انقلاب النيجر في إطار التداخُلات الدولية والإقليمية

انقلاب النيجر في إطار التداخُلات الدولية والإقليمية

لسنوات طويلة، ظلت النيجر واحة الاستقرار وآخر معاقله في منطقة الساحل التي تعصف بدولها اضطرابات وأزمات سياسية خانقة. فقبل عامين، شهدت البلاد انتقالًا ديمقراطيًا ناجحًا للسلطة رغم محاولة انقلاب فاشلة حاولت إرباك المشهد الديمقراطي، وهو تطور على عكس ما حصل في دول الجوار، لاسيما مالي وبوركينا فاسو التي شهدت في السنوات الأخيرة أربع انقلابات. بيد أن الأيام القليلة الماضية، حملت أخبارًا غير سارة لهذا المسار مع انقلاب قامت به قوات من الحرس الجمهوري التي أعلنت استيلائها على السلطة واعتقالها الرئيس المنتخب محمد بازوم الذي رفض قبول ذلك. تزامن هذا مع إعلان قائد الجيش في النيجر دعمه للانقلاب، وتنصيب قائد الحرس الرئاسي نفسه رئيسًا مؤقتًا للبلاد، وسط حديث عن الفساد وسوء الإدارة وحماية أمن الوطن والمواطنين. فكيف يُمكن قراءة انقلاب النيجر في إطار التداخُلات الدولية والإقليمية؟ هذا هو التساؤل الذي نسعى للإجابة عنه خلال هذا التقرير.. أولًا: الانقلاب والتداخُلات الدولية.. جاء الانقلاب كرد فعل لما تعيشه النيجر من واقع مُعقَّد سواء على المستوى الداخلي أو الدولي، والذي يُمكن قراءته من خلال النقاط التالية.. 1. صعود بازوم للحكم ومُقدمات الانقلاب: ينتمي بازوم إلى أقلية عرقية لا تعترف بمواطنتها الأغلبية، إذ ينتمي إلى العرب الذين لا يُمثِّلون سوى 1% من مجموع السكان، فضلًا عن حداثة وجودهم على أرض النيجر. لكن انتماءه إلى الحزب الحاكم (حزب النيجر من أجل الديمقراطية والاشتراكية) أهَّله للترشح لأعلى منصب في البلاد، فضلًا عن كونه صاحب تجربة في عدد من الوزارات، حيث شغل وزارتي الخارجية والداخلية، إضافةً إلى منصب نائب الرئيس. وبالرغم من ذلك؛ كان فوز بازوم في الجولة الثانية كان محل نزاع مع المعارضة، أولًا بسبب ضعف حاضنته الاجتماعية وتململ عدد من قادة الحزب الحاكم من صعوده، وثانيًا بسبب الشكوك في التزوير وصعوده على أكتاف عرقية الهوسا التي تُمثِّل ما يزيد على نصف سكان البلاد، وضعف تصويت سكان العاصمة له، ما واجه رفضًا منذ البداية داخل مفاصل الدولة العميقة وحاولت الانقلاب على نتائج صناديق الاقتراع قبل تنصيبه رئيسًا. وهكذا لم يكن فوز بازوم مُرحبًّا به سواء من المجموعات العرقية التي تشعر بأحقيتها في الحكم أو من بعض أركان الجيش، وكانت الإشارات واضحة من المحاولات التي جرت لتغيير الحكم، حيث يبدو أن بازوم لم يلتزم الخارطة التي اتفق عليها مع سلفه، والتي سمح له بموجبها أن يكون في هذا الموقع. ومن أبرز المؤشرات على ذلك: محاولة بازوم بناء مراكز نفوذ جديدة في الأجهزة الرئيسية للدولة بعيدًا عن النافذين في الحزب الحاكم، والخلافات مع سلفه وأركان الحزب حول الإقالات والتعيينات في الجيش والحرس الرئاسي، ونية الرئيس بازوم إقالة قائد الحرس الرئاسي وهو المخضرم الذي خدم طوال فترة الرئيس السابق، وإقالة عدد من الموالين للرئيس السابق محمد إيسوفو من عدد من المواقع الحيوية، ومحاولة إضعاف وإنهاء هيمنة الرئيس السابق إيسوفو على المؤسسات الحزبية والحكومية، ورغبة بازوم بالتخلص من صراعات الأجنحة من خلال تصفية الجناح المناوئ له، وإعلان بازوم رفع عدد الجيش وتجنيد أعداد جديدة ما ضاعف شكوك المناوئين من توسع نفوذه. كل ذلك يعكس حجم الصراعات الداخلية بين النخب الحاكمة، ونفاد صبر العسكريين على التجربة الديمقراطية الوليدة. أما الأسباب التي تتعلَّق بعموم البلاد فهي كثيرة، ليس أقلها الفقر المُدقع الذي تعيش فيه البلاد إذ تحتل النيجر المرتبة الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية (189 من 189 دولة) وأكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر، مع نسبة 50% من الأطفال في عمر التعليم غير مُقيدين بالمدارس. كما تُؤثِّر الأبعاد الأمنية على المشهد السياسي في النيجر، حيث تقع البلاد في حزام المنطقة التي تنشط فيها الجماعات المسلحة، مثل بوكو حرام وأخواتها في تنظيم القاعدة، ومتفرعاتها في منطقة الساحل.[1] 2. إعلان الانقلاب وخطورته: الحرس الرئاسي هو الجهة التي نفَّذت الانقلاب وتلت البيان الأول، لكن بعد يوم واحد انحاز الجيش للحرس الرئاسي مؤيدًا للانقلاب، وتمَّ إعلان قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تياني رئيسًا للمجلس الانتقالي، بصفته “رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن”، أي المجلس العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم. لم يعترف الرئيس المعزول بالانقلاب ولم يُوقِّع على قرار التنازل، بينما أضرم مؤيدو الانقلاب النار في مقر الحزب الحاكم. وأعلن الانقلابيون عن عدد من الإجراءات؛ هي: إغلاق كافة المنافذ البرية والجوية، إذ تعتبر النيجر دولة مغلقة لا منافذ بحرية لها، وتعليق جميع أنشطة الأحزاب السياسية، وإقالة كافة الوزراء ونوابهم وتكليف المديرين العامين بالقيام بإدارة المؤسسات إلى حين ترتيبات لاحقة، والحفاظ على الاتفاقيات المُبرمة من قِبَل النظام السابق والتعهد بسلامة أعضاء النظام السابق. وقد تعرُّض انقلاب الحرس الرئاسي في النيجر إلى سيل من الانتقادات والرفض، أولًا لكون الرئيس المعزول يُعتبر من أقوى حلفاء الدول الغربية، ثانيًا لكون النيجر أحد أهم دول الساحل الإفريقي.[2] حيث تحتل النيجر المركز الرابع عالميًا في إنتاج اليورانيوم، فالنيجر تضيء فرنسا باليورانيوم، إذ تغطي 35% من الاحتياجات الفرنسية من هذه المادة، وتساعد محطاتها النووية على توليد 70% من الكهرباء. كما أن هناك قواعد عسكرية فرنسية في الأراضي النيجرية، إذ تملك باريس نحو 1500 جندي فرنسي في النيجر، إلى جانب أنها تُعد قاعدة مركزية لقوات حلف “الناتو” في منطقة الساحل. واستقرار النيجر وموقعها الجغرافي، يساعدان الجيش الفرنسي على مراقبة الحدود مع ليبيا، ومكافحة الهجرة غير الشرعية. كما توجد لواشنطن قاعدة طائرات مسيرة أسستها في وسط الصحراء في مدينة أجاديز في شمالي النيجر عام 2014، في إطار عمليات مكافحة إرهاب الجماعات المسلحة في غربي إفريقيا. وبحسب تقرير للغارديان البريطانية فإن الولايات المتحدة أنفقت نحو 500 مليون دولار منذ عام 2012 لمساعدة النيجر على تعزيز أمنها.[3] 3. الانقلاب والمصالح الدولية: مع وقوع الانقلاب، طرح كثيرون تساؤلات حول تأثيره على المصالح الدولية خاصةً أن بازوم كان يُنظر إليه باعتباره شريكًا موثوقًا به للدول الغربية وهو الأمر الذي مكَّن النيجر من لعب دور إقليمي هام. فمع انتهاء مهمة حفظ السلام الأممية في مالي (مينوسما) استجابةً لرغبة باماكو في 30 يونيو الماضي؛ ظلت النيجر القاعدة الوحيدة للقوات الغربية التي من المُفترض أن تمنع أي انهيار كامل للاستقرار في منطقة الساحل بعد أن زادت الجماعات المُتطرفة أنشطتها في المنطقة بأكملها ونفَّذت بشكل مُتكرِّر هجمات دموية في عدد من البلدان بما في ذلك في النيجر.[4] وأثار الانقلاب أجراس الإنذار في الدول الغربية، التي تكافح لاحتواء التمرد الجهادي الذي اندلع في شمال مالي في عام 2012، وامتد إلى النيجر وبوركينا فاسو بعد ثلاث سنوات ويُهدِّد الآن حدود الدول الهشة على خليج غينيا. وفي السنوات الأخيرة أصبحت روسيا تنافس فرنسا على منطقة نفوذها التقليدية، ففي عام 2019 استضافت موسكو أول قمة روسية إفريقية في منتجع سوتشي على البحر الأسود، وحضرها ممثلون عن جميع دول القارة السمراء، البالغ عددها 54 دولة. وتسعى موسكو لتعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول غرب إفريقيا، وتسعى أيضًا…

تابع القراءة
اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بالعلمين المصرية.. الدوافع وإمكانيات النجاح

اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بالعلمين المصرية.. الدوافع وإمكانيات النجاح

