الانتخابات التركية وموقع إفريقيا في السياسة الخارجية التركية

الانتخابات التركية وموقع إفريقيا في السياسة الخارجية التركية

منذ تأسيس الجمهورية التركية لم يكن هناك أهمية تُذكر للقارة الإفريقية في السياسة التركية، حتى جاء حزب العدالة والتنمية الذي نوَّع وسائل وأساليب بناء دبلوماسية ناعمة لتمتين الحضور التركي على المستوى الإقليمي والدولي. فعلى الرغم من تركيز السياسة الخارجية التركية على العمق الاستراتيجي؛ بحثت تركيا أردوغان في فرص قد تكون بعيدة جغرافيًا لكنها قريبة من حيث المنطلق الحضاري والتاريخي الذي مكَّنها في نهاية المطاف من تحقيق تقارب تدريجي مع القارة السمراء. فما هي الآثار المُترتِّبة على نتائج الانتخابات التركية على القارة الإفريقية؟ وما هي أهمية القارة لتركيا؟ وكيف يُمكن قراءة سلوك كلا المرشحين تجاه القارة حال نجاحه؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها خلال هذا التقرير.. أهمية القارة الإفريقية لتركيا ودوافع العدالة والتنمية للتوجه نحو القارة: تتلخَّص أهمية القارة الإفريقية للسياسة التركية في كون إفريقيا تُعد سوقًا خصبةً من حيث الموارد والاستهلاك مُقارنةً بالأسواق القديمة في أوروبا وآسيا والقارة الأمريكية، وهو ما يجعلها محط تنافس دولي كبير في الجانبين السياسي والاقتصادي. وتُعد إفريقيا ثاني أكبر قارة من حيث المساحة وعدد السكان، الذين معظمهم من فئة الشباب، حيث إنّ 70% من سكّانها يندرجون تحت سنّ الخامسة والعشرين، وهذا ينعكس بدوره على عامل مهم فيما يتعلق بقوّة العمل والأسواق. ومن ناحية النمو، يُعد الاقتصاد الإفريقي واعدًا، حيث جاءت عشر دول إفريقية ضمن لائحة الدول الـ 64 الأسرع نموًّا في العالم خلال العام 2013 – 2014، بمعدلات نموٍّ تتجاوز الـ 6% سنويًّا، وهو ما جعلها محطًا لأنظار المستثمرين الأجانب. إذ تمكنت القارة من جذب 55 مليار دولار من جملة 1.26 تريليون دولار من قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام 2014. في نفس الوقت تشهد تركيا تطورًا صناعيًا وتكنولوجيًا متزايدًا منذ قدوم حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وتُشكِّل إفريقيا خيارًا مثاليًا لها، ليس فقط من حيث كونها سوقًا لصادراتها المتنوعة، وإنما لتعزيز نفوذها في الجانبين السياسي والاقتصادي. ويُعد المحور الاقتصادي أحد أبرز الجوانب التي توليها تركيا اهتمامًا في انفتاحها ونشاطها في القارة السمراء، إذ إنها تطمح من خلال هذا النشاط إلى تبوء مكانة بين أكبر عشرة اقتصادات في العالم. وارتبط توجُّه حزب العدالة والتنمية نحو إفريقيا بمجموعة من الدوافع: أولها؛ تحقيق مكانة عالمية: من خلال استراتيجيتها النشطة في إفريقيا منذ 2005 حاولت تركيا تسويق نفسها على أنها دولة أفرو-أوراسية بدلًا من كونها دولة أوراسية. حيث تمارس أنقرة نفوذها في القارة السمراء بأسلوب متعدد الأوجه من خلال الانخراط في التجارة، والتعاون العسكري، والتعليم، والدبلوماسية، والبنية التحتية، والمجتمع المدني، والعلاقات السياسية مع الدول الإفريقية، كل هذه التحركات في سبيل تمكين تركيا من أن تصبح فاعلًا أكبر في الشؤون العالمية من خلال توسيع مجال نفوذها وتأثيرها. وثانيها؛ تحقيق مكانة اقتصادية: تحتاج تركيا إلى الدول الإفريقية لمضاعفة صادراتها والارتقاء باقتصادها لمصاف العشرة الكبار في العالم، ودعم مواقفها في المحافل الدولية، خاصة أن الطرفين يتفقان على ضرورة إصلاح الأمم المتحدة حتى لا تبقى تحت هيمنة خمس دول تمتلك حق الفيتو، “فالعالم أكبر من خمسة” وفقًا لمقولة الرئيس التركي. وثالثها؛ تحقيق تأثير حضاري: الوجود التركي في إفريقيا ليس وليد العصر الحالي، بل يمتد إلى قرون خلت، منذ حكم الدولة العثمانية، إضافة إلى ذلك تتمتع تركيا بتاريخ إيجابي مقارنة بالتاريخ الاستعماري للدول الغربية، وهو ما يسهل عملية تقاربها مع كثير من الدول الإفريقية من خلال التبادل الثقافي، والمناهج التعليمية، والدبلوماسية الإنسانية.[1] لماذا تهتم إفريقيا بنتائج الانتخابات التركية؟ يُمكن القول بأن اهتمام إفريقيا بنتائج الانتخابات التركية يرجع إلى جملة من الأسباب: أولها؛ التجارة: فتركيا شريك تجاري رئيسي للعديد من الدول الإفريقية، تستورد الدول الإفريقية الآلات والمركبات والسلع الأخرى من تركيا، بينما تستورد تركيا المواد الخام مثل النفط والغاز والمعادن من عدة دول إفريقية. ويُمكن أن تؤثر نتيجة الانتخابات على اللوائح التجارية والاتفاقيات بين الدول، مما يؤدي إلى نمو أو تراجع فرص العمل. وثانيها؛ العلاقات السياسية: كانت تركيا تتواصل مع الدول الإفريقية لتوسيع نفوذها في القارة، ويُمكن أن تؤثر نتائج الانتخابات على ارتباطات تركيا السياسية مع الحكومات الإفريقية. وثالثها؛ السياسة الخارجية: فقد يؤثر التوجه السياسي للحكومة التركية بعد الانتخابات على علاقة إفريقيا بالقوى الإقليمية الأخرى. على سبيل المثال، يُمكن أن يُؤثر موقف تركيا تجاه مصر والصومال ودول أخرى على عملية صنع القرار في الاتحاد الإفريقي فيما يتعلق بالصراعات الإقليمية. ورابعها؛ الأمن: كانت تركيا لاعبًا أساسيًا في جهود حفظ السلام وحل النزاعات في إفريقيا، وقد تؤدي نتائج الانتخابات إلى تحوُّل في سياسات تركيا واستراتيجياتها الأمنية تجاه القارة. وخامسها؛ الهجرة واللاجئين: فمن جهة؛ كانت تركيا نقطة عبور للمهاجرين الأفارقة الذين يسعون للعبور إلى أوروبا، ويُمكن أن يؤدي التحول في سياسات تركيا تجاه المهاجرين الأفارقة إلى تغييرات في ديناميكيات الهجرة من إفريقيا. ومن جهة أخرى؛ تستضيف تركيا ملايين اللاجئين السوريين ولعبت دورًا حاسمًا في إدارة أزمة اللاجئين، كما تستضيف العديد من الدول الإفريقية أيضًا أعدادًا كبيرة من اللاجئين، وقد تكون مهتمة بنهج تركيا في إدارة الأزمة. وسادسها؛ التضامن الإسلامي: تركيا دولة ذات أغلبية مسلمة، في حين أن العديد من البلدان الإفريقية بها عدد كبير من السكان المسلمين. اتخذت الحكومة التركية خطوات لدعم القضايا الإسلامية في إفريقيا، مثل تمويل بناء المساجد وتمويل مبادرات التعليم في المجتمعات الإسلامية. موقف المرشحين من إفريقيا: مع اقتراب أيام الانتخابات الرئاسية في تركيا، يراقب الرؤساء الأفارقة الحملة الانتخابية. فمنذ سنوات ينشط الرئيس رجب طيب أردوغان في إفريقيا، حتى أن تركيا أصبحت شريك رئيسي للقارة. فمن ناحية؛ تطوَّرت الدبلوماسية التركية بشكل خاص في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فقد افتتحت أنقرة، التي لديها اليوم 43 سفارة في إفريقيا، 31 سفارة منذ عام 2002. ومن ناحية أخرى؛ اقتصاديًا، ترى تركيا إمكانات تجارية كبيرة في إفريقيا، فقد بلغ حجم التجارة التركية مع إفريقيا في عام 2021 إلى 28,3 مليار دولار، مع هدف كبير لأنقرة يتمثَّل في مضاعفة تجارتها الخارجية مع إفريقيا بحلول عام 2026. وعلى الجانب الآخر؛ وحيث الوضع الراهن للرئاسة التركية يناسب معظم شركاء أنقرة، لاسيما في إفريقيا، فإذا ما تمَّ انتخاب الخصم كمال كليتشدار أوغلو، فقد يكون ذلك بمثابة مستقبل مجهول بالنسبة للقارة. حتى لو كان مستشاره الدبلوماسي، أونال تشفيكوز، يؤكد أن مرشحه سيفعل الكثير من أجل إفريقيا أكثر من أردوغان “أثبت حزب العدالة والتنمية أنه غير قادر على فهم وتلبية مطالب الأفارقة” -على حد قول شفيكوز- الذي وعد أيضًا بتمديد “اتفاقية الحبوب” مع موسكو وكييف، مؤكدًا على أهميتها لإفريقيا. كما وعد مستشار كليتشدار أوغلو بالتعاون الأفرو- تركي فيما يتعلَّق بمكافحة الإرهاب. إلا أن كل تلك التصريحات لا يُمكنها نفي أن الرئيس أردوغان -سواء أحب أوغلو ذلك أم لا- هو بلا شك أحد رؤوس حربة العلاقات الدبلوماسية- الاقتصادية القوية لتركيا مع إفريقيا.[2] غياب إفريقيا عن الحملات الانتخابية: فبالرغم من…

