نظام السيسي

خيارات مصر إزاء أزمة “سد النهضة” ما بعد الفشل بمجلس الأمن

  هزيمتان متتاليتان منيت بهما مصر خلال أسبوع واحد في المحافل الدولية، في قضية سد النهضة الإثيوبي: الأولى، كانت خلال جلسة مجلس الأمن 8 يوليو الجاري، حيث لم يلق الطرح المصري والسوداني قبولا لدى أعضاء مجلس الأمن، فلم يصدر قرارا دوليا أو بيانا يطالب بنقل المفاوضات حول السد لجهة أممية غير الاتحاد الافريقي، الذي أعلنت مصر تضررها من التفاوض تحت مظلته مرات عدة سابقا، كما لم يوقف مجلس الأممن عملية الملء الثاني للسد بطريقة منفردة من قبل اثيوبيا، كذلك لم تعرب دول مجلس الأمن أية انحيازات للمطالب أو الموقف المصري، وهو ما يعتبر ضمن التقديرات الاستراتيجية، هزيمة دبلوماسية لمصر. الثانية، هزيمة في الاتحاد الأوروبي، وتلت الهزيمة بمجلس الأمن، هزيمة أخرى في بروكسل، حينما رفض الاتحاد الأوروبي إدراج مناقشة أزمة سد النهضة على أعماله، وذلك  يوم الاثنين 12 يوليو الجاري، حيث أنه بعد يومين من وصول وزير الخارجية المصرية سامح شكري إلى العاصمة البلجيكية بروكسل، مقر الاتحاد الأوروبي، لمحاولة حشد دعم العواصم الأوروبية لموقف مصر في هذه الأزمة، وبعد الكثير من اللقاءات مع المسؤولين الأوروبيين، قال الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية، “جوزيب بوريل” إن “أزمة سد النهضة ليست مطروحة على أجندة اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين“. وأضاف بوريل في بيان: “نتفهم قلق مصر والسودان من سد النهضة”، وأن الاتحاد “يدعو إلى الحوار والتفاهم السياسي في قضية سد النهضة”. وحاول شكري خلال تواجده في بروكسل استخدام ورقة المهاجرين “غير الشرعيين” واستعرض “الجهود المصرية الناجحة في إيقاف أي تدفقات للمهاجرين من سواحلها منذ سبتمبر 2016، فضلاً عن استضافتها لنحو 6 ملايين مهاجر ولاجئ” على حد قول بيان الخارجية المصرية، الذي علق على لقاءات شكري ببروكسيل. وبحسب البيان، فقد عرض شكري “الخطوات الإيجابية التي اتخذتها مصر لتعزيز أوضاع حقوق الإنسان على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية”، ولكن بعد إعلان بوريل عدم مناقشة أزمة سد النهضة في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، تم الإعلان في القاهرة عن إحالة الناشط الحقوقي البارز حسام بهجت المقرب من دوائر سياسية أوروبية إلى المحاكمة، وهو ما يمكن وصفه بنكوص عن تعهدات مصر للأوربيين باحترام حقوق الانسان، وكورقة يستخدمها النظام المصري لابتزاز الغرب. ومع إحالة مجلس الأمن القضية إلى مسارها التفاوضي القديم، الذي أعلنت مصر والسودان سابقا تضررها منه، تحت مظلة الاتحاد الافريقي، الذي تحتضن مقره إثيوبيا، وعدم إقرار أية توصية بوقف الملء الثاني المنفرد، أو حتى إجراء عملية التصويت على مشروع القرار التونسي، الذي اقترح وقفا للإجراءات الآحادية لمدة 6 شهور يجري خلالها التفاوض للوصول لاتفاق ملزم، تحقق الفشل الدبلوماسي المصري السوداني في مجلس الأمن. ماذا جرى بمجلس الأمن؟ ركزت جميع الدول في كلماتها خلال الجلسة على ضرورة العودة إلى المفاوضات لحل القضية، مع ذكر معظمها لاتفاق المبادئ باعتباره المرجعية القانونية التي يجب الاستناد إليها، ثم تمايزت بعض المواقف، كدعوة تونس وفرنسا والنرويج والمكسيك وإستونيا لوقف جميع الإجراءات الأحادية بشأن سد النهضة، بما فيها الملء المنفرد من الجانب الإثيوبي، ودعوة الولايات المتحدة وبريطانيا وأيرلندا والهند وفيتنام إلى الالتزام باتفاق المبادئ مع العودة السريعة للمفاوضات بقيادة الاتحاد الأفريقي وبمراقبة أطراف دولية عدة على رأسها الاتحاد الأوروبي. بينما كان موقف الصين أكثر ميلاً للحياد مقارنة بموقفها المعارض لمصر في جلسة مجلس الأمن الصيف الماضي، فيما كان موقف روسيا هو الأقرب إلى الإثيوبيين اعتراضاً على نقل القضية إلى الساحة الدولية، وكذلك رفضاً للتهديد بالحل العسكري. وتم استبعاد التصويت على مشروع القرار الذي قدّمته تونس مدعوماً من مصر والسودان والولايات المتحدة، متضمناً دعم الأمم المتحدة للمفاوضات برئاسة الاتحاد الأفريقي ووضع خريطة طريق قصيرة الأمد لها، لا تزيد على 6 أشهر مع وقف الإجراءات الأحادية، واقتصار الأمل المصري السوداني على إصدار بيان من المجلس يحمل تلك التوصيات، وهو ما لم يحدث. أسباب الفشل 1-الخلط المصري السوداني بين الفني والدبلوماسي في طروحاتهم بالجلسة: إذ أن المجلس مال إلى تجاهل أن لتلك الأزمة وجهين، فني وهو الأصل، ودبلوماسي يتعلق بآليات ومنهج التفاوض. أما الجانب الفني فليس للمجلس فيه من اختصاص، وليس له في مثل تلك الأزمة من سوابق مرجعية. ولعل المراقب يرى أن الدعوة المقدمة من كل من السودان ومصر قد مالت، في مجملها، إلى التركيز على التفاصيل الفنية للخلاف بين وجهات النظر التي تبنّتها البلدان الثلاثة، فيما الاستعصاء في حقيقته دبلوماسي يتصل بمنهج التفاوض. وللتأثير على مجلس الأمن بتبني وجهة النظر الفنية الإثيوبية، بعثت أديس أبابا وزير المياه، وليس وزير الدبلوماسية الإثيوبية، ليرد على الحجج الفنية التي فصلتها كل من مصر والسودان، فيوحي للمجلس أنه، وبحكم اختصاصه مجلسا للأمن، ليس معنياً بالأمور الفنية، فانتهى الأمر بإعادة ملف التفاوض حول السدّ إلى المظلة الأفريقية. 2-قصور الدبلوماسية المصرية السودانية: كما أن أمرين أثرّا على ضعف الاستجابة الدولية الجادّة للطرح المقدم من الدولتين بتعزيز منهج التفاوض وتحديد سقف له، وهو مطلب قدّمه السودان، وفق ما قرّره الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة. وتُجيز المادة 33 لمجلس الأمن، في ما لو تم تنبيهه بشأن أيّ نزاع يمكن أن يهدّد السلم والأمن الدوليين، وفق المادة 37 من ذلك الفصل، أن يوصي بـ”حل النزاع سلمياً بالتفاوض والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم”. لم يطلب السودان أكثر من ذلك. -أوّل الأمرين، ما لوحظ من قصور الدبلوماسيتين، المصرية والسودانية، في جهدهما لتأمين حشد دبلوماسي في أوساط الكبار، مثل الصين وروسيا وبعض أطراف خليجية لها بعض مصالح في القرن الأفريقي، فلم تبدِ حماسة لتأييد المطلب السوداني والمصري. ولعل تدخل جامعة الدول العربية، في اجتماعها الاستثنائي قبيل عقد جلسة مجلس الأمن، أعاد إلى الذاكرة ذلك التنافر التاريخي القديم المتوهم بين ما هو أفريقي وما هو عربي، وإن كانتا، مصر والسودان، من مؤسسي المنظمة الأفريقية في أديس أبابا عام 1963. -ثاني الأمرين، ما اتصل بالخطاب السوداني والمصري، والذي كان جلّ تركيزه على شرح التفاصيل الفنية في الخلاف مع إثيوبيا بشأن سد النهضة أكثر من تركيزه على الجهد الدبلوماسي المطلوب لتفعيل التفاوض، وتجاوز الاستعصاء الدبلوماسي الذي تسبّبتْ فيه إثيوبيا. وللحق، كان للسودان صوت واضح، طالب فيه مجلس الأمن بضرورة تعزيز جهود التفاوض الدبلوماسي، فلا تنفرد إثيوبيا بتصرفٍ أحادي قد يُحدث إضراراً بدولتي المعبر والمصب. 3-المراوغة الدبلوماسية الاثيوبية: حيث اتسم المفاوض الإثيوبي، منذ اللحظة الأولى، بأمرين أساسيين: اللعب على عامل الوقت واستهلاكه لاستكمال بناء السد حتى يصبح أمراً واقعاً، إلى جانب المراوغة واستغلال حسن النية التي أبداها المفاوض المصري. ولا تلام إثيوبيا على ذلك، بل اللوم كلّه يقع على المفاوض المصري، وفي المقدمة عبد الفتاح السيسي، الذي وقّع على اتفاق المبادئ الذي كان بأكمله على الأرضية الإثيوبية، وهو الأمر الذي جعل الجميع يسأل لماذا فعل السيسي ذلك؟ وهو ما أجاب عنه مقال لرئيس تحرير الأهرام السابق عبد الناصر سلامة، مؤخرا، على صفحته على الفيس بووك، بأن السيسي أراد شراء…

تابع القراءة
أحكام النقض في "اقتحام الحدود الشرقية" .. الأبعاد السياسية تعصف بالقضاء

