قراءة في تصريحات وزير التموين حول مشروع «دمغ الذهب بالليزر»

قراءة في تصريحات وزير التموين حول مشروع «دمغ الذهب بالليزر»

    تصريحات وزير التموين والتجارة الداخلية، الدكتور علي المصيلحي يوم السبت 15 يناير 2022م، بشأن إعداد الحكومة لمشروع قانون جديد لسوق الذهب في مصر، وقراراه بدمغ الذهب بالليزر بدلا من الطريقة الحالية (الطريقة الميكانيكية بالاقلام) التي تعتمد على أقلام خاصة، مقابل رسوم تحددها الحكومة؛ وعدم التعامل مع المشغولات الذهبية غير المدموغة بالليزر ومنح المواطنين سنة لدمغ مشغولاتهم وفقا للقواعد الجديدة؛ أثارت جدلا واسعا في الأوساط الاقتصادية والشعبية. تصريحات المصيلحي جاءت في حواره مع برنامج “صباحك مصري” المذاع على فضائية «mbc مصر» وهي فضائية سعودية تبث من القاهرة. ودخلت القاهرة رسمياً في عام 2010 قائمة الدول المنتجة للذهب عالمياً مع تشغيل منجم السكري الضخم بمدينة مرسى علم بمحافظة البحر الأحمر شرق البلاد، إذ يضم 15.5 مليون أوقية ذهب وفقاً لتقديرات رسمية لوزارة البترول والثروة المعدنية المصرية. وحول حجم الذهب المتداول في مصر، كشف قال سكرتير شعبة الذهب بغرفة القاهرة التجارية، نادي نجيب، عن تراجع حجم الذهب في السنوات العشر الأخيرة، موضحاً أن “حجم الذهب الذي كان يتم تداوله في مصر حتى عام 2015 يزيد على 55 ألف طن، وأن إجمالي ما يتم تداوله من مشغولات حالياً لا يتخطى حاجز الـ35 ألف طن ذهب”، مشيراً إلى أن هناك “20 ألف طن نقصاً في غضون سبع سنوات نتيجة زيادة مقتنيات المصريين من المشغولات الذهبية، مرجعاً عدم زيادة الحجم في الوقت نفسه نتيجة جائحة كورونا التي قللت نوعاً ما من الإقبال على المشغولات الذهبية منذ نهاية عام 2019 وحتى الآن”.[[1]] واحتوى حوار المصيحلي على العناصر والمضامين الآتية:[[2]] أولا، ضرورة إعادة صياغة موقع مصر العالمي في صناعة الذهب والفضة والحلي والمجوهرات، ولذلك شرعت الحكومة بناء على توجيهات السيسي ببناء مدينة الذهب الجديدة. كما أعلنت الحكومة عن تنظيم  مؤتمر ومعرض للمجوهرات (“نبيو” 2022 خلال الفترة من 19 إلى 21 فبراير المقبل)، بالتنسيق مع الإتحاد العام للغرف التجارية وشعبة صناعة الذهب. بهدف إعادة صياغة صناعة الذهب والفضة والحلي في مصر سواء فيما يتعلق بالمناجم أو المصانع أو الصنُّاع والتُّجار. وكانت الحكومة أعلنت مطلع العام الماضي 2021م عزمها تدشين مدينة متخصصة في صناعة الذهب بمدينة العبور شمال القاهرة، ووفقاً لمخطط الحكومة التي أعلنت عنه آنذاك من المقرر إنشاء 400 ورشة فنية للإنتاج إلى جانب 150 أخرى تعليمية علاوة على مدرسة كبرى داخل مدينة الذهب. ثانيا، وهو الأهم والأكثر خطورة، الإعلان عن مشروع دمغ المعادن الثمينة بالليزر، مبررا ذلك بأنه إجراء يساهم في تقليل التلاعب والغش بالمشغولات الذهبية، مؤكدًا أن هذه الدمغة لا تؤثر على المعدن، ، إلى جانب وضع “qr code” الذي يُوضح مصدر السلعة والمُصنّع وتاريخ الدمغة وطبيعتها والعيار الخاص بها. وجميع المشغولات التي يتم دمغها بها يتم وضعها على قاعدة بيانات؛ حتى يستطيع المواطن الاستعلام عن ما إذا كان المعدن تم دمغه تبع مصلحة الدمغة والموازين مما يزيد بناء الثقة بين المستهلك والتاجر، كما أن استخدام هذه التقنية يضيف ثقة كبيرة للمتعاملين الخارجيين مع التجار المصريين؛ لوجود ضمان لجودة المنتج. ثالثا، بشأن مدخرات المصريين من الذهب فجر الوزير قنبله مدوية بقوله «أي مشغول ذهبي غير مدموغ (بالليزر) لن يتم التعامل معه»، لافتًا إلى أنه منذ الآن ولمدة عام سيظل اعتماد الدمغة بالقلم بالتوازي مع الدمغة بالليزر لحين الانتهاء من المشغولات التي لم يتم دمغها بالليزر وموجودة بالقلم، وبعدها سيتم الاعتماد على الدمغة بالليزر فقط.[[3]] وبعد هذا العام الانتقالي يؤكد الوزير أنه ستكون هناك قرارات بعدم اعتماد الدمغات التقليدية مجددا.[[4]] بما يعني إجبار كل من يقتني ذهبا بدمغه بالليزر. وعن موقف المواطنين الذين يمتلكون سبائك ذهبية، قال الوزير: “عليهم التوجه إلى مصلحة الدمغة والموازين بفرعيها في مدينة العبور بالقليوبية وحي الجمالية بالقاهرة، لسداد رسوم بسيطة مقابل دمغها”. والدمغة هي علامة رسمية خاصة بكل بلد، وتوضع على مصنوعات المعادن الثمينة، كالذهب والفضة والبلاتين، لإثبات عيارها، وتبلغ رسومها في مصر، مضافةً إليها الضريبة، نحو 11 جنيهاً على كل جرام ذهب لعيار 18، و8 جنيهات على عيار 21 (الأكثر شيوعاً ومبيعاً)، علماً أنها كانت تتراوح بين جنيهين وثلاثة جنيهات فقط، قبل زيادتها بشكل متدرج خلال الفترة الأخيرة. أما الدمغة بالليزر فتكلفتها أعلى من الدمغة التقليدية، وهي رسوم لم تحددها الحكومة بعد. تأويل تصريحات الوزير تصريحات الوزير أثارت جدلا واسعا، لكنها فهمت على أكثر من وجه. فريق ناقش تصريحات الوزير من الناحية الفنية فقط، بوصفها تمثل دليلا على أن الحكومة قد شرعت في  تنفيذ خطتها لإعادة صياغة وهندسة سوق الذهب والمعادن الثمينة في مصر؛ يبرهن على ذلك  ــ إلى جانب مدينة الذهب الجديدة والمؤتمر المرتقب في فبراير ــ  أنه خلال النصف الأول من يناير 2022م، تم تأسيس أول مصرف للذهب في مصر، كما أقرت غرفة الصناعات المعدنية في (12 يناير 2022) إنشاء شعبة جديدة للمعادن الثمينة. وتم الموافقة على تشكيلها على أن يكون إيهاب واصف رئيسا للشعبة. والذي أكد بدوره أن  تشكيل الشعبة سيضم في عضويته 5 أفراد من الأعضاء الحاليين بمجلس إدارة غرفة الصناعات المعدنية، سيتم اختيارهم بالتشاور مع اللواء عماد الألفي رئيس الغرفة، بالاستعانه بـ 3 من ذوي الخبرة من خارج الغرفة للاستفادة بخبراتهم الطويلة والمقترح أسماؤهم هم “الدكتور وصفي أمين واصف رئيس شعبة تجارة المعادن الثمينه السابق بالاتحاد العام للغرف التجارية، والمهندس رفيق عباس الرئيس السابق شعبة المعادن الثمينة باتحاد الصناعات، والأستاذ عماد صبحي الصردي مستشار مالي وقانوني للشعبة”.[[5]] كما تم الإعلان عن إنشاء أول مصفاة للذهب معتمدة دوليا بمنطقة مرسى علم بالصحراء الشرقية لتكون قريبة من مواقع مناجم الذهب في مصر، وبتكلفة 100 مليون دولار “1.6 مليار جنيه”، ويمكنها دمغ الذهب المستخرج من المناجم وختمه بالكود الدولي “9999”. وذلك بدلا من إرسال الذهب المستخرج من مصر إلى الخارج سواء إلى كندا أو سويسرا من أجل دمغه وختمه قبل تصديره أو عودته إلى مصر مرة أخرى، كما تستهدف المصفاة أيضا خدمة الاستخراجات ببعض الدول المجاورة مثل السودان والسعودية. [[6]] وأعلن وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا، خلال اجتماع وزراء التعدين العرب بالعاصمة السعودية الرياض، 12 يناير 2022، أن مصر تعمل على إنشاء أول مصفاة معتمدة للذهب، وذلك بهدف تعظيم القيمة المضافة من موارد المعدن. وشهد قطاع الذهب عام 2021، توقيع 25 عقدا مع 11 شركة مصرية وعالمية للبحث عن الذهب في 75 قطاعا بالصحراء الشرقية، باستثمارات حوالي 57 مليون دولار، ضمن المزايدة العالمية للبحث عن الذهب في مصر في ظل حديث الحكومة المتكرر عن وجود نحو 120 موقعا في مصر للمعادن النفيسة. هذا الفريق يرى في توجهات الحكومة وتصريحات وزير التموين دليل على اهتمام الدولة بجعل مصر مركزا عالميا لصناعة الذهب والمعادن الثمينة. وقلل أنصار هذا الفريق من تأثير الصدمة التي أحدثتها تصريحات الوزير، حيث يؤكد إيهاب واصف، رئيس شعبية المعادن الثمينة، أن الحكومة إنما…

