تقدير موقف.. «طوفان الأقصى» بين أهداف المقاومة ومآرب الاحتلال
بلا شك فإن الشق الأول من أهداف حركات المقاومة الفلسطينية من عملية “طوفان الأقصى” التي بدأتها فجر السبت 7 أكتوبر 2023م على مستوطنات غلاف غزة قد حقق أهدافه كاملة؛ فقد تداعت هيبة “إسرائيل” وجيشها، ولم يعد لمستوطنات غلاف غزة وجود فعلي؛ بعدما أجبرت الحرب جيش الاحتلال على إجلاء نحو 24 مستوطنة اقتحمتها عناصر المقاومة، كما ألحقت بالعدو خسائر فادحة في الأفراد والمعدات، فقتلت أكثر من “1300”، وأسرت نحو 130 من ضباط وجنود ومواطني الاحتلال الإسرائيلي، بخلاف الخسائر الاقتصادية الهائلة مع توقف الإنتاج وشلل كل مناحي الحياة في مدن وبلدات الاحتلال، وترهيب المستثمرين الذين تأكدوا من أن “إسرائيل” بيئة غير آمنة لأي استثمار؛ وبذلك عززت المقاومة مكانتها ورمزيتها كمسار وحيد لانتزاع الحقوق الفلسطينية وتحرير الأرض والمقدسات في ظل تحول مسار المفاوضات وحل الدولتين إلى مسار عبثي، وانتهاء الأمر بالسلطة الفلسطينية إلى حارس لحماية أمن الاحتلال بالتنسيق الأمني والتماهي مع مواقفه وسياساته. هذه المكاسب لا شك قد تحققت لكن يتبقى النصف الثاني وهو شديد الأهمية؛ لأنه يتعلق بإبطال تحركات العدو والتصدي لهجومه وغزوه البري المحتمل ومنعه من تحقيق أهدافه المعلنة؛ فذلك من شأنه أن يحول المكاسب التي تحققت إلى نصر عظيم وغير مسبوق، فما أهداف الاحتلال المعلنة؟ وهل يمكن أن تتحقق أم أن المقاومة قادرة على إفساد هذه الهجمات وإلحاق خسائر فادحة بالعدو في عدوانه البري والصمود رغم القصف والدمار الواسع؟ أهداف القصف العشوائي المكثف يستهدف جيش الاحتلال من القصف العشوائي المكثف ثلاثة أهداف: الأول، الانتقام من الإهانة التي لحقت بإسرائيل وجيشها ومخابراتها بعملية طوفان الأقصى. الثاني، تمهيد الوضع الميداني للغزو البري المحتمل. سيما بعد أن تم استدعاء نحو 360 ألفا من جنود الاحتياط في جيش الاحتلال. وقال المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، رون بن يشاي، “يواصل الجيش الإسرائيلي الاستعدادات لهجوم كبير، ويعمل بالتعاون مع جهاز الأمن العام (الشاباك) من خلال عدة قنوات، بما في ذلك الغارات الجوية المتزايدة بشكل كبير في غزة، بحيث يمكن تنفيذ الدخول البري بسرعة ودون دفع ثمن باهظ من الخسائر في صفوف قواتنا”. الثالث تدمير البنية التحتية المدنية في قطاع غزة لإجبار المواطنين (عددهم 2.3″ مليون نسمة) للنزوح القسري إلى سيناء بمصر، وهي المناطق الحدودية التي أفرغها نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي منذ 2014م بدعوى الحرب على الإرهاب. وفيما يبدو أنه كان جزءا من المخطط الذي تضمنته “صفقة القرن” الأمريكية، والذي يتم تنفيذه حاليا بالقوة العسكرية الغاشمة والقصف المكثف للأبراج السكنية والمنازل ومحطات المياه والكهرباء والمستشفيات والمدارس والطرق. أهداف الاحتلال المعلنة الهدف الأول، هو استرداد ما انكسر من هيبة إسرائيل وجيشها، وذلك لن يتحقق إلا بمحو حركة حماس والمقاومة من الوجود؛ وقد تكررت تصريحات المسئولين بحكومة الاحتلال حول ذلك، مهددين بأن حركة حماس سوف تمحى من على وجه الأرض، وأن غزة لن تعود أبدا كما كانت عليه سابقاً. وقال رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو: ” ليعتبر كل عضو في حماس نفسه هو في عداد الأموات”. وفي اجتماع حكومة الطوارئ (الأحد 15 أكتوبر)، توعد بتمزيق حماس”. ونقل تلفزيون «آي 24 نيوز» الإسرائيلي عن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قوله من عند حدود قطاع غزة، (الأحد 15 أكتوبر)، إن الحرب «ستغير الوضع إلى الأبد، وستقضي تماماً على (حماس)».