الانتخابات التركية وموقع إفريقيا في السياسة الخارجية التركية
منذ تأسيس الجمهورية التركية لم يكن هناك أهمية تُذكر للقارة الإفريقية في السياسة التركية، حتى جاء حزب العدالة والتنمية الذي نوَّع وسائل وأساليب بناء دبلوماسية ناعمة لتمتين الحضور التركي على المستوى الإقليمي والدولي. فعلى الرغم من تركيز السياسة الخارجية التركية على العمق الاستراتيجي؛ بحثت تركيا أردوغان في فرص قد تكون بعيدة جغرافيًا لكنها قريبة من حيث المنطلق الحضاري والتاريخي الذي مكَّنها في نهاية المطاف من تحقيق تقارب تدريجي مع القارة السمراء. فما هي الآثار المُترتِّبة على نتائج الانتخابات التركية على القارة الإفريقية؟ وما هي أهمية القارة لتركيا؟ وكيف يُمكن قراءة سلوك كلا المرشحين تجاه القارة حال نجاحه؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها خلال هذا التقرير.. أهمية القارة الإفريقية لتركيا ودوافع العدالة والتنمية للتوجه نحو القارة: تتلخَّص أهمية القارة الإفريقية للسياسة التركية في كون إفريقيا تُعد سوقًا خصبةً من حيث الموارد والاستهلاك مُقارنةً بالأسواق القديمة في أوروبا وآسيا والقارة الأمريكية، وهو ما يجعلها محط تنافس دولي كبير في الجانبين السياسي والاقتصادي. وتُعد إفريقيا ثاني أكبر قارة من حيث المساحة وعدد السكان، الذين معظمهم من فئة الشباب، حيث إنّ 70% من سكّانها يندرجون تحت سنّ الخامسة والعشرين، وهذا ينعكس بدوره على عامل مهم فيما يتعلق بقوّة العمل والأسواق. ومن ناحية النمو، يُعد الاقتصاد الإفريقي واعدًا، حيث جاءت عشر دول إفريقية ضمن لائحة الدول الـ 64 الأسرع نموًّا في العالم خلال العام 2013 – 2014، بمعدلات نموٍّ تتجاوز الـ 6% سنويًّا، وهو ما جعلها محطًا لأنظار المستثمرين الأجانب. إذ تمكنت القارة من جذب 55 مليار دولار من جملة 1.26 تريليون دولار من قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام 2014. في نفس الوقت تشهد تركيا تطورًا صناعيًا وتكنولوجيًا متزايدًا منذ قدوم حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وتُشكِّل إفريقيا خيارًا مثاليًا لها، ليس فقط من حيث كونها سوقًا لصادراتها المتنوعة، وإنما لتعزيز نفوذها في الجانبين السياسي والاقتصادي. ويُعد المحور الاقتصادي أحد أبرز الجوانب التي توليها تركيا اهتمامًا في انفتاحها ونشاطها في القارة السمراء، إذ إنها تطمح من خلال هذا النشاط إلى تبوء مكانة بين أكبر عشرة اقتصادات في العالم. وارتبط توجُّه حزب العدالة والتنمية نحو إفريقيا بمجموعة من الدوافع: أولها؛ تحقيق مكانة عالمية: من خلال استراتيجيتها النشطة في إفريقيا منذ 2005 حاولت تركيا تسويق نفسها على أنها دولة أفرو-أوراسية بدلًا من كونها دولة أوراسية. حيث تمارس أنقرة نفوذها في القارة السمراء بأسلوب متعدد الأوجه من خلال الانخراط في التجارة، والتعاون العسكري، والتعليم، والدبلوماسية، والبنية التحتية، والمجتمع المدني، والعلاقات السياسية مع الدول الإفريقية، كل هذه التحركات في سبيل تمكين تركيا من أن تصبح فاعلًا أكبر في الشؤون العالمية من خلال توسيع مجال نفوذها وتأثيرها. وثانيها؛ تحقيق مكانة اقتصادية: تحتاج تركيا إلى الدول الإفريقية لمضاعفة صادراتها والارتقاء باقتصادها لمصاف العشرة الكبار في العالم، ودعم مواقفها في المحافل الدولية، خاصة أن الطرفين يتفقان على ضرورة إصلاح الأمم المتحدة حتى لا تبقى تحت هيمنة خمس دول تمتلك حق الفيتو، “فالعالم أكبر من خمسة” وفقًا لمقولة الرئيس التركي. وثالثها؛ تحقيق تأثير حضاري: الوجود التركي في إفريقيا ليس وليد العصر الحالي، بل يمتد إلى قرون خلت، منذ حكم الدولة العثمانية، إضافة إلى ذلك تتمتع تركيا بتاريخ إيجابي مقارنة بالتاريخ الاستعماري للدول الغربية، وهو ما يسهل عملية تقاربها مع كثير من الدول الإفريقية من خلال التبادل الثقافي، والمناهج التعليمية، والدبلوماسية الإنسانية.