زيارة المفتي إلى لندن.. الصدى والمآرب والنتائج
قام الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، بزيارة إلى العاصمة البريطانية لندن، والتي استغرقت أسبوعا بداية من الأحد 15 مايو إلى الجمعة 20 مايو 2022م، وكان في استقباله ــ وفقا للصحف والفضائيات الموالية للسلطة ــ السفير المصري وأعضاء السفارة ووفود من وزارة الداخلية البريطانية بتنظيم تشريفة أمنية عالية المستوى لتأمين تحركاته في العاصمة البريطانية، بوصفها زيارة رسمية. خلال الزيارة التقى المفتي بعدد من نواب مجلسي العموم واللوردات البريطاني وألقى كلمة في الحاضرين، ثم ألقى محاضرة في جامعة أكسفورد الشهيرة،[[1]] ورغم الزفة الإعلامية من جانب الآلة الإعلامية للسلطة حول نجاح الزيارة إلا أن الحقائق على الأرض كانت غير ذلك ــ وفقا لرواية المعارضين ــ وانتهت الزيارة بعدة فضائح مركبة للمفتي وللنظام، أبرزها رفض عمدة لندن السيد “عمر خان” استقبال المفتي معللا ذلك بأنه وقع على إعدام المئات من الأبرياء في محاكمات سياسية افتقرت لأدنى معايير النزاهة والعدالة والشفافية. الزيارة ــ وفقا لرواية السلطة وآلتها الإعلامية ــ تضمنت عدة عناوين رئيسية: أولا، الزيارة رسمية بدعوة من مجلس العموم البريطاني. ثانيا، إلقاء المفتي كلمة أمام مجلسي العموم واللورادات. ثالثا، محاضرة بجامعة أكسفورد العريقة. ثم محاضرة أخرى بمركز سيفيتاس للأبحاث بلندن. لقاءات مع بعض أبناء الجالية المصرية والجاليات الإسلامية. فما أهداف الزيارة ومآربها؟ لماذا تم اختيار المفتي لا شيخ الأزهر للقيادم بهذه المهمة رغم أن الطيب أعلى قيمة ومكانة من المفتي ويحظى باحترام واسع محليا ودوليا؟ وما مغزى توقيت الزيارة؟ وما علاقة الزيارة بجماعة الإخوان المسلمين؟ ولماذا يعمل النظام على تحريض الحكومة البريطانية ضد الجماعة في هذا التوقيت؟ لماذا المفتي؟ كان لافتا اختيار المفتي شوقي علام للقيام بهذه الزيارة ولم يعتمد النظام على شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، رغم أن الأخير يحظى بالاحترام محليا ودوليا، كما أنه يمثل رجل الدين الأول في مصر وفقا لهرم المناصب الدينية الذي يجعل منصب شيخ الأزهر أعلى مقاما من المفتي ووزير الأوقاف. يمكن عزو ذلك إلى الأسباب الآتية: أولا، حرص شيخ الأزهر على أن يكون على مسافة من السلطة بأجندتها وسياساتها وتوجهاتها وإصراره على شيء من الاستقلال في المواقف، على عكس المفتي وزير الأوقاف، اللذين لا يحظيان بشيء من الاحترام لا محليا ولا خارجيا؛ لإذعانهما الكامل للسلطة وأجهزتها الأمنية والدفاع عن مواقفها مهما كانت بالغة الشذوذ والانحراف والظلم والتناقض مع قيم الإسلام ومبادئه وأحكامه. ثانيا، الطيب نفسه يأبى أن يورط نفسه والأزهر الشريف باعتباره رمزا له في الضلال السياسي، وأن يكون بوقا للسلطة؛ فالرجل ــ وإن كانت عليه بعض الملاحظات ــ فإنه حريص كل الحرص على النأي بالأزهر شيخا ومشيخة عن القيام بهذه الأدوار، في أعقاب الانتقادات التي لاحقته بعد مشاركته في مشهد انقلاب 03 يوليو 2013م، والإطاحة بالرئيس المنتخب بإرادة الشعب الحرة، لا سيما بعدما كشفت السنوات الماضية حجم المؤامرة على الرئيس والدولة المصرية والتجربة الديمقراطية التي كانت وليدة. ثالثا، شيخ الأزهر ينظر إلى ملف الإرهاب وأسباب وجذوه وطرق معالجته، نظرة تختلف بشكل واسع عن تصورات النظام ومواقفه؛ فبينما يرى النظام أن الإرهاب ظاهرة إسلامية مبنية على تأويلات وتفسيرات متطرفه للإسلام، يرى الشيخ الطيب أن الإرهاب ظاهرة عالمية ولا يختص بدين معين. كما يرى الطيب أن الإرهاب ليس ناتجا عن تأويلات متطرفة بقدر ما هو رد فعل على المظالم السياسية والاجتماعية والتي تمثل السبب الرئيس لظاهره العنف والإرهاب. وتصريحاته الأخيرة يؤكد فيها أن «الإرهاب ظاهرة سياسية لا دينية، وأن أنظمة سياسية غربية صنعته وصدرته للعالم وألصقته باليهودية والمسيحية والإسلام لتحقيق مكاسب وأجندات بالغة التعقيد»[[2]] وللشيخ الطيب تصريحات كثيرة بهذا الشأن ودعا إلى ملاحقة من يسيء للإسلام قضائيا ويرفض وصف «الإرهاب الإسلامي»، مؤكدا أن وصف المسلمين بالإرهاب خدعة ابتعلها الكثيرون. وطالب بعدم الرد على الإرهاب بإرهاب مماثل.