تابع القراءة
بين المدح المطلق والذم المطلق .. شيخ الأزهر في ميزان النقد المنصف

بين المدح المطلق والذم المطلق .. شيخ الأزهر  في ميزان النقد المنصف

لا أحد ينكر أن للدكتور أحمد  الطيب شيخ الأزهر، مواقف مشرفة في مواجهة جهل الجنرال عبدالفتاح السيسي والتصدي له في عدد من القضايا التي أراد السيسي انتهاك نصوص  الشرع فيها وأبرزها الموقف من أموال الوقف الخيري والأحوال الشخصية وأبرزها الطلاق الشفهي ومكانة السنة النبوية والتراث الإسلامي بخلاف الموقف من الإرهاب حيث يتبنى الأزهر موقفا متباينا عن السلطة في هذا الشأن ويؤكد أن الإرهاب صنيعة نظم غربية توظفه سياسيا من أجل تحقيق أجندة أهداف تعادي الإسلام والمسلمين بل وتعادي العالم كله. فدعم ومساندة الشيخ والمشيخة وهيئة كبار العلماء والأزهر كله في مواقفه الرافضة لتوغل السلطة على حساب الإسلام ومحاولة تركيع الأزهر وتطويعه لخدمة أجندة السلطة بشكل كامل ومطلق في كل مواقفها وسياستها، هو من أوجب الواجبات على كل مسلم في ظل هذه الأوضاع التي تمر بها الأمة الإسلامية. لكن هذا الدعم الواجب وتلك المساندة الضرورية للأزهر ومشيخته لا يجب مطلقا أن تتحول إلى شيك على بياض لشيخ الأزهر؛ ولا يجب مطلقا أن تنسينا مواقفه المشينة حين تورط في مشهد الانقلاب وباركه وكان موقفه مرتبكا ومذبذبا حيال المذابح التي وقعت؛ فكان الأزهر يدين القتل ويؤيد القتلة في ذات الوقت! كما لا يجب مطلقا التسامح حيال محاولات تبييض صورة المشيخة في هذه المواقف التي خالف فيه الإسلام ونصوصه صراحة حين دعم انقلابا عسكريا على الإمام المنتخب بإرادة الشعب الحرة. موقفان مختلفان خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية  تعرضت بعض مواقف الأزهر للنقد وبعضها للدعم والمساندة؛ الموقف الأول هو تجاهل السيسي للشيخ أحمد الطيب وتعمد التقليل من مقام ومكانة ورمزية شيخ الأزهر؛ حين استمع إلى شرح مفصل من مستشاره للشئون الدينية أسامة الأزهري بينما كان شيخ الأزهر في الصفوف الخلفية؛ الأمر الذي اعتبرته المشيخة وهيئة كبار العلماء تقليلاً من مقام شيخ الأزهر خلال احتفالية افتتاح المركز الإسلامي بالعاصمة الإدارية الجديدة، فجر أول أيام شهر رمضان الحالي (1444هـ)، إذ بدا الأمر وكأنه كان هناك تعمد إساءة لشيخ الأزهر خلال جولة السيسي بالمركز على النحو الذي جرى بالفعل.[[1]] وهو الموقف الذي استفز قطاعات واسعة من المسلمين والمصريين، واعتبروا ذلك دليلا على ما يكنه ويبديه السيسي من وافر الاحتقار للأزهر وشيخه. الموقف الثاني كان للأسف ورطة للأزهر حين أصدر بيانا يوم الأربعاء 22 مارس 2023م  حول قضية الطفل (شنودة) يدعم موقف الأسرة القبطية ويطالب برد الطفل إليها وعدم تغيير اسمه وديانته ما دام قد عثر عليه داخل إحدى الكنائس؛ وحسب نص ما ورد فقد تلقى مركز الأزهر العالمي للفتوى، سؤالا للاستفسار عن ديانة الطفل شنودة الذي عُثر عليه داخل إحدى الكنائس. وذكر المركز: هذه المسألة ذهب فيها العلماء إلى آراء متعددة، والذي يميل إليه الأزهر من بين هذه الآراء هو ما ذهب إليه فريق من السادة الحنفية، وهو أن الطفل اللقيط إذا وجد في كنيسة وكان الواجد غير مسلم فهو على دين من وجده. وأضاف: هذا ما نص عليه السادة الحنفية في كتبهم: “وإن وجد في قرية من قرى أهل الذمة أو في بيعة أو كنيسة كان ذميًّا ” وهذا الجواب فيما إذا كان الواجد ذميا رواية واحدة “. وذكر المركز مصدر الفتوى [الهداية في شرح بداية المبتدي 2/ 415].[[2]] واتضح لاحقا أن الطفل لأبوين مسلمين وأمه كان مسيحية وأسلمت وتزوجت مسلما ثم جرى التفريق بينهما في ظروف غامضة، والأم الحقيقية حاليا محتجزة في أحد الأديرة تحت إشراف الكنيسة، والأب لا يعرف عنه شيئا، حسب تصريحات امرأة قبطية على صلة قرابة بالأم الحقيقية؛ لكن النيابة وجهات التحقيق تجاهلت كل ذلك وتم رد الطفل للأسرة القبطية التي ترعاه  دون أي تحقيق بشأن الأم الحقيقية التي تفتن في دينها مسجونة بأحد الأديرة؛ ولم يطالب الأزهر مطلقا بالتحقيق في هذه التصريحات ولم يطالب حتى برد الطفل إلى أمه الحقيقية![[3]] المدح المطلق مذموم سبب تأكيدي على هذا المعنى ما كتبه الباحث الأزهري الشيخ عصام تليمة في مقاله الأخيرة المنشور بالجزيرة مباشر بعنوان (شيخ الأزهر أحمد الطيب.. الشخص والمكانة)، والمنشور بتاريخ الجمعة 7 إبريل 2023م؛ فالمقال يمتلئ بالمدح للشيخ أحمد الطيب والثناء على مواقفه منذ أن تولى منصب المشيخة في سنة 2010م خلفا للدكتور سيد طنطاوي الذي لم يكن يحظ باحترام الكثيرين بسبب مواقفه شديدة الانحياز للسلطة وتأكيده باستمرار أنه مجرد موظف في الحكومة؛ الأمر الذي قزم مكانته ومكانة المشيخة بشكل عام رغم مكانتها ورمزيتها الكبيرة. يعزو تليمة في مقاله أسباب قوة وصلابة شيخ الأزهر إلى ثلاثة مكونات أساسية أسهمت في تكوين شخصيته الدينية: تحفظ لا بد منه يمكن أن نتفق في كثير من هذه المضامين مع كاتب المقال؛ لكن ذلك لا يعني مطلقا أن نمحو مواقف الطيب المشينة كما فعل كاتب المقال! يقول تليمة: «ثم جاء انقلاب الثالث من يوليو، ثم أحداث فض رابعة وما تلاها، وأيضا كان موقف المشيخة موقفا صلبا وصحيحا، وعتب عليه الرافضون للانقلاب بيانه يوم الانقلاب، والحقيقة أن الناس لم تنتبه للبيان، ولا لكلماته، ولا لأسبابه وخلفياته، فبعد كلمة وزير الدفاع أصبح كل من خلفه محسوبا عليه، دون النظر لأي تدقيق في الكلمات، ولا في معانيها، ومع ذلك كان بيان اثنين من أقرب العلماء له واضحا في رفض الانقلاب، الدكتور حسن الشافعي، والدكتور محمد عمارة، وجاء بيانه يوم فض رابعة واضحا جليا في الرفض والإدانة لإراقة الدماء. وفيما تلا ذلك من أحداث كانت كلمة المشيخة قوية معبرة بحق عن الأزهر، وما يليق به وبتاريخه، وهذا ما جعل الناس يتساءلون، وكثيرا ما يوجه إليّ السؤال: ماذا حدث للرجل؟ والحقيقة أن طبيعة الرجل كما هي، فهناك عدة عوامل لا يدقق فيها كثيرون في شخصية الرجل وتكوينه، وطبيعة المنصب الذي يليه، تشرح لماذا نحن أمام شخصية الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بتلك المواقف».[[4]] تكييف موقف الطيب من الانقلاب وحسب دراسة سابقة نشرها موقع “الشارع السياسي” بعنوان: (الغطاء الديني لجريمة الانقلاب.. دور مشيخة الأزهر)، فدور مشيخة الأزهر في الانقلاب تتجاوز حدود المشاركة الفجائية كما يروج الطيب ومقربوه لتصل إلى حد التورط في الجريمة. فمشاركة الطيب بوصفه شيخا للأزهر هو بحد ذاته مباركة من أكبر مؤسسة إسلامية في العالم لهذه الجريمة الكبرى، وتمثل قمة التوظيف السياسي للمؤسسة الدينية من أجل إضفاء شيء من الشرعية على إجراء يناقض نصوص الإسلام القاطعة ومبادئه وأحكامه التي نهت مطلقا عن الخروج على الإمام الشرعي. ويبدو أن المخططين للانقلاب كانوا حريصين على أن تخرج اللقطة على هذا النحو وأن الشرعية الدينية كانت جزءا مهما من الخطة والتي يمثل حضور شيخ الأزهر بمكانته ورمزيته رسالة مهمة حين تصدير مشهد الانقلاب للعالم. نعم كان وجود تواضروس بطريرك الكنيسة القبطية مهما للغاية من زاوية أخرى، لكنه لا يصل في رمزيته إلى قيمة ومكانة شيخ الأزهر في بلد تبلغ نسبة المسلمين فيه نحو 95% من عدد سكانه. منطلقات سياسية لا شرعية…