أحكام النقض في “اقتحام الحدود الشرقية” .. الأبعاد السياسية تعصف بالقضاء

  المحطة الأولى في قضية “اقتحام الحدود الشرقية” بدأت في يناير 2014م، في أعقاب انقلاب 03 يوليو بنحو 6 شهور. وهي القضية التي حملت رقم  56460 /2013 جنايات أول مدينة نصر، والمقيدة برقم 2926 لسنة 2013 كلى شرق القاهرة والمعروفة إعلاميا بـ”اقتحام الحدود الشرقية”، والتي أطلق عليها إعلام النظام العسكري في بدايتها قضية “اقتحام السجون” إبان ثورة 25 يناير 2011م. ولم تبن هذه القضية على أدلة بالمعنى المعروف قانونيا وقضائيا، لكنها من الألف إلى الياء قامت على التحريات الأمنية الخيالية التي تناقض الحقيقية في كل تفصيل وجزئية من جزئياتها. فهي بالأساس قضية سياسية تستهدف الترويج لسردية النظام العسكري ومؤسسات الدولة العميقة التي دبرت انقلاب 3 يوليو 2013م، وتمثل امتدادا طبيعيا لنظام حسني مبارك، بوصف ثورة 25 يناير 2011م والتي أطاحت بحكم مبارك بأنها “مؤامرة” شاركت فيها مخابرات أجنبية بالتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين لزعزعة أمن واستقرار البلاد، وتأسيس إمارة إسلامية. وتشيع أن المئات من المسلحين غزوا مصر واقتحموا حدودها الشرقية من جهة فلسطين وضربوا كل الكمائن وأقسام الشرطة في طرقهم حتى القاهرة ثم اقتحموا السجون وأخرجوا قيادات الإخوان ونحو 20 ألف سجين آخرين، ثم اندسوا في ميدان التحرير وأثاروا الفوضى الأمنية ضد النظام. المحطة الثانية في 16 يونيو 2015م؛ حيث قضت إحدى دوائر الإرهاب بجنايات القاهرة بإجماع آراء القضاة وبعد موافقة مفتي الديار المصرية، بإعدام 9 على رأسهم رئيس الجمهورية المنتخب الدكتور محمد مرسي  ود.محمد سعد الكتاتني – رئيس مجلس الشعب المنتخب- ود. عصام العريان ود. محمد البلتاجي –أعضاء مجلس الشعب المنتخبين، ود.محمد بديع، وم. خيرت الشاطر ود. رشاد بيومي ود. محيي حامد –أعضاء مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين- ود. أحمد عبد العاطي –مدير مكتب الرئيس- وغيابيا بإعدام 87 آخرين على رأسهم العلامة الدكتوريوسف القرضاوي، بتهمة مساعدة القوات الأجنبية المسلحة التي دخلت إلى البلاد في 28 يناير 2011م. وجاء في نص مسودة الحكم ما يلي “إن المتهمين وآخرين يزيد عددهم عن 800 شخص، ينتمون لحركة حماس وحزب الله والحرس الثوري الإيراني، في أواخر يناير 2011 وأوائل فبراير وفي محافظات شمال سيناء والقاهرة والقليوبية والبحيرة ارتكبوا أفعالا تمس استقلال الدولة وسلامة أراضيها، إذ دخلوا إلى البلاد من حدودها الشرقية، مستقلين عربات دفع رباعي مدججة بالأسلحة الثقيلة (أر بي جي وجرنوف)، وتمكنوا من السيطرة على الشريط الحدودي ودمروا المنشآت الحكومية والأمنية في رفح والعريش، ثم واصلوا زحفهم إلى القاهرة والقليوبية والبحيرة، فاقتحموا 160 قسم شرطة، كما اقتحموا سجون أبو زعبل والمرج ووادي النطرون فحطموا أسوارها وخربوا مبانيها ونهبوا ما فيها من مخازن وأسلحة وأثاث وسيارات ومعدات. ومكنوا أكثر من 20.000 سجين من الهرب، ونشروا الفوضى في البلاد. وعمدوا لضرب وشل جهاز الشرطة المصرية لإسقاط الدولة ومؤسساتها، إذ قام قسم من المتهمين بالدخول على مواقع التواصل الاجتماعي وتحريض الجماهير على اقتحام أقسام الشرطة وحرقها وخلق حالة من الفوضى سمحت للعناصر المسلحة بدخول البلاد، وإتمام حلقات المشروع الإجرامي بنجاح، وقام قسم آخر بتوفير احتياجات العناصر المسلحة الأجنبية من سيارات وأسلحة وذخيرة وتدبير وسائل الإعاشة لهم، والدخول والخروج من البلاد بعد قيامهم بالدور المطلوب. وأن هذا تم بناء على اتفاق جرى سراً بسورية في نوفمبر 2010 بين ممثلين لحركة حماس والحرس الثوري الإيراني وقيادات الإخوان المسلمين”. يقول الدكتور محمد البلتاجي في مقاله الذى جرى تسريبه ونشرت وسائل إعلام: «حين بدأت هذه المحاكمات في يناير 2014، بعد عدة أشهر من الانقلاب، تعاملنا مع هذه الرواية الهابطة باعتبارها مسرحية هزلية، تهدف إلى استمرار حبسنا أطول وقتٍ، يمكن ثم تنتهي إلى لا شيء، ولكننا في نهاية المطاف وجدنا أن المحكمة تعلن في نص حكمها “أن المحكمة تطمئن تمام الاطمئنان إلى تحريات الأمن الوطني والمخابرات العامة التي أكدت صحة هذه الوقائع”.[[1]] المحطة الثالثة للقضية، حين عرضت هذه الأحكام على محكمة النقض، قرّرت في 15 نوفمبر 2015م، نقض الحكم الذي وصفته بالمعيب، لما شابه من قصور في التثبت وفساد في الاستدلال. وأكدت محكمة النقض أن تحريات الأمن الوطني والمخابرات العامة لا تصلح أن تكون دليلا كافيا بذاته، ولا تعتبر قرينةً مستقلة على ثبوت الاتهامات، ومن ثم قضت المحكمة بإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى. المحطة الرابعة في القضية، بدأت مع إعادة المحاكمة أمام دائرة إرهاب جديدة، انتهت إلى تخفيف الحكم من الإعدام إلى المؤبد، حيث أصدر المستشار محمد شيرين فهمي،  رئيس الدائرة 11 إرهاب بجنايات القاهرة والمعروف بالقاضي القاتل، حكما جائرا في يوم السبت 7 سبتمبر 2019م، على قيادات ورموز ثورة يناير وجماعة الإخوان وقضى بالمؤبد على فضيلة  المرشد العام و10 آخرين من قيادت ورموز الثورة والجماعة. ومعاقبة كل من أحمد أبو مشهور، والسيد حسن، وصبحي صالح، وحمدي حسن، وأحمد دياب، وأحمد العجيزي، وعماد شمس الدين، وعلى عزالدين بالسجن المشدد 15 عاما، وبراءة 9 آخرين، وشمل قرار براءة كلا من صفوت حمودة حجازي، أحمد عبدالوهاب على، ومحسن يوسف، وأيمن محمد حجازي، وعبد المنعم أمين طغيان، ومحمد أحمد محمد إبراهيم، ورجب عبدالرخيم المتولي، وأحمد ابراهيم بيومي، ويسري عبدالمنعم على نوفل، وانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة للرئيس محمد مرسي لوفاته في 17 يونيو 2019م.[[2]] المحطة الخامسة، هي الحكم الأخير الذي أصدرته محكمة النقض يوم 11 يوليو 2021م، حيث أيدت حكم المؤبد على فضيلة المرشد العام الدكتور محمد بديع و10 آخرين من رموز الثورة والجماعة وهم: الدكتور محمد سعد الكتاتني، رئيس برلمان الثورة والأكاديمي البارز. والدكتور رشاد البيومي، والدكتور محيي حامد، والدكتور مصطفى طاهر الغنمي والدكتور محمد البلتاجي، والمهندس سعد الحسيني، عضو برلمان الثورة ومحافظ كفر الشيخ الأسبق، ومحمد زناتي وحازم عبدالخالق منصور وإبراهيم يوسف، إلى جانب الشهيد الدكتور عصام العريان الذي انقضت الدعوى بوفاته. وقضت أيضا ببراءة 8 آخرين وإلغاء حكم المشدد 15 سنة بحقهم وهم صبحي صالح المحامي وعضو برلمان الثورة، والدكتور حمدي حسن، عضو برلمان الثورة، والدكتور أحمد دياب، عضو برلمان الثورة، وأحمد أبو مشهور وأحمد العجيزي والسيد حسن وعماد شمس الدين وعلي عز الدين. كما قضت بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة للدكتور عصام الدين العريان لوفاته والذي استشهد في سجون النظام بالإهمال الطبي. [[3]] أزمة التحريات الأمنية الحكم الأخير الذي أصدرته محكمة النقض يمثل قمة المسخرة القضائية في مصر، ويمكن أن يضرب به المثل في التاريخ القضائي المصري وحتى على  المستوى العالمي كنموذج صارخ يكشف كيف يمكن أن يتحول القضاء إلى أداة توظفها السلطة المستبدة بشكل بالغ الظلم للانتقام من معارضيها السياسيين دون أي تهمة من الأساس. واللافت في محطات هذه القضية أن محكمة النقض التي رفضت في نوفمبر 2015م حكم دائرة الإرهاب بجنايات القاهرة  في يونيو 2015م وأكدت في حيثيات رفضها أن الحكم معيب لما شابه من قصور في التثبت وفساد في الاستدلال. وشددت على أن تحريات الأمن الوطني والمخابرات العامة لا تصلح وحدها أن تكون دليلا كافيا بذاته، ولا…

تابع القراءة
تمديد الاجراءات الاستثنائية في تونس لأجل غير مسمى.. الدلالات والتداعيات المستقبلية

انقلاب الرئيس التونسي “قيس سعيد” على الدستور والمسار الديمقرطي .. المواقف والتطورات ومآلات المستقبل

