا فقط18. في المقابل هناك من…

تابع القراءة

مستقبل الامبراطورية الأمريكية والمنطقة العربية في ضوء سياسات ترامب وتوجهاته

تصريحات أطلقها الرئيس الأمريكي، وقرارات اتخذها على الصعيد الأمريكي وعلى المستوى الدولي، رأها كثيرين، مرتبطة ببعضها البعض وإن بدت في التحليل الأول متباعدة، ورأوا فيها إرهاصًا بتفكك الامبراطورية الأمريكية، وتحمل نذر شؤم على مستقبل المنطقة العربية. نستعرض في هذه السطور تلك التطورات، في محاولة للكشف عن دلالاتها، وتلمس انعكاساتها على مستقبل الدولة، التي رأى مراقبين أنها في طريقها للأفول، وعلى مستقبل الامبراطورية الأمريكية والنظام الدولي ككل، وعلى مستقبل المنطقة العربية، مع الوقوف على رؤية مراقبين مصريين لهذه التطورات. حماية إسرائيل أم تقويض الاستقرار في الشرق الأوسط: أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 4 فبراير 2025، خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة، وتفكيك “كل القنابل غير المنفجرة والأسلحة الأخرى الخطيرة في هذا الموقع”، وأن القطاع سيصبح موطنًا “لشعوب العالم”، متوقعًا أن تصبح غزة “ريفييرا الشرق الأوسط”. وفيما يتعلق بموقع سكان القطاع من هذا التصور، قال الرئيس الأمريكي أنه “سيدعم جهود إعادة توطين الفلسطينيين من غزة بشكل دائم إلى أماكن يمكنهم العيش فيها دون خوف من العنف”، وأنه يناقش وفريقه إمكانية إعادة توطينهم في مصر والأردن ودول أخرى في المنطقة، وأشار إلى “أنه سيعلن موقفه من “سيادة إسرائيل على الضفة الغربية في الأسابيع المقبلة”1. التصورات التي أعلنها الرئيس الأمريكي خلال المؤتمر الصحفي عن القضية الفلسطينية بمثابة تصفية للصراع، وحسمه لمصلحة إسرائيل بشكل سافر؛ حيث تهجير الفلسطينيين من غزة إلى دول الطوق في مصر والأردن، وتطوير القطاع كمشروع استثماري ضخم، ومن ثم ضمان أمن الكيان الإسرائيلي سنوات طويلة قائمة، مع تصدير مشكلات تل أبيب مع شعب فلسطين إلى دول الجوار المباشر. لكن يعيب هذا الطرح أمرين أساسيين؛ التكلفة العالية لهذا التصور، التكلفة البشرية الناجمة عن تهجير القسري لما يزيد عن 2.5 مليون فلسطيني يسكنون القطاع، والناجمة عن الرفض والمقاومة المتوقعة لفلسطينيو القطاع وفصائل المقاومة المسلحة لمخططات التهجير، والناتجة كذلك عن مقاومة دول الطوق ورفضها لمخططات التهجير، وللتكلفة المادية والعسكرية التي يستلزمها إجبار 2.5 مليون على ترك مواطنهم عُنْوَة، خاصة أن عدوان إسرائيلي استمر أكثر من 15 شهر فشل في انتزاع سكان غزة من القطاع؛ إذ فور إعلان وقف إطلاق النار سارع سكان القطاع إلى العودة إلى منازلهم رغم الدمار الكامل لمقومات الحياة هناك. كما يعيبه كذلك أنه لا يأخذ في اعتباره التداعيات السلبية لهذا التصور، في حال تحققه، على استقرار المنطقة ككل، بل وعلى استقرار إسرائيل نفسها، في ظل إقليم شديد السيولة؛ ومخاطر غير مسبوقة على دول الطوق. تنديد واسع بخطط الرئيس الأمريكي بخصوص غزة: وقد أثارت المخططات الأمريكية ردود فعل رافضة ومستنكرة للتصريحات الأمريكية؛ على الصعيد العربي2، سبق وأن صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن تهجير الشعب الفلسطيني “ظلم لا يمكن أن نشارك فيه”3، كما شدد على ضرورة إعادة إعمار القطاع4. وفي بيان عربي مشترك لوزراء الخارجية شارك فيه الأرْدُنّ ومصر والإمارات والسعودية وقطر، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، رفض المساس بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف5. كما وجه سفراء دول مصر والأردن والسعودية ونائبي سفيري الإمارات وقطر رسالة خطية إلى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، من وزراء خارجية دولهم وممثل عن السلطة الفلسطينية، تؤكد على أهمية العلاقات الاستراتيجية التي تربط الدول العربية بالولايات المتحدة، وضرورة