تابع القراءة
المواجهات في السودان: الخلفيات والمواقف والتداعيات

المواجهات في السودان: الخلفيات والمواقف والتداعيات

تسارعت الأحداث في السودان مع نهاية الأسبوع الثاني من شهر إبريل 2023، حتى وصلت إلى المواجهة العسكرية الشاملة بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تمَّ فيها استخدام كل أنواع الأسلحة الثقيلة البرية والجوية، وسقط عشرات القتلى ومئات المصابين، في وقتٍ كانت تعاني فيه البلاد من حالة فوضى وعدم استقرار سياسي واقتصادي منذ الإطاحة بالنظام السابق برئاسة عمر البشير في 2019. الاشتباكات في السودان، جاءت بعد أيام من فشل التوقيع على اتفاق سياسي نهائي، ينهي الأزمة في البلاد. حيث تم الإعلان مطلع إبريل الجاري عن التوقيع عليه في 5 إبريل، لكن فشلت عملية التوقيع، لتدخل الخرطوم في منتصف إبريل في طريق آخر. ويعود السبب الرئيسي لعدم توقيع الاتفاق إلى الخلافات بين البرهان (رئيس مجلس السيادة والقائد الأعلى للقوات المسلحة) وحميدتي (نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع) حول شروط دمج قوات الدعم السريع في الجيش. فماذا كانت خلفيات الأزمة؟ وما هي المواقف المختلفة منها؟ وكيف يُمكن رصد تداعياتها وسيناريوهات المستقبل تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عنها خلال هذا التقرير.. أولًا: خلفيات الأزمة في السودان: سبقت المواجهات مجموعة من الأحداث التي مثَّلت بدورها خلفيات لتفجُّر الأوضاع فيما بعد، والتي يُمكن التعرض لها من خلال النقاط التالية.. 1. خلفيات سابقة تخص الخلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع[1]: منذ اليوم الأول لانقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي نفذته القوتان ضد السلطة المدنية، بدا أن الخلافات تكبر بينهما. حيث اعتذر حميدتي عما عدَّه خطأ المشاركة فيه، كما واصل حملة انتقادات واضحة لفشل الانقلاب في تقديم أي شيء يذكر بعد نحو عام ونصف من تنفيذه. وبمجرد أن اقترحت نقابة المحامين السودانيين، منتصف العام الماضي، مسودة مشروع دستور انتقالي، شكَّل لاحقًا أساسًا لعملية التسوية السياسية بين عسكر الانقلاب والمدنيين، سارع حميدتي للترحيب بها ومساندتها ودعمها، فيما تحفَّظ عليها الجيش لبعض الوقت. لكن تحت ضغط الأطراف الدولية، ووساطة لجنة رباعية مُكوّنة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، قبل الجميع بالمسودة، بمن فيهم الجيش، كأساس للنقاش. وتُوّجت فيما بعد بالتوقيع على اتفاق إطاري مبدئي بين المدنيين والعسكريين في 5 ديسمبر الماضي، واشترط الاتفاق أن يجرى تسليم السلطة للمدنيين بعد التوافق على قضايا: تفكيك النظام السابق، العدالة والعدالة الانتقالية، حل أزمة شرق السودان، تقييم اتفاق السلام وإصلاح قطاع الأمن والدفاع، وتكوين جيش واحد بدمج الدعم السريع فيه.[2] وكان من اللافت للانتباه في ذلك الاتفاق هو توقيع الجيش كطرف وتوقيع قوات الدعم السريع كطرف آخر، عكس ما حدث في السابق من اتفاقيات بتوقيع أي قيادي عسكري نيابةً عن كل المكون العسكري. وقد أظهر حميدتي دعمًا قويًا للاتفاق الإطاري ولكل عملية التسوية المسماة بالعملية السياسية، فيما أظهر قادة الجيش في أكثر من مناسبة تحفظًا عليها بسبب ما قالوا إنه ضعف قاعدتها السياسية ورفضها من قِبل بعض القوى السياسية. وخرج الطرفان في حرب كلامية ركَّز فيها الجيش على موضوع الدمج، فيما ركَّزت الدعم السريع على مطالبة قادة الجيش بتسليم السلطة للمدنيين وفقًا لما ينص عليه الاتفاق الإطاري. وفي منتصف مارس الماضي، نجحت وساطات إقليمية ومحلية في جمع قادة الجيش والدعم السريع، ليوقّع الطرفان على اتفاق جديد يُحدِّد أُسس ومبادئ الإصلاح الأمني والعسكري، ويسمح بقيام ورشة خاصة بالإصلاح الأمني والعسكري لتناقش تفاصيل ما تم الاتفاق عليه، ووضع توصيات لإدراجها ضمن الاتفاق النهائي في الدستور، وكذلك تعمل بها الحكومة المدنية الانتقالية المقبلة كواحدة من برامجها في فترة الانتقال. وعُقدت الورشة في الفترة من 26- 29 مارس الماضي، وفيها قدّمت قوات الدعم السريع ورقة لإجراء إصلاحات عميقة في الجيش قبل البدء في الدمج، بما يشمل تجريم الانقلابات العسكرية وتجريم التدخل في العمل السياسي، ومراجعة العقيدة العسكرية وأسس القبول في الكليات الحربية، وضمان تمثيل كل أقاليم السودان في الجيش، وتطهير الجيش من العناصر الأيديولوجية والمُسيَّسة. لكن في اليوم الأخير من الورشة، انسحب ممثلو الجيش بحجة أن الورشة لم تحسم كل المواضيع الضرورية، ومنها المدة المُحددة لدمج قوات الدعم السريع، قبل أن يعود الجيش ويؤكِّد التزامه بالعملية السياسية واستعداده لمواصلة النقاش عبر اللجان الفنية في موضوع الإصلاح الأمني والعسكري.[3] * نقاط الخلاف المحورية في التسوية السياسية بين الفريقين: ويُعد تعثر الاتفاق على دمج قوات الدعم السريع والمدى الزمني أبرز نقاط الخلاف بين الجيش والدعم السريع، إذ يطالب الجيش بمدى زمني مُحدَّد لا يتجاوز فترة الانتقال لعملية الدمج وفق جداول زمنية واضحة، في حين تطالب قوات الدعم السريع بفترة زمنية للانتقال تصل إلى عشر سنوات. وتوجد قضايا خلافية أخرى، مثل وضعية قيادة القوات والتجنيد لقوات الدعم السريع، وأيضًا إصلاح الجيش وإبعاد أنصار النظام السابق عنه.[4] وبالتحديد كيفية تكوين هيئة قيادة مشتركة، ومن يقودها، وذلك في أولى خطوات دمج الدعم السريع في الجيش، المنصوص عليها في اتفاق 5 ديسمبر الإطاري بين العسكر والمدنيين. وهذا النص انتهزه الجيش كفرصة ثمينة لاحتواء الدعم السريع، واشترط وضع جداول زمنية واضحة له وتنفيذها، لاستمراره في التسوية السياسية، ما أخّر لمرتين التوقيع على الاتفاق النهائي. والأمور تعقَّدت عند نقطة تشكيل هيئة قيادة مشتركة، والتي جاء آخر المقترحات حولها يقضي بتشكيلها من 6 من القيادات: 4 من الجيش و2 من الدعم السريع ويرأسها قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان. ووافقت قوات الدعم السريع على المقترح من حيث المبدأ، لكن قائدها الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) رفض قيادة البرهان للهيئة، واقترح أن يرأسها رئيس مجلس السيادة المدني أو رئيس الوزراء المدني. وكان أبرز ما طُرح من حلول هو تأجيل النظر في قضية الدمج لما بعد الانتخابات ليُنفَّذ عبر حكومة منتخبة ومعه كل قضايا الإصلاح الأمني والعسكري بما فيها الترتيبات الأمنية الخاصة بالحركات المسلحة. حيث أي إصرار على إكمال العملية السياسية بوضعها الحالي، سيؤدي إلى فوضى واسعة.[5] وبالرغم من أن قضية الدمج كانت هي النقطة الرئيسة في الخلاف، إلا أنها فجرت نقاطًا خلافية أخرى بين العسكريين، حتى بات الخلاف بين العسكريين خلافًا على التقديرات السياسية. * قوة الجيش السوداني مقارنةً بالدعم السريع: تأتي القوات الجوية السودانية، في المرتبة رقم 47 بين أضخم القوات الجوية في العالم، وتمتلك 191 طائرة حربية تضم 45 مقاتلة، 37 طائرة هجومية، 25 طائرة شحن عسكري ثابتة الأجنحة، 12 طائرة تدريب. بينما تأتي القوات البرية السودانية في المركز 63 عالميًا، وتشمل قوة تضم 170 دبابة، 6 آلاف و967 مركبة عسكرية، ونحو 20 مدفعًا ذاتيًا، ونحو 389 من المدافع المقطورة، ونحو 40 راجمة صواريخ. ويأتي الأسطول السوداني في المرتبة 66 عالميًا، بقوة تضم 18 وحدة بحرية، بينما تُقدَّر ميزانية دفاعه بنحو 287 مليون دولار. أما الدعم السريع فيُقدِّر محللون عدد قواتها بنحو 100 ألف مقاتل لهم قواعد ومعسكرات منتشرة في أماكن عدة في البلاد. تمتلك الحركة المسلحة ثكنات عسكرية داخل الخرطوم ومدن أخرى بالبلاد، كما أن لها مقار مختلفة بالسودان منها مقر…

تابع القراءة
وضع الإخوان على قوائم الإرهاب.. الدوافع والنتائج

وضع الإخوان على قوائم الإرهاب.. الدوافع والنتائج

منذ أكتوبر 2022م فقط أصدرت دوائر الإرهاب بالمحاكم المصرية خلال هذه الشهور السبعة فقط (أكتوبر22 حتى إبريل23م)، ثلاثة قرارات (مسيسة) تقضي بمد  إدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الكيانات الإرهابية، لمدة 5 سنوات أخرى، كما قضت في عدة أحكام أخرى بوضع المئات من قيادات وعناصر الجماعة والمقربين منها على قوائم الإرهاب. الحكم أو القرار الثالث والأخير، نشرته صحيفة الوقائع المصرية قبل يومين الخميس الماضي 27 إبريل 2023م، حيث تشير الصحيفة الرسمية إلى أن الحكم صدر في 19 إبريل (2023) عن محكمة جنايات القاهرة الدائرة (13 جنوب) المنعقدة في غرفة المشورة برئاسة ياسر أحمد الأحمداوي، وعضوية محمود يوسف محمود، وسامح السيد حسين. ووفقاً للحكم، فإنه صدر بشأن الطلب رقم 1 لسنة 2023، إدراج كيانات إرهابية ورقم 5 لسنة 2023، قرارات إدراج إرهابيين، والصادر في القضية رقم 590 لسنة 2021 حصر أمن الدولة العليا. نص الحكم على أمرين: أولاً، مد إدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الكيانات الإرهابية. وثانياً، إدراج 82 مصرياً على قائمة الإرهاب، على أن يكون قرار مد الإدراج والإدراج لمدة 5 سنوات جديدة تبدأ من نهاية القرار السابق، والإدراج بدءاً من صدور الحكم. وأمرت المحكمة بنشر قرار مد الإدراج في الوقائع المصرية، مع ما يترتب بقوة القانون على النشر، وطوال مدته من آثار قانونية. وضم قرار الإدراج معظم الإعلايين المحسوبين على المعارضة بالخارج (معتز مطر ـ محمد ناصر ـ حمزة زوبع ـ أسامة جاويش ـ يوسف حسين “جوشو” وغيرهم. القرار  الثاني، نشرته صحيفة “الوقائع المصرية” الخميس 16 مارس 2023م، وينص على مدّ إدراج جماعة الإخوان المسلمين  لمدة “5” سنوات على قائمة (الكيانات الإرهابية) رقم 4 لسنة 2018 في شأن القضية رقم 444 لسنة 2018 حصر أمن الدولة العليا، على أن تبدأ من نهاية مدة الإدراج السابقة، وفقاً لمنطوق الحكم. صدر الحكم، بحسب جريدة الوقائع المصرية، يوم 7 مارس/آذار “2023”، من محكمة جنايات القاهرة الدائرة الأولى (جنائي بدر)، وصدر برئاسة المستشار محمد السعيد الشربيني وعضوية المستشارين غريب عزت ومحمود محمد زيدان. كما تضمن القرار أيضا مد إدراج 20 مصريا على قوائم قائمة الإرهابيين لمدة 5 سنوات أخرى تبدأ من تاريخ نهاية مدة الإدراج السابقة. وحسب عضو بهيئة الدفاع  فإنهم لم يخطروا بالحكم ولم يحضروا الجلسة ولم يعلموا عنها شيئا.[[1]] القرار الأول صدر  من جنايات القاهرة في أكتوبر 2022م حيث أدرجت جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الكيانات الإرهابية لمدة خمس سنوات، كما أدرجت “277” من قيادات الجماعة على قوائم الإرهاب لمدة “3” سنوات في القضية رقم 316 لسنة 2017 (حصر أمن الدولة) تحت مزاعم اتهامهم بـ”تشكيل جناح عسكري للجماعة، وتمويل أعمال العنف، واستهداف الشرطة والجيش والقضاة”. ضمت القائمة وقتها العلامة الراحل الدكتور يوسف القرضاوي رغم وفاته قبل ذلك بشهر. كما ضمت القائمة الدكتور محمود عزت والدكتور محمود حسين والأستاذ إبراهيم منير، ومحمد عبدالرحمن المرسي وجمال حشمت وعلي بطيخ وأمير بسام وحلمي الجزار والسيد نزيلي غيرهم.[[2]] خلفية هذه الأحكام هذه القرارات الثلاثة تخص الجماعة، بخلاف صدور عدة أحكام أخرى بالتوازي تقضي بضم المئات من قيادات وعناصر الجماعة إلى قوائم الإرهاب ضمت عددا من شهداء الجماعة وموتاها. الملاحظة الأولى أنه برصد وتحليل هذه الأحكام نجد أن معظمها صدر عن محكمة جنايات القاهرة الدائرة الأولى (جنائي بدر) إرهاب، التي يرأسها المستشار محمد السعيد الشربيني وعضوية المستشارين غريب عزت ومحمود محمد زيدان. لذلك فإن هذه الأحكام ـ حسب المستشار محمد سليمان نجل وزير العدل بحكومة الدكتور هشام قنديل المستشار أحمد سليمان ــ “مسيسة ولا تمت للقانون والقضاء المصري بصلة”.  ويؤيد رأيه بأن الأحكام الصادرة تحديداً من دوائر الإرهاب تكون صادرة عن قضاة مختارين لإصدار مثل هذه الأحكام ضد أشخاص وكيانات بعينها، لأغراض محددة لا علاقة لها بالقانون وإجراءات التقاضي الطبيعية السليمة”.[[3]] الملاحظة الثانية، وهي تؤكد مخالفة هذه الأحكام لنصوص الدستور ومواده؛ حيث يتم اعتبار كل حكم منها على حدة، أي أن الأحكام الثلاثة يتم جمعها كل على حدة بحيث يصبح مجموع الأحكام الصادرة في الأحكام الثلاثة لمدة 15 سنة”. وحسب ـ المستشار محمد سليمان ـ حول كيفية احتساب مدة هذه الأحكام، يوضح أنه “يتم احتساب هذه الأحكام بداية من الحكم الصادر أولاً ويتم تنفيذه حتى نهايته، ثم يليه في التطبيق الحكم التالي الأقدم، ثم الأحدث، وصولاً للحكم الأخير، واحتساب الحكم يبدأ من نهاية الحكم السابق له مباشرة”. ويؤكد أن “هذا الأمر غير قانوني وغير سليم بالمرة، فلا يجوز صدور الحكم نفسه عن الاتهامات ذاتها في وقائع مزعوم حدوثها في التوقيت ذاته، وهي المبادئ القانونية الرئيسية التي أرستها محكمة النقض”. وأكد سليمان أن “الغرض من هذه الأحكام وضع جماعة الإخوان المسلمين في دائرة ممتدة مفرغة، وضعها النظام لإبقاء الجماعة مدرجة على قوائم الكيانات الإرهابية لعشرات السنين لأغراض سياسية، وعدم تمكينها من مباشرة أي دور في المجتمع وإبقائها جماعة إرهابية محظورة”. الملاحظة الثالثة،  أن قرارات الإدراج على هذه القوائم الإرهابية، تتم وفقًا لقانون صدر في فبراير/ شباط 2015م، والتذي تحوم الكثير من الشبهات حول دستوريته، وتصدر من محكمة الجنايات بناء على طلب من النائب العام يستند إلى بعض التحريات التي يجريها قطاع الأمن الوطني في وزارة الداخلية، ثم تقدر المحكمة مدى جدية الطلب وتصدر قرارها إما بالموافقة أو الرفض، دون أن تتاح الفرصة أمام المدرجين على هذه القوائم للدفاع عن أنفسهم. ويرتب الإدراج على هذه القوائم عدة آثار منها التحفظ على أموال المدرجين ومنعهم من السفر، وفصلهم من أعمالهم إذا كانوا موظفين حكوميين، وإسقاط العضوية في النقابات المهنية.  وفي 3 مارس 2020 أقر رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي تعديلات جديدة على “قانون الكيانات الإرهابية”، تضمنت التوسع في مصادرة وتجميد أصول وأموال وممتلكات المدرجين على قوائم الإرهاب والإرهابيين، حتى ولو لم يثبت استخدامها في أي نشاط إرهابي.  وقال محامون منهم المحامي أسامة بيومي، الذي اعتقل لاحقا لفضحه هذه التعديلات، عبر حسابه على فيسبوك حينئذ، إن “الهدف من ذلك السماح بمصادرة هذه الأموال وتجاوز اعتراضات محكمة النقض على ذلك”. وأضاف: “باعتبار أن غالبية المطلوب مصادرة أموالهم ليسوا إرهابيين ولم يصدر ضدهم أحكام بهذا الصدد، مثل أسرة الرئيس مرسي”. حيث جاء تعديل السيسي ليسمح بالمصادرة حتى ولو لم يثبت استخدام الأموال والأملاك في أي نشاط إرهابي. ووصف المحامي نجاد البرعي التعديلات لموقع “مدى مصر” حينئذ، بأنها “تعبر عن رغبة الدولة في إنهاء ملف أموال الإخوان وضمها لخزينة الدولة في أسرع وقت”. الملاحظة الرابعة،  تتعلق بالسياق السياسي والاقتصادي في البلاد؛ فهذه الأحكام تتزامن مع دعوات نظام السيسي لانطلاق ما يسمى بالحوار الوطني، بداية من 3 مايو المقبل (2023م)، والذي يستهدف به النظام لم شمل تحالف 3 يوليو وجميع الأحزاب والقوى العلمانية والعسكرية التي أيدت الانقلاب على المسار الديمقراطي. النظام يستهدف كذلك تصميم مشهد الانتخابات الرئاسية المقبلة منتصف 2024م، ليمنح هذه المسرحية…