    قبل شهرين من الآن وفي 24 مايو الماضي، كشفت الصحافة التونسية عن  وثيقة مسربة من مكتب مديرة الديوان الرئاسي التونسي، تكشف تفاصيل مخطط انقلاب على البرلمان والحكومة من قبل الرئيس فيس سعيد، تقوم على دعوة قيادات البرلمان والوزراء إلى الديوان الرئاسي واعتقالهم وإعلان حل البرلمان والحكومة، حينها خرج سعيد نافيا المخطط، مشيرا إلى أن زمن الانقلابات قد ولى! إلى أن تم الانقلاب الفعلي الناعم على الدستور، مساء الأحد 25 يوليو 2021، بإعلان تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإقالة رئيس الوزراء “هشام المشيشي”، كما أعلن “سعيد” أنه سيترأس السلطة التنفيذية بالتعاون مع حكومة يترأسها شخصية يعينها الرئيس بنفسه. بجانب ترؤوس النيابة العمومية، لمتابعة ملفات قال إنها تمس بأمن البلاد، مشددا على أنه بصدد اتخاذ قرارات أخرى، في حينها، وهي خطوات رآها مراقبون وسياسيون، ضمنهم راشد الغنوشي، والرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، انقلابا على السلطة التشريعية المنتخبة. وفي خطوة متقدمة نحو ادخال تونس في مستنقع الاقتتال الأهلي، توعد “سعيد” من يعارض التدابير الاستئثنائية التي اتخذها، قائلا إن من يطلق رصاصة واحدة في سياق الاعتراض على هذه القرارات سيواجه “بوابل من الرصاص من القوات المسلحة والأمنية ليس لها حصر”. واعتبر “سعيد” أن تلك القرارات كانت ضرورية إزاء ما تشهده تونس من عبث بالدولة ومقدراتها وأموالها، على حد قوله،  موضحا أن الدستور لا يسمح للرئيس بحل البرلمان، لكنه يسمح له بتجميد صلاحياته ورفع الحصانة عن نوابه، وهو ما اتخذه. وكان سعيد استبق الإجراءات الاستثنائية نحو الانقلاب الناعم على الدستور، بإعلان تمديد أحكام الطوارئ في البلاد لمدة 6 أشهر، وذلك يوم الجمعة الماضي، حتى 19 من يناير 2022، ودخلت حيز التنفيذ السبت 24 يوليو، بما تتضمنه من تضييقات واسعة على الحركة المدنية والسياسية والصحافة والإعلام والانتقال والتجمهر والتظاهر، وجميع ما يتعلق بممارسة العمل الأهلي والسياسي.  التطورات الميدانية وأمام مظاهرات مؤيدي الرئيس التي جرى الإعداد لها مسبقا، في ذكرى إعلان الجمهورية التونسية، وخرجت للشوارع رغم الحظر والإجراءات الاحترازية المطبقة في تونس، إثر تفشي كبير لفيروس كورونا، شهدت حرقا وتدميرا لمقرات تابعة لحركة “النهضة” التونسية، واتهمت الحركة أطرافا سياسية مرتبطة بجهات خارجية بتنفيذ تلك الاعتداءات، وحاول معارضوا القرارات التعبير عن آرائهم وحماية الثورة التونسية والدستور من مخالب الانقلابيين، فخرج الآلاف  من الشباب الثوري ومؤيدي حركة النهضة والسلفيين وأنصار الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان، متجمهرين أمام مقر البرلمان التونسي، إلا أن مشاحنات بدت بقوة خلال التقاء مظاهرات المؤيدين والمعارضين أمام البرلمان التونسي، يوم الاثنين، وهو ما دفع الجيش للتدخل وقامت قوات من الجيش التونسي بغلق مبنى البرلمان، ومنعت رئيسه، راشد الغنوشي، وعدداً من النواب من دخول مقر المؤسسة التشريعية. من جهة ثانية، أحاطت وحدات من الجيش والأمن بمقر رئاسة الحكومة التونسية في القصبة، الإثنين، بعد قرار رئيس الجمهورية “قيس سعيّد” إقالة الحكومة وتولي السلطة التنفيذية بنفسه، وكذا حصار مقر التلفزيون الحكومي من قبل قوى الجيش. وقال مصدر من رئاسة الحكومة لوكالة الأنباء الألمانية، إن قوات الأمن طلبت من الموظفين العودة على أعقابهم، وتحيط وحدات من الجيش بالمقر؛ ما يعني تعليقا كاملا لأشغال الحكومة بعد إقالة رئيسها “هشام المشيشي”، وأعضائها، ليل الأحد. فيما نشرت وكالة “رويترز” تقارير تفيد تواجد رئيس الحكومة هشام المشيشي بمنزله وأنه غير معتقلا. وفي سياق متصل، اقتحمت قوات الأمن مكتب قناة “الجزيرة” في العاصمة التونسية وطردت جميع الصحفيين العاملين فيه، بحسب مدير المكتب “لطفي حجي” وقال “حجي” إن المكتب لم يتلق أي إشعار مسبق بالإخلاء من قبل قوات الأمن، كما أن القوات التي اقتحمت المكان لم تكن ترتدي الزي الرسمي. وأضاف: “طلبوا منا إغلاق الهواتف والحواسيب ونزع التوصيلات الكهربائية بلا سبب، مؤكدين أنهم ينفذون التعليمات، كما صادروا مفاتيح المكتب وأبلغونا أنه ليس من حقنا الدخول إليه وذلك دون أن يبرزوا أي أمر قضائي”. وتتوالى التطورات الميدانية المشيرة لانحياز الجيش والأمن التونسي للرئيس سعيد وقراراته الانقلابية. انقلاب على الدستور ووفق تقديرات الدستوريين وخبراء القانون، فإن قرارات 25 يوليو بتونس، تعد انقلابا مكتمل الأركان، وهو ما ذهب إليه الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، في بيان صحفي تناقلته وكالات الأنباء، ليل الأحد، معتبرا أن  سعيد “خرق الدستور الذي أقسم على الدفاع عنه، ومنح لنفسه كل السلطات”. وأوضح المرزوقي أن قرارات سعيد تجعل منه “القاضي الأوحد، وهو شيء لا يصدق وحتى المنطق يرفض هذا”. ويخالف استناد قيس سعيد في قراراته الانقلابية،استنادإلى المادة 80 من الدستور، نص المادة وروح الدستور ومقتضياته، فالمادة التي استند إليها الرئيس لا تعطيه الشرعيّة لاتخاذ مثل تلك التدابير، بالنظر إلى أنها تحتّم وجود خطر داهم يهدد البلاد أوّلًا، وتقتضي من رئيس الجمهورية استشارة رئيسي الحكومة والبرلمان، ولا تخوّله الحقّ بتجميد البرلمان، بل تنصّ على انعقاده على امتداد فترة الإجراءات الاستثنائية المعلنة، كما لا تمنحه الحق بتوجيه لوم إلى الحكومة. وذلك وفق ما يذهب إليه  أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي ، خلال تصريحات صحفية لـ”العربي الجديد”  بقوله، أن “سعيد استند إلى المبررات الواقعية التي حصلت اليوم، وهي في إطار أمني كما لاحظتم من الاجتماع، وليس في إطار سياسي”. أما من الناحية الدستورية “فطالما أن المحكمة الدستورية غير موجودة، فقد خرق الإجراءات التي تستوجب استشارة رئيس الحكومة وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ولكن كل هذا لم يحدث”. كما لا يوجد أي فصل يتحدث عن تجميد الاختصاصات التشريعية للبرلمان، فالفصل 80 ينص على حالة انعقاد، كما أن آلية التجميد غير موجودة في الدستور. وهو نفس المنحى الذي ذهبت إليه أستاذة القانون سناء بن عاشور، في حديث لإذاعة “موزاييك”، أن ”الدستور واضح وأن كل ما أعلنه رئيس الجمهورية قيس سعيد مخالف تماما للدستور”، انطلاقا من أن الفصل 80 الذي استند عليه سعيد في ما أعلنه لا ينص بأي حال على ما اتخذه من قرارات. وتنصّ المادة على أنه “لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب”. وتؤكد المادة كذلك أنه “يجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة، وفي هذه الحالة، لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب، كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة”. وتنصّ المادة أيضًا على أنه “بعد مضيّ ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية، بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه، البتُّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه. وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يوما”، كما “يُنهى العمل بتلك التدابير…