تابع القراءة
سياسات الدعم في مصر.. البداية والفلسفة والأهداف

سياسات الدعم في مصر.. البداية والفلسفة والأهداف

      بدأت سياسات الدعم الحكومي في مصر أثناء الحرب العالمية الأولى (1914 ــ 1918م)، حيث استوردت الحكومة (كان السلطان حسين كامل يحكم مصر وقتها صوريا تحت الاحتلال البريطاني) قمحا ودقيقا من استراليا ووفرته في المتاجر المملوكة للحكومة بأسعار أقل من تكلفة شرائها كشكل من أشكال الدعم للمواطنين لتعزيز قدرتهم على مكافحة تداعيات وتأثيرات الحرب؛ حيث كانت مصر محتلة منذ الغزو الإنجليزي لها سنة 1881م. قبل ذلك العهد كان المجتمع هو من يتكفل بتحقيق التكافل الاجتماعي ومساندة الفقراء عبر نظام الوقف الخيري الذي كان يوفر مصادر دخل ثابتة لأبواب البر الثمانية (الفقراء ــ المساكين ــ الغارمين ــ تحرير العبيد ــ ابن السبيل الذي فقد متاعه وضل طريقه ــ العاملين عليها ــ تأليف قلوب المشركين نحو الإسلام ــ العاملين على إدارة الزكاة والأوقاف)، إضافة إلى زكاة المال والصدقات التي فرضها الإسلام وحض الناس عليها. وخلال حقبة الأربعينات من القرن العشرين، استحدثت حكومة الوفد برئاسة مصطفى النحاس باشا (في عهد الملك فاروق؛ حيث تمتعت مصر باستقلال نسبي بعد دستور 1923م) نظام التوزيع بالبطاقات لكافة المواطنين لمواجهة شح عدد من السلع الأساسية إبان الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 1946م) التي أثرت بشدة على مستوى المعيشة، وذلك من خلال برنامج بلغت قيمته مليون جنيه مصري.[[1]] في بعض الأحيان، كان يتم دعم المواد الغذائية ومواد أساسية أخرى شهرياً كالسكر، وزيت الطعام، والشاي والكيروسين. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واستقرار الأوضاع التجارية والاقتصادية عالمياً تم إلغاء الدعم الحكومي.[[2]]  معنى ذلك أن الاحتلال الإنجليزي كان حريصا على توفير سلع تموينية بأقل من سعرها الحقيقي كشكل من أشكال الدعم العيني للمواطنين؛ وذلك لأن هذا الإجراء كان كفيلا بتحقيق شيء من الاستقرار الأمني والسياسي بدلا من  مواجهة فوضى الاحتجاجات والمظاهرات لا سيما في أوقات الحروب والأوبئة؛ حيث يتعرض ملايين المواطنين لضيق في الرزق وشح في الموارد الغذائية. وبالتالي فقد تم استحداث أداة “الدعم العيني” لتكون أداة سياسية يتم توظيفه لخدمة أجندة الاحتلال وإخماد جذوة الغضب والكفاح ضدهم كغزاة ومحتلين للبلاد. وفي أعقاب انقلاب 23 يوليو 1952م، ثم سيطرة الجيش المطلقة على الحكم سنة 1954م، عملت حكومات جمال عبدالناصر على التوسع في الدعم كإجراء يستهدف به القائمون على الحكم رشوة الجماهير حتى تذعن وترضى بسياسات نظام الحكم، وهو ما تزامن مع سطو عبدالناصر على أموال الوقف الخيري الإسلامي، وهو الوقف الذي كان يقدم المساعدات لملايين الفقراء والمحتاجين من الناس؛ وبالتالي جرى توظيف سياسات الدعم سياسيا بهدف النجاح في عمليات إخضاع الشعب لا سيما وأن عبدالناصر كان يعمل على تكريس نسخة من الحكم العسكري القمعي؛ معنى ذلك أن عبدالناصر كان يحتاج إلى سياسات الدعم لتكريس حكمه وتشديد قبضته على مفاصل الدولة. ووفقًا لدراسة أجراها «المركز المصري للدراسات السياسية والاقتصادية»، فإن الحكومة  توسعت، في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في تقديم الدعم بطرق متعددة، وذكرت الدراسة أن قيمة مخصّصات الدعم ارتفعت في عام 1970 نحو 20 مليون جنيه، بعد التوسّع في عدد السلع المدعومة، ليصل إلى 18 سلعة أساسية، وتم ضمّ أصناف جديدة مثل: الفول، والعدس، والدجاج، واللحوم، والأسماك المجمّدة، وللمرة الأولى دعمت الحكومة المصرية الكهرباء وخدمات النقل الداخلي، والبنزين، علاوة على أن الدعم خلال حقبة السبعينيات، شمل جميع المصريين من دون تحديد فئة بعينها من المستحقين. وقد تم استحداث بطاقات التموين لتوفير سلع تموينية شهرية للمواطنين تشمل الدقيق والسكر والصابون والأرز وزيت الطعام، والتي ضمت نحو 99% من المواطنين. كما توسع النظام في إقرار سياسات الدعم حيث تم تقديم دعم غير مباشر لهيئات حكومية لسد العجز لديها كالنقل العام والكهرباء والمياه والسكك الحديدية والوقود وغيرها؛ ورغم ذلك كانت هذه الهيئات تحقق خسائر كبيرة (بسبب فساد الحكم والإدارة) وذلك بهدف استمرار الدعم. ولم يضع نظام عبدالناصر معايير عادلة تضمن وصول هذا الدعم لمستحقيه بل تعمد ضم ملايين المواطنين لمنظومة الدعم حتى شملت جميع الناس، وعلى رأسهم كبار الموظفين بالدولة ورجال الحكم والأعمال؛ حتى يضمن ولاء الجميع للنظام. كما توسعت مظلة الدعم لتشمل أيضا التعليم والصحة والإسكان والكهرباء والوقود وغيرها.  لكن هذه السياسات تسببت في تضخم مخصصات الدعم بالموازنة العامة للدولة من جهة، وعدم وصول الدعم إلى مستحقيه من جهة ثانية. ولجوء النظام إلى الاستدانة من جهة ثالثة بهدف مواجهة تداعيات سياسياته وحروبه العبثية في سيناء واليمن من جهة وتوفير مخصصات الدعم من جهة ثانية. وتوفير السلاح لهذه الحروب من جهة ثالثة. ولم يشأ النظام تصحيح هذه الأوضاع في منظومة الدعم رغم بؤس الوضع الاقتصادي والمالي لأسباب تتعلق بحرص عبدالناصر على شعبيته وضمان ولاء الكثيرين لنظام حكمه. ورغم تراجع مخصصات الدعم بعد هزيمة 1967م بدعوى الإنفاق على المجهود الحربي، إلا أن النظام كان حريصا  على بقاء منظومة الدعم لأسباب سياسية. في عهد الرئيس محمد أنور السادات (1970 ـ 1981) انقسم التعامل مع ملف الدعم إلى مرحلتين: الأولى هي استمراره وزيادة مخصصاته وذلك بين عامي 1970 و197، وجاءت المرحلة الثانية وهي تقليصه وترشيده، وهي المرحلة التي انتهت بانتفاضة الخبز، واندلعت احتجاجا على تقليص الدعم وبناء عليه تراجعت الدولة عن خططها بشأن تقليص الدعم. في أعقاب اغتيال السادات في أكتوبر 1981م؛ تعلم خلفه حسني مبارك الدرس، فقرر استمرار التوسع في سياسات الدعم وتجنب أي صدام مع الجماهير بهذا الشأن؛ فارتفع الدعم إلى أكثر من مليار جنيه في الموازنة العامة للدولة وذلك لأول مرة في بداية الثمانينات، لكن النظام وضع خطة متدرجة لتخفيض الدعم استنادا منه إلى أن مخصصات الدعم هي السبب في عجز الموازنة. وهي الخطة التي وضعت في أعقاب انتفاضة الخبز سنة 1977، لكن لم يتم العمل بها إلا في عهد مبارك، وهي الخطة التي شملت عدة إجراءات: [[3]] البدء بتخفيض تدريجي لعدد السلع الغذائية المدعمة ، ففي عام 1980 كان نظام الدعم يغطي نحو 20 صنفا، في الفترة ما بين 1990-1992 تم إزالة الدعم عن السمك والدجاج واللحوم المجمدة والشاي، والأرز. وبعام 1996/97 كان هناك أربع أصناف فقط مدعمة وهي العيش البلدي، والدقيق البلدي، والسكر، وزيت الطعام. بدأت الحكومة بتخفيض عدد الأشخاص الذين يملكون بطاقات التموين والمستحقين للدعم الغذائي. في عام 1981 ومرة أخرى في 1994 قام وزير التجارة والتموين بتقليص عدد حاملي البطاقات، كما قامت الوزارة في عام 1989 بالتوقف عن تسجيل المواليد الجدد في نظام الدعم. وقد تم خفض عدد المستفيدين من 99% في بداية الثمانينات إلى 70% في 1998. عمدت وزارة التجارة والتموين إلى خفض المستفيدين من خلال تصنيف بطاقات التموين إلى مجموعتين: البطاقات الخضراء وتستحق دعما كاملا ويستهدف محدودي الدخل، والبطاقات الحمراء وتستحق دعما جزئيا وتخصص لشرائح المواطنين أصحاب الدخل الأعلى مثل المستثمرين أصحاب المحال أو الأراضي أكثر من 10 أفدنة. تعاملت الحكومة مع الدعم على الخبز باستراتيجية خاصة، سيما وأن العيش والدقيق الأبيض في مصر…