تابع القراءة
القوى الإسلامية السودانية .. موقعها وموقفها من الصراع الدائر بين الجيش والدعم السريع

القوى الإسلامية السودانية .. موقعها وموقفها من الصراع الدائر بين الجيش والدعم السريع

اندلعت الاشتباكات بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، صباح يوم 15 إبريل، في الوقت الذي كان من المقرر له أن يشهد جلوس قيادة الجانبين لتقريب وجهات النظر، وتمهيداً للاتفاق بخصوص دمج قوات الدعم السريع بمؤسسة الجيش. وقوع الاشتباكات بين قوات الجيش والدعم السريع هو الانقلاب الثاني على العملية الانتقالية، بعد الانقلاب الأول الذي قاده الرجلان معاً ضد الحكومة التي كان يقودها مدنيون. على خلفية هذه الأزمة انقسم الشارع السوداني بين مؤيد لأحد طرفي الصراع، ومن وقف على الحياد بين الجانبين. وإن كان هناك جدل أساسي أثير بشأن موقع الإخوان المسلمين في السودان من الصراع الدائر بين حميدتي والبرهان، وهو ما نتناوله في هذه السطور؛ أن نقف على موقف الإخوان المسلمين وموقعهم من الصراع الدائر بين الجيش والدعم السريع، ومحددات هذا الموقف. موقف الإخوان المسلمين من الصراع: تحظى الحركات الإسلامية، على تعدد مشاربها بين طرق صوفية ذات حضور قديم وثقل كبير، وحركات إسلامية سياسية انبثقت عن الخطاب الإصلاحي في السودان المتأثر بالتيار الإصلاحي ممثلاً في محمد عبده ثم في جماعة الإخوان المسلمين المصرية[1]، وقوى إسلامية أخرى ذات توجه سلفي بتنويعاته المختلفة، بحضور واسع الانتشار في المجتمع السوداني. هذا الحضور الاجتماعي ترجم إلى حضور سياسي كذلك خاصة خلال حكم عمر البشير، فهو من جهة ينتسب لعائلة معروفة بولائها للطريقة الختمية، ومن جهة أخرى تحالف مع الجبهة الإسلامية بقيادة حسن الترابي وينضوي تحتها الإخوان المسلمين وقوى صوفية وإسلاميين مستقلين[2]. ذلك الحضور الاجتماعي والسياسي يعني أن الإسلاميين موجودين تقريبا في كثير من القوى الاجتماعية والقبلية –حيث تحظى قوى الإسلام السياسي ببناء شبكات علاقات قوية في دارفور، وكذلك في شرق السودان، مع القوى القبلية هناك[3]– وكذلك في القوى السياسية وأيضاً من خلال الميلشيات العسكرية. بالتالي هذا الانتشار يصعب معه تقسيم المشهد السياسي في السودان بين تيار مدني علماني وتيار إسلامي، بل يصعب كذلك توزيع الإسلاميين بشكل صارم بين إخوان وسلفيين وصوفية. حتى أن هذا المشهد انعكس على الإخوان المسلمين أنفسهم، إذ لم ينضووا تحت تنظيم واحد ممثل لهم منذ بداية نشأتهم، بل ترحلوا بين تنظيمات وأحزاب عدة؛ خاصة خلال فترة وجود حسن الترابي على رأسهم؛ فهو ذات نزعة تجديدية، كما تتسم مواقفه بالمرونة، بل وحتى بالبرجماتية وفق كثيرين. ما يمكن استنتاجه من ذلك هو أن الإسلاميين منتشرين في الجسد الاجتماعي والسياسي السوداني، يتمتعون بحضور قبلي مميز، كما يتمتعون بتواجد قوي في مؤسسات وأجهزة الدولة. لذلك عادة ما يتم تقسيم المشهد بين مؤيدي الرئيس المعزول –الكيزان- أو الدولة العميقة إن جاز استخدام التسمية، وبين القوى المحسوبة على الثورة والمشاركة فيها. وإن كان هذا التقسيم أصابه بعض الغموض مع تنامي حدة الاستقطاب الإسلامي العلماني مع مرور الوقت.   وقد حرص إسلاميو حزب المؤتمر، والإسلاميين القريبين منهم، في الفترة الأولى التي تلت الثورة في السودان، على البقاء في حالة سكون تام في انتظار ما ستسفر عنه التحولات الجارية. خاصة مع العداء الشديد لهم هناك باعتبارهم القوى الحاكمة من خلال البشير. لكن بدأ هذا الموقف يتغير مع الانقسامات التي حدثت خلال المرحلة الانتقالية. فيما يتعلق بالصراع بين المؤسسة العسكرية برئاسة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، فقد سارعت جماعة الإخوان المسلمين، في إعلان دعمها الكامل للمؤسسة العسكرية، واصفة ما حدث بأنه تمرد من جانب قوات الدعم السريع على الدولة، تمرد خطط له “بمكر وخبث ودهاء من جهات خارجية وإقليمية وعملاء الداخل لتمزيق وحدة البلاد، وتفكيك جيشها وتحويل السودان إلى دولة فاشلة”. وقد دعا البيان الصادر عن المراقب العام للجماعة في السودان، عادل على الله إبراهيم، “الشعب السوداني وقواه الوطنية لمساندة قواته المسلحة رمز السيادة في معركة لا تعرف الحياد”[4]. وهو نفس الموقف الذي أعلنه حزب المؤتمر الوطني (المنحل). موقع الإخوان المسلمين من الصراع ومحدداته: رأى كثيرون داخل الساحة السودانية وخارجها، أن هناك تحالف استراتيجي بين قادة الجيش السوداني وبين فلول نظام البشير، وأن هذه المعارك بين الجيش والدعم السريع ” دُبرت من طرف ضباط كبار من الإخوان في الجيش”[5]، حتى أن قائد قوات الدعم السريع نفسه صرح أكثر من مرة أنه الوحيد الذي يحمي عملية التحول الديمقراطي في السودان وأنه يحارب الإسلاميين المتطرفين المتترسين بالجيش، ويصف الصراع الذي يقوده الجيش ضد ميلشياته؛ بأنه يقوده الإسلاميون لاستعادة السلطة التي فقدوها. جاء موقف قوى الحرية والتغيير من مسألة علاقة المؤسسة العسكرية بفلول النظام السابق قريبا من موقف حميدتي، فقد حمَّلت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) مسؤولية ما حدث من اشتعال العنف بين الجيش وقوات الدعم إلى بقايا النظام السابق، متمثلًا في حزب المؤتمر الوطني المُنحل؛ إذ ترى قوى الحرية والتغيير أن من مصلحة النظام السابق وفلوله ومؤيديه، الوقيعة بين طرفيْ المُكوِّن العسكري؛ لما سينتج عنه من حالات فوضى وعدم استقرار في كافة أرجاء البلاد[6]. يبدو موقف الحرية والتغيير من هذه المسألة متفهماً في ظل حالة التوجس والترصد المتبادلة بين المؤسسة العسكرية وقوى الحرية والتغيير؛ فمن جهة فإن قوى الحرية والتغيير تنظير بعين الشك والتوجس للمؤسسة العسكرية، وتفضل وجود حالة توازن قوى بين الجيش وقوات الدعم مما يحول دون استئثار “البرهان” بالسلطة يفتح له المجال لإقصاء قوى الثورة من المشهد السياسي. ومن جهة أخرى فإن فالمزاج العام بين العسكريين مرتاب من موقف تيار في قوى الحرية والتغيير “ظل ينادي بتفكيك المؤسسة باعتبارها موالية لنظام البشير”، ورموز هذا التيار هم من دفعوا باتجاه التقارب بين قوى الحرية والتغيير وقائد قوات الدعم السريع[7]. في المقابل ثمة فريق أخر ينفي وجود علاقة استراتيجية بين المؤسسة العسكرية في السودان وبين الإخوان؛ وأن هذه الادعاءات عن وجود علاقة بين إسلاميو الثورة المضادة وبين الجيش إنما هي فزاعة، كان يستخدمها الجيش نفسه في تخويف القوى السياسية المدنية، وهي نفس الفزاعة التي يستخدمها خصوم المؤسسة العسكرية في ابتزاز هذه الأخيرة[8]. بالتالي يستخدم قائد قوات الدعم السريع هذا الادعاء في إكساب تحركاته العسكرية ضد الجيش شرعية، وفي محاولة كسب تأييد جانب من الشارع ومن الخبة السياسية[9]. جدير بالذكر أن ثمة وقائع يمكن قراءتها باعتبارها مؤشر على وجود تحالف بين الجيش والإسلاميين، كذلك يمكن النظر إليها باعتبارها ليست دالة على ذلك إلا بكثير من التعنت؛ فمن جهة كونها مؤشر على وجود تحالف استراتيجي بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية، فإن قبيل انقلاب البرهان على شركائه في الحكم “تحالف قوى الحرية والتغيير”، “وحلّ مجلسي السيادة والوزراء وإقالة حكام الولايات وفرض حال الطوارئ، في أكتوبر 2021، بدأت المحكمة العليا إلغاء قرارات لجنة إزالة التمكين، حيث أعيد كل من فصلتهم لجنة إزالة التمكين إلى وظائفهم، كما أعيدت الممتلكات والعقارات والشركات والمصانع المصادرة، واعتبرت المحكمة قرارات اللجنة معيبة وتخالف القانون وأسس العدالة. ولجنة إزالة التمكين هي لجنة أنشئت عقب تولي عبد الله حمدوك لرئاسة الحكومة، برئاسة عضو مجلس السيادة ياسر العطا، وضمت أعضاء من قيادات تحالف…