تابع القراءة
ملف مياه النيل من المفاوضات إلى التدويل

ملف مياه النيل من المفاوضات إلى التدويل

    لاقى ملف مياه النيل العديد من التحديات والمصاعب خلال الفترة الماضية، لاسيما منذ شروع إثيوبيا في بناء سد النهضة الضخم على النيل الأزرق الرافد الأهم لنهر النيل. وبالرغم من كون الخلافات على تقسيم مياه النيل بين دول المنابع والمصب ليست بالجديدة؛ إلا أن ما يميزها هذه المرة أنها صارت تُشكِّل خطرًا وجوديًا على دول المصب، في ظل تعنت إثيوبي وإصرارها على اعتبار النيل بحيرة إثيوبية أو نهر إثيوبي عابر للحدود على حد التعبيرات الإثيوبية المتداولة في الفترة الأخيرة. فما هي أبعاد الأزمة المصرية في هذا الملف؛ في محيطها الوطني والإقليمي والدولي، لاسيما بعد محاولة مصر والسودان لتدويل القضية ورفعها لمجلس الأمن؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها. وللإجابة عن تلك التساؤلات تستخدم الورقة مدخل SWOT Analysis: والذي يعمل على إيجاد علاقة بين الفرص والتهديدات ونواحي القوة والضعف في الدولة. بدايةً يجب أن نُلقي الضوء على سر العداء التاريخي بين مصر وإثيوبيا: الصراع المصري – الإثيوبي، له تاريخ ممتد منذ نحو 150 عامًا، وله العديد من الأبعاد والجذور. حيث اكتشفت إثيوبيا أهميتها كدولة منبع وأهمية مصر كدولة محورية، وهناك أمور مشتركة جعلت إثيوبيا في حالة تنافس مع مصر من الناحية التاريخية، مما يجعل تهديد الأمن المائي المصري من قِبل إثيوبيا أمر ليس بجديد. فكان هناك تهديد إثيوبي مستمر لمصر بإمكانية قطع مياه النيل، سواء كان في عصر الإمبراطور الإثيوبي منليك في بداية القرن التاسع عشر، حتى عهد الخديوي إسماعيل ورؤساء مصر عبد الناصر والسادات ومبارك، وظلت المشكلة قائمة حتى الآن. وكانت تربط مصر بدول المنابع الأخرى، وهي بروندي ورواندا والكونغو وتنزانيا وكينيا وأوغندا، علاقات تعاون جيدة خاصةً أوغندا، حيث قامت مصر بإنشاء سد “أوين” في أوغندا، لتوليد الكهرباء وتنظيم حركة المياه في اتجاه النيل الأبيض، وأيضًا طورت العمل مع دول المنابع بمشروعات مشتركة كحفر الآبار، ومشروعات صحية وتعليمية وغيرها. لكن هذه الدول، وفور استقلالها وتحديدًا في عام 1964، أرسلت لمصر ما سُمي بـ”رسالة من جورجيوس” وهذه الرسالة أكدت على عدم اعترافهم بالاتفاقيات الموقعة بينهم مع مصر، بشأن تقسيم المياه، ومنحوا مصر مهلة عامين، قبل إلغاء هذه الاتفاقيات من جانب واحد. والعقدة الأكبر في العلاقات المصرية – الإثيوبية ظلت دائمًا في إنشاء السد العالي، حيث عابت إثيوبيا على مصر عدم إخطارها مسبقًا بإنشاء السد العالي وتوشكي وترعة السلام. وزاد من حدة الصراع بين مصر وإثيوبيا اتفاق “عنتيبي”، فهو لم يعترف بالحصص التاريخية لمصر “55.5 مليار متر مكعب من المياه 18.5 مليار متر مكعب للسودان”، ورغم أن هدف الاتفاقية كان توزيع الفقد في المياه، التي تمثلت في 950 مليار متر مكعب على إثيوبيا، وحوالي 750 على الهضبة الاستوائية، و530 مليار على بحر الغزال على دول حوض النيل. واتسعت هوة الصراع بإعلان إثيوبيا شروعها في بناء سد النهضة، الذي سيخلف أضرارًا كثيرة على مصر.[1] وزيادةً على ذلك الصراع المصري الإثيوبي الخفي على قيادة القارة الإفريقية، والذي جعل إثيوبيا دائمة الهجوم على مصر بغية فصلها عن محيطها الإفريقي. أولاً: تحليل الموقف المصري: وهنا نتناول المخاطر والفرص، فمن ناحية؛ المخاطر التي تنتظر مصر كنتيجة لسد النهضة؛ تتمثَّل في: حذرت دراسة منشورة في دورية Environmental Research من أن عدم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمواجهة العجز المائي المحتمل بسبب إنشاء سد النهضة الإثيوبي، والوصول إلى اتفاق مشترك بشأن ملء السد وإدارته، قد يتسبب في آثار خطيرة على الاقتصاد المصري. ووفقًا للدراسة فإن متوسط إجمالي عجز الميزانية السنوية المتوقع للمياه في مصر خلال فترة الملء -مع أخذ عوامل أخرى مرتبطة بجيولوجية خزان سد النهضة في الاعتبار- قد يصل إلى قرابة 31 مليار متر مكعب في السنة، وهو ما يتجاوز ثلث إجمالي ميزانية المياه الحالية لمصر، في حالة عدم إنجاز جهود التخفيف والمواجهة المحتملة من قِبل السلطات المصرية المعنية. على أثر ذلك، فإن الرقعة الزراعية المصرية مهددة بالتراجع بنسبة مقلقة، قد تصل إلى 72٪، كما يُتوقع أن ينخفض الناتج القومي للفرد في مصر بنسبة قد تصل إلى 8٪، ومن ثمَّ وصول معدل البطالة إلى نسبة قد تصل إلى 25٪، وفق الدراسة. وتشير أحدث الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مارس الماضي، إلى أن إجمالي موازنة مصر المائية يصل إلى 81 مليار متر مكعب، إذ يُعتبر نهر النيل هو المورد الرئيسي للمياه بحصة تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويًّا تمثل 68.5٪ من جملة الموارد المائية عام 2019/2020، أما المكون الثاني لموازنة مصر المائية فهو المياه الجوفية العميقة والأمطار والسيول ومياه البحر المحلاة، وكذا مياه الصرف المعاد استخدامها والمياه الجوفية السطحية بالدلتا، وتُقدَّر بنحو 25.56 مليار متر مكعب تمثل 31.5٪ من جملة الموارد المائية عام 2019/2020. وتحذر الدراسة من مزيد من التهديد الذي قد يشمل دلتا النيل، سلة غذاء مصر، بقدرٍ قد لا تتحمله البلاد التي تعتمد بشكل أساسي على الأراضي الزراعية الخصبة في الدلتا لتوفير احتياجاتها من الغذاء. وقد تعمَّد هذا النموذج عدم ذكر بحيرة ناصر أو الخزان الجوفي؛ لكونهما احتياطي مصر القيم من المياه، حيث قامت الدراسة على افتراض تقييم الآثار السلبية للسد في حالة عدم اتخاذ مصر أي إجراءات للتخفيف، ومن بينها الاستعانة بمياه البحيرة، كما كان تركيز البحث على مياه النيل فقط، دون التعرُّض لاحتياطات مصر المائية.[2] وفوق كل هذا هناك خطر يخص مستقبل نهر النيل وتدفق حصة مصر السنوية منه، وهو أن تمرير سد النهضة دون اتفاق مُسبق سيفتح الباب أمام دول حوض النيل لتنفيذ مشروعاتهم المُستقبلية على منابع النيل لأغراضٍ شتى، وساء كانت تلك الأغراض منحصرة في توليد الطاقة الكهربائية فقط كما هو الحال في سد النهضة، أو حتى أغراض أخرى مثل الزراعة أو الري. وهو الأمر الذي سيجعل مستقبل وصول مياه النيل لمصر في خطر، في الوقت الذي تعاني فيه مصر بالفعل من الفقر المائي وتحتاج لتوفير مصادر جديدة للمياه بجانب حصتها الحالية من النيل، لتتناسب مع الزيادة المُطردة للسكان. أما عن المخاطر السياسية في الداخل المصري؛ فإن النظام الذي لطالما هدد ولوَّح بالوعيد لمن يحاول المساس بحقوق مصر المائية، لا شك أنه يدرك أن تنازله عن تلك الحقوق بهذه البساطة سيكون له تداعياته الداخلية، وسيُسهم في تراجع شعبيته والصورة التي يروجها لنفسه على كونه حامي الدولة وشعبها. ولكن من ناحية أخرى؛ أصبح التفكير في الخيار العسكري غير وارد، لاسيما بعد ما أبدته الأطراف الدولية (صاحبة المعونات المُقدمة للدولة المصرية ونظامها) في جلسة مجلس الأمن من عدم اكتراث للملء الثاني، بل وبروز الأصوات المعارضة بصورة حادة وتهديدية من محاولة اللجوء للخيار العسكري (روسيا)، كما أن اللجوء للخيار العسكري في حد ذاته وإن كان مُتاحًا يحمل في طياته مجموعة من المخاطر التي يخشاها النظام؛ فنتيجته إما نجاح ربما يهدد بصعود قيادات جديدة للمؤسسة العسكرية وترميزها، وهو الأمر…

تابع القراءة
تعثر التوافق على تشكيل حكومة لبنانية جديدة .. الأسباب والتداعيات المستقبلية

تعثر التوافق على تشكيل حكومة لبنانية جديدة .. الأسباب والتداعيات المستقبلية

  بين الاستعصاء السياسي وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية اللبنانية، تسير الأوضاع إلى مصير مجهول، يهدد الشعب اللبناني. أولا: أزمة التشكيل الحكومي مع إعلان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري اعتذاره عن تشكيل الحكومة، تدخل لبنان نفقا جديدا من الاحتراب السياسي، والمجهول حتى إبريل المقبل، لإجراء انتخابات برلمانية جديدة، مشكوك في التوافق حول إجرائها في ظل تلك الظروف والتداعيات المحلية والتدخلات الخارجية. وأعلن “الحريري” من القصر الرئاسي، الخميس  13 يوليو الجاري، اعتذاره عن تشكيل حكومة جديدة في لبنان، بعد 9 أشهر من تسميته، في خطوة من شأنها أن تعمّق معاناة البلاد الغارقة في أسوأ أزماتها الاقتصادية. وفي تصريحات صحفية من قصر بعبدا عقب لقاء الحريري بالرئيس ميشال عون، نقلتها “فرانس 24” قال “الحريري”: “الموقف لم يتغير، ومن الواضح أنه لن نستطيع الاتفاق مع الرئيس عون”. موضحا  “عون طلب تعديلات على تشكيلة الحكومة أنا اعتبرتها جوهرية، وطرحت على “عون” وقتا للتفكير، لكن الرئيس اللبناني أبلغه أنه لا يمكنهما “التوافق“. ومنذ شهور، يواجه لبنان انهيارا اقتصاديا رجّح البنك الدولي أن يكون من بين 3 أشدّ أزمات في العالم منذ عام 1850، فيما لم تتمكن القوى السياسية المتناحرة من تشكيل حكومة منذ 11 شهرا. فيما صعد سعر الدور إلى أكثر من 27000 ليرة، مرشحة للزيادة بالسوق الموازية. ومنذ أواخر 2019، يرزح لبنان تحت وطأة أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه الحديث، أدت إلى انهيار مالي وتدهور القدرة الشرائية لمعظم سكانه، فضلا عن شح في الوقود والأدوية وغلاء في أسعار السلع الغذائية وتعطل عمل الصيدليات والمستشفيات.   ثانيا: المواقف الدولية أمريكا، صرحت على لسان وزير الخارجية “أنتوني بلينكن” عن استيائها الشديد من قرار الحريري، معتبرا بأنه “تطور آخر مخيب للآمال للشعب اللبناني“، وقال “بلينكن”، في بيان الخميس، إنه “بات من الضروري أن يتم تشكيل حكومة ملتزمة وقادرة على تطبيق الإصلاحات ذات الأولوية الآن، وأنه يتعين على الحكومة اللبنانية الاستعداد لانتخابات 2022 البرلمانية، والتي يجب أن تتم إقامتها في موعدها، وبطريقة حرة ونزيهة. متهما الطبقة السياسية في لبنان بأنها “بددت الأشهر التسعة الأخيرة، وأنه على القادة في بيروت وضع الخلافات الحزبية جانبا، وتشكيل حكومة تخدم الشعب اللبناني، هذا ما يحتاجه شعب لبنان بشدة. فرنسا، اعتبر وزير الخارجية الفرنسي “جان ايف لودريان”، في الأمم المتحدة أن اعتذار “سعد الحريري” عن عدم تشكيل حكومة في لبنان يشكل فصلا مأسويا إضافيا في عجز المسؤولين اللبنانيين عن إيجاد حل للأزمة في ظل الواقع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد”. وقالت وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية إن “التطور الخطير الذي حصل مع اعتذار الحريري يؤكد المأزق السياسي الذي عمد فيه القادة اللبنانيون، وبشكلٍ مقصودٍ، إلى إعاقة البلاد لأشهرٍ حتى وهي تغرق في أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة“. بدورها، أبدت الأمم المتحدة أسفها لاعتذار الحريري، وقالت متحدثة باسم المنظمة “نأسف لعدم تمكن المسؤولين اللبنانيين من الاتفاق على تأليف حكومة جديدة. نكرر دعوتنا القادة السياسيين للبلاد إلى التفاهم سريعا على تشكيل حكومة جديدة تستطيع مواجهة التحديات الكثيرة في البلد“. أما دول الجوار العربي، فالتزمت الصمت، وإن كان غير خافيا الدعم السعودي للحرير وتيار المستقبل، فيما كان الحريري مجتمعا مع عبد الفتاح السيسي بالقاهرة، قبل ساعات من اعلانه الاعتذار، على خلفية اتفاق على توريد الغاز المصري للبنان، تخفيضا لتكلفة توليد الكهرباء التي تعاني منها لبنان.   ثالثا: اسباب اعتذار الحريري -لجوء الرئيس عون للتعطيل: ويعود السبب المباشر لاعتذار الحريري، الذي يفتح بابا جديدا من الأزمات، محاولة الرئاسة اللبنانية الممثلة في ميشيل عون المتحالف مع “حزب الله” الذي يعارض الحريري ويصفه بالتابع للسعودية، بتعطيل التشكيلة الحكومية مطالبا بتعديلات عديدة عليها، وهو ما دفع الحريري لشن هجوما شديدا على الرئيس “ميشال عون”، متهما إياه بعرقلة مساعي تشكيل الحكومة التي كان مكلفا بتسميتها قبل أن يعتذر ، وعبر عدة تغريدات نشرها عبر حسابه على تويتر، كشف فيها تفاصيل كثيرة عن الخلافات التي دارت بينه وبين عدد من الجهات على رأسها الرئاسة اللبنانية. وقال “الحريري” إنه “سأل الرئيس ميشال عون خلال لقائهما الذي جرى في وقت سابق الخميس 13 يوليو، عن منح الثقة للحكومة من قبل التيار الوطني الحر الذي يرأسه عون”، فرد  عون “لا ثقة من الكتلة كاملة بل من وزيرين أو ثلاثة“. وذكر “الحريري”: “عندما استقلت سابقا (عام 2019) استقلت لأني أريد حكومة إخصائيين”، مؤكدا أن “حكومة ميشال عون لن تنقذ البلاد” وأضاف: “هناك فريق قرر أن يعذب البلد ويأخذنا إلى جهنم، وكل العقبات التي واجهتها بسبب هذا الفريق“. -تلاعب سياسي من قبل القوى المتصارعة: وفق مراقبين للشأن اللبناني، لم تنفع الزيارات الـ18 التي قام بها الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري إلى “مقر الرئسة” في  بعبدا في حلحلة العقد الوزارية بين الطرفين، فيما يصر رئيس الجمهورية على الثلث المعطل ويقول إنه لا يريده، والحريري ثابت على موقفه: تشكيلة من 18 وزيراً لا يكون فيها ثلث معطل لأي أحد. وبحسب رئيس تحرير صحيفة اللواء اللبنانية صلاح سلام، لـ”سكاي نيوز”  فأن “ما حصل كان متوقعاً ، فبعد خطاب الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، كان واضحاً أن مسيرة التأليف تعطلت، خاصة أن الشروط التي اتفقوا عليها في فترة سابقة تغيرت اليوم“. ووفق موقع “سكاي نيوز عربية”، أن الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري قام بإٕرسال وفود من تيار المستقبل الى كل الكتل السياسية، بما في ذلك الثنائي الشيعي من أجل الاستفسار عن المبادرة، فكان الجميع متفقا على المبادرة الفرنسية، لكن تم التخلي عنها فجأة وحلت مكانها فكرة حكومة “تكنو – سياسية” أي سياسية مطعمة بوزراء إختصاص . وراهن رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، على هذه الصيغة، أي الثلث المعطل لعمل الحكومة بـ 6 وزراء، وفي هذه الحالة لن يتخذوا أي إجراء في حال منعهم من المشاركة في الجلسات. وتتعارض هذه الصيغة مع خطوط المبادرة الفرنسية، والتي كانت أساسا لترشح سعد الحريري “، كما أن رئيس الجمهورية ميشال عون اتبع نهجا استفزازيا مع الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة سعد الحريري، سواء من خلال دعوته عبر شاشات التلفزة، أو عبر إرسال لائحة يوم الاثنين 10 يوليو، بتوزيع الحقائب على الطوائف، فضلا عن التمسك بالثلث المعطل. هذا النهج قاد إلى احتمالين اثنين، فإما تفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال أو التلويح بتعديل الدستور، فكان رد تيار المستقبل هو الاستقالة من مجلس النواب في حال طرح تعديل الدستور..وهنا تطرح أزمة ميثاق ويمكن أن توصل الى انتخابات نيابية مبكرة، وهكذا يكون البلد فقد السلطتين معاً التنفيذية والتشريعية، في حال استقال نواب المستقبل، وحينها ستصبح لبنان بامتياز “دولة فاشلة بجميع المقاييس”، وقد يكون هناك تدخلاً خارجيا لإعادة تكوين السلطة في لبنان. -تعقييدات إقليمية: ما يحصل قي لينان يندرج تحت خانة خلافات سياسية ظاهرها مشاكل لبنانية وباطنها تعقيدات إقليمية دولية، وبدا واضحا أن ثمة طرحين…