تابع القراءة
العلاقات المصرية الألمانية بعد ميركل

العلاقات المصرية الألمانية بعد ميركل

  أسفرت الانتخابات الألمانية التي أجريت في 26 سبتمبر 2021م عن مفاجأة من العيار الثقيل؛ حيث كان من المتوقع أن يفوز الحزب المسيحي الديمقراطي الذي كانت تقوده المسشارة إنجيلا ميركل، بالمرتبة الأولى، غير أن هذه الانتخابات قلبت المعادلة رأسا على عقب؛ إذ تصدر فيها الحزب الاشتراكي بزعامة أولاف شولتز الذي قاد ائتلافا حكوميا ضم إلى جانب حزبه كل من حزبي الخضر والليبراليين. وانتهت مرحلة ميركل التي دامت 16 عاما، وبدأت مرحلة المستشار شولتز. الدرس الأهم في هذه الانتخابات أن الإنجازات الكبرى التي حققتها المستشارة ميركل، إضافة إلى نظافة يدها وشخصيتها الكاريزمية لم تشفع لحزبها المسيحي الديمقراطي بالفوز، فالتداول السلمي للسلطة عبر أدوات الديمقراطية هي من ثوابت المانيا والتي تضمن لها نظام حكم رشيد ومكانة عالمية مرموقة؛ كما أنه يمنحها طاقة وتجديدا تماما كالنهر الجاري تتجدد مياهه باستمرار، على عكس دول الاستبداد التي يبقى فيها الحكام متسلطين حتى مماتهم فهم كالماء الآسن لا يروي من ظمأ ولا   تتحقق به فائدة. وفي أعقاب الانتخابات عادة السيدة ميركل إلى صفوف الموطنين تعيش حياتها كمواطنة ومستشارة سابقة دون أن تمن على بلادها بما حققته من إنجازات فذلك هو الدور الطبيعي المنتظر من كل مسئول ولهذا ينتخبه الناس أو يختارون غيره، دون أي تدخل من أجهزة الدولة التي تبرهن باستمرار أن ولاءها للوطن وليس لحزب أو مؤسسة أو قيادة تحظى بالزعامة، فليس في مثل المانيا زعماء بل حكام منتخبون من الشعب باعتباره سيد البلاد وصاحب السلطة الحقيقية فيها يفوض من يشاء وينزع من يشاء وفق نصوص الدستور وأدوات الديمقراطية. الدرس الثاني، هو أن الصحافة العربية راحت تكيل المديح للمستشارة الألمانية وتصنفها في دائرة الأساطير؛ فقد سألت صحفية ذات مرة ميركل ـ لماذا ترتدين نفس الملابس؟ ويتكرر ظهورك بها؟ .. فردت عليها أنها تعمل موظفة عند الشعب، وليست عارضة أزياء تقوم باستعراض الملابس، وسألتها تلميذة في إحدى المدارس: هل لديك خادمة تساعدك في أعمال المنزل؟.. فردت عليها أنها هي من تقوم بأعمال المنزل بمساعدة زوجها، وفي أحيان كثيرة تضبطها الكاميرا وهي تقوم بالشراء بنفسها من الأسواق، وعندما تعطلت طائرتها المخصصة لها من وزارة الدفاع مرتين تم استبدالها بطائرة أخرى بعد أن ظلت الطائرة عشرين عاما في الخدمة، وفي المرتين استخدمت طائرات تجارية عادية لإكمال رحلتها كانت آخرها في أمستردام عندما تعطلت الطائرة وهي في طريقها إلى اجتماع الدول الصناعية في الأرجنتين، وأكملت الرحلة في طائرة ركاب عادية، وجلست بجوار شاب لا تعرفه، وعندما سألت الصحافة الشاب عن شعوره عندما تفاجئ بركوب المستشارة بجواره قال: إنها سيدة هادئة،  كانت تقرأ طول الوقت ولم تتناول طعام غير الزبادي! [[1]] معنى ذلك أن مديح الصحافة العربية لميركل يعكس حجم الظمأ العربي نحو نظام حكم رشيد يكون فيه الحاكم مجرد موظف يخدم الشعب، لكن الصحافة الألمانية لم تفعل ذلك مطلقا، فميركل ليست قديسة في بلادها، ولا أحد يتغنى بها على غرار الصحافة العربية، فالتقشف ونظافة اليد واحترام الديمقراطية ليس تفضلا منها على الشعب، بل هي أسس لا يمكن الحياد عنها في ظل دستور قوي يحاسب بقوة وشدة ولا أحد يستطيع الخروج عليه، ولم يكن عمل المستشارة في مفهوم العقلية الألمانية أكثر من موظفة تؤدي عملها تجاه الشعب. فميركل كانت شديدة التواضع رغم أنها كانت تقود ثالث أكبر اقتصاد على مستوى العالم، لكنها لا تملك قصورا ولا سيارات فارهة على غرار طغاة العرب رغم أنها كانت تحكم البلد الذي ينتج أفخم ماركات السيارات، ويبدو أن مديح الصحافة العربية لها دون الصحافة الألمانية إنما يعود في جزء منه إلى حالة السأم من الحكام اللصوص في بلادنا العربية والمتاجرين بأقوات الشعوب الذين لا يكفون عن النهب والمن على الشعوب في ذات الوقت. ما يعنينا هو مستقبل العلاقات المصرية الألمانية في ظل حكومة المانية جديدة، تتمتع بأجندة مختلفة في رؤيتها وتصوراتها حيال قضايا المنطقة التي تتسم بكثير من التعقيد والتشابك. فهل تمضي حكومة شولتز على خطى حكومة ميركل التي فضلت الانحياز للمصالح على حساب القيم؟ أم تتخذ مسارا مغايرا ينحاز بشكل أوضح نحو القيم الديمقرطية الإنسانية التي ترفعها المانيا؟ وهل يمكن لحكومة اشتراكية جديدة في المانيا أن يكون لها تأثير ملموس على سياسات النظام العسكري في مصر؟ وهل يمكن أن تنتقل من دائرة البيانات والشجب والإدانة في ملف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر إلى دائرة الفعل والتأثير وفرض عقوبات على نظام السيسي لدفعه نحو احترام حقوق الإنسان حقيقة لا ادعاء وجوهرا لا شكلا دون التفاف على هذه الحقوق الإنسانية؟ صدام الماني مع السيسي البداية كانت مع صدام خفيف بشأن الملف الحقوقي، حيث  بدأت الحكومة الجديدة برئاسة المستشار أولاف شولتز في التعبير عن مواقفها بشكل أكثر حدة من حكومة ميركل بشأن الموقف من نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي في مصر؛  فقد استبقت الخارجية الألمانية النطق بالحكم في القضية التي يحاكم فيها النشطاء علاء عبدالفتاح ومحمد الباقر ومحمد إبراهيم المعروف باسم «أكسجين»، وأصدرت بيانًا يوم الخميس 16 ديسمبر 2021م، قبل يومين من النطق  عليهم بالحكم في القضية 1228 لسنة 2021م، قالت فيه “إن الحكم سيكون بمثابة إشارة للاتجاه الذي ستسير فيه قضية العدالة وحقوق الإنسان في مصر”. وفي إشارة ضاغطة ورافضة للحكم قبل النطق به، قال البيان إن الحكومة الألمانية “تتوقع الإفراج عن الموقوفين، خاصة أنهم رهن الاعتقال منذ عام 2019 على خلفية اتهامات بنشر أخبار كاذبة، مع أنها تعتبر أن حرية التعبير هي أساس السلام الاجتماعي”. وأشارت الحكومة الاتحادية في المانيا إلى أن «حرية التعبير هي أساس السلام الاجتماعي ومشاركة جميع الأوساط الاجتماعية والاستقرار المستدام»، معبرة عن أملها في أن تعمل مصر على تحقيق المحاكمة العادلة، وأن يكون حكم الغد «إشارة للاتجاه الذي تتطور إليه حالة حقوق الإنسان في مصر»، حسب البيان. وكانت نيابة أمن الدولة العليا أحالت عبدالفتاح و«أكسجين» والباقر إلى محكمة أمن الدولة طوارئ، نهاية أكتوبر 2021، بتهمة «نشر أخبار كاذبة باستخدام أحد مواقع التواصل الاجتماعي»، وذلك في قضية منسوخة من القضية 1356 لسنة 2019، جنايات أمن دولة، والمتهمين فيها بتهم أخرى مثل «الانضمام لجماعة إرهابية». قوبلت الانتقادات الألمانية من جانب نظام السيسي بعدة إجراءات: أولها، رفض وزارة الخارجية المصرية للبيان الألماني، وعدته تدخّلا سافرا وغير مبرر في الشأن الداخلي المصري، وقالت إن “افتراض نتيجة محددة مرفوض رفضًا تامًّا، لأن ذلك يمثل ضياعًا للعدالة المصرية ومبادئ سيادة القانون وفصل السلطات المنصوص عليها في الدستور”.[[2]] وثانيها، هو تنظيم حفلة مسائية جماعية على جميع الفضائيات التي تهمين عليها أجهزة السيسي المخابراتية والأمنية؛ حيث وجه إعلاميو  السلطة نقدا لاذعا للبيان الألماني، وكالوا ركاما من السباب والشتائم إلى كل منظمات حقوق الإنسان العالمية التي تدين الانتهاكات التي يمارسها النظام العسكري في مصر بحق معارضيه، متهمين هذه المنظمات بالخيانة والعمالة والعمل ضد مصر. وبالطبع كان الهدف منها التغطية…

تابع القراءة

لقاء عقيلة والمشرى.. هل ينجح فى وضع خارطة طريق جديدة لحل الأزمة الليبية؟

  أشار تقرير صادر عن وكالة “سبوتنك” الروسية عن لقاء سري جري في 2 يناير 2022 بين رئيس مجلس النواب الليبي والمرشح الرئاسي، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الاعلى للدولة، خالد المشري، في المغرب؛ في محاولة لحلحلة الملفات الخلافية بين الجانبين والتوصل إلى ملامح لخريطة طريق جديدة. وأضافت “سبوتنيك” أن اللقاء فرضت عليه السرية نظرًا لعدم عودة عقيلة صالح لمنصبه حتى الآن في رئاسة مجلس النواب، وأن هناك رغبة في تحقيق تفاهم أولي بين الطرفين لعقد اجتماعات موسعة خلال الفترة المقبلة[1]. وعلى الرغم من عدم إعلان أيًا من مجلسى الدولة والنواب عن عقد هذا اللقاء، إلا أنهما أيضًا لم ينفيا ذلك. بل إن المشري كان قد أعلن، في 18 ديسمبر 2021، عن وجود ترتيبات لتنظيم لقاء يجمعه بصالح لتسوية الأزمة السياسية الراهنة. وعلى الرغم من نفي مصادر من داخل مجلسي النواب والدولة أن يكون قادتهما قد اتفقوا على عقد لقاء في الرباط، فإن موقع الجزيرة أكد وصول صالح والمشري إلى المغرب استجابة لوساطة مغربية[2]. وسوف نتناول فى السطور القادمة؛ دوافع هذا اللقاء، وأهم ما اتفق عليه الطرفان خلاله، ومدى إمكانية تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.. أولًا: دوافع اللقاء بين المشرى وعقيلة: يسعى كلا من المشرى وعقيلة من خلف هذا اللقاء إلى العمل على تجنب تراجع دورهما مقابل تصاعد دور ملتقى الحوار السياسى، فمنذ عودة ستيفاني ويليامز بدأت مساعي مكثفة من أجل إعادة دور ملتقي الحوار الليبي، والذي كانت قد ساهمت ستيفاني في تشكيله قبل مغادرتها منصب المبعوث الأممي في يناير 2021، حيث تعول ويليامز كثيراً على أعضاء هذا الملتقى، نظراً لإنخراطها في وقت سابق في اختيار عناصره، فضلاً عن الدور الذي قام به الملتقى في اختيار السلطة الانتقالية الحالية والتوصل إلى خريطة الطريق التي حددت موعد الانتخابات. وقد تسعى ويليامز لتجميد دور مجلسي النواب والدولة، وإعادة تفعيل دور ملتقى الحوار، وهو الأمر الذي دفع المجلسين إلى العمل على حلحلة الخلافات القائمة بينهما لضمان استمرارهما في المشهد وإطلاعهما على صياغة ملامح خريطة الطريق الجديدة، وهو ما عكسته تصريحات خالد المشري الأخيرة، التي ألمح فيها إلى أن ثمة تفاهمات تم التوصل إليها مع المستشار عقيلة صالح بشأن العمل بعيداً عن البعثة الأممية[3]. وهو ما تم التأكيد عليه أيضًا، بعد اللقاء الذى جمع رئيس مجلس النواب المكلف فوزي النويري بالمشري، في طرابلس، فى 8 يناير 2022، لـ”بحث المسار الدستوري وسبل تسريع العملية الانتخابية”. فقد  نقل بيان المجلس الأعلى للدولة، عن المشري والنويري “تأكيدهما “رفضهما للتدخلات الخارجية في الشأن الليبي”، وأن العملية السياسية “ملكية وطنية، وحل الأزمة لن يكون إلا ليبيا – ليبيا، وعبر الأطراف الليبية مباشرة”[4]. ومن العوامل التى دفعت لعقد اللقاء بين المشرى وعقيلة، ظهور سيف الإسلام القذافي وإعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية، وهي الخطوة التي دفعت العديد من الأطراف الداخلية إلى إعادة النظر في تحالفاتهم لتجنب الخسارة، في ظل المؤشرات التي تمتع سيف الإسلام بشعبية غير هينة تؤهله لاحتلال مركز متقدم في أي انتخابات قادمة[5]. ثانيًا: أهم ما تم الإتفاق عليه خلال اللقاء: ذكرت عدة تقارير إعلامية أن لقاء عقيلة والمشرى هدفه الرئيسى يتمثل فى وضع خارطة طريق جديدة لحل الأزمة الليبية، وذلك بعد فشل إجراء الانتخابات التى كانت مقررة فى 24 ديسمبر 2021؛ لعدة عوامل سبق ذكرها فى تقارير سابقة، وتمثلت أبرز بنود هذه الخارطة فى: – أولوية الاستفتاء على الدستور وإشراك المجلس الأعلى فى تعديله: حيث كان لافتًا التوصيات التى تقدمت بها اللجنة البرلمانية التى شكلها مجلس النواب، والمعنية بمتابعة تنفيذ العملية الانتخابية، فمن بين هذه التوصيات، دعوتها “لوضع خارطة طريق جديدة قابلة للتنفيذ، مضبوطة بمدد ومراحل وتواريخ في إطار دستوري، وتعديل مشروع الدستور عن طريق لجنة فنية يعينها مجلس النواب بإشراك عادل لمجلس الدولة”. ومنذ فشل لجنة الحوار السياسي في إعداد قاعدة دستورية خلال اجتماعها بجنيف الصيف الماضي، تعد المرة الأولى التي يتحدث فيها مجلس النواب عن إشراك المجلس الأعلى للدولة في تعديل مشروع الدستور، دون الإشارة إلى قوانين الانتخابات، التي يطالب الأخير بأن يكون طرفًا أصيلًا فيها بناء على الاتفاق السياسي. ولم تتحدث الصفحة الرسمية للمجلس الأعلى للدولة، عن اجتماع المشري وعقيلة، ولكنها نشرت، فى 5 يناير 2022، بيانًا لمكتب المجلس، جاء فيه أنه “تم التأكيد على الإسراع في اتخاذ الخطوات العملية لإنجاز العملية الدستورية والانتخابية، من خلال الاستفتاء على الدستور، وإصدار قوانين توافقية، وإنهاء المراحل الانتقالية”. والحديث عن “الإسراع” في اتخاذ “خطوات عملية”، يوحي بوجود اتفاق ما بشأن إعطاء الأولية للاستفتاء، وقبول مجلس النواب بإشراك مجلس الدولة في إصدار قوانين الانتخابات[6]. – إعادة تشكيل السلطة التنفيذية الحالية: ليس واضحًا ما هو المقابل الذي تحصل عليه عقيلة حتى تنازل عن إقصاء مجلس الدولة في إعداد قوانين الانتخابات، وأولوية الاستفتاء على الدستور قبل الذهاب للانتخابات. غير أن عقيلة صالح، من أنصار الإطاحة بحكومة الوحدة والمجلس الرئاسي، ولن يتم ذلك إلا بتوافق مع المشري ومجلس الدولة. وفى هذا السياق، فقد تحدث المستشار السياسي السابق للمجلس الأعلى، أشرف الشح، عن اتصالات بين المشري وصالح، بمبادرة من وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، لتشكيل مجلس رئاسي جديد، يتولى رئاسته صالح بعضوية المشري، فيما يتولى باشاغا رئاسة الحكومة الجديدة، ويُدعى إلى تأجيل الانتخابات الليبية 24 شهراً إضافياً من أجل ترتيب الأوضاع، ويُضمن كل ذلك في الإعلان الدستوري. وبالرغم من نفى المشري صحة سعيه لتشكيل سلطة تنفيذية جديدة، ولكنه أقر بوجود اتصال مع عقيلة، بـ”صفته رئيس مجلس النواب” لإيجاد حل للانسداد الحاصل في العملية الانتخابية، ورجح أن يلتقيه في تركيا أو مصر، قبل أن يجتمعا فيما بعد في المغرب[7]. وسبق أن أشار المشرى فى لقائه مع قناة الجزيرة، فى 29 ديسمبر 2021، فى إجابته على سؤال حول ما إذا كان التقارب بين المجلسين سيستهدف إعادة تشكيل السلطة التنفيذية الحالية، قال “تغيير رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي مسألة تقديرية حسب المدد المتبقية والشكل القادم للمرحلة المقبلة”، مشيراً إلى أن “بعض الوزارات في الحكومة الحالية أصبح الأمر فيها لا يطاق”[8]. وهو ما قد يفهم منه أنه قد لا يمانع من تغيير رئيس المجلس الرئاسى أو رئيس الحكومة أو إدخال تعديلات على بعض الوزارات بها. أكثر من ذلك، فقد ادعت مجلة “جون أفريك” الفرنسية أن اجتماع المشرى وعقيلة فى المغرب، ضم أيضًا بلقاسم” نجل خليفة حفتر”، والذى يؤدي دور المستشار الدبلوماسي لوالده. وبحسب الصحيفة، فإن اللقاء الثلاثي السري، يشكل تحالفًا لإزاحة حكومة الدبيبة[9]. – تغيير رئيس المفوضية العليا للانتخابات: كان المشري قد كشف خلال اللقاء الذى أجرته معه قناة الجزيرة، فى 29 ديسمبر، عن بعض أهداف اللقاء، موضحاً أنه سيتحدث مع صالح “عن المسار الدستوري وبعض المناصب السيادية”. وهناك ترجيحات بأن يكون حديث المشري وعقيلة حول بعض المناصب السيادية هدفه تغيير رئيس…