تابع القراءة
تونس أمام مسارات صعبة بعد اعتقال رئيس البرلمان راشد الغنوشي

تونس أمام مسارات صعبة بعد اعتقال رئيس البرلمان راشد الغنوشي

تظل لحظة اعتقال رئيس حركة النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي، في 17 إبريل  الماضي، ليلة 27 رمضان الماضي، لحظة فارقة بتاريخ تونس الحديثة وكما وصفتها صحيفة الجارديان البريطانية، “ذروة التصعيد الانقلابي”، الذي يصيب هذه المرّة رجلاً يتجاوز، برمزيته الفكرية والسياسية، الحالة التونسية، إذ تمنحه مكانته الفكرية كل هذا الحضور في الدوائر الفكرية والسياسية، الإقليمية والدولية على حد سواء، وقد دلت عليه حالة الرفض الكبير والإدانة والاستنكار لعملية اعتقاله وإيداعه السجن من دون أي تهمة واضحة، سوى أنه مناوئ للانقلاب الأسخف في تاريخ الانقلابات في العالم. وقد ظلّ الغنوشي عدوّاً لدوداً للديكتاتوريات، وصُداعاً حادّاً لها، وأحد أهم أعدائها في الحالة التونسية، حيث شكّل منذ بداية مشواره السياسي، الذي بدأه بتأسيسه “حركة الاتجاه الإسلامي” في العام 1969، في ظل حكم بورقيبة، وتالياً إبان حكم زين العابدين بن علي، وظلّ ثابتاً في موقفه المبدئي الرافض للاستبدادَ السياسي، فاعتُقل وحُكم بالسجن أكثر من مرة، في عام 1981، بعد الحكم عليه بالسجن عشر سنوات، ولكنه خرج منه 1984، ثم سُجن عام 1987، وأُطلق بعدها ليغادر تونس ويظل في المنفى نحو 20 عاماً. خبرَ الأنظمة الاستبدادية الغبية جيداً، وتمكّن من منازلتها فكرياً وسياسياً على امتداد تاريخه النضالي السياسي، وانتصر في جُل معاركه معها، وتمكّن من صياغة خريطة طريق لشعبه وللحركات النضالية والفكرية، وساهم في تفكيك بنية الاستبداد الفكري والسياسي معاً، وهو ما جعله يحظى بمكانةٍ كبيرة، مفكّراً ومناضلاً في سبيل الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية. أولا: خلق أزمة حول الغنوشي: 1-افتعال أزمة حول تصريحات الغنوشي: وعلى ما يبدو أن الأزمة السياسية في تونس تتدحرج نحو منعرج خطير بعد توقيف الغنوشي رفقة عدد من قيادات الحركة، في وقت يستخدم النظام القائم قانون الإرهاب، ويوظف أجهزة الدولة لتلفيق التهم الكيدية ضد خصوم الرئيس قيس سعيد وجاء اعتقال الغنوشي”81 عاما”، لأول مرة منذ ثورة 2011، على خلفية تصريحات له اعتبرتها النيابة العمومية تحريضية. كما أغلقت قوات الشرطة يوم الثلاثاء 18 ابريل الماضي، مقار حزب النهضة وألغت الاجتماعات السياسية للحزب، وأيضا جبهة الخلاص بعد إغلاق مقارها. وجاء توقيف الغنوشي عقب ظهوره آخر مرة في أمسية رمضانية السبت 15 ابريل، بمقر جبهة الخلاص المعارضة، ندد خلالها بالنخب المختفية بالانقلابات، قائلا “الانقلابات لا يُحتفى بهاK الانقلابات ترمى بالحجارة”، مضيفا أنه لا يجب التساهل مع تلك النخب أو التعامل معها بسماحة. وقال أيضا إن “تونس دون إسلام سياسي أو يسار أو أي مكون من المكونات هي مشروع حرب أهلية”، مضيفا أن من احتفوا بما سماه الانقلاب هم انتهازيون وإرهابيون ودعاة حرب أهلية وبدلا من أن يناقش الغنوشي في تحذيراته  للنظام، والتي تنطلق من خبرات تاريخية طويلة على الصعيد السياسي والاجتماعي، جرى الزج به بالسجن، حيث يتم قسرا تأميم الرأي العام في البلاد لصالح جهة واحدة لا تريد سماع إلا ما تريده فقط، ولو على حساب الوطن. 2-حرب تحرير وطني ضد المعارضة السلمية!!! وعلى طريقة  الطغاة وعتاة الاستبداد، سعى قيس سعيد لخلق حالة عداء لتبرير أفعاله غير المناسبة للحظة التاريخية التي تمر بها تونس، فزعم أن “هناك من يحاول تفجير الدولة من الداخل لتحويل البلاد إلى مجموعة من المقاطعات”،  مشددا “نخوض اليوم حرب تحرير وطني من أجل فرض سيادتنا كاملة ولن نتنازل عن أي جزء منها” واعتبر الرئيس التونسي أن “من يحاولون تعطيل مسار الشعب يجب التصدي لهم”، مستدعيا القضاة لمعركة مسيسة، بقوله “على القضاء أن يلعب دوره في هذه المرحلة التي تعيشها البلاد” وهو ما تحرك القضاء والنيابة العمومية على إثر تلك التصريحات الرئاسية، وقضى بحبس الغنوشي على ذمة التحقيقات، منطلقا من المادة 79 من قانون العقوبات، التي ربما تصل بالغنوشي إلى منصة الإعدام.. ثانيا: أهداف قيس من اعتقال الغنوشي: 1-إلهاء الجماهير عن أزماتها الاجتماعية: وتشيء مجريات التفاعلات السياسية بتونس، إلى أن قرار اعتقال الغنوشي استهدف  التغطية على فشل سياسات قيس سعيد  وسوء إدارته الدولة في جميع ملفاتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية، و لإلهاء الجماهير عن قضاياهم الحقيقية المتعلقة بمعيشتها وأمنها ومصيرها ومصير أبنائها في وطنٍ على أبواب الإفلاس وقد تعدّدت إجراءات الرئيس وقراراته التعسّفية بعد استحواذه على الدولة، وتبديل هيئتها ودستورها. ويجمع المتابعون للشأن التونسي على عدم الرضا على سياسة الدولة، وعجزها البيّن عن إيجاد الحلول الناجعة للأزمات المتفاقمة التي تردّت إليها تونس. ويرى هؤلاء أن هذه الإيقافات والاعتقالات سابقة سياسية تأتي  في إطار “التغطية” وإلهاء الرأي العام عن حقيقة هذا العجز وخطورة الوضع المأزوم في البلاد، وفي ظل تصاعد الشكوك بشأن نزاهة ومصداقية مجمل الإيقافات والاعتقالات التي تنفذها الأجهزة الأمنية والقضائية تحت عناوين مكافحة الفساد والتصدّي للتآمر على أمن الدولة منذ إعلان قيس سعيّد إجراءاته في يوليو 2021، عاد إلى السطح شبح الملفّ الأسود للاعتقالات السياسية والمحاكمات في عهود سابقة من تاريخ الدولة الوطنية منذ الاستقلال (1956) بعناوين حتى لو مختلفة، مثل الخيانة العظمى أو التآمر على أمن الدولة أو الفساد وسوء التصرّف. 2- تقويض المعارضة لضمان استمرار الانقلاب: كما يمثل اعتقال الغنوشي مؤشّرا واضحا، على رغبة سعيد لإنهاء حركة النهضة وحلها ومجمل الأحزاب الفاعلة والمعارضة لسعيّد. ولا يستبعد أن تعود “النهضة” وهذه الأحزاب إلى العمل السرّي. ويذهب أغلب الفرقاء السياسيين إلى اعتبار سجن الغنوشي و منع حزبه من النشاط هو الفصل الأخطر لمسلسل الإيقافات والاعتقالات التي انطلقت موجتها بعد إجراءات قيس سعيّد التي اتخذها بتفعيل الفصل 80 من دستور 2014، وأعلنها يوم 25 يوليو/ تموز 2021، وطاولت شخصيات سياسية بارزة معارضة فُتحت في شأنها ملفات قضائية من الوزن الثقيل، بتهمة التآمر على أمن الدولة، وهي التهمة التي تحاول السلطة تثبيتها … ولكن المعارضة، في مجمل أطيافها وجهات خارجية عديدة، تتمسّك بقوة سردية أن لا علاقة لهذه الإيقافات بالتهم المنسوبة إليها، وأنها مجرّد محاكمات سياسية، غرضها التنكيل بالخصوم ووضع كل معارضي سعيّد قيد الإيقاف، لا سيما في ظل الزمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي الأصعب للدولة. ثالثا: دلالات اعتقال الغنوشي: 1-فشل قيس سعيد بإقناع العالم بمساره الانقلابي: ووفق تقديرات سياسية، فإن موجة قضم الحريات واعتقال المعارضين السياسيين، تعبر عن فشل  ذريع للسلطة القائمة في إقناع الدوائر الدولية بأن التدابير الاستثنائية التي اتخذها سعيد يوم 25 يوليو 2021 خطوة تصحيحية لمسار الانتقال الديمقراطي. حيث تركزت قرارات سعيد وسياساته منذ انقلابه، على تركيز السلطات جميعها بيده، واستهداف المعارضين والتضييق على المجتمع المدني، واتباع سياسات اقصائية بصورة متزايدة ويمثل قرار منع الاجتماعات بمقر حركة النهضة وجبهة الخلاص المعارضة دليلٌ على توجه السلطة إلى تضييق الخناق على المعارضين، إلا أن السلطة لن تنجح من خلال توقيف المعارضين، في ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وعدم قدرتها على إيجاد حلول لإنقاذ البلاد من الإفلاس وكان وزير الداخلية الجديد كمال الفقي وجّه برقية إلى الولاة ومديري الأقاليم للأمن والحرس ورؤساء المناطق الجهوية للأمن الوطني، بمنع الاجتماعات في مقرات حركة النهضة بكامل…

تابع القراءة
المركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة الإدارية وعلاقته بالصراع بين السيسي وشيخ الأزهر

المركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة الإدارية وعلاقته بالصراع بين السيسي وشيخ الأزهر