استئناف الجهود الرامية للتوصل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية وفقًا لمقررات الشرعية الدولية6. أما الأمانة العامة لجامعة الدول العربية فقد شددت على أن دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية من ثوابت القضية الفلسطينية ومحل إجماع عربي كامل7. على مستوى ردود الفعل الدولية، أعلن المستشار الألماني، أولاف شولتس أنه يعارض تمامًا مخطط الرئيس الأميركي ، دونالد ترامب، “لإعادة توطين سكان غزة”8، كما صرح وزير خارجية بريطانيا، ديفيد لامي، أنه يجب أن يكون الفلسطينيون قادرين على “العيش وتحقيق الازدهار” في غزة والضفة الغربية، فيمَا اعتبرت الخارجية الفرنسية أن “مستقبل غزة يجب ألا يكون في إطار سيطرة دولة ثالثة بل في إطار دولة مستقبلية تحت رعاية السلطة الفلسطينية”، وصرح وزير الخارجية الأسباني خوسيه مانويل “أريد أن أكون واضحَا للغاية في هذا الشأن، غزة هي أرض الفلسطينيين سكان غزة ويجب أن يبقوا فيها”، وأن “غزة جزء من الدولة الفلسطينية المستقبلية التي تدعمها إسبانيا”، أما رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي فقد قال أن “الحكومة الأسترالية تؤيد حل الدولتين”9. أما الخارجية الصينية، فقد صرح الناطق باسمها لين جيان خلال مؤتمر صحفي دوري “أكدت الصين دائمًا أن الحكم الفلسطيني على الفلسطينيين هو المبدأ الأساس لحكم غزة بعد الحرب، ونحن نعارض الترحيل القسري لسكان غزة”، الأمر نفسه أكده دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، الذي صرح إن روسيا تعتقد أن التسوية في الشرق الأوسط ممكنة فقط على أساس حل الدولتين، وإنشاء دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل، وقال وزير الخارجية التركي ردًا على سؤال عن تصريحات ترامب أن “هذا غير مقبول”10، مؤكدًا أن “طرد الفلسطينيين من غزة مسألة غير مقبولة لا من جانبنا ولا من جانب بلدان المنطقة. ولا حاجة حتى لمناقشتها”11، فيمًا اعتبرت الخارجية الإيرانية أن تهجير سكان القطاع بمثابة تطهير عرقي12. على الصعيد الأممي، قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن أي نقل قسري أو ترحيل للأشخاص من أراضَ محتلة، محظور تمامًا بموجب القانون الدُّوَليّ، وأنه من الضروري التحرك نحو المرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح جميع المحتجزين والمعتقلين بشكل تعسفي، وإنهاء الحرب وإعادة إعمار غزة13. بالتأكيد جزء من هذه التصريحات إعلان موقف يُستبعد ترجمتها إلى سياسات وقرارات حقيقية تحول دون تنفيذ هذه التصورات الأمريكية، لكنها من جانب أخر قد تقود إلى عزلة واشنطن دوليًا، ورفع أية شرعية عن توجهاتها تلك، وتكشف من جهة أخرى التحيز الأمريكي لتل أبيب، وتزيل أخر قشرة توت عن هذا التحيز، وهي إلى ذلك تكشف عن عجز الشرعية الدولية في مواجهة النزق والمروق الأمريكي، وتظهر إلى أي مدى صار النظام الدولي الحالي متهالكًا تحركه القوة الامبراطورية الأمريكية العارية من أية شرعية. تثوير البيروقراطية وأمريكا أولًا أم تفكيك للامبراطورية الأمريكية: في الوقت الذي أعلن فيه ترامب رؤيته لتصفية القضية الفلسطينية، وجاءت مفاجئة لكثيرين خارج الولايات المتحدة وكذلك داخلها14، أعلن الرئيس الأمريكي عن قرارات وشرع في سياسات لم تكن أقل راديكالية، أبرزها: في هذا السياق جاءت دعوة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) جميع موظفيها إلى “المغادرة الطوعية”، وهو ما اعتبره مؤيدون لترامب تفكيك لجزء من “دولة عميقة” تعمل على تقويض سياساته، فيمَا رأه معارضين للرئيس محاولة لإحلال ولاءات جديدة، فيمَا نفى مسؤولون ارتباط البرنامَج بـ “تطهير” الوكالة16. سياسات الإقالة تلك تقودها وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE)، التي يرأسها الملياردير المثير للجدل “إيلون ماسك”17؛…

