ليبيا.. الخلافات حول الطعون والاستئناف الخاص بالمترشحين، هل تدفع نحو تأجيل الانتخابات؟
على المستوى النظري، يبدو أن العملية الانتخابية فى ليبيا ستتم بموعدها المقرر فى 24 ديسمبر 2021، فقد تم التأكيد على ذلك من قبل القوى الدولية المجتمعة في المؤتمر الدولي حول ليبيا الذي عقد في باريس منتصف نوفمبر 2021، والذي هدد بفرض عقوبات على كل من يقف في طريق تحقيق ذلك. وضمن السياق ذاته تؤكد المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا استعدادها لتنظيم الانتخابات الرئاسية. ونشرت القائمة الأولى للمرشحين، وتقوم حاليًا بتوزيع بطاقات الناخبين، ما يجعل العملية تبدو طبيعية إلى حد ما. لكن على المستوى الميداني، يبدو أن العملية الانتخابية تسير في حقل ألغام لا يمكن فيه التنبؤ بمصيرها[1]، فى ظل استمرار وتصاعد الخلافات بين الأطراف والقوى السياسية المختلفة داخل ليبيا، والذى كان أخرها تصاعد الخلاف القانونى حول عمليات الطعن والاستئناف الخاصة بكل من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، وقائد قوات شرق ليبيا خليفة حفتر، ونجل الرئيس الراحل سيف الإسلام القذافى، وقد تسببت تلك الخلافات فى عدم الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين، التي كان من المفترض أن تُعلن، فى 6 ديسمبر 2021، كآخر موعد لها وفق الجداول الزمنية التي أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات. أولًا: الخلافات حول الطعون والاستئناف الخاص بالمرشحين: يزداد المشهد الليبي تعقيدًا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، والتطاحن القانوني على مستوى دوائر الطعون القضائية لإخراج ثلاث شخصيات جدلية رئيسية، تملك أكبر الحظوظ للفوز بكرسي الرئاسة. ويتعلق الأمر بعبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة، وخليفة حفتر، قائد مليشيات الشرق، وسيف الإسلام القذافي نجل زعيم النظام السابق. فالدبيبة، الذي قبلت مفوضية الانتخابات ملف ترشحه، تقدمت عدة شخصيات بطعون على ملف ترشحه، تمحورت حول عدم انطباق المادة 12 من قانون الانتخابات الرئاسية عليه حيث لم يقدم استقالته من منصبه قبل 3 أشهر من موعد الانتخابات، بالإضافة لاحتجاج الطاعنين بشأن ترشحه بوثيقة لملتقى الحوار السياسي وقع عليها الدبيبة وتعهد فيها بعدم ترشحه لانتخابات الفترة السياسية المقبلة أثناء اختياره رئيسًا لحكومة الوحدة الوطنية في فبراير الماضي[2]. وإن قبلت المحكمة الابتدائية في طرابلس الطعون المقدمة في حق الدبيبة، إلا أن استئناف الأخير للحكم أعاده مجددا إلى السباق الرئاسي رسميًا[3]. بينما يواجه حفتر حكمًا من محكمة الزاوية الابتدائية (غرب) باستبعاده من السباق الرئاسي، نظرًا لامتلاكه جنسية أمريكية، وصدور حكم غيابي ضده بالإعدام من محكمة مصراتة العسكرية. إلا أن محكمة الاستئناف بطرابلس قضت ببطلان حكم استبعاد حفتر من السباق الرئاسي، لتعيده للسباق مرة أخرى[4]. فيما كان استبعاد مفوضية الانتخابات لسيف الإسلام القذافي متوقعًا لأسباب سياسية وقانونية، خاصة بعد إبداء الولايات المتحدة الأمريكية تحفظها على هذا الترشح. بجانب، أن سيف الإسلام مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية، ومحكوم عليه غيابيًا بالإعدام من محكمة طرابلس (2015)، وهذا الحكم يحرمه من الحقوق المدنية مدى الحياة إلى غاية تنفيذ الحكم، وأولها حرمانه من المشاركة السياسية كمترشح أو كناخب. ومع ذلك فقد طعن القذافي الابن أمام محكمة مدينة سبها (جنوب) حول قرار استبعاده من السباق الرئاسى، ولتقوم مليشيات حفتر بطرد القضاة وموظفي المحكمة، وحاصرت مقرها، لمنع إصدار الحكم. ورد أنصار القذافي بالتجمهر أمام المحكمة، كما أدانت روسيا استبعاد القذافي الابن من السباق الرئاسي، وانتقدت حكومة الوحدة عرقلة مليشيات حفتر للعملية الانتخابية. ولم تنسحب مليشيات حفتر إلا بعد انتهاء الآجال القانونية للطعن، ومع ذلك انعقدت المحكمة وأصدرت حكما بقبول الطعن، ما أعاد سيف الإسلام القذافي “مؤقتا” إلى السباق الرئاسي[5]. ثانيًا: هل تتسبب تلك الخلافات فى تأجيل الانتخابات؟