تقدير موقف.. «طوفان الأقصى» بين أهداف المقاومة ومآرب الاحتلال

تقدير موقف.. «طوفان الأقصى» بين أهداف المقاومة ومآرب الاحتلال

بلا شك فإن الشق الأول من أهداف حركات المقاومة الفلسطينية من عملية “طوفان الأقصى” التي بدأتها فجر السبت 7 أكتوبر 2023م على مستوطنات غلاف غزة قد حقق أهدافه كاملة؛ فقد تداعت هيبة “إسرائيل” وجيشها، ولم يعد لمستوطنات غلاف غزة وجود فعلي؛ بعدما أجبرت الحرب جيش الاحتلال على إجلاء نحو 24 مستوطنة اقتحمتها عناصر المقاومة، كما ألحقت بالعدو خسائر فادحة في الأفراد والمعدات، فقتلت أكثر من “1300”، وأسرت نحو 130 من ضباط وجنود ومواطني الاحتلال الإسرائيلي، بخلاف الخسائر الاقتصادية الهائلة مع توقف الإنتاج وشلل كل مناحي الحياة في مدن وبلدات الاحتلال، وترهيب المستثمرين الذين تأكدوا من أن “إسرائيل” بيئة غير آمنة لأي استثمار؛ وبذلك عززت المقاومة مكانتها ورمزيتها كمسار وحيد لانتزاع الحقوق الفلسطينية وتحرير الأرض والمقدسات في ظل تحول مسار المفاوضات وحل الدولتين إلى مسار عبثي، وانتهاء الأمر بالسلطة الفلسطينية إلى حارس لحماية أمن الاحتلال بالتنسيق الأمني والتماهي مع مواقفه وسياساته. هذه المكاسب لا شك قد تحققت لكن يتبقى النصف الثاني وهو شديد الأهمية؛ لأنه يتعلق بإبطال تحركات العدو والتصدي لهجومه وغزوه البري المحتمل ومنعه من تحقيق أهدافه المعلنة؛ فذلك من شأنه أن يحول المكاسب التي تحققت إلى نصر عظيم وغير مسبوق، فما أهداف الاحتلال المعلنة؟ وهل يمكن أن تتحقق أم أن المقاومة قادرة على إفساد هذه الهجمات وإلحاق خسائر فادحة بالعدو في عدوانه البري والصمود رغم القصف والدمار الواسع؟ أهداف القصف العشوائي المكثف يستهدف جيش الاحتلال من القصف العشوائي المكثف ثلاثة أهداف: الأول، الانتقام من الإهانة التي لحقت بإسرائيل وجيشها ومخابراتها بعملية طوفان الأقصى. الثاني، تمهيد الوضع الميداني للغزو البري المحتمل. سيما بعد أن تم استدعاء نحو 360 ألفا من جنود الاحتياط في جيش الاحتلال. وقال المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، رون بن يشاي، “يواصل الجيش الإسرائيلي الاستعدادات لهجوم كبير، ويعمل بالتعاون مع جهاز الأمن العام (الشاباك) من خلال عدة قنوات، بما في ذلك الغارات الجوية المتزايدة بشكل كبير في غزة، بحيث يمكن تنفيذ الدخول البري بسرعة ودون دفع ثمن باهظ من الخسائر في صفوف قواتنا”. الثالث تدمير البنية التحتية المدنية في قطاع غزة لإجبار المواطنين (عددهم 2.3″ مليون نسمة) للنزوح القسري إلى سيناء بمصر، وهي المناطق الحدودية التي أفرغها نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي منذ 2014م بدعوى الحرب على الإرهاب. وفيما يبدو أنه كان جزءا من المخطط الذي تضمنته “صفقة القرن” الأمريكية، والذي يتم تنفيذه حاليا بالقوة العسكرية الغاشمة والقصف المكثف للأبراج السكنية والمنازل ومحطات المياه والكهرباء والمستشفيات والمدارس والطرق. أهداف الاحتلال المعلنة الهدف الأول، هو استرداد ما انكسر من هيبة إسرائيل وجيشها، وذلك لن يتحقق إلا بمحو حركة حماس والمقاومة من الوجود؛ وقد تكررت تصريحات المسئولين بحكومة الاحتلال حول ذلك، مهددين بأن حركة حماس سوف تمحى من على وجه الأرض، وأن غزة لن تعود أبدا كما كانت عليه سابقاً. وقال رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو: ” ليعتبر كل عضو في حماس نفسه هو في عداد الأموات”. وفي اجتماع حكومة الطوارئ (الأحد 15 أكتوبر)، توعد بتمزيق حماس”. ونقل تلفزيون «آي 24 نيوز» الإسرائيلي عن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قوله من عند حدود قطاع غزة، (الأحد 15 أكتوبر)، إن الحرب «ستغير الوضع إلى الأبد، وستقضي تماماً على (حماس)».[[1]] وتعهد هرتسي هاليفي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بـ “تفكيك” حماس، وخص بالذكر جسمها السياسي في غزة. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، جوناثان كونريكوس، إنه بحلول نهاية هذه الحرب، لن تكون لدى حماس القدرة العسكرية على “تهديد أو قتل المدنيين الإسرائيليين”. وكانت الهدف الرئيس من جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في بداية الأسبوع الثاني من الحرب والتي التقى خلالها نتنياهو وأمير قطر والعاهل الأردني ورئيس السلطة الفلسطينية ورئيس الانقلاب في مصر، هو إقناع هذه الدول بمخطط القضاء على المقاومة عبر تهجير أهالي غزة إلى مصر ولو مؤقتا لحين القضاء على حماس، وهو المخطط الذي قوبل بتحفظات في كل العواصم العربية التي تعتبر نزوح الغزيين نكبة جديدة. وقد طلب بلينكن من أبو مازن رئيس السلطة مواصلة ضمان الأمن والاستقرار في الضفة الغربية”. وأوضح بلينكن ذلك في المؤتمر الصحفي بالعاصمة القطرية الدوحة، مساء الجمعة 13 أكتوبر، : «لقد قمت بمحادثات جيدة مع رئيس السلطة الفلسطينية، والسلطة تتحرك وتتصرف بفاعلية من أجل التأكد من وجود استقرار أمني في الضفة الغربية، وهذا أمر نقدره، وعليهم أن يعملوا كما عملوا في الماضي مع الإسرائيليين من أجل هذه الغاية، بالتالي في كل هذه المجالات هذا محط تركيز، وألا يجري توسيع هذا الصراع». تحدث بلينكن إلى عباس صراحة أن الفلسطينيين لن يحصلوا على أي شيء من خلال المقاومة، وأنه سيصار إلى الحديث عن إنهاء الصراع عبر العودة لطاولة المفاوضات فقط، وذلك بعد إنهاء إسرائيل معركتها مع المقاومة في قطاع غزة. [[2]] الهدف الثاني هو إنقاذ ما لا يقل عن 150 من أسراه، محتجزين في أماكن مجهولة في أنحاء غزة. الهدف الثالث، هو إجبار أهالي غزة على النزوح إلى مصر عبر القصف المكثف وتدمير البنية التحتية؛ وبذلك تتخلص إسرائيل من غزة وتلقي بالمشكلة إلى دول الجوار وبالأخص مصر؛ وبالتالي تكون مهمة نظام السيسي أو النظام العسكري في مصر بشكل عام تجفيف منابع حماس بوصفها فرعا من فروع الإخوان المسلمين التي يعتبرها النظام المصري تنظيما إرهابيا منذ انقلاب يوليو 2013م. وخلال الأسبوع الأول من الحرب فقط نزح نحو 400 ألف من أهالي قطاع غزة من شماله إلى جنوبه بعدما تم تدمير منازلهم بشكل كامل، ويبلغ سكان القطاع نحو “2.3” مليون نسمة، يعيشون في نحو 370كم2، وهو من أكثر الأماكن كثافة سكانية على مستوى العالم، وقد ألقى جيش الاحتلال نحو “6” آلاف قنبلة على القطاع في الأسبوع الأول فقط، والتي تزن نحو “4” آلاف طن. حسب اعترافات جيش الاحتلال الخميس 12 أكتوبر. وحسب الخبير الدولي مارك غارلاسكو، في حديث مع صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، إن المتفجرات التي ألقتها إسرائيل على غزة توازي ما ألقته الولايات المتحدة الأميركية على أفغانستان خلال عام واحد “في منطقة أصغر بكثير وأكثر كثافة سكانية، حيث ستتضخم الأخطاء”. وأضاف نقلاً عن سجلات عسكرية أميركية، أن أكبر عدد من القنابل والذخائر الأخرى التي أسقطت خلال عام واحد في الحرب بأفغانستان بلغ ما يزيد قليلاً عن 7423 قنبلة. موضحا أن “خلال الحرب بكاملها في ليبيا، أفاد حلف (شمال الأطلسي) ناتو بإسقاط أكثر من 7600 قنبلة وصاروخ من الطائرات، وفقاً لقرير للأمم المتحدة”. وأكدت واشنطن بوست أنها تحققت من استخدام الجيش الإسرائيلي لقنابل الفوسفور  الأبيض المحرم دوليا.[[3]] هل يمكن محو المقاومة؟ بالنسبة لمحو حماس والمقاومة من الوجود فإنه يبدو هدفا عصيا للأسباب الآتية: أولا، لأن الغزو البري لقطاع غزة ينطوي على خوض القتال من منزل إلى منزل في الأحياء السكنية، ويحمل مخاطر هائلة على المدنيين على جيش الاحتلال نفسه. ويستبعد…