استضافت مدينة العلمين المصرية، في 30 يوليو 2023، اجتماعًا للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بهدف إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتوحيد صفوفه، ومواجهة التوترات مع حكومة اليمين الإسرائيلية. ويأتي الاجتماع تلبيةً لدعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي وجهها، في 10 يوليو، للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية لعقد اجتماع طارئ لمواجهة ما وصفها بـ “مخاطر السياسات الاحتلالية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وأراضيهم” والمتمثلة بالاقتحامات والعمليات العسكرية المتكررة وتسارع النشاطات الاستيطانية. كما دعا الرئيس عباس الفصائل لبحث مبادرة سياسية للعمل الفلسطيني الموحد مستقبلًا لمواجهة الممارسات الإسرائيلية[1]. وقد انعقد الاجتماع لمدة يومًا واحدًا، بمشاركة 12 فصيلًا، منها: حركة فتح، وحركة حماس، والجبهتان “الشعبية” و “الديمقراطية” لتحرير فلسطين، والمبادرة الوطنية الفلسطينية، وبمقاطعة كل من “الجهاد الإسلامي” و “منظمة الصاعقة” و”الجبهة الشعبية – القيادة العامة”. وقد ترأس الرئيس الفلسطيني محمود عباس وفدًا يضم أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين ‏الشيخ، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية زياد أبو عمرو، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة ‏اللواء ماجد فرج، ومستشار الرئيس للشؤون الدينية محمود الهباش، ومستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية ‏مجدي الخالدي، والمشرف العام على الإعلام الرسمي أحمد عساف، إضافة إلى سفير دولة فلسطين لدى القاهرة‎.‎ كما شاركت حركة حماس في الاجتماع بوفد يرأسه رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية ونائبه صالح العاروري[2]. ويعد اجتماع الأمناء العامين للفصائل الأول من نوعه منذ الاجتماع السابق الذي عٌقد في 3 سبتمبر 2020 في رام الله والعاصمة اللبنانية بيروت عبر تقنية الفيديو كونفرانس، والذي شهد سلسلة من الاتفاقيات والتوافقات على خطط للعمل المشترك إلا أنها لم تطبق حتى الآن[3]. ويسعي هذا التقرير إلي الوقوف علي الأسباب التي دفعت الفصائل الفلسطينية للاجتماع في القاهرة، ومدي إمكانية أن يسفر هذا الاجتماع عن تقدم في ملفي المصالحة الفلسطينية والمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي. أولًا: أسباب ودوافع انعقاد اجتماع الفصائل الفلسطينية بالعلمين: يمكن الإشارة إلي أهم الأسباب والدوافع التي تقف خلف اجتماع الفصائل الفلسطينية بمدينة العلمين المصرية كما يلي: 1- مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية: فقد جاءت دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في 10 يوليو 2023، التي وجهها للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية لعقد اجتماع طارئ لبحث المخاطر في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية استمرت نحو 48 ساعة في مدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية المحتلة، استخدمت فيها مروحيات وطائرات مسيرة وقوات برية بداعي ملاحقة مسلحين. وأسفرت العملية التي اعتبرت الأكبر منذ أكثر من 20 عامًا، عن مقتل 12 فلسطينيًا وإصابة نحو 140 آخرين، إضافة إلى دمار هائل طال نحو 80 بالمئة من المباني والمنازل والبنية التحتية بالمخيم.​​​​​​​​​​​​​[4]​ وبدون العودة إلي سرد تفصيلي للانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة ضد الفلسطينيين منذ تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، يمكن الإشارة إلي بعض هذه الانتهاكات التي تجلت مؤخرًا، والتي تمثلت أبرزها في إقرار الكنيست مشروع قانون بالقراءة الأولى يسمح لعوائل القتلى الإسرائيليين في هجمات فلسطينية بطلب تعويضات من أي جهة تمول وتدعم “الإرهابيين”، وهو مشروع يستهدف صراحة السلطة الفلسطينية. كما أشرف مدير وزارة شؤون القدس في حكومة الاحتلال على جلب أربعة عجول حمراء لحرقها على جبل الزيتون إيذانًا ببدء طقوس إقامة الهيكل الثالث، على أنقاض مسجد قبة الصخرة. كذلك، فقد أدخل وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، تعديلًا يلغي إمكانية الإفراج الإداري المبكر عن الأسرى الفلسطينيين[5]. ناهيك عن “التعديلات القضائية” داخل إسرائيل بحيث يصبح القضاء تابعًا للسياسة، ما يعني أن مسألة إعلان ضم المنطقة «جيم» أصبحت مسألة وقت، من دون أن يكون للمحكمة العليا رأي مخالف، على فرض أنها ستخالف أصلًا هذا القرار. إذًا التوجه الإسرائيلي المقبل قائم على أساس الاستيلاء على كل الأرض الفلسطينية وإغلاق ملف الحل السياسي وعدم إعطاء أي نوع من الحقوق للفلسطينيين[6]، وهو ما يتطلب توحيد الجهود الفلسطينية لمواجهة هذه الممارسات الإسرائيلية. ويدور الحديث في هذا السياق عن أن اجتماع الفصائل بالعلمين سيناقش كل الاتفاقيات الفلسطينية – الإسرائيلية السابقة مثل اتفاقية أوسلو وكل ملحقاتها، وإلي أي مدي سيتم الالتزام بها في ظل تخلي الاحتلال عنها. وإمكانية تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي فيما يتعلق بالعلاقة مع الاحتلال، فلعدة مرات على مدار سنوات، قرر المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، تعليق الاعتراف بإسرائيل وإنهاء التزامات السلطة الفلسطينية بكافة الاتفاقيات معها لحين اعترافها بدولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، عاصمتها القدس الشرقية، إلا أنها لم تنفذ. كذلك، سيتم طرح ملف دعم المقاومة الشعبية والمسلحة في مواجهة الاحتلال، ومدي تحقق ذلك في إطار القيادة الموحدة[7]. 2- تفعيل المصالحة الفلسطينية: فقد أكد الاجتماع على الدور الحيوي لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وأهمية أن ينضوي تحت لوائها جميع فصائل العمل الوطني الفلسطيني لتحقيق هدف بناء الدولة المستقلة والموحدة. وكانت قضية الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني الفلسطيني محل تباحث من المجتمعين، في ظل تعذر إجرائها دون السماح بمشاركة أبناء القدس الشرقية المحتلة فيها ترشحًا وتصويتًا، وفق كلمة الرئيس الفلسطيني، الذي طالب بتشديد الضغوط على إسرائيل لعدم إعاقة العملية الانتخابية هناك. بينما شدد رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية على أهمية إعادة بناء وتطوير منظمة التحرير وتشكيل المجلس الوطني على أسس ديمقراطية، وإعادة توحيد المؤسسات في الضفة والقطاع بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية[8]. وفي هذا السياق؛ فقد كشفت تقارير إعلامية عن عدة اقتراحات لإحداث اختراقات في هذه الملفات المتعلقة بالمصالحة الوطنية. حيث أشارت إلي أن وفد “حماس”، خلال اللقاء الاخير في أنقرة التركية، في 26 يوليو 2023، بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دعا إلى إجراء انتخابات وفق تفاهمات إسطنبول 2020؛ أي تشكيل قائمة مشتركة تتمتع بأغلبية فتحاوية، والتوافق على الرئيس محمود عباس مرشحًا توافقيًا للانتخابات الرئاسية، ولكن الرئيس لم يكترث بالاقتراح[9]. وفيما يتعلق بتشكيل حكومة جديدة، فقد أكدت مصادر مقربة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس  لـ”وكالة الأناضول”، إن “رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية قدم استقالته للرئيس الفلسطيني”، وهو ما لم يتم تأكيده رسميًا حتى الساعة. وإن “عباس أجل قبول استقالة اشتية لما بعد لقاء القاهرة، وذلك لإعطاء فرصة للفصائل الفلسطينية من أجل الذهاب نحو تشكيل حكومة وحدة فلسطينية متوافق عليها من قبل الجميع تضم أكاديميين وتكنوقراط، وتتألف من عدة فصائل بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، بهدف إنهاء الانقسام وتوحيد عمل مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة” [10]. 3- إعادة إنعاش السلطة: فقد جاءت الدعوة لعقد الاجتماع من قبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حيثأن الرئيس والقيادة الرسمية يتعرضان في هذه المرحلة لضغوط داخلية وخارجية كبيرة، لدرجة أصبح الحديث عن انهيار السلطة وإفلاسها المالي وعن ضرورة حلها ليس من الأوساط الشعبية أو المعارضين، وإنما يتردد على لسان قادة السلطة ومناصريها أيضًا، يضاف إلى ذلك صدور دعوات في إسرائيل ومن داخل الحكومة لحل السلطة لأنها عاجزة عن ضبط المقاومة الفلسطينية واستفحال ظاهرة…

تابع القراءة
عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا.. الدوافع والتداعيات

عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا.. الدوافع والتداعيات

أعلنت كلًا من مصر وتركيا، في بيانين منفصلين لوزارتي خارجية الدولتين في 4 يوليو 2023، عن رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما لمستوى السفراء، وقد رشحت مصر السفير “عمرو الحمامي” كسفير لها في أنقرة، فيما رشحت تركيا السفير “صالح موتلو شن” كسفير لها في القاهرة[1]. وعقب تعيينه سفيرًا لتركيا في مصر، قال “شن” أن هناك قمة مرتقبة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والمصري عبد الفتاح السيسي، مؤكدًا أن عقدها قد تقرر فعلًا. وقد أعلنت وسائل إعلام تركية، في 11 يوليو 2023، أن السيسي سيزور تركيا في 27 يوليو الحالي، استجابة لدعوة من نظيره التركي أردوغان[2]. ومن المقرر أن يستتبع تلك القمة، زيارة سيقوم بها أردوغان للقاهرة، في الشهر التالي[3]. ويسعي هذا التقرير إلي محاولة الوقوف علي محفزات ودوافع عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا في هذا التوقيت، وتداعيات عودة العلاقات الدبلوماسية علي مستوي تعزيز العلاقات الثنائية، وما قد ينتج عنها من تفاهمات بين الدولتين لحل خلافاتهما الاقليمية. أولًا: أبرز محطات التقارب المصري- التركي: بعد انقلاب 30 يونيو 2013 علي الرئيس السابق “محمد مرسي”، والذي قام به وزير الدفاع وقتئذ المشير “عبدالفتاح السيسي”، رفض النظام التركي بقيادة الرئيس “رجب طيب أردوغان” آنذاك هذا الانقلاب، ونتيجة للتصريحات الصادرة من أنقرة، التي لم تعترف بشرعية الانقلاب، قررت كلتا الدولتين في نوفمبر من نفس العام، خفض مستوى علاقاتهما الدبلوماسية وسحب السفراء[4]. ولسنوات، تفاقمت الخلافات التركية – المصرية، ارتباطًا بطبيعة هوية النظامين الحاكمين وتصوراتهما لطبيعة أدوارهما وتقاطعاتهما الإقليمية، الأمر الذي انعكس على طبيعة الخطاب السياسي والدبلوماسي، بالتزامن مع حملات إعلامية تعبر عن حجم العلاقات المتوترة بين أنقرة والقاهرة. حينها، روج خصوم البلدين أنه لا يمكن تلاقي مصر وتركيا تحت مظلة واحدة، في ضوء تصادم مشروعين متناقضين، وأن نجاح أحد المشروعين يعني فشل المشروع الآخر، والعكس، خاصة مع استدعاء بعض الإشكاليات التاريخية المرتبطة بفترة الحكم العثماني للمنطقة العربية، لتغذية الاحتقان التركي العربي، عمومًا. وقد تركز الخلاف المصري- التركي خلال السنوات من 2013 إلي 2020 حول احتواء تركيا لجماعة الإخوان المسلمين وعناصرها وقادتها، والسماح ببث قنوات إعلامية لهم معارضة لنظام السيسي. كما تدخلت تركيا في العديد من الدول العربية بمختلف الوسائل السياسية والعسكرية مثل سوريا والعراق. وقد وصل التوتر بين الدولتين إلي ذروته عقب التدخل التركي في ليبيا عقب توقيع اتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة فائز السراج في نوفمبر 2019، وبناءً علي هذا الاتفاق؛ قامت تركيا بنقل السلاح والخبراء العسكريين والمقاتلين السوريين لليبيا، وهو ما اعتبرته مصر تهديدًا لأمنها القومي. فضلًا عن الخلافات حول قضية غاز شرق المتوسط، في ظل ارتباط مصر باتفاقيات شراكة مع كل من اليونان وقبرص، طرفي النزاع الأكبر مع تركيا؛ بسبب الخلافات حول ترسيم الحدود البحرية[5]. ولكن منذ عام 2020 بدأت ملامح للتقارب بين الدولتين، حيث أعلن “أردوغان” في 14 أغسطس 2020، أن “هناك محادثات تجرى على مستوى جهاز المخابرات مع مصر لعودة العلاقات بين البلدين”. وفي مارس عام 2021، أعلن وزير الخارجية التركي السابق، مولود تشاوش أوغلو، عن بوادر أولية لانفراج العلاقات مع مصر، وأشار إلى أنه تم استئناف الاتصالات على مستوى الأجهزة الأمنية ووزارة الخارجية، وأوضح أن إصلاح العلاقات مع مصر يحدث ببطء ولا يمكن تحقيقه في وقت قصير؛ بسبب انقطاع العلاقات لعدة سنوات. وفي أبريل من العام نفسه، بادر وزير الخارجية التركي بالاتصال بنظيره المصري، سامح شكري؛ لتهنئته بحلول شهر رمضان، في بادرة تشير إلى ملامح مرحلة جديدة في العلاقة بين الدولتين، في المقابل، أعرب “شكري” – في تصريحات عقب الاتصال – بأن مصر تقدر التصريحات التركية الأخيرة الإيجابية نحو تطوير علاقاتها مع القاهرة، وفي السياق، وخلال الشهر نفسه، أعلن البرلمان التركي، تأسيس “مجموعة الصداقة البرلمانية بين مصر وتركيا”. وفي مايو من العام نفسه (2021)، تم عقد المحادثات الاستكشافية بين نائبي وزيري الخارجية المصري، حمدي لوزا، والتركي، سادات أونال، والتي عقدت في القاهرة؛ للتشاور حول كيفية تطوير العلاقات، بالإضافة إلى مناقشة قضايا اقليمية أخرى، ووفقًا لبيان صادر عن وزارتي الخارجية، وصفت المناقشات، بأنها صريحة وعميقة، وتناولت قضايا ثنائية واقليمية، وخاصة فيما يتعلق بـ”ليبيا، وسوريا، والعراق، ومنطقة شرق المتوسط”، وفي سبتمبر من العام نفسه، تم عقد جولة ثانية من المحادثات الاستكشافية في أنقرة، برئاسة نائبي وزيري الخارجية أيضًا. وفي يونيو 2022، أعلنت تركيا تعيين السفير، صالح موتلو شن، كقائم بالأعمال في السفارة التركية بالقاهرة، وفي نوفمبر من العام نفسه، شهدت العلاقات بين البلدين تطورًا كبيرًا بعد مصافحة بين الرئيسين المصري والتركي، وذلك على هامش حضورهما حفل افتتاح كأس العالم في قطر. وفي فبراير 2023، عقب الزلزال المدمر الذي ضرب مدن الجنوب التركي، قام “السيسي” بإجراء أول اتصال هاتفي مع نظيره التركي “أردوغان”؛ لتقديم التعازي، والتأكيد علي تضامن مصر مع تركيا في هذا الوضع الصعب، وتلا ذلك وصول مساعدات مصرية عاجلة عبر طائرات وسفن بحرية، وفي الشهر نفسه، زار وزير الخارجية المصري، سامح شكري مناطق الزلزال في تركيا، برفقة نظيره التركي السابق، تشاوش أوغلو، كما استقبلا سفينتين تحملان مساعدات مصرية إلى تركيا، وفي الشهر التالي، زار “أوغلو” القاهرة لأول مرة، وعقد جلسة مباحثات مع “شكري”؛ حيث بحثا التوصل إلى اتفاق يهدف إلى تطبيع العلاقات بين البلدين، والتحضير للقاء الرئيسين المصري والتركي، وفي أبريل، رد وزير الخارجية المصري زيارة نظيره التركي، والتقى به في أنقرة، وعقدا جلسة مباحثات ثانية في فترة قصيرة. وفي مايو، وبعد نجاح الرئيس “أردوغان” في الانتخابات الرئاسية، قام “السيسي” بالاتصال به؛ لتهنئته على فوزه، كما أكدا على عمق الروابط التاريخية التي تربط البلدين والشعبين، واتفقا على تدعيم أواصر العلاقات والتعاون بين الجانبين، وقررا البدء الفوري في رفع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء، وفي يونيو، وأثناء اتصال وزير الخارجية، سامح شكري، بنظيره الوزير الجديد، هاكان فيدان؛ لتهنئته على توليه المنصب، اتفقا على أهمية المضي قدمًا بمسيرة استعادة كامل العلاقات بين البلدين، والتطلع للعمل المشترك بين الطرفين في مواصلة العمل على تطوير العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا وعودتها إلى طبيعتها، كما تطرق الجانبان إلى ملفات التعاون الثنائي وتبادل الزيارات على مختلف المستويات، فضلًا عن بعض القضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك[6]. ولتقوم مصر وتركيا، في 4 يوليو 2023، برفع علاقاتهما الدبلوماسية إلى مستوى السفراء، والإعلان عن زيارة “السيسي” لتركيا في 27 من يوليو الجاري[7]. ثانيًا: دوافع عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا؟: يمكن الإشارة إلي مجموعة من الدوافع التي تقف خلف قيام مصر وتركيا برفع مستوي التمثيل الدبلوماسي بينهما كما يلي: 1- شهدت منطقة الشرق الأوسط حالة من الصراع الاقليمي، خاصة بعد ثورات الربيع العربي في عام 2011، ما أدي إلي ظهور وترسيخ سياسة المحاور القائمة علي الصراع والتنافس، والتي تمثلت في محور الثورات المضادة الذي يضم السعودية والإمارات ومصر والبحرين، والمحور الداعم للثورات والذي يضم…

