زيارة المفتي إلى لندن.. الصدى والمآرب والنتائج

زيارة المفتي إلى لندن.. الصدى والمآرب والنتائج

  قام الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، بزيارة إلى العاصمة البريطانية لندن، والتي استغرقت أسبوعا بداية من الأحد 15 مايو إلى الجمعة 20 مايو 2022م، وكان في استقباله ــ وفقا للصحف والفضائيات الموالية للسلطة ــ السفير المصري وأعضاء السفارة ووفود من وزارة الداخلية البريطانية بتنظيم تشريفة أمنية عالية المستوى لتأمين تحركاته في العاصمة البريطانية، بوصفها زيارة رسمية. خلال الزيارة التقى المفتي بعدد من نواب مجلسي العموم واللوردات البريطاني وألقى كلمة في الحاضرين، ثم ألقى محاضرة في جامعة أكسفورد الشهيرة،[[1]] ورغم الزفة الإعلامية من جانب الآلة الإعلامية للسلطة حول نجاح الزيارة إلا أن الحقائق على الأرض كانت غير ذلك ــ وفقا لرواية المعارضين ــ وانتهت الزيارة بعدة فضائح مركبة للمفتي وللنظام،  أبرزها رفض عمدة لندن السيد “عمر خان” استقبال المفتي معللا ذلك بأنه وقع على إعدام المئات من الأبرياء في محاكمات سياسية افتقرت لأدنى معايير النزاهة والعدالة والشفافية. الزيارة ــ وفقا لرواية السلطة وآلتها الإعلامية ــ  تضمنت  عدة عناوين رئيسية: أولا، الزيارة رسمية بدعوة من مجلس العموم البريطاني. ثانيا، إلقاء المفتي كلمة أمام مجلسي العموم واللورادات. ثالثا، محاضرة بجامعة أكسفورد العريقة. ثم محاضرة أخرى بمركز سيفيتاس للأبحاث بلندن. لقاءات مع بعض أبناء الجالية المصرية والجاليات الإسلامية. فما أهداف الزيارة ومآربها؟ لماذا تم اختيار المفتي لا شيخ الأزهر للقيادم بهذه المهمة رغم أن الطيب أعلى قيمة ومكانة من المفتي ويحظى باحترام واسع محليا ودوليا؟ وما مغزى توقيت الزيارة؟ وما علاقة الزيارة بجماعة الإخوان المسلمين؟ ولماذا يعمل النظام على تحريض الحكومة البريطانية ضد الجماعة في هذا التوقيت؟ لماذا المفتي؟ كان لافتا اختيار المفتي شوقي علام للقيام بهذه الزيارة ولم يعتمد النظام على شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، رغم أن الأخير يحظى بالاحترام محليا ودوليا، كما أنه يمثل رجل الدين الأول في مصر وفقا لهرم المناصب الدينية الذي يجعل منصب شيخ الأزهر أعلى مقاما من المفتي ووزير الأوقاف. يمكن عزو ذلك إلى الأسباب الآتية: أولا، حرص شيخ الأزهر على أن يكون على مسافة من السلطة بأجندتها وسياساتها وتوجهاتها وإصراره على شيء من الاستقلال في المواقف، على عكس المفتي وزير الأوقاف، اللذين لا يحظيان بشيء من الاحترام  لا محليا ولا خارجيا؛ لإذعانهما الكامل للسلطة وأجهزتها  الأمنية والدفاع عن مواقفها مهما كانت بالغة الشذوذ والانحراف والظلم والتناقض مع قيم الإسلام ومبادئه وأحكامه. ثانيا، الطيب نفسه يأبى أن يورط نفسه والأزهر الشريف باعتباره رمزا له في الضلال السياسي، وأن يكون بوقا للسلطة؛ فالرجل ــ وإن كانت عليه بعض الملاحظات ــ فإنه حريص كل الحرص على النأي بالأزهر شيخا ومشيخة عن القيام بهذه الأدوار، في أعقاب الانتقادات التي لاحقته بعد مشاركته في مشهد انقلاب 03 يوليو 2013م، والإطاحة بالرئيس المنتخب بإرادة الشعب الحرة، لا سيما بعدما كشفت السنوات الماضية حجم المؤامرة على الرئيس والدولة المصرية والتجربة الديمقراطية التي كانت وليدة. ثالثا، شيخ الأزهر ينظر إلى ملف الإرهاب وأسباب وجذوه وطرق معالجته، نظرة تختلف بشكل واسع عن تصورات النظام ومواقفه؛ فبينما يرى النظام أن الإرهاب ظاهرة إسلامية مبنية على تأويلات وتفسيرات متطرفه للإسلام، يرى الشيخ الطيب أن الإرهاب ظاهرة عالمية ولا يختص بدين معين. كما يرى الطيب أن الإرهاب ليس ناتجا عن تأويلات متطرفة بقدر ما هو رد فعل على المظالم السياسية والاجتماعية والتي تمثل السبب الرئيس لظاهره العنف والإرهاب.  وتصريحاته الأخيرة يؤكد فيها أن «الإرهاب ظاهرة سياسية لا دينية، وأن أنظمة سياسية غربية صنعته وصدرته للعالم وألصقته باليهودية والمسيحية والإسلام  لتحقيق مكاسب وأجندات بالغة التعقيد»[[2]] وللشيخ الطيب تصريحات كثيرة بهذا الشأن ودعا إلى ملاحقة من يسيء للإسلام قضائيا ويرفض وصف «الإرهاب الإسلامي»، مؤكدا أن وصف المسلمين بالإرهاب خدعة ابتعلها الكثيرون. وطالب بعدم الرد على الإرهاب بإرهاب مماثل.[[3]] وبالتالي فإن نظرة شيخ الأزهر إلى الإرهاب وأسبابه وجذوره وطرق معالجته تضع السلطة في موضع اتهام والمسئولية؛ وهو ما يجعل  الطيب مغضوبا عليه من جانب السيسي وأجهزته الأمنية. أهداف الزيارة ومآربها مغزى الزيارة في هذا التوقيت يبقى غامضا، قد يكون السبب هو الرد على  انتقادات وجهت للنظام من جانب الحكومة البريطانية بشأن إقصاء الإخوان من دعوة الحوار السياسي الذي أطلقه السيسي مؤخرا. وقد يكون لأهداف أخرى خاصة بالنظام وتوجهاته المستقبلية، وقد تكون الزيارة بهدف التهميد لإعدامات قادمة لا سيما وأن هناك العشرات من رموز الإخوان وأعضائها محكومة عليهم بالإعدام بأحكام باتة نهائية تنتظر التنفيذ. وهي خطوة ليست سهلة على الإطلاق في ظل المشاكل التي تحاصر النظام. لكن نظاما يفتقد إلى الرشد والحكمة قد يقدم على  خطوة إجرامية كهذه دون اكتراث. الهدف الرئيس من زيارة المفتي إلى العاصمة الإنجليزية لندن هو شيطنة جماعة الإخوان المسلمين بالإلحاح على وصم الجماعة بالتطرف والعنف والإرهاب. وقد ألح المفتي على ملف الإرهاب كثيرا خلال جميع لقاءاته؛ وعمل على تحريض البرلمان والحكومة البريطانية ضد جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى، وقد جاءت تغطية وسائل الإعلام الموالية للسلطة العسكرية لتؤكد على ذلك بكل وضوح.[[4]]  ولتحقيق هذا الهدف قام بالإجراءات الآتية: أولا، لم يترك لقاء أو كلمة أو تصريحا إلا وتحدث عن الإخوان بوصفهم جماعة إرهابية متطرفة؛ داعيا إلى ضرورة التعاون والتنسيق بين الجميع في مواجهة الأفكار والجماعات الإرهابية والمتطرفة، قائلًا «الإرهابيون يتعبَّدون بسفك الدماء المحرَّمة ويجاهدون بالقتل والإرهاب».[[5]] ثانيا، توزيع بيان على بعض نواب مجلسي العموم واللوردات يتضمن هجوما حادا على جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها حتى اليوم. يتبني فيه سردية السلطة التي تتهم  جماعة الإخوان التي فازت بثقة  الشعب المصري في أنزه انتخابات في تاريخ البلاد بالعنف والتطرف والإرهاب. ويحاول بشتى الطرق ربط الإخوان بداعش اتساقا مع رؤية النظام العسكري الذي يضع جميع الحركات الإسلامية في سلة واحدة. وانتقد المفتي الإمام الشهيد حسن البنا واعتبره كان يستخدم الجهاد من أجل استعادة الحكم الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية.[[6]] الهدف الثاني، هو تبييص صورة النظام العسكري في مصر والدفاع عن سياساته وتوجهاته بوصفه رأس الحربة ضد الإرهاب والتطرف. ومحولة تعزيز الرواية السلطوية عن الأحداث داخل مؤسسات الحكم والتشريع والإعلام في بريطانيا، والعمل على تعزيز قدرت النظام الناعمة داخل المجتمع البريطاني. ولتحقيق هذا الهدف اعتمد المفتي على تسويق عدة أفكار مقترحات: [[7]] أولا، انتقاد ما يسمى بصدام الحضارات والتأكيد على ضرورة الحوار بين الثقافات من كافة أطياف البشر، من أجل تعزيز التفاهم والتعاون بين الحضارات والثقافات المختلفة. ثانيا، الإشادة بالتجربة المصرية في في التعايش المشترك بين المسلمين والمسيحيين وأنها تعتبر نموذجا فريدا في تطبيق مبادئ المواطنة؛ اتساقا مع كافة الدساتير المصرية منذ سنة 1932 وصولا إلى التعديلات الدستورية الأخيرة سنة 2019 على دستور سنة 2014م. وحرص هذه الدساتير على إقرار مبدأ المواطنة والمساواة بين جميع المصريين في الحقوق الواجبات وضمان حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية. كما واستعرض المفتي جهوده في الحوار مع الكنيسة الكاثوليكية، ومع رئيس أساقفة كانتربري، بالإضافة إلى…

