الاستعمار والدولة العربية الحديثة وميلاد الحركة الإسلامية وجماعات العنف

ظهرت حركات الإسلام السياسي كردة فعل على ابتلاع الدولة للمجال الديني، وتعاملها مع الفاعلين داخل هذا المجال -من مؤسسات علماء كالأزهر، وطرق صوفية، وأوقاف يغذي هذا المجال ويضمن استمراره واستقراره- إما بمنطق التأميم كما حدث مع الأزهر والطرق الصوفية، وإما بمنطق التصفية كما حدث بصورة كبيرة مع قطاع الأوقاف؛ حيث قاد ابتلاع الدولة للمجال الديني، إلى إفقاد القِوَى الدينية الموروثة عن حِقْبَة ما قبل الدولة الحديثة فاعليتها، وأفقدها تالياً ثقة الشارع، وفتح المجال أمام الحركات الإسلامية ككل، وحركات الإسلام السياسي خاصة لملأ الفراغ الذي خلفته القُوَى الدينية التقليدية من جرّاءِ ضمورها وتراجع فاعليتها. كذلك لا يمكن فهم خلفيات ظهور حركات الإسلام السياسي بمعزل عن الدوافع الأولية لهذه القوى؛ من قبيل الحفاظ على الهوية الإسلامية في مواجهة حركة تحديث داخلي اتخذت من القيم والمفاهيم الغربية نموذجاً لها. أو بمعزل عن انهيار الإجماع الداخلي تحت معاول التحديث الذي فكك بُنى المجتمع التقليدية الموروثة، والتراجع الحثيث في قوة وتأثير مؤسسة العلماء التقليدية، الناطق باسم الإسلام والحارس لقيمه طوال قرون. كما لا يمكن فهمه بمعزل عن سيطرة الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية على مقدرات العالم الإسلامي في شكل مباشر أو غير مباشر، مع سقوط الخلافة وفشل محاولات توطينها في المنطقة العربية، أو بمعزل كذلك عن حملات التبشير النشطة أبان نشأة هذه التنظيمات، أو عن الهجرة اليهودية المتصاعدة إلى فلسطين حينها. إشكالية تسييس الديني وتديين السياسي: ولدت الحركات الإسلامية كما قلنا من رحم تأميم الدولة للمجال الديني وابتلاعها له، وهو ما جعل من التدافع داخل هذا المجال شأناً سياسياً، وسرع من عملية تسييس الشأن الديني وإخضاعه لسيطرة الدولة وانحيازاتها، ومن ثم استنبطت حركات الإسلام السياسي -بشكل متسرع- أن الدولة هي حصان طروادة الذي يستخدم في تشكيل المجال الديني وإعادة ترتيبه. كما قادت عملية تسييس المجال الديني إلى نتيجة أخرى ليست أقل سلبية، وهي تديين المجال السياسي، وتصنيف القُوَى السياسية وفق مواقفها الدينية. تديين المجال السياسي، وتسييس المجال الديني كنتيجة مباشرة لتأميم الدولة للمجال الديني قاد إلى نتائج أخرى تبدو للوهلة الأولى متباينة؛ فهو من جهة أسس لحالة التمايز بين المجالين الديني والسياسي، وهو ملمح للمجتمعات الحديثة، ولم يكن موجودا أبان الدولة السلطانية؛ حيث كان الدين هو الإطار الجامع لكل صيغ الاجتماع السائدة. لكنه قاد من جهة أخرى إلى ظهور الحركات الإسلامية؛ فهذه الحركات هي نتاج المجتمع الحديث الذي يتمايز فيه المجالين الديني والسياسي، فهي ليست مؤسسات علمائية، وليست جماعات صوفية، إنما حركات سياسية حديثة ذات توجه ديني، بالتالي لو قلنا تجاوزًا إنها نجحت في استعادة نموذج الاجتماع السائد ما قبل الدولة الحديثة، فلن تجد لنفسها مكان في هذا الاجتماع، لأنها ببساطة أبنة الترتيبات الاجتماعية التي خرجت عليها، وعلى الرغم من ذلك تدعوا هذه الحركات للخروج على هذا التمايز. كون الحركات الإسلامية هي أبنة مشروع تحديث المجتمعات العربية، أنتج عدة ظواهر، منها: نظر كثير من الإسلاميين إلى “تطبيق الشريعة” باعتباره مجرد عملية أسلمة لمفهوم السيادة؛ حيث تحولت الشريعة في جزء كبير منها، من عِلاقة بين العبد وربه، إلى سيف مسلط على رقبة الجميع، بدعوى الحاكمية، وحيث يتحول “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” من ممارسة حوارية من خلالها يتوصل المجتمع إلى الاتفاق على الكود الأخلاقي الذي يضبط تفاعلاته، إلى ممارسة سلطوية بموجبها تفرض مجموعة تصوراتها عن الحلال والحرام والجائز والممنوع على المجتمع كله، ويعاد هندسة المجتمع بما يجاري قيم هذه المجموعة. تسييس المجال الديني وتديين السياسي هو اختراع الدولة الحديثة قبل أن تتلقفه الحركات الإسلامية، فهو نتاج طبيعي من جراء ابتلاع الدولة كل شيء، وكون ممارسة اي شأن عام يمر من خلال قنوات الدولة. فالدولة العربية سيست الدين، وهو ما قاد بشكل حتمي ومتوقع إلى تديين المجال السياسي. دولة ما بعد الاستقلال وولادة جماعات العنف الإسلامي: تأميم الدولة للمجال الديني، وسيطرتها عليه بصورة تامة، فتح المجال لتمدد الحركات الإسلامية في المساحات التي خلفتها المؤسسات الدينية التقليدية، وقاد هذا بدوره إلى تسييس المجال الديني وتديين المجال السياسي. وهو من جهة أخرى قاد إلى نتيجة أخرى ليست أقل سلبية، وهي استنبات العنف في قلب المجال السياسي. يمكن في هذا الشأن الحديث عن مرحلتين رئيستين في تاريخ العنف لدى حركات الإسلام السياسي؛ الأولى: خلال الحِقْبَة الاستعمارية حيث ترزح الدولة والمجتمع تحت نير الاستعمار. المرحلة الثانية: في ظل دولة الاستقلال. في ظل المرحلة الأولى ظهر العنف ولكن في مواجهة ومقاومة الاستعمار، نشير هنا إلى تأسيس “النظام الخاص” الجناح العسكري للإخوان المسلمين، في سياق اندلاع المقاومة ضد الاحتلال الانجليزي في العالم العربي مع بدء الحرب العالمية الثانية، وبعد فشل المسار التفاوضي، وفشل ثورة 1919 وقيادة الوفد التي خرجت من رحم الثورة في إنجاز الاستقلال، ومن ثم اكتسبت المقاومة المسلحة جاذبية أكبر، خاصة مع انطلاق حركات التحرر الوطني، ومع الانهاك الذي منيت به الامبراطورية الانجليزية من جراء التكاليف الحالية للحرب. في المرحلة الثانية، كان الاستقلال قد تحقق، وظهرت دولة ما بعد الاستقلال في منطقتنا العربية، فما الذي حفز ظهور الموجة الثانية من عنف الحركات الإسلامية؟ نشير هنا إلى سببين؛ الأول: أن دولة ما بعد الاستقلال ما كانت قد استقرت بعد على الصيغة المناسبة لإدارة علاقتها بالمجتمع، ودخلت في عدة محاولات لتجريب نماذج تحديث وتنمية مستوردة، لم تسفر هذه المحاولات عن النتائج المرجوة، وكانت تكلفتها الاجتماعية عالي، وقادت إلى حدوث اتساع متنامي في الهوة بين مؤسسة الدولة والشعب الثاني: زادت أزمة الهوية التي تعيشها المجتمعات حضورًا وتبلورًا، مع استمرار سياسات استيراد النظم والأنساق القيمية من الغرب دون كثير تفكير في مدى اتساقها مع السائد لدى هذه المجتمعات من نظم وأنساق قيم عمرها مئات السنين؛ فالعنف هنا كان كاشفا عن حالة الاستقطاب الحاد في المجتمعات الإسلامية وعن انغلاق الأفق السياسي. السبب الثالث: كان إخفاق الدولة الوطنية الحديثة في كل دعاويها بتحقيق التنمية والاستقلال والكرامة، ومع تطبيعها مع الاستعمار، من خلال التطبيع مع الكيان الصهيوني، والتطبيع مع النظام الدولي المرتهن لسيادة الغرب؛ خاصة أن هذا النظام سرعان ما صور الاسلام باعتباره عدو، وذات طبيعة مناهضة للحداثة وقيمها، خاصة مع اطروحة صدام الحضارات، من ثم شعر كثير من الإسلاميين باغترابهم عن النظام الدولي القائم، زاد من هذا الشعور، الدعم المطلق من جانب القوى الكبرى في هذا النظام للكيان الاستعماري الاستيطاني في فلسطين. من قلب هذه التفاعلات تجدد العنف منذ نهاية السبعينات وحتى نهاية التسعينات، وبرز كأداة تعبير أساسية، بل ووحيدة أحياناً، لعدد من القوى الإسلامية. عنف أهوج اجتاح البلاد والعباد، امتد من دمشق وحماة إلى القاهرة وأسيوط، ومن الجزائر والمدية إلى الرياض والخبر، عنف وضع الآلاف من الشبان الإسلاميين في مواجهة الدولة وأجهزتها وأذرعها الأمنية. الخاتمة: ولدت الحركات الإسلامية بشقيها السياسي والجهادي من قلب التطورات التي طالت المجتمعات العربية مع نشأة الدولة الوطنية الحديثة في المنطقة ومع قدوم…