تابع القراءة
الأحداث في الداخل الفرنسي والعلاقات الفرنسية المغاربية والإفريقية

الأحداث في الداخل الفرنسي والعلاقات الفرنسية المغاربية والإفريقية

تعيش فرنسا منذ نهاية الشهر الماضي؛ ما يُمكن اعتباره أسوأ أزمة واجهت ماكرون منذ احتجاجات “السترات الصفراء” التي أصابت فرنسا بالشلل في أواخر عام 2018. فقد أطلقت الشرطة النار على مراهق يبلغ من العمر 17 عامًا، خلال تفتيش على الطريق في نانتير، ضاحية في غرب باريس، بعد أن رفض تنفيذ طلباتهم، حسب قولهم. وعلى إثر تلك الأزمة التي واجهتها باريس مؤخرًا؛ حدث تعديل وزاري جديد في الحكومة هناك، وتأتي تلك الأحداث بالتزامن مع تراجع مكانة فرنسا في إفريقيا في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية، حيث وقعت السياسة الفرنسية تجاه إفريقيا خلال السنوات الأخيرة في مأزق سياسي يُهدِّد نفوذ فرنسا التاريخي في إفريقيا، ويضع مصالحها في القارة في مهبّ الريح، وذلك في خِضم التنافس الإقليمي والدولي على القارة، لاسيما عقب الحرب الروسية الأوكرانية. فما هي آخر تطورات الوضع الفرنسي في إفريقيا؟ وكيف يُمكن قراءة تداعيات الأزمة على العلاقات الفرنسية الإفريقية -لاسيما المغربية منها-؟ وما هي التغيرات الأبرز في التعديل الوزاري الأخير؟ وكيف يُمكن أن يؤثر في الوضع بشكلٍ عام؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير.. أولًا: وضع فرنسا في إفريقيا.. كانتهناك ثلاث متغيرات رئيسية دفعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى التحرك بإطلاق استراتيجية جديدة لباريس تجاه إفريقيا تقوم على بناء شراكة جديدة أمنية واقتصادية: أولها؛ الحفاظ على المصالح الفرنسية في إفريقيا. وثانيها؛ انتكاسة استراتيجية فرنسة إفريقيا التي كان من الممكن أن تقضي على النفوذ الفرنسي في إفريقيا (هذا في ظل التكالب الإقليمي والدولي على القارة؛ وبعدما أنهت باماكو شراكاتها مع باريس، وتبعها طرد بوركينا فاسو القوات الفرنسية من بلادها، بجانب تصاعد الأصوات المعارضة للوجود الفرنسي في عدد من دول الساحل بشكل يُهدِّد النفوذ والمصالح الفرنسية في القارة). وثالثها؛ حشد دعم إفريقي للموقف الغربي تجاه أوكرانيا والحد من النفوذ الروسي المُتنامي في إفريقيا عبر مجموعة فاغنر العسكرية الروسية. 1. الإخفاقات الفرنسية في إفريقيا: في المجال الاقتصادي تعرَّضت باريس إلى انتكاسات كبرى، رغم أنها ثالث مستثمر في إفريقيا بمجموع 1155 مجموعة استثمارية و2100 شركة فرنسية كبرى، فقد اندفعت الصين وتركيا وإسبانيا اقتصاديًا في القارة، ونجحت هذه الدول في إيجاد موطئ قدم لها، حيث باتت الصين الشريك الاقتصادي الأول لإفريقيا. وسيطرت تركيا على الأسواق الجزائرية والليبية والسنغالية. واستحوذت إسبانيا على أسواق أخرى فيها، كما أن التهديد الأكبر للنفوذ الاقتصادي الفرنسي بات في مؤشرات التمرد الحقيقي ضده، داخل التكتلات الاقتصادية المحلية الإفريقية. أما على صعيد القوى الناعمة والصلبة، فقد تعرَّضت فرنسا إلى خسائر أيضًا في هذين الجانبين، فاللغة الفرنسية التي هي أبرز مظاهر قوتها الناعمة، والتي يتحدث بها حوالي نصف الدول الإفريقية، وتستخدمها باريس في السياسة الثقافية الموجهة نحو دول القارة، فقد أصابها الضعف أيضًا، فدول شمال إفريقيا بدأت تشعر بأن هذه اللغة هي إحدى وسائل الاستعمار القديم في السيطرة عليها، لذلك باشرت بسن القوانين والتشريعات التي تحد من تأثير هذا العامل. أما على صعيد القوة الصلبة، فقد تعرَّضت هي الأخرى إلى هزائم كبرى في القارة الإفريقية. فالقوات الفرنسية المتمركزة في غرب وشرق ووسط القارة، تراجع عددها إلى النصف تقريبًا وبات حضورها مقتصرًا على القواعد العسكرية لبعض الدول الإفريقية، التي ما زالت في تحالف وثيق مع باريس. والسبب في ذلك هو حصول انقلابات عسكرية في بعض الدول الإفريقية، واختيارها التعامل مع روسيا بديلًا عن فرنسا. كما أن مرتزقة فاغنر الروسية بات لها تأثير واضح في عدد من دول القارة. وقد تجلّى بوضوح في خطوات عسكرية وسياسية اتخذتها دول إفريقية، كان آخرها إلغاء اتفاق المساعدة العسكرية مع فرنسا من قبل دولة بوركينافاسو، وطلبها سحب القوات الفرنسية من أراضيها. كما تعرَّضت العلاقات الفرنسية الجزائرية، والفرنسية المغربية، إلى اهتزازات واضحة، بعد أن شعر قادة الدولتين بأن فرنسا تريد الإبقاء على سياستها التقليدية تجاههما، من دون تقديم تنازلات، وتحقيق مصالحها على حساب مصلحتيهما.[1] 2. استراتيجية ماكرون الجديدة تجاه إفريقيا ومحاولة لتدارك الإخفاقات: حرص ماكرون خلال إعداده وإطلاقه لاستراتيجية جديدة تجاه إفريقيا على التخلي عن حصر استراتيجية فرنسا في الوجود العسكري في إفريقيا، والتي لم تجنِ باريس منها أي حصيلة سياسية، وإنما انتهت بإنهاء شراكاتها الأمنية والدفاعية مع دولتين من دول الساحل بشكل غير لائق بباريس ولا بشراكاتها الممتدة على مدار عقد، وإنما طرح ماكرون أبعادًا أخرى للاستراتيجية: أولها؛ البعد الدبلوماسي السياسي؛ حيث سعى ماكرون إلى رسم صورة للشراكة الجديدة لفرنسا مع دول إفريقيا، في محاولة لمحو ما هو سيئ في علاقاتها السابقة مع القارة، والحديث بروح رياضية عن تقبُّل وجود منافسين في القارة، في إشارة إلى مجموعة فاغنر العسكرية الروسية، مع التأكيد على أن باريس تدافع عن مصالحها. وثانيها؛ يتعلق بالشراكة الأمنية والدفاعية الفرنسية مع إفريقيا؛ حيث عمد ماكرون في استراتيجيته إلى التخلي عن تأطير العلاقة مع دول القارة على أساس أمني ودفاعي محض، واستعادة الحضور الفرنسي في هيئته الجديدة على أساس “الشراكة الأمنية المتكافئة”. وثالثها؛ يتعلق بالبُعد الاستثماري الفرنسي في القارة؛ حيث أعلن ماكرون أن استراتيجيته الجديدة ستتخلَّى عن مبدأ “مساعدة إفريقيا”، واعتماد مبدأ “الاستثمار التضامني”؛ وذلك بحثًا عن منافع مشتركة في الأنشطة الاقتصادية، والعمل على تأسيس “شراكة اقتصادية ندية” إفريقية فرنسية أوروبية، في محاولة لقيادة باريس الشريك الأوروبي الذي يهدف للانخراط في القارة، مع التركيز على قطاعات مهمة وحيوية كالتعليم النظري والتأهيل المهني، والصحة والطاقة والبيئة والثقافة والاقتصاد الرقمي والمساواة بين الجنسين؛ على أن تتضمن التعاون مع منظمات المجتمع المدني والشباب الإفريقي.[2 ثانيًا: توتُّر الداخل الفرنسي والعلاقات الفرنسية المغاربية.. صباح الثلاثاء، 27 يونيو، أقدم شرطي فرنسي على قتل قاصر لم يمتثل لنقطة تفتيش مرورية وحاول تجاوزها في ضاحية نانتير غرب باريس. وبينما تضاربت الرواية الرسمية في بداية الواقعة، إذ تبنَّت الشرطة في بادئ الأمر أن الشاب قاد سيارته باتجاه شرطيين على دراجتين ناريتين لمحاولة دهسهما، إلا أن انتشار فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي أظهر شرطيًا يصوب مسدسه نحو سائق السيارة قبل أن يسمع صوت إطلاق النار ثم تصطدم السيارة وتتوقف، كان سببًا في اندلاع الاحتجاجات والفوضى. 1. تفسيرات مُتعددة لما حدث: هناك إجماع من المراقبين على كون العلاقات بين القطاعات الفقيرة من أبناء المهاجرين من أصول غير أوروبية وغيرهم من أفراد الشعب سيئة للغاية في فرنسا، وتتدهور بسرعة. وتختلف الروايات والقراءات وبالتالي التشخيص. الرواية التي تميل وسائل الإعلام العالمية الكبرى إلى تبنِّيها هي رواية أنتجتها فرق اليسار الراديكالي، وترى أن الدولة الفرنسية تتبنى سياسات عنصرية وتتعامل مع المهاجرين كما كانت تتعامل مع الشعوب المستعمرة في إعادة إنتاج الإرث الإمبراطوري وتكييفه ليلائم ظروف العصر، ويدعم ذلك وجود قطاعات واسعة من الجمهور الفرنسي لها مشاعر سلبية أو على الأقل متباينة تجاه المهاجرين لاسيما المسلمين منهم، وهي مشاعر تتراوح بين التوجس من بعض مكونات ثقافتهم ومن بعض الممارسات والرفض المطلق والعنصري لهم. وفي…