تابع القراءة
احتجاجات تشاد والمأزق الفرنسي في إفريقيا

احتجاجات تشاد والمأزق الفرنسي في إفريقيا

  شهدت العاصمة التشادية نجامينا وعدة مدن أخرى بالبلاد، في 14 مايو 2022، تظاهرات واسعة ضد استمرار الوجود الفرنسي في البلاد، مُتَّهمين باريس بدعم المجلس العسكري الانتقالي الحاكم، برئاسة محمد إدريس ديبي (كاكا)، وهي الاحتجاجات التي نظمتها تنسيقية منصة المجتمع المدني “واكيت تاما”، فضلًا عن مشاركة عدد من النقابات والجمعيات والأحزاب المعارضة وكذا طلاب المدارس والجامعات. وكان من اللافت أن المتظاهرين رفعوا العلم الروسي، وحرقوا العلم الفرنسي. فبعد 60 عامًا من الاستعمار و60 أخرى من استغلال الشعوب الإفريقية ومُقدَّراتها، تواجه فرنسا رفضًا غير مسبوق لاستمرار وجودها في مستعمراتها السابقة. فماذا يحدث في تشاد؟ وما أسباب تفجُّر الأوضاع هناك؟ وما هي التداعيات المُحتملة على الداخل التشادي؟ وكيف يُمكن قراءة الأحداث في إطار السياسة الفرنسية في إفريقيا؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير.. أولًا: تفجُّر الأوضاع في الداخل التشادي: الأسباب والتداعيات: في الأيام الأخيرة، نظَّمت جمعيات وأحزاب تشادية معارضة مظاهرة للمطالبة بإنهاء الوجود العسكري الفرنسي في أراضيها، وإنهاء تدخل باريس في شؤونها الداخلية. ووفق وزارة الأمن التشادية، حطَّم متظاهرون محطات خدمة السيارات التابعة لشركة توتال الفرنسية. واستمرت المظاهرات 3 أيام على الأقل، وشملت عدة مدن بالإضافة إلى العاصمة نجامينا واعتُقل فيها العشرات، بينهم 5 من قيادة المجتمع المدني الذين شاركوا في التظاهر. ويقود الاحتجاجات تحالف يُطلق عليه اسم “واكت تاما” ويعني بالعربية المحلية في تشاد “انتهى الوقت”؛ وهو تحالف من أحزاب سياسية وجماعات مدنية معارضة للمجلس العسكري تدعمه قطاعات عريضة من التشاديين الذين يرون الوقت قد حان للتخلص من الهيمنة الفرنسية الممتدة لأكثر من قرن، وبالتالي من الهيمنة العسكرية المحلية. ويُطالب المُحتجُّون بمجموعة من المطالب؛ أولها؛ خروج فرنسا من تشاد، وكانت شعارات الاحتجاجات واضحة “فرنسا ارحلي” و “لا للاستعمار”. وثانيها؛ وضع إطار قانوني للمرحلة الانتقالية ينتهي بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية وإنهاء سيطرة المجلس العسكري الحاكم. هذا في حين رفض المُحتجُّون ما يسمونه الانقلاب المؤسساتي بتولِّي المجلس العسكري الحكم ونيته المُبيَّتة للاستمرار عبر حوار يستوعب فيه بعض الحركات المتمردة من دون التصريح بتسليم السلطة لحكومة مدنية مُنتخبة وعودة الجيش إلى ثكناته.[1] وسعى المجلس العسكري الحاكم في نجامينا، برئاسة كاكا، إلى استيعاب المُحتجِّين، وهو ما وضح في البيان الصادر عن الحكومة التشادية، والذي طالبهم بالهدوء، كما دعا الأطراف التشادية كافة إلى الانضمام إلى الحوار الشامل المزمع عقده في الفترة المقبلة. وفي المقابل، رفض المجلس العسكري التجاوب مع مطلب المُحتجِّين برحيل القوات الفرنسية، وهو ما اتضح في إعلان وزير الاتصالات التشادي، عبد الرحمن كلام الله، عن تقدير السلطات التشادية بدور المجتمع الدولي وشركاء نجامينا الدوليين، مثل فرنسا، في تقديم الدعم لتشاد خلال الفترة الانتقالية، وهو ما يعد مؤشرًا على تمسك السلطات الحاكمة بعلاقتها الوثيقة بباريس. أسباب تفجُّر الاحتجاجات: ثمَّة العديد من المُحدِّدات الداخلية والخارجية التي يُمكنها تفسير التصعيد الحالي في الموقف الداخلي في تشاد؛ أولها؛ تعثُّر الحوار الوطني الشامل: حيث أعلنت السلطات التشادية، في 8 مايو الجاري، تأجيل جلسات الحوار الوطني الشامل، والذي كان من المُفترض أن ينعقد في نجامينا في 10 من الشهر ذاته، وذلك بناءً على طلب الوسيط القطري، حيث تستضيف الدوحة جلسات الحوار التمهيدي بين ممثلي الحكومة التشادية وعشرات من حركات المعارضة المسلحة. وعلى الرغم من مرور شهرين على بداية جلسات الحوار التمهيدي، فإنها لم تفرز أي نتائج حقيقية، وذلك نظرًا لرفض السلطات الحاكمة في نجامينا مطالب المجموعات الثلاث لحركات المعارضة المسلحة، على الرغم من التوافق في عدد من النقاط. وثانيها؛ حصول فرنسا على قواعد إضافية: أشارت بعض التقارير المحلية في تشاد خلال الأيام الأخيرة إلى أن المجلس العسكري الحاكم سمح لفرنسا بإنشاء خمس قواعد عسكرية جديدة على أراضيها، وهو ما لاقى اعتراضات واسعة لدى قوى المعارضة. وبالرغم من نفي باريس هذه التقارير، إلا أن المعارضة تؤكد صحتها بناءً على تطورات الوضع في مالي. فقد ربطت قوى المعارضة بين هذه الأخبار وإنهاء مالي مؤخرًا اتفاقيات التعاون العسكري المُوقعة مع باريس، والتي مثَّلت الإطار القانوني الحاكم للحضور العسكري الفرنسي في مالي، وهو ما يُعزِّز من اتجاه باريس للبحث عن تمركزات أخرى في المنطقة غير باماكو، وتُعد تشاد من بين هذه الدول المُرشحة لاستقبال القوات الفرنسية. وثالثها؛ دعم باريس لنظام ديبي: حيث تُمثِّل تشاد أهمية خاصة للاستراتيجية الفرنسية في الساحل الإفريقي، فتُعد نجامينا مقر القيادة المركزية لعمليات فرنسا في الساحل لمكافحة الإرهاب، وهو ما يُفسِّر الدعم الواسع الذي يحظى به النظام القائم في نجامينا، سواء في فترة إدريس ديبي الأب، أو حتى ما قبله، حيث تدخَّلت باريس في عدة مرات لإنقاذ نظام إدريس ديبي من السقوط، وهو الأمر الذي يستمر حاليًا مع ديبي الابن، ولذلك اتجهت باريس لدعم نقل السلطة للابن بشكل غير دستوري. ورابعها؛ تدهور الأوضاع الاقتصادية: فبالرغم من تمتُّع تشاد بثروات نفطية، إلا أن الأوضاع المعيشية تعاني تدهورًا حادًا، حيث بلغ نسبة المواطنين تحت مستوى خط الفقر نحو 86% من إجمالي حوالي 16 مليون نسمة، منهم حوالي 63% يعانون الفقر المدقع. وفي هذا الإطار بات هناك اقتناع داخلي في تشاد بأن الوجود الفرنسي في البلاد يستهدف استغلال ثروات تشاد لصالح باريس.[2] أهمية تشاد لفرنسا: بعد الاستقلال سنة 1960 ظلت تشاد تابعة لفرنسا شأنها شأن المستعمرات الفرنسية في إفريقيا؛ ويُمكن القول إن تشاد كانت الأكثر تبعية، وتجلَّى ذلك من خلال الحضور الفرنسي في الأحداث بنجامينا واحباطها لعدة انقلابات عسكرية استهدفت موالين لها في تشاد. وتُعد تشاد العمود الفقري للاستراتيجية الفرنسية وسط إفريقيا، وهي ساحة مفتوحة لتدخلات فرنسا بإذن وبدون إذن، فضلًا عن كونها نقطة انطلاق لها لمراقبة منطقة الساحل والصحراء في إفريقيا. وارتبطت تشاد مع فرنسا بعد الاستقلال باتفاقية مساعدات عسكرية متعددة الأطراف فيها دول مثل إفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية والغابون. وأعطت هذه الاتفاقية للفرنسيين قواعد عسكرية ومنحتهم حق مُطلق للتحليق فوق البلاد مُقابل دفاع فرنسا عن هذه الدول وحمايتها من أي تهديد خارجي.[3] ويُعتبر جيش تشاد إحدى أهم الركائز الفرنسية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، وتُعد القوة التشادية من أولى البعثات العسكرية المُشاركة في قوة مينوسما التي يقدَّر عددها بنحو 15 ألف عنصر، كما تُعد نجامينا مركز القيادة المركزية لقوة برخان الفرنسية لمكافحة الإرهاب في المنطقة، حيث يتمركز هناك نحو 1000 جندي، إلى جانب عدد من طائرات ميراج المقاتلة البالغة نحو 2000 طائرة، لذلك تُصرُّ باريس على دعم نظام الحكم في تشاد.[4] فمع مطلع عام 2019 ساعدت فرنسا الرئيس الراحل إدريس ديبي –أحد أبرز حلفائها الأفارقة– عبر قصف المتمردين التشاديين الذين دخلوا من ليبيا إلى شمال شرق البلاد. والتحكم الفرنسي في شؤون تشاد وصل إلى مستويات غير مسبوقة؛ عندما عمدت باريس إلى تغيير الدستور التشادي عام 2006 من أجل أن يواصل ديبي بقاءه الحكم. وبعد مقتل ديبي وسيطرة الجيش على السلطة في تشاد عام 2021؛ ناقضت…

تابع القراءة
فوضى سوق العقارات في مصر.. قراءة تحليلية (1/2)

فوضى سوق العقارات في مصر.. قراءة تحليلية (1/2)