تابع القراءة
تمديد الاجراءات الاستثنائية في تونس لأجل غير مسمى.. الدلالات والتداعيات المستقبلية

تونس انقلاب ناعم .. قيس سعيد يقيل الحكومة ويجمد البرلمان 

أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد مساء الأحد تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب، وتعهد بملاحقة المفسدين والتعامل بحزم مع “الساعين للفتنة”. وقال الرئيس التونسي في كلمة بثها التلفزيون إنه أعفى رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه. وجاء في كلمة سعيد “قررت أن أتولى السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة أعيّنه بنفسي”. وأوضح أنه جمّد كل اختصاصات المجلس النيابي، ورفع الحصانة عن كل أعضاء المجلس. وأشار إلى أن هذه الإجراءات ضرورية لحماية الدستور ومصالح الشعب. وقد قرر الرئيس تولي منصب النائب العام، وبرر ذلك بضرورة كشف كل ملفات الفساد. وجاءت هذه القرارات الاستثنائية على خلفية الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها عدة مدن تونسية وقال الرئيس التونسي إنه اتخذ هذه القرارات بـ”التشاور” مع رئيس الحكومة ورئيس البرلمان وأضاف أنه سيتخذ قرارات أخرى حتى يعود السلم الاجتماعي للبلاد. وأعلن سعيّد هذه الإجراءات بموجب الفصل 80 من الدستور، عقب اجتماع طارئ في قصر قرطاج، فيما تُواجه البلاد أزمة صحّية غير مسبوقة بسبب تفشّي فيروس كورونا وصراعات على السلطة. انقلاب كامل من جانبه اتهم رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي الرئيس قيس سعيد “بالانقلاب على الثورة والدستور”. ونقلت عنه رويترز قوله “نحن نعتبر المؤسسات ما زالت قائمة وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة”. الرئيس التونسي يقيل الحكومة ويجمد البرلمان والغنوشي يرد: هذا انقلاب والشعب سيحمي الثورة والدستور وفي حديث للجزيرة قال الغنوشي: “قرارات الرئيس سعيد انقلاب على الدستور والثورة والحريات في البلاد”. وشدد على أن البرلمان في حالة انعقاد دائم نظرا لحالة الطوارئ وسيواصل عمله بشكل طبيعي. وذكّر بأن الدستور يفرض أن يكون مجلس النواب في انعقاد دائم ويمنع حل الحكومة. وأوضح أن الرئيس استشاره في اتخاذ إجراءات ضمن الدستور فقط، بينما القرارات التي اتخذها الرئيس انقلاب على الدستور الغنوشي: أدعو الشعب التونسي لخوض نضال سلمي من أجل استعادة الديمقراطية (الجزيرة) ودعا الغنوشي إلى التراجع عن اتخاذ هذه القرارات، حتى لا تعود تونس لعهد الظلمات والاستبداد. وقال الغنوشي “ندعو الشعب إلى أن يخوض نضالا سلميا لاستعادة الديمقراطية”. واعتبر رياض الشعيبي المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة أن “ما حصل اليوم يهدف لإفشال التجربة الديمقراطية في تونس”. وأضاف في حديث للجزيرة  أن قرارات الرئيس قيس سعيد “انقلاب مكتمل الأركان” ، وشدد على أن القرارات لا قيمة لها وأن المؤسسات الدستورية ما تزال قائمة. وقال علي العريض نائب رئيس حركة النهضة “الوضع غامض في ظل هذه الظروف وسنعمل على بقاء تونس حرة وديمقراطية” وأضاف أن هناك أنباء تتحدث عن احتجاز رئيس الحكومة هشام المشيشي داخل القصر الرئاسي. أما اتحاد الشغل فقد دعا قيادته التنفيذية إلى “اجتماع طارئ لمناقشة قرارات الرئيس قيس سعيد”.

