خيارات مصر إزاء أزمة “سد النهضة” ما بعد الفشل بمجلس الأمن
هزيمتان متتاليتان منيت بهما مصر خلال أسبوع واحد في المحافل الدولية، في قضية سد النهضة الإثيوبي: الأولى، كانت خلال جلسة مجلس الأمن 8 يوليو الجاري، حيث لم يلق الطرح المصري والسوداني قبولا لدى أعضاء مجلس الأمن، فلم يصدر قرارا دوليا أو بيانا يطالب بنقل المفاوضات حول السد لجهة أممية غير الاتحاد الافريقي، الذي أعلنت مصر تضررها من التفاوض تحت مظلته مرات عدة سابقا، كما لم يوقف مجلس الأممن عملية الملء الثاني للسد بطريقة منفردة من قبل اثيوبيا، كذلك لم تعرب دول مجلس الأمن أية انحيازات للمطالب أو الموقف المصري، وهو ما يعتبر ضمن التقديرات الاستراتيجية، هزيمة دبلوماسية لمصر. الثانية، هزيمة في الاتحاد الأوروبي، وتلت الهزيمة بمجلس الأمن، هزيمة أخرى في بروكسل، حينما رفض الاتحاد الأوروبي إدراج مناقشة أزمة سد النهضة على أعماله، وذلك يوم الاثنين 12 يوليو الجاري، حيث أنه بعد يومين من وصول وزير الخارجية المصرية سامح شكري إلى العاصمة البلجيكية بروكسل، مقر الاتحاد الأوروبي، لمحاولة حشد دعم العواصم الأوروبية لموقف مصر في هذه الأزمة، وبعد الكثير من اللقاءات مع المسؤولين الأوروبيين، قال الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية، “جوزيب بوريل” إن “أزمة سد النهضة ليست مطروحة على أجندة اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين“. وأضاف بوريل في بيان: “نتفهم قلق مصر والسودان من سد النهضة”، وأن الاتحاد “يدعو إلى الحوار والتفاهم السياسي في قضية سد النهضة”. وحاول شكري خلال تواجده في بروكسل استخدام ورقة المهاجرين “غير الشرعيين” واستعرض “الجهود المصرية الناجحة في إيقاف أي تدفقات للمهاجرين من سواحلها منذ سبتمبر 2016، فضلاً عن استضافتها لنحو 6 ملايين مهاجر ولاجئ” على حد قول بيان الخارجية المصرية، الذي علق على لقاءات شكري ببروكسيل. وبحسب البيان، فقد عرض شكري “الخطوات الإيجابية التي اتخذتها مصر لتعزيز أوضاع حقوق الإنسان على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية”، ولكن بعد إعلان بوريل عدم مناقشة أزمة سد النهضة في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، تم الإعلان في القاهرة عن إحالة الناشط الحقوقي البارز حسام بهجت المقرب من دوائر سياسية أوروبية إلى المحاكمة، وهو ما يمكن وصفه بنكوص عن تعهدات مصر للأوربيين باحترام حقوق الانسان، وكورقة يستخدمها النظام المصري لابتزاز الغرب. ومع إحالة مجلس الأمن القضية إلى مسارها التفاوضي القديم، الذي أعلنت مصر والسودان سابقا تضررها منه، تحت مظلة الاتحاد الافريقي، الذي تحتضن مقره إثيوبيا، وعدم إقرار أية توصية بوقف الملء الثاني المنفرد، أو حتى إجراء عملية التصويت على مشروع القرار التونسي، الذي اقترح وقفا للإجراءات الآحادية لمدة 6 شهور يجري خلالها التفاوض للوصول لاتفاق ملزم، تحقق الفشل الدبلوماسي المصري السوداني في مجلس الأمن. ماذا جرى بمجلس الأمن؟ ركزت جميع الدول في كلماتها خلال الجلسة على ضرورة العودة إلى المفاوضات لحل القضية، مع ذكر معظمها لاتفاق المبادئ باعتباره المرجعية القانونية التي يجب الاستناد إليها، ثم تمايزت بعض المواقف، كدعوة تونس وفرنسا والنرويج والمكسيك وإستونيا لوقف جميع الإجراءات الأحادية بشأن سد النهضة، بما فيها الملء المنفرد من الجانب الإثيوبي، ودعوة الولايات المتحدة وبريطانيا وأيرلندا والهند وفيتنام إلى الالتزام باتفاق المبادئ مع العودة السريعة للمفاوضات بقيادة الاتحاد الأفريقي وبمراقبة أطراف دولية عدة على رأسها الاتحاد الأوروبي. بينما كان موقف الصين أكثر ميلاً للحياد مقارنة بموقفها المعارض لمصر في جلسة مجلس الأمن الصيف الماضي، فيما كان موقف روسيا هو الأقرب إلى