جاء مشهد افتتاح عبد الفتاح السيسي “مسجد مصر الكبير”، و”المركز الثقافي الإسلامي”، بالعاصمة الادارية الجديدة، في أول ليالي رمضان، لتعيد للواجهة ترهات السيسي الدينية  ومشروعه لتسييس الدين لخدمة استبداده، والخلافات التي لم تتوقف منذ سنوات بين السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب، حول الرؤى الدينية للسيسي، في إطار إخضاعه كافة مؤسسات الدولة الدينية والثقافية والسياسية.. أيضا عبر الافتتاح الملكي لـ”مسجد  مصر الكبير” عن كم كبير من الإنفاق البذخي  للسيسي في وقت يعاني فيه المصريون من أزمات اقتصادية كبيرة، تستوجب ترشيد الإنفاق، بدلا من الإسراف على تشييد مسجد كبير بالقرب من مسجد “الفتاح العليم”، وسط تصريحات مستفزة من السيسي بالتوجيه نحو التوسع في بناء مساجد كبيرة بالمحافظات..في وقت تغلق فيه آلاف المصانع والشركات، على وقع الأزمات المالية والاقتصادية التي تعيشها الدولة المصرية.. دلالات المشهد: أولا: مساجد فارهة رغم الأزمات الاقتصادية: وعلى الرغم من أزمات الاقتصاد المصري الكارثية، بنى السيسي مسجد مصر الكبير في العاصمة الإدارية الجديدة، على مساحة 19 ألفاً و100 متر مربع، ونفذته شركة “المقاولون العرب” تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة (الجيش)، بتكلفة تخطت 800 مليون جنيه. واستمع السيسي إلى حديث لأحد قيادات الجيش، أكد فيه حصول “مسجد مصر” على 3 شهادات من موسوعة غينيس للأرقام القياسية، الأولى بشأن أكبر منبر في العالم مصنوع يدوياً بارتفاع 16 متراً، والثانية والثالثة للنجفة الرئيسية بوصفها أثقل نجفة في العالم بوزن 50 طناً، والأكبر بقطر 22 متراً على 4 أدوار. ويسع المسجد الواقع في قلب الصحراء لنحو 130 ألف مصل، ويحتوي على 3 مداخل رئيسية تعلوها قبب إسلامية، بالإضافة إلى مدخل خدمي رابع. ويتكون المسجد من صحن للصلاة بمساحة 9600 متر مربع، تعلوه قبة إسلامية رئيسية بقطر داخلي 29.5 متراً، و6 قاعات تبلغ مساحة القاعة الواحدة 350 متراً مربعاً، تعلو كل منها قبة إسلامية. ويواجه السيسي اتهامات بإهدار أموال الدولة على بناء القصور الرئاسية والمساجد الفخمة، عوضاً عن تطوير المدارس والمستشفيات، وخدمات البنى التحتية المتدهورة في البلاد. وتضم العاصمة الإدارية الجديدة، التي تقع على بعد 45 كيلومتراً شرق العاصمة القاهرة، واحداً من أكبر المساجد على مستوى العالم، وهو مسجد الفتاح العليم المقام على مساحة 106 أفدنة، بينها فدانان تقريباً لمبنى المسجد الذي تعلوه 21 قبة، ويضم 7 قاعات مناسبات. وافتتحه السيسي في يناير 2019، بالتزامن مع افتتاح كاتدرائية “ميلاد المسيح” يوم عيد الميلاد. فيما تواجه مصر أزمة اقتصادية طاحنة جراء فقد عملتها أكثر من نصف قيمتها في غضون عام، ومواجهة الجنيه ضغوطاً شديدة تدفعه إلى مزيد من التراجع، إثر تسجيل الدولار 41 جنيهاً في العقود الآجلة، مقارنة مع سعر رسمي يبلغ 30.95 جنيهاً في البنوك. ويعاني المصريون من ارتفاع مستمر في أسعار جميع السلع والمنتجات الأساسية، وتراجع دخولهم بصورة غير مسبوقة بفعل التضخم، الذي ارتفع معدله إلى 40.3% خلال فبراير الماضي، مقارنة مع 31.2% في يناير السابق عليه، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري. ثانيا: إهانات لشيخ الأزهر بالعاصمة الجديدة: وقد شهدت فعاليات حفل الافتتاح  للمسجد والمركز الثقافي بالعاصمة الإدارية، عدد من المواقف المسيئة لشيخ الأزهر والمؤسسة التي يملها؛ منها: وكان من الأمور اللافتة، ذي الدلالات الكاشفة، هو الحضور اللافت لمستشار السيسي للشؤون الدينية، الشيخ أسامة الأزهري، على حساب ظهور شيخ الأزهر أحمد الطيب. حيث بدأ الأزهري هو من يرافق السيسي ويشرح له التفاصيل الانشائية  للمسجد والمركز وأهدافه الإسلامية، فيما اقتصر  موقف الطيب على سلام باهت من السيسي دون أن يعطيه اهتماما يذكر، خلال فعاليات الافتتاح، سوى من كلمة قصيرة متأخرة بوقتها، عطلت أذان الفجر في وقته. ولم تتعدَّ خطبة شيخ الأزهر إلا دقائق معدودة خلال الاحتفال الذي استمر 3 ساعات فجر اليوم الأول من رمضان، قبل دقائق معدودة من الأذان داخل “مسجد مصر”، مما بعث مؤشرات على أن الخطبة كانت بمثابة حدث هامشي، وتسببت في تأخير رفع أذان الفجر، وظهر على شيخ الأزهر، أحمد الطيب، بوادر عدم الارتياح، خصوصاً أنه قال كلمته التي لم تخلُ من رسائل سياسية على عجل. فقد أكد شيخ الأزهر أن “العلم النافع في الإسلام، الذي ينجي صاحبه يوم القيامة هو العلم الذي قُصد به وجه الله ونفع الإنسان، وكل ما خرج عن هذه الغاية ضلالة وضياع، كما أن العبادة التي لا ترتبط بهذا الهدف النبيل هي هباء في مهب الريح”. وتماشى المغزى من الحديث حول جدال واسع في المجتمع المصري حول أهداف المركز وتكلفته الباهظة التي بلغت 800 مليون جنيه، في وقت تعاني فيه البلاد أزمة اقتصادية طاحنة. كما أن إنشاء المركز والترويج له، باعتباره نافذة للمعرفة والخطاب الديني المستنير، إذ ارتبط هذا التوصيف بمؤسسة الأزهر على مدار تاريخها الذي يتجاوز ألف عام من الزمان. ومن خلال المقدمات ومعطيات وقائع العلاقات بين السيسي وشيخ الأزهر، يبدو أن الهدف من إنشاء المركز والمسجد الكبير.سيلعبان دورا على حساب الأزهر الشريف، الذي يسعى السيسي منذ وقت لتحييد الأزهر عن قضايا المجتمع المصري. كما  أن السيسي  يستهدف الترويج لنفسه بالمنطقة، وتقديم نفسه كراعي للوسطية والاسلام ومحاربة التطرف والإرهاب..من خلال الترويج لنشر التعاليم الدينية الوسطية؛ ليكون امتداداً للدور الذي تلعبه مصر منذ تأسيس الأزهر الشريف، وأن المركز سيتولى مهام مرتبطة بدعم مسألة تجديد الخطاب الديني، ليكون بمثابة منارة ثقافية دينية بديلة، تتماشى مع الحداثة التي تمثلها العاصمة الإدارية الجديدة. وعلى الرغم من أن الأزهر الشريف يعد أقدم وأهم مؤسسة دينية في مصر- تأسس عام 972 ميلادية، إلا أن المركز  يستهدف  الاضطلاع بنفس المهام، متجاوزا دور الأزهر، الذي باتت أفكار شيخه وعلمائه لا تتوافق مع رؤية  السيسي، وهو ما بدا واضحا في تقديم شخصية أسامة الأزهري على شخصية شيخ الأزهر. ويتولى الأزهر الشريف بالفعل مهمة نشر الثقافة الإسلامية داخلياً وخارجياً من خلال المعاهد الأزهرية الموجودة في كل أنحاء مصر. والأزهر الشريف يعد أقدم مؤسسة في مصر وأهمها وينص الدستور في مادته السابعة على أن “الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كل شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء.. لذلك جاء الحديث عن هيئة جديدة تتمثل في مركز مصر الإسلامي؛ لتتولى نشر سماحة الدين الإسلامي على المستوى الخارجي، لتأكيد هذا التوجه نحو تنحية أو تهميش دور الأزهر الشريف. وتبقى الدلالة الأكبر على تهميش الأزهر، هو إبعاد الأزهر عن خطوات تأسيس المركز الإسلامي وعلى الرغم من أن المعلن هو أدوار المركز الجديد تتكامل مع مهام مؤسسة الأزهر التي تُعد الهيئة الدينية الأكبر في البلاد، وأن مرجعيته الرئيسية تتمثل في نشر مبادئ الإسلام الوسطي، وأن إدارة المركز منبثقة من المشيخة، لكنها تخضع لإشراف الرئاسة المصرية من خلال الشيخ أسامة الأزهري….

تابع القراءة
القمة الإفريقية السادسة والثلاثون وقراءة في قرار حظر الإخوان المسلمين في جزر القمر

القمة الإفريقية السادسة والثلاثون وقراءة في قرار حظر الإخوان المسلمين في جزر القمر