تابع القراءة
قراءة تحليلية معمقة للقاء عباس مع غانتس

قراءة تحليلية معمقة للقاء عباس مع غانتس

  أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس عن عقده لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فى 28 ديسمبر 2021، وضم الوفد المرافق لغانتس منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة غسان عليان، فيما ضم الوفد المرافق لعباس رئيس المخابرات ماجد فرج، ورئيس هيئة الشؤون المدنية حسين الشيخ، وقد عُقد اللقاء بعيدًا عن الأماكن الرسمية والحكومية، فقد أعلن مكتب غانتس أن اللقاء عُقد في منزله في منطقة “روش هاعين” والتي تقع في مستوطنة قرب تل أبيب، وناقش الأثنان، كما صرح مكتب غانتس، مختلف القضايا الأمنية والمدنية[1]. ويعتبر هذا اللقاء الأول بين “عباس” ومسؤول إسرائيلي داخل إسرئيل، منذ 2010، كما أن هذا اللقاء هو الرابع بين الرجلين خلال أربعة أشهر[2]. ويمكن قراءة هذا اللقاء من حيث دوافعه وأهدافه كما يلى: – القضاء على بوادر الانتفاضة الشعبية: يمكن القول أن هناك ما يشبه التوافق بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلى على ضرورة القضاء على أى بوادر لانتفاضة شعبية فلسطينية قادمة فى الضفة الغربية؛ لأن هذه الانتفاضة ستهدد أمن الاحتلال وبقاء السلطة. وذلك بعدما رصدت الأوساط الأمنية الإسرائيلية بوادر “انتفاضة” جيل الشباب الفلسطيني الصاعد فى الضفة الغربية، سواء ضد الاحتلال أو السلطة الفلسطينية على حد سواء، في الوقت الذي اكتسبت فيه المقاومة زخمًا جديدًا في الشارع الفلسطيني بعد حرب غزة الأخيرة، وتدهور الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية. وعليه يأتى هذا اللقاء بين عباس وغانتس بعد ما ظهر من تفاعل الأحداث في الضفة الغربية أن هناك إرهاصات هبة شعبية تلقائية يبدو أنها ستكون ضد الاحتلال والسلطة التي وضعت نفسها حائط صد لمصلحة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني مما رفع وتيرة الشعور بالنقمة الشديدة عليها، خصوصًا مع العربدة الشديدة للاحتلال ومستوطنيه وإحجام الأجهزة الأمنية عن تحريك أي ساكن[3]. ويأتى لقاء غانتس وعباس مع تصاعد ملحوظ فى الضفة المحتلة في أشكال المقاومة الشعبية والمسلحة، فقد ارتقى خلال شهر ديسمبر 2021 سبعة شهداء، عدد منهم جراء تنفيذ عمليات مقاومة مسلحة سقط فيها عدد من المستعمرين المستوطنين ما بين قتيل وجريح، في وقت يُجسد فيه الأسرى آيات من الصمود والبطولة الفردية والجماعية مثل الأسير هشام أبو هواش، المضرب عن الطعام في سجون الاحتلال لما يزيد عن 140 يوم على التوالي. ما يميز الهبة أو الموجة الحالية أن عنوانها الأبرز ليس القدس وما يجري فيها، رغم أن القدس لم تهدأ أبدًا، وما يميزها كذلك المواجهات الشعبية في مناطق عدة في وقت واحد، خصوصًا في بيتا وبرقة، التي تأخذ الشكل الدفاعي في معظم الأحيان، من خلال قيام قوات الاحتلال باقتحامات مكثفة، وأحيانًا في مناطق عدة في يوم واحد، وقيام المستعمرين المستوطنين بأعداد كبيرة جدًا باعتداءات جماعية لا تستهدف مواطنين متفرقين، بل قرى بكاملها، لدرجة محاولة إحياء البؤرة الاستيطانية “حومش” ردًا على عملية مقاومة سقط فيها قتيل إسرائيلي وجرحى. ما فاجأ قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين المسلحين أن برقة لم تدافع عن نفسها وحدها، بل هبت جموع حاشدة من القرى المجاورة ومختلف محافظات الضفة لنصرتها، ما أدى إلى منع المستوطنين من تحقيق غايتهم، وتصاعد المواجهات في مناطق عدة، واندلاع هبة أو موجة انتفاضية جديدة. تأتى بوادر الانتفاضة فى الضفة في ظل تصاعد الأوضاع فى غزة على خلفية عدم احراز أى تقدم حول عملية التهدئة وتبادل الأسرى، ومن دون إعادة الإعمار ولا رفع الحصار أو حتى تخفيفه بشكل جدي، ما فاقم معاناة القطاع بشكل يجعل إمكانية تدهور الوضع إذا لم تتخذ إجراءات ملموسة للتخفيف من حدة الاحتقان إلى مجابهة عسكرية واردًا جدًا[4]. – دعم بقاء السلطة: يأتى هذا اللقاء فى ظل حالة مأساوية تعيشها السلطة الفلسطينية من فقدانها شعبيتها ومكانتها في الضفة الغربية؛ وذلك وفق استطلاعات الرأي المتكررة والتي منحت السلطة ورئيسها محمود عباس خسارة مدوية، في حال أجريت أي انتخابات قادمة، فضلاً عن نسبة ٧٦% التي تطالب محمود عباس بالاستقالة وترك منصبه. فلا شك أن كيان الاحتلال معني بتقوية السلطة ومكانتها والمحافظة عليها كونها تشكل ذخرًا استراتيجيًّا لا يمكن الاستغناء عنه لما مثلته السلطة خلال السنوات الماضية من غطاء أمني كبير لحماية المستوطنين وتعزيز التنسيق الأمني. ومقابل هذه الخدمات الأمنية التى تقوم به السلطة لصالح الاحتلال، فإنها تريد منه تعزيز مكانتها في الضفة الغربية من خلال دعمها اقتصاديًّا، ومنح عباس وحكومته بعض الصلاحيات التي من شأنها رفع أسهم السلطة شعبيًّا في الأراضي الفلسطينية[5]. وفى هذا السياق، فبحسب الإعلام العبرى، تحدث وزير الأمن الإسرائيلي عن حُزمة إغراءات لعباس وفريقه، أبرزها السماح بتحويل 100 مليون شيكل من أموال الضرائب لصالح السلطة، إضافة إلى منح 600 تصريح لشخصيات قيادية في رام الله وتجار كبار مقربين منها، والسماح لهم بالدخول إلى المدن الخاضعة لسيطرة الاحتلال بسياراتهم الخاصة، إلى جانب تقديم عشرات بطاقات الـ«VIP» لكبار الشخصيات الفلسطينية. أيضاً، وافق غانتس على تحديث بيانات 6000 فلسطيني في الضفة، و3500 فلسطيني في قطاع غزة، في حين بحث الطرفان الموافقة على مخطّطات هيكلية فلسطينية إضافية. وأطلع غانتس، عباس، على عدة إجراءات اقتصادية مدرَجة على جدول الأعمال ستُتخذ لاحقاً، بما فيها إمكانية تخفيض الرسوم المفروضة على مشتريات الوقود، وإجراء تحسينات على عمل «جسر اللنبي» الرابط بين الضفة الغربية والأردن، وإنشاء منصة رقمية لضريبة القيمة المضافة، وأخرى للدفْع عبر الإنترنت للعمال الفلسطينيّين، في ما من شأنه أن يدر مئات الملايين من الشواكل على ميزانية السلطة كل عام[6]. وقد سبق أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية، في 1 سبتمبر 2021، ثلاث خطوات “إنسانية واقتصادية” لدعم السلطة؛ عبر منحها قرضًا قيمته 156 مليون دولار، والموافقة على 5 آلاف طلب جمع شمل العائلات الفلسطينية، وإتاحة خدمة الجيل الرابع للاتصالات الخليوية (4G) قريبًا. وذلك بعد اجتماع  غانتس وعباس، في 29 أغسطس 2021، في مقر المقاطعة بمدينة رام الله، بناءً على طلب الإدارة الأميركية من حكومة تل أبيب السماح بعقد الاجتماع، والبدء بفتح خطوط اتصال قوية وعلى مستويات عالية مع السلطة الفلسطينية من أجل التحرك السياسي، والانطلاق من “الشق الاقتصادي”[7]. وقد نقل الصحفي محمد دراغمة من وكالة أنباء الشرق  بناء على تقرير سمعه من مسؤولين فلسطينيين المطالب الفلسطينية التي أثيرت في الاجتماع: إعادة الأمن الفلسطيني في المدن كما كان قبل الانتفاضة الثانية (أي تقييد المداهمات العسكرية الإسرائيلية على المناطق أ)، وتوسيع الأراضي التي تتمتع فيها السلطة الفلسطينية بسلطة أمنية (أي استئناف عملية إعادة تنظيم الجيش الإسرائيلي ونقل المناطق من الفئة ب، حيث تتمتع السلطة الفلسطينية بسلطة التخطيط والبناء وليس السلطة الأمنية، إلى الفئة أ) ؛ وإعادة الفلسطينيين أفراد أمن السلطة إلى معبر اللنبي الحدودي[8]. وبحسب تقارير إسرائيلية، فإن من المتوقع أن يؤدي تنفيذ الإجراءات المختلفة التي نُوقشت خلال هذا الاجتماع إلى إضافة مئات الملايين من الشواكل سنوياً إلى موازنة فلسطين، ولكن شتان بين المتوقَع المنشود والواقع الموجود، فالعلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وفلسطين لا تقرِرها القوانين أو النيات فحسب، بل تخضع…