تابع القراءة
الحالة الثورية في مصر

هل تغيرت الحالة الثورية في مصر

في مقالة بعنوان “الصرخات الفردانية وتغيرات الحالة الثورية في مصر1“، للباحث المصري أحمد عبد الحليم، تناول فيها ظاهرة الاحتجاج الفردي في المجتمع المصري. في مقالته أشار “عبد الحليم” إلى أربع حالات؛ (1) حالة الشاب المصري محمود محمد، الذي خرج في 24 يناير 2014، وكان يبلغ من العمر حينها 17 عامًا، ليحتَفل بالذكرى الثالثة لثورة يناير، مرتديًا “تيشيرت” ملصق عليه عبارة “وطن بلا تعذيب”، ليتم القبض عليه في أحد الكمائن شرق القاهرة، ويدخل السجن كغيره من عشرات آلاف السجناء السياسيين في مصر، ويقضي قرابة عامين سجينًا، ثم يخلى سبيله2. (2) حالة المهندس أحمد بدوي، الذي خرج في منطقة التجمع الخامس بالقاهرة، في 21 أبريل من عام 2019، رافعًا لافتة مكتوب عليها “لا للتعديلات الدستورية”، ليلقى نفس المصير، بالقبض عليه من قوات الأمن المصرية، وسجنه قرابة 4 سنوات، قبل خروجه ضمن قائمة العفو الرئاسي في يناير عام 20233. (3) حالة السيدة المصرية، التي وقفت في منتصف شوارع القاهرة وحدها، في 12 يناير 2024، تهتف تضامنا مع شعب غزة4. (4) حالة عبد الجواد محمد، وهو أمين شرطة في قسم كرموز5، حيث صعد على إحدى اللوحات الإعلانية الكبيرة في حي سيدي جابر بمدينة الإسكندرية، يهتف “السيسي خاين وعميل، مش خايف منك يا سيسي”، حتى جاءت قوات الأمن وقبضت عليه، وأخفته قسريًا حتى كتابة هذه السطور6. وفسر الباحث في مقالته هذه الظاهرة بأسباب ثلاث: السؤال: هل هذا التفسير كافيا؟ بحسب “عبد الحليم” فإن الفردانية القائمة على الانجاز على المستوى الشخصي، والانهمام بالذات، ليست معنية بالشأن العام، بالتالي صعود الفردانية يعني خفوت وتراجع الاهتمام بالشأن العام. لكن هل تكفي هذه المقولة لتفسير تراجع الاحتجاج السياسي/الجماعي في مصر؟ في المقابل يقدم آصف بيات –كما ينقل عنه محمد تركي الربيعو7– في كتابه الصادر 2010، تفسير آخر، إذ يتحدث “عن وجود حراك غير مرئي، يقوده مئات الآلاف من أبناء الطبقات الوسطى والفقيرة داخل المدينة العربية”، فهو يعتبر أن “بائعو الشوارع، ليسوا أناسا فوضويين، يعيشون في السوق السوداء، وإنما باتوا بمثابة شبكات تتحالف في ما بينها لمحاولة الالتفاف على القوانين والسيطرة على زوايا بديلة”، هذه الرؤية عادت للظهور من جديد في كتابه الصادر 2021، إذ يشير إلى أن “السياسة ليست مجرد احتلال للأماكن، وإنما يمكن أن تكون في بعض الأحيان منسوجة في العمل والحياة اليومية والنضال من أجل البقاء”، وأن فشل الناس في البقاء في المجال السياسي لا يعني تغيبهم عن الفعل السياسي الجماعي، إنما قد يعني فقط أنهم عادوا إلى “انتهاج فكرة الزحف الهادئ”. يوسع آصف بيات مجال الفعل السياسي، ولا يقصره على المجال السياسي، إنما يرى أن الفعل السياسي يتخلل كل مظاهر الحياة الاجتماعية، يمارسه الناس بهدف مقاومة عسف السلطة بشكل هادئ ومرن لا يوقعهم تحت مطرقتها، بهدف التغيير البطيء السلس الذي يتسرب دون أن يثير معارضة تقوضه. وكيف أنه وبمرور الوقت وتفاقم الأوضاع السيئة تتمدد الاحتجاجات في المجال العام دون تنظيم يخطط لها أو يوجهها فيما وصفه “بيات” بـ “فن الحضور”؛ بالرغم من الاستبداد أو الديمقراطية المقيّدة8. يفرغ النظام المجال السياسي من فاعليه المؤثرين، ويستبقيه تحت سيطرة تامة من جانب الأجهزة الأمنية؛ بهدف الاحتراز من تكرار مشهد يناير 2011؛ على افتراض أن مشهد يناير ما كان له أن يحدث دون سقف الحرية العالي، الذي أتاح للفاعلين السياسيين وشباب النشطاء، التواجد والتنسيق والتنظيم والتحاور، وبالتالي تأميم المجال العام لن يسمح بتكرار مشهد الثورة. هذا التفريغ المقصود والممنهج ينتج حالة الاحتجاج الفردية التي أشارت إليها مقالة أحمد عبدالحليم. لكن من جهة أخرى، تثير هذه الحالة التساؤل: أين يذهب الساخطون على النظام في حال تم إغلاق المجال السياسي؟ هنا يكتسب طرح آصف بيات قدرته التفسيرية، فهو من جهة يخبرنا أين يذهب الساخطين على النظام؛ فـ ” المهاجرون الريفيون والفقراء المدقعون” يتجنبون التورط المباشر في انتفاضات واسعة النطاق، أما “الطبقة الوسطى الفقيرة” فهي في أوقات الثورات تميل إلى قيادة الآخرين ولعب دور أوسع، فإذا انحسرت الثورات يتراجع المهمش إلى استراتيجيته المتمثلة في الزحف الهادئ9. فهو بالتالي يرفض فكرة ثورة الجياع؛ حيث يخرج الفقراء الجوعى –البروليتاريا الرثة- فيدمرون كل شيء؛ وينتقد شيوع هذا التصور لدى كثير من النخب في مصر وتونس وإيران10. والطبقة الوسطى الفقيرة لدى بيات هي “طبقة تحمل رأس مال تعليمي، وشهادات جامعية، ومعرفة جيدة بالعالم، وتوقعات عالية” ومع ذلك “تدفع اقتصاديا لتعيش حياة الفقراء في الأحياء الفقيرة وتقتات عبر أعمال غير رسمية وهشة”، هذه الطبقة ذوى الخلفية المتواضعة ولكن المثقفين يملكون غضبا أخلاقيا عميقا في مواجهة الأنظمة الفاسدة والأجهزة الأمنية القاسية11. هذه المجموعات من المهمشين يجمعها شعور الغبن، وتعمل بشكل هادئ بدون قيادة أو تنظيم أو خطاب على تعزيز فرصها أو حيازة بعض المكاسب (تأمين أوى، مرافق حضرية، وظائف)، وفي حال حدوث أي انفتاح تستفيد هذه المجموعات من حالة الانفتاح المستجدة في الدخول إلى المجال السياسي ومحاولة تنظيم نفسها وتحقيق وجود سياسي لها وحراك سياسي يعبر عنها وعن مطالبها. أما الفقراء جدا، والمهاجرون الريفيون الوافدون مؤخرا، والأميون، فهم يحجمون عن المشاركة في احتجاجات عامة، إنما يفضلون الانتظار ورؤية ما يحدث، لكنهم ينخرطون عندما تبدأ الطبقة الوسطى الفقيرة في الحشد، وهم يميلون بشكل عام إلى الانخراط في نضالات أكثر واقعية ومحلية. وفق هذا المنظور الذي يقدمه آصف بيات، فإن الناس لا يتوقفون عن ممارسة السياسة، وعن مواصلة نضالاتهم الصغيرة من أجل فرص أفضل ومقاومة الأوضاع القائمة، هذه النضالات جمعية لكنها غير منظمة وبدون قيادة، لكنها موجودة تزحف بهدوء في معارك صغيرة لا تثير ارتياب السلطة. المعارضة في مصر والترحال بين المساحات: لم يختفي الفعل السياسي الجماعي، في شكله الاحتجاجي، من مصر، ما حدث فقط هو أنه ارتحل من مساحة السياسي، إلى مساحة النضال اليومي من أجل تحقيق انتصارات صغيرة، لا تأخذها السلطة بعين الاعتبار، ما دامت لا تهدد بقائها، أو تقلص بشكل ظاهر سيطرتها. فيما يلاحظ المراقب أن الاحتجاجات الجماعية قد يخفت صوتها في لحظات معينة، لكنها ما تلبس وتعاود الظهور، وقد شهدنا عدد من الاحتجاجات العمالية، التي طالب أصحابها برفع مرتباتهم حتى تتساوى مع الزيادة التي أقرتها الحكومة للحد الأدنى للأجور، في 7 فبراير 202412، حيث شهدنا إضرابا عن العمل، لورديتين متتاليتين، في شركة “ليوني وايرينج سيستمز” لتصنيع الضفائر الكهربائية للسيارات، في 27 مارس 2024، في 4 مصانع من مصانع الشركة العشر، بمدينة نصر، والمنطقة الصناعية بمدينة بدر13، وقبلها، في 6 فبراير 2024، احتج المئات من عمال شركة مطاحن الخمس نجوم في السويس، على رفض الإدارة صرف الزيادة السنوية في الأجور مع راتب يناير الماضي14. وفي إحدى أكبر شركات البناء التابعة لمجموعة طلعت مصطفى، نظّم أكثر من 100 موظف بشركة الإسكندرية للإنشاءات، وقفة احتجاجية، في 28 فبراير 2024، في حي مدينتي، للمطالبة بزيادة الأجور ووقف موجة تسريح العمال…