تابع القراءة
قمة دول جوار السودان وحضور سد النهضة على هامش القمة

قمة دول جوار السودان وحضور سد النهضة على هامش القمة

استضافت مصر الخميس 13 يوليو “قمة دول جوار السودان” بمشاركة رؤساء دول وحكومات جمهورية إفريقيا الوسطي وتشاد وإريتريا وإثيوبيا وليبيا وجنوب السودان، وحضور رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي وأمين عام جامعة الدول العربية؛ لبحث سبل إنهاء الصراع السوداني- السوداني المستمر منذ 15 إبريل الماضي. وطالبت خلالها الدول السبع المانحين الدوليين بتقديم مساعدات لاستقبال أكثر من 700 ألف لاجئ فروا من الحرب في السودان، وكانت الرئاسة المصرية قد أفادت في بيان سابق، أن هذه القمة تهدف إلى “وضع آليات فاعلة بمشاركة دول الجوار، لتسوية الأزمة في السودان بصورة سلمية”. وكان سد النهضة أيضًا حاضر على هامش القمة التي حضرها الجانبين المصري والإثيوبي. فكيف سارت القمة؟ وماذا كانت مُخرجاتها ومواقف الأطراف منها؟ وكيف حضر ملف النهضة على هامش القمة؟ وكيف يُمكن قراءة مُخرجات هذا الحضور؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير.. أولًا: قمة دول جوار السودان ومُخرجاتها.. الحرب السودانية حصدت أكثر من ألفي ضحية، في حين نزح أكثر من مليونين ومئتي ألف سوداني، ولجأ أكثر من 528 ألفًا منهم إلى دول الجوار. استقبلت مصر، الجارة الشمالية أكبر عدد من اللاجئين أي أكثر من 255 ألف لاجئ، تليها تشاد (240 ألفا) وجنوب السودان (160 ألفا).[1] والآن؛ في السودان، أحد أفقر بلدان العالم، يحتاج أكثر من شخص من كل اثنين إلى المساعدة للبقاء على قيد الحياة، في الوقت الذي وصلت فيه حالة التحذير من المجاعة إلى أقصاها، وبينما بات أكثر من ثلثي المستشفيات خارج الخدمة. ومع بدء موسم الأمطار، يتوقع أن تنتشر الأوبئة كما هو الحال في كل عام، الأمر الذي يسهم في تفاقم أزمة سوء التغذية لا محالة. وفيما يخص الجهود الدبلوماسية التي يقودها سعوديون وأمريكيون، فلم تسفر سوى عن هدنات قصيرة انتُهكت بسرعة. وفي هذه الأثناء، تسعى الدول الإفريقية إلى استعادة زمام المبادرة. ولكن الجيش السوداني قاطع الاجتماع الأخير للهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (إيجاد).[2] ومن هنا تأتي أهمية المبادرة المصرية للدعوة لعقد قمة دول الجوار بالقاهرة.. 1. مواقف دول الجوار من الأزمة السودانية وتصريحاتهم خلال القمة: في قمة القاهرة، حذَّر عبد الفتاح السيسي في كلمة له من خطورة الوضع في السودان، وتداعياته السلبية على دول العالم وخاصة دول الجوار السوداني. وطالب بوقف القتال الدائر حفاظًا على مؤسسات السودان، ومعالجة جذور الأزمة، والوصول لحل سياسي شامل يستجيب لآمال وتطلعات السودانيين، مُشيدًا بموقف دول الجوار التي استقبلت مئات الآلاف من النازحين ووفرت لهم سبل الإعاشة.[3] وطالب السيسي المجتمع الدولي الذي تعهَّد بتقديم 1,5 مليار دولار خلال قمة عُقدت في يونيو “بالوفاء بتعهداته؛ من خلال دعم دول جوار السودان الأكثر تضررًا من التبعات السلبية للأزمة”.[4] ومن جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن “السودان يعاني من فراغ في القيادة، ويجب ألا نقف مكتوفي الأيدي، فالعواقب وخيمة عليه وعلى المنطقة”.[5] وقال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي إتنو “خلال أسبوع واحد، استقبلنا أكثر من 150 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال” الهاربين من دارفور، حيث تم تسجيل أسوأ الفظائع. ومن جانبه، استنكر رئيس إفريقيا الوسطى فوستان آرشانج تواديرا “ارتفاع الأسعار” و”نقص المواد في المناطق الحدودية”، مُحذرًا من ارتفاع مستوى “انتقال الأسلحة الخفيفة عبر الحدود التي يسهل اختراقها”.[6] وقال رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي إن “الصراع في السودان له آثار أمنية واقتصادية إنسانية بالغة الصعوبة تجاوزت حدود البلد الجار إلى دول الجوار وتفاوتت حدتها من بلد لآخر”. وأشار المنفي، خلال كلمته أمام القمة، إلى أن ليبيا “عبَّرت منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب الموجعة عن الاستعداد للانخراط والمساهمة بفاعلية في جهود إقليمية ودولية لوقف الحرب، وعودة الأخوة إلى حوار بنَّاء وجاد؛ للتوافق على مستقبل السودان الديمقراطي الموحد الذي يسعى للاستقرار والتنمية”. وأكَّد “جاهزية بلاده لبذل أقصى الجهود التي تصب في مصلحة السودان الشقيق وشعبه، وفي إطار تعزيز حالة السلم والأمن في الإقليم وإفريقيا والعالم”. ومن جهته، أكَّد رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت على أن “هذه القمة تأتي في وقت حساس وحرج”، وأضاف سلفاكير: “هذا الصراع اندلع في 15 إبريل 2023 بين العديد من الأطراف، وأنا شخصيًا أطلب منهم وقف إطلاق النار الفوري، وأطالب بذلك لأنني أعرف أن حال الحرب ستكون له تداعياته على الوضع الأمني في السودان، وكذلك الوضع الاجتماعي والاقتصادي على دول الجوار أيضًا”. وبدوره، قال الرئيس الإريتري أسياس أفورقي خلال كلمته في القمة: “ندعو إلى احترام استقلال وسيادة السودان، ومنع التدخلات الخارجية في الشأن السوداني”، مضيفًا: “الشعب السوداني ستكون له الكلمة الأخيرة في حل الأزمة”.[7] هذا، وأكدت الدول السبع المُجتمعة في القاهرة إلى جانب الأمين العام للجامعة العربية ونظيره في الاتحاد الإفريقي، في بيان مشترك، أنها ستقوم بما في وسعها لمنع تحول السودان إلى “ملاذ للإرهاب والجريمة المنظمة”.[8] 2. مُخرجات القمة: أكد البيان الختامي لقمة دول جوار السودان على ضرورة حماية الدولة السودانية ومؤسساتها، معربًا عن قلقه البالغ من تدهور الأوضاع الإنسانية في البلاد. وكانت هناك مجموعة من النقاط التي توافق عليها المشاركون بالقمة: أولها؛ الإعراب عن القلق العميق إزاء استمرار العمليات العسكرية والتدهور الحاد للوضع الأمني والإنساني في السودان، ومناشدة الأطراف المتحاربة على وقف التصعيد والالتزام بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار. وثانيها؛ التأكيد على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شئونه الداخلية. وثالثها؛ التأكيد على أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها، ومنع تفككها أو تشرذمها وانتشار عوامل الفوضى بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة في محيطها. ورابعها؛ أهمية التعامل مع الأزمة الراهنة وتبعاتها الإنسانية بشكل جاد وشامل يأخذ في الاعتبار أن استمرار الأزمة سيترتب عليه زيادة النازحين وتدفق المزيد من الفارين من الصراع إلى دول الجوار. وخامسها؛ الإعراب عن القلق البالغ إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان، وإدانة الاعتداءات المتكررة على المدنيين والمرافق الصحية والخدمية، ومناشدة كافة أطراف المجتمع الدولي لبذل قصارى الجهد لتوفير المساعدات الإغاثية العاجلة لمعالجة النقص الحاد في الأغذية والأدوية ومستلزمات الرعاية الصحية. وسادسها؛ الاتفاق على تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان عبر أراضي دول الجوار، وذلك بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية، وتشجيع العبور الآمن للمساعدات لإيصالها للمناطق الأكثر احتياجًا داخل السودان، ودعوة مختلف الأطراف السودانية لتوفير الحماية اللازمة لموظفي الإغاثة الدولية. وسابعها؛ التأكيد على أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار. وثامنها؛ الاتفاق على تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، تعقد اجتماعها الأول في جمهورية تشاد، لاتخاذ بعض الإجراءات؛ هي: وضع خطة عمل تنفيذية تتضمن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ لوقف الاقتتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلف، وتكليف آلية الاتصال ببحث الإجراءات التنفيذية المطلوبة لمعالجة تداعيات…