تابع القراءة
تونس بين مطرقة الأزمات وسندان الانقسامات

تونس بين مطرقة الأزمات وسندان الانقسامات

  قمع أمني، احتجاجات ومواجهات، وضع اجتماعي مهدد بالانفجار، صراع بين السلطات، وعريضة لسحب الثقة من الحكومة. هذا هو المشهد في تونس. منذ أشهر طويلة والتأزم السياسي هناك لا يتوقف، ففي كل مرة تمر حادثة أو تصريح يزيد الوضع احتقانا، ليخرج بعدها رئيس البلاد غاضبا وفي حالة من التشنج مهددًا باستخدام الدستور لوضع حد لكل ما يعتبره تجاوزات تنذر بسقوط الدولة، ويسانده في ذلك نواب من المعارضة شرعوا في تحضير عريضة لسحب الثقة من رئيس الحكومة ومدخلهم في ذلك أنه “فاشل”. في مقابل ذلك، دعا رئيس الحكومة إلى الكف عن المزايدات السياسية وتسجيل النقاط، وهو يحفز حكومته على مواصلة العمل والبحث عن حلول وإصلاحات ليجد دعمًا من حزامه البرلماني. وبين الطرفين منظمات نقابية تحاول تهدئة الوضع وتبحث عن حوار يجمع الكل لأجل حلحلة الوضع والخروج من الأزمة الخانقة. وهكذا تعيش تونس هذه الفترة، على وقع حراك سياسي لحل الأزمة الحالية، في ظل استمرار الخلافات والتنازع حول الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث، وسط آمال بالوصول إلى تفاهمات سياسية وحدوث انفراجة قريبة. فما هي جذور الأزمة؟ وتطوراتها؟ وتداعياتها على الداخل التونسي؟ تلك هي التساؤلات التي تسعى تلك الورقة للإجابة عليها. خلفيات الأزمة: تعود جذور الأزمة السياسية الحالية في تونس إلى عام 2019، الذي شهد انتخابات رئاسية أوصلت قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري البالغ من العمر 61 عامًا، إلى قصر قرطاج. وفي أكتوبر من العام نفسه، حاول حزب النهضة الإسلامي، الأكبر في البرلمان، تمرير حكومة الحبيب الجملي ولم ينجح في ذلك، لتظهر إلى السطح خلافات بين موقعَي الثقل السياسي في تونس، “البرلمان” الذي على رأسه حزب النهضة، و”الرئاسة” التي يُمثِّلها قيس سعيد، وهي خلافات كانت تُنذر بصراع محتدم على تحديد نفوذ المؤسسات في الديمقراطية الوليدة. ثم عادت الكرة إلى ملعب قيس سعيد لاختيار بديل للحبيب الجملي من أجل تشكيل الحكومة، وهو ما خلق مناخًا سياسيًا تفاقمت فيه السجالات حول مسألة الصلاحيات على وجه التحديد. حيث عادت أزمة الصلاحيات لِتُطل بوجهها من جديد بشكل أعنف مع حكومة هشام المشيشي التي أدَّت اليمين الدستورية في سبتمبر 2020، فبينما كانت حركة النهضة ترغب في تعيين رئيس حكومة موالٍ للأغلبية البرلمانية، أراد الرئيس التونسي رئيس حكومة مواليًا له. بمعنى آخر، بينما دعم حزب النهضة منح المزيد من السلطات للحكومة، وبالتالي للبرلمان، أراد الرئيس التونسي التأسيس لنظام رئاسي بدلًا عن النظام الحالي المختلط الذي يضع معظم الصلاحيات بيد رئيس الوزراء الذي يُعينه الائتلاف الحاكم. حلَّ الصدام الأبرز، في منتصف يناير الماضي، حين رفض قيس سعيد المصادقة على تعديل وزاري اقترحه المشيشي وصادق عليه البرلمان التونسي، رافضًا دعوة الوزراء الجدد إلى أداء اليمين الدستورية أمامه، مُعتبِرًا أن التعديل شابته “خروقات”، وهو ما لم يقبله المشيشي. بالتزامن مع ذلك، تسبَّبت تصريحات لسعيد أن صلاحياته بوصفه قائدًا أعلى للقوات المسلحة تشمل أيضًا قوات الأمن الداخلي وليس الجيش فقط في تصعيد خلافه مع حكومة المشيشي بشأن الصلاحيات.[1] مبادرات لحل الأزمة: منذ اشتعال الأزمة، تعدَّدت المبادرات الساعية لتخفيف الاحتقان، والخروج من الخلاف حول الصلاحيات بين الرئيس ورئيس الحكومة هشام المشيشي. وكانت أولها مبادرة التهدئة والوساطة بين الفرقاء السياسيين، التي قام بها “الاتحاد العام التونسي للشغل”، أكبر منظمة نقابية في تونس، إذ أطلق الاتحاد مطلع ديسمبر الماضي مبادرة “الحوار الوطني” بغية الخروج من الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ومن أهم بنودها إرساء “هيئة حكماء تقودها شخصيات وطنية مُستقلِّة للخروج من الأزمة”. بيد أن المبادرة مرَّت على الجميع مرور الكرام دون الأثر المرجو منها، ليُفاجئ الرئيس التونسي في مارس الماضي شعبه باقتراحه تنظيم حوار وطني بمشاركة واسعة من الشباب، بما يُمكِّن من بلورة مقترحات ومطالب تنطلق من المستوى المحلي نحو الوطني، وهو اقتراح اعتبرته النخبة السياسية التفافًا على مبادرة الحوار التي تقدَّم بها اتحاد الشغل، ومحاولة من قيس سعيد لإطالة أمد الأزمة وإحراج منافسيه في السلطة والاستئثار بدفة العملية السياسية. بعد نحو شهر، أتت مفاجأة أخرى للتونسيين مع إقدام عدد من الضباط المتقاعدين من الجيش التونسي على طرح مبادرة سياسية باسم “الأمل الأخير”. ويقترح الضباط للخروج من الأزمة السياسية أن يدعو الرئيس رئيسي مجلس النواب والحكومة لاجتماع عاجل بقصر الجمهورية يُخصَّص لطي صفحة القطيعة واستعادة الاتصالات الطبيعية بين الرئاسات الثلاث وتدارس رهانات المرحلة ومتطلباتها. وقد اقترح الضباط أيضًا على الرئيس إلقاء خطاب تجميعي في مجلس النواب يحضره كل الفرقاء السياسيين، ويعقبه إيقاف فوري لكل حملات تبادل العنف والتشويه، واحترام الأطراف السياسية، والتزام الجميع بتأجيل الخوض في المسائل السياسية الخلافية إلى حين التخلُّص من وباء كورونا والابتعاد عن شبح الإفلاس. وقد أحدثت تلك المبادرة جدلًا واسعًا في تونس بسبب تحسُّس المجتمع التونسي من تدخُّل القيادات العسكرية في الشأن السياسي. في منتصف يونيو الماضي، فاجأ الرئيس التونس الجميع مجددًا بدعوته إلى حوار للاتفاق على نظام سياسي جديد وتعديل دستور 2014 -المُنبثق عن المجلس الوطني التأسيسي- الذي قال إنه مليء بالأقفال والعراقيل. لكن الدعوة التي ظهرت بادرةً نحو الحل جاءت بنتائج عكسية وعادت بالأزمة إلى نقطة الصفر، إذ بدا واضحًا من كلمات قيس سعيد أنه يُمهِّد لتغيير الدستور وتعديل النظام السياسي في البلاد بعد أن شكَّك في الحوار الوطني الذي جرى عام 2013 واصفًا إياه بأنه “لم يكن حوارًا ولم يكن وطنيًا على الإطلاق”.[2] وبدأ الحديث عن الانفراج، بعد لقاء رئيسي الدولة قيس سعيد والبرلمان راشد الغنوشي، عقب 6 أشهر من توتر العلاقة وانسداد لغة الحوار بينهما، في ظل صراع على الصلاحيات. وفي الوقت الذي لا تزال رئاسة الجمهورية تتكتم على مخرجات ونتائج هذا اللقاء، بينما أعلنت حركة النهضة أنه كان إيجابيًا. وفي السياق ذاته، أبدى رئيس الحكومة هشام المشيشي انفتاحًا على كل التصورات والمقترحات التي من شأنها خدمة المواطن وإعلاء مصلحة البلاد، وذلك بعد التعنُّت الذي أبداه في التمسك بمنصبه، وتأكيده سابقًا أن استقالته غير مطروحة. واعتبر المشيشي خلال لقائه مع الكتل البرلمانية الداعمة للحكومة، أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي يفرض تضامن كل التونسيين وتآزر مؤسسات الدولة بعيدًا عن التجاذبات والمناكفات السياسية، داعيًا الأطراف السياسية إلى عدم التردد في تقديم المقترحات والعمل التشاركي مع حكومته.[3] دعوة سعيد للحوار: بعد أربعة أشهر من الجمود السياسي التونسي، ونشوب خلافات عميقة بين رأسي السلطة التنفيذية، دعا الرئيس التونسي قيس سعيد، بعد اجتماع مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، إلى حوار وطني، ما دعا إلى التساؤل حول مدى إمكانية الخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد. وكان من ضمن المدعوين للاجتماع أيضًا رؤساء حكومات تونسية سابقة. وقد دعا سعيد رؤساء الحكومات السابقين للإدلاء برأيهم في الوضع الاقتصادي المتدهور وكيفية الخروج من الأزمة السياسية، وأنهم لو كانوا في هذا الموقف فكيف كانوا سيسيرون أمور البلاد؟. فاقتصاد البلاد تكبله الديون الثقيلة وتدهور الخدمات العامة وساءت حالته بسبب جائحة فيروس كورونا. وبينما يرى البعض دعوة الرئيس إلى…