تابع القراءة

طوفان الأقصى ومستقبل الحركة الإسلامية

خلص كثير من المراقبين إلى أن مستقبل الحركة الإسلامية سيتأثر حتما، بأحداث السابع من أكتوبر 2023، وبمألات الصراع الدائر على أرض غزة بين المقاومة والعدوان الإسرائيلي؛ إذ أن انتصار حماس ونجاحها في البقاء، وعدم تحميلها حجم الدمار الذي تسبب فيه اندلاع طوفان الاقصى، يعني جاذبية أكبر للحركة الإسلامية، والعكس. في المقابل، ثمة فريق يرى أن الحركات الإسلامية في الوقت الراهن تعاني من عيوب ومشكلات بنيوية؛ بالتالي مهما زادت الحرب في غزة، وتضحيات وجهود المقاومة من جاذبية الحركات الإسلامية، يظل تأثير ذلك محدودا ولن ينقل الحركات الإسلامية من خانة الأزمة، ما لم تنجح هذه الحركات في معالجة مشكلاتها وحسن إدراك الواقع والتفاعل معه. الرؤية الأولى: حركة حماس هي جزء من الحركات الإسلامية، ودورها البطولي وإن كان يدور في أرض المعركة، فإنه في حاصل الأمر، يجدد شرعية الحركات الإسلامية، باعتبارها طليعة مجتمعية تضطلع بالدفاع عن مصالح الأمة وقضاياها العادلة1، وعليه فقد أسهم الطوفان وما أعقبه من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، في إظهار الإسلام السياسي، وحماس من تمثيلاته، في صورة الوحيد الذي يتصدى للاحتلال الإسرائيلي في زمن التطبيع، كما جاء الانحياز الأمريكي والغربي الرسمي لإسرائيل ليهدر دعاوى التعايش ومناهضة الانعزالية، ويدعم بصورة أو بأخرى أطروحات الإسلاميين عن استحالة التعايش2. كذلك فقد برهنت “حماس” على قدرة الإسلام السياسي على المخاطرة والمغامرة في ظل انسداد أفق الحل السياسي العادل، وأن الاستقرار المبني على جبروت القهر وغطرسة القوة مجرد وهم لا يحقق الأمن، ولا يتمتع بالشرعية والمشروعية3. ومع استمرار شروط انتاج الإسلاميين من قبيل التبعية والتغريب، ومن أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية مأزومة، ومن أنظمة سلطوية يقود استمرارها إلى تبييض وجه الإسلاميين، ومع استمرار تقزيم دور المؤسسات الدينية الرسمية، لكل ذلك تظل الحركات الإسلامية قادرة على البقاء وتجديد نفسها. ولا يمكن في هذا السياق “إغفال العوامل الذاتية المرتبطة بالجماعات الإسلامية، التي راكمت خبرات طويلة في العمل السياسي السري مع ظروف أمنية مشددة”. عقب “طوفان الأقصى”، سيحصل اندفاع شعبي إلى تيارات الإسلام السياسي، بعدما ثبت أنّ مجموعات مسلحة محدودة يمكنها أن تفعل أكثر ممّا تفعله الجيوش النظامية4. كما أن ما حدث أعاد مقبولية الخطاب الإسلامي للواجهة، “فعلاوة على التذكير بدورهم المحوري في دعم القضية الفلسطينية، وبالفراغ الذي حدث بعض إجلائهم عن الفاعلية بفعل قمع الأنظمة السياسية”، فقد سلط ما حدث في السابع من أكتوبر وما تلاه “الضوء على سلبية الأنظمة العربية في الدول المحيطة بفلسطين، وأبرز عدم تمكّن الموقف الشعبي من الوصول الانعكاس على تحرّك الحكومات، مما أوضح جليًا أن الأنظمة السياسية في جهة والموقف الشعبي -لاسيما في مصر والأردن- في جهة أخرى، ومما فاقم الوضع سوءًا”5. الرؤية الثانية: في المقابل ثمة من يرى أن التطورات التي تشهدها المنطقة تقود حتما إلى؛ أن تزداد موجات العنف في المنطقة، وتزيد مساحات عدم الاستقرار، وتتراجع فرص الإسلاميين المعتدلين لا البقاء؛ ما لم يعيدوا تموضعهم في الساحة من مدخل وحدة القضايا والهموم. ويشار في هذا السياق إلى تشكل تحالف دولي لمواجهة حماس، على غرار التحالف الدولي الذي نشأ ضد داعش، على أرضية التنسيقات الأمنية التي تضم دولًا في المنطقة وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية، كذلك يثار الحديث حول تحالفات اقتصادية باتت تتشكل في المنطقة وتشكلها، لا مكان فيها للأيديولوجيات، وتزيح هذه التحالفات كل من يعوق الاندماج الاقتصادي الذي نشأ في مواجهة مشروع الحزام والطريق الصيني والذي يضم الهند والخليج وإسرائيل وأوروبا بقيادة الولايات المتحدة. كما يشار إلى تحوُّلات هيكل القوة في النظام الدولي إلى نظام متعدد الاقطاب موقع الاسلاميين منه6. هناك من يتحدث عن رغبة غربية في “الانتقال إلى مرحلة ما بعد “الإسلام السياسي المسلح”، وهي مرحلة يريد لها الغرب أن تكون مشابهة لمرحلة زوال المشروع القومي العربي بعد عبدالناصر”7. من جهة أخرى نجد أن نظم ما بعد الربيع العربي في المنطقة، تروج لفكرة مفادها أن عدم الاستقرار مصدره الإسلام السياسي، وليس الاستبداد والاستعمار وتفشي الفقر وغياب التنمية، في الوقت ذاته لم تعد الديمقراطية مطلب محدد لشكل العلاقة بين دول المنطقة والقوى الغربية. فضلا عن أزمات حقيقية وعنيفة تعاني من التنظيمات الإسلامية، هذه الأزمات تحتاج إلى معالجة حقيقية، طوفان الأقصى أعطى فرصة لمعالجة الاخطاء واستئناف الدور، وليس بالضرورة صك نجاح حتمي للحركة الإسلامية، من هذه الأزمات “هيمنة الكاريزمات القيادية، واشتداد أزمة الأجيال داخلها، معضلة كبيرة، يصعب حلها في المدى القصير”، ومنها “أزمة الخط السياسي”، وكون الحركة الإسلامية في حاجة إلى تجديد نفسها بشكل يتعاطى مع التغيرات الاجتماعية؛ حتى يتجدد وينشط طلب المجتمع عليها. لكل ذلك تتقلص الفائدة التي حققتها الحركة الإسلامية من جاذبية النموذج الذي قدمته حماس والمقاومة الإسلامية خلال طوفان الأقصى؛ خاصة مع امتداد الصراع وطول أمده، والخسائر الكبيرة التي دفعها سكان غزة جراء العدوان الإجرامي الذي يشنه الكيان الصهيوني على القطاع. الخاتمة: يبدو أن تأثير طوفان الأقصى ومألاته على مستقبل الحركات الإسلامية مسألة مركبة، وأن تأثير الطوفان لن يسير في اتجاه واحد؛ فمن جهة أولى يرتهن التأثير الإيجابي للطوفان على مستقبل الحركة الإسلامية وجاذبيتها في المنطقة على ما يؤل إليه الصراع في غزة؛ وإن كانت إسرائيل ستنجح في تصفية المقاومة الإسلامية، وإن كان المجتمع الغزاوي والرأي العام العربي لن يحمل المقاومة تداعيات ما حدث من تدمير كامل لقطاع غزة وخسائر فادحة في الأرواح. من جهة أخرى تأثير الطوفان الإيجابي على مستقبل الحركة الإسلامية وجاذبية نموذجها، مرهون بقدرة هذه الحركات على معالجة مشكلاتها البنيوية، وإعادة تقديم نفسها للمجتمعات بصورة تأخذ في اعتبارها التحولات التي شهدتها المجتمعات العربية خلال السنوات الماضية، وهو مرهون أيضا بقدرة هذه الكيانات على إعادة موضعة نفسها في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها الإقليم والعالم، وعلى حسن التعامل مع التحالفات التي تشهدها المنطقة. يمكن القول أيضا أن طوفان الأكثر سيكون له تأثير لا محالة على مستقبل الحركة الإسلامية في المنطقة، لكن هذا التأثير سيتحدد وفق ما ينتهي إليه العدوان الإسرائيلي؛ فإن انتهى الصراع الدائر لصالح حماس، كان للطوفان تأثير إيجابي على الإسلام السياسي. وإن انتهى الصراع مع خسارة حماس الميدانية وتراجع شرعيتها في الداخل وفقدانها جاذبيتها عربيا، قاد ذلك حتما إلى تنامي جاذبية حركات الإسلام الجهادي؛ مستعينا في ذلك براديكالية أفكاره ووحشية ممارساته، ومستفيدا من شعور المظلومية الذي سيتنامى مع الإجرام الإسرائيلي والصمت والغربي والتواطؤ العربي. وبحسب الباحث المغربي بلال التليدي، فإن “طوفان الأقصى ساعد في توفير الشروط النفسية والثقافية داخل التنظيميات الإسلامية، لبحث إمكان استئناف الدور، وجدد علاقتها بالنخب، وأقنعها بوجود إمكانية للعودة إلى حاضنتها الشعبية، لكن، من بوابة قضايا الأمة، وليس من بوابة الأوضاع الداخلية ودور الإسلاميين في التغيير السياسي”، في الوقت نفسه فإن طوفان الأقصى “لم ينهض بعد ليشكل تحولا إقليميا حافزا على إنهاء أزمة الإسلاميين، ولم يصل دور الإسلاميين التعبوي الداعم للقضية الفلسطينية لدرجة خلق إزعاج للسلطة”، وأن استئناف الحركة الإسلامية مركزيتها…