تابع القراءة
الغارة على نقابة المهندسين.. الصدى والرسائل والمآلات

الغارة على نقابة المهندسين.. الصدى والرسائل والمآلات

الغارة التي شنها بلطجية موالون لحزب السلطة “مستقبل وطن” على الجمعية العمومية غير العادية لنقابة المهندسين التي انعقدت في مركز مؤتمرات جامعة الأزهر، الثلاثاء  30 مايو 2023م لسحب الثقة من النقيب طارق النبراوي تركت رسائل واضحة المضامين والدلالات، لا سيما وأنها تزامنت مع انعقاد جلسات الحوار الوطني الذي بدأ 3 مايو بين السلطة ومكونات تحالف 30 يونيو الذين قادوا الانقلاب العسكري بغطائه المدني على المسار الديمقراطي الوليد وثمرة 25 يناير المجيدة. بدأت الأزمة في  أعقاب انتخابات النقابة التي  أجريت في مارس 2022م التي أسفرت عن فوز النقيب الحالي طارق النبراوي على النقيب السابق ووزير النقل الأسبق، هاني ضاحي بنحو ألفين صوت، فيما أجريت الانتخابات على 11 من مقاعد «التكميليين» التي يتشكل منها مجلس النقابة، وأسفرت عن هيمنة كاملة لقائمتي «في حب مصر» التي فازت بسبعة مقاعد، و«الجمهورية الجديدة» التي فازت بأربعة مقاعد، وكلتاهما تابعتان للسلطة، ولم تفز قائمة «نقابيون» التي يرأسها النبراوي نفسه بأي مقعد. وبالتالي شهد مجلس النقابات صدامات مستمرة، لا سيما وأن معظم أعضاء المجلس ينتمون إلى حزب “مستقبل وطن” الذي يشرف عليه جهاز الأمن الوطني من الألف إلى الياء، بينما ينتمي النقيب إلى التيار الناصري المعارض. تصاعدت الأزمة في مارس 2023م؛ حين طرح النقيب طارق النبراوي في «عمومية المهندسين» عدة قضايا أمام المهندسين للتصويت عليها بشكل مفاجئ، دون أن تكون مُدرجة على جدول المناقشات، ما تسبب في انزعاج أغلب أعضاء مجلس النقابة. القرارات التي وافق عليها المهندسون الذين حضروا الجمعية شملت: هذه القرارات زادت الصراع الدائر داخل مجلس النقابة اشتعالا بين النقيب الذي ينتمي إلى المعارضة المدنية العلمانية (ناصري الانتماء)، ومعظم مجلس النقابة الذي ينتمي إلى حزب السلطة “مستقبل وطن”.  وقام أعضاء مجلس النقابة المنتمون إلى “السلطة” برفع دعوى قضائية تطالب ببطلان عمومية مارس، نظرًا للتصويت على قرارات لم تدرج على جدول الأعمال، لتقرر محكمة القضاء الإداري إيقاف تنفيذ قرارات الجمعية وإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء. فالنبراوي وجد أن النقابة تحولت إلى فرع من حزب “مستقبل وطن” وباتت النقابة تدار من غرف الأمن الوطني وليس من مجلس النقابة؛ فأراد استرداد النقابة قبل استفحال الأمر، فدخل في صدام  مباشر مع مجلس النقابة وعلى رأسه الأمين العام، اللواء يسري الديب، (مساعد وزير التربية والتعليم لشؤون الهيئة العامة للأبنية التعليمية)، والأمين العام المساعد، أحمد محمد صبري، (أمين شؤون المجالس المحلية بحزب مستقبل وطن، وعضو تنسيقية شباب الأحزاب). في مقابل النقيب تمكن الجناح التابع للسلطة داخل مجلس النقابة من جميع توقيعات 1960 مهندسا حسب اللائحة يطالبون بجمعية عمومية غير تقليدية لسحب الثقة من النقيب الذي لم يجد بدا من عقد الجمعية وفقا للائحة والقانون. وعلى مدار يوم الجمعية تدفق آلاف المهندسين، ورصد كثيرون عمليات حشد منظم تحت إشراف أجهزة أمنية، ومع نهاية التصويت بدأت المؤشرات تؤكد موافقة نحو 90%  من المشاركين الذين وصل عددهم حسب أنصار النقيب إلى نحو 24 ألفا، بتجديد الثقة في النقيب؛ الأمر الذي مثل صدمة لجهاز الأمن الوطني، وأعضاء مجلس النقابة الموالين للسلطة. وقبيل إعلان النتيجة رسميا من جانب القضاة المشرفين على التصويت، هاجم مجموعة من البلطجية صناديق الاقتراع وكسروها ومزقوا أوراق التصويت، واعتدوا على بعض الحاضرين وأصابوهم، واضطر أعضاء لجنة المراقبة والمتابعة إلى مغادرة المكان خوفا على حياتهم. النبراوى اتهم اطراف بعينها بالمشاركة فى الاعتداء مستشهدا بفيديوهات تظهرهم خلال الاقتحام وهم ليسوا مهندسين. وأعلن النبراوي يوم 6 يونيو أنه حضر جلستين للتحقيق معه من قبل النيابة العامة، تقدم خلالهما بمستندات وصور وفيديوهات توضح وتدين المتورطين في واقعة التعدي على عمومية المهندسين، لافتًا إلى أن النيابة واجهته بأكثر من 40 محضرًا حُررت ضده بـ«ادعاءات كيدية واضحة الكذب»، حرر أحدها بعض أعضاء هيئة مكتب النقابة. وكانت النيابة العامة قد بدأت التحقيق في الأحداث بداية من الخميس غرة يونيو 2023م. وحرر النبراوي بلاغات ضد الأمين العام لمجلس النقابة، وهيئة المكتب، وضد عدة قيادات بـ«مستقبل وطن» وأمانة منطقة الشرابية بالحزب، في أعقاب الاعتداءات التي سبقت إعلان نتيجة التصويت على سحب الثقة منه، بعدما انتهى فرز اﻷصوات إلى اكتساح مؤيدي بقائه نقيبًا.  وكان حسابا «صحيح مصر» و«متصدقش» على تويتر وفيسبوك، نشرا معلومات بناءً على تحليل صور وفيديوهات، تثبت مشاركة قيادات بـ«مستقبل وطن» في اقتحام «عمومية المهندسين»، وشملت القائمة نواب البرلمان اﻷربعة عيد حماد، وإيهاب العمدة، ومحمد عبد الرحمن راضي، وأبانوب عزت عزيز، وآخرين من أعضاء الحزب، دون أن يكون أيًا من المذكورين مهندسًا أو ذا صفة تبرر وجوده في مقر انعقاد عمومية المهندسين، بحسب الحسابين المعنيين بتدقيق وتصحيح المعلومات. الرسائل أولا، ما جرى في نقابة المهندسين اعتبر برهانا على إدارة السلطة للبلاد بمنطق عصابات المافيا والبلطجية، وعندما يقف جهاز أمني كبير خلف هذه الأعمال المشينة الخارجة على القانون فإن ذلك يمثل برهانا إضافيا على أن أجهزة الدولة تحولت إلى قطاع طرق وعتاة إجرام وأن الحديث عن دولة الدستور والقانون هي مجرد تفاهات فارغة المعنى والمضمون، أما الحقيقة على الأرض فإن كل شيء يتم حسمه بالعنف والبطش والبلطجة. وقد انطوى بيان الحركة المدنية ــ  صدر الأربعاء 31 مايو 2023م ـ على هذه الرسالة المخيفة، فقد وصف البيان من قاموا بذلك بالبلطجية وصف الهجوم بالمدبر وأن الهدف من الهجوم وتحطيم صناديق الاقتراع وأثاث مقر الانتخابات وضرب المندوبين والتعدي على لجنة الإشراف على الانتخابات هو تعطيل إعلان النتيجة ومحاولة الاعتداء على نقيب المهندسين. وقال البيان نصا: «أن تنزلق الأمور لاستعمال البلطجة والعنف لتعطيل إعلان نتيجة التصويت في جمعية عمومية لنقابة مهنية هي سابقة خطيرة تحمل دلالات على أن كل الأساليب مباحة في إدارة الصراعات النقابية والسياسية ضد القوى النقابية والسياسية  المستقلة، فكل الأساليب بما فيها استدعاء العنف والبلطجة متاحة إذا أتت النتائج  على عكس رغبة هذه الإرادة  في رسالة قوية لكل القوى المستقلة والمعارضة، بل في مواجهة إرادة عموم المواطنين المصريين».    مشكلة بيان الحركة المدنية أن يعتبر ما جرى انزلاقا للعنف وسابقة خطيرة وكأن ما جرى في يوليو 2013 كان محطة ديمقراطية نزيهة لم يتم الإطاحة فيها بالعنف والقتل الرئيس المنتخب وحكومته وقتل الآلاف واعتقال عشرات الآلاف من المدافعين عن الديمقراطية وحكم  الشعب؟! من جهة ثانية، فإن ما جرى في المهندسين هو امتداد  للعصف بالإرادة الشعبية؛ فالنظام العسكري الحالي لا يضع اعتبارا لأصوات الجماهير وإرادة الشعب؛ فقد انقلب من قبل على إرادة الشعب وأطاح بأول رئيس مدني منتخب بإرادة الشعب الحرة في تاريخ مصر، وتم حل البرلمان المنتخب بإرادة الشعب الحرة بعد ستة شهور فقط انتخابه (يناير2012 ـ يونيو 2012). وما جرى في المهندسين هو امتداد لنفس المنهج (رفض الإرادة الشعبية إذا خالفت السلطة). وقد انتبه الكاتب الصحفي يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق، لهذه الرسالة الواضحة والخطيرة قائلا إن ما حدث في نقابة المهندسين لا…