: تسببت تلك الخلافات حول الطعون والاستئناف الخاص بالمترشحين فى عدم الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين، التي كان من المفترض أن تُعلن، فى 6 ديسمبر 2021، كآخر موعد لها وفق الجداول الزمنية التي أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات. ما يشير إلى إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى حين حسم الموقف القانونى – والأهم السياسى- من الشخصيات المترشحة. وقد ظهرت مؤخرًا عدة مؤشرات على إمكانية تأجيل الانتخابات الليبية، منها؛ تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بإن المنظمة الأممية “تريد أن تكون الانتخابات في ليبيا جزءًا من الحلّ وليس جزءًا من المشكلة”. بينما اعتبر رئيس مجلس الأمن الدولي، مندوب النيجر الدائم لدى الأمم المتحدة، عبده عباري، أن “الظروف ليست مواتية لإجراء انتخابات إيجابية”. وهى التصريحات التى قرئت على أنها تكشف عن قبول دولى وأممى لتأجيل الانتخابات[6]. وفى ذات السياق، فقد أشار موقع “العربى الجديد”، نقلًا عن مصادره، بوجود توافق إيطالى- فرنسى- مصرى على تأجيل الانتخابات الليبية، وأن هذه الدول الثلاثة تسعى إلى حث الجانب الأمريكى على القبول بتأجيلها[7]. كذلك باتت نية الأطراف الليبية لتأجيل الانتخابات تظهر للعلن بشكل واضح، فقد أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا مؤخرًا عن عدم وجود نية لتأجيل العملية الانتخابية التي ستجرى في موعدها المقرر بشهر ديسمبر الجاري، وقال سامي الشريف مدير المركز الإعلامي للمفوضية أن المقرر هو إجراء الانتخابات في موعدها إذا استمرت عملية الطعون والاستئناف وفقا لما تم إعداده في هذا الشأن، وذلك في ربط بين الالتزام بالموعد المحدد للانتخابات، وحسم موضوع الطعون والاستئناف وهو ما يعني ضمنيا إمكانية التأجيل في حالة عدم الانتهاء من الطعون، ورغم ذلك أوضح مدير المركز الإعلامي أن التأجيل قد يكون أربعة أو خمسة أيام فقط لحين الفصل في الطعون أو ما سماه «أسباب فنية»، وهو الحديث الذي أيده عماد السايح رئيس المفوضية من أن الموعد المقرر للانتخابات يعد من «المسائل الفنية» التي تخضع للمفوضية، وأن إمكاينة التأجيل واردة في حالة تأخر الفصل في الطعون المقدمة ضد المرشحين، ويرى بعض الحقوقيين الليبيين أن المفوضية تمتلك الحق في التأجيل بحسب الظروف الموجودة لأنها المسؤول الوحيد عن تنظيم إجراءات العملية الانتخابية[8]. وفى ذات السياق، فقد أكد رئيس مجلس الدولة، خالد المشرى، إلى أن انتخابات 24 ديسمبر، “لن تصل إلى محطتها الأخيرة.. وهي القبول والتسليم”[9]. كما اقترح المجلس الأعلى للدولة، فى 8 ديسمبر، تأجيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر 2021 إلى فبراير 2022؛ بسبب الخلافات المستمرة بين المعسكرين المتنافسين، على أن يتم اجراء الانتخابات الرئاسية بنظام القائمة من رئيس ونائبين ورئيس حكومة، وأن تكون الدورة الزمنية لمجلس النواب والرئاسي أربع سنوات من تاريخ انتخابهم ولدورة واحدة وغير قابلة للتجديد. كما اقترح المجلس تنظيم الانتخابات الرئاسية فى فبراير بشكل “متزامن مع الانتخابات النيابية”[10]. ولا يبدو أن تأجيل الانتخابات مطلب خاص بالمجلس الأعلى فقط، فقد دعا مجلس النواب هو الأخر لجلسة طارئة استدعى إليها رئيسي المفوضية العليا للانتخابات والمجلس الأعلى للقضاء، لمساءلتهما حول ما وصف بـ”تجاوزات” بخصوص إجراءات قبول المرشحين للرئاسة. وذلك بعدما أبدى 70 نائبًا برلمانيًا، في بيان مشترك، قلقهم إزاء “التطورات السلبية للعملية الانتخابية”، وطالبوا بعقد جلسة برلمانية لمساءلة مفوضية الانتخابات والجهات القضائية المشرفة على العملية الانتخابية، واتهم النواب المفوضية بعدم تطبيق القوانين الانتخابية الصادرة عن مجلسهم، ما يعني إلغاء كل ما اتخذ من إجراءات لقبول المرشحين،…