    لسوق العقارات المصري أهمية كبرى في الاقتصاد القومي؛ لأنه يمثل نحو 60% من قيمة الاستثمار والإنتاج الكلي في الدولة، بعد أن كان يمثل نحو 48% منذ عشر سنوات، وبما له من دور رئيسي في تشغيل القوى العاملة من كافة الوظائف والمهن.[[1]]  ويؤكد الدكتور أحمد شلبي، رئيس مجلس إدارة شركة تطوير مصر، أن الأسعار ارتفعت بنسبة 30% في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022،  مطالبا بدعم السوق العقاري، الذي تحمل كثيرا من الصدمات والأزمات، وحقق مبيعات تصل إلى 250 مليار جنيه خلال عام واحد فقط، وهو مؤشر على قوة وحجم السوق الذي شهد معدل نمو بمعدل 25% في 2021م.[[2]] وما ذلك فإن هناك حالة من الفوضى التي تضرب قطاع العقارات المصرية وهي الفوضى التي تتخذ أبعادا وأشكالا مختلفة. أولا، أكثر من مائة مليون مصري يعيشون على شريط حول النيل لا يتجاوز نحو 10% من المساحة الإجمالية، بينما تبقى 90% من مساحة مصر غير مستغلة على نحو صحيح لأنها أرض صحراوية. لكن العجيب حقا هو الارتفاع الجنوني في أسعار الأراضي المخصصة للبناء؛ فسعر المتر على أطراف المدن بالصحراء يتجاوز أكثر من 20 إلى 30 وربما 50 ألف جنيه؛ بما يؤكد أن هناك خللا في منظومة العمران، انعكس هذا الخلل على أسعار الوحدات السكنية لتصل إلى مستويات مماثلة في الجنون وتفوق قدرات ودخول الغالبية الساحقة من الناس. وبالتالي لم يعد يلجأ إلى الاستثمار في العقارات والوحدات السكنية والأرض إلا فئة محدودة من الأثرياء الذين يملكون فوائض مالية تسمح لهم بالدخول في مثل هذا النوع من الاستثمار. لهذه الأسباب؛ فإن أشكال الدعاية المبهرة للمدن الجديدة والفيلات والمنتجعات الفخمة التي تقوم بها شركات التطوير العقاري عبر شاشات التلفاز على فضائيات المخابرات لا تستهدف سوى نحو 10% فقط من السكان، وهم الطبقة التي تعيش حياة فاحشة الثراء والرفاهية. وأمام جنون أسعار الأرض والعقارات والوحدات السكنية اضطرت أعداد كبيرة من الفقراء إلى البناء على الأراضي الزراعية بأطراف المدن والقرى، وهؤلاء شن النظام عليهم حربا ضارية وهدم آلاف المنازل والبيوت بدعوى أنها بنيت بالمخالفة للقانون رقم 17 لسنة 2019م الخاص (التصالح في مخالفات البناء)! ثانيا، نظريا تحتاج مصر التي يبلغ عدد سكانها نحو 103 ملايين نسمة إلى نحو 30 مليون وحدة سكنية للوصول إلى حد الكفاية، لكن الأرقام تؤكد أن السوق المصري يمتلك فعليا ــ طبقا لتصريحات ناجي السرجاني المتحدث باسم مصلحة الضرائب العقارية في يناير 2022م ــ نحو 58 مليون وحدة عقارية حتى نهاية 2021م، منها 45 مليون وحدة سكنية،  ونحو 15 مليون وحدة أخرى لأغراض غير سكنية.[[3]] معنى ذلك أن مصر لا تحتاج أصلا للمدن الجديدة التي يهدر عليها السيسي آلاف المليارات؛ فالسوق العقاري متخم  بالأساس وفائض عن الحد وفقا لهذه الأرقام الرسمية. من جهة ثانية، فإن هذه الأرقام تكشف أن شريحة الأثرياء تستحوذ على نحو 50% من أعداد العقارات مع الفارق طبعا في التكلفة والمساحة كشكل من أشكال الاستثمار أو الادخار. من جهة ثالثة فإن هذه الأرقام تؤكد حالة الفوضى العقارية؛ فإذا كانت مصر تحتاج سنويا نحو 600 ألف وحدة سكنية استنادا إلى (تصريحات وزير المالية أن بين 500 و650 ألف عقد بيع للوحدات السكنية يتم سنوياً، يتم تحصيل نحو 8.5 مليارات جنيه منها). فهذه الأرقام تبرهن على وجود فجوة بين الموجود ومعظمه غير معروض لأهداف استثمارية  وادخارية ، وبين المطلوب وليس كله متاح، فقطاع كبير من الشباب الباحثين عن السكن لا يستطيعون الحصول عليه سواء لعدم القدرة المالية أو لعدم كفاية المعروض الحكومي، فى حين يوجد ملايين الوحدات يتم شراؤها بغرض الاستثمار المالي فيها بدعوى الاستثمار العقاري، والغرض منها تحقيق عوائد مالية بإيجارها لإعادة بيعها وتحقيق أرباح.[[4]] ثالثا، رغم هذه التخمة في الوحدات السكنية القائمة بالفعل، والتي تفوق الطلب بمراحل، إلا أن معظم هذه الوحدات لا تسهم في حل المشكلة السكانية؛ لأنها مملوكة لشريحة الأثرياء الذين يستهدفون بها الاستثمار وتحقيق أعلى العوائد والأرباح. ورغم هذا الحجم الهائل (58 مليونا) من الوحدات السكنية التي تزيد عن الحد فإن أسعار الوحدات السكنية تشهد ارتفاعات جنونية تفوق دخول معظم المصريين الذين تتراجع دخولهم بفعل الغلاء الفاحش والتضخم المتزايد وتراجع قيمة العملة المصرية. أسهم في زيادة الأزمة تداعيات تفشي جائحة  كورونا من جهة منذ بداية سنة 2020، ثم تداعيات الحرب الروسية الأكرانية في منذ أواخر فبراير 2022م. هذه التداعيات أدت إلى توقف معظم  شركات التطوير العقاري عن البيع إلى حين احتساب التكاليف الإنشائية واستقرار الأسعار، لا سيما بعد الارتفاعات القياسية لأسعار مواد البناء منها الحديد الذي ارتفع من 9950 جنيها في 2020 إلى 20 ألف جنيه حاليا في إبريل 2022، وارتفع الأسمنت من 720 جنيها في 2020 إلى 1500 جنيه حاليا، بخلاف القفزات في أسعار الرمل والزلط والطوب والجير والسيراميك والعمالة وغيرها.  وحسب دراسات حديثة، آخرها أطلقها المركز المصري للدراسات الاقتصادية، حذر فيها من “مواجهة القطاع العقاري لأزمة نتيجة زيادة المعروض، مع تراجع القدرة الشرائية للمصريين، بما أدى إلى تباطؤ البيع في أسواق التجزئة”. رابعا، من أجل إجبار شركات المقاولات على العمل في مشروعات التشييد والبناء التي تشرف عليها الدولة، ممثلة في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة ووزارة الإسكان، وذلك وفق الشروط والأسعار التي تحددها، وإفساح المجال لبيع الوحدات السكنية في المدن العمرانية الجديدة والعاصمة الإدارية، عوضاً عن حظر البناء في منازلهم وأراضيهم، أو التعاقد مع شركات المقاولات والتنمية العقارية الخاصة.[[5]] ضرب السيسي قطاع المعمار في مقتل بحظر الحكومة البناء منذ 25 مايو 2020م، حيث كلف اللواء محمود شعراوي وزير التنمية المحلية كل المحافظين بوقف إصدار التراخيص الخاصة بإقامة أعمال البناء أو توسعتها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها للمساكن الخاصة في القاهرة الكبرى والإسكندرية وكافة المدن الكبرى. كما نص القرار على إيقاف استكمال أعمال البناء للمباني الجاري تنفيذها لحين التأكد من توافر الاشتراطات البنائية والجراجات وذلك اعتباراً من يوم الأحد 24 مايو (2020) ولمدة 6 أشهر.[[6]] وهو  القرار الذي لا يزال يتم العمل به حتى اليوم انتظارا لقانون اشتراطات البناء الذي كان يفترض صدوره في منتصف 2021، لكن ذلك لم يحدث. وفي 28 ديسمبر 2020م، أصدرت الحكومة تعديلات قانون البناء وتحديد الاشتراطات الجديدة، لكن مشروع القانون لا يزال قيد البحث داخل لجان البرلمان بعد اعتراضات كثيرة تتعلق بالصعوبة الشديدة في تطبيق هذه الاشتراطات التي تمثل شكلا من أشكال الحصار الحكومي وتقييد البناء تحت لافتة محاربة العشوائية.[[7]] واستثنى قرار وزارة التنمية المحلية بوقف تراخيص البناء لحين صدور قانون اشتراطات البناء الجديدة المشروعات التي تشرف عليها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة التي يطلق عليها النظام (المشروعات القومية الكبرى!)، وكذا المنشأة الصناعية والسياحية، ومشروعات شركات التطوير العقاري، وشركات القطاع العام، وقطاع الأعمال العام، والقطاع  الخاص بوزارة الإسكان والمدن الجديدة، واستمرار العمل بها بصورة طبيعية.  وهو ما يعني…

تابع القراءة
"الافلات من العقاب" فلسفة نظام السيسي لحماية رموزه وأسرهم.. فهل تفلح لنجاة ابن وزيرة الهجرة بأمريكا؟

“الافلات من العقاب” فلسفة نظام السيسي لحماية رموزه وأسرهم.. فهل تفلح لنجاة ابن وزيرة الهجرة بأمريكا؟

  تأتي قضية قتل ابن وزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم عبيد، لشخصين أمريكيين واصابة ثالث، بمقر اقامته بأمريكا، ومحاولة ممارسة الوزيرة والسلطات المصرية ضغوطا دبلوماسية وقضائية للإفراج عنه أو محاكمته بمصر، لتكشف حجما كبيرا من الفساد وسيادة مبدأ المجاملات والمحسوبية، على حساب العدالة والقيم القضائية الراسخة بدول العالم. تلك المحاولات الفاشلة حتى الآن، تتماهى مع ما يدار بمصر، التي شهدت مؤخرا، الافراج عن ابن النائب المصري عن حزب “مستقبل مصر” محمد الحسيني، بعد تورطه في جريمة قتل أحد عمال النظافة بمنطقة بولاق الدكرور بالقاهرة، بعد فقدان الابن لتلفونه المحمول. وهو الأمر الذي يتكرر كثيرا في الأوساط المصرية، من تحصين أبناء الكبار والمسئولين، حتى لو كانوا ضالعين بالفساد المالي أو الأخلاقي أو المالي، وهو ما تكرر خلال السنوات الماضية من حكم عبد الفتاح السيسي ونظامه العسكري، الممتد منذ العام 2013… ومن أشهر قضايا الفساد التي ثارت مؤخرا، قضية فساد وزيرة الصحة وابنها وطليقها، وأيضا فساد وزارة الأوقاف ، وفساد دائرة السيسي الضيقة، والتي وصلت لفساد السيسي نفسه، في قضية القصور الرئاسية… وغيرها من القضايا التي توفرت بها مجالات الافلات من العقاب، برعاية الكبار ومسئولي النظام. وهو سيناريو متكرر في الأوساط الأمنية أيضا، حيث أكد السيسي في حواره المسرب مع عناصر أمنية وعسكرية، بكل وضوح أن “الضابط أحمد لو ارتكب أي جريمة خلال عمله بمواجهة متظاهرين أو معارضين للنظام. فلن يحاكم “، وهو ما سهل عمليات الافلات من العقاب والقانون لكثير من عناصر السلطة الأمنية المتورطين في قتل مصريين تحت التعذيب، سواء بالشوارع والميادين أو في مراكز الاحتجاز وأقسام الشرطة. ويلفت تعدد قضايا الفساد والمحسوبيات داخل أروقة النظام الحالي، إلى تغول الفساد والمحسوبية والمجاملات، داخل نظام السيسي بل وفي قصره، وهو ما يتوافق مع الكثير من التسريبات المتلاحقة التي تنشرها المواطنة المصرية المقيمة بكندا نرمين عادل عن الفساد المستشري في أوساط النظام المصري. والذي ينخر في داخل المنظومة الحاكمة، بما فيها عبد الفتاح السيسي وعائلته ورموز نظامه.. قضية ابن وزيرة الهجرة: ويوم السبت 28 مايو 2022، أقرت وزيرة الهجرة نبيلة مكرم، بأن نجلها رامي هاني منير فهيم (26 سنة) متهم بجريمة قتل اثنين من زملائه طعناً بسكين في الولايات المتحدة الأميركية. وقالت مكرم في تدوينه عبر موقع “فيسبوك”: “أنا وأسرتي نتعرض لمحنة شديدة، ونمر بوقت عصيب على أثر اتهام نجلي بارتكاب جريمة قتل في الولايات المتحدة. هذا الاتهام منظور أمام محكمة أميركية، ولم يصدر به حكم قاطع حتى الآن. قيامي بواجباتي كوزيرة لا يتعارض إطلاقاً مع كوني أماً مؤمنة تواجه بشجاعة محنة ابنها، ومهما كانت العواقب؛ فإنني كوزيرة أتحمل مسؤوليتي كاملة تجاه منصبي، ومقتضيات العمل به، وأفرق بشكل واضح بين ما هو شخصي، وما هو عام” وعلى الرغم من التعتيم الاعلامي الذي تفرضه السلطات المصرية على القضية، إلا أن الوزيرة طالبت وسائل الإعلام بتحري الدقة فيما تنشر، ومراعاة الصدق والإنسانية في تعاملها مع تلك المحنة التي ألمت بأسرة مصرية تنتظر حكماً لا يزال فى علم الغيب…بحسبها. واتهم رامي، في إبريل الماضي، بجرائم قتل متعددة، واستخدام سلاح فتاك، وقال مكتب الادعاء في ولاية كاليفورنيا إن “ظروف القضية، ومحاولة الكذب، وجرائم القتل المتعددة، تجعله مؤهلاً لعقوبة الإعدام. وكان الضحيتان، وكلاهما من رفقاء السكن، وهما غريفين كومو وجوناثان بام، وكلاهما يبلغ من العمر 23 سنة، من خريجي جامعة تشابمان، والدافع وراء جرائم القتل غير واضح؛ لكن الشرطة تقول إن “كومو وفهيم عملا معاً في شركة لإدارة الثروات في مقاطعة أورانج. وإن عمليات الطعن القاتلة وقعت في 19 إبريل الماضي “وورد إلى الشرطة بلاغ بالعثور على رجلين قتيلين وجريح واحد داخل الشقة، كما عُثر على سكين كبيرة في مكان الحادث، وروى الجيران أنهم رأوا الدم في كل مكان، في المصعد وفي الممر، واحتجز نجل وزيرة الهجرة منذ ذلك التاريخ، ووُجّه الاتهام إليه في 6 مايو الجاري ووفقاً لموقع المحكمة العليا في مقاطعة أورانج كاونتي بكاليفورنيا، فقد حُدّد موعد جلسة المحاكمة في صباح 17 يونيو المقبل، في مركز العدل الشمالي التابع للمحكمة في مدينة فوليرتون وذكرت شبكة “سي بي أس” الإخبارية الأمريكية، الشهر الماضي، أن مدعين أكدوا أن حارس أمن المبنى شاهد “فهيم” وهو يمشي على سطح المجمع السكني في منتصف الليل، قبل ساعات فقط من وقوع الجريمة. -محاولات للإفلات من العقاب عادة وسياسة مصرية مجربة: وفور تفجر القضية، بعد النشر عنها في الدوريات والصحافة الأمريكية، تناقلت العديد من التقارير الاعلامية أن الوزيرة والسلطات المصرية، مارسوا ضغوطا عديدة لمحاولة التأثير على مسار القضية، ونقلت “العربي الجديد” عن مصادر خاصة بها، أن تحركات دبلوماسية وقانونية مصرية تجري في الولايات المتحدة، في محاولة للإفراج بكفالة مالية عن نجل وزيرة الهجرة، المحبوس احتياطياً على خلفية اتهامه بالقتل، تعتبر نبيلة مكرم من الوزراء التابعين بشكل مباشر إلى هيئة الأمن القومي بجهاز المخابرات العامة. اذ تدير الوزيرة مجموعة من المجندين في الخارج بالتعاون مع المخابرات لمراقبة المعارضين. وقالت مكرم، في لقاء مع الجالية المصرية في كندا في يوليو 2019: “لأننا معندناش غير بلد واحدة مصر اللي بتضمنا كلنا، ومهما اتغربنا، هتفضل البلد دي ساكنة في قلبنا، وما نستحملش ولا كلمة عليها، أي حد يقول برة كلمة على بلدنا.. يتقطع”، مشيرة بيدها بعلامة النحر، وسط تصفيق حاد من الحضور. ومكرم متزوجة من هاني منير فهيم ميخائيل، وهو مهندس مدني ورجل أعمال، ولديها ثلاثة أبناء، أكبرهم المتهم بالقتل، والاثنان الآخران في المرحلة الجامعية وحتى الآن ما زالت محاولات النظام فاشلة، في التأثير عل مسار القضية، لما يتمتع به النظام الأمريكي من نزاهة وشفافية، ولا يدار بالشكل الذي تدار به منظومة القضاء والعدالة حيث تتوافر العديد من الامثلة والنماذج على الفساد والمحسوبية المتجذرة بمصر.. ولعل أبرزها، عملية تعيين ابن الوزيرة نفسه في الشركة التي يعمل بها في أمريكا.. وغيرها من وقائع الفساد والمحسوبية واهدار قيم العدالة والمساواة، وهو ما يمكن الاشارة إلى بعض نماذجه، في السطور التالية: 1-علاقات الفساد وراء تعيين ابن الوزيرة بأمريكا: ووفق تقارير نشرتها صحيفة “وطن” الدولية، ووفق تغريدات للصحفي المصري والمدير العام السابق لصحيفة “المصري اليوم”، فتحي أبو حطب، كشف تفاصيل العلاقة التي جمعت بين وزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم والأمريكية من أصول مصرية ليلى بينس مالكة شركة Pence Wealth Management التي كان يعمل بها نجل الوزيرة رامي هاني منير فهيم، المتهم بقتل شخصين في كاليفورنيا.. وقال “أبو حطب”:” زارت السيدة ليلى بينس مصر في يونيو ٢٠٢١، ووقعت بروتوكول للتعاون بين مؤسستها وبين وزارة الهجرة لدعم المشروع القومي “حياة كريمة” من خلال جمع التبرعات في أمريكا لصالح المشروع.” وأضاف أنه” في فبراير ٢٠٢١، تقدمت وزيرة الهجرة بالتهنئة للسيدة ليلى بينس وذلك لتصدرها المركز الأول بقائمة مجلة فورب لأفضل مستشاري إدارة الثروات على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، للعام السادس على التوالي…..