تابع القراءة
العدوان الإسرائيلي على جنين.. الدوافع والتداعيات

العدوان الإسرائيلي على جنين.. الدوافع والتداعيات

بدأت إسرائيل، في 3 يوليو الجاري (2023)، عملية عسكرية واسعة تحت مسمي “بيت وحديقة” تستهدف – حسب البيانات الرسمية – تفكيك ما تسميه بـ”البؤر الإرهابية” في الضفة الغربية، خاصة في مدينة جنين. وتعتبر هذه العملية الأكبر منذ اجتياح الضفة الغربية في عملية السور الواقي خلال الانتفاضة الثانية عام 2002. وقد أثارت هذه العملية العديد من التساؤلات المتعلقة بالدوافع الإسرائيلية لإطلاق هذه العملية في هذا التوقيت، ودور الفصائل الفلسطينية المقاومة في الضفة الغربية بصفة عامة وفي مخيم جنين بصفة خاصة، ومستقبل التهدئة والتصعيد ليس في جنين والضفة الغربية فقط، ولكن في غزة والإقليم. أولًا: تفاصيل العدوان الإسرائيلي علي جنين: أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، في 3 يوليو الحالي، عدوانًا جديدًا على مخيم جنين الذي يقطنه من 14 إلى 17 ألف فلسطيني، وصف بأنه أكبر اجتياح إسرائيلي للمخيم، منذ الاجتياح الكبير لها عام 2002، والذي أطلقت عليه تل أبيب وقتها، اسم “السور الواقي” إبان انتفاضة الأقصى. وبدأت إسرائيل عمليتها بغارة جوية بالمسيرات، قالت إنها استهدفت مركز القيادة المشتركة لكتيبة جنين المسلحة، والتي تم تكوينها بمشاركة طيف واسع من الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية “حماس”. وبعد ذلك تقدمت حشود من الجنود الإسرائيليين إلى داخل المخيم، واقتحمته من عدة محاور، قبل أن تشتبك مع المسلحين الفلسطينيين، وتأخذ منحنى شديد العنف[1]. ويتضح من سير المعركة على الأرض أن إسرائيل استهدفت بشكل مكثف قطاعات مدنية، كشبكتي الماء والكهرباء، وهدم عدداً من المنازل، بهدف التأثير في الحاضنة الشعبية للمقاومة في جنين، وإضعاف قدرة المقاومين على الكر والفر، وتقويض أسلوب حرب العصابات الذي تتبعه المقاومة بما يتناسب مع بيئتها في المخيم. كما لجأت إلى تدمير الطرقات وتجريفها عبر جرافات عسكرية مجنزرة من طراز “D9″، وتدمير المنازل (أكثر من 80% من الوحدات السكنية البالغ عددها ألف وحدة)، بذريعة التخلص من العبوات الناسفة التي زرعتها المقاومة في إطار دفاعها عن المخيم من العدوان المتكرر عليه[2]. كما منعت مركبات الإسعاف من دخول المخيم لنقل المصابين لتلقي العلاج، وذلك وسط تحليق مكثف لطائرات عسكرية وطائرات استطلاع في سماء المدينة[3] وقد شارك في العملية ما يقرب من 2000 جندي، وهو رقم كبير نسبيًا مقارنة بعشرات أو مئات الجنود الذين يشاركون ‏يوميًا في اقتحام المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية. واستعان جيش الاحتلال في العملية بالجرافات المجنزرة العملاقة “دي 9″، وهي آليات ثقيلة لم يستخدمها ‏في تجريف المناطق الفلسطينية منذ الانتفاضة الثانية، وأحدثت تلك الآليات دمارًا كبيرًا غير معهود منذ ‏سنوات. ذلك بالإضافة إلى نحو 150 آلية عسكرية اقتحمت المخيم والمدينة. وللمرة الأولى، شاركت 6 طائرات مسيرة في قصف أهداف في المخيم[4]. في المقابل، فقد نفذت عناصر الفصائل الفلسطينية الموجودة داخل جنين، سواء عناصر عرين الأسود أو كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس أو حتى العناصر التابعة لكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح وكتائب المجاهدين، عدة كمائن للقوات الإسرائيلية المتقدمة داخل حي “الدمج”، مستغلين في ذلك صعوبة تقديم الغطاء الجوي لهذه القوات داخل المخيم، وتمكنوا من تحقيق عدة إصابات في صفوف وحدة “لوتر إيلات” ووحدة “ماجلان”، ووحدة “إيجوز”، بجانب إسقاط أربع طائرات مسيرة استطلاعية خلال اشتباكات اليوم الأول[5]. وقد نشرت “كتيبة جنين” بيانًا، قالت فيه إنها تمكنت من تنفيذ “العديد من الضربات والعمليات الهجومية والكمائن وتفجير العبوات، وأوقعت قتلى وجرحى”. وذكرت أنها افتتحت المعركة بكمين مسجد الأنصار على محور الدمج، وتصدت لقوات الاحتلال على محور (الدمج -الحواشين)، وأفشلت توغل القوات داخل المخيم. وأشارت إلى أن مقاوميها فجروا عددًا كبيرًا من العبوات الناسفة في آليات الاحتلال وأعطبوا العشرات منها، وألحقوا أضرارًا جسيمة بعدد آخر. ولفتت إلى أنها أدخلت عبوات جديدة للخدمة منها عبوة “طارق 1” تيمنًا بالشهيد طارق الدمج. وأمام هذا الهجوم، تفاعلت الضفة الغربية سريعًا مع مجريات الاجتياح الإسرائيلي لمدينة ومخيم جنين. ومع بدء الهجوم الإسرائيلي على المخيم، شهدت مختلف المحافظات وقفات دعم وإسناد لمدينة جنين، شارك فيها مئات الفلسطينيين من مختلف القوى والفصائل. إلى ذلك، شل الإضراب مختلف القطاعات الخاصة والحكومية في محافظات الضفة الغربية، كما أغلقت المحلات التجارية أبوابها، حدادًا على أرواح الشهداء[6]. وقد أسفرت هذه العملية عن إخلاء نحو 3000 فلسطيني من جنين بعد تهديد الجيش الإسرائيلي بقصف المخيم وفقًا لما ذكره الهلال الأحمر الفلسطيني‎.[7]‎ كما أسفرت العملية عن مقتل أحد جنود الجيش الإسرائيلي، مقابل استشهاد 12 فلسطينيًا أغلبهم من المدنيين، وإصابة 117 آخرين بجراح بينهم 20 في حالة حرجة، فضلًا عن اعتقال 300 شخص. وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية، مقتل 3 أطفال، اثنان بسن 17 عامًا، والثالث بسن 16 عامًا، كانوا بين ضحايا العمليات العسكرية الإسرائيلية[8]. ثانيًا: دوافع العدوان الإسرائيلي علي جنين: يمكن الإشارة إلي مجموعة من الدوافع التي تقف خلف قيام الاحتلال الإسرائيلي بشن هذا العدوان الغاشم علي مدينة جنين، تتمثل أبرزها في: 1- تصاعد المقاومة في الضفة الغربية: يعتبر هذا العامل هو الدافع الأبرز والأهم لقيام إسرائيل بشن هذا العدوان علي مدينة جنين. وقد انعكس ذلك في تصريحات قائد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، آفي بلوت، الذي أكد علي إن العملية العسكرية في جنين ‏تهدف إلى إحداث تغيير في الوضع هناك‎‎، مشيرًا إلى أن مدينة جنين، وتحديدًا المخيم، تعد معقلًا ‏للإرهاب وأساس تصدير الإرهاب إلى الضفة الغربية بأسرها وإلى الداخل الإسرائيلي أيضًا. وحسبما أعلن قائد الجيش الإسرائيلي، فإن أهداف العملية تتلخص في بسط السيطرة العملياتية‎ وتحييد الإرهابيين واعتقالهم، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية للمسلحين ومصادرة الوسائل القتالية. فيما أعلن قائد القيادة المركزية، اللواء يهودا فوكس، أن الهدف من العملية هو ضرب البنية التحتية للمقاومة في جنين وزيادة الحرية العملياتية للجيش الإسرائيلي في مناطق الضفة الغربية، وضرب بنية إنتاج المتفجرات والعبوات الناسفة وضرب المسلحين[9]. فقد لاحظ المخطط الأمني الإسرائيلي منذ فترة التحولات النوعية التي طرأت على التواجد المسلح لفصائل المقاومة الفلسطينية في معظم مدن الضفة الغربية، وعلى رأسها مدينتي نابلس وجنين، حيث تصاعدت أنشطة عدة فصائل فلسطينية مسلحة غير نمطية خلال الفترات الماضية، مثل “عرين الأسود”، بجانب لجوء فصائل المقاومة الفلسطينية الأساسية، التي كان نشاطها ينحصر بشكل شبه كامل في قطاع غزة، إلى تأسيس كتيبة خاصة بكل مدينة كبيرة من مدن الضفة الغربية، فأسست كتائب شهداء الأقصى – الذراع العسكرية لحركة فتح – لواء “العامودي”، ليعمل في نطاق مدينة نابلس ومحيطها، في حين أسست سرايا القدس – الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي – كتيبة “جنين”، وكانت ألوية الناصر صلاح الدين – الذراع العسكرية للجان المقاومة الشعبية – أحدث الفصائل التي شكلت كتيبة خاصة لمدينة جنين، وذلك في مايو الماضي. وعلى الرغم من أن هذه المشاهد قد بدأت عمليًا أواخر عام 2013، إلا أن نتائجها وثمارها قد ظهرت بشكل أوضح منذ بدايات العام الماضي، ومثلت بالنسبة للحكومة الإسرائيلية عامل ضغط متواصل، نظرًا لأن ظهور المجموعات المسلحة غير النمطية، والتي لا ينتمي…

تابع القراءة
مخرجات بوزنيقة المغربية بشأن قوانين الانتخابات الليبية.. التوافقات والتحديات