[[1]] وتعهد هرتسي هاليفي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بـ “تفكيك” حماس، وخص بالذكر جسمها السياسي في غزة. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، جوناثان كونريكوس، إنه بحلول نهاية هذه الحرب، لن تكون لدى حماس القدرة العسكرية على “تهديد أو قتل المدنيين الإسرائيليين”. وكانت الهدف الرئيس من جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في بداية الأسبوع الثاني من الحرب والتي التقى خلالها نتنياهو وأمير قطر والعاهل الأردني ورئيس السلطة الفلسطينية ورئيس الانقلاب في مصر، هو إقناع هذه الدول بمخطط القضاء على المقاومة عبر تهجير أهالي غزة إلى مصر ولو مؤقتا لحين القضاء على حماس، وهو المخطط الذي قوبل بتحفظات في كل العواصم العربية التي تعتبر نزوح الغزيين نكبة جديدة. وقد طلب بلينكن من أبو مازن رئيس السلطة مواصلة ضمان الأمن والاستقرار في الضفة الغربية”. وأوضح بلينكن ذلك في المؤتمر الصحفي بالعاصمة القطرية الدوحة، مساء الجمعة 13 أكتوبر، : «لقد قمت بمحادثات جيدة مع رئيس السلطة الفلسطينية، والسلطة تتحرك وتتصرف بفاعلية من أجل التأكد من وجود استقرار أمني في الضفة الغربية، وهذا أمر نقدره، وعليهم أن يعملوا كما عملوا في الماضي مع الإسرائيليين من أجل هذه الغاية، بالتالي في كل هذه المجالات هذا محط تركيز، وألا يجري توسيع هذا الصراع». تحدث بلينكن إلى عباس صراحة أن الفلسطينيين لن يحصلوا على أي شيء من خلال المقاومة، وأنه سيصار إلى الحديث عن إنهاء الصراع عبر العودة لطاولة المفاوضات فقط، وذلك بعد إنهاء إسرائيل معركتها مع المقاومة في قطاع غزة. [[2]] الهدف الثاني هو إنقاذ ما لا يقل عن 150 من أسراه، محتجزين في أماكن مجهولة في أنحاء غزة. الهدف الثالث، هو إجبار أهالي غزة على النزوح إلى مصر عبر القصف المكثف وتدمير البنية التحتية؛ وبذلك تتخلص إسرائيل من غزة وتلقي بالمشكلة إلى دول الجوار وبالأخص مصر؛ وبالتالي تكون مهمة نظام السيسي أو النظام العسكري في مصر بشكل عام تجفيف منابع حماس بوصفها فرعا من فروع الإخوان المسلمين التي يعتبرها النظام المصري تنظيما إرهابيا منذ انقلاب يوليو 2013م. وخلال الأسبوع الأول من الحرب فقط نزح نحو 400 ألف من أهالي قطاع غزة من شماله إلى جنوبه بعدما تم تدمير منازلهم بشكل كامل، ويبلغ سكان القطاع نحو “2.3” مليون نسمة، يعيشون في نحو 370كم2، وهو من أكثر الأماكن كثافة سكانية على مستوى العالم، وقد ألقى جيش الاحتلال نحو “6” آلاف قنبلة على القطاع في الأسبوع الأول فقط، والتي تزن نحو “4” آلاف طن. حسب اعترافات جيش الاحتلال الخميس 12 أكتوبر. وحسب الخبير الدولي مارك غارلاسكو، في حديث مع صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، إن المتفجرات التي ألقتها إسرائيل على غزة توازي ما ألقته الولايات المتحدة الأميركية على أفغانستان خلال عام واحد “في منطقة أصغر بكثير وأكثر كثافة سكانية، حيث ستتضخم الأخطاء”. وأضاف نقلاً عن سجلات عسكرية أميركية، أن أكبر عدد من القنابل والذخائر الأخرى التي أسقطت خلال عام واحد في الحرب بأفغانستان بلغ ما يزيد قليلاً عن 7423 قنبلة. موضحا أن “خلال الحرب بكاملها في ليبيا، أفاد حلف (شمال الأطلسي) ناتو بإسقاط أكثر من 7600 قنبلة وصاروخ من الطائرات، وفقاً لقرير للأمم المتحدة”. وأكدت واشنطن بوست أنها تحققت من استخدام الجيش الإسرائيلي لقنابل الفوسفور الأبيض المحرم دوليا.[[3]] هل يمكن محو المقاومة؟ بالنسبة لمحو حماس والمقاومة من الوجود فإنه يبدو هدفا عصيا للأسباب الآتية: أولا، لأن الغزو البري لقطاع غزة ينطوي على خوض القتال من منزل إلى منزل في الأحياء السكنية، ويحمل مخاطر هائلة على المدنيين على جيش الاحتلال نفسه. ويستبعد…