تابع القراءة
حرب الـ تيجراي

حرب الـ تيجراي

    ثمَّة تحولات جوهرية يشهدها الداخل الإثيوبي، وتعكسها التطورات الراهنة بما فيها من تغير للديناميات السياسية في إقليم تيجراي عقب إعلان الحكومة الفيدرالية وقف إطلاق النار من جانب واحد في 28 يونيو 2021؛ بناءً على طلب الإدارة المؤقتة في الإقليم قُبَيل انسحابها هي الأخرى من الإقليم إلى أديس أبابا، وتزامنًا مع سيطرة قوات دفاع تيجراي على العاصمة ميكيلي والمدن الرئيسية في الإقليم، وذلك عقب طردها للقوات الحكومية الإثيوبية من معظم أجزاء الإقليم، وتراجع القوات الإريترية إلى قرب الحدود المشتركة مع إقليم تيجراي. وهو ما يفتح المجال أمام العديد من السيناريوهات المحتملة حول مستقبل هذا الصراع القائم، وحول مستقبل العلاقة بين الحكومة الفيدرالية وإقليم تيجراي، وانعكاس ذلك على مستقبل الدولة الإثيوبية، وارتباط ذلك بمستقبل الأمن الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي ككل.   أسباب هزيمة القوات الإثيوبية في تيجراي: برغم تبرير آبي أحمد إطلاق العملية العسكرية ضد إقليم تيجراي في 4 نوفمبر 2020م بهدف القضاء على جبهة تحرير تيجراي وتنصيب إدارة إقليمية موالية للحكومة الفيدرالية في المنطقة، والتي أرجع أسبابها إلى هجوم قوات الإقليم ضد المنطقة الشمالية العسكرية للجيش الإثيوبي الواقعة في شمال تيجراي، وهي أسباب ظاهرية لإخفاء الأهداف الحقيقية لإصراره على استمرار الحرب الإثيوبية ضد الإقليم ضاربًا بعرض الحائط جميع النداءات الدولية بإنهائها، ووصولًا إلى إعلانه الانتصار في تلك الحرب بعد مرور 24 يومًا على انطلاقها. وبالرغم من وجود العديد من التقارير التي تفيد باستمرار مقاومة قوات دفاع تيجراي للقوات الإثيوبية، ليأتي انسحاب القوات الإثيوبية من إقليم تيجراي في 28 يونيو الجاري ليدحض ادعاءات الحكومة الإثيوبية بتحقيق الانتصار في هذه الحرب، بالرغم من تأكيد رئيس الوزراء الإثيوبي على تحقيق العملية العسكرية لأهدافها بتقليص قدرات تيجراي الاقتصادية والعسكرية مما يمنعها من تهديد أمن إثيوبيا، في ضوء اتهامه لجبهة تحرير تيجراي بوضع استراتيجية لحرب طويلة الأمد تستهدف إضعاف إثيوبيا. ومع التحول النوعي الذي طرأ على المشهدين السياسي والأمني في إقليم تيجراي بهزيمة القوات الإثيوبية على يد قوات دفاع تيجراي وانسحابها من معظم أجزاء الإقليم، يبدو من الضروري معرفة أبرز الأسباب التي أسهمت في هزيمة قوات آبي أحمد على يد جبهة تحرير تيجراي، والتي تتمثل أبرزها في:[1] نجاح تكتيك حرب العصابات: فقد خالفت قوات دفاع تيجراي كافة التنبؤات بإمكانية تفككها بعد الهجوم الإثيوبي الإريتري عليها، واستطاعت إعادة ترتيب صفوفها مجددًا واستقطاب عناصر جديدة لصفوفها، ونجحت في شن العديد من العمليات العسكرية ضد القوات الإثيوبية على مدار الشهور الثمانية الماضية، وفقًا لتكتيك “حرب العصابات” الذي منحها الأفضلية؛ نظرًا لخبرتها الكبيرة بجغرافيا الإقليم، الأمر الذي مَكَّنها من هزيمة التحالف الثلاثي ضدها، والذي يضم إلى جانب القوات الفيدرالية الإثيوبية، القوات الإريترية وميلشيات قومية أمهرة. تراجع الحلفاء: ثمة تراجع للقوات الإريترية في الإقليم إلى أطراف إقليم تيجراي عند الحدود المشتركة بينهما، في ضوء التخوف القائم لدى النظام الإريتري من انتقام جبهة تحرير تيجراي وزعزعة الداخل الإريتري، وفي ذات الوقت تزايد الضغوط الدولية التي تطالب بانسحاب تلك القوات منذ فبراير 2021. على الجانب الآخر، بات تورط ميلشيات قومية أمهرة في الحرب الإثيوبية الأخيرة ضد إقليم تيجراي بدافع السيطرة واستعادة السيادة على بعض المناطق التي يدّعي قادة أمهرة أن جبهة تحرير تيجراي قد احتلتها منذ صعودها للسلطة في عام 1991، والتي يدور حولها قتال حاليًا في إطار مساعي قوات دفاع تيجراي بسط سيادتها على كامل أراضي الإقليم. تزايد الضغوط الدولية على آبي أحمد: يتعرض نظام آبي أحمد لموجة انتقادات دولية وضغوط أمريكية ودولية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في إقليم تيجراي، وتفاقم الأوضاع الإنسانية لأكثر من 6 ملايين شخص يقطنون الإقليم. ويبدو أن طرح الحكومة الفيدرالية لمبادرة وقف إطلاق النار من جانب واحد بهدف تخفيف حدة تلك الانتقادات والضغوط، كما يمكن اعتبارها بمثابة المنقذ لقوات آبي أحمد من مستنقع تيجراي والتي تكبَّدت فيه خسائر واضحة خلال الفترة السابقة. الرفض الشعبي للقوات الإثيوبية في تيجراي: وهو أحد مبررات آبي أحمد لانسحاب قواته من الإقليم، حيث لم تجد دعمًا قويًّا من شعب تيجراي الذي يرى أن تدخل الجيش الإثيوبي في الإقليم بمثابة غزو واحتلال، الأمر الذي دعا البعض إلى المطالبة بالانفصال عن الدولة الإثيوبية، والتعبير عن سخطه من آبي أحمد بشكل خاص. كما وجّه معظم شعب تيجراي المساعدات الإنسانية التي يحصل عليها من الحكومة المركزية إلى جبهة تحرير تيجراي، وتحت تصرفها لمواجهة القوات الفيدرالية؛ حسبما زعم رئيس الوزراء. التكلفة الباهظة للحرب: فقد أعلن آبي أحمد أن حكومته أنفقت حوالي 100 مليار بر إثيوبي في منطقة تيجراي منذ بدء الصراع هناك، وهو ما يعادل عشرة أضعاف ميزانية الحكومة المركزية للإقليم. وهو ما يمثل عبئًا على خزينة الدولة. وفي تقرير صدر في 4 يوليو الجاري عن صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أشار إلى احتجاز قوات دفاع تيجراي لبضعة آلاف من الجنود الإثيوبيين في سجون الإقليم. كما أن تداعيات تلك الحرب سوف تفضي إلى تزايد تآكل شعبية آبي أحمد داخليًّا والمزيد من السخط لدى الرأي العام الإثيوبي، وارتفاع موجة الاضطرابات السياسية والأمنية والإثنية في البلاد؛ اعتراضًا على سياسات آبي أحمد. سلسلة الأزمات التي تواجه آبي أحمد: يواجه النظام الحاكم في إثيوبيا معارضة حادة لسياساته منذ عام 2018، ويظل السياق الأمني الداخلي متأزمًا في ضوء ما أكده آبي أحمد بأن الجيش الإثيوبي يحارب في عشر جبهات في الداخل الإثيوبي، بالإضافة إلى الاضطرابات الإثنية التي أفضت إلى مواجهات عسكرية بين بعض الأقاليم الفيدرالية، الأمر الذي يهدد استقرار الدولة الإثيوبية مستقبلًا. وفي ذات الوقت، تُواجه إثيوبيا بعض التهديدات على المستوى الإقليمي خاصة في ظل التصعيد المستمر للخلاف بين مصر والسودان وإثيوبيا بسبب قضية سد النهضة الإثيوبي، فضلًا عن تصاعد الخلاف الحدودي بين السودان وإثيوبيا على منطقة الفشقة المتنازع عليها بين الطرفين. وهو ما يضع آبي أحمد في معضلة كبيرة بسبب ضغوطات تلك الأزمات وانعكاساتها على استقرار حكمه لا سيما أنه ينتظر نتائج الانتخابات الأخيرة ليبدأ ولاية جديدة تمهيدًا لتنفيذ مشروعه السياسي في الداخل الإثيوبي الذي ربما يمهد له الحكم لسنوات قادمة. مستقبل الصراع في إقليم تيجراي: يُلقي الصراع في إقليم تيجراي والتطورات الراهنة على الساحة بظلاله على مستقبل العلاقة بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تيجراي التي استطاعت بسط سيطرتها على الإقليم مجددًا، والتي يبدو أنها قد وصلت لطريق مسدود، مما يجعل فرص الوصول إلى حلّ سياسي لهذا الصراع مستبعدًا حاليًا، في ضوء تصاعد بعض الأصوات داخل شعب تيجراي التي تطالب بالانفصال عن الدولة الإثيوبية، وقيام دولة تيجراي التي تمثل حلمًا منذ سبعينيات القرن الماضي؛ لا سيما أن الدستور الفيدرالي يمنح هذا الحق وفقًا لمادته (39) الخاصة بحق تقرير المصير للأقاليم الإثيوبية بشروط محددة. في الوقت الذي ربما يسعى فيه آبي أحمد إلى التورط في حرب جديدة ضد الإقليم بهدف رد الاعتبار لنظامه وشعبيته التي تآكلت وقواته العسكرية على…

تابع القراءة
الجيش المصري .. النشأة والتكوين والعقيدة القتالية  (الجزء الأول)

الجيش المصري .. النشأة والتكوين والعقيدة القتالية  (الجزء الأول)

  منذ هلاك الجيش المصري غرقا في مياه البحر الأحمر في عهد فرعون ( 1200 ق م تقريبا ويرجح أنه  رمسيس الثاني)، وذلك عندما كان يلاحق نبي الله موسى عليه السلام والمؤمنين معه فشق الله البحر لرسوله موسى عليه السلام لإنقاذ المؤمنين المستضعفين معه من بطش فرعون وجبروته، لم تعرف مصر بعدها جيشا نظاميا على النحو الذي كان في عهد الفراعنة. قد كان جيش مصر في هذه الفترة منظما، لكنه كان يفتقد إلى الإنسانية والقيم الأخلاقية، وقد سجل القرآن الكريم كثيرا من جرائم هذا الجيش في حق المؤمنين المستضعفين حتى استحق هذه النهاية المؤلمة والمخزية ليكون عبرة لكل جيوش الأرض من بعده؛ ولم تعرف مصر بعد جيشها الغارق جيشا مثله؛ لأنها مرت بمراحل طويلة من الضعف والهشاشة، واحتلها الفرس واليونانيون والرمان لنحو ألفي سنة، وفي هذه الأثناء حيل بين المصريين والجيش، فقد كان كل غازٍ يأتي بجيشه وحاميته العسكرية، ومنع المصريون من حمل السلاح حتى لا يمثلوا على الغزاة خطرا أو يفكروا في تحرير بلادهم من  الدخلاء المعتدين. وعندما جاء الفتح الإسلامي لمصر، لم يكن لها جيش لأنها كانت ولاية رومانية محتلة، فانتصر المسلمون على الحامية الرومية حتى طردوهم من مصر. منح المسلمون المصريين كثيرا من الحرية في الاعتقاد والفكر والحركة والتجارة وأعادوا لمذهبهم الديني الاعتبار بعد أن كانوا مضطهدين في عهد الرومان. وأمام المكانة الرفيعة التي يحظى بها نبي الله عيسى وأمه في القرآن بوصفه رسولا من أولى العزم من الرسل وأمه صديقة هي خير نساء العالمين وجد كثير من الأقباط في الإسلام وعقيدته صفاء ونقاء وتصحيحا لما اعترى دينهم من بدع خلال المرحلة الرومانية التي امتزج فيها السياسي بالديني على النحو الذي جرى في المجمع المسكوني الأول (عقد سنة 325م في مدينة نيقية التركية) في عهد الإمبراطور قسطنطين الأول (306 م حتى 337م) والذي اتخذ خلاله المسيحية دينا عاما للإمبراطورية كلها بعدما انحاز للرأي الذي حاز له الأكثرية بين الرهبان والبطارقة حول طبيعة السيد المسيح عليه السلام. بعد الفتح الإسلامي دخل جل الأقباط في الإسلام أفواجا، والتحق  بعضهم كضباط أو جنود داخل جيش الولاية التابع للخليفة. وحتى الدول التي حاولت الانفراد بحكم مصر عن الخلافة كالطولونيين والإخشيديين والفاطميين والأيوبيين والمماليك كانت جيوشهم خليطا من المصريين وغير المصريين؛ لأن الحدود بين الولايات كانت مفتوحة ولم تكن لها الحدود السياسية الدقيقة على النحو المعروف حاليا. وعندما هيمن العثمانيون على العالم الإسلامي في القرن السادس عشر الميلادي( بعد هزيمة المماليك أمام العثمانيين في معركتي مرج دابق 1516م والريدانية 1517م) بقيت مصر ولاية عثمانية، ولم يكن يلتحق بالجيش إلا المماليك وأبناء المماليك الذين خضعوا للسلطان العثماني، ومنع المصريون من الالتحاق بالجيش لاعتبارات تتعلق بالسياسية العليا للسلطنة، تتعلق بحاجة الدولة العثمانية إلى بسط وتوسيع الإنتاج الزراعي في مصر لتحقيق الاكتفاء الذي تحتاج إليه دولة الخلافة والولايات الأخرى من القوت والغذاء والخامات التي تستخدم في كثير من الصناعات الآخرى. تأسيس الجيش المصري الحديث بعد نحو “3200” سنة من هلاك الجيش المصري في عهد رمسيس الثاني، يعتبر محمد علي باشا الذي حكم مصر ما بين 1805 حتى 1848م، هو مؤسس الجيش المصري بشكله الحديث والنظامي على النمط الغربي، والذي يمكن أن يمثل امتدادا للجيش الأول في عهد الفراعنة. وهناك عدة ملاحظات: أولا، مرجعنا فيما يتعلق بأسرار فترة محمد علي باشا، هو كتاب «كل رجال الباشا»  للباحث خالد فهمي، وهو شخصية أكاديمية معروفة اكتسب شهرته الواسعة من هذا الكتاب الذي أُلِّف أصلا بالإنجليزية كرسالة للدكتوراه قضى فيها عشر سنوات، ثم نقله شريف يونس إلى العربية. لم يعتمد فيه على الروايات الرسمية وتاريخ الباشا الذي دونه أحفاده ورجاله وتشكل عبر وثائقه الموجودة بدار الكتب المصري وهي الوثائق التي جرى غربلتها والاعتماد فقط على الرواية الرسمية للسلطة التي تصنع هالة أسطورية للباشا وإبعاد ما سواها من وثائق تدين فترة عهد الباشا وتوثق ما جرى في عهده من جرائم وحشية بحق المصريين. ثانيا، على الرغم مما يحظى  به الحكم العثماني لمصر من تشويه من جانب النظام العسكري في مصر حاليا بوصفه غزوا واحتلالا  إلا أن محمد علي باشا يحظى بتقدير واسع رغم أنه ألباني الأصل وكان أحد ضباط الحامية العثمانية التي جاءت لدعم المصريين ضد الغزو الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت (الحملة الفرنسية 1798 ــ1801م)، ويعتبره العسكر والعلمانيون باني مصر الحديثه وجيشها النظامي؛ فهو أول من أدخل العلمانية بمفهومها الغربي وأتى بالقوانين الوضعية الغربية بديلا لأحكام الشريعة الإسلامية، وهو من أدخل النمط الغربي في الحكم والإدارة والنظام العسكري، وهو أول من حطم الجدار بين مصر والغرب حتى تحولت القاهرة إلى قبلة للغربيين من كل دولة؛  حتى تمكن من إقامة دولة قوية بمفهومها المادي، ولكنها فقيرة بمفهوما الحضاري والإنساني والفكري والأخلاقي، وكان شديد البطش والقمع والطغيان وحكم مصر لنحو أربعين سنة بالحديد والنار. ثالثا، الفارق الجوهريَّ بين مشروع محمد علي التحديثي ومثيله الغربي يكمن في أن النموذج الغربي  تأسس ليُساير الانتقال من الزراعة للصناعة من أجل حسن إدارة الدولة وتحسين رفاهية مواطنيها، في حين تأسست الدولة المصرية الحديثة بدافع طموح عسكري للباشا، في سياق صراعه على النفوذ والسلطة. معنى ذلك أن الدولة الغربية الحديثة تمحورت في نشأتها حول المواطن وسخرت كل إمكانياتها من أجل الشعب وإسعاده وتحقيق الرفاهية له، بينما تمحورت الدولة المصرية الحديثة حول الجيش الذي كونه الحاكم كأداة يوظفه من أجل تكريس حكمه وتوسيع مملكته وقهر شعبه من أجل فرض تصوراته التحديثية التي ارتبطت بالنمط الغربي في شقيه المادي والفكري. رابعا، الهدف من بناء الدولة المصرية الحديثة على النمط الغربي في عهد محمد علي كان خدمة الجيش الحديث والنظامي على النمط الفرنسي، فقد بدأ الباشا في تأسيس الجيش سنة 1815م أثناء حملته على الحركة الوهابية في بلاد الحرمين وهي الحركة التي كانت تطالب بالإصلاح الديني وترفض الانحرافات التي بدأت تظهر  في دار الخلافة والسلطنة العثمانية. وقد حظي محمد علي بمكانة رفيعة لدى السلطان العثماني في أعقاب نجاحه في إخضاع بلاد الحجاز والقضاء على  الحركة الوهابية للإصلاح الديني في بلاد الحجاز (1811 ــ 1818) بقيادة ابنه إبراهيم، ثم استعان به السلطان لإخضاع الفتنة في اليونان لكن الدول الغربية (إنجلترا وفرنسا  وروسيا) تمكنت من تدمير الأسطول المصري الذي كان يعد أحد أقوى الأساطيل في العالم حينها، في معركة «نافارين البحرية» عام 1827 كجزء من حملة المورة. وتسبب انفتاحه على الغرب في توسيع نفوذ الأوروبيين في مصر ما تسبب في النهاية لخضوع القاهرة للقوى الغربية بعدما شاخ الوالي وانهارت عزيمته فوقع على اتفاقية  لندن سنة 1840م. وهي  الاتفاقية التي قوضت التجربة العلوية ودفعتها إلى  الضمور والتراجع أمام التحالف الغربي. خامسا، تولى الإشراف على تأسيس هذا الجيش المصري النظامي «چوزيف انتيلمى سيف Joseph Anthelme  Sève» وهو ضابط فرنسي كان من جنود نابليون…