تابع القراءة
تراجُع التيجراي: قراءة في الدوافع والسيناريوهات

تراجُع التيجراي: قراءة في الدوافع والسيناريوهات

      بعد 13 شهر من بدايتها، ما زالت الحرب بين الحكومة المركزية في إثيوبيا وجبهة تحرير تيجراي تحمل المفاجآت من خلال تقلباتها الميدانية، وآخرها إعلان الناطق الرسمي باسم جبهة التيجراي الانسحاب من إقليمي أمهرا وعفر والتراجع باتجاه إقليم تيجراي، والذي يُعد هذا أكبر تراجع للتيجراي منذ يونيو الماضي، بعد أن انطلقت قواتهم نحو إقليمي عفر وأمهرا، وكانت في طريقها إلى العاصمة أديس أبابا. لكن المفاجأة المدوِّية مؤخرًا تمثَّلت في إعلان جبهة تيجراي القبول بالتفاوض مع الحكومة الإثيوبية دون أن تقف عند الشروط التي وضعتها حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وهو ما رفضته وبشدة منذ بدء الحرب نهاية عام 2020. وجاء قرار جبهة تحرير تيجراي في 20 ديسمبر 2021 بانسحاب قواتها من مناطق الصراع في إقليمي عفر وأمهرا ليضفي مزيدًا من الضبابية حول مستقبل الصراع في البلاد، خاصةً في ضوء هذا التراجع التكتيكي المفاجئ بعد سلسلة من الانتصارات العسكرية التي حققتها قوات دفاع تيجراي والتي عكست تفوقها العسكري على الجيش الإثيوبي خلال الشهور الماضية منذ يونيو 2020. فما هي خلفيات هذا التراجع؟ وما هي أسبابه؟ وكيف يُمكن قراءة المستقبل الإثيوبي في ظل هذا الوضع؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها.. ماذا حدث؟ أعلنت جبهة تيجراي أنها ستنسحب من إقليمي أمهرا وعفار شمال إثيوبيا، في خطوة للتراجع عن القتال مع القوات الحكومية. ونقلت وكالة “رويترز” عن جيتاشيو رضا، المتحدث باسم الجبهة المصنفة إرهابية في البرلمان الإثيوبية، قوله إن مسلحي تيجراي سينسحبون من إقليمي عفار وأمهرا. هذا فيما أكدت إثيوبيا أن جبهة تحرير تيجراي تلقَّت هزيمة وأجبرت على التراجع بإقليمي أمهرا وعفار، مفندة بذلك مزاعم “انسحاب استراتيجي”. وقالت بليني سيوم السكرتيرة الصحفية بمكتب رئيس الوزراء، إن الجيش الإثيوبي والقوات الخاصة لإقليمي عفار وأمهرا يطاردون عناصر جبهة تحرير تيجراي لإخراجهم مما تبقى من مناطق إقليم أمهرا. واستنكرت سيوم، خلال مؤتمرها الصحفي، تصريحات قادة جبهة تحرير تيجراي تزعم تنفيذ “انسحاب إستراتيجي”، وقالت إنهم دحروا وأجبروا على الخروج من معظم المناطق. وأوضحت أن قوات الجيش الإثيوبي والقوات الأخرى الخاصة في إقليمي أمهرا وعفار حقَّقت مكاسب كبيرة في دحر جبهة تحرير تيجراي وإجبارها على إخلاء كامل لمنطقة شمال وللو وتحرير عاصمتها الاستراتيجية ولديا. ولفتت المسؤولة الإثيوبية إلى أن جبهة تحرير تيجراي تسببت في دمار هائل للبنية التحتية العامة والخاصة بمختلف مناطق ومدن إقليم أمهرا، وقالت إن مدينتي ديسي وكومبلشا لحقت بهما أضرار بالغة ودمار كبير في البنية التحتية ومختلف المؤسسات التعليمية والجامعية المؤسسات الدينية والمراكز الثقافية، وخروج مدينة كومبلشا الصناعية كاملة عن التشغيل، فضلًا عن أعمال النهب من قبل عناصر الجبهة.[1] معارك الكر والفر بين جيش آبي أحمد وقوات التيجراي قبل تراجعها: بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب العام الماضي، استولت قوات آبي أحمد على ميكيلي، عاصمة تيجراي، وأعلن حينها رئيس الوزراء النصر، لكنه كان نصرًا وهميًا. فقد كانت قوات التيجراي قد توارت في الجبال. وفي يونيو الماضي عادوا ودحروا الجيش الإثيوبي، وبحلول أوائل نوفمبر، تقدموا إلى مسافة 160 كيلومترًا تجاه العاصمة الإثيوبية، وبدا أنهم عازمون على اقتحامها بعدما تحالفوا مع جماعات متمردة عديدة أبرزها جيش تحرير أورومو، فيما قامت السفارات الأجنبية بإجلاء الموظفين وحثَّت المواطنين على حزم حقائبهم. كان هذا القدر الذي وصلت إليه جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي قبل أن يتأرجح البندول لصالح قوات آبي أحمد، التي ردَّت في الأسابيع الماضية الهجوم، واستعادت البلدات واحدة تلو الأخرى بما في ذلك ديسي وكومبولتشا، وهي معاقل المعارضة على الطريق المؤدية إلى تيجراي، بالإضافة مدن جاشينا ولاليبيلا الاستراتيجيتين. كما طردت قوات آبي أحمد قوات المتمردين من محيط منطقة عفار، وهي منطقة شرقية تضم روابط طرق وسكك حديدية مهمة بين أديس أبابا والميناء في جيبوتي المجاورة. وفي شبه تكرار لإعلانه السابق، أخبر رئيس الوزراء الإثيوبي العديد من القادة الأفارقة بأن الحرب قد انتهت. لكن مجددًا، يبدو أن هذا الأمر سابق لأوانه، كما يقول تقرير لمجلة Economist البريطانية، إذ لا تزال الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي تحاول الوقوف والقتال، فرغم تقدم آبي أحمد الأخير فإن قوات المعارضة تكبَّدت خسائر في أماكن قليلة فقط مثل غاشينا. وفي أماكن أخرى، عادت قواتها إلى تكتيكات حرب العصابات كالتي قادتها الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي في الثمانينيات عندما أطاحت بالحكومة العسكرية المؤقتة لإثيوبيا الاشتراكية. وبعد أن تحافظ قوات التيجراي وحلفاؤها على قواتهم، قد يكونون قادرين على إلحاق أضرار جسيمة بالقوات الإثيوبية إذا تقدمت عبر الوديان الضيقة والممرات الجبلية على الطريق المؤدي إلى ميكيلي، ولا تزال هذه القوات تبدو قادرة على الرد السريع مثلما فعلت في استعادة غاشينا وليبيلا يوم الأحد 12 ديسمبر 2021، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية.[2] تطورات متسارعة في المشهد: مرَّ الصراع الإثيوبي بمراحل عدة منذ اندلاعه في نوفمبر 2020. فعلى الرغم من استعادة قوات دفاع تيجراي السيطرة على إقليم تيجراي وتحقيق انتصارات عديدة منذ يونيو الماضي، إلا أن ثمَّة تغيرًا استراتيجيًا قد طرأ على ساحة القتال، حيث اتخذت الحرب الإثيوبية مسارًا جديدًا بعد شن القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها هجومًا مضادًا أسهم في استعادة عدد من المدن التي كانت تسيطر عليها قوات دفاع تيجراي في منطقتي أمهرا وعفر، مما أدى إلى تعطُّل تقدم قوات تيجراي نحو العاصمة أديس أبابا والتي كانت على بعد 130 كيلومتر منها، بالرغم من تأكيد قادة تيجراي أن قوات دفاع تيجراي قد انسحبت طواعيةً دون قتال في إطار استراتيجية عسكرية جديدة لها في الحرب الدائرة. وتسوِّق جبهة تحرير تيجراي لهذا الانسحاب الطوعي على أنه بسبب حرصها على إنهاء الحرب الأهلية في البلاد، وتحقيق السلام، وهو ما برز في خطاب ديبرتسيون جبرمايكل، زعيم الجبهة، إلى الأمم المتحدة والذي طالب فيه بالضغط على آبي أحمد من أجل وقف إطلاق النار، وحظر الطيران الجوي فوق إقليم تيجراي باستثناء الأغراض الإنسانية والمدنية، وفرض حظر سلاح على كل من إثيوبيا وإريتريا، وضمان وصول المساعدات الغذائية إلى إقليم تيجراي. ويأتي ذلك بعد أيام من تشكيل الحكومة الإثيوبية لجنة الحوار الوطني بهدف التوافق بين الأطراف السياسية في البلاد، الأمر الذي يُشكِّل اختبارًا لمصداقية آبي أحمد وحرصه على مستقبل البلاد، كما أنه بانخراط الجبهة في الحوار الوطني تضمن وجودها كرقم مهم في المعادلة السياسية في البلاد وتقف عائقًا أمام مشروع آبي أحمد السياسي حول مستقبل النظام السياسي في البلاد.[3] دوافع الانسحاب: ثمَّة دوافع ربما اضطرت الجبهة إلى التراجع العسكري من جبهات القتال، ويتمثل أبرزها في: الدعم الإقليمي والدولي لنظام آبي أحمد: حيث تتلقى إثيوبيا الدعم اللوجستي والسياسي من حلفاء إقليميين ودوليين حريصين على بقاء آبي أحمد في السلطة، فعلى مدار الأشهر الأربعة الماضية تسلَّم الجيش الإثيوبي عشرات الطائرات المسلحة من دون طيار (الدرونز) من الصين وإيران وتركيا وغيرها، في الوقت الذي تعاني فيه جبهة تحرير تيجراي من غياب الدعم الدولي والإقليمي في صراعها ضد الحكومة الإثيوبية….