تابع القراءة
ليبيا- الشارع السياسي

الوضع الراهن للأزمة في ليبيا

لا يزال الوضع في ليبيا يشهد انقسامًا سياسيًا، وتنافسًا مستمرًا علي السلطة بين الأطراف الفاعلة في الشرق والغرب، وقد أخذ هذا التنافس أشكالًا متنوعة؛ سياسية وعسكرية واقتصادية. ومن المتوقع أن تتزايد حالة الانقسام السياسي في ليبيا، في ظل تصاعد التدخلات الخارجية سوء الإقليمية منها أو الدولية1. وهو ما يمكن توضيحه من خلال استعراض أبرز التطورات علي الساحة الليبية خلال الفترة من سبتمبر 2023 إلي إبريل 2024 كما يلي: لا تزال ليبيا منقسمة بين السلطات السياسية المتنافسة، حيث تخضع طرابلس وغرب البلاد لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية بقيادة رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة والمجلس الرئاسي الليبي بقيادة محمد المنفي والمجلس الأعلى للدولة برئاسة محمد تكالة. ويقع شرق البلاد ومناطق كبيرة من وسط وجنوب ليبيا تحت قيادة حكومة موازية بقيادة أسامة حماد ومجلس النواب في طبرق برئاسة عقيلة صالح والقيادة العامة للجيش بقيادة خليفة حفتر2. وهو ما يمكن توضيحه كما يلي: أولًا: الانقسامات الداخلية: 1- سياسيًا: أ– صدور القوانين الانتخابية: أصدرت لجنة “6+6” المشكلة من مجلسي النواب والأعلي للدولة، في 6 يونيو 2023، عقب مباحثات في مدينة بوزنيقة المغربية، القوانين التي ستجرى عبرها الانتخابات، إلا أن بنودًا فيها لاقت معارضة من بعض الأطراف3. وقد لخص المبعوث الأممي إلي ليبيا عبدالله باتيلي في إحاطته الثالثة أمام مجلس الأمن، في يونيو 2023، أسباب الخلاف حول قوانين الانتخابات في: ومع ذلك، فقد أصدر مجلس نواب طبرق، دون التوافق مع المجلس الأعلي للدولة، قانون جديد للانتخابات، في 1 نوفمبر 2023، والذي نُشر في الجريدة الرسمية، ويحتوي على قانون رقم 27 لسنة 2023 بشأن انتخاب مجلس الأمة، والقانون رقم 28 لسنة 2023 بشأن انتخاب رئيس الدولة. وينص القانون على إجراء الانتخابات في غضون 240 يومًا من تاريخ صدور قوانين الانتخابات (أي قبل نهاية مايو 2024)، ولكن هذا القانون لم ينجح في حل المسائل الخلافية القائمة حيث نص القانون علي: وبناءً علي ما سبق؛ فإن هذا القانون قد أعد تفصيلًا لخليفة حفتر، حيث أنه يحمل الجنسية الامريكية بجانب الليبية، ومن الواضح أنه لا يريد التنازل عنها إلا بعد التأكد من فوزه في الانتخابات الرئاسية، عند دخوله للجولة الثانية من الانتخابات6. وكانت كتلة المجلس الأعلي للدولة في لجنة 6+6 المسئولة عن إصدار القوانين الانتخابية تتمسك بضرورة أن يقوم حاملو الجنسيات غير الليبية بالتخلي عنها قبل تقديم أوراق ترشحهم، في حين تمسك كتلة مجلس النواب بأن يكون تخلي المترشح للانتخابات الرئاسية عن الجنسية الأجنبية بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية وقبل القسم وتولي المنصب7. كما أن حفتر – وفقًا لهذا القانون – من حقه أن يعود لمنصبه كقائد للجيش الليبي في حالة عدم فوزه بالانتخابات، وبالتالي إذا فاز مرشح أخر سواء كان من غرب ليبيا أو شرقها أو جنوبها، سيكون هناك منافس قوى له لا يمكنه من أداء مهامه، وهو خليفة حفتر، الذي يرأس القوات المتواجد في الشرق، وبالتالي سنعود من جديد لحالة الانقسام بين معسكر الشرق ومعسكر الغرب8. وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا محمد تكالة قال في رسالة وجهها إلى مبعوث الأمم المتحدة عبدالله باتيلي – في تعليقه علي اصدار رئيس مجلس النواب عقيلة صالح قوانين الانتخابات في 4 أكتوبر 2023 – أن التشريعات الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب “مخالفة للتعديل الدستوري وباطلة”. وقال تكالة في رسالة وجهها إلى مبعوث الأمم المتحدة عبدالله باتيلي إن “ما صدر عن مجلس النواب في جلسته يوم 4 أكتوبر 2023 من تشريعات انتخابية مخالف للإعلان الدستوري الثالث عشر، ومشوب بعيوب وأخطاء تنحدر به إلى درجة الانعدام”. وأوضح تكالة أن “مهمة اللجنة المشتركة 6+6 وقتية ومحددة في إجراء توافقات، وغير مخولة بإجراء أي تعديلات على ما جرى التوقيع عليه في بوزنيقة في 3 يونيو 2023″، وأكد “موقف المجلس الأعلى للدولة الرافض إجراء أي تعديلات، وتحت أي ذرائع، على نتائج عمل اللجنة المشتركة التي توصلت إليها بالتاريخ المذكور”9. وفي محاولة لتقريب وجهات النظر المتعارضة بين مجلسي النواب والدولة حول هذه القوانين، فقد تم عقد لقاء بين عقيلة صالح ومحمد تكالة بالعاصمة المصرية القاهرة، في 8 نوفمبر 2023، وهو الاجتماع الأول من نوعه بين عقيلة وتكالة منذ انتخاب الأخير رئيسًا لمجلس الدولة في 6 أغسطس 2023، غير أن مخرجات اللقاء الأول بين الطرفين لم ترتق للمستوى المرتقب نظرًا لاستمرار الخلافات الجوهرية بين الطرفين10. فلا المجلس الأعلى للدولة ممثلًا في رئيسه تكالة، سيقبل التنازل عن نسخة بوزنيقة، ولا مجلس النواب سيقبل التراجع عن القوانين التي صادق عليها. أحد نتائج هذا الانسداد، أن المجلس الأعلى للدولة تجاهل طلب عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، “تشكيل لجنة مشتركة لقبول طلبات الترشح لرئاسة الحكومة” الجديدة. كما أن المفوضية العليا للانتخابات أبلغت البعثة الأممية أن تنفيذ القوانين الانتخابية لن يبدأ إلا بعد حل مسألة “الحكومة الجديدة”، تماشيًا مع المادة 86 من قانون الانتخابات الرئاسية والمادة 90 من قانون مجلس الأمة. أي أن العدد التنازلي لـ240 يومًا الذي ستجرى خلاله الانتخابات لن يبدأ إلا من تاريخ اعتماد حكومة جديدة. وربط إجراء الانتخابات بتشكيل حكومة جديدة، يجعل إجراءها مستحيلًا، ما لم تتغير المعطيات الحالية، في ظل رفض الدبيبة التخلي عن منصبه إلا لحكومة تأتي عبر برلمان منتخب11. ب– مبادرة المبعوث الأممي: أعلن المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، في 22 نوفمبر 2023، عن مبادرة تتضمن دعوة من وصفهم بــ”القادة الأساسيين” (الخمسة الكبار)، وهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، بالإضافة إلى قائد مليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر، وذلك في إطار محاولة جديدة لإنجاز المرحلة الانتقالية، والتوصل إلى تسوية سياسية بشأن القضايا ذات الخلاف السياسي المرتبطة بتنفيذ العملية الانتخابية وتشكيل حكومة موحدة. وتتمثل آلية العمل في أن يسمي الأطراف المؤسسيين الخمسة ممثلين لهم (ثلاثة لكل طرف)، على أن يلتقي هؤلاء الممثلون في اجتماع تحضيري (لم يحدد موعد انعقاده ومكانه بعد)، للتباحث حول موعد اجتماع قادة المؤسسات الخمس ومكانه، وجدول الأعمال والقضايا الخلافية التي سيتباحث بشأنها القادة12. ويمكن تفسير الاقتصار على المؤسسات الخمس باعتباره يهدف لإحداث التوازن بين معسكري الصراع الليبي من جهة، ومنع التداخل بين المسارات من جهة أخرى. فبالنسبة لمسألة التوازن، يمكن النظر إلى المؤسسات الخمس وفق صيغة 2+2+1، حيث يمثل شرق ليبيا بمجلس النواب والقيادة العامة، والمنطقة الغربية عبر حكومة طرابلس ومجلس الدولة، بالإضافة إلى المجلس الرئاسي الذي يتم التعامل معه بوصفه مؤسسة محايدة ومنفتحة على مختلف الأطراف. كذلك، فإن اختيار هذه المؤسسات تحديدًا يعكس الرغبة في تمثيل الأطراف الأكثر تأثيرًا؛ فمثلًا لا يمكن النظر إلى حكومة أسامة حماد في شرق ليبيا باعتبارها طرفًا سياسيًا له إرادة مستقلة عن مجلس النواب أو القيادة العامة، لاسيما مع عدم الاعتراف بها دوليًا؛ كما أن تمثيل القيادة العامة لم يقابله تمثيل طرف عسكري…