[1] لماذا تهتم إفريقيا بنتائج الانتخابات التركية؟ يُمكن القول بأن اهتمام إفريقيا بنتائج الانتخابات التركية يرجع إلى جملة من الأسباب: أولها؛ التجارة: فتركيا شريك تجاري رئيسي للعديد من الدول الإفريقية، تستورد الدول الإفريقية الآلات والمركبات والسلع الأخرى من تركيا، بينما تستورد تركيا المواد الخام مثل النفط والغاز والمعادن من عدة دول إفريقية. ويُمكن أن تؤثر نتيجة الانتخابات على اللوائح التجارية والاتفاقيات بين الدول، مما يؤدي إلى نمو أو تراجع فرص العمل. وثانيها؛ العلاقات السياسية: كانت تركيا تتواصل مع الدول الإفريقية لتوسيع نفوذها في القارة، ويُمكن أن تؤثر نتائج الانتخابات على ارتباطات تركيا السياسية مع الحكومات الإفريقية. وثالثها؛ السياسة الخارجية: فقد يؤثر التوجه السياسي للحكومة التركية بعد الانتخابات على علاقة إفريقيا بالقوى الإقليمية الأخرى. على سبيل المثال، يُمكن أن يُؤثر موقف تركيا تجاه مصر والصومال ودول أخرى على عملية صنع القرار في الاتحاد الإفريقي فيما يتعلق بالصراعات الإقليمية. ورابعها؛ الأمن: كانت تركيا لاعبًا أساسيًا في جهود حفظ السلام وحل النزاعات في إفريقيا، وقد تؤدي نتائج الانتخابات إلى تحوُّل في سياسات تركيا واستراتيجياتها الأمنية تجاه القارة. وخامسها؛ الهجرة واللاجئين: فمن جهة؛ كانت تركيا نقطة عبور للمهاجرين الأفارقة الذين يسعون للعبور إلى أوروبا، ويُمكن أن يؤدي التحول في سياسات تركيا تجاه المهاجرين الأفارقة إلى تغييرات في ديناميكيات الهجرة من إفريقيا. ومن جهة أخرى؛ تستضيف تركيا ملايين اللاجئين السوريين ولعبت دورًا حاسمًا في إدارة أزمة اللاجئين، كما تستضيف العديد من الدول الإفريقية أيضًا أعدادًا كبيرة من اللاجئين، وقد تكون مهتمة بنهج تركيا في إدارة الأزمة. وسادسها؛ التضامن الإسلامي: تركيا دولة ذات أغلبية مسلمة، في حين أن العديد من البلدان الإفريقية بها عدد كبير من السكان المسلمين. اتخذت الحكومة التركية خطوات لدعم القضايا الإسلامية في إفريقيا، مثل تمويل بناء المساجد وتمويل مبادرات التعليم في المجتمعات الإسلامية. موقف المرشحين من إفريقيا: مع اقتراب أيام الانتخابات الرئاسية في تركيا، يراقب الرؤساء الأفارقة الحملة الانتخابية. فمنذ سنوات ينشط الرئيس رجب طيب أردوغان في إفريقيا، حتى أن تركيا أصبحت شريك رئيسي للقارة. فمن ناحية؛ تطوَّرت الدبلوماسية التركية بشكل خاص في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فقد افتتحت أنقرة، التي لديها اليوم 43 سفارة في إفريقيا، 31 سفارة منذ عام 2002. ومن ناحية أخرى؛ اقتصاديًا، ترى تركيا إمكانات تجارية كبيرة في إفريقيا، فقد بلغ حجم التجارة التركية مع إفريقيا في عام 2021 إلى 28,3 مليار دولار، مع هدف كبير لأنقرة يتمثَّل في مضاعفة تجارتها الخارجية مع إفريقيا بحلول عام 2026. وعلى الجانب الآخر؛ وحيث الوضع الراهن للرئاسة التركية يناسب معظم شركاء أنقرة، لاسيما في إفريقيا، فإذا ما تمَّ انتخاب الخصم كمال كليتشدار أوغلو، فقد يكون ذلك بمثابة مستقبل مجهول بالنسبة للقارة. حتى لو كان مستشاره الدبلوماسي، أونال تشفيكوز، يؤكد أن مرشحه سيفعل الكثير من أجل إفريقيا أكثر من أردوغان “أثبت حزب العدالة والتنمية أنه غير قادر على فهم وتلبية مطالب الأفارقة” -على حد قول شفيكوز- الذي وعد أيضًا بتمديد “اتفاقية الحبوب” مع موسكو وكييف، مؤكدًا على أهميتها لإفريقيا. كما وعد مستشار كليتشدار أوغلو بالتعاون الأفرو- تركي فيما يتعلَّق بمكافحة الإرهاب. إلا أن كل تلك التصريحات لا يُمكنها نفي أن الرئيس أردوغان -سواء أحب أوغلو ذلك أم لا- هو بلا شك أحد رؤوس حربة العلاقات الدبلوماسية- الاقتصادية القوية لتركيا مع إفريقيا.[2] غياب إفريقيا عن الحملات الانتخابية: فبالرغم من…