تابع القراءة
«طوفان الأقصى».. المكاسب المحققة والسيناريوهات المتوقعة

«طوفان الأقصى».. المكاسب المحققة والسيناريوهات المتوقعة

باغتت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي، جيش الاحتلال الإسرائيلي بهجوم مفاجئ فجر السبت 7 أكتوبر 2023م، حين أطلقت نحو 5 آلاف صاروخ خلال ساعات معدودة وهي الضربة غير المسبوقة على مدن وبلديات الاحتلال. ولكن المفاجأة الكبرى أن هذه الضربة الصاروخية مثلت غطاء للهجوم الرئيس وهو الهجوم البري عبر تسلسل آلاف المقاتلين برا وبحرا وجوا عبر مظلات أطلقت عليها المقاومة “الخفافيش الطائرة”، والهجوم المباغت على مستوطنات غلاف غزة، والسيطرة على مسافة تصل “40” كم  في عمق الأراضي المحتلة بطول الغلاف الحدودي بين غزة والاحتلال من الشمال والشرق. وكانت المفاجأة المدوية التي تمثلت في الاختفاء الكامل لجيش الاحتلال وأجهزته المخابراتية والأمنية التي توارت وتركت المستوطنين بلا حماية تذكر، فسيطرت حماس على كل الوحدات العسكرية والأمنية وقتلت اكثر من “1300”، وأسرت أعداد غير مسبوقة تصل إلى نحو 156 أسيرا حسب إحصائيات حكومة الاحتلال. في المقابل شن جيش الاحتلال الذي وجد نفسه في ورطة آلاف الهجمات الجوية العشوائية بالطائرات والصواريخ والتي استهدفت بالأساس أبراج وبيوت المدنيين والبنية التحتية من طرق ومدارس ومستشفيات كهدف انتقامي بحد ذاته بعد الإهانة الرهيبة التي تعرض لها الاحتلال. هذا الهجوم المباغت أصاب المجتمع الإسرائيلي وجميع حلفائه في الولايات المتحدة وأوروبا وحتى في بعض العواصم العربية أمام صدمة غير متوقعة، ووضعت حكومة اليمين الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو أمام ورطة غير مسبوقة. سقط في هذه الورطة أيضا جميع الحكومات الغربية الداعمة للاحتلال وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهي الدول التي أصدرت مساء الإثنين 9 أكتوبر بيانا خماسيا لدعم الاحتلال ووصف ما تقوم به فصائل المقاومة بالإرهاب منكرين حق الشعوب المحتلة في مقاومة الاحتلال؛ فكيف يؤيدون مقاومة أوكرانيا ضد الغزو الروسي في الوقت الذي يحرمون فيه الفلسطينيين من حقهم في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي؛ إنه النفاق بعينه وازدواجية المعايير لدى الحكومات الغربية التي  تحولت إلى «مسيح دجال»، لا ترى إلا بعين واحدة. كذلك وجدت السلطة الفلسطينية نفسها في مواجهة مع الشارع الفلسطيني؛ لأن وظيفة السلطة منذ اتفاق أوسلو 1993م هو حماية أمن الاحتلال وديمومة التنسيق الأمني ضد فصائل المقاومة، رغم تصريحات رئيس السلطة أبو مازن حول حماية الشعب الفلسطيني؛ فلسان السلطة مع المقاومة وقلبها مع الاحتلال؛ لأنها ترى أي مكسب للمقاومة هو خصم من رصيدها وشرعيتها المتآكلة أساسا، ولاحقا خرج أبو مازن  ليدعي أن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني بعدما مورست عليه ضغوط شديدة من أجل انتقاد المقاومة ووصفها بالإرهاب. أمام هذه المفاجأة المدوية، ما المكاسب التي حققتها المقاومة بهذه الضربة المباغتة؟ وما تأثير ذلك على تآكل هيبة جيش الاحتلال؟ وهل يمكن أن يؤثر ذلك على تآكل ما تبقى من تماسك المجتمع الإسرائيلي؟ وما السيناريوهات المتوقعة خلال الأيام والأسابيع القادمة؟ المكاسب المحققة تآكل هيبة جيش الاحتلال: أول المكاسب الإستراتيجية المحققة للمقاومة الفلسطينية هو تآكل هيبة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهذا أعظم المكاسب على الإطلاق؛ فالإسرائيليون فقدوا الثقة تماما في منظومتهم العسكرية والمخابراتية والأمنية على حد سواء، وباتوا مدركين أن جيشهم لم يكن بالصورة التي تخيلوها، وأنه عاجز عن حمايتهم، وأن هجمات المقاومة بعد طوفان الأقصى لن تتوقف، وأن مسألة تحرير فلسطين كلها باتت مسألة وقت، وأن إسرائيل تعرضت لهزيمة مذلة مهما كان عنفوان القصف الإسرائيلي على غزة، ومهما كان عدد الضحايا. وهو الأمر الذي أجمعت عليه الصحف العالمية والإسرائيلية؛ وكانت عناوين الصحف الإسرائيلية وحدها كفيلة بنقض تصريحات نتنياهو عن حرب شاملة، فقالت «معاريف»: «ما جرى أكثر من انهيار استخباراتي»، أما «يديعوت أحرونوت» فقد أكدت أن «هجوم حماس المباغت فشل للحكومة»، ووصفت «تايمز أوف إسرائيل» ما حدث بـ«الفشل الذريع». واعتبرت صحيفة أوبزرفر البريطانية التي تصدر كل يوم أحد عن مجموعة جارديان الإعلامية، أن الهجوم المفاجئ سيبقى ماثلا في الأذهان على أنه فشل استخباري لم يحدث على مر العصور، وقالت إن أجهزة المراقبة الإسرائيلية المتطورة تجعل مشاهد مقاتلي حماس وهم يجوسون خلال الشوارع أكثر إثارة للدهشة؛ لأن أجهزة المراقبة الإسرائيلية للمجتمع الفلسطيني متطورة للغاية ومنتشرة على نطاق واسع، حيث تُعد مراقبة أنشطة حماس تحديدا واحدة من أهم واجبات المؤسسة الأمنية. وتقر الصحيفة البريطانية أن حركة حماس باتت أكثر براعة في التكيف مع التحديات العسكرية التي تواجهها، وكثيرا ما تبذل قدرا من الجهد في تخطيطها، وفي تحديد مكامن الضعف الإسرائيلية. ولفتت إلى أن القائد السابق للبحرية الإسرائيلية، إيلي مارو، قال في بث تلفزيوني مباشر إن كل إسرائيل تتساءل: أين الجيش الإسرائيلي، وأين الشرطة والأمن؟”، واصفا ما حدث السبت بأنه “فشل ذريع”، ورأت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن إسرائيل “تعرضت للإذلال والهزيمة”.[[1]] ويقول الكاتب الإسرائيلي بصحيفة “هآرتس” حاييم ليفنسون، إن كل ما تفعله إسرائيل الآن “لا معنى له”، حتى لو نجحت في القبض على قائد كتائب القسام، محمد الضيف. وأضاف في مقال له بهآرتس، أن الخسارة تحققت مع الضربة الأولى المفاجئة، والباقي مجرد قصص تبقى أمام المؤرخين لتوثيق أحداثها. وفي نقد لاذع للأجهزة الأمنية، قال ليفنسون، إن الجيش الإسرائيلي أطلق على عملية الهجوم على غزة اسم “عملية السيوف الحديدية”، مبرزا أنها في الحقيقة عملية “تعرٍّ” أمام مقاتلي “حماس”، وشرح بأن الجيش وأجهزة المخابرات بمختلف تشكيلاتها ووسائلها التقنية والبشرية، عجزت عن توقع الهجوم وضبطه منذ اللحظات الأولى لانطلاقه. وينتهي إلى أن نجاح حماس يعدّ حدثا إستراتيجيا كبيرا، فقد انهار الشعور بالأمن داخل إسرائيل، ونقلت الحرب إلى الداخل الإسرائيلي، كما ظهر الجيش ومعه الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في وضع “عار”.[[2]] ويحظى هجوم المقاومة بكل الاحترام إذا علمنا أن الجيش الإسرائيلي هو المصنف رقم “18” عالميا وفق مؤشر”جلوبال فاير باور”، بينما تحتل المرتبة 12 بين الدول المصدرة للسلاح. ويبلغ الإنفاق العسكري السنوي في إسرائيل 16 مليار دولار، وتلقت دعما عسكريا أميركيا بقيمة 58 مليار دولار في الفترة ما بين 2000 و2021م. ويتألف جيش الاحتلال من 173 ألف جندي في الخدمة الفعلية، ونحو من 465 ألف جندي احتياط، ويبلغ تعداد المؤهلين للخدمة العسكرية نحو 1.7 مليون شخص.  وتمتلك إسرائيل 595 طائرة حربية متعددة المهام، بينها 241 طائرة مقاتلة و23 طائرة هجومية، إلى جانب 128 مروحية عسكرية، وطائرات لتنفيذ المهام الخاصة وأخرى للشحن العسكري. وتعد القوات الجوية الإسرائيلية من أكثر أسلحة الجو تقدما على مستوى العالم بفضل التكنولوجيا الفائقة التي تتمتع بها. ولدى إسرائيل 42 مطارا عسكريا في الخدمة. وتمتلك أسرابا من طائرات إف-35 وإف-16، وإف-15، وعددا هائلا من القنابل الذكية وأجهزة الاستشعار عن بعد، كما تمتلك إسرائيل سربا من الطائرات المسيرة الهجومية. ويبلغ تعداد القوات البرية الإسرائيلية 140 ألف جندي يزاولون الخدمة حاليا، وتمتلك هذه القوات 1650 دبابة، بينها 500 من فئة الميركافا التي تحتوي على نظام حماية نشط، يعترض الصواريخ المضادة للدبابات قبل وصولها، ولها القدرة على إطلاق النار على الأهداف المتحركة، وتوصف بأنها من ضمن الدبابات الأكثر…

تابع القراءة
هل تشهد مصر انتخابات رئاسية حقيقية؟!

هل تشهد مصر انتخابات رئاسية حقيقية؟!