تابع القراءة
ماذا بعد فوز حسن شيخ محمود برئاسة الصومال؟

ماذا بعد فوز حسن شيخ محمود برئاسة الصومال؟

    بعد سلسلة من التأجيلات لأكثر من عام، ومع وجود التوترات السياسية والاجتماعية، علاوة على مرور الصومال بأسوأ موجة جفاف منذ أربعين عاما وهو الأمر الذي يهدد نحو 5 مليون صومالي من مناطق الجنوب والوسط، بجانب انفلات أمني كبير، وتهديدات سياسية، على خلفية عنف تشهده البلاد منذ عقود، والتناحر بين العشائر. جاءت انتخابات الرئاسة الصومالية، التي جرت تحت حماية قوات الاتحاد الافريقي، بمطار مقديشيو، لتفتح بابا على مستقبل ينتظره الصوماليون، الذين يعانون الفقر والجوع والأمراض، وعلى وقع التفجيرات التي وقعت الأربعاء 11 مايو الجاري، وقبل ثلاثة أيام من موعد اجراء الانتخابات يوم الأحد 15 مايو الجاري، حيث أدى تفجير انتحاري تبنته حركة الشباب إلى إصابة سبعة أشخاص خلال تجمعات سياسية بالقرب من حظيرة الطائرات التي اجتمع فيها أعضاء البرلمان، كما اشتبك مقاتلون من جماعة إسلامية صوفية يوم الجمعة 12 مايو، مع القوات الحكومية للسيطرة على عاصمة إحدى الولايات”1″. في ظل تلك الأوضاع المضطربة، أجريت الأحد 15 مايو الجاري، الانتخابات الرئاسية الصومالية، من خلال تصويت أعضاء البرلمان بمجلسيه المنتخبين عبر الانتخاب غير المباشر من قبل قادة العشائر وممثلي القبائل، على منصب رئيس الصومال. وذلك على ثلاثة مراحل، حيث شارك في الجولة الأولى 39 مرشحا، قبل أن تنحسر المنافسة بالجولة الثانية بين 4 مرشحين، وفي الثالثة بين حسن شيخ محمود والرئيس محمد عبد الله فرماجو. وعلى أية حال فإن مجرد اجراء الانتخابات الرئاسية الصومالية، يعد انجازا نحو استكمال العملية السياسية وبناء المؤسسات بالبلد المأزوم سياسيا واقتصاديا وبيئيا. ووسط إجراءات أمنية مشددة وحراسة من قوات الاتحاد الإفريقي، وحظر لحركة الطيران وحظر تجوال في العاصمة مقديشيو، جرت الانتخابات على ثلاث جولات، وحصل شيخ محمود على 214 من أصوات أعضاء البرلمان بمجلسيه الشعب والشيوخ في اقتراع سري، مقابل 110 للرئيس المنتهية ولايته محمد فرماجو. وهو ما أهل محمود ليكون الرئيس العاشر للصومال لـ 4 سنوات قادمة. يقدم الاستعراض التالي، قراءة في أهمية تلك الانتخابات ودورها في تخفيف مشكلات الصوماليين، وأبرز التحديات المستقبلية للرئيس الجديد، ومهامه العاجلة، مع قراءة مستقبلية في مآلات الأوضاع بالصومال.. أولا: أهمية الانتخابات الرئاسية: وتبرز أهمية تلك الجولة الفاصلة من انتخابات الرئاسة الصومالية، كونها تمثل المعبر الذي يأمل من ورائه صوماليون ومجتمع دولي للخروج من حالة العنف والاضطرابات بالبلاد، وكذلك تحاوز مسارات صعبة تكتنف العملية السياسية، بجانب أن تلك الانتخابات هي الضمانة الأساسية لاستمرار برامج الدعم والمساعدات الاقتصادية الدولية. 1-تأهيل الصومال لاستمرار المساعدات الدولية: ووفق تقديرات سياسية، تعد تلك الانتخابات مؤهلا لضمان استمرار حصول الصومال على مساعدات مالية من الخارج، عبر برنامج صندوق النقد الدولي الذي تبلغ تكلفته 400 مليون دولار. حيث أكدت مديرة صندوق النقد الدولي، في فبراير الماضي إنه لابد من تشكيل حكومة جديدة بحلول 17 مايو، حتى يتسنى للصومال مواصلة الحصول على دعم للميزانية من الصندوق. ويعتمد اقتصاد الصومال المثقل بالديون ونقص البنى التحتية على المساعدات الدولية. وكانت الخلافات قد هددت برنامج مساعدات من صندوق النقد الدولي، كان من المقرر أن يتوقف تلقائياً في 17 مايو إذا لم تصادق الإدارة الجديدة على إصلاحات محددة.  وطلبت الحكومة تمديد هذا الموعد النهائي مدة ثلاثة أشهر. 2- تجاوز التعطيل والخلافات السياسية بين الرئيس السابق والبرلمان: وكانت الانتخابات مقررة منذ عام، لكنها تأجلت عندما حاول الرئيس “محمد عبد الله محمد” تمديد فترته الرئاسية المحددة بأربع سنوات لعامين آخرين، في خطوة أجهضها البرلمان ورئاسة الحكومة. وسبق تلك الانتخابات، الانتخابات البرلمانية في أبريل 2022. وقد جرت المنافسات على منصب الرئيس بين المرشحين البالغ عددهم 39، بينهم امرأة واحدة فقط وهي وزيرة الخارجية السابقة فوزية يوسف آدم. ويحق لنحو 329 برلمانياً من مجلسي النواب والشيوخ التصويت. وقد حالت الظروف الأمنية دون تصويت الصوماليين البالغ تعدادهم نحو 15 مليون، بشكل مباشر على منصب الرئيس. ومحمود، هو أكاديمي سابق وناشط في جهود السلام واتهمه المانحون بعدم القيام بما يكفي لمحاربة الكسب غير المشروع أثناء توليه المنصب”2″. 3- خطوة نحو الاستقرار: وعلى الرغم من حجم المخالفات والأجواء السياسية غير المواتية للعملية الانتخابية، وشكاوى البعض من تأثيرات التحالفات العشائرية وشراء الأصوات، الا ان اجراء الانتخابات الرئاسية يمثل في حد ذاته خطوة مهمة نحو الاستقرار السياسي في البلد الأكثر اضطرابا في شرقي افريقيا. فمنذ أواخر عام 2020 وبسبب الخلافات وحالة الشد والجذب بين الأطراف السياسية الأساسية (الحكومة الفدرالية والولايات)، وهو ما أدى لاستمرار العملية الانتخابية نحو 9 أشهر منذ أغسطس 2021 الذي انطلقت فيه الانتخابات البرلمانية. 4-نظام انتخابي معقد: ونظرا لتعقد النظام الانتخابي بالصومال، فإن مجرد تجاوزه واعتراف الأطراف المتنافسة بنتائج العملية الانتخابية، يعد انجازا مهما في حد ذاته. إذ تختلف الانتخابات الرئاسية الصومالية عن مثيلاتها في العالم، لاعتمادها على نظام المحاصصة القبلية كأساس لانتخاب أعضاء البرلمان بغرفتيه (مجلسا الشعب والشيوخ) بدلا من التصويت الشعبي المباشر الذي أجري لآخر مرة في الصومال عام 1969، إبان الحكم المدني الذي أطاح به العسكر بقيادة الجنرال محمد سياد بري في العام نفسه. وخلال حكم العسكر الذي استمر 21 عاما، كانت البلاد تحت حكم حزب واحد انفرد بإدارة دفة السياسة، فلم يكن التعدد الحزبي مسموحا به، مما جعل تنظيم انتخابات ديمقراطية أمرا مستحيلا، وبعد الإطاحة بالنظام العسكري من قبل فصائل مسلحة عام 1991 دخلت البلاد في حرب أهلية تسببت في انقسام الصوماليين وتمزق وحدة بلادهم. لكن وبعد محاولات عديدة فاشلة اتفق الصوماليون في مؤتمر انعقد بجيبوتي عام 2000 على بناء دولتهم من جديد من خلال التوصل إلى تشكيل حكم انتقالي يعتمد على المعادلة القبلية كحل مؤقت لانتخاب أعضاء البرلمان وتوزيع المناصب. وبعد خروج البلاد من المرحلة الانتقالية عام 2012 وتبني الصوماليين دستورا مؤقتا اتفقوا على تجاوز النظام القبلي كمعيار للانتخابات. وتم التوافق على تنظيم انتخابات مباشرة عبر صناديق الاقتراع كما يطالب الشعب الصومالي ومن ورائه المجتمع الدولي الذي يمول العملية السياسية في الصومال، غير أن هذا الحلم لم يتحقق كما كان مقررا، لا في عام 2016 ولا في 2020. وترجع أسباب عدم إجراء الانتخابات كما تم التوافق عليها للفشل في تحقق جملة من الأمور الضرورية التي تمهد لهذا الإنجاز “مثل إعادة صياغة الدستور، وإجراء الاستفتاء عليه، وإجراء إحصاء سكاني، وتسلم القوات الحكومية الملف الأمني من بعثة الاتحاد الأفريقي الداعمة لها منذ 2007، وتحرير كل المناطق خارج سيطرة الحكومة، إضافة إلى إقناع إقليم أرض الصومال (بالشمال) المنفصل عن الصومال منذ عام 1991 بالعودة إلى حضن الصومال عبر حوار جاد”.، وفق خبراء تحدثوا لـ “بي بي سي عربي”، 12 مايو 2022″.وعلى غرار ما حدث في عام 2016 فإن الأطراف الصومالية تبنت في 2020 عملية انتخابية غير مباشرة واستمرار الاعتماد على المعادلة القبلية كمعيار لانتخاب أعضاء البرلمان، وذلك على الرغم من الخلافات الشديدة المتسببة في تأجيل العملية الانتخابية عن مواعيدها المحددة نتيجة سعي كل طرف لتحقيق…