اختتمت أعمال القمة الإفريقية لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي والتي استمرت خلال يومي 18-19 فبراير 2023، هذه القمة هي السادسة والثلاثون للاتحاد الذي يضم 55 دولة، وكانت الحكومة الإثيوبية قد أعلنت إن 35 رئيس دولة وأربعة رؤساء حكومات على الأقل يشاركون فيها، كما تبع القمة مباشرةً صدور قرار دولة جزر القمر، يوم السبت 25 فبراير 2023، بحظر 69 كيانًا حول العالم بصفتهم جماعات وتنظيمات إرهابية، ومن بينهم جماعة الإخوان المسلمين. فما هي الظروف التي جاءت فيها القمة؟ وما هي أهم الملفات والقرارات التي ناقشتها؟ وماذا كانت أهم الأحداث التي جرت خلالها وبعدها؟ وكيف يُمكن قراءة قرار حظر جزر القمر لجماعة الإخوان المسلمين؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير..   أولًا: قمة الاتحاد الإفريقي السادسة والثلاثون.. جاءت القمة تحت عنوان “نحو تسريع مسار تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية”، وناقشت سُبُل تفعيل وتسريع اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية وإزالة المعوقات التي تعتري عملها.   خلفيات القمة وما يواجه القارة الإفريقية من تحديات: تأتي القمة هذا العام في فترة حساسة لإفريقيا، حيث عملية السلام الحديثة في إثيوبيا والنزاعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية ومنطقة الساحل ودولة جنوب السودان وحركات تمرد جهادية في الصومال وموزمبيق.[1] وتعصف بالقارة في تلك الأثناء العديد من التحديات الأمنية والنزاعات المسلحة وخاصةً في منطقتي الساحل والقرن الإفريقيين، وكذلك تنامى الانقلابات العسكرية بصورة تؤثر على استقرار دول القارة وتوفير سبل التنمية المستدامة لشعوبها، بالإضافة إلى آثار موجات الجفاف والفيضانات نتيجة للتغيرات المناخية والتي أدَّت إلى تنامى ظاهرة النزوح؛ حيث ارتفع عدد النازحين في إفريقيا جنوب الصحراء بنسبة أكثر من 15% خلال العام الماضي ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة فإن عدد النازحين قد تزايد من 38.3 مليون إلى 44 مليون نازح خلال عام 2022. وفى ذات السياق، تواجه القارة تحديات أخرى مثل تنامى ظاهرة الإرهاب، حيث شهد العام المُنصرم تصاعد نفوذ الجماعات الارهابية في شرق إفريقيا، في الصومال ومنطقة القرن الإفريقي وصولًا إلى شمال موزمبيق رغم الجهود الدولية والاقليمية لمواجهته، كما زادت هجمات الجماعات الموالية لتنظيم داعش على منطقة غرب إفريقيا وعلى الساحل وصولًا لدول حوض بحيرة تشاد. هذا فضلًا عن تصاعد أزمة الغذاء التي تواجه القارة نتيجة لتداعيات جائحة كورونا والتغيرات المناخية والحرب الروسية -الأوكرانية، وهو ما يُهدِّد حياة أكثر من 15مليون شخص في منطقة القرن الإفريقي، وتُقدِّر اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن نحو 346 مليون شخص في إفريقيا يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهو ما يعني أن ربع سكان القارة ليس لديهم ما يكفى من الطعام، ويعاني قرابة 38 مليون شخص من الجوع، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تتراوح بين 40% و50% في بعض الدول الإفريقية وتراجع القوة الشرائية بنسبة 40% مما أثر على القطاعات الاكثر فقرًا ووضعهم في أوضاع صحية حرجة.[2]   افتتاح القمة: أُقيم حفل الافتتاح الرسمي للقمة في قاعة مانديلا بمركز مؤتمرات الاتحاد الإفريقي، وكان أبرز المتحدثين الرئيسيين، موسى فقي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وأبي أحمد، رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية، والأمين العام لجامعة الدول العربية، وأنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس وزراء فلسطين السيد محمد إشتية، ورئيس الاتحاد المنتهية ولايته، الرئيس ماكي سال، رئيس جمهورية السنغال. وفي خطابه أمام المؤتمر، ذكر موسى فقي محمد أن القمة السادسة والثلاثين للاتحاد الإفريقي تنعقد في وقت يتسم فيه السياق الدولي بشكوك مقلقة، تغذيها الصراعات الجيوسياسية، والحوكمة الاقتصادية المجزأة، مع عواقب لا يُمكن التنبؤ بها على إفريقيا، وأكَّد أنه على الدول الإفريقية الأعضاء أن تُقرِّر خياراتها الاقتصادية والإنمائية في ظل ما تعيشه من أزمات اقتصادية. ودعا إلى الحاجة إلى الوحدة الإفريقية الشاملة للدول الأعضاء، مشيرًا في هذا الإطار إلى ملف الإرهاب. كما أكَّد على الحاجة إلى الإسراع بعزم في مشروع التكامل الاقتصادي، من خلال تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. وأعرب الرئيس موسى فقي عن أسفه لعودة التغييرات غير الدستورية للحكومات مؤخرًا، مما زاد من عدم الاستقرار السياسي وإضعاف الدول. وذكر أن ذلك أدى إلى التطرف العنيف والإرهاب والصراع المتأصل في العمليات الانتخابية والصراعات بين المجتمعات وتغير المناخ. أما آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، فقد رحَّب بنظرائه في أديس أبابا، وشكر الدول الإفريقية على دعمها المستمر ومساهمتها في المساعدة في إيجاد حل دائم لجهود السلام في إثيوبيا. وشدَّد على مبدأ الحل الإفريقي للمشاكل الإفريقية داعيًا الدول الأعضاء إلى إظهار التضامن مع بعضها البعض في أوقات الأزمات. وطالب خلال كلمته بأن يتم الاعتراف بإفريقيا بمقعد دائم على الأقل في مجلس الأمن التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة، نظرًا لأن إفريقيا تقود الآن كلاعب رئيسي في المشهد الدولي. الرئيس ماكي سال، رئيس الاتحاد المنتهية ولايته، قدَّم لنظرائه بعض الإنجازات خلال فترة ولايته كرئيس للاتحاد الإفريقي لعام 2022. وسلَّط الضوء على بعض التحديات التي يتعين على إفريقيا التغلب عليها مثل آثار الاحترار العالمي وتغير المناخ والأزمة الصحية غير المسبوقة والإرهاب في القارة واستمرار الصراعات القديمة أو الجديدة وعودة الانقلابات.[3]   أهم القضايا المُثارة خلال القمة: خلال الاجتماع، شدَّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على أن “إفريقيا بحاجة إلى العمل من أجل السلام”، مشيرًا خصوصًا إلى الوضع في منطقة الساحل وشرق جمهورية الكونغو الديموقراطية. وقبل القمة جرت مناقشات حول الوضع في شرق الكونغو الديموقراطية حيث تنتشر مجموعات مسلحة لاسيما في المنطقة الحدودية مع رواندا، بحضور رئيس الدولة الكونغولي فيليكس تشيسكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي. في هذا الاجتماع، دعا رؤساء دول مجموعة شرق إفريقيا التي تضم سبعة بلدان إلى “انسحاب جميع المجموعات المسلحة” بحلول 30 مارس. القضية الأخرى على جدول الأعمال كانت منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية التي يُفترض أن تضم 1,3 مليار شخص وتصبح أكبر سوق في العالم في عدد السكان. وركَّز قادة الدول على تسريع إنجاز المنطقة الحرة التي تهدف إلى تعزيز التجارة داخل القارة وجذب المستثمرين. تشكل التجارة بين الدول الإفريقية حاليًا 15% فقط من إجمالي تجارة القارة. ويرى البنك الدولي أن الاتفاق سيسمح باستحداث 18 مليون وظيفة إضافية بحلول 2035 و “يُمكن أن يساعد في انتشال ما يصل إلى خمسين مليون شخص من الفقر المدقع”. وتفيد أرقام الأمم المتحدة بان مجموع إجمالي الناتج الخام لهذه المنطقة سيبلغ 3,4 تريليونات دولار. لكن دول القارة لم تتوصَّل إلى الاتفاق بشأن جدول خفض الرسوم الجمركية بعد الاتفاق الذي وقَّعته كل دول الاتحاد الإفريقي باستثناء إريتريا. وقد تولَّى غزالي عثماني رئيس جزر القمر الأرخبيل الصغير الواقع في المحيط الهندي ويبلغ عدد سكانه حوالي 850 ألف نسمة، الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، خلفًا للرئيس السنغالي ماكي سال. ودعا عثماني إلى “إلغاء كامل” للديون الإفريقية. وحول ملف مالي وبوركينا فاسو وغينيا التي يقود كل منها عسكريون تولوا السلطة على إثر انقلابات وعُلِّقت عضويتها في الاتحاد الإفريقي، أرسلت الدول…

تابع القراءة
تحركات السيسي الأخيرة في سيناء.. الدلالة والمغزى

تحركات السيسي الأخيرة في سيناء.. الدلالة والمغزى

تحمل تحركات الجنرال عبدالفتاح السيسي مؤخرا في شمال سيناء كثيرا من الغموض الذي يحتاج إلى تفكيك لمعرفة دوافع هذا الاهتمام الملحوظ مؤخرا؛ لا سيما وأنه يأتي في أعقاب عودة حزب الليكود اليميني المتطرف إلى صدارة المشهد السياسي في دولة الاحتلال الإسرائيلي وعودة بنيامين نتنياهو على رأس حكومة الاحتلال منذ نوفمبر الماضي “2022م”. من أهم هذه التحولات الاهتمام الرسمي بمخططات تنمية سيناء وتنظيم فعالية استعراضية بهذا الشأن، والزعم بأن فاتورة ما تم إنفاقه في سيناء تصل إلى (40 إلى 50 مليار دولار) بينما يؤكد مصطفى مدبولي رئيس الحكومة أن فاتورة التنمية في سيناء منذ 2014 حتى 2023 تصل إلى (610 مليار جنيه). ثم وتأكيد السيسي أن النظام قد نجح في القضاء على الإرهاب، وأنه لم يعد هناك عذر لاستئناف مخططات التنمية بعد سحق عناصر تنظيم “ولاية سيناء” في مناطق تمركزهم؛ وذلك بعدما تمكن النظام من تجنيد قيادات بالتنظيم على صلة قرابة ببعض شيوخ القبائل المساندة للجيش بعدما تم إغراؤهم بالحماية والعفو عنهم ومنحهم حياة جديدة خارج سيناء مقابل دعم النظام وأجهزته الأمنية؛ الأمر الذي مكن النظام من الحصول على معلومات ذهبية شديدة الأهمية والخطورة بشأن تمركز عناصر التنظيم وفلسفة تحركاتهم.[[1]] هذا بخلاف تحركات أخرى أهمها الحملة الأمنية على منطقة “البرث” إحدى مناطق نفوذ إتحاد القبائل المساند للجيش؛ وهي الحملة التي استهدفت زراعات وتهريبها والتي يقف وراءها قيادات رفيعة باتحاد قبائل سيناء الظهير الشعبي المساند للنظام في حربه ضد تنظيم «ولاية سيناء» التابع لتنظيم “داعش”. فما أهم هذه التحركات والتصريحات؟ ولماذا هذا الفارق الضخم في كلفة فاتورة التنمية المزعومة بين رقم السيسي ورقم رئيس الحكومة؟ وأين ذهب هذا الفارق الضخم؟ وما علاقة ذلك كله بعودة نتنياهو إلى راس السلطة في حكومة الاحتلال؟ و ما سر الاهتمام الملحوظ من جانب السيسي بسيناء بعد التحولات السياسية في المشهد السياسي الإسرائيلي؟ وهل لذلك علاقة بمخططات صفقة القرن أم أنها تعبر عن مزيد من المخاوف بعد عودة الليكود؟   عسكر ومدبولي في سيناء أولى التحركات التي تحتاج إلى تفسير وقراءة متأنية، جرت في يناير2023م؛ حيث شهد شمال سيناء زيارات لكبار القادة والمسئولين بالجيش والحكومة، حيث ترأس الفريق أسامة عسكر رئيس أركان القوات المسلح وفدا عسكريا رفيع المستوى وقام بجولة في شمال سيناء (الخميس 12 يناير2023م)، وهي الزيارة التي سبقها إزالة كافة الكمائن العسكرية داخل مدن العريش والشيخ زويد، وتنظيف الطرقات من السواتر الرملية الضخمة والجدران الإسمنتية التي تحيط بالمواقع والمراكز الحيوية لتجنب الهجمات الخاطفة لتنظيم “ولاية سيناء”. عسكر قام بجولة ميدانية للعريش والشيخ زويد ورفح الجديدة، بحضور عدد من شيوخ سيناء، الذين شاركوا في تأسيس اتحاد قبائل سيناء المساند للجيش، حيث تعهد عسكر بتحسين ظروف الحياة خلال الفترة المقبلة، مؤكدا أن سيناء ستكون على موعد مع مزيد من الزيارات لقيادات ومسؤولين مصريين رفيعي المستوى، من الجيش والحكومة ومجلس النواب وغيرهم. وكشف أن سيناء على موعد مع تنفيذ مشروعات كبرى سيجري البدء فيها على أرض المحافظة خلال العام الحالي، بما يشمل تشغيل مطار وميناء العريش، لتنشيط حركة التنقل والتجارة، وكذلك تشغيل الطريق الدولي الجديد الذي يربط بين منفذ رفح البري ورفح الجديدة، وصولاً إلى طريق القنطرة المؤدي إلى قناة السويس، بما يخفف من معاناة المواطنين في المنطقة.[[2]] بعد جولة عسكر بيومين، نظم رئيس الحكومة مصطفى مدبولي جولة (السبت 14 يناير2023م) في مدن شمال سيناء، وعقد مؤتمرا صحفيا مدعيا أن جولته نتيجة الأمان الذي تحقق وأن الدولة المصرية بكل أجهزتها بذلت جهدا هائلا لتطهير سيناء من الإرهاب ونزع جذوره، والعمل فى نفس الوقت على إقامة مشروعات تنموية. قال مدبولي إنها تدعو للفخر!   التنمية كغطاء وسط أنباء تشير إلى أن زيارات عسكر ومدبولي هل  من أجل التمهيد لزيارة السيسي لسيناء؛ اكتفى السيسي بتنظيم  استعراض عسكري (الأحد 26 فبراير 2023) باصطفاف معدات تابعة للجيش تشارك في مشروعات التنمية في سيناء. وهو الاستعراض الذي تابعه السيسي تلفزيونيا وأجرى مداخلة مع كبار القادة المشرفين عليه. خطاب السيسي وتصريحاته خلال المداخلة ركزت على  التأكيد على نجاح الدولة في القضاء على الإرهاب بسيناء، بل يذهب السيسي إلى أبعد من ذلك بالزعم أن الدولة لم تنجح فقط في القضاء على الإرهاب بل نجحت أيضا في تحقيق التنمية! يقول السيسي: «إن التنمية فى سيناء تحققت بفضل الله والجيش والشرطة وأهالي سيناء بعد دحر الإرهاب، الذى كان يعيق التنمية وحياة المواطنين». الملاحظة الأولى على هذا الاستعراض بمعدات الجيش المشاركة في مشروعات سيناء أنه جرى في إحدى الثكنات العسكرية التابعة للجيش الثاني في محافظة الإسماعيلية على بعد نحو (200) كم عن بؤرة التوتر في شمال سيناء. الملاحظة الثانية، أن هذا الاستعراض لم يحظ برضا كثير من أهالي سيناء الذين تساورهم الكثير من الشكوك حول وعود السيسي وأجهزته بشأن هذه المشروعات التي لا يستفيد منها السيناوية شيئا، فالسيسي وعد في مداخلته بالعمل من أجل تحسين البيئة الأمنية وضرورة عودة انتشار الشرطة بكثافة، وتحسين خدمات التعليم والصحة، رابطاً غياب إنشاء مشاريع لخدمة أهالي بالمنطقة بـ”وجود الإرهاب” فيها. كذلك جرى تكريم عدد من أبناء سيناء، العاملين في القطاعات الحكومية المختلفة، إضافة إلى تكريم أصحاب شركات اقتصادية عملت تحت مظلة الهيئة الهندسية لتنفيذ مشروعات سيناء خلال الأعوام الماضية. في حين لم تشمل المناسبة تكريم أي من مشايخ أو قادة أو أفراد المجموعات القبلية المساندة للجيش، ولا عوائل قتلى المجموعات أو المصابين منهم، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات سلبية على خطاب السيسي حول الوضع في سيناء، ومستقبل المنطقة. الملاحظة الثالثة أن  السيسي أهمل كذلك الدور الذي قام به اتحاد قبائل سيناء في مساندة الجيش عسكريا في المواجهات ضد عناصر تنظيم “ولاية سيناء”، يقول أحد مشايخ سيناء، الذين شاركوا في الاحتفالية[[3]]: “توقعنا برنامجاً مغايراً لهذه الاحتفالية، بأن يتم تقديم أبناء سيناء في واجهة الاحتفال، وتكريم المشاركين منهم، وكذلك توجيه دعم معنوي ومادي ذي قيمة لعوائل شهداء سيناء الذين قدّموا أرواحهم على طريق تحريرها من تنظيم داعش”. ويضيف مستنكرا: «شعرنا وكأننا في ندوة اقتصادية يتصدّرها رجال الأعمال والقيادات الحكومية والعسكرية، بينما جلس عشرات المشايخ من أبناء قبائل سيناء في مؤخرة الصفوف، من دون إعطائهم أي فرصة للحديث عن هموم ومشاكل المواطنين في المحافظة، وهذا تجاهل ما كان ينبغي أن يتم، فإن كان أبناء سيناء لم يحصلوا على فرصة للحديث بعد الإنجاز العظيم الذي حققوه، فمتى سيحصلون على تلك الفرصة؟!»، فالاحتفال خلا من أي فقرات تظهر الدور الكبير لأبناء سيناء برفقة القوات المسلحة في ملاحقة تنظيم داعش، وكذلك عدم الحديث عن مستقبل أبناء سيناء وأراضيهم”. الملاحظة الرابعة، هي الفروق الضخمة والهائلة بين تصريحات السيسي ومدبولي بشأن فاتورة التنمية في سيناء؛ فالسيسي  يدعي أن تكلفة التنمية تراوحت ما بين 40 و50 مليار دولار خلال السنوات الماضية!  وهو رقم مهول للغاية، (1200 مليار جنيه مصري أو…