     في 2014، كان هناك مرشحين على كرسي الرئاسة، هما الرئيس المصري الحالي، ومنافسه حمدين صباحي[1]، اليساري الناصري مؤسس حزب الكرامة والتيار الشعبي[2]. وفي انتخابات 2018، كان هناك أيضًا مرشحين فقط على كرسي الرئاسة، هما الرئيس المصري الحالي، ومنافسه رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى[3]. والملفت أن في كلا المرتين كانت نسبة الأصوات الباطلة أعلى من نسبة الأصوات التي يحصل عليه المرشح المنافس للسيسي[4]. فهل نشهد تكرار لهذا السيناريو في الانتخابات الرئاسية القادمة، أم نشهد انتخابات تنافسية حقيقية. تكرار سيناريو الانتخابات الرئاسية السابقة تجربة محفوفة بالمخاطر: يحتاج النظام الحاكم إلى انتخابات رئاسة حقيقية، تنافسية، تلتزم خلالها مؤسسات الدولة الحياد بين المرشحين، ويتعامل الإعلام بموضوعية وعدم تحيز، ويفرد بشكل عادل نفس المساحة أمام كل المتنافسين على المنصب ليكشفوا برامجهم ويطرحوا رؤاهم أمام الناس، ولا يخشى من قرر خوض المنافسة على المقعد من الملاحقات الأمنية على نفسه أو على مؤيديه، ويتحرك في الشارع بدون خوف أو تضييق أو تعنت. حيث يرى عمار على حسن أن التعديلات الدستورية التي أجريت في فبراير 2014، ومكنت الرئيس من البقاء في منصبه أكثر من فترتين رئاسيتين، أوحت للناس بأن الرئيس يريد البقاء في منصبه، كما أن تراجع شعبية الرئيس جراء تأزم الأوضاع الاقتصادية، وفتور الشارع حيال انتخابات الرئاسة ما يعني مشاركة شعبية ضعيفة؛ جراء اعتقاد كثيرين أن الانتخابات محسومة، كل هذه السياقات ستدفع النظام الحاكم للسماح بوجود “مرشح يأخذه الناس على محمل الجد”، حتى تكون انتخابات الرئاسة وسيلة لتجديد شرعية الرئيس وشعبيته. وهو ما يعني أن النظام المصري معنيًا بانتخابات الرئاسة طريقًا لتجديد شرعيته وشعبيته لدى المجتمع[5]. في نفس الاتجاه، جاء تعليق عمرو بدر، الذي أكد “أن مصر لا تحتمل انتخابات على غرار 2014 و 2018، فالظرف السياسي الذي جرت فيه الانتخابات السابقة تغير، والرهان على فرض نفس القواعد رغم عدم تشابه الظروف السياسية، والاقتصادية، هي مغامرة ليست مضمونة العواقب”؛ فالرئيس فقد جزء كبير من الظهير الشعبي الذي كان يسانده، ويدعم بقائه في السلطة، ومنسوب الغضب الشعبي من الأوضاع الاقتصادية وصل مستويات غير مسبوقة، كما أن الدعم الإقليمي والدولي للنظام المصري قد تراجع إلى حد بعيد، وهناك رغبة ملحة لدى الشارع في حدوث تغيير حقيقي في الوجوه والسياسات، ومع حصار كل القنوات الدستورية للتعبير والتنفيس عن الغضب؛ كل هذه العوامل تجعل من محاولة استنساخ تجربتي انتخابات 2014 و2018 في الانتخابات الرئاسية القادمة مسألة محفوفة بالمخاطر، بل لم تعد ممكنة[6].     بالتالي فالرأي الأول، الذي طرحه عمار علي حسن، يفترض أن تنظيم انتخابات حقيقية يعد ضروريًا لتجديد شرعية النظام وترميم شعبيته؛ فالنظام نفسه بحسب هذا الرأي يحتاج لتنظيم انتخابات رئاسية حقيقية. أما الرأي الثاني، الذي قدمه عمرو بدر، يتأسس على أن الانتخابات الرئاسية الحقيقية ضرورية للإبقاء على حالة الاستقرار الهش القائمة، وأن حدوث انتخابات غير مقنعة للناس قد يقود الوضع للانفجار، فالسياقات التي كانت قائمة في 2014 وفي 2018 قد تغيرت، وبالتالي لم يعد ممكنًا استنساخ تجربة الانتخابات التي شهدتها البلاد في هذه المواقيت، بل نحتاج إلى انتخابات تنافسية، تجدد أمال الناس في إمكانية حدوث تغيير في الوجوه الحاكمة، وفي السياسات المتبعة. خلجنة مصر.. عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمجتمع: ثمة تصور ثالث، يمكن أن نستخدمه في استكشاف رؤية النظام الحاكم للانتخابات الرئاسية، بحسب هذا التصور الذي يقدمه محمد نعيم[7]، فإن الطبقة الحاكمة في مصر مبهورة بالنموذج الخليجي/ دبي، ومن ثم تقوم بمحاولة لما أسماه كاتب المقالة “خلجنة مصر”، والخلجنة شكل من أشكال الحكم السياسي يقوم على توافر مصدر دخل ريعي، توزع السلطة عوائده بشكل أبوي، حيث تحصل المجموعة الحاكمة على حصة الأسد، ويحصل المواطنين وهم أقلية على ما يكفيهم ويشتري صمتهم على الحكم الاستبدادي القائم، مع توزيع ما بقي من فتات على العمالة الوافدة التي تشكل في كثير من الأحيان الأغلبية في هذه المجتمعات. وخلجنة مصر تعني أن يستمد الحكم شرعيته من نفسه لا من الشعب، وأن تصبح الدولة بأجهزتها وسلطاتها هي المواطنين بألف لام التعريف، بينما ينظر للمجتمع المصري والمصريين العاديين باعتبارهم هم العمالة الوافدة التي يلقى إليها بالفتات. وفق هذا النموذج فإن السلطة ليست في حاجة إلى انتخابات تجدد بها شعبيتها وشرعيتها، فالنظام يستمد شرعيته من نفسه، وليس في حاجة إلى شعبية. يرى الكاتب أن الخلجنة من الناحية الاقتصادية غير ممكنة في مصر؛ فهي لا تملك وفورات ريعية متراكمة، تضمن للنخبة الحاكمة “البهرجة والإبهار والاستهلاك”، وتوفر لرجال الدولة/المواطنين ما يكفيهم ويضمن ولائهم، ويبقى منه فتات يلقى للمجتمع المصري الذي ينظر إليه باعتباره عمالة وافدة ليس له حقوق. ومن الناحية الاجتماعية، فإن خلجنة مصر يعني استبعاد وإقصاء واستعباد معظم المصريين؛ وهو ما “سيعني تحميل أجهزة الشرطة والأمن مسؤولية قهر القطاع الأوسع من السكان الفقراء إلى حدود لا يمكن تصورها أو تخيلها (…) أمر يشبه وكأنك تحول أغلبية المصريين إلى أقلية سوداء في أمريكا”. بصرف النظر عن إمكانية استنساخ نموذج الاجتماع الخليجي في مصر، فإن تبني النظام الحاكم في القاهرة لهذا النموذج، ومحاولة ومحاكاته، يعني أن السلطة هنا لا تهتم حقيقة بتجديد شرعيتها عبر الانتخابات، ولا تعنى بترميم شعبيتها، إنما تنظم انتخابات صورية لمخادعة حلفائه في واشنطن وفي عواصم أوروبا، وفي حال أعرب الناس عن سخطهم وأظهروا رفضهم، تواجههم الأجهزة الأمنية بكل عنف؛ بما يضمن صمتهم، ويحقق “خلجنتهم”. ولعل ما يدعم مقولة أن النظام الحاكم غير مغرم بالانتخابات كأداة لتجديد الشرعية، ما ذكره مراقبون، من أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في أعقاب أحداث الثالث من يوليو 2013، كان يفكر -أو أن هناك من اقترح عليه- في عدم اللجوء إلى سيناريو الانتخابات في 2014، وإنما تولي الحكم دون انتخابات لمدة 10 سنوات، يثبت خلالها أركان الدولة التي اهتزت في أعقاب انتفاضة الشعب في يناير 2011، إلا أن مقترح “عشرية من الحكم الرشيد”، استبعد لأن السياق العالمي لم يسمح بتمريره[8]. ولعل ما يدعمه أيضًا، ما حدث من استبعاد وتنكيل بكل المرشحين الجادين خلال انتخابات 2018؛ فـ “سامي عنان” جرى استبعاده من اللجنة الوطنية للانتخابات؛ بحجة أنه “لا يزال محتفظا بصفته العسكرية”، التي تحول دون ممارسة الترشح والانتخاب، ثم تم استدعاؤه للتحقيق من جانب المؤسسة العسكرية، بل وتم سجنه لاحقًا. وأحمد شفيق الذي أعلن، في 29 نوفمبر 2017 اعتزامه الترشح لانتخابات الرئاسة، عاد وتراجع في 7 يناير 2018 عن قرار الترشح، بعد ضغوط من الإمارات حيث كان يقيم، ثم ترحيله إلى القاهرة ووضعه فيما يشبه إقامة جبرية بأحد فنادق القاهرة، بل وبحسب “نيويورك تايمز”، نقلًا عن أحد محاميه، فإن شفيق تعرض لضغوط شديدة من الحكومة المصرية، وصلت حد تهديده بالتحقيق في اتهامات سابقة بالفساد ضده. أما أحمد قنصوة، العقيد في الجيش، الذي أعلن في ديسمبر 2017 ترشحه للانتخابات الرئاسية، فقد صدر قرار بسجنه ست سنوات مع الشغل والنفاذ،…

تابع القراءة
النظام المصري وهوس التحكم الكامل في المجال العام.. الشواهد والدلالات

النظام المصري وهوس التحكم الكامل في المجال العام.. الشواهد والدلالات

شهدت الفترة الماضية عدد من المواقف والأحداث التي أوحت بوجود حالة من الارتباك يعيشها النظام المصري، منها: انتقاد الأكاديمي والإعلامي المصري معتز عبد الفتاح للنظام الحاكم في مصر، نقد جاء مبطنًا، وإن بدا واضحًا، من على منصة المشهد الإماراتية[1]. ومنها حديث محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح عن مرشح مفاجأة[2] خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، لا ينتمي إلى أي حزب سياسي، وأنه ذو خلفية عسكرية. فضلًا عن ارتفاع صوت شخصيات معارضة بنقد النظام القائم وسياساته؛ وهو ما دعا البعض للاعتقاد بأننا أمام حراك نخبوي يشبه حراك ما قبل يناير 2011[3]. جاء كل هذا في سياق يعاني فيه النظام المصري من وضع مأزوم سواء على الصعيد الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد، أو على صعيد تحالفاته الإقليمية والدولية، حيث تراجع حلفائه الإقليميين عن دعمه بشكل غير مشروط[4]، وفي ظل وجود استياء أمريكي من أوضاع حقوق الانسان المتردية في مصر[5]. وهو ما طمح معه البعض بأن ينعكس ذلك بالإيجاب على انتخابات الرئاسة القادمة؛ فيوسع من هامش الحرية ويحيي آمال الناس في التغيير. إلا أن الأيام الماضية شهدت أيضًا عدد من المؤشرات ينفي وجود حالة الارتباك تلك. بالتأكيد من غير المستبعد أن نقول إن النظام المصري يشعر بالضغط في ظل سياق غير مواتي، إلا أن من الراجح كذلك أن النظام يتعامل بوضوح وصرامة، خاصة على الصعيد الوطني، فأيدي النظام ليست مُهْتَزٌّة، وشهيته للسيطرة والتأميم والاخضاع لم تشبع أو تتراجع، وهو ما نستعرض مؤشراته وشواهده في هذه السطور، ثم نستكشف أبعاد ودلالاته. أولًا ملاحقة أقارب المعارضين وذويهم: استمرارً لسياسة ليست جديدة[6]، لا يزال الأمن المصري يلاحق ذوي وأقارب المعارضين السياسيين؛ فقد شهد الأسبوع الماضي احتجاز علاء الدين سعد العادلي، البالغ من العمر 59 عاما، أثناء وجوده في مطار القاهرة عائدًا من ألمانيا، التي يقيم بها بصفة دائمًا، فقط لأنه والد الناشطة السياسية فجر العادلي، وقد جرى اتهامه بـ “نشر أخبار كاذبة وانضمام إلى جماعة أسست على خلاف القانون”، وقد قررت نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات، وذلك رغم مطالبات السفارة الألمانية بالقاهرة بالإفراج عنه[7]. في السياق ذاته تم القبض على جمال زيادة، والد الصحفي أحمد جمال زيادة، وتم عرضه على نيابة أمن الدولة، التي وجهت له اتهامات بـ “إساءة استخدام وسائل التواصل، ونشر أخبار كاذبة، والانضمام لجماعة محظورة”، كما تم ضمه على القضية رقم 2064 لسنة 2023 أمن دولة عليا[8]. وقد اعتبر حقوقيون أن استمرار سياسة التنكيل بالمعارضين من خلال اعتقال ذويهم وأسرهم تعسفيًا، “يبرهن على غياب أي نية حقيقية لدى السلطات المصرية لتحسين حالة حقوق الإنسان في مصر، والإفراج عن كل السجناء السياسيين، ويؤكد عدم جدوى الحوار الوطني الذي انطلق في مايو الماضي[9]“. ثانيًا استمرار تكميم الأفواه رغم وعود الإصلاح: يواصل النظام الحاكم في مصر سياسة تكميم الأفواه، وخنق حرية التعبير، وانتهاك حرية الصحافة؛ في هذا السياق يمكن أن نرى واقعة احتجاز الصحفي كريم أسعد، جراء التغطية المتميزة التي قامت بها منصة “متصدقش” التي يعمل بها الصحفي لقضية الطائرة الخاصة التي خرجت من مصر واستوقفتها سلطات زامبيا بتهمة التهريب[10]. كما تعرضت المنصة نفسها لمحاولات اختراق، فيما تعرض فريقها في مصر لملاحقات أمنية[11]. سياسة تكميم الأفواه وخنق حرية الرأي لم تقتصر فقط على الصحفيين والإعلاميين، إنما تطال المواطنين أيضا؛ فقد ألقي القبض على المواطن أحمد محمد أحمد عبد الحميد (33 عام – عامل في شركة بلاستيك)، من مقر الشركة التي يعمل بها، في حوالى الساعة الثامنة صباحًا، يوم الخميس 3 أغسطس 2023، وذلك بسبب نشره فيديو ساخر عن انقطاع الكهرباء، على حسابه الشخصي موقع التواصل الاجتماعي “تيك توك”، وقد وجهت له نيابة أمن الدولة العليا اتهامات “الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار وبيانات كاذبة”، وأدرجته على ذمة القضية رقم ٣٩٢ لسنة ٢٠٢٣ حصر أمن دولة عليا[12]. ثالثًا ابتزاز قوى المجتمع المدني المستقلة والفاعلة: لم تتغير طريقة تعاطي النظام في مصر مع منظمات المجتمع المدني التي تبدي استقلالية في التعامل معه، وتواصل استنكارها الانتهاكات الحقوقية التي ترتكبها أجهزة الدولة؛ في هذا السياق نقرأ البيان الصادر عن وزارة العدل، الاثنين 22 أغسطس الجاري، عن أن التحقيقات في القضية المعروفة إعلاميا باسم “قضية لتمويل الأجنبي” قد انتهت، ومن بين 85 منظمة يشملها التحقيق، تم الانتهاء من التحقيق مع 75 منظمة منها، وصدرت لها أوامر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية (أوامر حفظ)”، وهو ما يعني “إلغاء كافة قرارات المنع من السفر، أو الوضع على قوائم ترقب الوصول، أو التحفظ على الأموال الصادرة في هذه التحقيقات”، أما المنظمات الـ 10 المتبقية، فبعضها على وشك “الانتهاء منها، والبعض الآخر جار التحقيق بشأنها”[13]. تسبب البيان في حالة من الاستياء بين عدد من النشطاء الحقوقيين؛ حيث لم يأت بجديد إنما كان تكرارًا لما جاء على لسان قاضي التحقيقات المستشار علي مختار، في أكتوبر 2021. فيمَا اعتبره مدراء ثلاث منظمات حقوقية “إشارة لعدم جدية السلطة في غلق القضية بالكامل”؛ فلا يزال هناك 10 منظمات على ذمة القضية رغم مرور 12 سنة على تحريكها[14]، ولم يحدد البيان حتى تاريخ البت في موقف المنظمات العشر المتبقية. فالغرض من البيان حسب حقوقيون “مخاطبة الخارج للإيحاء بوجود تحركات على الأرض في ملف منظمات المجتمع المدني على عكس الحقيقة”[15]. رابعًا القضاء حصان طروادة النظام: كذلك يستمر استخدام السلطة لمرفق القضاء في التنكيل بمعارضيها، وهو ما يمكن أن نلمسه في حالة المعارض المصري، ورئيس مجلس أمناء التيار الحر هشام قاسم، بعد صدور قرار بإحالته للمحاكمة بتهمة “سب وقذف” عضو لجنة العفو الرئاسي ووزير القوى العاملة الأسبق كمال أبو عيطة، و”الاعتداء بالقول على ضباط مباحث قسم السيدة زينب”[16]، ثم تم نقله إثر ذلك إلى سجن العاشر؛ ليبقى فيه حتى عرضه أمام المحكمة الاقتصادية يوم 2/9/2023[17]. كانت النيابة العامة قد أمرت بإخلاء سبيل “قاسم”، في تهمة سب وقذف “أبو عيطة”، بكفالة 5 آلاف جنيه على ذمة التحقيقات، غير أنه امتنع عن سداد الكفالة، ومن ثم تم ترحيله إلى قسم السيدة زينب ومنه إلى النيابة العامة، لتقرر إن كانت ستواصل حبسه لامتناعه عن دفع الكفالة[18]، إلا أن النيابة وجهت له اتهامًا جديدًا بالاعتداء بالقول على ضباط مباحث القسم –وهو ما نفاه “قاسم”، وقررت إثر ذلك حبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات[19]. وقد رأى حقوقيون أن حبس “قاسم” يظهر بوضوح نية السلطات في استهدافه بسبب نشاطه السياسي وممارسة حقه في التعبير عن الرأي[20]. فيما اعتبر مراقبون أن مسارعة النيابة في استدعاء هشام قاسم للتحقيق معه في تهمة السب والقذف، بينما تتعامل بتباطؤ كبير مع البلاغات الموجهة ضد مسئولين في الحكومة، يكشف إلى أي مدى باتت السلطة القضائية تابعة للحكومة، وفقدت كثير من استقلاليتها، خاصة بعد التعديلات الدستورية، وتعديلات أعطت للرئيس سلطة تعيين، رؤساء المحاكم، وتعيين المجلس الأعلى…