تابع القراءة
مصر: موجة الخصخصة الجديدة (2022).. ملامحها ومخاطرها

مصر: موجة الخصخصة الجديدة (2022).. ملامحها ومخاطرها

    خلال حفل إفطار الأسرة المصرية (الثلاثاء 26 إبريل 2022م الموافق 25 رمضان 1443هـ)،  تستر الجنرال عبدالفتاح السيسي خلف العبارات الإنشانية الفخمة والرنانة من أجل تجميل الوضع المتردي والزعم بتحقيق إنجازات غير مسبوقة في تاريخ في البلاد؛ وفي سبيل تسويق هذه الأوهام راح يتحصن بالشماعات الجاهزة على الدوام ليعلق عليها فشله وعجزه عن إدارة موارد البلاد بشكل صحيح. البداية كانت بتحميل ثورة 25يناير2011 المسئولية عما آلت إليه أوضاع البلاد من فشل وانهيار في كافة مجالات الحياة، مدعيا أن حجم الخسائر التى تعرضت لها الدولة فى أقل من 24 شهرا بلغت 37 مليار دولار و80 مليار جنيه، وهذه الخسائر لم ينته أثرها بعد، مضيفا أن الجيش كان يصرف مليار جنيه شهريا لمدة 84 شهرا لمواجهة (الإرهاب) ولإزالة آثار الثورة التي فتحت ــ حسب تصريحات السيسي ــ الباب للإرهاب. ثم انتقل إلى شماعة الإرهاب حيث كشف لأول مرة أن عدد الضحايا في صفوف الجيش والشرطة منذ 2013م بلغ “3277” قتيلا وأكثر من 12 ألف مصاب دون أي ذكر لعدد قتلى الشعب خلال نفس الفترة والذي يصل إلى عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى. وتحدث عن الشماعة الثالثة وهي الزيادة؛ عازيا الفشل إلى أن «نمو قدرات الدولة لم يجار النمو السكانى»، وراح يكذب مدعيا أنه لم يعط وعودا براقة ولكنه صارح الشعب بالتحديات الضخمة وأنه لا يجب أن نفقد الأمل أو يصيبنا الإحباط أو اليأس. يقول السيسي: «عندما يزداد 2.5 مليون مواطن سنويا فإننا بحاجة إلى 60 ألف فصل دراسي بالإضافة إلى الموجود»، مضيفا “كنا 80 مليون نسمة وأصبحنا اليوم 100 مليون، متسائلا “هل ازدادت قدرات دولتنا بما يوازى العشرين مليون الزيادة”. وتابع: “لو كان حجم إنتاجنا الزراعي الحالي موجه لـ 40-50 مليون نسمة كان إنتاجنا الذاتي سيكفي حاجات الناس»! وللخروج من هذا المأزق وتلك الورطة طرح النظام عدة مسارات سياسية واقتصادية متزامنة: أولا، في المسار السياسي، طرح السيسي دعوته لما يسمى بالحوار الوطني، ودعا \ المثقفين والكتاب والمفكرين والإعلاميين إلى تشكيل جبهة صلبة لمواجهة حملات التشكيك من جانب فصيل بعينه فيما يتحقق من إنجازات. وأشار إلى أنه غير محسوب على أحد ولا يدافع عن أى أحد، قائلا: “أنا موجود من أجل إنفاذ إرادتكم.. وما تم عرضه فى مسلسل “الاختيار3″ هو ما تم فى الواقع في ذلك الوقت”. وكان التوجيه بإعادة تفعيل دور ما تسمى بلجنة العفو الرئاسي هو الإجراء العملي الثاني في المسار السياسي حيث قرر السيسي تكليف إدارة المؤتمر الوطنى للشباب بالتنسيق مع كافة التيارات السياسية الحزبية والشبابية لإدارة حوار سياسى حول أولويات العمل الوطنى خلال المرحلة الراهنة، وعرض نتائجه على مجلسى النواب والشيوخ لمزيد من النقاش بحيث يتم تفعيله مع إطلاق الجمهورية الجديدة. ثانيا، على المسار الاقتصادي، اعترف السيسي بأن الفضل في إنقاذ البلاد إنما يعود إلى الأشقاء العرب، وأنه لولا تدخلهم بعشرات المليارات من الدولارات في عامي 2013و2014 لم يكن لمصر قائمة حتى الآن.  وراح يشيد بالبرنامج الاقتصادي، وكلف الحكومة بوضع خطة عمل عاجلة لخفض حجم الدين وخفض عجز الموازنة، ووضع رؤية شاملة لتطوير البورصة المصرية، وتكليف الحكومة بالبدء في طرح حصص من شركات مملوكة للدولة في البورصة وطرح شركات مملوكة للقوات المسلحة في البورصة قبل نهاية العام الحالي، والإعلان عن برنامج بمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة، بمستهدف 10 مليارات دولار سنويا ولمدة 4 سنوات. بمعنى أن برنامج الخصخصة الجديد الهدف منه در نحو 40 مليار دولار على مدار أربع سنوات. [[1]] فما ملامح موجة الخصخصة الجديدة؟ وما الهدف منها؟ وما مخاطرها على الأمن القومي للبلاد؟ وهل يمكن أن تنقذ النظام من الورطة المالية التي يواجهها حاليا بسبب تداعيات تفشي جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا؟ أم يأتي ذلك بنتائج عكسية في ظل الرفض الشعبي الواسع للخصخصة بوصفها عدوانا وسطوا مباشرا على ثروات وممتلكات الشعب والتي لا يحق للحكومة التصرف فيه لأن دورها يقتصر فقط على إدارة هذه الثروات وليس التفريط فيها بالبيع للأجانب وحيتان رجال الأعمال؟ «صندوق النقد» في الخلفية اعتبر تكليف السيسي للحكومة بالإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة يستهدف عشر مليارات دولار سنويا لمدة أربع سنوات، وطرح شركات مملوكة للقوات المسلحة في البورصة قبل نهاية العام 2022م هو الأهم في الشق الاقتصادي؛ لأنها تمثل في جوهرها رسالة إذعان لإملاءات وشروط صندوق النقد الدولي؛ من أجل إتمام القرض الرابع الذي طلبه السيسي من الصندوق والذي اشترط الصندوق للموافقة عليه ثلاثة شروط أساسية: أولها، التزام النظام المصري بتعويم الجنيه ورفع الحماية عن الجنيه من جانب البنك المركزي وهو ما تحقق بإعلان البنك المركزي يوم 21 مارس 2022م تعويما جزئيا انخفض الجنيه على أساسه بنحو 18% من قيمته. ثانيها، الالتزام بخصخصة شركات القطاع العام، وهو ما تحقق أيضا بإعلان السيسي عن موجة خصخصة جديدة كأحد شروط الصندوق لإتمام القرض الجديد الرابع. وكان الصندوق قد أعلن (الأربعاء 23 مارس 2022)، أنه تلقى طلبا من مصر لدعم برنامج إصلاح اقتصادي شامل.[[2]] وتعزو رئيسة بعثة الصندوق في القاهرة سيلين ألارد، في بيان لها، أسباب لجوء الحكومة المصرية للصندوق بالتداعيات المرتبطة بالحرب في أوكرانيا الذي أربك سلاسل التوريد العالمية وأدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأولية. بالإضافة إلى تعزيز قدرة القاهرة على بسط مظلة الحماية الاجتماعية للطبقات الفقيرة؛ وهو ما يبدو للتغطية على سمعة الصندوق السيئة بوصفه عدو الفقراء. ثالث شروط الصندوق، هو إجراء حوار سياسي وطني يضم مختلف فصائل المجتمع من أجل دعم سياسات الحكومة المالية والاقتصادية حتى تحظى بقبول مجتمعي في ظل رصد خبراء الصندوق رفضا شعبيا لسياسات الحكومة؛ وهو ماشرع فيه السيسي على الفور بإطلاق الحوار والعمل على ترميم معسكر 30 يونيو؛ والهدف من الحوار حتى لو كان شكليا هو تبييص صورة النظام دوليا من جهة، واستكمال شروط الصندوق من جهة ثانية للحصول على القرض الجديد الذي لم يعرف حجمه حتى اليوم وإن كانت هناك تشريبات تقول إنه قد يصل من 3 إلى 5 مليارات دولار. القرض الجديد المرتقب هو الرابع من صندوق النقد الدولي؛ فخلال السنوات الست الماضية، حصلت حكومة السيسي على ثلاثة قروض من صندوق النقد الدولي قيمتها (20 مليار دولار)، الأول كان في نوفمبر 2016، وقيمته 12 مليار دولار عبر آلية تسهيل الصندوق المدد وهو قرض يتميز بارتفاع حجم القر وطول مدة السداد. القرض الثاني كان في 2020 بقيمة 5.2 مليار دولار، بعد تفجر أزمة «كورونا»، واستند إلى آلية الاستعداد الائتماني، ويُعد هذا النوع قرضًا قصير الأجل ولا تتجاوز مدة السداد المتاحة له خمس سنوات.  والقرض الثالث كان بقيمة نحو (2.8) مليار دولار وتم ضمن آلية التمويل السريع الذي يمنح في الأوقات الاستثنائية. معنى ذلك أن القرض الجديد هو برهان جديد على انكشاف ما يسمى ببرنامج الإصلاح…