تابع القراءة
قراءة تحليلية معمقة للقاء عباس مع بينى غانتس

قراءة تحليلية معمقة للقاء عباس مع بينى غانتس

  أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس عن عقده لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فى 28 ديسمبر 2021، وضم الوفد المرافق لغانتس منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة غسان عليان، فيما ضم الوفد المرافق لعباس رئيس المخابرات ماجد فرج، ورئيس هيئة الشؤون المدنية حسين الشيخ، وقد عُقد اللقاء بعيدًا عن الأماكن الرسمية والحكومية، فقد أعلن مكتب غانتس أن اللقاء عُقد في منزله في منطقة “روش هاعين” والتي تقع في مستوطنة قرب تل أبيب، وناقش الأثنان، كما صرح مكتب غانتس، مختلف القضايا الأمنية والمدنية[1]. ويعتبر هذا اللقاء الأول بين “عباس” ومسؤول إسرائيلي داخل إسرئيل، منذ 2010، كما أن هذا اللقاء هو الرابع بين الرجلين خلال أربعة أشهر[2]. ويمكن قراءة هذا اللقاء من حيث دوافعه وأهدافه كما يلى: – القضاء على بوادر الانتفاضة الشعبية: يمكن القول أن هناك ما يشبه التوافق بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلى على ضرورة القضاء على أى بوادر لانتفاضة شعبية فلسطينية قادمة فى الضفة الغربية؛ لأن هذه الانتفاضة ستهدد أمن الاحتلال وبقاء السلطة. وذلك بعدما رصدت الأوساط الأمنية الإسرائيلية بوادر “انتفاضة” جيل الشباب الفلسطيني الصاعد فى الضفة الغربية، سواء ضد الاحتلال أو السلطة الفلسطينية على حد سواء، في الوقت الذي اكتسبت فيه المقاومة زخمًا جديدًا في الشارع الفلسطيني بعد حرب غزة الأخيرة، وتدهور الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية. وعليه يأتى هذا اللقاء بين عباس وغانتس بعد ما ظهر من تفاعل الأحداث في الضفة الغربية أن هناك إرهاصات هبة شعبية تلقائية يبدو أنها ستكون ضد الاحتلال والسلطة التي وضعت نفسها حائط صد لمصلحة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني مما رفع وتيرة الشعور بالنقمة الشديدة عليها، خصوصًا مع العربدة الشديدة للاحتلال ومستوطنيه وإحجام الأجهزة الأمنية عن تحريك أي ساكن[3]. ويأتى لقاء غانتس وعباس مع تصاعد ملحوظ فى الضفة المحتلة في أشكال المقاومة الشعبية والمسلحة، فقد ارتقى خلال شهر ديسمبر 2021 سبعة شهداء، عدد منهم جراء تنفيذ عمليات مقاومة مسلحة سقط فيها عدد من المستعمرين المستوطنين ما بين قتيل وجريح، في وقت يُجسد فيه الأسرى آيات من الصمود والبطولة الفردية والجماعية مثل الأسير هشام أبو هواش، المضرب عن الطعام في سجون الاحتلال لما يزيد عن 140 يوم على التوالي. ما يميز الهبة أو الموجة الحالية أن عنوانها الأبرز ليس القدس وما يجري فيها، رغم أن القدس لم تهدأ أبدًا، وما يميزها كذلك المواجهات الشعبية في مناطق عدة في وقت واحد، خصوصًا في بيتا وبرقة، التي تأخذ الشكل الدفاعي في معظم الأحيان، من خلال قيام قوات الاحتلال باقتحامات مكثفة، وأحيانًا في مناطق عدة في يوم واحد، وقيام المستعمرين المستوطنين بأعداد كبيرة جدًا باعتداءات جماعية لا تستهدف مواطنين متفرقين، بل قرى بكاملها، لدرجة محاولة إحياء البؤرة الاستيطانية “حومش” ردًا على عملية مقاومة سقط فيها قتيل إسرائيلي وجرحى. ما فاجأ قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين المسلحين أن برقة لم تدافع عن نفسها وحدها، بل هبت جموع حاشدة من القرى المجاورة ومختلف محافظات الضفة لنصرتها، ما أدى إلى منع المستوطنين من تحقيق غايتهم، وتصاعد المواجهات في مناطق عدة، واندلاع هبة أو موجة انتفاضية جديدة. تأتى بوادر الانتفاضة فى الضفة في ظل تصاعد الأوضاع فى غزة على خلفية عدم احراز أى تقدم حول عملية التهدئة وتبادل الأسرى، ومن دون إعادة الإعمار ولا رفع الحصار أو حتى تخفيفه بشكل جدي، ما فاقم معاناة القطاع بشكل يجعل إمكانية تدهور الوضع إذا لم تتخذ إجراءات ملموسة للتخفيف من حدة الاحتقان إلى مجابهة عسكرية واردًا جدًا[4]. – دعم بقاء السلطة: يأتى هذا اللقاء فى ظل حالة مأساوية تعيشها السلطة الفلسطينية من فقدانها شعبيتها ومكانتها في الضفة الغربية؛ وذلك وفق استطلاعات الرأي المتكررة والتي منحت السلطة ورئيسها محمود عباس خسارة مدوية، في حال أجريت أي انتخابات قادمة، فضلاً عن نسبة ٧٦% التي تطالب محمود عباس بالاستقالة وترك منصبه. فلا شك أن كيان الاحتلال معني بتقوية السلطة ومكانتها والمحافظة عليها كونها تشكل ذخرًا استراتيجيًّا لا يمكن الاستغناء عنه لما مثلته السلطة خلال السنوات الماضية من غطاء أمني كبير لحماية المستوطنين وتعزيز التنسيق الأمني. ومقابل هذه الخدمات الأمنية التى تقوم به السلطة لصالح الاحتلال، فإنها تريد منه تعزيز مكانتها في الضفة الغربية من خلال دعمها اقتصاديًّا، ومنح عباس وحكومته بعض الصلاحيات التي من شأنها رفع أسهم السلطة شعبيًّا في الأراضي الفلسطينية[5]. وفى هذا السياق، فبحسب الإعلام العبرى، تحدث وزير الأمن الإسرائيلي عن حُزمة إغراءات لعباس وفريقه، أبرزها السماح بتحويل 100 مليون شيكل من أموال الضرائب لصالح السلطة، إضافة إلى منح 600 تصريح لشخصيات قيادية في رام الله وتجار كبار مقربين منها، والسماح لهم بالدخول إلى المدن الخاضعة لسيطرة الاحتلال بسياراتهم الخاصة، إلى جانب تقديم عشرات بطاقات الـ«VIP» لكبار الشخصيات الفلسطينية. أيضاً، وافق غانتس على تحديث بيانات 6000 فلسطيني في الضفة، و3500 فلسطيني في قطاع غزة، في حين بحث الطرفان الموافقة على مخطّطات هيكلية فلسطينية إضافية. وأطلع غانتس، عباس، على عدة إجراءات اقتصادية مدرَجة على جدول الأعمال ستُتخذ لاحقاً، بما فيها إمكانية تخفيض الرسوم المفروضة على مشتريات الوقود، وإجراء تحسينات على عمل «جسر اللنبي» الرابط بين الضفة الغربية والأردن، وإنشاء منصة رقمية لضريبة القيمة المضافة، وأخرى للدفْع عبر الإنترنت للعمال الفلسطينيّين، في ما من شأنه أن يدر مئات الملايين من الشواكل على ميزانية السلطة كل عام[6]. وقد سبق أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية، في 1 سبتمبر 2021، ثلاث خطوات “إنسانية واقتصادية” لدعم السلطة؛ عبر منحها قرضًا قيمته 156 مليون دولار، والموافقة على 5 آلاف طلب جمع شمل العائلات الفلسطينية، وإتاحة خدمة الجيل الرابع للاتصالات الخليوية (4G) قريبًا. وذلك بعد اجتماع  غانتس وعباس، في 29 أغسطس 2021، في مقر المقاطعة بمدينة رام الله، بناءً على طلب الإدارة الأميركية من حكومة تل أبيب السماح بعقد الاجتماع، والبدء بفتح خطوط اتصال قوية وعلى مستويات عالية مع السلطة الفلسطينية من أجل التحرك السياسي، والانطلاق من “الشق الاقتصادي”[7]. وقد نقل الصحفي محمد دراغمة من وكالة أنباء الشرق  بناء على تقرير سمعه من مسؤولين فلسطينيين المطالب الفلسطينية التي أثيرت في الاجتماع: إعادة الأمن الفلسطيني في المدن كما كان قبل الانتفاضة الثانية (أي تقييد المداهمات العسكرية الإسرائيلية على المناطق أ)، وتوسيع الأراضي التي تتمتع فيها السلطة الفلسطينية بسلطة أمنية (أي استئناف عملية إعادة تنظيم الجيش الإسرائيلي ونقل المناطق من الفئة ب، حيث تتمتع السلطة الفلسطينية بسلطة التخطيط والبناء وليس السلطة الأمنية، إلى الفئة أ) ؛ وإعادة الفلسطينيين أفراد أمن السلطة إلى معبر اللنبي الحدودي[8]. وبحسب تقارير إسرائيلية، فإن من المتوقع أن يؤدي تنفيذ الإجراءات المختلفة التي نُوقشت خلال هذا الاجتماع إلى إضافة مئات الملايين من الشواكل سنوياً إلى موازنة فلسطين، ولكن شتان بين المتوقَع المنشود والواقع الموجود، فالعلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وفلسطين لا تقرِرها القوانين أو النيات فحسب، بل تخضع…

