التطبيع المغربي-الإسرائيلي: الدوافع والتداعيات
قام وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني جانتس”، فى 23 نوفمبر 2021، بزيارة إلى المغرب، وهي الزيارة التي استهدفت تعزيز التعاون العسكري والأمني بين الجانبين، وقد اكتسبت زيارة “جانتس” أهميتها من كونها أول زيارة رسمية للمغرب يقوم بها وزير دفاع إسرائيلي منذ تطبيع المغرب علاقاته مع إسرائيل برعاية أمريكية في ديسمبر 2020 في إطار ما عُرف بـ”اتفاقات أبراهام” ، فضلًا عن المخرجات المهمة التي نتجت عن الزيارة من تكثيف للتعاون العسكري والأمني والاستخباراتي بين البلدين[1]. ومن هذا المنطلق، تسعى الورقة إلى التعرف على أهم الدوافع التى تقف خلف تصاعد التطبيع بين المغرب وإسرائيل، فضلًا عن دلالات وتداعيات ذلك. أولًا: مظاهر التطبيع بين المغرب وإسرائيل ودوافعه: تجمع المغرب بإسرائيل علاقات تعاون سرية قديمة تعود لستينيات القرن الماضي، تخللها تعاون وتنسيق أمني رفيع المستوى في قضايا حساسة، وهذه العلاقة مكنت المغرب من لعب دور الوسيط بين مصر وإسرائيل وإدارة شبكة علاقات سرية معقدة بين البلدين توجت بلقاء جمع في العام 1977 بين وزير الخارجية الإسرائيلي، في ذلك الوقت، موشيه ديان مع المبعوث الشخصي للرئيس المصري أنور السادات، حسن التهامي، وهو اللقاء الذي مهد لزيارة السادات للقدس في 19 نوفمبر من نفس العام، وإلقائه الخطاب المشهور أمام الكنيست الإسرائيلي وما تلا ذلك من توقيع اتفاقيات كامب ديفيد والانسحاب الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء. العلاقات المغربية الإسرائيلية كانت تتخذ أحيانا من وجود تجمع إسرائيلي كبير من أصول مغربية، واستمرار وجود صلات اجتماعية وعائلية بين هذا التجمع وبقايا الجماعة اليهودية في المغرب، سندا لها في تبرير العلاقات السياسية والإنسانية، وتعزز ذلك الروايات المنتشرة في صفوف اليهود المغاربة عن المعاملة الجيدة التي حظي بها اليهود تاريخيا من قبل العرش المغربي، وكذلك الحماية التي وفرها الحكم المغربي لليهود إبان الحقبة النازية عندما رفض تسليم اليهود الموجودين على أراضيه لنظام فيشي الفرنسي المتعاون مع النازيين، ويذهب معظم المحللين إلى توافق المصالح السياسية والأمنية بين نظامين صديقين للغرب وللولايات المتحدة على وجه الخصوص وتجمعهما وجهات نظر مشتركة تجاه قضايا العالم. تواصلت العلاقات المغربية- الإسرائيلية السرية وشبه العلنية، حيث زار شمعون بيريز المغرب واجتمع مع الملك المغربي في العام 1986 أثناء توليه رئاسة الحكومة في إسرائيل، وتبعتها زيارات لمسؤولين آخرين بشكل سري، إلى أن أعلن عن اقامة علاقات دبلوماسية في العام 1995 ما بعد توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل، والذي لعبت المغرب دورا هاما في تشجيع الطرفين للتوصل إليه. توقفت العلاقات الرسمية بين البلدين في العام 2000 في إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، إلى أن عادت وتجددت، من خلال إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في شهر ديسمبر 2020 عن التوصل إلى اتفاق يعيد العلاقات بين البلدين، وتعترف بمقتضاه الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية التي كانت وما زالت محل نزاع مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، مقابل تطبيع كامل للعلاقات بين إسرائيل والمغرب[2]. وتُظهر حجم الاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل والمغرب منذ اتفاق أبراهام في ديسمبر 2020 حرص الطرفين على ترسيخ التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات. ففي أعقاب زيارة وزير خارجية إسرائيل “يائير لبيد” إلى المغرب في أغسطس 2021، استبدلت مكاتب الاتصال الدبلوماسي بينهما بسفارتين. كذلك وقعت شركة راتيو بيتروليوم الإسرائيلية اتفاق تعاون في مجال التنقيب عن الغاز على الساحل المغربي، ومؤخرًا جرى إطلاق خط جوي مباشر بين الدار البيضاء وتل أبيب، وبلغ عدد الزوار الإسرائيليين