تابع القراءة
انتخابات توغو - تصميم الشارع السياسي

انتخابات توغو: الخلفيات والتطورات

في تطور سياسي مثير تشهده جمهورية توغو، قام البرلمان مؤخرًا بتعديل الدستور محوِّلا النظام الحكومي من رئاسي إلى برلماني بأغلبية ساحقة. وأجَّلت الحكومة التوغولية الانتخابات التشريعية والإقليمية، التي كان من المُقرر إجراؤها في 20 إبريل 2024 بقرار من الرئيس فور غناسينغبي، عَقِب اجتماع مع مكتب الجمعية الوطنية يوم الأربعاء 3 إبريل، واتُّخِذ هذا القرار عشية بدء الحملة الانتخابية ضمن هذه الانتخابات التشريعية، فيما شعرت المعارضة بالمفاجأة بالأحداث؛ لأنهم كانوا قد بدءوا بالفعل في استعدادات الحملة الانتخابية عندما اتُّخذ القرار. لكن هذا التغيير والتأجيل، الذي تمَّ دون استشارة شعبية، أثار جدلًا واسعًا ورفضًا من المعارضة، التي تضمَّنت أكاديميين ناشطين وصحفيين اعتبروا التعديل بمثابة انقلاب دستوري. واستجابةً لهذا الاحتجاج، دعا الرئيس التوغولي فور غناسينغبي، البرلمان لإعادة قراءة الدستور، في خطوة شهدت إعادة جدولة للانتخابات البرلمانية لتنعقد في 29 من نفس الشهر. وعلى الرغم من الاعتقالات التي جرت في صفوف المعارضة، فإن الأخيرة أعلنت عن خطط لتنظيم احتجاجات كبيرة مما يُشير إلى تصاعد التوترات في الساحة السياسية التوغولية. فما هي أهمية ما يحدث في توغو تلك الدولة الصغيرة الواقعة في غرب إفريقيا؟ وكيف يُمكن قراءة التطورات الحادثة في إطار ما سبقها من خلفيات وإجراءات؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير.. أهمية ما يحدث في توغو: توجو دولة إفريقية تقع ضمن حزام الانقلابات في غرب إفريقيا، والذي يبدأ من النيجر مرورًا ببوركينا فاسو وحتى مالي، حيث شهدت تلك الدول انقلابات خلال الأعوام القليلة الماضية، وتُعيد تشكيل تحالفاتها الإقليمية. ودخول دولة في مثل هذا الموقع مرحلة توتر سياسي على ضوء تعديل دستوري لا يحظى بدعم المعارضة؛ من شأنه أن يُنذر بخطر حقيقي على مستقبل الاستقرار في تلك الدولة. لاسيما بعد أن جدَّدت بعض الأحزاب المعارضة في توغو وجماعات المجتمع المدني دعوتها إلى تنظيم احتجاجات شعبية واسعة النطاق بعد يوم من موافقة أعضاء البرلمان على التعديلات الدستورية، التي من المُرجَّح أن تُمدِّد حكم الرئيس فور غناسينغبي. ويزيد من هذا الخطر كون قمع قوات الشرطة للاحتجاجات السياسية في توغو أمرًا روتينيًا خلال حكم غناسينغبي، الذي فاز بولاية جديدة في عام 2020 عندما حصل على أغلبية ساحقة في انتخابات شكَّكت المعارضة في نزاهتها، وكان قمع قوات الأمن أمرًا مُعتادًا أيضًا خلال فترة حكم والده الطويلة.1 وعلى الرغم من صغر حجم توغو، إلا أنها تتمتع بنفوذ كبير كمركز للتجارة البحرية في إفريقيا بسبب ميناء لومي، البوابة إلى دول غرب إفريقيا الداخلية مثل بوركينا فاسو. ومن ثمَّ؛ فقد يكون للاضطرابات في توغو آثار مضاعفة على التجارة في جميع أنحاء المنطقة.2 تاريخ انتقال السلطة في توغو: خلال تاريخها الذي يناهز 65 عامًا، لم تشهد جمهورية توغو، الواقعة في غرب إفريقيا، أي انتقال سلمي للسلطة. فـ”سيلفانوس أوليمبيو”، رائد استقلال توغو وأول رئيس لها، لقي مصرعه في انقلاب دموي قاده غناسينغبي إياديما في 13 يناير 1963. وبعد فترة قصيرة من تولي نيكولاس غرونيتسكي الحكم، انتزع إياديما السلطة في 14 إبريل 1967 ليبدأ عهد جديد في تاريخ البلاد. وخلال فترة حكمه، التي نالت دعمًا قويًا من فرنسا، مارس إياديما نفوذًا واسعًا، وهو ما جعله واحدًا من الأيقونات البارزة لنظام “فرنس-أفريك”، رغم الانتقادات الدولية المُوجهة ضده. وبعد استفتاء عام 1972، شهدت توغو انتخابات مُحاطة بالجدل في 1979 و1986 لتعيش البلاد اضطرابات في التسعينيات، مع دعوات محلية ودولية للإصلاح الديمقراطي. وتحت الضغط المتزايد، وافق إياديما في 1991 على تعيين رئيس وزراء، لكن سرعان ما