[[3]] وبالتالي فإن نظرة شيخ الأزهر إلى الإرهاب وأسبابه وجذوره وطرق معالجته تضع السلطة في موضع اتهام والمسئولية؛ وهو ما يجعل الطيب مغضوبا عليه من جانب السيسي وأجهزته الأمنية. أهداف الزيارة ومآربها مغزى الزيارة في هذا التوقيت يبقى غامضا، قد يكون السبب هو الرد على انتقادات وجهت للنظام من جانب الحكومة البريطانية بشأن إقصاء الإخوان من دعوة الحوار السياسي الذي أطلقه السيسي مؤخرا. وقد يكون لأهداف أخرى خاصة بالنظام وتوجهاته المستقبلية، وقد تكون الزيارة بهدف التهميد لإعدامات قادمة لا سيما وأن هناك العشرات من رموز الإخوان وأعضائها محكومة عليهم بالإعدام بأحكام باتة نهائية تنتظر التنفيذ. وهي خطوة ليست سهلة على الإطلاق في ظل المشاكل التي تحاصر النظام. لكن نظاما يفتقد إلى الرشد والحكمة قد يقدم على خطوة إجرامية كهذه دون اكتراث. الهدف الرئيس من زيارة المفتي إلى العاصمة الإنجليزية لندن هو شيطنة جماعة الإخوان المسلمين بالإلحاح على وصم الجماعة بالتطرف والعنف والإرهاب. وقد ألح المفتي على ملف الإرهاب كثيرا خلال جميع لقاءاته؛ وعمل على تحريض البرلمان والحكومة البريطانية ضد جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى، وقد جاءت تغطية وسائل الإعلام الموالية للسلطة العسكرية لتؤكد على ذلك بكل وضوح.[[4]] ولتحقيق هذا الهدف قام بالإجراءات الآتية: أولا، لم يترك لقاء أو كلمة أو تصريحا إلا وتحدث عن الإخوان بوصفهم جماعة إرهابية متطرفة؛ داعيا إلى ضرورة التعاون والتنسيق بين الجميع في مواجهة الأفكار والجماعات الإرهابية والمتطرفة، قائلًا «الإرهابيون يتعبَّدون بسفك الدماء المحرَّمة ويجاهدون بالقتل والإرهاب».[[5]] ثانيا، توزيع بيان على بعض نواب مجلسي العموم واللوردات يتضمن هجوما حادا على جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها حتى اليوم. يتبني فيه سردية السلطة التي تتهم جماعة الإخوان التي فازت بثقة الشعب المصري في أنزه انتخابات في تاريخ البلاد بالعنف والتطرف والإرهاب. ويحاول بشتى الطرق ربط الإخوان بداعش اتساقا مع رؤية النظام العسكري الذي يضع جميع الحركات الإسلامية في سلة واحدة. وانتقد المفتي الإمام الشهيد حسن البنا واعتبره كان يستخدم الجهاد من أجل استعادة الحكم الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية.[[6]] الهدف الثاني، هو تبييص صورة النظام العسكري في مصر والدفاع عن سياساته وتوجهاته بوصفه رأس الحربة ضد الإرهاب والتطرف. ومحولة تعزيز الرواية السلطوية عن الأحداث داخل مؤسسات الحكم والتشريع والإعلام في بريطانيا، والعمل على تعزيز قدرت النظام الناعمة داخل المجتمع البريطاني. ولتحقيق هذا الهدف اعتمد المفتي على تسويق عدة أفكار مقترحات: [[7]] أولا، انتقاد ما يسمى بصدام الحضارات والتأكيد على ضرورة الحوار بين الثقافات من كافة أطياف البشر، من أجل تعزيز التفاهم والتعاون بين الحضارات والثقافات المختلفة. ثانيا، الإشادة بالتجربة المصرية في في التعايش المشترك بين المسلمين والمسيحيين وأنها تعتبر نموذجا فريدا في تطبيق مبادئ المواطنة؛ اتساقا مع كافة الدساتير المصرية منذ سنة 1932 وصولا إلى التعديلات الدستورية الأخيرة سنة 2019 على دستور سنة 2014م. وحرص هذه الدساتير على إقرار مبدأ المواطنة والمساواة بين جميع المصريين في الحقوق الواجبات وضمان حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية. كما واستعرض المفتي جهوده في الحوار مع الكنيسة الكاثوليكية، ومع رئيس أساقفة كانتربري، بالإضافة إلى…