تابع القراءة
هل تشهد إسرائيل حالة من تراجع الدعم الدولي؟

هل تشهد إسرائيل حالة من تراجع الدعم الدولي؟

يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي يواجه حالة من تراجع الدعم الدولي في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو التي تولت مقاليد الحكم في أواخر ديسمبر 2022. خاصة وأن جميع الأحزاب المشاركة في الحكومة الجديدة هي أحزاب متطرفة تدعم عملية الاستيطان وتهويد الضفة الغربية والقدس، وتنادي بإضفاء شرعية على كل البؤر الاستيطانية التي دشنت في الضفة بدون إذن حكومة وجيش الاحتلال، وتعارض قيام الدولة الفلسطينية ومنح الفلسطينيين أي قدر من السيادة على الأرض، وترفض استئناف “عملية السلام” ومسار تسوية الصراع. وفضلًا عن ذلك، تتبنى بعض أحزاب الحكومة مواقف أكثر تطرفًا في سعيها لحسم الصراع لصالح إسرائيل، فحركة “الصهيونية الدينية” بقيادة وزير المالية بتسلال سموتريتش تطالب بضم منطقة “ج” -التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية- إلى إسرائيل من دون منح الفلسطينيين الذين يقطنون فيها حقوقًا سياسية. وتعد حركة “القوة اليهودية” بقيادة وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير أكثر الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم تطرفًا، في كل ما يتعلق بالصراع مع الشعب الفلسطيني، حيث يدعو البرنامج العام للحركة صراحةً إلى تهجير فلسطينيي الضفة الغربية والقدس وفلسطينيي الداخل وفرض السيادة الإسرائيلية على كل الأراضي التي احتلت عام 1967. وينص على وجوب فرض السيادة اليهودية على المسجد الأقصى بوصفه “ملكا للشعب اليهودي”. وتطالب الحركة بإجراءات عملية لمواجهة النضال الفلسطيني؛ حيث يطالب زعيمها بن غفير بفرض حكم الإعدام على منفذي العمليات وطرد عوائلهم “ومن يؤيدهم” إلى خارج فلسطين، وتكثيف التصفيات الجسدية، بوصفها أحد الإجراءات في مواجهة المقاومة[1]. ويمكن رصد مظاهر تراجع هذا الدعم الدولي والإفريقي والعربي للاحتلال الإسرائيلي، والتي ظهرت خلال شهر فبراير الحالي (2023)، كما يلي:   أولًا: علي المستوي الدولي: فبعدما قررت السلطة الفلسطينية برئاسة “محمود عباس” اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار أممي “يدين” إسرائيل بعد خطوتها، في 12 فبراير الحالي، حيث منحت الحكومة التصريح لتسع بؤر استيطانية يهودية في الضفة الغربية المحتلة، وبوجود الإمارات كعضو غير دائم في مجلس الأمن هذا الشهر (فبراير)، قدمت أبوظبي مشروع القرار وتقرر أن يكون التصويت عليه في 20 فبراير. لكن في 19 فبراير، أبلغت الإمارات مجلس الأمن الدولي بأنها لن تدعو للتصويت على مشروع القرار الذي يطالب إسرائيل “بوقف فوري وكامل لجميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة”. وفي مذكرة أرسلتها للدول الأعضاء في مجلس الأمن، قالت الإمارات إنها تعكف حالياً على صياغة بيان رسمي، يُعرف باسم البيان الرئاسي، يتعين على المجلس المكون من 15 عضواً الموافقة عليه بالإجماع. وقالت المذكرة: “بالنظر إلى المحادثات الإيجابية بين الأطراف، فإننا نعمل الآن على مسودة بيان رئاسي من شأنه أن يحظى بالإجماع”. وأضافت: “وبناء على ذلك، لن يكون هناك تصويت على مشروع القرار المقرر في 20 فبراير. وسيستقى الكثير من لغة البيان الرئاسي من تلك المصاغ بها مشروع القرار”[2]. وبالفعل، فقد أصدر مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بيانًا رسميًا، في20 فبراير2023، واعتبر المجلس في هذا البيان الذي حظي بتأييد جميع أعضائه الخمسة عشر، أن “استمرار النشاط الاستيطاني الإسرائيلي يعرض مبدأ حل الدولتين للخطر على أساس حدود 1967”. كما أكد “معارضته لجميع الإجراءات الأحادية الجانب التي تعرقل السلام ومنها بناء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية ومصادرة الأراضي الفلسطينية وإضفاء الشرعية على المستوطنات وهدم مساكن الفلسطينيين وتهجير الفلسطينيين المدنيين”. وأعرب عن “قلقه العميق حيال إعلان اسرائيل إضفاء شرعية على تسع مستوطنات وبناء مساكن جديدة في المستوطنات القائمة”[3]. وقد صدر هذا البيان بعد التوصل إلي “صفقة سياسة” بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وأمريكا ودولة الإمارات. وقال موقع “واللا” العبري إن عناصر التفاهمات بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية حسب مصدران إسرائيليان هي: – التزام إسرائيل بتجميد خطط بناء إضافية في المستوطنات لعدة شهور. – تجميد هدم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية لعدة شهور. – تجميد إخلاء الفلسطينيين من منازلهم في المناطق المصنفة “ج” لشهور. – التخفيف من عمليات الاقتحام الإسرائيلية للمدن الفلسطينية. – موافقة إسرائيل على إجراء بعض التغييرات في مجال الضرائب على جسر اللنبي حيث  ستدخل لموازنة السلطة  أكثر من 200 مليون شيكل سنوياً. – موافقة السلطة الفلسطينية على تنفيذ الخطة الأمنية التي وضعها المنسق الأمني الأمريكي مايك فنزل لإعادة سيطرة السلطة على جنين ونابلس. – موافقة السلطة الفلسطينية على العودة لمحادثات إعادة التنسيق الأمني مع إسرائيل الذي تم تعليقه قبل عدة أسابيع. – التزام الإدارة الأمريكية بدعوة الرئيس أبو مازن لواشنطن من أجل لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن. – التزام الولايات المتحدة أمام السلطة على تقديم طلب رسمي للحكومة الإسرائيلية لإعادة فتح القنصلية الأمريكية (لدى السلطة الفلسطينية) في القدس[4]. وبينما لم تعلق السلطة الفلسطينية على هذه التقارير التي تحدثت عن هذه الصفقة، إلا أن بيان للرئاسة أعلن، في 20 فبراير الحالي، انعقاد اجتماع للجنة المنبثقة عن القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس “محمود عباس” لمتابعة “التطورات الأخيرة على ضوء الاتصالات الهامة الجارية مع الأشقاء العرب والجانبين الأمريكي والإسرائيلي”[5]. من جانبه، فقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بيان مجلس الأمن بأنه “متحيز” وانتقد الولايات المتحدة لدعمها إياه. وقال مكتب نتنياهو “البيان كان ينبغي ألا يصدر وكان ينبغي للولايات المتحدة ألا تنضم إليه”. وذكر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قبل بيان مجلس الأمن أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بأنها لن تصدر تراخيص لمستوطنات جديدة في الضفة الغربية خلال الأشهر المقبلة. وذلك بعد محادثات جرت في الكواليس لتجنب تصويت مجلس الأمن الدولي بخصوص القضية محل النزاع[6]. وقد جاءت تلك “الصفقة السياسية” (التراجع عن استصدار قرار أممي يدين توسع الاستيطان الإسرائيلي مقابل صدور بيان رئاسي) بعدما وجدت إدارة بايدن نفسها بين شقي الرحى، ففي حالة امتنعت واشنطن عن التصويت وتم اعتماد القرار الذي يدين حليفتها إسرائيل، سيجد بايدن نفسه في مواجهة معسكر جمهوري ولوبي يهودي في واشنطن يدعمون إسرائيل، وهو ما لا تريده الإدارة الديمقراطية بطبيعة الحال. أما في حال استخدمت الإدارة الأمريكية حق النقض (الفيتو) وسدت الطريق على تمرير القرار الأممي الذي يدين دولة تنتهك القانون الدولي بتلك الصورة، فستجد إدارة بايدن نفسها في مأزق خطير على المسرح الدولي في توقيت حرج للغاية. فواشنطن تبني معارضتها للهجوم الروسي على أوكرانيا على أساس احترام القانون الدولي ومبادئه بالأساس، وبالتالي فإن روسيا والصين لن تمررا الفرصة دون تسجيل “نقاط” في المرمى الأمريكي. وإضافة إلى خشية التعرض لإحراج دولي ينال من مصداقية واشنطن في هذا التوقيت الحرج من صراع القوى الكبرى، فإن تدخل إدارة بايدن باستخدام حق الفيتو سيمثل أيضاً تناقضاً صارخاً مع موقفها المعلن من قضية فلسطين، وهو ما يعرف باسم “حل الدولتين”، فاستخدام حق الفيتو يعني رسالة مباشرة لإسرائيل بأن تتمادى في خطواتها الاستيطانية. النقطة الأخرى التي أرادت إدارة بايدن تجنبها هي الاستمرار في التصعيد، خصوصاً مع قرب شهر رمضان والأعياد اليهودية، حتى لا يتكرر ما حدث قبل عامين، عندما…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022