تابع القراءة

مصر بين التهديدات الخارجية والواقع الداخلي: أين يكمن الخطر الحقيقي؟

حسام نادي – باحث سياسي تعيش مصر في منطقة تموج بالصراعات والاضطرابات، ما يجعل التحديات الأمنية والسياسية على حدودها أمرًا معقدًا لا يمكن إنكاره. فمن الغرب، تعاني ليبيا من انقسامات وحروب أهلية، ومن الجنوب يواجه السودان اضطرابات دامية تهدد استقراره، بينما تبقى أزمة سد النهضة في الشرق الأفريقي تحديًا مستمرًا. ومع ذلك، فإن التركيز على التهديدات الخارجية فقط وتجاهل الأزمة الداخلية التي تعاني منها مصر قد يؤدي إلى تزييف الوعي وإبعاد الأنظار عن الخطر الأكبر الذي يهدد الأمن القومي المصري. النظام الحاكم: أزمة شرعية وأثرها على الاستقرار الداخلي لا يمكن الحديث عن الأمن القومي المصري دون الإشارة إلى طبيعة النظام الحاكم، الذي أتى بانقلاب عسكري، وفرض نفسه بالقوة والقمع، متسببًا في إراقة الدماء واعتقال الآلاف وتشريد العديد من المعارضين. فمنذ 2013، شهدت البلاد تراجعًا في الحريات الأساسية، وانتهاكات لحقوق الإنسان، وقمعًا ممنهجًا لأي صوت معارض، ما أدى إلى حالة من الاحتقان الشعبي وتآكل شرعية النظام في الداخل والخارج. السياسات الأمنية القائمة على الاعتقالات التعسفية وتكميم الأفواه أدت إلى تفكيك النسيج المجتمعي، ما جعل المجتمع أكثر هشاشة وأقل قدرة على مواجهة التحديات الحقيقية. ومع كل أزمة خارجية، يتم استغلال هذه الأحداث لتبرير المزيد من القمع الداخلي، حيث يتم تصوير النظام على أنه الحامي الوحيد لمصر ضد الفوضى. تفكك المجتمع وانتشار الفساد أحد أخطر التهديدات الداخلية التي تواجه مصر هو تفكك المجتمع وانتشار الفساد والرذائل كنتيجة مباشرة لغياب سيادة القانون وانعدام العدالة الاجتماعية. فالنظام الحالي اعتمد على شبكات المصالح والولاءات لضمان بقائه، ما أدى إلى تفشي المحسوبية والفساد داخل المؤسسات، وإضعاف مؤسسات الدولة لصالح دائرة ضيقة من المنتفعين. كما أن سياسات القمع والبطش ساهمت في خلق حالة من الإحباط واليأس بين الشباب، مما دفع البعض إما إلى الهجرة أو الانخراط في أنشطة غير مشروعة، سواء كانت جرائم منظمة أو انضمامًا إلى جماعات متطرفة، وهو ما يشكل تهديدًا أمنيًا داخليًا يفوق بكثير أي تهديد خارجي. الاقتصاد في قبضة الديون: خطر لا يقل عن الحروب منذ سنوات، اعتمد النظام الحاكم على سياسة الاقتراض المفرط كحل مؤقت للأزمات الاقتصادية، لكن هذه السياسة جعلت مصر رهينة لديون ضخمة تقيد سيادتها المالية وقدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة. فقد ارتفعت معدلات الاقتراض الخارجي بشكل غير مسبوق، وأصبحت الديون وفوائدها تلتهم جزءًا كبيرًا من الموازنة العامة، مما أدى إلى تضييق الخناق على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية. كما أن هذه السياسة الاقتصادية الهشة أثرت بشكل مباشر على المواطن العادي، حيث ارتفعت معدلات الفقر والتضخم، وتزايدت الضغوط المعيشية، ما تسبب في ارتفاع معدلات الجريمة والتوترات الاجتماعية. ورغم كل ذلك، يتم توجيه الموارد نحو مشروعات عملاقة غير ذات جدوى اقتصادية، في حين يتم تجاهل الاحتياجات الأساسية للشعب. هل التهديدات الخارجية هي الخطر الأكبر؟ بينما تروج وسائل الإعلام الرسمية لفكرة أن التهديدات الخارجية هي أكبر المخاطر التي تواجه مصر، فإن الواقع يشير إلى أن التهديد الحقيقي يكمن في الداخل. فالنظام القمعي، والفشل الاقتصادي، والانقسام المجتمعي كلها عوامل تهدد استقرار مصر أكثر من أي صراع إقليمي. التعامل مع الأزمات الخارجية قد يكون ضروريًا، لكن لا يمكن فصل ذلك عن الحاجة الملحة لمعالجة الأزمات الداخلية التي تهدد مستقبل البلاد. فالأمن الحقيقي لا يتحقق فقط عبر تأمين الحدود، بل أيضًا عبر بناء دولة قائمة على العدالة الاجتماعية، والحريات، والتنمية المستدامة. الخلاصة إن استقرار مصر وأمنها القومي لا يتحقق فقط عبر مواجهة التحديات الخارجية، بل يبدأ أولًا بإصلاح الأوضاع الداخلية. إن استمرار النظام الحالي في سياساته القمعية والاقتصادية الفاشلة لا يزيد البلاد إلا ضعفًا ويجعلها أكثر عرضة لأي تهديد خارجي أو داخلي. لذلك، فإن التغيير الحقيقي لا يكمن في مجرد البحث عن حلفاء خارجيين أو مواجهة خصوم إقليميين، بل في بناء دولة ديمقراطية عادلة تحقق الاستقرار من الداخل قبل الخارج.

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022