تابع القراءة
القمة الروسية الإفريقية: قراءة في الأهداف والنتائج والحضور المصري

القمة الروسية الإفريقية.. قراءة في الأهداف والنتائج والحضور المصري

انعقدت القمة الروسية الإفريقية الثانية في روسيا في مدينة سان بطرسبرج في الفترة من 27 إلى 28 يوليو 2023 تحت شعار “من أجل السلام والأمن والتنمية”، بعد أربع سنوات من القمة الأولى في سوتشي التي عُقدت في الفترة من 23 إلى 24 أكتوبر عام 2019. وجاءت القمة الجديدة لتهدف إلى تطوير العلاقات الثُّنائية ومتعددة الأطراف مع إفريقيا؛ كونها تُتيح المجال لإجراء تقييم شامل لطبيعة العلاقات ونقاط القوة والضعف فيها، بما يُسهم في وضع التصورات المطلوبة في تحقيق المنافع السياسية والاقتصادية للطرفين. وجاءت قمة سان بطرسبرج في ظروف مغايرة عن تلك التي عُقدت في مدينة سوتشي عام 2019؛ نتيجة لعدة عوامل؛ أهمها الحرب الروسية الأوكرانية وتبعاتها من أزمة الحبوب، وارتفاع أسعار الطاقة بسبب العقوبات المفروضة على صادرات النفط والغاز الروسية. فماذا كانت أهمية القمة في هذا التوقيت؟ وكيف يُمكن قراءة مُخرجاتها؟ وكيف يُمكن أن يؤثر التقارب المصري الروسي الذي برز خلال القمة على العلاقات المصرية مع المحور الغربي؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير.. أولًا: أهمية القمة الروسية الإفريقية وأهدافها.. شهدت العلاقات الروسية الإفريقية تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة؛ حيث يسعى الجانبان لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري، وفى سبيل ذلك أُبرمت العديد من العقود في مختلف المجالات مثل الطاقة والتعدين والبنية التحتية، فضلًا عن تقديم روسيا للدعم في مجالات التعليم والصحة والتكنولوجيا. وعلى المستوى السياسي يعمل الجانبان على تعزيز العلاقات الثنائية من خلال الدعم المُتبادل في المحافل الدولية، فضلًا عن الرؤى المُتقاربة في العديد من القضايا مثل توطيد التعاون في مكافحة الإرهاب. وقد وصل حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول الإفريقية إلى نحو 18 مليار دولار عام 2022، وقبل جائحة كورونا تجاوز حجم التبادل التجاري بين الجانبين الـ 20 مليار دولار عام 2018، وتُعد موسكو أكبر مُورّد للأسلحة إلى إفريقيا جنوب الصحراء، وتأتى بعدها الصين وفق إحصاءات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام حول صادرات الأسلحة عالميًا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.[1] 1. أهمية القمة لروسيا في هذا التوقيت: أعطت روسيا للقمة الإفريقية التي عُقدت خلال يومي 27 و28 يوليو 2023 بسان بطرسبرج أهمية كبيرة؛ في إطار سياسة روسيا نحو مواجهة محاولات فرض العزلة عليها من قِبل الولايات المتحدة والغرب؛ حيث مثَّلت القمة فرصة لإظهار أن موسكو لم يتم عزلها، ولديها شركاء على استعداد لتعميق تعاونهم مع الكرملين؛ إذ تنظر روسيا إلى القارة الإفريقية على اعتبار أنها أقل انتقادًا للغزو الروسي الأوكراني، وهو ما تُرجِم في الزيارات المتكررة التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى إفريقيا؛ حيث قُدِّر عدد الزيارات التي قام بها بـ 8 زيارات خارجية منذ مارس 2022، وهو ما يعكس أهمية إفريقيا بالنسبة للسياسة الخارجية الروسية. كما تسعى روسيا عبر هذه القمة إلى إثبات حضورها في إفريقيا؛ خاصةً في ظل الاهتمام الدولي بالقارة الإفريقية؛ حيث وضعت روسيا أجندة تشتمل على تنويع مجالات التعاون الروسي الإفريقي؛ عبر تحديد مسار التنمية على المدى الطويل؛ وذلك تأكيدًا على ما تمَّ التوصُّل إليه في المنتدى الاقتصادي لقمة سوتشي عام 2019. وكذلك فإن هذه القمة تأتي لتؤكد على مكانة روسيا بالنسبة للدول الإفريقية، وبخاصة في الوقت الذي شهدت فيه روسيا تمرُّد قائد قوات فاغنر يفغيني بريغوجين، الأمر الذي أعطى انطباعًا خارجيًّا مفاده أن روسيا بدأت تدخل في مستنقع المشكلات الداخلية التي ستنعكس على سياستها الخارجية، وبخاصة مصالحها في إفريقيا؛ إذ كانت فاغنر أحد أهم الأدوات التي اعتمدت عليها روسيا في إفريقيا. كما تُوفر القمة الروسية الإفريقية منصة لروسيا لرفع مستوى وضعها الجيوستراتيجي في إفريقيا.[2] 2. أهداف القمة: بناءً على ما سبق من سرد لأهمية تلك القمة للجانب الروسي؛ يُمكن القول بأن الأهداف الحقيقية لروسيا من خلال تلك القمة تتلخص في مجموعة من الأهداف: أولها؛ زيادة التبادل التجاري بين روسيا وإفريقيا، والسعي نحو مضاعفة حجم التبادل التجاري إلى 40 مليار دولار على مدى أربعة سنوات قادمة. وثانيها؛ ينطلق من ركائز السياسة الخارجية الروسية تجاه إفريقيا، والتي تنص على أن القارة يجب أن تَحلّ مشكلاتها على أساس هياكلها المالية والسياسية وأساليبها التي تتكيف مع الخصائص الاجتماعية والثقافية للقارة، وليس أن تظل رهينة للنظم الاستعمارية. وثالثها؛ حث الدول الإفريقية نحو عدم التصويت في الأمم المتحدة لإدانة روسيا؛ لدفع القادة الأفارقة للضغط على الحكومات الغربية لتخفيف القيود الاقتصادية المفروضة على روسيا. ورابعها؛ حشد الأصوات الإفريقية ضد قرار الإدانة الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الحرب في أوكرانيا. ويُمكن تفصيل ذلك كالتالي.. أ. المجال الاقتصادي: في ظل الظروف التي يشهدها العالم حاليًا؛ فإن الجميع يتجه نحو التكامل أو العلاقات التشاركية الاقتصادية. روسيا في هذا السياق تعتبر أن إفريقيا أصبحت بالنسبة لها ليست فقط امتدادًا استراتيجيًا ولكن امتداد اقتصادي، بحيث يعمل في القارة عدد كبير من الشركات الروسية، كما بلغ حجم التجارة البينية بين روسيا وإفريقيا في السنوات الأخيرة حوالي 20 مليار دولار سنويًا في المتوسط، وبلغت الاستثمارات المباشرة أكثر من 40 مليار دولار مع عدد من الدول الإفريقية، بخلاف المساعدات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، وكذلك إلغاء ديون بأكثر من 20 مليار دولار. وتبزغ مجموعة من الشركات الروسية البارزة العاملة في إفريقيا، والتي تنشط في قطاعات مختلفة، من بينها في قطاع التعدين مثل شركة ألروسا المختصة في الألماس، وفي مجال الطاقة مثل شركة لوك أويل، صاحبة النشاط البارز بالقارة، علاوةً على شركة روساتوم، التي تتولى مهمة إنشاء محطة نووية في مصر (محطة الضبعة). والتقارب على المستوى الاقتصادي بين روسيا ودول القارة الإفريقية حاليًا، له عديد من الدوافع الأساسية؛ أهمها: روسيا ترى أنها دولة عظمى اقتصاديًا وسياسيًا، ويتعين أن تؤمن لنفسها نطاق أعمال كبير. كما تبحث روسيا عن إنهاء هيمنة الدولار الأميركي، وهي بذلك تجد في العلاقات الثنائية التشاركية مع دول القارة كل على حدة، ومع الاتحاد الإفريقي عمومًا، فرصة لاستبدال الدولار (عملة البريكس). روسيا تجد أيضًا أن إفريقيا التي تعاني من أزمة نقص الغذاء وتعتمد في جزء كبير على استيراد الغذاء من روسيا، فرصة جيدة بالنسبة لها لإقامة علاقات قوية على الصعيد الاقتصادي. روسيا التي ربما تعاني مستقبلًا من صراع عالمي دولي كبير وبينما تواجه عقوبات اقتصادية، تجد في القارة بديلًا أو حلًا إيجابيًا. هذا بالإضافة إلى تواجد روسيا بشكلٍ قوي في القارة في قطاعات التعدين والتسليح.[3] كما تُقيم روسيا أيضًا شراكة مهمة في المجال الزراعي مع القارة الإفريقية وتُعتبر من الدول الأولى التي تُصدِّر القمح للقارة. لكن تجدر الإشارة إلى أن القمة الروسية الإفريقية تجري في وقت قررت فيه موسكو الانسحاب من الاتفاق الذي يسمح بتصدير القمح الأوكراني عبر البحر الأسود والذي تعتبره الأمم المتحدة مهمًا جدًا كونه يحافظ على التوازن في الأسعار ويمنع وقوع أزمة غذائية عالمية. وتُطالب روسيا الدول الغربية بتخفيف العقوبات المالية المُسلطة عليها والتي…