في المغرب نحو 70 ألفًا خلال عام 2020[3]. فيما نشر موقع ذي ماركر الاقتصادي إلى الإمكانيات الكبيرة التي ستزود بها إسرائيل المغرب خاصة في مجالات التكنولوجيا الزراعية والمعدات الطبية المتقدمة والتكنولوجيا المتعلقة بتحلية المياه[4]. كذلك أدرجت التاريخ والثقافة اليهودية في مناهج المدارس الابتدائية المغربية[5]. وقد أعلن القائم بأعمال مكتب الاتصال الإسرائيلي في المغرب ديفيد غوفرين، في تغريدة له على موقعه على تويتر، فى نوفمبر 2021، عن التحضير “لتوقيع اتفاقية توأمة بين مدينتي أزمور المغربية وكريات يام الإسرائيلية” والتي اعتبرها “من أجمل مظاهر التجانس الثقافي وتعزيز الروابط الاجتماعية بين المغرب وإسرائيل”[6]. وعلى هامش مباحثات وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني جانتس” والوزير المغربي المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني “عبد اللطيف لوديي”، وقع الجانبان مذكرة تفاهم في مجال التعاون العسكري والأمني والمخابراتى، لم يسبق للدولة العبرية أن وقّعت مثله مع أي من دول التطبيع العربي. وقد أشارت وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى أن “الاتفاق يرسم التعاون الأمني بين المغرب وإسرائيل بمختلف أشكاله في مواجهة التهديدات والتحديات التي تعرفها المنطقة”. وقد لفتت تقارير إلى أن “مذكرة التفاهم المغربية – الإسرائيلية لا تتضمن اتفاقات دفاعية محددة لكنها تقدم إطار عمل قانوني وتنظيمي لعقد مثل تلك الاتفاقات في المستقبل”، ووصف “جانتس” هذا الاتفاق بأنه “أمر مهم جدًا، سيمكن الجانبين من تبادل الآراء وإطلاق مشاريع مشتركة وتحفيز الصادرات الإسرائيلية إلى المغرب”. وتعكس هذه المعطيات أن الاتفاق سيتيح للمغرب اقتناء معدات أمنية إسرائيلية عالية التكنولوجيا بطريقة سهلة، إضافة إلى التعاون في التخطيط العملياتي والبحث والتطوير، فضلًا عن خلق قنوات رسمية بين الأجهزة الاستخباراتية والأمنية للبلدين، وتأطير التعاون الصناعي والتقني بين الجانبين بأطر رسمية مؤسسية، بالإضافة لذلك أشارت دوائر مقربة من وزارة الدفاع المغربية إلى أن المغرب سيحاول الاستفادة من القدرات العسكرية الكبيرة لإسرائيل في مجال صناعة الطائرات المسيرة “الدرونز” لتعزيز سلاح الجو المغربى. وتأكيدًا على هذا المسار أشارت تقارير إلى أن إسرائيل ستقوم بتحديث 24 طائرة قديمة من طراز “إف 16” أمريكية الصنع لدى المغرب[7]، بالإضافة إلى إمدادها بمنظومات دفاع جوية متقدمة (برق 8) وأسلحة كانت إسرائيل ترفض بيعها للمغرب سابقا. يأتى ذلك إلى جانب التعاون فى مجالات السايبر والتقنيات الاستخباراتية المتقدمة والتي تأتي ترجمة للاتفاق الذي وقع في الرباط بين مسؤول منظومة السايبر في إسرائيل يغئال أونا، ونظيره المغربي الجنرال مصطفى الربيعي أثناء زيارة وزير الخارجية يائير لبيد للرباط فى أغسطس الماضى[8]. وتجدر الإشارة إلى أن ثمة تعاون بالفعل في مجال الأسلحة بين البلدين. ففي العام الماضي (2020)، حصل الجيش المغربي على 3 طائرات استطلاع غير مأهولة إسرائيلية من طراز “هيرون” بقيمة 48 مليون دولار. كذلك في مجال التكنولوجيا العسكرية، حيث كانت المغرب ضمن قائمة الدول المستوردة لتطبيق بيغاسوس الإسرائيلي[9]. ويتضح مما سبق، أن التطبيع بين إسرائيل والمغرب يسير بخطى ثابتة ويشمل كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والأمنية، والذى يأتى مدفوعًا بعدة عوامل، منها: 1- خلق شرق أوسط جديد: يأتى التطبيع بين إسرائيل والمغرب كجزء من الحراك الإقليمي الجاري، والمدعوم أمريكيًا، لخلق شرق أوسط جديد، خالٍ من الاضطرابات، باعتبار أن المنطقة مقبلة على مرحلة إعادة ترتيب التوازنات، تعلو فيها المصالح الاقتصادية على الأولويات الأيدولوجية. في سياق هذه التغيرات، وقعت دول خليجية اتفاقيات سلام مع إسرائيل “اتفاقية أبراهام” في أغسطس 2020 قبل انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي ساعدت في إرساء علاقات تعاون بين الطرفين،…