استرجع السيطرة الكاملة على السلطة. وبعد وقتٍ قصير، اغتيل المعارض الشهير تافيو أمورين في 1992، تلا ذلك انتخاب إياديما رئيسًا في 1993 و1998، وهو انتخاب رفضته المعارضة. وردًا على العنف الذي رافق انتخابات 1993، جمَّد الاتحاد الأوروبي مساعداته لتوغو. وتحسَّنت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي تدريجيًا بعد توسُّط إياديما في نزاع ساحل العاج وإعلانه عن انتخابات تشريعية جديدة في 2005، وهو مسار بدأ في نوفمبر 2004. ثم توفي إياديما في الخامس من فبراير 2005، تاركًا وراءه إرثًا مُعقدًا في توغو. عقب وفاة الرئيس إياديما، خلفه ابنه فور غناسينغبي، مُتجاوزًا الإجراءات الدستورية المُحدَّدة في المادة 65 التي تقضي بتسليم السلطة لرئيس البرلمان آنذاك فامباري واتارا ناتشابا. وحتى تعديل 2019، كان دستور 1992 ينص على انتخاب رئيس الدولة بالاقتراع المباشر مدة 5 سنوات، وتعيين رئيس الوزراء من قِبل الرئيس الذي يختار أيضًا مجلس الوزراء بالتشاور مع رئيس الوزراء. أما الجمعية الوطنية، ذات الـ 91 عضو، فتُنتخب لمدة 5 سنوات. وشغل فور غناسينغبي المنصب من 2005، وانتُخب رئيسًا 4 مرات، في ظروف اكتنفها الكثير من الجدل. وفي عام 2019 أدخل تعديلًا دستوريًا يَحدُّ من فترات الرئاسة إلى اثنتين فقط، مانحًا الرئيس الفرصة لإعادة العد لفتراته الرئاسية من الصفر.3 التعديل الجديد للدستور وما تبعه من تطورات: في مساء الاثنين، 25 مارس 2024، وفي ظل الاستعدادات للانتخابات التشريعية والإقليمية التي كان من المُزمع إجراؤها في 20 إبريل، صادق نواب البرلمان في توغو على دستور جديد للبلد يُعيد تشكيل النظام الحكومي من رئاسي إلى برلماني، بحيث يصبح انتخاب رئيس الدولة من مسؤوليات البرلمان. وقد حاز الدستور الجديد على موافقة 89 صوت مؤيد مُقابل معارضة واحدة وامتناع واحد عن التصويت من أعضاء الجمعية الوطنية، تم تقديمه بمبادرة من نواب الأغلبية للحزب الحاكم “الاتحاد من أجل الجمهورية”. وقد أعادت تلك التعديلات في الدستور الجديد هيكلة الحياة السياسية لتصبح محورها الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، فتمَّ تحديد رئاسة الجمهورية بولاية واحدة لمدة 6 سنوات يُنتخب خلالها الرئيس من قِبل الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ في تجمع مُوحد. ويُعيَّن لمدة 6 سنوات رئيس مجلس الوزراء، ويجب أن يكون رئيس الحزب أو التحالف الفائز بالأغلبية في انتخابات الجمعية الوطنية. وينص الدستور الجديد على أن “رئيس الدولة يُجرَّد عمليًا من سلطاته لصالح رئيس مجلس الوزراء، الذي يُصبح ممثلًا للجمهورية التوغولية في الخارج، والذي يدير البلاد فعليًا في الإدارة اليومية”. ومثَّلت الخطوة بداية عهد جديد في توغو، حيث تُعد أبرز التحولات الدستورية منذ عام 1992.4 وردًّا على هذه التعديلات، تأسَّس ائتلاف الطوارئ من قِبل 3 كيانات سياسية ومنظمات مجتمع مدني في 29 مارس، وخرج في مظاهرات للاحتجاج ضد ما وصفه بـ “الانقلاب الدستوري”. واشتد التوتر حين قامت الحكومة بسجن عدد من أعضاء التحالف، ورفضت السماح بالمظاهرات المُخطَّط لها في 11 و12 و13 إبريل، مما دفع الرئيس غناسينغبي إلى طلب إعادة قراءة الدستور من البرلمان، وتأجيل الانتخابات البرلمانية، في محاولة لتهدئة الأوضاع وإعادة النظر في التعديلات المقترحة.5 وبرَّرت الحكومة تأجيل الانتخابات التشريعية والإقليمية بأن ذلك يجب أن يسمح للبرلمان بالتشاور مع جميع أصحاب المصلحة في الحياة السياسية بشأن التغيير الحالي في الدستور، وإتاحة الفرصة للجهات الفاعلة السياسية والمجتمع المدني والمواطنين لإجراء تحسينات، ومن ثمَّ المساهمة في تحسين عملية الإصلاح الدستوري الجارية.6 خيارات المعارضة في…

تابع القراءة
اللقاء التشاوري الثلاثي "الجزائر وتونس وليبيا"

اللقاء التشاوري الثلاثي “الجزائر وتونس وليبيا” 