تابع القراءة
تراجُع التيجراي: قراءة في الدوافع والسيناريوهات

تراجُع التيجراي: قراءة في الدوافع والسيناريوهات

  بعد 13 شهر من بدايتها، ما زالت الحرب بين الحكومة المركزية في إثيوبيا وجبهة تحرير تيجراي تحمل المفاجآت من خلال تقلباتها الميدانية، وآخرها إعلان الناطق الرسمي باسم جبهة التيجراي الانسحاب من إقليمي أمهرا وعفر والتراجع باتجاه إقليم تيجراي، والذي يُعد هذا أكبر تراجع للتيجراي منذ يونيو الماضي، بعد أن انطلقت قواتهم نحو إقليمي عفر وأمهرا، وكانت في طريقها إلى العاصمة أديس أبابا. لكن المفاجأة المدوِّية مؤخرًا تمثَّلت في إعلان جبهة تيجراي القبول بالتفاوض مع الحكومة الإثيوبية دون أن تقف عند الشروط التي وضعتها حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وهو ما رفضته وبشدة منذ بدء الحرب نهاية عام 2020. وجاء قرار جبهة تحرير تيجراي في 20 ديسمبر 2021 بانسحاب قواتها من مناطق الصراع في إقليمي عفر وأمهرا ليضفي مزيدًا من الضبابية حول مستقبل الصراع في البلاد، خاصةً في ضوء هذا التراجع التكتيكي المفاجئ بعد سلسلة من الانتصارات العسكرية التي حققتها قوات دفاع تيجراي والتي عكست تفوقها العسكري على الجيش الإثيوبي خلال الشهور الماضية منذ يونيو 2020. فما هي خلفيات هذا التراجع؟ وما هي أسبابه؟ وكيف يُمكن قراءة المستقبل الإثيوبي في ظل هذا الوضع؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها.. ماذا حدث؟ أعلنت جبهة تيجراي أنها ستنسحب من إقليمي أمهرا وعفار شمال إثيوبيا، في خطوة للتراجع عن القتال مع القوات الحكومية. ونقلت وكالة “رويترز” عن جيتاشيو رضا، المتحدث باسم الجبهة المصنفة إرهابية في البرلمان الإثيوبية، قوله إن مسلحي تيجراي سينسحبون من إقليمي عفار وأمهرا. هذا فيما أكدت إثيوبيا أن جبهة تحرير تيجراي تلقَّت هزيمة وأجبرت على التراجع بإقليمي أمهرا وعفار، مفندة بذلك مزاعم “انسحاب استراتيجي”. وقالت بليني سيوم السكرتيرة الصحفية بمكتب رئيس الوزراء، إن الجيش الإثيوبي والقوات الخاصة لإقليمي عفار وأمهرا يطاردون عناصر جبهة تحرير تيجراي لإخراجهم مما تبقى من مناطق إقليم أمهرا. واستنكرت سيوم، خلال مؤتمرها الصحفي، تصريحات قادة جبهة تحرير تيجراي تزعم تنفيذ “انسحاب إستراتيجي”، وقالت إنهم دحروا وأجبروا على الخروج من معظم المناطق. وأوضحت أن قوات الجيش الإثيوبي والقوات الأخرى الخاصة في إقليمي أمهرا وعفار حقَّقت مكاسب كبيرة في دحر جبهة تحرير تيجراي وإجبارها على إخلاء كامل لمنطقة شمال وللو وتحرير عاصمتها الاستراتيجية ولديا. ولفتت المسؤولة الإثيوبية إلى أن جبهة تحرير تيجراي تسببت في دمار هائل للبنية التحتية العامة والخاصة بمختلف مناطق ومدن إقليم أمهرا، وقالت إن مدينتي ديسي وكومبلشا لحقت بهما أضرار بالغة ودمار كبير في البنية التحتية ومختلف المؤسسات التعليمية والجامعية المؤسسات الدينية والمراكز الثقافية، وخروج مدينة كومبلشا الصناعية كاملة عن التشغيل، فضلًا عن أعمال النهب من قبل عناصر الجبهة.[1] معارك الكر والفر بين جيش آبي أحمد وقوات التيجراي قبل تراجعها: بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب العام الماضي، استولت قوات آبي أحمد على ميكيلي، عاصمة تيجراي، وأعلن حينها رئيس الوزراء النصر، لكنه كان نصرًا وهميًا. فقد كانت قوات التيجراي قد توارت في الجبال. وفي يونيو الماضي عادوا ودحروا الجيش الإثيوبي، وبحلول أوائل نوفمبر، تقدموا إلى مسافة 160 كيلومترًا تجاه العاصمة الإثيوبية، وبدا أنهم عازمون على اقتحامها بعدما تحالفوا مع جماعات متمردة عديدة أبرزها جيش تحرير أورومو، فيما قامت السفارات الأجنبية بإجلاء الموظفين وحثَّت المواطنين على حزم حقائبهم. كان هذا القدر الذي وصلت إليه جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي قبل أن يتأرجح البندول لصالح قوات آبي أحمد، التي ردَّت في الأسابيع الماضية الهجوم، واستعادت البلدات واحدة تلو الأخرى بما في ذلك ديسي وكومبولتشا، وهي معاقل المعارضة على الطريق المؤدية إلى تيجراي، بالإضافة مدن جاشينا ولاليبيلا الاستراتيجيتين. كما طردت قوات آبي أحمد قوات المتمردين من محيط منطقة عفار، وهي منطقة شرقية تضم روابط طرق وسكك حديدية مهمة بين أديس أبابا والميناء في جيبوتي المجاورة. وفي شبه تكرار لإعلانه السابق، أخبر رئيس الوزراء الإثيوبي العديد من القادة الأفارقة بأن الحرب قد انتهت. لكن مجددًا، يبدو أن هذا الأمر سابق لأوانه، كما يقول تقرير لمجلة Economist البريطانية، إذ لا تزال الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي تحاول الوقوف والقتال، فرغم تقدم آبي أحمد الأخير فإن قوات المعارضة تكبَّدت خسائر في أماكن قليلة فقط مثل غاشينا. وفي أماكن أخرى، عادت قواتها إلى تكتيكات حرب العصابات كالتي قادتها الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي في الثمانينيات عندما أطاحت بالحكومة العسكرية المؤقتة لإثيوبيا الاشتراكية. وبعد أن تحافظ قوات التيجراي وحلفاؤها على قواتهم، قد يكونون قادرين على إلحاق أضرار جسيمة بالقوات الإثيوبية إذا تقدمت عبر الوديان الضيقة والممرات الجبلية على الطريق المؤدي إلى ميكيلي، ولا تزال هذه القوات تبدو قادرة على الرد السريع مثلما فعلت في استعادة غاشينا وليبيلا يوم الأحد 12 ديسمبر 2021، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية.[2] تطورات متسارعة في المشهد: مرَّ الصراع الإثيوبي بمراحل عدة منذ اندلاعه في نوفمبر 2020. فعلى الرغم من استعادة قوات دفاع تيجراي السيطرة على إقليم تيجراي وتحقيق انتصارات عديدة منذ يونيو الماضي، إلا أن ثمَّة تغيرًا استراتيجيًا قد طرأ على ساحة القتال، حيث اتخذت الحرب الإثيوبية مسارًا جديدًا بعد شن القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها هجومًا مضادًا أسهم في استعادة عدد من المدن التي كانت تسيطر عليها قوات دفاع تيجراي في منطقتي أمهرا وعفر، مما أدى إلى تعطُّل تقدم قوات تيجراي نحو العاصمة أديس أبابا والتي كانت على بعد 130 كيلومتر منها، بالرغم من تأكيد قادة تيجراي أن قوات دفاع تيجراي قد انسحبت طواعيةً دون قتال في إطار استراتيجية عسكرية جديدة لها في الحرب الدائرة. وتسوِّق جبهة تحرير تيجراي لهذا الانسحاب الطوعي على أنه بسبب حرصها على إنهاء الحرب الأهلية في البلاد، وتحقيق السلام، وهو ما برز في خطاب ديبرتسيون جبرمايكل، زعيم الجبهة، إلى الأمم المتحدة والذي طالب فيه بالضغط على آبي أحمد من أجل وقف إطلاق النار، وحظر الطيران الجوي فوق إقليم تيجراي باستثناء الأغراض الإنسانية والمدنية، وفرض حظر سلاح على كل من إثيوبيا وإريتريا، وضمان وصول المساعدات الغذائية إلى إقليم تيجراي. ويأتي ذلك بعد أيام من تشكيل الحكومة الإثيوبية لجنة الحوار الوطني بهدف التوافق بين الأطراف السياسية في البلاد، الأمر الذي يُشكِّل اختبارًا لمصداقية آبي أحمد وحرصه على مستقبل البلاد، كما أنه بانخراط الجبهة في الحوار الوطني تضمن وجودها كرقم مهم في المعادلة السياسية في البلاد وتقف عائقًا أمام مشروع آبي أحمد السياسي حول مستقبل النظام السياسي في البلاد.[3] دوافع الانسحاب: ثمَّة دوافع ربما اضطرت الجبهة إلى التراجع العسكري من جبهات القتال، ويتمثل أبرزها في: الدعم الإقليمي والدولي لنظام آبي أحمد: حيث تتلقى إثيوبيا الدعم اللوجستي والسياسي من حلفاء إقليميين ودوليين حريصين على بقاء آبي أحمد في السلطة، فعلى مدار الأشهر الأربعة الماضية تسلَّم الجيش الإثيوبي عشرات الطائرات المسلحة من دون طيار (الدرونز) من الصين وإيران وتركيا وغيرها، في الوقت الذي تعاني فيه جبهة تحرير تيجراي من غياب الدعم الدولي والإقليمي في صراعها ضد الحكومة الإثيوبية. التفوق النوعي…

تابع القراءة
مستقبل العملية السياسية داخل ليبيا بعد الإعلان عن تأجيل الانتخابات

مستقبل العملية السياسية داخل ليبيا بعد الإعلان عن تأجيل الانتخابات

  أعلنت المفوضية العليا للانتخابات الليبية، فى 22 ديسمبر 2021، عن تأجيل عملية الانتخابات التى كانت مقررة فى الخامس والعشرين من نفس الشهر، وأرجعت المفوضية هذا التأجيل إلى “الصعوبات التى واجهت العملية الانتخابية، والتى كان أبرزها مرحلة الطعون التى شهدت قصور التشريعات الانتخابية فيما يتعلق بدور القضاء في الطعون والنزاعات الانتخابية، والتى أوجدت حالة من عدم اليقين من أن قرارات المفوضية جانبها الصواب فيما يتعلق باستبعادها لعدد من المترشحين الذين لا تنطبق عليهم الشروط، كما أن التداخل القائم بين المعطيات السياسية والاحكام القضائية الصادرة دفع بقرار  الإعلان عن (القائمة النهائية) للمترشحين إلى ما يعرف بحالة (القوة القاهرة) التي أفضت إلى عدم تمكَن المفوضية من الإعلان عنها ومن ثم عدم قدرتها على تحديد يوم 24 ديسمبر يوماً للاقتراع  على الرغم من جاهزيتها الفنية الكاملة لإنجاز العملية في التاريخ المذكور”. وأشارت المفوضية إلى أنه “وفقا لما ورد بالمادة (43) من القانون رقم (1) لسنة 2021 بشأن انتخاب رئيس الدولة وتحديد صلاحياته، وتعديلاته، والتي تنص على أن تُعلن المفوضية عن تأجيل عملية الاقتراع، ويحدد مجلس النواب موعداً أخر لإجراء عملية الاقتراع خلال (30) يوماً، فأن المفوضية تقترح بعد التنسيق مع مجلس النواب أن يؤجل يوم الاقتراع (للجولة الأولى) إلى 24 يناير 2022 عملاً بنص المادة أعلاه، على أن يتولى (مجلس النواب) العمل على اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإزالة حالة (القوة القاهرة) التي تواجه استكمال العملية الانتخابية”[1]. وقد أثار هذا التأجيل الحديث عن مستقبل العملية السياسية داخل ليبيا، وتركزت التحليلات بصورة رئيسية على ثلاث قضايا مركزية هى: موقف حكومة الدبيبة من الاستمرار والاستبدال، ومدى إمكانية تعديل القوانين المنظمة للمرحلة الانتقالية، ومستقبل التحالفات بين المعسكر الشرقى والغربى. أولًا: موقف حكومة الدبيبة بين الاستبدال والاستمرار: يمكن تقسيم المواقف من استمرار حكومة الدبيبة إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية: الاتجاه الأول: الرافض لاستمرار الدبيبة: فبعد تأجيل عملية الانتخابات، تصاعدت الأصوات المنادية بضرورة استبدال حكومة الدبيبة بحكومة جديدة، وتمثلت تلك الأصوات بصورة رئيسية فى مجلس النواب، والمرشحين الرئاسيين خليفة حفتر وفتحى باشاغا. فقد قرر مجلس النواب، فى 24 ديسمبر 2021، تشكيل لجنة من 10 أعضاء مهمتها وضع خارطة طريق للانتخابات المقبلة، خلال أسبوع، وتسليمه لرئاسة البرلمان. وقد عقد المجلس جلستين برلمانيتين، فى 27و28 ديسمبر؛ لمعالجة تداعيات تأجيل الانتخابات التي كان مقررًا إجراؤها في 25 من ذات الشهر، ولكن لم يتمكن المجلس من إجراء اقتراع على أى من الاقتراحات لمعالجة تلك التداعيات، وليقوم المجلس بتعليق جلساته إلى الأسبوع المقبل، وذلك بعد احتدام الجدل بعد  طرح العديد من المقترحات بشأن تحديد موعد جديد للانتخابات، وإعادة تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وبحث إجراء تعديلات دستورية. وقد أوصت تلك اللجنة، فى جلسة 27 ديسمبر، بتشكيل حكومة جديدة قبل تحديد موعد للانتخابات. وقالت اللجنة في تقريرها الذي رفعته إلى المجلس إن السلطة الحالية عجزت عن توفير الاستقرار اللازم لإجراء الانتخابات. كما انتقدت ترشح الدبيبة في الانتخابات، مشيرة إلى أن هذه الخطوة أدت إلى خلل في مبادئ العدالة والمساواة. كذلك فقد صوت المجلس، فى جلسة 27 ديسمبر، على اعتبار سفيرة المملكة المتحدة شخصية غير مرغوب فيها، وطُرح أيضًا إمكانية طردها بعد أن قالت بريطانيا إن حكومة الوحدة الوطنية مازالت تتمتع بالشرعية إلى حين إعلان نتائج الانتخابات، وإن لندن لن تعترف بأي خطوة جديدة لتشكيل حكومة موازية[2]. وكان مجلس النواب قد منح الثقة لحكومة الدبيبة في مارس الماضي حتى 24 ديسمبر، ثم عاد وحجب الثقة في سبتمبر الماضي، وصيرها حكومة لتصريف الأعمال. وتحدثت تقارير عن وجود مساع كانت تُعِد للإطاحة برئيس الحكومة الحالي، عبد الحميد الدبيبة بعد تأجيل الانتخابات، وتعيين شخصية سياسية أخرى بدلا عنه، مشيرة إلى أن هذا الاتجاه تشكل أثناء لقاء عدد من المترشحين للرئاسة، في بنغازي، بدعوة من خليفة حفتر، وأن وزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا حظي بإجماع المشاركين في الاجتماع على توليه رئاسة الحكومة، على أن يتولى عقيلة صالح دعم هذا الاتجاه بقرار من مجلس النواب[3]. وما يدعم مصداقية هذه التقارير، أن باشاغا سبق وأن شدد، في تسجيل مصور، على أن شرعية حكومة الوحدة تنتهي في 23 ديسمبر، والساعة منتصف الليل، ودقيقة واحدة. أى أنه لن يقبل بأي تمديد لولاية حكومة الوحدة الوطنية ولو دقيقة واحدة[4]. وإذ حسم مجلس النواب مسألة تعديل تشكيلة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، بتولي رئيس إدارة التفتيش رئاسة المجلس بدلًا من رئيس المحكمة العليا، فقد ينجح ليس فقط فى الإطاحة بالدبيبة ولكن أيضًا سينجح في منع الدبيبة من الترشح للرئاسة[5]. كما تؤكد وسائل إعلام محسوبة على حفتر دعم مصر لفكرة الإطاحة بالدبيبة وسحب الشرعية من الحكومة الليبية الحالية، وتشكيل تحالف جديد بين حفتر وباشاغا لقيادة المرحلة المقبلة، وعلى الرغم من أن القاهرة لم تعلن أي موقف رسمي بهذا الخصوص، إلا أن استقبال المخابرات المصرية لباشاغا مباشرة بعد مصافحته لحفتر، يكشف مع أي جبهة تقف. فالنظام المصري يسعى لضمان مصالحه في ليبيا عبر تسهيل التحالف بين حفتر ورجل مصراتة القوي (باشاغا)، بعد أن وصل إلى قناعة بأن حليفه في الشرق لن يتمكن من السيطرة على ليبيا إلا بالتحالف مع كتائب مصراتة، لعزل الإسلاميين، والتخلص من الدبيبة، الذي يعتبره متابعون أقرب لتركيا منه إلى مصر[6]. الاتجاه الثانى: الداعم لاستمرار الدبيبة: وهو الاتجاه الدولى، حيث تدعم المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفانى ويليامز استمرار الدبيبة فى منصبه حتى إجراء الانتخابات، فقد أكدت المبعوثة الأممية، في مقابلة مع رويترز، إن الاهتمام الرئيسي بعد تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في ليبيا ينبغي أن ينصب على كيفية المضي قدمًا في إجراء الانتخابات وليس على مصير الحكومة[7]. وهو ذات الموقف الذى تتبناه كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، والذى جاء عبر بيان مشترك، في 24 ديسمبر 2021، أكد أن “نقل السلطة من السلطة التنفيذية المؤقتة الحالية (المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة) إلى السلطة التنفيذية الجديدة، يجب أن يتم بعد الإعلان عن نتائج انتخابات برلمانية ورئاسية فورية”. وهو بمثابة رفض دولي صريح لدعوة باشاغا ومؤيدي حفتر وعقيلة صالح، إلى سحب الشرعية من الحكومة الليبية، وحتى المجلس الرئاسي، وسعي مجلس النواب في طبرق لتشكيل حكومة جديدة برئيس جديد. والملفت للاهتمام إصدار بريطانيا بيانًا آخرًا بشكل منفرد بعد وقت قصير على بيان الدول الغربية، يعكس إما تحفظها على بعض ما جاء فيه، أو إبراز ما لم يوضحه البيان الخماسي بشكل صريح. حيث شددت بريطانيا، على أنها “ستواصل الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية كسلطة مكلفة بقيادة ليبيا إلى الانتخابات”، وأنها لا تؤيد “إنشاء حكومات أو مؤسسات موازية”. كما تدعم تركيا استمرار حكومة الوحدة لحين انتخاب رئيس وبرلمان جديدين، فقد أصدرت خارجيتها بيانًا، أوضحت فيه أنه “ينبغي ألا يحدث فراغ في الشرعية والسلطة في ليبيا، إلى أن يتم تشكيل حكومة جديدة عقب الانتخابات”. ومع ذلك، فإن هناك أحاديث عن أن تمسك…