تابع القراءة
السياسة الخارجية المصرية فى الفترة من 30 إبريل إلى 15 مايو 2022

السياسة الخارجية المصرية فى الفترة من 30 إبريل إلى 15 مايو 2022

  أولًا: القضية الفلسطينية: شهدت الأيام الأخيرة تصاعد في حدة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فبعد سلسلة من العمليات الفردية التي قام بها فلسطينيون ضد الاحتلال الإسرائيلي (عملية بئر السبع، الخضيرة، بني براك، ديزنغوف، سلفيت)، وهي العمليات التي أسفرت عن مقتل حوالي خمسة عشر إسرائيليًا. وقد ارتبطت تلك العمليات بالقيود التي فرضتها إسرائيل على تحركات الفلسطينيين قبيل شهر رمضان، وتشجيع المستوطنين على اقتحام المسجد الأقصى في رمضان، وتوعدهم بذبح القرابين داخل المسجد. ولتأتي الذكرى الرابعة والسبعون لإعلان الدولة الإسرائيلية في الخامس من مايو الحالي، وفقاً للتقويم العبري، والذكري الأولي لمعركة سيف القدس في العاشر من مايو، لتشهد وقوع عملية فردية جديدة في مدينة “إلعاد” الواقعة شرق تل أبيب في 5 مايو 2022. وقد تسببت عملية “إلعاد”[1] على وجه الخصوص، بتصاعد حدة الصراع بين حكومة نفتالي بينت وبين حركة حماس بقيادة يحيي السنوار، في ظل مطالبة نواب بالكنيست، مثل عضو الكنيست الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير[2]، بضرورة استهداف قادة حماس خاصة يحيي السنوار، حيث ربطت حكومة بينت بين تلك العملية وبين دعوة السنوار خلال احتفالات يوم القدس العالمي، الذي يتم الاحتفال به في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، الموافق 29 أبريل الماضي، وقبل أيام من العملية، إلى مواصلة الهجمات على الإسرائيليين بكافة الوسائل ومن بينها “الساطور… والبلطة والسكين”، وهي الأدوات التي استخدمت في العملية الأخيرة. ومع ما يمثله إمكانية استهداف قادة الفصائل من خطوط حمراء للفصائل بشكل عام، فإن وقوع عملية اغتيال للسنوار فإنها ستقود بلا شك إلى تصعيد مفتوح يصعب تصور نطاق تطوره.[3] وحتى مع استبعاد اقدام إسرائيل على استهداف قادة الفصائل، إلا أنها قد لجأت إلى عدة سياسات تنذر بتصعيد الأمور بشكل خطير، حيث قامت حكومة تل أبيب بفرض عقوبات إنسانية على سكان غزة، ومنع العمال من مغادرة القطاع إلى أراضيها، وكذلك أغلقت معبر إيريز الحدودي لفترة غير محددة، فيما تفرض قيوداً على معبرها كرم أبو سالم التجاري مع القطاع. فيما أكدت حركة حماس علي أنها ستحرق مدن المركز الإسرائيلي وتنوي توجيه ضربات كبيرة من الصواريخ تفوق تصور تل أبيب، وأنها جاهزة لعودة العمليات التفجيرية، وكذلك لم تتوقف قياداتها عن تحفيز الشباب في الضفة الغربية على تنفيذ عمليات ضد المستوطنين. وفي هذا السياق التصعيدي بين حكومة بينت وحركات المقاومة، تجري القاهرة اتصالات مكثفة مع قيادة حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، ومن جهة أخرى مع المسؤولين السياسيين والأمنيين في تل أبيب من أجل تحييد غزة عن الأحداث الدائرة في الضفة الغربية والقدس الشرقية[4]. ويأتي التدخل المصري لتهدئة الأمور بين الجانبين لمجموعة من الأسباب منها: – تخشي مصر من إمكانية أن يتسبب هذا التصعيد في إفشال الجهود المصرية لمكافحة الإرهاب في سيناء. فعقب استخدام “كتائب عز الدين القسام”، الذراع العسكرية لحركة “حماس”، صواريخ “ستريلا-2” روسية الصنع المضادة للطائرات، في مواجهة المقاتلات الإسرائيلية التي شنت هجمات على قطاع غزة، فقد ظهرت تخوفات مصرية من إمكانية أن تنتقل مثل هذه الأسلحة النوعية من أيدي فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لأيدي المجموعات المتطرفة في سيناء[5]. وربما يتم الترويج لهذه التخوفات من قبل مصر وإسرائيل، خاصة بعد هجوم مسلحين، فى 7 مايو الحالي علي نقطة رفع مياه غرب سيناء، والتي أسفرت عن استشهاد ضابط و10 جنود وإصابة 5 أفراد[6]. وهو ما يفيد إسرائيل من جانب، حيث أن الربط بين هذا الهجوم وحركة حماس، سوف يعيد التوتر بين مصر وحماس، مما قد يسهل على تل أبيب باستهداف قادة حماس وضمان عدم وجود معارضة مصرية. ومن جانب أخر، فإن السيسي قد يستخدم هذا الهجوم للتغطية على الأزمة الاقتصادية التي تهدد استقرار نظامه وبقائه باعتبار أن صوت المعركة يعلو على كل صوت، وأن أي حديث عن الأزمات الاقتصادية في ظل الحرب على الإرهاب هو خيانة. – أن التصعيد قد يضرب المصالح والاستثمارات المصرية في قطاع غزة، فالقاهرة قد بدأت عبر شركات حكومية وخاصة عملية لإعادة إعمار غزة، ضخت فيها ملايين الدولارات. وهي الاستثمارات التي تعتبر جزءاً من تصور لتهدئة طويلة المدى مع الفلسطينيين في قطاع غزة، عبر ربط أي اتفاق بينهم وبين الإسرائيليين بمكاسب اقتصادية، وفق ما نصت عليه ما يُعرف بـ “صفقة القرن” (خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتصفية القضية الفلسطينية). – أن حالة التصعيد وما تظهره من فشل حكومة بينت في التعامل معه قد يتسبب في اسقاط الائتلاف الحكومي الإسرائيلي بقيادة بينيت، الذي توطدت علاقاته مع الحكومة المصرية منذ انتخابه رئيسًا لوزراء إسرائيل في يونيو الماضي، وذلك على خلاف سلفه نتنياهو والذي لم تكن علاقاته مع القاهرة جيدة بل شابها توترًا ملحوظًا حتى رحيله[7]. فقد كشف الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد، فى نوفمبر الماضي، عن كيفية رد رئيس المخابرات المصرية عباس كامل على سؤال عن ماهية الفارق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نفتالي بينيت وسلفه بنيامين نتنياهو. وأن رئيس المخابرات المصرية فسر الفارق بين بينيت ونتيناهو بالإشارة بيديه: “السماء والأرض”. وأشار رافيد إلى أن كامل أعرب عن أمل مصر في أن تبقى حكومة بينيت مستقرة وأبدى ثقته بقدرتها على أداء مهامها بشكل فعال، على الرغم من الاختلافات الملموسة في وجهات النظر بين أعضاء الائتلاف الحاكم[8]. وبالفعل، فقد تطورت العلاقات بين الطرفين فى عهد بينت إلى مستويات غير مسبوقة، ووصلت إلى درجة سماح إسرائيل لمصر، في نوفمبر الماضي، عن إجراء بعض التعديلات المحدودة في بنود اتفاقية كامب ديفيد الموقعة بين الجانبين في سبتمبر 1978، بالشكل الذي سمح بزيادة أعداد وإمكانات قوات حرس الحدود في منطقة رفح الحدودية[9]. فضلًا عن زيارة بينت للقاهرة في سبتمبر الماضي، وهي أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى مصر منذ عشر سنوات[10]. وأخيرًا، فقد أبرم الطرفين اتفاقا لإطلاق “مسار جديد” لرحلات جوية بين تل أبيب ومنتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر[11]. – يحرص السيسي على استخدام ملف الوساطة لتهدئة الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين من أجل تحسين علاقته بالإدارة الأمريكية. فخلال معركة القدس من العام الماضي، ونتيجة للدور المصري فى التهدئة بين إسرائيل والمقاومة، فقد قام بايدن بالاتصال هاتفيًا بالسيسي وشكره على دوره فى التهدئة، وذلك بعد حالة تجاهل تام من قبل بايدن للسيسي. وعلى الرغم من أن بايدن لا يزال يرفض لقاء السيسي بصورة مباشرة، فإن إسرائيل قد تتوسط لدي إدارة بايدن لحدوث مثل هذا اللقاء، حتى لو تم هذا اللقاء في إطار جماعي وليس فردي. فوفقًا لموقع “أكسيوس” الأمريكي، فإن البيت الأبيض يدرس عقد اجتماع إقليمي لعدد من زعماء الشرق الأوسط خلال الزيارة التي سيجريها الرئيس جو بايدن إلى دولة الاحتلال، فى نهاية يونيو المقبل، وأن السيسي سيكون من ضمن هؤلاء الزعماء[12]. كذلك، تزداد أهمية الوسيط المصري بالنسبة للولايات المتحدة في الملف الفلسطيني، خاصة في ظل حرص واشنطن علي قطع الطريق أمام المحاولات الروسية لتوظيف هذا الملف في إطار صراعها المتصاعد مع…

تابع القراءة
الهجوم المسلح على كمين الطاسة بغرب سيناء.. اختراق أم تآمر؟

الهجوم المسلح على كمين الطاسة بغرب سيناء.. اختراق أم تآمر؟

  خلال أسبوع واحد (من 7 إلى 15 مايو 2022) تعرضت وحدات وعناصر الجيش المصري في سيناء لهجومين مسلحين؛ الأول شنه مسلحو تنظيم “ولاية سيناء” مساء السبت 07 مايو 2022م  على كمين  “الطاسة” غرب سيناء، وهو الهجوم الذي أسفر عن استشهاد ضابط برتبة ملازم،  وصف ضابط بدرجة عريف، وتسعة مجندين ثم ارتفع العدد لاحقا إلى 17 ضابطا ومجندا. أما الهجوم الثاني، فشنه مسلحو التنظيم الأربعاء 11 مايو 2022م، وهو العدوان الذي أسفر عن استشهاد 6 من عناصر الجيش بينهم ضابط برتبة نقيب. في ذات التوقيت  شن مسلحو التنظيم هجمات مماثلة طالت العناصر القبلية المسلحة المساندة للجيش  حيث قتل 6 عناصر وأصيب آخرون.[[1]]  بهذه الأرقام يكون قتل من الجيش خلال هذا الأسبوع ضابطان و21 مجندا بخلاف مقتل 6 آخرين من العناصر القبلية المسلحة المساندة للجيش؛ لذلك يعتبر كثير من الخبراء والمحللين أن هذا الأسبوع كان داميا للغاية، ولم يشهد الجيش مثيلاً له منذ أعوام، وليس فقط منذ أشهر، وتحديدا منذ العملية العسكرية الشاملة في المحافظة التي بدأت في فبراير/ شباط 2018، وأدت إلى تراجع ملحوظ في الهجمات الدموية للتنظيم؛ حيث انخفض معدل هجمات “ولاية سيناء” من 350 عملية سنوياً، إلى 50 فقط. تعليقا على هجوم كمين الطاسة، قال المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية، عقيد أركان حرب غريب عبد الحافظ غريب، إنه جرى إحباط هجوم إرهابي على إحدى محطات رفع المياه في منطقة شرق قناة السويس. وأضاف: “قامت مجموعة من العناصر التكفيرية بالهجوم على نقطة رفع مياه شرق القناة، وتم الاشتباك والتصدى لها من العناصر المكلفة بالعمل فى النقطة، مما أسفر عن استشهاد ضابط و10 جنود، وإصابة 5 أفراد”. وأوضح أنه يجري “مطاردة العناصر الإرهابية ومحاصرتهم فى إحدى المناطق المنعزلة فى سيناء”. هذا التصريح يتضمن شيئا من التناقض؛ إذا كيف تم إحباط الهجوم وفي ذات الوقت قتل ضابط وعشرة جنود؟ فكيف إذا لم يتم إحباطه هل كان يمكن أن يؤدي إلى وفاة المئات مثلا؟!  معنى ذلك أن المتحدث باسم الجيش يتلاعب بالألفاظ ويستخدمها في غير موضعها الصحيح؛ لأن كلمة “إحباط” هي إفساد الهجوم والقدرة على حماية عناصر الجيش والتمكن من القبض على العناصر المسلحة دون خسائر أو بأقل الخسائر هذا هو معنى الإحباط المتعارف عليه؛ لكن ما جرى لا يمكن وصفه إلا بكلمة “مذبحة”. الأمر الثاني، أن هذه العناصر تمكنت من تنفيذ عدوانها ثم العودة إلى الاختباء في الأحراش الجبلية دون أن يصاب فرد واحد منها بأذى؛ الأمر الذي يحمل  كثيرا من الدلالات أبرزها ضعف تدريب ضباط وعناصر الجيش وعدم تأهيلهم لمواجهة مثل هذه النوعية من الهجمات المسلحة الخاطفة. كما يبرهن على ضعف القدرات التسليحية وعدم ملائمة الأسلحة الموجودة حاليا مع عناصر الجيش لنوعية حروب العصابات. كما يبرهن هذا الهجوم على الأداء الهش للمخابرات الحربية وفوضوية الإدارة بداخلها لاعتمادها على عناصر غير محترفة وغير كفؤة. الأمر الثالث، أن الهجوم تم  إحدى محطات رفع المياه في منطقة شرق قناة السويس (غرب سيناء)، ولم يتم على إحدى الوحدات العسكرية؛ معنى ذلك أن التنظيم وسع من أهداف عملياته لتضم الأهداف المدنية التابعة للجيش ضمن مشروعاته الاقتصادية الضخمة الممتدة في ربوع البلاد، كما وسع من رقعة المواجهة لتمتد إلى مواقع غرب سيناء بالقرب من قناة السويس؛ الأمر الذي يمثل تهديدا مباشرا لأحد أهم ممرات الملاحة الدولية في العالم؛ وعلى الفور رفعت قوات الجيش والشرطة حالة التأهب في سيناء، لتأمين وحماية المنشآت الهامة، خاصة وأن الهجوم استهدف محطة لرفع المياه، وليس منشأة عسكرية أو نقاطا للجيش والشرطة كما جرت العادة، بحسب وسائل إعلام محلية. الأمر الرابع، أن الهجوم يمثل برهانا جديدا على عجز النظام على حماية الأمن القومي، وعدم قدرته على حسم صراغ صغير مع مجموعة مسلحة لا تتجاوز المئات على أقصى تقدير؛ ففي أعقاب الهجوم على كمين الطاسة (السبت 07 مايو)، بساعات ترأس الجنرال عبدالفتاح السيسي ــ صباح الأحد ــ  اجتماعا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ناقش خلاله تداعيات الحادث وسبل مواجهات هجمات التنظيم وملاحقة عناصره وانتهى الاجتماع إلى توجيه عناصر إنفاذ القانون باستكمال تطهير بعض المناطق في شمال سيناء من العناصر الإرهابية والتكفيرية، وكذلك الاستمرار في تنفيذ كافة الإجراءات الأمنية التي تسهم في القضاء على الإرهاب بكافة أشكاله”.[[2]] ورغم ذلك فقد تبنى تنظميم “داعش” الهجوم[[3]] متوعدا بمزيد من الهجمات ردا على اعتقال الجيش لعدد من زوجات نشطاء التنظيم في رفح والشيخ زويد؛ وبعد يومين فقط من اجتماع السيسي بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة  وقع الهجوم الثاني وأسفر عن استشهاد 6 من عناصر الجيش. الأمر الخامس، هو مغزى توقيت الهجوم، الذي يأتي في سياق تتحدث فيه الآلة الإعلامية للنظام عن فرض الأمن والاستقرار على كل سيناء من خلال سيطرة الجيش الميدانية على مناطق واسعة كانت تمثل معاقل لتنظيم “ولاية سيناء” طيلة سنوات الحرب بين الطرفين. كما جاء الهجوم بعد ساعات قليلة من زيارة قائد قوات تأمين شمال سيناء، اللواء محمد ربيع، إلى مدينتي الشيخ زويد ورفح، للاطلاع عن كثب على الإنجازات التي حققها الجيش و”اتحاد قبائل سيناء”، والتقاطه الصور التذكارية في المكان. وعلى الرغم من بُعد المسافة الجغرافية بين مكان الهجوم والزيارة، إلا أنها لم تكن لتحدث لولا التقارير الأمنية والاستخباراتية المطمئنة حول تراجع قدرة تنظيم “ولاية سيناء” على تنفيذ هجمات ضد قوات الأمن. بالإضافة إلى ذلك، فإن الهجوم استهدف نقطة حراسة سرية لمرفق مياه ذي طابع استراتيجي، فالكمين الذي تمت مهاجمته مكلف بحراسة محطة رفع مياه تضخ في اتجاه مدينة رفح الجديدة. وهذا يشير إلى أن التنظيم استطاع الوصول إلى معلومة استخبارية عن أهمية المشروع من ناحية، ومن ناحية أخرى استطاع القضاء على قوة عسكرية قوامها 17 عسكرياً، من قوة الكتيبة 505 مهام سرية، بينما تمكّن مسلحو التنظيم من الانسحاب والاختباء دون خسائر تذكر.[[4]] تفسير متعدد الأبعاد الكمين الذي استهدف من جانب عناصر التنظيم مكلف بحماية مرفق يعتبر من ضمن مشاريع القوات المسلحة، وتتكفل الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بإنشائه وتشغيله وحمايته، أنشئ خصيصا لخدمة مشاريع الجيش داخل سيناء، ولا علم للجهات الحكومية المدنية به ولا بطبيعة أنشطة الجيش التي يفرض عليها الجنرالات سياجا حديديا من السرية والكتمان لا سيما في مشروعات المياه والكهرباء. وفي ظل هذه  السرية المفروضة على المشروع كان مفاجئا استهداف الكمين والمرفق الذي يؤمنه؛ وبالتالي لا يمكن نجاح الهجوم على النحو الذي جرى حيث تم القضاء على كامل القوات الــ(17) ثم إلحاق أضرار بالغة بالمشروع نفسه  وعودة المسلحين دون خسائر تذكر إلا إذا كان التنظيم على علم مسبق بأهمية المشروع ومعرفة كاملة بتفاصيل تأمينه وعدد القوات. وهذا لا يحدث إلا بأحد الاحتمالات الآتية:  الاحتمال الأول، أن التنظيم يملك  جهاز مخابرات عالي المستوى تمكن من اختراق سياج السرية المفروضة من جانب الجيش ورصد جميع التحركات واختار التوقيت المناسب للهجوم لتحقيق أعلى قدر من…