تابع القراءة
قمة البريكس في جنوب أفريقيا.. الملفات المطروحة والتحديات المتوقعة

قمة البريكس في جنوب أفريقيا.. الملفات المطروحة والتحديات المتوقعة

تعقد القمة الخامسة عشر لدول مجموعة البريكس خلال الفترة من 22 إلى 24 أغسطس الجاري (2023) في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا. ومن المتوقع أن تناقش هذه القمة مجموعة من القضايا الهامة؛ على رأسها موضوع “العملة الموحدة” البديلة للدولار الأمريكي، وانضمام “أعضاء جدد” للبريكس[1]. ومن بين الدول المرشحة للانضمام، تبرز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كل من “السعودية، ومصر، والإمارات، والجزائر، والبحرين، وإيران”[2]. وعليه تسعي هذه الورقة إلي توضيح أبرز الملفات المطروحة علي القمة، والتحديات التي قد تقابل أعضاء البريكس في التوافق حول هذه الملفات، ومدي إمكانية أن تنجح مجموعة البريكس في كسر الهيمنة الغربية علي النظام العالمي، فضلًا عن الوقوف علي أسباب اهتمام مصر بالانضمام إلى المجموعة. أولًا: سياقات انعقاد قمة البريكس في جنوب أفريقيا: يعتبر مصطلح “بريكس” (BRICS) اختصارًا يشير إلى الأحرف الأولى من أسماء البلدان هذه على التوالي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، الدول التي تعتبر صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي دول في مرحلة مماثلة من التنمية الاقتصادية المتقدمة حديثًا، وفي طريقها إلى أن تصبح دولًا متقدمة. وتعد مجموعة “بريكس” تكتلًا اقتصاديًّا عالميًّا، بدأ تأسيسه في سبتمبر 2006، حينما عقد أول اجتماع وزاري لوزراء خارجية “البرازيل، وروسيا، والهند، والصين”، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وفي عام 2008، عقد اجتماع بمدينة يكاترينبرغ الروسية، وفي يونيو 2009 عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة لهذه المجموعة (البرازيل وروسيا والهند والصين) في مدينة يكاترينبورغ، حيث تضمنت الإعلان عن تأسيس “نظام عالمي ثنائي القطبية”، يدعو إلى تمثيل أكبر للاقتصادات الناشئة الرئيسية على المسرح العالمي، ويقف ضد “هيمنة غير متكافئة للقوى الغربية على العالم”. واتفق رؤساء الدول الأربع على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية آنية، بما فيها التعاون في المجال المالي وحل المسألة الغذائية. انضمت دولة جنوب إفريقيا إلى المجموعة عام 2010، فأصبحت تسمى “بريكس” بدلًا من “بريك” سابقًا. ويقع مقر البريكس في مدينة شنغهاي الصينية[3]. وتسعي مجموعة البريكس بصفة عامة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، من أهمها؛ إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب لتحقيق التوازن الدولي، والابتعاد عن سيطرة الغرب الاقتصادية والسياسية؛ إذ يعتبر تكتل بريكس حلًّا بديلًا للعديد من الدول؛ من أجل الخروج من الهيمنة الغربية، وسيطرة مجموعة دول السبع الصناعية الكبرى على الاقتصاد العالمي، في إطار سعي الدول الأعضاء إلى إنشاء عملة موحدة، تحد من هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي، ورغبتهم في التعامل بالعملات المحلية[4]. وتتميز مجموعة البريكس بعناصر قوة كبيرة جعلت العديد من المراقبين يعتبرونها منافسًا قويًا وقادرًا علي إزاحة الهيمنة الغربية من قيادة النظام العالمي. حيث تشكل مساحة دول البريكس ربع مساحة اليابسة نحو 27%، وعدد سكانها يقارب 40% من سكان الأرض، وتمتلك 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتنتج أكثر من ثلث إنتاج الحبوب في العالم[5]، وتحتوي دول المجموعة علي 27,4% من إجمالي الاحتياطيات العالمية المؤكدة للغاز الطبيعي[6]. وتنتج المجموعة ما يقارب 40.2% من مصادر الطاقة العالمية، قد تتعزز بانضمام دول أخرى منتجة للغاز والنفط كالسعودية والإمارات وإيران والجزائر وفنزويلا. وتتحكم المجموعة في 50% من احتياطي الذهب والعملات. واقتصادات دول بريكس مكملة لبعضها (الغاز والنفط والمعادن والتكنولوجيا والكفاءات البشرية والثروات الزراعية والإمكانات العسكرية)[7]. وقد كشفت الأرقام الاقتصادية الأخيرة عن تفوق مجموعة البريكس لأول مرة علي دول مجموعة السبع الأكثر تقدمًا في العالم (أمريكا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، واليابان، وإيطاليا، وكندا)، بعد أن وصلت مساهمة “بريكس” إلى 31.5 بالمئة في الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7 بالمئة للقوى السبع الصناعية[8]. كما تعد المجموعة قوة عسكرية كبيرة، وخصوصًا أن الإنفاق العسكري لدولها بات يتجاوز 400 مليار دولار، ولديها نحو 11 مليون جندي، وتمتلك نحو 6500 قنبلة نووية، تمتلكها كل من روسيا والصين والهند[9]. وقد ساهمت عدة عوامل في اكتساب مجموعة البريكس اهتمامًا دوليًا متناميًا، خصوصًا في السنوات الخمس الأخيرة، على وقع ما يراه البعض تصدعًا في النظام الدولي القائم، وعدم توازن في نظام العلاقات الدولية ومؤسساته الخاضعة في مجملها للنفوذ الغربي. فأثناء جائحة كوفيد-19 بدءًا من عام 2020 وتبعاتها الاقتصادية على البلدان النامية وأزمة اللقاحات، اتضح للبلدان الفقيرة والنامية (بلدان الجنوب) أن الدول الغنية والمؤسسات العالمية المرتبطة بها لا تقوم بدورها كما ينبغي، مما هز الثقة في هذه المؤسسات والمنظومة التي أنتجتها. وفي ظل تداعيات الحرب الراهنة في أوكرانيا، منحت مؤسسات الإقراض الدولية عشرات مليارات الدولارات لكييف في وقت رزحت فيه الكثير من دول الجنوب تحت أزمات اقتصادية طاحنة ومشاكل تضخم وديون غير مسبوقة، ولم تحظ باهتمام الدول الغربية أو مؤسساتها المالية رغم وصول بعضها إلى حافة الإفلاس. وفي هذا السياق، تفيد بيانات معهد كيل للاقتصاد العالمي وبنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي بأنه منذ التدخل الروسي في أوكرانيا في 24 فبراير 2022 وحتى 15 يناير 2023، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 78 مليار دولار تبرعات لكييف، بينها 46 مليار دولار مساعدات عسكرية، في حين منحت مؤسسات الاتحاد الأوروبي أكثر من 37 مليار دولار لأوكرانيا، وقدمت بلدان الاتحاد الأوروبي مجتمعة نحو 40 مليار دولار. من جهته، أعلن البنك الدولي في فبراير 2023 منح أوكرانيا مساعدات إضافية بقيمة 2.5 مليار دولار، وخلال عام واحد منح البنك لكييف خط ائتمان في شكل قروض وهبات بنحو 20.6 مليار دولار، صرف منها 18.5 مليار دولار. وقدم صندوق النقد الدولي نحو 5 مليارات دولار لأوكرانيا منذ الغزو الروسي، وفي أبريل 2023 وافق على حزمة تمويل جديدة مدتها 4 سنوات بقيمة 15.6 مليار دولار، وهي المرة الأولى التي يمنح فيها الصندوق قرضًا لدولة في حالة حرب. وللمقارنة، بلغ إجمالي قروض الصندوق المقدمة لكل من مصر والمغرب وتونس والعراق والأردن واليمن وموريتانيا خلال السنوات العشر الماضية نحو 54.39 مليار دولار، وفق تقرير لوكالة الأناضول. وعلى عكس الحالة الأوكرانية، تفرض المؤسسات المالية الدولية شروط إقراض بالغة الصعوبة على دول تعيش أوضاعًا اقتصادية صعبة مثل سريلانكا وباكستان وبنغلاديش ومصر، وتستمر المفاوضات لسنوات مقابل مبالغ أقل بكثير، كما يتلكأ الصندوق في منح قروض لتونس ولبنان لعدم تطبيق شروطه، في حين تعطل القرض الذي أقره للسودان. وغالبًا ما يفرض صندوق النقد الدولي وصفات موجعة تشمل رفع الدعم عن المواد الأساسية، وخصخصة الشركات الحكومية، وإقرار زيادات ضريبية، وضبط الأجور وخفض التشغيل في القطاع العام وتعويم العملة المحلية، ولا تنجح هذه الوصفات غالبًا في إنقاذ تلك البلدان[10]. وفي ظل التوترات العالمية الحالية بين الجبهة الشرقية والغربية جراء العديد من الملفات، وتضم، على وجه الخصوص، الصين وروسيا وحلفائهما في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها. وتضم هذه التوترات الحرب الروسية الأوكرانية من ناحية، والتوترات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من جانب آخر. يضاف إلى ذلك التوترات الاقتصادية في الأسواق العالمية، جراء العقوبات الغربية على روسيا، والحرب التجارية والتكنولوجية بين واشنطن وبكين، ومساعي عدد من الدول إلى استبدال الدولار في المعاملات التجارية الثنائية والجماعية[11]. وهو…

تابع القراءة
أهداف ودوافع القمة الثلاثية المصرية- الأردنية- الفلسطينية في مدينة العلمين