مخرجات بوزنيقة المغربية بشأن قوانين الانتخابات الليبية.. التوافقات والتحديات

في ظل استمرار الخلافات بين مجلسي النواب والأعلي للدولة الليبيين حول التوافق على قاعدة دستورية تقود البلاد لانتخابات رئاسية وبرلمانية، وهي الخلافات التي تركزت بصورة رئيسية علي شروط الترشح للرئاسة؛ في ظل تمسك المجلس الأعلي للدولة بإقرار قاعدة دستورية تقضي بإقصاء العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح للانتخابات، فيما يصر مجلس النواب على عكس ذلك؛ من أجل السماح لحليفه خليفة حفتر بالترشح للانتخابات، في ظل تمسكه بمنصبه العسكري وجنسيته الأمريكية[1]. فقد عقدت اللجنة المشتركة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة (6+6) عدة اجتماعات داخل ليبيا، ثم انتقلت للانعقاد في مدينة بوزنيقة المغربية خلال الفترة من 22 مايو إلي 6 يونيو 2023؛ من أجل التوصل إلي اتفاق نهائي بخصوص القوانين الانتخابية في ليبيا التي ستؤطر الانتخابات التشريعية والرئاسية المرتقبة[2]. وقد أعلن وزير خارجية المغرب “ناصر بوريطة” في ختام أعمال اللجنة، في 6 يونيو الحالي، أن “المشاورات الخاصة باللجنة قد حققت توافقات مهمة نحو تنظيم الانتخابات في ليبيا”. الأمر ذاته أعلنه رئيس وفد مجلس النواب الليبي “جلال الشويهدي” خلال مؤتمر صحفي للجنة، حيث قال: “تم التوافق بين وفدي اللجنة على قوانين الانتخابات الرئاسية والتشريعية”، وهو ما أكده أيضًا رئيس وفد المجلس الأعلى للدولة “عمر بوليفة” بأنه “تم الاتفاق على القوانين، ولم يبق إلا الإصدار الرسمي للقانونين من قبل مجلس النواب لتفعيلهما رسميًا”. وقد أثار هذا الإعلان ردود فعل متباينة؛ إذ رأى البعض أن ما أنجز في المغرب يمكن أن يقود إلى انفراجة في المشهد الليبي المتعثر؛ لكون مخرجات اللجنة ملزمة ونهائية. فيما رأى آخرون أن مخرجات بوزنيقة ما هي إلا بداية لتعقيد جديد في الأزمة الليبية، ولن تسفر عن شيء سوى مزيد من التأزم والخلاف؛ وذلك في ظل وجود رفض بين عدد من القوى الفاعلة لمخرجات بوزنيقة وما اتفق عليه[3]. أولًا: التوافقات التي خرجت بها اجتماعات بوزنيقة: أقرت اجتماعات بوزنيقة التي عقدتها اللجنة المشتركة 6+6 قانونًا يتكون من 89 مادة للانتخابات الرئاسية، وقانونًا للانتخابات التشريعية من 94 مادة. وفيما يتعلق بالملامح العامة لما اتُفق عليه -وفقًا للمسودة المسربة- سواء فيما يتعلق بانتخاب الرئيس أو أعضاء مجلسي النواب والشيوخ فقد جاءت على النحو التالي: 1- ترشح مشروط لمقعد الرئيس: وضع القانون مجموعة من الشروط فيما يتعلق بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية بوصفها إحدى القضايا التي حالت دون إجراء الانتخابات خلال السنوات الماضية؛ إذ أتاح القانون لمزدوج الجنسية الترشح للانتخابات، وفي حال دخوله جولة الإعادة فسيكون مطالبًا بتقديم ما يفيد عدم حملة جنسية دولة أخرى، أو طلب مختوم من سفارة الدولة المانحة للجنسية يفيد بتقدم المرشح بطلب للتنازل عن الجنسية. وفيما يرتبط بترشح العسكريين، نصت المسودة أن يصبح المرشح – مدنيًا كان أو عسكريًا – مستقيلًا من منصبة بمجرد قبول ترشحه للانتخابات. ولم يحدد القانون وضع المرشحين المستقيلين في حال عدم الفوز في الانتخابات؛ إذ ضمن القانون السابق للعسكريين عودتهم لمناصبهم في حال خسارة الانتخابات. وترك القانون كذلك الباب مفتوحًا أمام ترشح “سيف الإسلام القذافي”، حيث نص “أنه يجب ألا يكون المرشح للرئاسة محكومًا عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة”، ولن تحول هذه المادة دون ترشح “سيف القذافي” خاصة بعدما تم تبرئته بعد الطعن على الحكم الذي كان يتهمه بالمشاركة في قمع المحتجين 2011. 2- حتمية الجولة الرئاسية الثانية: بصورة مغايرة لكافة الأعراف والقوانين الانتخابية المعمول بها في كافة النظم الانتخابية، تجاهل القانون الانتخابي الأغلبية المطلقة التي تسمح للمرشح الحاصل على 50%+1 من أصوات الناخبين بالفوز بمقعد الرئيس، وذلك بعدما نصت مسودة القانون على ضرورة خوض المرشحين لجولة إعادة بغض النظر عن نسبة الأصوات التي حصل عليها أي من المرشحين. وعليه استبعد القانون حسم الانتخابات من جولتها الأولى، حيث سيخوص المرشحان الحاصلان على أعلى الأصوات جولة انتخابية ثانية يفوز فيها من يحصل على أعلى الأصوات. 3- اقتران الانتخابات التشريعية والرئاسية: اقترنت الانتخابات الرئاسية بالبرلمانية؛ إذ نص القانون على ضرورة أن تجرى انتخابات مجلس الأمة بغرفتيه مع الجولة الثانية من انتخابات رئيس البلاد. واشترط القانون في حال إذا ما تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية تحت أي ظرف من الظروف، فإن انتخابات مجلس الأمة تصبح والعدم سواء. الأمر الذي من شأنه أن يطيح بالدعوات التي تدعو إلى إجراء الانتخابات البرلمانية كونها أقل تعقيدًا من الانتخابات الرئاسية، كمقدمة لبناء الثقة، على أن يتولى البرلمان المنتخب إعداد القاعدة الدستورية ومن ثم إجراء الاستفتاء عليها قبل خوض الانتخابات الرئاسية[4]. 4- زيادة عدد مقاعد مجلس النواب: فقد تم الاتفاق على إجراء تعديل على عدد مقاعد مجلس النواب، إذ كان من المقرر أن تكون 200 مقعد، لكن توافق الأعضاء على زيادتها إلى 300، إضافة إلى 90 مقعدًا في مجلس الشورى[5]. كما تم الاتفاق علي أن تجرى الانتخابات البرلمانية على أساس 60% بنظام القوائم الحزبية، و40% على أساس النظام الفردي[6]. 5- تأجيل الانتخابات للعام المقبل: وفقًا لنصوص مسودة القانون المسربة، فلن تجرى الانتخابات الليبية خلال العام الجاري، وهو الأمر الذي يصطدم بطموحات عدد كبير من الليبيين وكذلك المبعوث الأممي في ليبيا “عبد الله باتيلي” الذي كان يراهن على إجراء الانتخابات خلال عام 2023، حيث قال في وقت سابق أنه “يمكن إجراء الانتخابات في نهاية العام 2023، إذا جرى وضع القوانين الانتخابية بنهاية يونيو المقبل”. فقد نصت المسودة على إجراء الانتخابات خلال 240 يومًا من إصدار القوانين الانتخابية، وعليه فإذا ما صدق مجلس النواب على القوانين الانتخابية، ومن ثم دخولها حيز النفاذ، فلن يكون عامل الوقت كافيًا لإجراء تلك الانتخابات هذا العام، الذي لم يتبقي على نهايته سوى نحو 7 أشهر[7]. ثانيًا: التحديات التي تحول دون تنفيذ مخرجات بوزنيقة: على الرغم من توقيع لجنة (6+6) على قوانين الانتخابات، والتي تحمل طابع الإلزام ولا تحتاج حتى لمصادقة مجلسي النواب والدولة عليهما، إلا أن الانطباع العام السائد أن هذه القوانين غير قابلة للتطبيق على الأرض، وهو ما أظهرته ردود الأفعال عليها، وهو ما يمكن توضيحه كما يلي: 1- عدم رضا الأطراف الليبية علي مخرجات بوزنيقة: فقد كشفت ردود الأفعال من قبل الأطراف الليبية عن حالة رفض واسعة تجاه اجتماعات اللجنة المشتركة (6+6) ومخرجاتها. هذا الوضع عبر عنه بصورة كبيرة غياب رئيسي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين، عقيلة صالح وخالد المشري، عن الجلسة الختامية لاجتماعات اللجنة، ومغادرتهما للدولة دون التوقيع بالأحرف الأولى على ما أُنجز من تفاهمات. وعلي الرغم من أنه من الناحية الدستورية والقانونية يعد توقيع رئيسي مجلس النواب والأعلي للدولة شكليًا باعتبار أن عمل اللجنة “نهائي وملزم” وفقًا للمادة 15 في التعديل الدستوري الثالث عشر، فقد رجح مراقبون غياب صالح والمشري عن الجلسة، التي حضرها عدد من سفراء الدول العربية، دليلًا على وجود قضايا خلافية تقتضي وقتاً إضافياً للتعامل معها. وسرعان ما ثبتت صحة هذه الترجيحات مع تغريدة المشري، التي كتب فيها “على…

تابع القراءة
تطبيع العلاقات بين مصر وإيران.. المحفزات والمعوقات

تطبيع العلاقات بين مصر وإيران.. المحفزات والمعوقات

ترددت في الآونة الأخيرة العديد من التصريحات والاتصالات والمواقف من الجانبين المصري والإيراني التي تدل علي إمكانية عودة العلاقات بين الدولتين في المدي المنظور. وقد أثارت هذه التصريحات حالة من الجدل، وانقسمت الآراء حولها بين من يري أن هناك محفزات حقيقية تدفع في اتجاه عودة هذه العلاقات سواء كانت هذه المحفزات داخلية مرتبطة بحجم الفوائد الاقتصادية والسياسية والأمنية التي قد تعود علي كل دولة، أو اقليمية مرتبطة بحالة التهدئة في الاقليم بين دول الخليج ومصر من جانب وتركيا وإيران من جانب آخر، أو خارجية مرتبطة بطبيعة النظام الدولي وتحولاته من حيث تراجع دور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وصعود دور الصين وروسيا، وبين من يري أن المعوقات أمام عودة هذه العلاقات تفوق بكثير محفزاتها، لاسيما تلك المعوقات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، والدور الأمريكي والإسرائيلي وكذلك الخليجي الرافض لحالة التقارب والتطبيع الكامل بين الدولتين.      أولًا: تاريخ العلاقات المصرية- الإيرانية: مرت العلاقات المصرية – الإيرانية بفترات من الشد والجذب؛ حيث تعود إنطلاقة العلاقات في العصر الحديث إلى عام 1939، عندما تزوج وريث عرش إيران محمد رضا بهلوي من الأميرة فوزية، ابنة الملك فؤاد الأول، سلطان مصر والسودان، الأمر الذي وفر تناغمًا ملكيًا عزز العلاقات الثنائية عبر توقيع اتفاقية صداقة بين الدولتين. على الرغم من أن طلاق الشاه من فوزية بعد تسع سنوات أدى إلى حدوث قطيعة دبلوماسية، إلا أن العلاقات عادت بعد ذلك بوقت قصير. وفي عهد الرئيس جمال عبدالناصر، زعيم القومية العربية، لم تكن القاهرة متعاطفة مع ميول إيران العلمانية المؤيدة لإسرائيل، وفي عام 1960، قطعت القاهرة العلاقات الدبلوماسية مع طهران بسبب اعتراف الشاه بإسرائيل[1]. في ذلك الوقت أيضًا، اختلفت التوجهات السياسية بين الدولتين مع الكتلتين الشرقية والغربية، حيث كانت مصر موالية للكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتي بينما كانت إيران موالية للكتلة الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عهد الرئيس السادات، تحسنت العلاقات بين الدولتين في مطلع حكم السادات نظرًا لدعمه شاه إيران وقتها البهلوي الذي ساند مصر في حرب 1973 ضد إسرائيل[2]. ولكن بعد نجاح الثورة الإيرانية عام 1979، توترت العلاقات بشكل كبير بين الدولتين علي خلفية استضافة مصر للبهلوي وقتها؛ نظرًا للعلاقات الطيبة التي كانت تربطه بالرئيس المصري محمد أنور السادات، إلى جانب إبرام اتفاقيات كامب ديفيد في عام 1978 ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في العام التالي، التي أثارت غضب حكومة إيران الثورية الجديدة، بقياد آية الله روح الله الخميني، الذين نظروا لإسرائيل علي أنها عدو إيران الأول، ما دفع الخميني لمطالبة الشعب المصري للإطاحة برئيسه، وكان السادات والخميني يمطران بعضهما بانتقادات لاذعة على الملأ. وقد أدى احتفال إيران باغتيال السادات (إذ أعتبرت حكومة الخميني الملازم أول خالد الإسلامبولي الذي قام بعملية الاغتيال شهيدًا، وأطلقت اسمه على شارع في طهران)، إلي جانب دعم مصر فيما بعد لصدام حسين عند غزوه لإيران في عام 1980، إلى تعميق العداء المتبادل، وليتم قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1980[3]. وبعد اغتيال السادات وتولي حسني مبارك السلطة في أكتوبر 1981، سار على نهج السادات في آخر عامين من حكمه، حيث استمر في دعم نظام صدام حسين في حربه ضد إيران، حتى كان الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس 1990، ووقوف مبارك ضمن منظومة الدول الخليجية، في مواجهة الغزو، وتبنت هذه المنظومة نهجًا احتوائيًا لإيران حتى لا تنحاز إلى جانب صدام في مواجهة العقوبات الغربية والحصار الذي تم فرضه عليه بسبب الغزو[4]. ولتظهر فيما بعد بعض محاولات التقارب المتفرقة في السنوات التالية علي سبيل المثال؛ في فبراير 1991، عقد أول لقاء مصري- إيراني على المستوى الوزاري بين الدكتور بطرس غالي وزير الدولة للشؤون الخارجية وعلي أكبر ولاياتي في بلغراد. وفي يونيو 1996، فشلت محاولة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، وذلك بعد تراجع ولاياتي أمام ضغوط المحافظين، وإعلانه قصر الاتصالات على فتح مكتب ثقافي إيراني في مصر وليس سفارة[5]. كما حاولت إيران ترميم العلاقات مع القاهرة، وتجاوبت مع أحد أبرز الشروط المصرية، وقامت في عام 2004، بإزالة اسم خالد الإسلامبولي الذي لعب الدور الرئيسي في اغتيال الرئيس أنور السادات من أحد شوارعها، مثلما أزالت أيضًا جدارية تمجد اسمه وسيرته[6]. ولكن رغم محاولات التقارب تلك، فإنه لم يتم تحقيق أي تقدم في عهد حسني مبارك، الذي حكم مصر لمدة ثلاثة عقود، لوجود  قضايا خلافية بين البلدين، سواء مطالبة مصر مرارًا بضرورة إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار بما فيها الملف النووي الإيراني، أو الخلاف حول بعض القضايا في العراق، بجانب الملف التقليدي المتمثل في تصدر مصر المشهد كونها المدافع عن ضرورة تبني موقف التفاوض والسلام لحل الصراع مع الجانب الإسرائيلي[7]، فضلًا عن توتر العلاقات بين إيران من جانب وحلفاء مصر في الخليج وواشنطن من جانب آخر. وبالتالي، فعلي الرغم من عودة العلاقات في عام 1991، إلا أنها استمرت على مستوى القائم بالأعمال ومكاتب المصالح فقط[8]. ومع اندلاع ثورة 25 يناير 2011، فقد سارعت إيران إلى الإعلان عن دعمها للثورة، وأعلن المرشد الأعلى علي خامنئي في خطبة الجمعة بطهران، يوم 4 فبراير 2011، أن نظام مبارك كان عميلًا لإسرائيل، ودعا الجيش إلى تأييد الشعب، وألقى الخطبة باللغة العربية[9]. وقد اعتبرت إيران الثورة المصرية مظهرًا من مظاهر “إلهام الثورة الإسلامية الإيرانية”، وسعت إلى تحسين علاقاتها مع مصر الجديدة، وخصوصًا في السنة التي حكم فيها الرئيس مرسي[10]. فقد قام الرئيس مرسي بزيارة إلى طهران في أغسطس 2012 للمشاركة في قمة حركة عدم الانحياز، ليصبح أول زعيم مصري يزور إيران منذ عام 1979. ورد الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد الزيارة التاريخية بالسفر إلى القاهرة في فبراير 2013. وقد أعلن البلدان عن اتفاق مبدئي لإعادة فتح سفارتيهما، بل وطرحا اقتراحًا لاستئناف الرحلات الجوية المباشرة لأول مرة منذ ثلاثة عقود[11]. ولكن سرعان ما اصطدم الموقف الإيراني بموقف الرئيس مرسي من الثورة السورية خصوصًا في الأسابيع الأخيرة قبل الانقلاب العسكري في 30 يونيو 2013، ما أدى إلى وقوف طهران مع الانقلاب من خلال دعم وسائل الإعلام التابعة لها لتحركات 30 يونيو وما تبعها، إضافة إلى الاعتراف السريع بنظام الانقلاب وإعلان الاستعداد الكامل للتعامل معه[12]. وعلي الرغم من أنه خلال السنوات الماضية كانت حالة البرود سائدة على العلاقات المصرية – الإيرانية ولم تتحسن، وذلك على خلفية تصاعد التوتر بين عدد من الدول العربية والخليجية بخاصة من جهة، وإيران من جهة أخرى. لكن حكومة السيسي تحاشت على مر السنين تبني أجندة صارمة بشكل مبالغ فيه، مناهضة لإيران، والتي كان من الممكن أن تدعمها ميولها المعادية للإسلاميين[13]. أكثر من ذلك، فقد ظهرت بعض المؤشرات التي تشير إلي نوع من التوافق في السياسات الخارجية للدولتين. وكان المؤشر الأساسي هو الموقف من الأزمة السورية، إذ تخلى النظام المصري عن خطاب الرئيس مرسي الداعم للثورة والرافض للتدخل الإيراني…