الإثيوبيين اعتراضاً على نقل القضية إلى الساحة الدولية، وكذلك رفضاً للتهديد بالحل العسكري. وتم استبعاد التصويت على مشروع القرار الذي قدّمته تونس مدعوماً من مصر والسودان والولايات المتحدة، متضمناً دعم الأمم المتحدة للمفاوضات برئاسة الاتحاد الأفريقي ووضع خريطة طريق قصيرة الأمد لها، لا تزيد على 6 أشهر مع وقف الإجراءات الأحادية، واقتصار الأمل المصري السوداني على إصدار بيان من المجلس يحمل تلك التوصيات، وهو ما لم يحدث. أسباب الفشل 1-الخلط المصري السوداني بين الفني والدبلوماسي في طروحاتهم بالجلسة: إذ أن المجلس مال إلى تجاهل أن لتلك الأزمة وجهين، فني وهو الأصل، ودبلوماسي يتعلق بآليات ومنهج التفاوض. أما الجانب الفني فليس للمجلس فيه من اختصاص، وليس له في مثل تلك الأزمة من سوابق مرجعية. ولعل المراقب يرى أن الدعوة المقدمة من كل من السودان ومصر قد مالت، في مجملها، إلى التركيز على التفاصيل الفنية للخلاف بين وجهات النظر التي تبنّتها البلدان الثلاثة، فيما الاستعصاء في حقيقته دبلوماسي يتصل بمنهج التفاوض. وللتأثير على مجلس الأمن بتبني وجهة النظر الفنية الإثيوبية، بعثت أديس أبابا وزير المياه، وليس وزير الدبلوماسية الإثيوبية، ليرد على الحجج الفنية التي فصلتها كل من مصر والسودان، فيوحي للمجلس أنه، وبحكم اختصاصه مجلسا للأمن، ليس معنياً بالأمور الفنية، فانتهى الأمر بإعادة ملف التفاوض حول السدّ إلى المظلة الأفريقية. 2-قصور الدبلوماسية المصرية السودانية: كما أن أمرين أثرّا على ضعف الاستجابة الدولية الجادّة للطرح المقدم من الدولتين بتعزيز منهج التفاوض وتحديد سقف له، وهو مطلب قدّمه السودان، وفق ما قرّره الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة. وتُجيز المادة 33 لمجلس الأمن، في ما لو تم تنبيهه بشأن أيّ نزاع يمكن أن يهدّد السلم والأمن الدوليين، وفق المادة 37 من ذلك الفصل، أن يوصي بـ”حل النزاع سلمياً بالتفاوض والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم”. لم يطلب السودان أكثر من ذلك. -أوّل الأمرين، ما لوحظ من قصور الدبلوماسيتين، المصرية والسودانية، في جهدهما لتأمين حشد دبلوماسي في أوساط الكبار، مثل الصين وروسيا وبعض أطراف خليجية لها بعض مصالح في القرن الأفريقي، فلم تبدِ حماسة لتأييد المطلب السوداني والمصري. ولعل تدخل جامعة الدول العربية، في اجتماعها الاستثنائي قبيل عقد جلسة مجلس الأمن، أعاد إلى الذاكرة ذلك التنافر التاريخي القديم المتوهم بين ما هو أفريقي وما هو عربي، وإن كانتا، مصر والسودان، من مؤسسي المنظمة الأفريقية في أديس أبابا عام 1963. -ثاني الأمرين، ما اتصل بالخطاب السوداني والمصري، والذي كان جلّ تركيزه على شرح التفاصيل الفنية في الخلاف مع إثيوبيا بشأن سد النهضة أكثر من تركيزه على الجهد الدبلوماسي المطلوب لتفعيل التفاوض، وتجاوز الاستعصاء الدبلوماسي الذي تسبّبتْ فيه إثيوبيا. وللحق، كان للسودان صوت واضح، طالب فيه مجلس الأمن بضرورة تعزيز جهود التفاوض الدبلوماسي، فلا تنفرد إثيوبيا بتصرفٍ أحادي قد يُحدث إضراراً بدولتي المعبر والمصب. 3-المراوغة الدبلوماسية الاثيوبية: حيث اتسم المفاوض الإثيوبي، منذ اللحظة الأولى، بأمرين أساسيين: اللعب على عامل الوقت واستهلاكه لاستكمال بناء السد حتى يصبح أمراً واقعاً، إلى جانب المراوغة واستغلال حسن النية التي أبداها المفاوض المصري. ولا تلام إثيوبيا على ذلك، بل اللوم كلّه يقع على المفاوض المصري، وفي المقدمة عبد الفتاح السيسي، الذي وقّع على اتفاق المبادئ الذي كان بأكمله على الأرضية الإثيوبية، وهو الأمر الذي جعل الجميع يسأل لماذا فعل السيسي ذلك؟ وهو ما أجاب عنه مقال لرئيس تحرير الأهرام السابق عبد الناصر سلامة، مؤخرا، على صفحته على الفيس بووك، بأن السيسي أراد شراء…