تابع القراءة

قراءة في الوثيقة التوافقية لإدارة الفترة الانتقالية بالسودان

  في ظل حالة التعثُّر التي يعاني منها السودان؛ طرحت بعض الأحزاب السياسية السودانية وثيقة توافقية لإدارة الفترة الانتقالية، كمسعى لتجاوز الأزمة السياسية الراهنة والوصول إلى الحكم المدني الديمقراطي. وتأتي هذه المبادرة بعد طرح عدد واسع من المبادرات المحلية والإقليمية لتجاوز الأزمة السياسية بالسودان. كما أنها تأتي في ظل عدد من القرارات يتخذها المجلس السيادي؛ كمؤشر لانفتاحه على الحوار، وكان آخرها الإفراج عن عشرات من المعتقلين السياسيين. وفي ظل هذه التفاعلات الكثيفة نقرأ البنود التي قدمتها الوثيقة، وفرص نجاحها، والآراء حولها، والتحفظات عليها، وسيناريوهات المستقبل.. خلفيات الأزمة الأخيرة للسودان: نحو 6 أشهر مرت على اندلاع الأزمة السياسية بين مكونات الحكم في السودان وظلت تراوح مكانها، رغم المحاولات الداخلية والإقليمية والدولية الحثيثة لإنهائها. وتلك الأزمة اندلعت منذ 25 أكتوبر الماضي، عندما خرجت احتجاجات رافضة لإجراءات استثنائية اتخذها البرهان آنذاك، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين. ومقابل اتهامات له بتنفيذ انقلاب عسكري، قال البرهان، إنه اتخذ هذه الإجراءات لـ”تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، مُتعهدًا بتسليم السلطة إما عبر انتخابات أو توافق وطني. وقبل تلك الإجراءات، كان السودان يعيش منذ 21 أغسطس 2019 مرحلة انتقالية تستمر 53 شهر تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024. وكان يُفترض أن يتقاسم السلطة خلال تلك المرحلة كلٌّ من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقَّعت مع الحكومة اتفاق سلام في 2020. وبالإضافة للأزمة السياسية، يعاني السودان من أزمات اقتصادية متلاحقة وأزمات في غاز الطهي والكهرباء والمياه. وارتفع معدل التضخم بالسودان في مارس الماضي إلى 263.16%، على أساس سنوي، مقارنةً مع 258.40% في فبراير السابق له.[1] محاولات لحل الأزمة: خلال الآونة الأخيرة نشطت الجهود الدولية والإقليمية لحل الأزمة من خلال طرح مبادرات للحل إلا أنها لم تُثمر عن شيء، وتزامنت هذه المبادرات مع مقترحات داخلية للحلول من الأطراف السودانية ونالها نفس النصيب من عدم التوفيق. ولعل أبرز هذه المحاولات هي مبادرة بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس) ومبادرة الاتحاد الإفريقي ومبادرة الهيئة الحكومية للتنمية (إيجاد)، التي توحَّدت في “الآلية الثلاثية” لحل الأزمة السياسية. ففي 12 أبريل الماضي، طرحت الآلية الثلاثية للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا (إيجاد)، 4 محاور أساسية لحل الأزمة السياسية بالسودان. والمحاور الأربعة هي “ترتيبات دستورية، وتحديد معايير لاختيار رئيس الحكومة والوزراء، وبلورة برنامج عمل يتصدى للاحتياجات العاجلة للمواطنين، وصياغة خطة محكمة ودقيقة زمنيًا لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة”. وشدَّد فريق العمل المشترك للآلية الثلاثية على “وجوب توفير الإجراءات الضرورية لتهيئة المناخ للحوار بما فيها إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ورفع حالة الطوارئ وإلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات وضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان”. كما جرت لقاءات مُكثَّفة خلال شهر إبريل الماضي بين مسؤولين دوليين وإقليمين مع مسؤولين حكوميين سودانيين وقوى مدنية في إطار حل الأزمة المتفاقمة. فمثلًا بحث رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) مع الآلية الثلاثية التي تضم، رئيس بعثة (يونيتامس)، فولكر بيرتس، ومبعوث الاتحاد الإفريقي، محمد حسن ولد لبات، ومبعوث الإيجاد، إسماعيل أويس، الجهود التي تبذلها “الآلية” بشأن تسهيل الحوار بين الأطراف السودانية. وغداة تلك المباحثات، أكد الاتحاد الاوروبي في بيان، استمرار دعمه للحوار مع كل الأطراف السودانية، وترحيبه بكل الجهود لحل الأزمة في البلاد. وكشفت قوى الحرية والتغيير عن عقدها لقاء مع فولكر بيرتس وولد لباد وأويس ممثلي الآلية الذين قدموا الدعوة لاجتماع مشترك لأطراف الأزمة، إلا أن قوى الحرية والتغيير طلبت وقتًا لتدارس الأمر والرد عليه. وفي 6 أبريل الجاري، اعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية، أن العملية السياسية التي تيسرها بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان (يونيتامس) “تقدم أفضل فرصة لاستعادة المسار الديمقراطي” في البلاد. وقبل ذلك بيوم، أكدت دول الترويكا (المملكة المتحدة والولايات المتحدة والنرويج)، دعمها لتفويض بعثة الأمم المتحدة لدعم عملية الانتقال في السودان (يونيتامس) وعمل رئيسها فولكر بيرتس.[2] وثيقة توافقية لحل الأزمة: تم يوم 19 إبريل بمنبر وكالة السودان للأنباء التوقيع والإعلان على الوثيقة السودانية التوافقية لإدارة الفترة الانتقالية، وذلك بمبادرة من المركز الإفريقي لدراسات الحوكمة والسلام والتحول ومركز دراسات السلام والتنمية بجامعة بحري. وأوضح مدير المركز الإفريقي لدراسات الحوكمة والسلام والتحول الدكتور محمود زين العابدين محمود لدى استعراضه الوثيقة أنها مبادرة سودانية وطنية توافقية مُوحدة، تُعبِّر عن رؤي قوى سياسية ومجتمعية متعددة لتجاوز الأزمة السياسية الراهنة، وتحقيق الانتقال الآمن للوصول إلى الحكم المدني الديمقراطي بالبلاد عبر انتخابات حرة ونزيهة. وأشار زين العابدين إلى أن الدعوة شملت جميع أصحاب المبادرات الوطنية، واستجابت معظمها وهو يُمثِّل منصة وطنية مفتوحة يشارك فيها الجميع دون شرط أو قيد، وما زال الباب مفتوحًا، وبلغ العدد حتى الآن 76 مبادرة فيما بلغ العدد الكلي للتيارات المشاركة 32 ضمَّت قوى سياسية ومجتمعية وأكاديمية وأهلية وشخصيات قومية. وقال زين العابدين أن من موجهات المبادرة تهيئة المناخ العام للممارسة السياسية الديمقراطية، وإعادة الثقة بين كافة المُكوِّنات، فيما حدَّدت المبادرة مهام الفترة الانتقالية وطبيعتها ومدتها والشراكة في إدارتها بين المُكوِّن المدني والمُكوِّن العسكري وأطراف العملية السلمية طوال الفترة الانتقالية على أساس من الثقة والإخلاص والوفاء، مع تحديد مهام وصلاحيات وسلطات مُحدَّدة ودقيقة لتمكينها من أداء أدوارها. وحدَّدت الوثيقة نظام الحكم الفيدرالي مع الالتزام بما ورد في اتفاق سلام جوبا بشأن نوع الحكم (أي الحكم الفيدرالي)، كما حدَّدت مؤسسات ومستويات الحكم في المستوى الاتحادي والولائي والمحلي، على أن يتكوَّن مجلس الوزراء من 20 وزير مُمثِّلًا كافة ولايات السودان، مع تسمية رئيس وزراء من الكفاءات الوطنية بالتشاور الواسع مع القوى السياسية. وحول نقاط الاتفاق، أكد أن هناك إجماع على مستوى الاتفاق بنسبة 70% في كل المبادرات مثل ديمقراطية الفترة الانتقالية والحكم المدني، الفيدرالية والعدالة الانتقالية، كما أن هناك رأي غالب حول تكوين مؤسسات الحكم الانتقالي وسودنة الحلول للأزمة السودانية وسياسة خارجية غير متجاوزة.[3] في إطار سعيها لحل الأزمة الداخلية: هل تسعى السودان لإعادة التموضع إقليميًا؟ قراءة في بنود الوثيقة: وقَّع الوثيقة عددٌ من الأطراف الهامة كان من ضمنها، حزب الأمة القومي، الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، إلى جانب مجموعة التوافق الوطني بقوى الحرية والتغيير، إضافةً إلى حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، وتجمُّع قوى تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، وشملت 40 مادة، تناولت أبرز النقاط الخلافية. وعالجت الوثيقة عدد من القضايا الخلافية. أولها؛ مدة الفترة الانتقالية: بعد الإطاحة بحكم البشير وبموجب تعديل الوثيقة الدستورية حدَّدت 39 شهر تسري من تاريخ التوقيع على الوثيقة الدستورية لإنهاء الفترة الانتقالية، والتي مُدَّت في اتفاق جوبا، ليبدأ حساب الـ 39 شهر من تاريخ التوقيع على اتفاق جوبا للسلام في السودان، وعليه يكون تاريخ تسليم رئاسة مجلس السيادة للمكون المدني في يوليو 2022. وتقترح الوثيقة الجديدة تمديد الفترة الانتقالية لتنتهي في مايو 2024، وهذا يعني أن الوثيقة تقترح تمديد في فترة الانتقال شهور إضافية، وهذا يثير مخاوف المُكوِّن المدني…