بين مخاوف عزل المغرب ومواجهة تحديات المنطقة على الرغم من منطقية الطرح المسوق في الاعلام الجزائري والتونسي والليبي، بأن الاجتماع التشاوري الأول الذي عقد بين البلدان الثلاثة، يوم الاثنين 22 أبريل 2024، في تونس، بأنه جاء لمواجهة مخاطر تزايد أعداد الهجرة غير النظامية، عبر الصحراء الافريقية، وتصاعد التوترات الليبية المسلحة مجددا، بجانب مخاطر التهديدات الأمنية القادمة من منطقة الساحل، إلا أن استبعاد كلا من المغرب وموريتانيا، عن القمة الثلاثية كان لافتا، ويحمل العديد من الدلالات، ويصب في الهوة المتنامية بين المغرب والجزائر، والتي تنعكس سلبا على المنطقة المغاربية ككل، وسط دعوات جزائرية بإيجاد اتحاد إقليمي بديل للاتحاد المغاربي، المجمد، إثر الخلافات البينية المتفاقمة.. أولا: اللقاء التشاوري الثلاثي الأول،التوقيت والنتائج: وجاء الاجتماع التشاوري الأول لقمة الرئيس التونسي قيس سعيد ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، في مسار تكثيف التنسيق الأمني على الحدود والتصدي للهجرة غير النظامية المتنامية وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية. -الثاني بعد قمة الغاز: وبدعوة من الرئيس التونسي قيس سعيد، انعقد الاجتماع بقصر قرطاج بالعاصمة تونس وهو الأول من نوعه بعد القمة السابعة للغاز بالجزائر التي انعقدت من 29 فبراير  إلى الثاني من مارس 2024.  واتفق حينها القادة الثلاثة على تكرار الاجتماع بالتناوب مرة كل 3 أشهر في إحدى عواصم الدول الثلاث، وذلك دون المغرب التي لم تدعى، وموريتانيا التي اعتذرت. -نتائج القمة الثلاثية: وتضمن إعلان القمة الثلاثية نقاط تعاون وشراكة عدة على المستوى الأمني، مثل تكوين فرق عمل مشتركة لتنسيق الجهود لحماية أمن الحدود المتلاصقة بين البلدان الثلاثة من مخاطر الهجرة غير النظامية، خاصة من دول جنوب الصحراء وغيرها من مظاهر الجريمة المنظمة. ويأتي الاجتماع بعد زيارة أجرتها، الخميس 18 أبريل، رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني بهدف مقايضة تونس بمساعدات مالية في ظل ما تعيشه من أزمة مالية، مقابل دفعها للعب دور الحارس البحري للبوابة الأوروبية للتصدي للمهاجرين التونسيين والأفارقة. كما تضمن البيان الصادر عن اللقاء التشاوري الأول، بتونس،  توجه لتوحيد المواقف في التعاطي مع الدول المعنية بظاهرة الهجرة غير النظامية في البحر المتوسط، وتنسيق العمل لدفع المشاريع والاستثمارات المشتركة في الطاقة والزراعة وفتح خط بحري بين البلدان الثلاثة وتسهيل حركة الأشخاص والسلع وتنمية المناطق الحدودية بينها. كما شدد الاجتماع على الرفض التام للتدخلات الأجنبية في الشأن الليبي ودعم الجهود الساعية للتوصل إلى تنظيم انتخابات تحفظ سلامة و أمن ليبيا واستقرارها، والتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للبلدان الثلاثة.  كما  تقرر تكوين نقاط اتصال لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من قبل القادة ، تمهيدا لعقد اللقاء القادم بعد التشاور فيما بينهم. وفي الجزائر ذكر تقرير لصحيفة “الخبر” أنه وفي الشأن الإقليمي، تتفق الجزائر وتونس في مقاربتها لحل الأزمة في ليبيا، خاصة دعم التوجه لإجراء انتخابات رئاسية تضمن توحيد ليبيا وإعادة الشرعية لسلطة موحدة. كما تتفقان أيضا، وفق ما يبرز من مواقفهما، على رفض التدخل الأجنبي بكل أشكاله في الشأن الليبي. وأكدت أن هذه القمة المستحدثة بين الدول الثلاث تنعقد في ظل تطورات إقليمية بالغة الخطورة، كما تتسم بتناحر القوى الدولية عليها وبروز أجندات وتدافع القوى الخارجية للسيطرة عليها. وتربط تونس والجزائر علاقات اقتصادية قوية، إذ تمرر الجزائر الغاز لإيطاليا عبر تونس مقابل عائدات مالية وحصة من الغاز. كما قدمت الجزائر عددا من القروض بالعملة الصعبة لتمويل موازنة تونس في ظل الأزمة المالية التي تعاني منها. كما تربط تونس وليبيا علاقات اقتصادية متينة، لا سيما فيما يتعلق بتصدير السلع الغذائية إلى ليبيا. وتنتعش التجارة في جنوب تونس بفضل توريد السلع من الجارة ليبيا. ثانيا: تداعيات اللقاء الثلاثي التشاوري الأول: اللقاء التشاوري الثلاثي الأول ، العديد من التداعيات  الاستراتيجية على المنطقة المغاربية عموما، وعلى ملفاتها الملتهبة، خاصة بين الجزائر والمغرب…  -مخاوف استراتيجية وقد فجر اللقاء العديد من المخاوف الاستراتيجية ، على الصعيد السياسي والجيوسياسي…ومنها: -اثارت مخاوف حول محاولة عزل المغرب : ومع استمرار  تأزم ملف العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر، الذي يعيش مرحلة الحرب الباردة،  لم يكن مستغربا أن تفسر العديد من الدوائر السياسية ، المغاربية والعربية ، بل والدولية، اللقاء الثلاثي بأنه محاولة عزل المغرب عن محيطها الإقليمي المغاربي… وذلك على الرغم من تأكيدات الدول الثلاثة على أن اللقاء لا يستهدف ذلك، وأنه جاء من أجل ترقية التنسيق والعلاقات المشتركة  بين بلدانهم.. ووفق رواية الدول الثلاث المشاركة باللقاء، فقد جاء اللقاء على خلفية مخاوف عدة، إذ تستشعر الجزائر وجود مخاوف أمنية محدقة على حدودها البرية مع جارتها ليبيا نتيجة انتشار النزاعات والأسلحة وتغلغل أجنبي في ليبيا بقوات عسكرية من أميركا وتركيا وروسيا. وهو ما يشكل تهديدا مباشرا على الحدود الجزائرية والتونسية.. كما يخشى الموقف التونسي من تفجر الأوضاع الأمنية في ليبيا، علاوة على الضغوطات بسبب ما تواجهه البلاد من تدفق المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء القادمين من ليبيا والجزائر.. في المقابل، يرى  مراقبون أن الاجتماع الذي استبعد المغرب وموريتانيا، قد يكون مقدمة لتأسيس كيان مغاربي جديد على أنقاض اتحاد المغرب العربي المعطل منذ 1994. خاصة أن العلاقة بين تونس والمغرب قد توترت بسبب استقبال الرئيس سعيد رسميا زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي في 26 أغسطس 2022 بالمطار الرئاسي، بمناسبة مشاركته في الدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا.  وايضا في التشابكات السياسية والخلافات التي تضرب مسار العلاقات المغربية الجزائرية، تثير الكثير من المخاوف على الصعيد المغاربي،  إزاء اللقاء التشاوري الأول.. إذ تُعد العلاقات بين المغرب والجزائر من أكثر العلاقات تعقيدًا في شمال إفريقيا، فبينما يُفترض أن تُشكل رابطة الأخوة واللغة والتاريخ المشترك أساسًا للتعاون والتكامل، تُخيم على هذه العلاقات أجواء من التوتر والعداء منذ عقود.وتُشبه حكاية المغرب والجزائر قصة شقيقين متخاصمين، تربطهما رابطة الدم والتاريخ، لكن الخلافات تعكر صفو علاقتهما، فعلى الرغم من أن البلدين يجمعهما الكثير، من لغة مشتركة وتاريخ عريق، إلا أن التوتر يُخيم على علاقتهما فلا يمكن تجاهل التراكمات التاريخية، التي يؤججها الخطاب الإعلامي السلبي في بعض الأحيان. -الدفع باتجاه إنشاء تكتل إقليمي بديلا للاتحاد المغاربي: ومن ضمن ما رشح عن الدوائر السياسية في البلدان المغاربية، قد يكون الاجتماع التشاوري نواة لتأسيس “تكتل مغاربي جديد” ردا على حالة الجمود التي يعاني منها اتحاد المغرب العربي…وهو ما طالبت به الجزئر مرات عديدة في أوقات مختلفة…ويضم  الاتحاد المغاربي، إلى جانب الدول الثلاث، كلا من المغرب وموريتانيا. وسبق لقادة الدول الثلاثة أن اجتمعوا في مارس الماضي، خلال “قمة الغاز” بالجزائر، على إجراء هذه الاجتماعات كل ثلاثة أشهر، حيث يُعقد الاجتماع الأول في تونس، وأكد الرئيس الجزائري آنذاك أن هذا التكتل لا يستهدف أية جهة وأن الباب مفتوح أمام جميع دول المنطقة. وكانت الجزائر قد مهّدت لشكل جديد من التعاون مع تونس وليبيا وموريتانيا، في فبراير 2024، عندما أوفد وزير خارجيتها أحمد عطاف إلى المنطقة…