تابع القراءة
مستقبل الدعم في مصر.. هل يتجه السيسي نحو مذبحة؟

مستقبل الدعم في مصر.. هل يتجه السيسي نحو مذبحة؟

    «اللي فات مش أكثر من فردين.. والجديد مفيش ــ قلت لا يمكن أدي بطاقة تموين تاني لحد بيتجوز». بهذه التصريحات التي أطلقها الجنرال عبدالفتاح السيسي  الأربعاء 22 ديسمبر 2021م  خلال افتتاح مجمع إنتاج بنزين بإحدى محافظات الصعيد، وضع مستقبل الدعم في مصر الذي يستفيد منه نحو 70 مليون مصري على كف عفريت؛ الأمر الذي أفضى إلى تفشي مخاوف مشروعة بين الناس بشأن تقليص الدعم في ظل هذه الظروف والأوضاع القاسية من غلاء فاحش وبطالة مرتفعة لأسباب كثيرة بعضها يعود إلى تفشي جائجة فيروس كورونا منذ سنتين، وصولا إلى إلغاء الدعم إذعانا لشروط صندوق النقد الدولي الذي منح نظام السيسي 20 مليار دولار عبر اتفاقين تم الأول في نوفمبر 2016م، وبلغت قيمته (12 مليار دولار)، والثاني في منتصف 2020  بقيمة (8 مليارات دولار)؛ بدعوى مساعدة النظام على مواجهة تداعيات تفشي جائحة كورونا. تصريحات السيسي أثارت حالة من البلبة والارتباك حتى بين الأوساط الحكومية[[1]]؛ لأن كلماته حمَّالة أوجه، ويمكن تفسيرها بأكثر من معنى؛ فتصريحه «اللي فات مش أكثر من فردين.. والجديد مفيش»، قد يُفهم  منه أن السيسي سيحذف ما يزيد عن فردين في كل بطاقة تموين حالية، ويفهمها البعض على أنه لن يسمح بأكثر من تسجيل طفلين على كل بطاقة قديمة إلى جانب الأب والأب، فيكون أعلى عدد لكل بطاقة تموين أربعة أفراد. أما تصريحه الآخر «قلت لا يمكن أدي بطاقة تموين تاني لحد بيتجوز»، فإنه الرسالة منه واضحه بمنع إصدار أي بطاقات تموين جديدة لأي فرد تزوج حديثا ويريد تكوين أسرة وعمل بطاقة تموين خاصة به وبزوجته حتى لو كان كلاهما يتمتعان بخدمة الدعم على بطاقات أسرتيهما. والهدف من ذلك واضح وضوح الشمس وهو تقليص أعداد المنتفعين من الدعم بنوعيه (الخبز ـ السلع)، معنى ذلك أن السيسي يتجه نحو تنفيذ مذبحة بشأن الدعم وذلك بحذف عشرات الملايين من الذين يتلقون الدعم حاليا.[[2]] الملاحظة الأولى على تصريحات السيسي أنها كانت مؤلمة استخدم فيها أسلوب المعايرة للفقراء والمستحقين للدعم، وتكلم عنهم بنبرة تعال واستكبار، وكأنه يمنحهم الدعم من جيبه الخاص أو من مال أبيه، متجاهلا أنه  هو نفسه وحكومته وجيشه وشرطته وجميع موظفي حكومته يتقاضون مرتباتهم من جيوب المواطنين؛ فقد بلغت نسبة مساهمة الإيرادات الضريبية في دعم إيرادات الموازنة خلال الشهور الأربعة الأولى من العام المالي الحالي (2021/2022) الذي بدأ في يوليو الماضي 78.8%  مقابل 75% كانت مساهمة الضرائب في موازنة العام الماضي (2020/2021).[[3]] وتستهدف حكومة السيسي تحصيل نحو 983 مليارجنيه من الضرائب بخلاف نحو 76 مليارا أخرى من الرسوم في الموازنة الحالية رغم أن حجم الإيرادات الكلية في الموازنة تزيد قليلا عن تريليون و300 مليار جنيه فقط! [[4]] الملاحظة الثانية أنه خلال السنوات الماضية استبعدت وزارة التموين نحو 17 مليون مواطن من بطاقات التموين بدعوى تكرار الأسماء أو عدم استحقاقهم للدعم؛ حيث كشف وزير التموين الدكتور علي مصيلحي أمام البرلمان في وقت سابق  أن عدد المستفيدين من بطاقات الدعم التموينية قد انخفض من 81 مليون مواطن إلى 64 مليوناً، بواقع 50 جنيهاً للفرد شهرياً (يحصل المواطن على سلع غذائية بقيمتها)، مشيراً إلى أن 62% من إجمالي عدد المصريين، البالغ نحو 102.5 مليون نسمة، ما زالوا يتمتعون بدعم التموين، مقابل 68% تقريباً من السكان يتمتعون بدعم الخبز.[[5]] لكن المظاهرات المناوئة للسيسي في سبتمبر 2019م؛ رفضاً لتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، قد أجبرت وزارة التموين على إعادة مليون و800 ألف مستبعد إلى بطاقات صرف السلع التموينية، تنفيذاً لتوجيهات السيسي حينها الذي طاولته فضائح (آنذاك على يد المقاول محمد علي) تتعلق ببناء قصور فخمة تتكلف المليارات من الجنيهات، بينما يعاني ملايين المصريين من الفقر المدقع. ويبلغ عدد بطاقات التموين في مصر نحو 23 مليون بطاقة، يستفيد منها قرابة 64 مليون مصري من مجموع عدد سكان مصر البالغ نحو 103 مليون نسمة. وتبلغ فاتورة دعم السلع الغذائية في مصر 87.2 مليار جنيه مصري (ما يعادل نحو 5.5 مليار دولار) طبقا لموازنة العام المالي الحالي 2022/2021، منها 50 مليار جنيه لدعم الخبز و37 مليار جنيه لدعم السلع التموينية. وتشير الإحصاءات الرسمية المصرية إلى أن نحو 72 مليون مصري يستفيدون من دعم الخبز. [[6]] وأصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، في 17 أكتوبر 2021، بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر، إحصاء جاء فيه أن معدلات الفقر في مصر بلغت نسبة 29.7 في المئة خلال عام 2019 – 2020م، انخفاضا من نحو 32% في العام 2018/2019 بما يعني أن النظام في مصر نجح في تقليل البطالة خلال تفشي كورونا رغم ارتفاعها في كل بلاد العالم بسبب عمليات الإغلاق الواسعة للشركات والمصانع. بينما تذهب تقديرات البنك الدولي إلى أن نسبة الفقراء في مصر تزيد على 60% وهو رقم يقترب من الحقيقة بحسب مراقبين. الملاحظة الثالثة، أنه في الوقت الذي تزيد فيه جميع حكومات العالم دعمها لمواطنيها من أجل تعزيز قدرتهم على مواجهة تداعيات تفشي جائحة كورونا التي تسببت في عمليات إغلاق واسعة طالت آلاف المصانع والشركات وحتى المحال الصغيرة التي تعتمد على تجمعات الناس، فإن نظام الدكتاتور السيسي يفعل العكس تماما؛ حيث يتم خفض الدعم من جهة وزيادة الرسوم والضرائب من جهة ثانية؛ في برهان كبير على أن النظام إنما يستهدف سحق الطبقات الفقيرة والمهمة والقضاء على الطبقة الوسطى التي تعاني منذ  سنوات في ظل ثبات الدخول والارتفاع الجنوني في أسعار السلع والخدمات. بالمقارنة بين مخصصات الدعم بموازنات الدول المتقدمة (الولايات المتحدة الأمريكية ــ كندا ــ فرنسا ــ المانيا ــ بريطانيا ــ استراليا) عام 2020 بمخصصات الدعم عام 2019 بها، أي قبل ظهور فيروس كورونا، فقد زادت مخصصات الدعم عام 2020 في أستراليا بنحو عشرة أضعاف ونصف، وفي كندا ثمانية أضعاف، وفي إنجلترا بأربعة أضعاف، ونمت بألمانيا بنحو 131%، وفي بلجيكا بنحو 28%، وفي فرنسا بنسبة 17%.  بينما انخفضت مخصصات الدعم بالموازنة المصرية بالعام المالي 2019/2020 بنسبة 20% عما كانت عليه بالعام المالي السابق لظهور كورونا، لتصل إلى 229 مليار جنيه مقابل 287.5 مليار جنيه بالعام السابق عليه، رغم التصريحات الحكومية بتخصيص مئة مليار جنيه للإنفاق لمواجهة كورونا.[[7]] وهو ما تصر عليه حكومة السيسي في الموازنة الحالية (2021/2022) حيث تراجعت مخصصات دعم الخبز والسلع التموينية إلى 87 ملياراً و222 مليون جنيه، ودعم المواد البترولية إلى 18 ملياراً و411 مليون جنيه، ودعم التأمين الصحي والأدوية إلى 3 مليارات و721 مليون جنيه، ودعم نقل الركاب إلى مليار و795 مليون جنيه، ودعم المزارعين إلى 664 مليوناً و535 ألف جنيه، ودعم تنمية الصعيد إلى 250 مليون جنيه، في إطار خطة الحكومة الرامية إلى إلغاء مخصصات الدعم بصورة تدريجية في الموازنة العامة، استجابة منها لتعليمات صندوق النقد والمؤسسات الدولية المانحة للقروض الخارجية. ورغم خلو موازنة مصر من أي مخصصات لدعم…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022