تابع القراءة
إفريقيا! ماذا بعد فوز ماكرون بالانتخابات؟

إفريقيا! ماذا بعد فوز ماكرون بالانتخابات؟

السياسة الخارجية الفرنسية في إفريقيا أُعيد انتخاب الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون لولاية رئاسية ثانية، عقب تصدُّره الدور الثاني من الانتخابات، حيث حصل على 58% من أصوات الناخبين. ويُمكن القول إن الفرنسيين اختاروا ماكرون لعدم المغامرة بالاستقرار السياسي للبلد، خاصةً في ظل الأوضاع الداخلية في فرنسا وتحديات الوضع الدولي، الذي تواجهه الخارجية الفرنسية بكثير من الحذر والقلق غير المسبوق. حيث أن الساحة السياسية الداخلية وكذا الدولية لا تسمحان بفترة تجريبية سياسية ذات بُعد إيديولوجي، قد تعصف باستقرار البلد ومكوناته السياسية. ورغم ذلك؛ فإن المرحلة المُقبلة للرئيس الفرنسي لن تكون أسهل من سابقتها، والتحديات التي سيواجهها على مستوى التدبير السياسي الداخلي والتنسيق الدبلوماسي الخارجي ستتطلب منه إرادة سياسية أكثر فعالية واستجابة للتوافقات المضادة، بهدف تجاوز الضغوطات التي تواجهها المؤسسات الفرنسية، والأزمات التي تواجه المجتمع الفرنسي. وفي هذا التقرير نتناول أهم القضايا التي ستواجه ماكرون خلال فترته الرئاسية الثانية، وتحركاته المُتوقعة في مناطق النفوذ الفرنسية في القارة في ضوء ما يواجهه من تحديات بها..   أولًا: التحديات الأهم التي ستواجه ماكرون خلال حقبته الثانية: بينما أُعلن فوز ماكرون في نتائج الجولة الثانية فإنه كان لافتًا في المناظرة الأخيرة بين المرشحين الرئيسيين ماكرون ولوبان (20 أبريل) تراجع الشأن الإفريقي بشكلٍ واضح في هذا السجال، وانحساره في عددٍ محدودٍ من القضايا غلب عليها التعاون العسكري مع دول القارة؛ الأمر الذي عزَّز توقُّعات استمرار المقاربة الفرنسية التقليدية لإفريقيا باعتبارها منطقة نفوذ، أكثر من الأخذ في الاعتبار مصالح الدول الإفريقية والتهديدات الحقيقية التي تُحيط بها. وعلى سبيل المثال: فقد تعهَّد ماكرون بإقامة “اتحاد فرانكفوني” دون تقديم أية تفاصيل توضح طبيعة هذا الاتحاد وأهدافه وديناميات عمله، إضافةً إلى “إصلاح راديكالي في سياسات الهجرة الفرنسية”. يُضاف إلى ذلك حقيقة إجماع مرشحي الرئاسة الفرنسية خلال حملاتهم، باستثناء ميلنشون المرشح عن “فرنسا الأبية”؛ على ضرورة استمرار الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا الناطقة بالفرنسية، وأن عدم تحقُّق ذلك يعني مزيدًا من تراجع النفوذ الفرنسي عالميًّا. وربما كانت الإشارة الأبرز إلى ملفات غير الجانب العسكري والأمني تتمثَّل في إشارة ماكرون للعمل –حال انتخابه- على تطبيقه خريطة طريق قمة أوروبا-إفريقيا الأخيرة التي عُقدت عقب منتصف فبراير الماضي عقب اختتام الاتحاد الإفريقي قمته السنوية، في دلالة مهمة على التوقيت والارتباط الأوروبي-الإفريقي. ويمكن تلمُّس أهم الملفات الإفريقية أمام ماكرون على النحو التالي: الوجود العسكري والأمني: رغم تبدلات خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بخصوص القضايا الإفريقية في الشهور الأخيرة؛ من جهة ضرورة وضع قضايا الإرهاب والعنف المسلح في سياقاتها المجتمعية، وضرورة تبني مقاربات شاملة لمثل هذه القضايا، وتغليب الجهود التنموية والحكم الرشيد في قائمة أدوات المواجهة؛ فإنه لا يُتوقع أن تغيّر باريس مقاربتها الأمنية بالأساس والاكتفاء بإعادة تدوير هذه المقاربة وفق متطلبات المرحلة المقبلة. وكانت فرنسا وحلفاؤها الأوروبيون قد أعلنوا في 17 فبراير الماضي أنهم سيبدؤون في سحب قواتهم من مالي بعد نحو تسعة أعوام من مواجهة الجماعات الإرهابية المسلحة. وجاءت الخطوة عقب قطع باريس علاقاتها مع المجلس العسكري الحاكم في مالي، وتراكم الشعور المعادي لفرنسا شعبيًّا هناك، لا سيما بعد انقلاب مايو 2021. ورحَّبت النيجر المجاورة لمالي بخطة فرنسا إعادة نشر قواتها في أراضيها، لكنَّ دولًا أخرى مثل بوركنا فاسو وغينيا تقوم الآن بالفعل بتقييم علاقاتها مع فرنسا. وهكذا يتوقع أن ينصب اهتمام الرئيس ماكرون، على استمرار مساعيه في التخلُّص من النتائج البعيدة المدى للاستعمار الفرنسي للقارة، وتوسُّع الاتحاد الفرانكفوني، ومعالجة الأزمات الإنسانية والاقتصادية جراء كوفيد-19، وتطبيق خريطة طريق قمة إفريقيا- أوروبا 2022.[1] استعادة مكانة فرنسا في إفريقيا: تُعد فرنسا أحد أهم شركاء إفريقيا الاقتصاديين، وتحتل المرتبة الثانية من بين شركاء إفريقيا الأوروبيين. وإضافةً إلى التجارة تُسهم الشركات الفرنسية في هذا النمو عبر استثماراتها وتكوين قيمة مضافة في إفريقيا. وتراجعت مكانة فرنسا الإفريقية بشكل حاد في الأعوام الأخيرة على المستويين الشعبي والرسمي، وتزايد رأي عام إفريقي بأن النظام العالمي طالما وقف ضد إفريقيا والأفارقة، وأن الدول الغربية، وفي مقدمتها فرنسا، قد تجاهلتهم مرة أخرى في استجاباتهم لكوفيد-19، بينما وفَّرت الصين وروسيا لبعض القادة الأفارقة ما طلبوه لبلادهم منهما: الاستثمارات والأمن وبدون مشروطيات مسبقة، وتواجه فرنسا تحديدًا نقدًا لاذعًا في غرب إفريقيا على خلفية حملاتها لمواجهة الإرهاب، وتوجد اتهامات ذائعة لها هناك بأنها استعمار جديد أكثر من كونها قوة داعمة للحكومات الإفريقية في حربها على الإرهاب. كما تُهدِّد مكانة فرنسا في إفريقيا تخوُّفات حقيقية من أنه في حال فشل الأولى في التعامل مع الأزمة الأمنية في إفريقيا جنوب الصحراء؛ فإن الانفجار السكاني في هذه المنطقة سيدفع بمهاجرين عند بوابات فرنسا نفسها. وفيما يتعلق بانعدام الأمن في إقليم الساحل كملف أمام فرنسا في الفترة المقبلة؛ فإن أية مقاربة فرنسية تقليدية لأي رئيس مُقبِل لن تنجح في استعادة فرنسا دورها المتآكل في الإقليم على خلفية وجود عوامل مشتركة في سلسلة الانقلابات الأخيرة “المناهضة للوجود الفرنسي ولأداء الحكومات السابقة” في ملف مواجهة الإرهاب والعنف في الإقليم. ووصلت إلى حد اتهام القوات الفرنسية في الإقليم بالضلوع في دعم بعض الجماعات والأنشطة الإرهابية. إضافةً إلى تدهور العلاقات الفرنسية مع دول الساحل التي شهدت انقلابات مؤخرًا، لاسيما في مالي؛ حيث تصاعد العداء ضد فرنسا بعد انقلاب أغسطس 2020، وساءت حدَّته عقب انقلاب مايو 2021، ودفعت هذه التطورات فرنسا إلى إعلان عزمها سحب قواتها من مالي. ويفرض هذا الواقع مسؤوليات جسيمة أمام الرئيس الفرنسي المقبل في واقع الأمر.[2] ملف حقوق الإنسان: كان ماكرون قد أعلن في البداية اعتزامه التركيز على ملف حقوق الإنسان في سياسة بلاده تجاه المنطقة. لكنه سرعان ما نكث بوعده ضاربًا به عرض الحائط، فكثَّف تعاونه مع الديكتاتوريات والمستبدين. فخلال فترته الرئاسية الأولى، وصف ماكرون عبد الفتاح السيسي بالديكتاتور في البداية قبل أن يمنحه وسام جوقة الشرف، أرفع وسام فرنسي. ولفرنسا حضور مهم في مصر لأسباب تاريخية، بالرغم من كون أوضاع حقوق الإنسان هناك في حالة مأساوية، نفس الأمر يُمكن تطبيقه بشأن ما تردد حول دعم فرنسا لعدد من الإجراءات القمعية في بعض الدول الإفريقية كما في تونس ومالي وغيرهما. ورغم ذلك؛ تمكَّن ماكرون من تحقيق تقدم ملحوظ في عدة ملفات في الشرق الأوسط. فقد كان أول رئيس فرنسي يعترف بأن ماضي بلاده الاستعماري جريمة ضد الإنسانية، ويجري تحقيقًا في تاريخ بلاده في الجزائر، بما في ذلك الحرب الجزائرية، رغم وصف النقاد التقرير الصادر عنه بأنه “لتبرئة فرنسا”. وبدت تطلعاته تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البداية تقدمية، وهادفة إلى توثيق روابط ملموسة، لاسيما مع الدول التي كانت جزءًا من إمبراطورية فرنسا العالمية، لكنه تراجع إلى السياسة المألوفة مع مضي فترته الرئاسية. وقد رجعت فرنسا إلى الأسلوب التقليدي تجاه الشرق الأوسط الذي يُفضِّل الاستقرار على مواكبة الديناميكيات السياسية والاجتماعية ودراسة تطلعات المجتمعات التي يُعبِّر عنها الفاعلون السياسيون المعارضون….

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022