تابع القراءة

الهجوم الإيراني علي إسرائيل: الدوافع والحدود والتداعيات

على مدار عقود من الصراع بين إيران وإسرائيل كانت الدولتين تحرصان على الحفاظ على خطوط حمراء تتجنب بصورة رئيسة الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة. واتسمت قواعد الاشتباك بين الدولتين بما يعرف بـ”حرب الظل” وذلك باستخدام إيران لوكلائها المتواجدين داخل لبنان وسوريا والعراق واليمن في مواجهة إسرائيل، في مقابل تنفيذ الأخيرة اغتيالات مستهدفة شخصيات إيرانية، لكن يبدو أن تحولًا حدث عندما شنت إيران أول هجوم مباشر من أراضيها ضد إسرائيل؛ تضمن إطلاق 185 طائرة مسيرة، و110 صواريخ أرض – أرض باليستي، و36 صاروخ كروز، أطلقت عليه اسم عملية “الوعد الصادق”[1]؛ ردًا على هجوم إسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نفس الشهر، والذي أسفر عن مقتل لمقتل قائدين في الحرس الثوري وخمسة مستشارين عسكريين آخرين، أبرزهم العميد “محمد رضا زاهدي” القائد للعمليات الخارجية بفيلق القدس في سوريا ولبنان، وهو شخصية رئيسية في تنسيق محور المقاومة الذي يدافع عن المصالح الإيرانية في المنطقة، ونائبه العميد “محمد هادي حاج رحيمي”[2]. ويعد زاهدي الشخصية الأهم التي تُقتل بعد اغتيال قاسم سليماني في مطلع العام 2020، وتحدثت تقارير إيرانية عن دور بارز له في نجاح عملية “طوفان الأقصى”[3]. أولًا: دوافع الهجوم الإيراني علي إسرائيل: ويمكن الإشارة إلي مجموعة من الدوافع التي تقف خلف اقدام إيران علي شن هجوم مباشر علي إسرائيل تتمثل أبرزها في: 1- جاء هذا الهجوم ردًا مباشرًا على استهداف طائرات إسرائيلية، في 1 إبريل 2024، مبنى القنصلية المجاور للسفارة الإيرانية في دمشق؛ ما أدى إلى مقتل سبعة من ضباط الحرس الثوري الإيراني، بمن فيهم مسؤول فيلق القدس في سورية ولبنان، محمد رضا زاهدي، ونائبه. وتعد هذه الخسارة هي الأكبر التي تتكبدها إيران في سورية منذ أن بدأت إسرائيل تستهدف الوجود العسكري الإيراني في سورية عام 2013. فقد شنت إسرائيل خلال الفترة 2013-2023 الكثير من الهجمات (جوية في معظمها) داخل الأراضي السورية لمنع نقل أسلحة من إيران إلى حزب الله، من دون أن تستهدف ضباط الحرس الثوري الإيراني على وجه الخصوص. لكن هذا الوضع تغير كليًا بعد عملية “طوفان الأقصى” وانطلاق الحرب على غزة؛ إذ حملت إسرائيل إيران المسؤولية عنها نتيجة دعمها لفصائل المقاومة الفلسطينية. ومن ثم، شهدت الأشهر الثلاثة الأخيرة، بداية من ديسمبر 2023، استهدافًا ممنهجًا من جانب إسرائيل لكبار ضباط الحرس الثوري الإيراني في سورية؛ إذ قامت بقتل مسؤول التسليح والإمداد في فيلق القدس، العميد رضا موسوي، في 25 ديسمبر، بمنطقة السيدة زينب في ضواحي دمشق. وقد قتلت، أيضًا، أربعة من كبار ضباط الحرس؛ بمن فيهم قائد استخبارات فيلق القدس في سورية، العميد صادق أوميد زادة، في استهداف آخر في منطقة المزة، في يناير 2024. وفي مطلع فبراير، قتلت إسرائيل المستشار في الحرس الثوري، سعيد علي دادي، في هجوم جنوب دمشق. ورغم ذلك فإن إيران تجنبت الرد مباشرة على إسرائيل إلى أن قصفت الأخيرة مبنى قنصليتها في دمشق. فلم يكن في إمكان إيران تجنب الرد كما الأمر يجري دائمًا، باعتبار أن الهجوم الإسرائيلي استهدف هذه المرة مبنى دبلوماسيًا تابعًا لها. وقد استندت إيران في ردها إلى موقف قانوني قوي، باعتبار أن إسرائيل خرقت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961) وقامت بمهاجمة قنصليتها في دمشق[4]. حيث قالت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة إن “العمل العسكري الإيراني، الذي تم تنفيذه استنادًا إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالدفاع المشروع، كان ردًا على عدوان النظام الصهيوني على مبانينا الدبلوماسية في دمشق، ويمكن اعتبار الأمر منتهيًا”[5]. فيما قال وزير الخارجية الإيران حسين أمير عبداللهيان، في اتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن بلاده كانت تستطيع تنفيذ عملية أوسع ضد إسرائيل، ولكنها لم تستهدف سوى المواقع العسكرية التي نفذت الهجوم ضد القنصلية الإيرانية في دمشق[6]. كما أن عملية “طوفان الأقصى” وما حققته من نجاحات، وما أظهرته من هشاشة في القوة الإسرائيلية جعلت الرد الإيراني يحدث بطريقة لم تكن متوقعة لو تم الاستهداف قبل 7 أكتوبر 2023، خاصة عند مقارنة هذا الرد مع الرد الإيراني على اغتيال الجنرال قاسم سليماني[7]. ناهيك عن أن إسرائيل لاتزال عالقة في حربها مع حركة حماس في قطاع غزة، ما شجع إيران علي ضربها بصورة مباشرة؛ لإدراكها عدم قدرة إسرائيل علي خوض معركة علي أكثر من جبهة، ورغبة الولايات المتحدة الأمريكية في عدم توسيع الصراع، وتصاعد حدة الخلافات الأمريكية- الإسرائيلية[8]. 2- رغبة النظام الإيراني في الحفاظ على صورته أمام الشارع الإيراني، والذي بدا مستاءً من تكرار ما وصفه بالانتهاكات الإسرائيلية بحق القادة العسكريين والمنشآت الاستراتيجية داخل إيران وخارجها. وجدير بالذكر احتشاد عشرات المتظاهرين بعد أيام من استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، تنديدًا بالحادث، ومطالبين بالانتقام.  يضاف إلى ذلك، أن الانتخابات البرلمانية في إيران، التي جرت في مطلع مارس 2024، قد كرست سيطرة “المحافظين الأصوليين”، الذين يتبنون سردية متشددة تجاه إسرائيل، وهو ما يضع النظام في موقف محرج؛ إذا لم يقم بالرد على قصف المقر الدبلوماسي في سوريا.  ومن جهة أخرى، فإن النظام الإيراني ربما لجأ إلى تصدير المشكلات الداخلية من خلال الانخراط في أزمات خارجية، وهو أمر تكرر في مرات سابقة، لعل أبرزها قصف مقرات في إقليم كردستان العراق وفي باكستان، بعد التفجيرين اللذين حدثا في محافظة كرمان في مطلع يناير 2024، وأسفرا عن مقتل نحو 100 شخص، وهو ما يمكن قياسه على الهجمات الإيرانية على إسرائيل بأنها قد تكون محاولة لاحتواء السخط الشعبي المتنامي من السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة الإيرانية الحالية[9]. 3- رغبة النظام الإيراني في الحفاظ على صورته أمام حلفائه الإقليميين، فعدم الرد الإيراني علي الهجوم الإسرائيلي علي القنصلية الإيرانية في سوريا كان سيساهم في تقويض صدقية النظام الإيراني أمام حلفائه المنخرطين في مواجهات ضد إسرائيل على امتداد المنطقة (الحوثيون، حزب الله، حماس…إلخ)[10]. خاصة وأنه قد تعالت الانتقادات حول تفاعل إيران العسكري مع معركة “طوفان الأقصى”، والذي اقتصر على تحريك أدواتها في اليمن ولبنان لمواجهة محدودة، دون أن يشمل أبدًا تدخلًا إيرانيًا مباشرًا[11]. وبالتالي، فإن الرد الإيراني على إسرائيل في خضم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يعتبر جزء من الصراع مع إسرائيل، مما يعد انخراطًا مباشرًا في الدفاع عن القضية الفلسطينية[12]. 4- رغبة إيران في تبييض وجهها في العالم العربي والإسلامي باعتبارها الدولة المناهضة لإسرائيل وأمريكا “قولًا وعملًا”، حيث تدرك إيران أن هذا الهجوم سيحظى بترحيب ودعم شعبي عربي وإسلامي  في ظل المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة؛ مما ينعكس بالإيجاب على قوتها الناعمة ومشاريعها في المنطقة[13]. وفي هذا السياق؛ فقد عنونت صحيفة “كيهان” الإيرانية، التابعة للمرشد الأعلى، في صفحتها الأولى بأن العملية الإيرانية “أعادت للإسلام مجده وعظمته”. بل أشارت بعض التحليلات إلى أن اختيار اليوم الذي شنت فيه الهجمات، ذو دلالة دينية، إذ إنه يوافق يوم الخامس من شوال، وهو ذات اليوم…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022