تابع القراءة
تمرد فاغنر ومُستقبل الوجود الروسي في إفريقيا

تمرد فاغنر ومُستقبل الوجود الروسي في إفريقيا

تُعد قوات فاغنر ذراع فلاديمير بوتين الضاربة خارج الحدود الروسية، حتى أنها باتت أداة التأثير الروسي الأكثر فاعلية والتي لا تُبارى بالتحديد في إفريقيا، حيث نشرت قواتها في ليبيا وإفريقيا الوسطى، وأبرمت علاقات وثيقة مع ميليشيات خليفة حفتر في ليبيا، وقوات الدعم السريع في السودان، وتتورط في تهريب الذهب بالمنطقة وتوريد السلاح. ويبدو أن مجموعة فاغنر أسَّست لروسيا إمبراطورية في إفريقيا بأرخص التكاليف إن لم تكن، مع تحقيق مكاسب مادية عبر دورها في القارة في حروب القارة ونهب مواردها. والعلاقة بين قائدها بريغوجين والرئيس بوتين تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، عندما كان الأخير عمدة مدينة سان بطرسبرغ حيث وُلد الشخصان. ونتيجة هذه العلاقة الخاصة بين بريغوجين وبوتين، فقد حظيت قوات فاغنر منذ تأسيسها وظهور نشاطها بشبه جزيرة القرم عام 2014 بثقة الكرملين وتمتَّعت بوضع خاص داخل أروقته، الأمر الذي أثار فيما يبدو خلافات بين زعيم فاغنر، وجنرالات الروس، وعلى رأسهم سيرغي شويغو وزير الدفاع، ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، وأذكى صراعًا على النفوذ. ومنذ دخول قوات فاغنر معركة مدينة باخموت الأوكرانية لم يتوقف قائدها عن توجيه السباب لقادة الجيش الروسي، بل اتهمهم بالخيانة، وشكَّك في قدرتهم على حماية روسيا، في مسلك غريب على دولة عظمى اشتُهرت بحكمها المركزي الاستبدادي. واحتدَّت الأزمة بين مجموعة فاغنر والجيش الروسي مُنذرةً بتعقيد الأوضاع في أوكرانيا، وبالتبعية في الدول الإفريقية والمناطق التي تسعى موسكو لتوسيع نفوذها بها. فكيف نشب الخلاف بين فاغنر والحكومة الروسية حتى وصل إلى تمردها؟ وكيف يُمكن أن يؤثر ذلك على إفريقيا في المستقبل؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير… أولًا: الخلاف بين فاغنر والحكومة الروسية.. أعلن قائد فاغنر يفغيني بريغوجين في 5 مايو الحالي عن أن مقاتليه مضطرون إلى الانسحاب من جبهة باخموت في إقليم دونيتسك الأوكراني، بحلول 10 مايو الماضي، وذلك بسبب عدم قيام وزارة الدفاع بتزويده بالذخائر اللازمة. وعلى الرغم من تراجع قائد فاغنر بعد يومين عن تهديده بالانسحاب من باخموت، وتأكيده بأنه تلقى وعودًا من وزارة الدفاع الروسية بتزويده بالذخائر اللازمة، فإن تصريحاته السابقة قد كشفت عن تفكك في العلاقة بين القوى العسكرية الروسية المنخرطة في معارك أوكرانيا، مع مؤشرات على خلافات داخل الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.[1] وكانت التوترات المستمرة منذ فترة طويلة بين مجموعة فاغنر والجيش تُنذر بقرب الانفجار في الأسابيع الأخيرة. فقد اختطفت المجموعة قائدًا بارزًا للجيش على الجبهة وهو العقيد رومان فنيفيتين، بعد اتهامه بفتح النار على سيارة تابعة لمجموعة فاغنر بالقرب من مدينة باخموت. وقد أطلق سراح فنيفيتين لاحقًا، وفي مقطع فيديو تداوله مدونون عسكريون روس، اتهم المجموعة بتأجيج الفوضى على خطوط الجبهة الروسية من خلال سرقة السلاح وإجبار الجنود الذين يخدمون بموجب التعبئة العسكرية على توقيع عقود مع المجموعة، ومحاولة ابتزاز الأسلحة من وزارة الدفاع. ووصف بريغوجين ذلك بأنه “محض هراء”. وأشار أيضًا إلى أنه مستعد لنشر قواته على الأرض الروسية لمواجهة القوات المتمردة في منطقة بيلغورود. وفي المُقابل؛ قال نائب وزير الدفاع الروسي نيكولاي بانكوف إن “تشكيلات المتطوعين” سيُطلب منها التوقيع على عقود بشكل مباشر مع وزارة الدفاع، في خطوة اعتبرها الخبراء استهدافًا مباشرًا لقوات فاغنر، لكن وزارة الدفاع قالت إن الخطوة تهدف إلى “زيادة فعالية” الوحدات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا. إلا أن ذلك لم يمنع رئيس مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين، من إعلانه في بيان غاضب إن قواته ستُقاطع العقود.[2] 1. جذور وأسباب الخلاف بين فاغنر ووزارة الدفاع: كان بريغوجين متورطًا في نزاع علني مع وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس أركان الجيش فاليري غيراسيموف طيلة أشهر. واتهم مرارًا المسؤولين الاثنين بعدم الكفاءة وبتعمد تقليل الإمدادات العسكرية لوحدات فاغنر التي تقاتل في أوكرانيا.[3] حتى أنه اتهمهما في فبراير الماضي بارتكاب أفعال ترقى إلى الخيانة، هدفها تدمير قوات فاغنر. ويرى البعض أن أسباب تصاعد الخلاف بين الطرفين ترجع من جهة إلى وجود استياء من فاغنر في أوساط قيادتي الأمن والجيش الروسيين، نظرًا إلى تنامي نفوذها، خاصةً أن ضباط الأمن والجيش ينظران إلى بريغوجين على أنه “مجرم وصاحب سوابق”، كونه دخل السجن لعدة سنوات سابقًا. ومن جهة أخرى إلى محاولات وزير الدفاع ورئيس الأركان المستمرة لعرقلة عمليات التجنيد في فاغنر، والتي تعتمد بدرجة أساسية على سجناء وأصحاب سوابق، يجري استصدار قرار عفو عنهم مقابل القتال مع فاغنر. والصراع بين قائد فاغنر ورئيس الشيشان قاديروف من جهة، وقادة الجيش الروسي من جهة أخرى، بدأ منذ سبتمبر 2022 عندما هاجم قاديروف القوات الروسية ووزارة الدفاع بعد فقدان مناطق استراتيجية في خاركييف شرق أوكرانيا، إذ ضغط بعدها كل من بريغوجين وقاديروف على بوتين لاستصدار قرار تعيين الجنرال الروسي سيرجي سوروفيكين قائدًا عامًا للعمليات في أوكرانيا. لكن الجيش الروسي استخدم نفوذه واستفاد من عدم تحقيق سوروفيكين تقدم يُذكر، واستطاع فرض تعيين رئيس هيئة الأركان غيراسيموف قائدًا لعمليات أوكرانيا في يناير 2023، ومنذ ذلك الحين عمد قائد العمليات الجديد للتضييق على فاغنر في أوكرانيا. بينما يرى البعض الآخر أنه هناك خلافات داخل الطبقة المسماة “أصحاب القوة” ضمن روسيا، وهم الدائرة الضيقة المحيطة ببوتين، حيث يُعد تصعيد قائد فاغنر ضد قادة الجيش الروسي امتدادًا للخلافات ضمن طبقة “أصحاب القوة”. وهجوم بريغوجين على وزير الدفاع الروسي ورئيس هيئة أركان الجيش، يهدف إلى إعادة التوازنات تلك الطبقة، إذ يدير التصعيد ضد الجيش من الخلف يرجل يدعى يوري كافالشوك المسؤول عن إدارة ثروة بوتين، ولديه تأثير كبير على قائد قوات فاغنر. ولم يستبعد هؤلاء وجود ضوء أخضر من بوتين للهجوم الإعلامي الذي يشنه بريغوجين على قيادات الجيش الروسي، والهدف المحتمل لذلك هو رغبة الرئيس الروسي بتأديب الجيش بشكل مستمر وعدم ترك المجال أمامه لاستعادة دوره في الحياة العامة، مستفيدًا من أوضاع الحرب الراهنة.[4] 2. تطور الخلاف وتمرد فاغنر: تفاقم الخلاف بين فاغنر ووزارة الدفاع الروسية حتى أعلن قائد فاغنر بشكل مفاجئ في نهاية يونيو الماضي، دخول قواته الأراضي الروسية وتوجههم نحو العاصمة موسكو، معلنًا رفضه التراجع أو الاستسلام. إلا أنه بعد ما يقارب الـ 24 ساعة دخلت بيلاروسيا على خط الوساطة بين بريغوجين وموسكو، لتنتهي تلك المغامرة المفاجئة والقصيرة بنفي قائد فاغنر إلى الأراضي البيلاروسية. وليعلن من هناك أن هدفه لم يكن الإطاحة بالحكومة الروسية أو حكم الرئيس فلاديمير بوتين بل حماية مجموعة فاغنر. فيما خيّر بوتين عناصر فاغنر إما بالخروج إلى بيلاروسيا، أو الانضمام للقوات الروسية، أو العودة إلى بيوتهم. وقال قائد فاغنر، يفغيني بريغوجين، قبل الإعلان عن التمرد: “تم استهدافنا بضربة صاروخية وبسلاح المروحيات بالرغم من أننا لم نقم بأي مقاومة.. وقتل قرابة 30 شخصًا من مجموعتنا وأصيب آخرون.. توجهت برسالة حول عدم نيتنا القيام بأعمال عدائية وأننا لن نرد إلا في حالة استهدافنا”. وأضاف أن “عملية التمرد استمرت 24 ساعة وقافلتنا الأولى توجهت…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022