أهداف ودوافع القمة الثلاثية المصرية- الأردنية- الفلسطينية في مدينة العلمين

استضافت مدينة العلمين المصرية، في 14 أغسطس الحالي، قمة ثلاثية بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين؛ لبحث مستجدات القضية الفلسطينية في ضوء التطورات الاقليمية والدولية المرتبطة بها[1]. وتسعي هذه الورقة إلي محاولة الوقوف علي الأهداف والدوافع التي تقف خلف انعقاد هذه القمة الثلاثية، والتي تتمثل فيما يلي: 1- دعم السلطة الفلسطينية: لعل أبرز مظهر من مظاهر ضعف السلطة الفلسطينية في المرحلة الحالية هي الأزمة المالية التي تعاني منها منذ شهر نوفمبر 2021، إذ بدأت السلطة الفلسطينية بصرف رواتب منقوصة لموظفيها بنسبة 80% بشكل عام، غير أن هذه الأزمة ليست منفصلة عما قبلها؛ فالسلطة الفلسطينية تعيش أزمات متعاقبة منذ عام 2019 على خلفية قرار حكومة الاحتلال اقتطاع مبلغ من أموال المقاصة يوازي ما تدفعه السلطة الفلسطينية لعوائل الأسرى والشهداء، وحسب بيانات الحكومة الفلسطينية يصل حجم الاقتطاع من أموال المقاصة، تحت بنود مختلفة، إلى أكثر من مليار دولار سنويًا. كما يقف خلف هذه الأزمة المستمرة بشكل أساسي تحكم إسرائيل بعوائد الضرائب الفلسطينية واستخدامها لفرض العقوبات على السلطة الفلسطينية. وبجانب ذلك، فهناك تدني نسبة المساعدات الخارجية الغربية والعربية لميزانية السلطة الفلسطينية، وهي في تراجع مستمر. إلى ذلك، فالسبب الأعمق للأزمات المالية والاقتصادية التي تعاني منها السلطة والشعب الفلسطيني هو تدمير الاحتلال للاقتصاد الفلسطيني، وحرمانه من موارده نتيجة الاستيطان والسيطرة الفعلية على معظم الضفة الغربية، فحسب تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) بلغت خسائر فلسطين نحو 50 مليار دولار بين عامي 2000 و2020 بسبب الاستيطان وتقيد التنمية الاقتصادية في مختلف المناطق الفلسطينية. بعيدًا عن الوضع المالي للسلطة الفلسطينية وأزمة الاقتصاد الفلسطيني العميقة، فإن موطن الضعف الأهم الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية يأتي من القتل الإسرائيلي لأي إمكانية لتطبيق حل الدولتين، فقد نشأت السلطة الفلسطينية على أنها مؤسسة انتقالية لحين التوصل إلى تسوية شاملة ضمن حل الدولتين، تتحول بموجبها السلطة إلى دولة ذات سيادة كاملة على حدود الرابع من يونيو 1967، حيث انهار هذا الطرح مع توقف المفاوضات مع الاحتلال نهائيًا منذ عام 2014. وقد عمل الاحتلال طوال السنوات الماضية، سواء في ظل التزامه بالمفاوضات أو بعد توقفه عنها، على إحداث تغييرات جوهرية على الأرض، خلقت واقعًا جديدًا بات من شبه المستحيل في ظله التوصل لأي تسوية سياسية، فالاستيطان قد ابتلع الضفة الغربية التي أغرقت بالمستوطنين، وتحولت إلى معازل منفصلة عن بعضها بالاستيطان والبنية التحتية الاستيطانية والحواجز العسكرية، كما أن الاحتلال عزز سيطرته على مناطق (ب) و (ج)، وحصر السلطة الفلسطينية في مناطق (أ)، كما لا يتوقف الاحتلال عن اقتحام مناطق (أ)، التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، وهذا ما يعني حرمان السلطة من أي سيطرة فعلية على الأرض، حتى ضمن المناطق الضيقة التي تركها لها الاحتلال[2]. وتواجه السلطة الفلسطينية اليوم الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفًا، والأكثر إيمانًا بضرورة تجريد الفلسطينيين من أي كيان سياسي سيادي على الأراضي التي تعتبرها إسرائيل ضمن حدودها الجغرافية. بل تعمل هذه الحكومة جاهدة لمحو أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية، فبعد نجاح نتنياهو في تشكيل حكومته، شرعت في الإعلان عن خطط استيطانية تشمل بناء آلاف الوحدات الاستيطانية، وإعادة شرعنة بعض المستوطنات التي تم الانسحاب منها بعد انتفاضة الأقصى عام 2000. يأتي هذا مصحوبًا بعجرفة إسرائيلية واستباحة لمناطق السلطة الفلسطينية، وارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين، كالمجزرة الأخيرة في يناير 2023 في مخيم جنين، والتي راح ضحيتها تسعة شهداء فلسطينيين، والاجتياح لذات المخيم في شهر يوليو 2023 أيضًا، والذي تسبب في استشهاد ما يقارب العشرة من المواطنين الفلسطينيين، وتدمير البنية التحتية والعديد من المنازل في المخيم. وبحسب تقارير إعلامية وتصريحات رسمية فلسطينية وإسرائيلية، فقد يتسبب كل ذلك في إمكانية بل وحتمية انهيار السلطة الفلسطينية[3]. وفي ضوء ذلك، فقد تصاعدت الأحاديث مؤخرًا عن ضرورة تقديم دعم مالي وسياسي للسلطة الفلسطينية لمنع انهيارها. وفي هذا السياق؛ فقد أشار تقرير صحيفة “يديعوت أحرنوت” في عددها الصادر في 9 أغسطس الحالي إلي مجمل التسهيلات للسلطة الفلسطينية التي تجمع عليها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية؛ وذلك انطلاقًا من أن تعزيز السلطة يعود بالنتائج الإيجابية على الأمن وتعزيز الاستقرار والهدوء وسحب فتيل التوتر المتصاعد في الآونة الأخيرة في المناطق الفلسطينية، خاصة وأن ضعف السلطة الفلسطينية، أوجد فراغًا في الضفة الغربية سارعت حركتي حماس والجهاد الإسلامي لملئه بالسلاح والمتفجرات. علاوة على ذلك فإن تسهيلات كهذه من شأنها أن تصب في نهاية المطاف في الجهود الامريكية والإسرائيلية الرامية إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، في الوقت الذي تشترط السعودية تقديم تسهيلات ملموسة للفلسطينيين قبل الدخول في مفاوضات تطبيع العلاقات بين البلدين. ووفقًا لتقرير الصحيفة، فالأجهزة الأمنية الإسرائيلية ترى أن على الحكومة أن تصادق على عدة تسهيلات للفلسطينيين منها: – الإفراج عن عدد من الأسرى الأمنيين الفلسطينيين ممن لم “تتلطخ أيديهم بدماء إسرائيليين”، وكذلك لا ينتمون لتنظيمات مسلحة، ولا سيما كبار السن منهم وأولئك الذين شارفت محكومياتهم على الانتهاء. – تقليل إغلاق المعابر بين الضفة الغربية وإسرائيل قدر الإمكان والسماح بدخول وخروج الشاحنات المحملة بالبضائع من إسرائيل إلى مناطق السلطة الفلسطينية والعودة، وغيرها من الإجراءات التخفيفية. – مواصلة السماح للفلسطينيين باستخدام مطار “رامون” في الجنوب للسفر إلى الخارج، والتي بدأت الصيف الماضي. – الحد من الاجتياحات الإسرائيلية للمناطق المصنفة “أ” بالضفة الغربية والتي تقع تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة، وإتاحة الفرصة لأجهزة الأمن الفلسطينية للقيام بدور السلطة التي تدير شؤون مناطق “أ”. – وقف هدم المنازل وتقييد البناء الفلسطيني في المنطقة “ج” التي تشكل 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية. – لجم الاعمال العدائية التي يقوم بها المستوطنون كالتي وقعت في بلدة حوارة وكذلك في بلدة ترمسعيا وغيرهما من أعمال حرق لمركبات وممتلكات فلسطينية. – تطوير حقل غاز مارين قبالة سواحل غزة بالتعاون مع مصر. ولكن هذه التسهيلات المذكورة تواجه معارضة الأطراف المتشددة في الائتلاف الحكومي مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ومن المحتمل ألا تتم المصادقة عليها جميعًا. ولكن أعضاء الحكومة يدركون جيدًا أن الإدارة الأمريكية في انتظار الإجراءات الإسرائيلية التي من شأنها المساهمة في دفع عملية تطبيع العلاقات بين العربية السعودية و”إسرائيل”، ولهذا فمن المحتمل أن تتم الموافقة على قسم كبير منها، خاصة وأن هذه التسهيلات تأتي بدعم من وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي[4]. وعليه، فمن المتوقع أن تكون هذه القمة قد ناقشت الخطوات الفعلية لتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي للسلطة الفلسطينية، والمقابل الذي قد تقدمه السلطة نظير ذلك. حيث يشترط الاحتلال على السلطة الفلسطينية حتى ينفذ هذه التسهيلات، أن توقف نشاطها السياسي والقانوني ضد إسرائيل في الساحة الدولية، والامتناع عن التحريض في منظومتها الإعلامية والتعليمية، والتوقف عن دفع الرواتب لعوائل الأسرى والشهداء، ووقف البناء الفلسطيني في مناطق (ج)، وهي الشروط التي…

تابع القراءة
الموقف الليبي من انقلاب النيجر.. المحددات والأبعاد

الموقف الليبي من انقلاب النيجر.. المحددات والأبعاد

قام عناصر من الحرس الرئاسي في النيجر بانقلاب عسكري علي الرئيس المنتخب محمد بازوم، في 26 يوليو 2023، وتعيين رئيس الحرس عبد الرحمن تشياني قائدًا جديدًا للبلاد. وقد حظي هذا الانقلاب بدعم قيادة الجيش في اليوم التالي. هذه الأحداث بدورها أثارت ردود فعل دولية، جاء أبرزها من باريس وواشنطن. ويلمح بعض الخبراء إلى احتمال تدخل كل من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية بشكل مباشر في الصراع لدعم بازوم في مواجهة الانقلابيين المدعومين من روسيا. على الصعيد الإقليمي، جاء رد الفعل الأبرز من نيجيريا، الجارة الجنوبية للنيجر، والتي تشترك معها في العديد من الروابط التاريخية والعرقية واللغوية، إذ يتزعم الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو، الجهود الرامية إلى إجهاض التحرك في النيجر. وقد أمهلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، خلال القمة الطارئة التي عقدت في العاصمة النيجيرية أبوجا في 30 يوليو الفائت؛ قادة الانقلاب العسكري أسبوعًا واحدًا لإعادة بازوم إلى السلطة، وإلا فرضت عليهم عقوبات، فضلًا عن التلويح بالتدخل العسكري لإنهاء الانقلاب. لكن دولًا مثل مالي وبوركينا فاسو تحفظتا على مقترح التدخل العسكري، ما عرضهما للعقوبات الفرنسية وتعليق المساعدات. فيما أعلنت دول مثل نيجيريا وساحل العاج والسنغال وبنين، استعدادها لإرسال قوات إلى النيجر في حال قررت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) القيام بذلك، وخصوصًا أن المهلة التي تم منحها لقادة الجيش للتراجع عن انقلابهم انقضت. بالنظر إلى حالة الاضطراب الضخمة الحاصلة في النيجر، لا شك في أن ليبيا سيطالها جانب من شظايا الرصاص المتطاير هنا وهناك، وخصوصًا أنها كانت تعاني لشهور مضت لتجنب الآثار السلبية للحرب الدائرة في السودان بين البرهان ومعاونه السابق حميدتي، وهي الحرب التي ألقت بظلالها القاتمة على مختلف دول المنطقة، وتسببت بحالة اضطراب إقليمي لم يكن أحد ينتظرها أو يطمح إليها، وخصوصًا في هذه المرحلة الصعبة التي يعيشها العالم من جراء الحرب في أوكرانيا[1]. وقد دعت التداعيات المباشرة التي يمكن أن يفرضها الانقلاب على الوضع في ليبيا، المسئولين الليبيين إلى المسارعة بإبداء مواقف منددة به، على غرار رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، الذي ندد بالعملية العسكرية التي تهدف إلى تغيير غير دستوري للنظام في النيجر، واصفًا إياها بأنها عملية خارجة عن القانون والشرعية، داعيًا المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، لتأمين سلامة الرئيس محمد بازوم وأسرته ورئيس وأعضاء الحكومة. بدوره، أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، أن “التحركات العسكرية في النيجر تشكل مصدر قلق للدول المجاورة، وأنه لا بد من وضع حد فوري لهذه التحركات العسكرية التي تقوض أمن المنطقة واستقرارها، وتشكل مصدر قلق لجميع البلدان المجاورة والمجتمع الدولي ككل”. فيما لم يصدر أي تصريح حتى الآن من قبل اللواء الليبي، خليفة حفتر، حول ما حدث في دولة النيجر، إلا أن بعض قواته، وهي كتيبة “طارق بن زياد”، تحركت إلى الحدود الجنوبية بعد هذه الأحداث دون تعليق رسمي من حفتر[2]. وكان الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو قد أرسل مبعوثين إلى ليبيا والجزائر منذ أيام لبحث أزمة النيجر، وضمان تحقيق حل نهائي وسلمي للأوضاع في البلاد بعد إطاحة الجيش الرئيس محمد بوزوم[3]. ويمكن القول أن أحداث النيجر ربما تنتج تأثيرات سلبية على الداخل الليبي، ومنطقة الجنوب بشكل خاص، تتمثل أهمها فيما يلي: 1– تزايد معدلات النزوح والهجرة غير الشرعية:  تعاني ليبيا في الأساس من أزمة الهجرة غير الشرعية، وقد تفاقمت حدتها خلال الفترة الماضية، بسبب تحولها إلى نقطة عبور للاجئين والمهاجرين غير الشرعيين إلى دول جنوب المتوسط[4]. ومن المتوقع أن يتسبب انقلاب النيجر بلجوء العديد من مواطني النيجر البالغ عددهم نحو 24 مليون نسمة إلى ليبيا، ما يضيف مزيدًا من الأعباء الاقتصادية على الدولة الليبية[5]. ومن دون شك، فإن هذا الاحتمال سوف تتزايد مؤشرات حدوثه في حالة اتجاه دول “إيكواس” إلى التدخل عسكريًا في النيجر، على نحو سوف يدفع الآلاف إلى محاولة النزوح من مناطق الصراع إلى مناطق أخرى في الداخل، واللجوء إلى دول الجوار، ومنها ليبيا، وربما الانتقال منها إلى بعض الدول الأوروبية[6]. لا سيما في ظل طول الخط الحدودي بين ليبيا والنيجر الذي يبلغ حوالي 342 كيلو متر، وهي حدود طويلة، لا تملك ليبيا الإمكانات الكافية لحمايتها، بما يشكل عبئًا عليها، وعلى جنوبها بشكل خاص. ناهيك عن نشاط العديد من جماعات تهريب البشر والجريمة المنظمة من تجارة المخدرات والسلاح عبر هذه الحدود[7]. 2- تمدد نشاط الجماعات والتنظيمات الإرهابية: ربما تحاول التنظيمات الإرهابية، لا سيما تنظيم “القاعدة” و”داعش”، استغلال الاضطرابات الأمنية التي سوف تشهدها النيجر من أجل توسيع نطاق نشاطها داخل الأخيرة، وتحويلها إلى نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات في دول الجوار، خاصة في ظل الحدود السائلة بين هذه الدول، خاصة بين النيجر وكل من مالي وبوركينافاسو وتشاد، إلى جانب ليبيا[8]. جدير بالذكر هنا، أنه تم القضاء على إمارة “داعش” في سرت نهاية 2016، وفروا إلى دول الساحل. وتمثل النيجر نقطة عبور رئيسية للعناصر الإرهابية بين معاقلها الرئيسية في العراق وسوريا وبين معاقلها الجديدة في نيجيريا وحوض بحيرة تشاد[9]. 3- عودة الصراع العسكري داخل ليبيا: فليبيا سبق لها وأن جربت عدم الاستقرار في النيجر، خلال السنوات الأخيرة، إذ عانت من مشاركة مجموعات مسلحة من النيجر في القتال لصالح هذا الطرف أو ذاك. فبسبب الوضع الاقتصادي في النيجر، يسهل على أطراف الصراع في ليبيا تجنيد مرتزقة للقتال في صفوفهم، أو على الأقل لحماية حقول النفط والمراكز الحيوية في المناطق النائية خاصة بالجنوب. وفي ظل أن الرئيس محمد بازوم، ينحدر من قبيلة أولاد سليمان الليبية، التي يمتد انتشارها من بلدة هراوة على البحر الأبيض المتوسط (قريبة من مدينة سرت الليبية) إلى غاية النيجر وتشاد جنوبًا[10]. فمن المتوقع أن تستغل القبائل النيجرية الموالية لبازوم جذورها للتوجه نحو الجنوب الليبي، وتحديدًا نحو قبيلة أولاد سليمان المنحدر منها، وإقامة تحالفات عسكرية معها ليتحول إلى حاضنة لبقايا النظام المنقلب عليه، وستبحث بدورها عن موارد تمويل لها حتى تستمر في الوجود. حيث ستحاول القبائل التمركز قرب المواقع الحيوية، بخاصة منها النفطية، التي توجد بالقرب منها معسكرات تابعة لعناصر “فاغنر” الروسية، والتي لن تسكت عن ذلك بدورها. كما أن ذلك سيثير حفيظة قبيلة التبو التي خاضت عدة معارك ضد قبيلة أولاد سليمان في الجنوب. وبالتالي، ستندلع معارك فرض وجود على حافة المواقع النفطية التي تضم حقل الشرارة أكبر الحقول النفطية من الناحية الإنتاجية، حيث يسهم بنسبة الثلث في الإنتاج الوطني من النفط. ومما يزيد الأوضاع سوءًا، بخاصة في الجنوب الليبي، تبعات حرب السودان، إذ أن انهيار قوات “الدعم السريع” أمام ضربات الجيش السوداني، سيكون له انعكاسات على هذا الإقليم المضطرب، ويرفع من احتمالية انتشار ميليشيات الجنجويد خارج السودان، وبخاصة في ليبيا، وهو ما يسهم في الفوضي بالجنوب الليبي[11]. ناهيك عن أن نجاح انقلاب النيجر، يعني أن الأنظمة المنتخبة في دول الساحل تتساقط…