تابع القراءة
عبد الناصر يطلب السيسي بالتنحي

عبدالناصر يطلب السيسي بالتنحي

#عبدالناصر الترند الأول في مصر اليوم، حيث تداوله رواد موقع التواصل على تويتر، والذي برز بعد مقالة “عبدالناصر سلامة” رئيس جريدة الأهرام سابقا، والتي طلب من خلال لها السيسي للتنحي عن السلطة وترك الأمر للجيش، على خلفية انهزام مصر في قضية سد النهضة. حيث كتب عبدالناصر سلامة:: لماذا لا تكون لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي الشجاعة الأدبية والأخلاقية، ويعلن مسئوليته المباشرة عن الهزيمة الثقيلة أمام إثيوبيا، وإضاعة حق مصر التاريخي في النيل، عندما منح الشرعية للسد موضوع الأزمة بالتوقيع على اتفاقية ٢٠١٥ المشئومة، (وكان يدرك عواقب ما يفعل)، ثم عندما منحه الشرعية مرة أخرى باللجوء لمجلس الأمن دون إعداد جيد، وقبل ذلك عندما تغاضى عن بدء البناء، ثم عندما عجز عن اتخاذ قرار عسكري يعيد القيادة الإثيوبية المتآمرة إلى صوابها، وأيضاً عندما فشل في حشد التأييد الدولي لقضية عادلة، على الرغم من إنفاق مليارات الدولارات بشراء السلاح وغير السلاح من الدول المؤثرة. الأمانة والشجاعة تقتضيان خروج الرئيس إلى الشعب بإعلان تنحيه عن السلطة، وتقديم نفسه لمحاكمة عادلة، عن كل ما اقترفته يداه، من تنازل عن جزيرتي البحر الأحمر، وحقلي غاز البحر المتوسط، ومياه النيل، وإهدار ثروات مصر على تسليح لا طائل من ورائه، وتكبيل البلاد بديون باهظة لن تستطيع أبداً سدادها، وإشاعة حالة من الرعب والخوف بين المصريين بتهديدهم بنشر الجيش خلال ٦ ساعات، وتقسيم المجتمع طائفياً ووظيفياً وفئوياً بخلق حالة استقطاب غير مسبوقة، وسجن واعتقال عشرات الآلاف بمبرر ودون مبرر، وتحويل سيناء إلى مقبرة لجنودنا وضباطنا نتيجة إدارة بالغة السوء لأزمة ما كان لها أن تكون، ناهيك عن عشرات الاتهامات التي سوف تتكشف في أوانها. ليتك ياسيادة الرئيس اقتنعت مبكراً بالحقيقة المؤلمة التي كشفت عنها جلسة مجلس الأمن، وهي ألاّ نصير لك في العالم، وما هذه أبداً بمصر على امتداد تاريخها القديم والحديث معاً، والأسباب تعلمها جيداً. افعلها وتنحى يا سيادة الرئيس من أجل إنقاذ مصر إذا كنت بالفعل مصرياً، هي الحسنة الوحيدة التي سيذكرها لك العالم وتمحو من ذاكرتهم تهمة الانقلاب التي تؤرقك والتي كانت سبباً في معظم التنازلات الخارجية، افعلها حتى يكون لدى القوات المسلحة حرية التصرف قبل فوات الأوان، وسوف تجد هذه القوات دعماً غير مسبوق من كل فئات الشعب إن هي فعلت ما يجب، مع الوضع في الاعتبار ألّا شرعية لأحد لم يدافع عن النيل. يكفي أن الأُمَّة المصرية قد شاهدت، كما شاهد العالم أجمع، أن رئيس مصر كان يمتطي دراجة هوائية للتنزه في مدينة العلمين الجديدة بالتزامن مع جلسة مجلس الأمن التي كانت تناقش قضية مصر الوجودية، في استخفاف بالغ بشعب، كان يتابع الأحداث على الهواء مباشرة عبر شاشات التليفزيون، بمشاعر من الغضب والحزن على ما سيؤول إليه مصير أبنائهم وذرياتهم، من التعامل مع مخلفات الصرف الصحي في الطعام والشراب، وحتى الوضوء. سوف نستبعد نظرية المؤامرة، والخيانة، والعمالة، وكل ماهو مطروح في الشارع حالياً، نأمل فقط أن تستطيع إثبات أن الموضوع كان مجرد خطأ في التقدير نتيجة حُكم الفرد والانفراد بالقرار، حين ذلك لن تكون هناك العقوبة القصوى، رغم إنني شخصياً أشك في ذلك. افعلها وتنحى فوراً دون إضاعة مزيد من الوقت، وإذا لم يكن من أجل مصر، فمن أجلك أنت، أُكرر: من أجلك أنت، ذلك أن عمليات التغييب والخداع لم تصمد أبداً في كل الديكتاتوريات التي مر بها العالم، لابد لها أن تتآكل شيئاً فشيئاً، حتى وإن دامت طويلاً بكتائب ولجان إلكترونية فاشلة، وهيمنة على إعلام بائس.   وشهدت منصات تويتر مجموعة من ردود الفعل المتباينه حول المقال، من حيث التوقيت والمخزى، وهل المقال متبنى من أطراف داخل النظام أم لا؟؟ هـو أنتـوا مصـدقين عبد الناصر بمعنـى هـل عبد الناصر سـلامـة هيقـول كدا بـدون تـوجيهـة من جهـة مـا؟؟ عـاوزة اقـول الـراجـل ده ابن النظـام . انـا بقـول احتمـال يحصـل زيى تنحـى كـدا وكـدا يعنـى😉 لعـب ع وتـر الشعـب الحـونين بطبعـة زيـى مـا عمـل أخـوة المقبـور من قبـل — ✍️بسمـــة حــــــور (@hour4000) July 14, 2021   خروج اكتر من شخص خلال اليومين الماضيين بتصريح صحفي أو من خلال الإعلام يشيد بدور السيسي وإخلاصه تجاه الوطن يشير إلي وجود شيء ما يحاك خلف الكواليس أو هكذا اعتقد🙄 ربنا كريم — Tamer Ibrahim (@Tamer79Hamoda) July 14, 2021     دعم موقف عبد الناصر سلامة، والمطالبة بنفسه مطلبه واجب #أؤيد_عبد_الناصر_سلامة https://t.co/5WqAgWkPu4 — البُشرى (@Nooh_83) July 14, 2021   عبد الناصر سلامه أظن أنه بيلعب نفس دور ابراهيم عيسي مع نظام مبارك!!! عبد الناصر سلامه رسول التهدئه والتوكل أن هناك صوت معارضه لشخصيات كبيره ذات ثقل.. من الأخر:هو بينيم الشعب حتي تأتي الكارثه الكبري مفيش مياه مفيش زرع مفيش صناعه بسبب مفيش مياه — Khaled (@Khaled16182614) July 14, 2021   افعلها يا ريّس؟! لماذا لا تكون لدى #السيسي الشجاعة الأدبية والأخلاقية، ويعلن مسئوليته المباشرة عن الهزيمة الثقيلة أمام إثيوبيا، وإضاعة حق مصر التاريخي بالنيل، عندما منح الشرعية للسد موضوع الأزمة بالتوقيع على اتفاقية ٢٠١٥ المشئومة، كان يدرك عواقب ما يفعل https://t.co/I7rJ5dIqny — د. تركي الفيصل الرشيد (@TurkiFRasheed) July 14, 2021  

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022