تابع القراءة
انتخاب رئيس جديد للمجلس الأعلي للدولة الليبي.. الدلالات والتداعيات

انتخاب رئيس جديد للمجلس الأعلي للدولة الليبي.. الدلالات والتداعيات

عقد المجلس الأعلى للدولة جلسة رسمية، في 6 أغسطس 2023، بمقره بالعاصمة طرابلس، لانتخاب مكتب رئاسة المجلس، حيث تنافس على منصب رئيس المجلس أربعة مترشحين هم، خالد المشري، وناجي مختار، ومحمد تكالة، ونعيمة الحامي. وقد شارك 130 عضوًا في جلسة التصويت، وحصل المشري في الجولة الأولى من التصويت على 49 صوتًا، ومحمد تكالة على 39 صوتًا، وناجي مختار على 36 صوتًا، ونعيمة الحامي على 4 أصوات. وفي الجولة الثانية بين أكثر المترشحين تصويتًا، حصل تكالة على 67 صوتًا، بينما حصل المشري على 62 صوتًا.  وبخصوص منصب النائب الأول، فقد تنافس عليه 6 أعضاء من بينهم النائب الأول السابق “ناجي مختار” وانتهت الجولة الثانية بفوز “مسعود اعبيد” بنتيجة 64 صوتًا. ثم استمرت الجلسة لإعادة انتخاب النائب الثّاني، وترشح للمنصب 4 أعضاء، وفاز في الجولة الثانية من التصويت “عمر خالد العبيدي” بـ 88 صوتًا. وبشأن إعادة انتخاب المقرر، انتهت العملية الانتخابية بفوز “بلقاسم دبرز” بـ 70 صوتًا، أمام منافسيه “أحمد يعقوب” الذي تحصل على 38 صوتًا، و”علي السويح” الذي تحصل على 14 صوتًا، خلال الجولة الثانية[1]. ويجري انتخاب مكتب رئاسة مجلس الدولة مرة كل عام، ويتكون المكتب من رئيس، ونائب أول يمثل جنوب البلاد، ونائب ثان يمثل الشرق، فيما يكون الرئيس ومقرر المجلس من الغرب، وفق اللائحة الداخلية لمجلس الدولة[2]. وتشترط اللائحة الداخلية للمجلس حصول الفائز بمنصب رئيس المجلس على 66 صوتًا من أصل 137 عضوًا هم كامل أعضاء المجلس. وقد تأسس المجلس الأعلى للدولة وفقًا لاتفاق الصخيرات الموقع نهاية عام 2015، كجسم استشاري لمجلس النواب، وتألف من أعضاء المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق). وتولى بداية، عبدالرحمن السويحلي، رئاسة المجلس بعيد تشكيله لولايتين متتاليتين، قبل أن ينتخب خالد المشري بديلًا عنه عام 2018، وتوالى اختياره رئيسًا للمجلس لخمس دورات متوالية[3]. ويشترك المجلس الأعلى للدولة مع مجلس النواب في عدة صلاحيات، من بينها اختيار رئيس الحكومة، واختيار المناصب السيادية، وتقديم الملاحظات على الميزانية المقترحة[4]. ويمكن الإشارة إلي مجموعة من الدلالات والتداعيات التي قد تسفر عنها خسارة المشري وفوز تكالة برئاسة المجلس الأعلي للدولة الليبي فيما يتعلق بالتوافق مع مجلس النواب كما يلي: 1- التوافق حول القواعد والقوانين الدستوية: أقر مجلس النواب التعديل الدستوري الثالث عشر[5] وأصدره في الجريدة الرسمية قبل تصديق المجلس الأعلى للدولة عليه، قسم الأخير إلى فئتين الأولى تلتف حول المشري وافقت علي التعديل، والثانية تتشكل من 54 عضوًا اعترضت على التعديل، وقاطعت الجلسات. وما زاد في استياء الكتلة المعارضة للمشري تنازل ممثلي مجلس الدولة في لجنة 6+6 عن مبدأ رفض ترشح مزدوجي الجنسية في الجولة الأولى من الانتخابات، ثم تمرير خريطة طريق الانتخابات بـ36 صوتًا من إجمالي 137 عضوًا، حضر منهم 56 عضوًا، أي أقل من ثلثي الحاضرين. ولم يعتد أعضاء مجلس الدولة تمرير قوانين وقرارات مصيرية دون نصاب، وهي ممارسات لطالما انتقدوها في مجلس النواب[6]. وفي ضوء ذلك، يتوقع مراقبون تغيرًا في سياسات المجلس الأعلى للدولة، خاصة أن تكالة من المحسوبين علي التيار الرافض للتعديل الدستوري داخل المجلس، وشارك في رفض تشكيل لجنة 6+6 المشتركة بين مجلس الدولة ومجلس النواب، وكذلك تمرير مجلس الدولة خريطة الطريق[7]. وبالتالي، فقد يلجأ تكالة إلي الطعن علي التعديل الدستوري في الدائرة الدستورية للمحكمة العليا، أو إعادة التصويت عليه من أجل إسقاطه، بضغط من الكتلة الرافضة للتعديل[8]. جدير بالذكر هنا، أن ذلك (رفض تكالة للتعديل الدستوري وخريطة الطريق) يتفق مع الرغبة الأممية، باعتبار أن القوانين الصادرة عن لجنة القوانين الانتخابية غير مقبولة أساسًا من رئيس البعثة الأممية للدعم في ليبيا عبدالله باتيلي المدعوم من فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، إذ دعا جميعهم في ما سبق المجلسين إلى توسيع دائرة التشاور مع بقية أطراف الصراع (حكومة الدبيبة)، وهو ما رفضه كل من صالح والمشري. ومن المتوقع أن يتوجه باتيلي في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي يوم الـ 16 من أغسطس الجاري، نحو مقترحه الأول المتمثل في تشكيل لجنة رفيعة المستوى تتولى زمام الأمور في شأن التوافق على آلية لتنفيذ العملية الانتخابية[9]. 2- التوافق حول تشكيل حكومة موحدة: تسبب طموح المشري للعب دور سياسي في ليبيا في وضعه في مواجهة رفقاء الأمس، حزب العدالة والبناء الذي يمثل الذراع السياسية للإخوان المسلمين في ليبيا، وكذلك رئيس وزراء حكومة الحكومة الوطنية عبد الحميد الدبيبة. ففي عام 2019 خرج المشري على الملأ ليعلن استقالته من جماعة الإخوان المسلمين. كما أن مساعي المشري للبقاء في المشهد السياسي جعلته في مواجهة مع عبد الحميد الدبيبة، فقد كانت هناك توافقات بين عقيلة صالح وخالد المشري علي ضرورة تشكيل حكومة موحدة بديلة عن حكومة عبدالحميد الدبيبة وحكومة فتحي باشاغا سابقًا وأسامة حماد حاليًا. تخفف المشري من علاقته مع العدالة والتنمية، ومواجهته لعبد الحميد الدبيبة، أسهم في جمع الطرفين ضده، إذ نجح التعاون المشترك بين الدبيبة والعدالة والبناء بالإطاحة بالمشري، كما تشير تفاصيل العملية الانتخابية في المجلس الأعلى للدولة[10]. حيث أن المجموعة الداعمة للدبيبة في المجلس الأعلى للدولة صوتت لتكالة، وانضمت إليها مجموعة أخرى من حركة العدالة والبناء ما سمح بحسم المعركة لمصلحته في الجولة الثانية[11]. وقد ذهب عددًا من الناشطين على صفحات التواصل الاجتماعي إلى القول إن الدبيبة اشترى أصواتًا داخل مجلس الدولة للإطاحة بالمشري بحكم الخلافات السياسية بينهما[12]. وقبيل الانتخابات، انتشرت عدة تقارير تصف تكالة بأنه مرشح الدبيبة ومقرب منه وممثل الحكومة في المجلس. وفي إشارة ذات دلالة، فقد كان أول مهنئي تكالة بفوزه برئاسة المجلس الأعلى للدولة، كان رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة[13]. ويرتبط تكالة بعلاقة وثيقة بالدبيبة، فأثناء انتخاب ملتقى الحوار السياسي للحكومة الموحدة في فبراير 2021 كان تكالة من بين مؤيدي تولي عبدالحميد الدبيبة لرئاسة الحكومة، التي عرفت فيما بعد بحكومة الوحدة الوطنية. كما يعتبر تكالة من الرافضين لخريطة الطريق، التي توافقت عليها لجنة 6+6 المشتركة، والتي تنص على تشكيل حكومة مصغرة بديلة عن حكومة الدبيبة[14]. وليس من المستبعد أن يعارض تكالة تشكيل حكومة جديدة بدلًا عن حكومة الوحدة، بالنظر لحاجته إلى دعم الدبيبة، على الأقل في الأشهر الأولى من ولايته[15]. 3- التوافق حول قانون تنظيم القضاء: فقد قام مجلس النواب بتعديل قانون التنظيم القضائي، الذي أتاح له صلاحية تعيين رئيس المجلس الأعلى للقضاء بدل هيئة التفتيش القضائي. واستغل مجلس النواب ذلك في تعيين مفتاح القوي، رئيسًا للمجلس الأعلى للقضاء، رغم صدور حكم من الدائرة الدستورية بعدم دستورية تعديل قانون التنظيم القضائي، وبالتالي تثبيت عبد الله أبو رزيزة، في منصبه رئيسًا للمجلس، بدعم من حكومة الدبيبة. وقد ترك صمت المشري إزاء هذا التعديل انطباعًا سلبيًا لدى أعضاء مجلس الدولة والقوى الفاعلة في المنطقة الغربية. رغم أن للمشري قبل ذلك وقفة صارمة عندما قرر مجلس النواب إنشاء محكمة دستورية بدل الدائرة الدستورية، أجبر فيها الأخير على…

تابع القراءة
انتخابات الرئاسة القادمة في مصر.. موقف الأحزاب المعارضة والموالية والمآلات المتوقعة للمشهد

انتخابات الرئاسة القادمة في مصر.. موقف الأحزاب المعارضة والموالية والمآلات المتوقعة للمشهد

في أجواء الاستعداد للانتخابات الرئاسية المتوقعة خلال الشهور القليلة القادمة، اتخذت القوى السياسية المسموح لها بالحركة والفاعلية في المجال السياسي المصري، عدد من المواقف تتعلق برؤيتها لانتخابات الرئاسة، وموقعها منها ودورها فيها. سنحاول في هذه السطور التعريج على مواقف وتوجهات هذه القوى؛ وسنعمل على استشراف مشهد انتخابات الرئاسة وتلمس مآلاتها. موقف أحزاب الحركة المدنية من انتخابات الرئاسة: أعلن الرئيس المستقيل لحزب الكرامة أحمد الطنطاوي نيته الترشح للرئاسة[1]، في 20 أبريل 2023، وبذلك كان أول من أعلن ترشحه على المنصب[2]. إعلان “طنطاوي” رغبته بالترشح، جاء بشكل منفرد، فلم يستشير فيه أحزاب الحركة المدنية، أو يشاركوه في اتخاذه. يعتبر “طنطاوي” رغم كل التفاصيل مرشحًا جادًا؛ تشكلت خبرته السياسية في صفوف حزب الكرامة، الذي انتمى له في عام 2005، كما عمل في الجريدة التي يصدرها الحزب، عارض الرئيس مرسي، وطالب بانتخابات مبكرة، ورفض دستور 2012، والاعلانات الدستورية التي صدرت عن السلطة حينها. كما شارك في انتخابات البرلمان 2014، وكان عضو تحالف 25/ 30، عارض ترشح حمدين ضد الرئيس السيسي في 2014، ورفض التعديلات الدستورية في 2018، وطالب الرئيس بعدم الترشح مجددا[3]، كما رفض المشاركة في الحوار الوطني “الذي رأى فيه “مناورة سياسية” منذ بدايته ومحاولة لتلميع صورة النظام قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية”[4]. أما الحركة المدنية، فلم تعلن عن موقف محدد من الترشح لانتخابات الرئاسة، فهي لم تدعم أحد المرشحين، كما لم تعلن عن تقديم مرشح ممثل للحركة ومدعوم بإجماع من أحزابها. وثمة من يرى أن تأخر إعلان الحركة لموقفها من انتخابات الرئاسة، يرجع إلى عدم نجاح الحركة، أو حتى عدم رغبتها في التقدم بمرشح وحيد لمقعد الرئيس؛ مع “رغبة عدد من أحزاب الحركة في التقدم بمرشحين للرئاسة؛ من باب الوجاهة الاجتماعية وكسب لقب «مرشح سابق» من ناحية، وضمان حجز عدد من مقاعد البرلمان المقبل من ناحية أخرى”[5]. وكلا الجانبين، “طنطاوي” والحركة المدنية”، طالبا بانتخابات رئاسية حرة ونزيهة. فالحركة المدنية، في بيان لها صادر في 13 أبريل 2023، تقدمت بجملة من الطلبات التي رأتها لازمة لضمان حرية ونزاهة الانتخابات الرئاسية[6]، كان من أهمها: (1) إصدار تشريع يحصن بشكل مؤقت كل سبل الدعاية الانتخابية، من الملاحقة الجنائية. وتحصين أعضاء الحملات الانتخابية من الملاحقة الجنائية المتعسفة، وكذلك الافراج عن سجناء الرأي ورفع اسماء المعارضين السلميين من قوائم الارهاب. (2) حياد مؤسسات الدولة ووقوفها على مسافة واحدة من كافة المرشحين طوال العملية الانتخابية، وعلى الأخص وزارتي العدل فيما يخص توثيق التوكيلات والداخلية التي ينحصر دورها في التأمين الإجرائي دون تدخل للتأثير في مسار العملية الانتخابية. (3) خضوع العملية الانتخابية برمتها للمتابعة من قبل هيئات ومنظمات محلية ودولية مشهود لها بالحياد والموضوعية. (4) تركيب كاميرات في كل اللجان الفرعية لضمان سلامة ونزاهة العملية الانتخابية. (5) أن يتم الفرز واعلان النتائج في اللجان الفرعية وفي وجود مندوبين عن المرشحين. ومن جانبه، فقد قدم أحمد طنطاوي، للهيئة الوطنية للانتخابات، ما أسماه “قائمة أولى بطلباتنا لضمان إجراء انتخابات رئاسية تليق بمصر والمصريين وتستوفي المعايير المقبولة والمتعارف عليها على مؤشر الشفافية والنزاهة”، ومن المطالب التي تضمنتها القائمة؛ إدراج نموذج توكيل المواطنين لمرشحي الرئاسة وفق منظومة التوكيلات الإلكترونية وذلك حتى يتاح لجميع المواطنين وسيلة ميسرة دون مشقة وعناء. مع إصدار تعليمات لمكاتب ومأموريات الشهر العقاري المختصة بعمل نماذج التوكيلات لمرشحي الرئاسة بإعطاء كل مرشح بيان يومي بعدد التوكيلات الصادرة له لسهولة مراجعتها وحصرها وضمان صحتها، وإعطاء المرشح إفادة رسمية بالتوكيلات المحررة عند طلبها. كذلك تمكين المصريين بالخارج من حقهم في عمل توكيلات لمرشحي الرئاسة أسوة بحقهم في المشاركة في عملية التصويت. ومن المطالب التي تقدم بها طنطاوي، وجاءت متفقة مع ما طالبت به الحركة المدنية، السماح لمنظمات دولية مشهود لها بالنزاهة بالرقابة على الانتخابات، وعدم استغلال الجهاز الإداري للدولة في الانحياز لمرشح بعينه، وإلزام كافة وسائل الإعلام بالوقوف على مساحة واحدة من جميع المرشحين، إلزام الأجهزة الأمنية بالقيام بدورها دون تدخل[7]. فيما لم يستجب النظام، على الأقل حتى هذه اللحظة، لأيًا من هذه الطلبات. الحركة المدنية في مصر ليس لها تواجد كبير مؤثر في الشارع؛ بسبب حرص النظم الحاكمة المتعاقبة منذ لحظة يونيو 1952، على تجريف الحياة السياسية في البلاد. إلا أن الحركة المدنية، وأحمد طنطاوي، قد يحقق أياً منهما مفاجأة خلال انتخابات الرئاسة المرتقبة؛ في حال استشعر الناس احتمالية أن تسفر هذه الانتخابات عن تغيير في الوضع السوداوي القائم، عندها سيدعم كثيرين مرشحي الحركة، أو أحمد طنطاوي؛ إن لم يكن حبا لهم أو اقتناعا بهم، فسيكون تصويتًا عقابيًا ضد النظام القائم. إلا أن احتمالات تحقق هذا السيناريو تظل محدودة، في ظل التشبث المستميت للنظام القائم بكرسي الحكم.  أحزاب الموالاة والانتخابات الرئاسية: انقسمت الأحزاب الموالية للنظام القائم على موقفين من انتخابات الرئاسة القادمة؛ الموقف الأول: قرر أصحابه التقدم بمرشحين في الانتخابات القادمة. الموقف الثاني: قرر أصحابه دعم ترشح الرئيس السيسي لفترة رئاسية جديدة. أما المجموعة الأولى، فقد أعلن رئيس حزب الشعب الجمهوري، حازم عمر، عزمه خوض انتخابات الرئاسة[8]. كما أعلن رئيس حزب السلام الديمقراطي، أحمد الفضالي، نيته خوض انتخابات الرئاسة[9]. كما أعلن رئيس حزب الوفد عبد السند يمامة عزمه الترشح للرئاسة، إلا أن عضو هيئته العليا، فؤاد بدراوي، أعلن هو الآخر نيته خوض الانتخابات عن الحزب، بعد أيام من إعلان رئيس الحزب عزمه الترشح باسم الوفد، ولا يزال الصراع بينهما غير محسوم[10]. فيما يبدو أن ليس هناك إجماع بين قيادات حزب الوفد على ترشيح يمامة؛ فقد هاجم سكرتير عام حزب الوفد الأسبق منير فخري عبد النور “مرشحًا” في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وصفه بـ “النكرة” الذي تشجعه اﻷجهزة اﻷمنية، وهو ما عدّه الرئيس الحالي لحزب الوفد عبد السند يمامة، هجومًا على شخصه[11]. وقد تجددت خلال الأيام الماضية المعركة بين “يمامة” و”بدراوي”؛ فقد أعلن رئيس حزب الوفد حصوله على تأييد 26 رئيس لجنة عامة، للترشح باسم الحزب، من أصل 27 لجنة، إضافة إلى ما سبق وأعلنه من تأييد 53 عضو هيئة عليا لترشحه، وهو ما اعتبره عضو الهيئة العليا، فؤاد بدراوي إهانة للائحة[12]. من المرجح، فيما يتعلق بأحزاب الموالاة، نجاح كل من حازم عمر، وعبد السند يمامة، في حال تقرر ترشيحه عن حزب الوفد، في الحصول على التزكية اللازمة للترشح للمنصب؛ فلحزب الشعب الجمهوري 50 عضو في البرلمان، ولحزب الوفد 26 عضو. وقد نصت المادة 142 من الدستور على أنه “يشترط لقبول الترشح لرئاسة الجمهورية أن يزكي المترشح عشرون عضوًا على الأقل من أعضاء مجلس النواب، أو أن يؤيده ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في خمس عشرة محافظة على الأقل، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها. وفى جميع الأحوال، لا يجوز تأييد أكثر من مترشح، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون”[13]. فيما يتعلق بالمجموعة الثانية،…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022