الانفراجة السياسية في مصر.. قراءة في المؤشرات
خلال الأسابيع الماضية برز مصطلح «انفراجة سياسية»[[1]]، للحديث عن مستقبل الأوضاع في مصر، لا سيما في أعقاب العودة المفاجئة للناشط السياسي المهندس ممدوح حمزة، والإفراج «المشروط» عن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق المستشار هشام جنينة، وقبل عودة حمزة المفاجئة بأسبوعين، أفرجت السلطات عن رجل الأعمال ثابت ونجله سيف، بعد أكثر من عامين من التوقيف، ورفعت اسمه من قوائم الإرهاب. من يقف وراء الترويج لهذه «الانفراجة السياسية» إنما هم نفر ينتمون إلى ما تسمى بالقوى المدنية الديمقراطية، والتي تتشكل أساسا من الأحزاب العلمانية التي أيدت انقلاب 03 يوليو 2013م، في إطار تبرير مشاركتهم في مسرحية «الحوار الوطني»، كذلك تتحدث صحف النظام وفضائياته عن هذه الانفراجة (المزعومة) كشكل من أشكل تبييض صورة النظام منذ الدعوة للحوار الوطني في إبريل (2022). في المقابل جاءت تصريحات لبعض المحسوبين على الإخوان لتثير شيئا من اللبس والاحتمالات؛ حيث أشار كل من القيادي الإخواني الدكتور حلمي الجزار والصحفي قطب العربي كل على حسابه الخاص بمواقع التواصل الاجتماعي إلى دعم كل توجه من شأنه أن يعيد المهاجرين إلى وطنهم. فقد كتب الدكتور حلمي الجزار الذي ينتقل بين لندن وإسطنبول على موقعه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: «أرجو أن تُسهم عودة ممدوح حمزة في دعم المهاجرين في العودة لوطنهم». وبالمثل أشار قطب العربي، في تدوينة له، إلى أن «مصر بلدنا ونشتاق للعودة إليها»؛ الأمر الذي فسره مراقبون ومحللون باعتباره مؤشرا على هذه الانفراجة. وتم السماح للمخرج خالد يوسف بالعودة إلى القاهرة بعد فضيحة الفيديوهات الجنسية الشهيرة، وهروبه عندما أدرك أنه مستهدف من أجهزة النظام. كما عاد الناشط السياسي وائل غنيم، إلى القاهرة، بعد فترة طويلة قضاها في الولايات المتحدة الأميركية. وقال حينها عضو «لجنة العفو الرئاسي» في مصر، طارق العوضي: «انتظروا مزيداً من العائدين قريباً… وطن يتسع للجميع». أعقبه عودة الفنان الشهير حمزة نمرة. وفي منتصف 2022م، وفي أعقاب إطلاق ما يسمى بالحوار الوطني، فتح النظام ذراعيه للناشط السياسي الدكتور عمرو حمزاوي، الذي كان يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة سنوات؛ حيث دعي إلى المشاركة في الحوار الوطني فلبى مرحبا مطالبا بعودة المصريين بالخارج على أرضية الإيمان بشرعية دستور 2014م؛ حيث قال نصا: «لدي شعور غامر بالسعادة لخدمة بلدي» مضيفا: «لا مكان في الحوار الوطني لمن لا يقبل بشرعية دستور 2014». وخلال السنوات الماضية تم الإفراج عن الفريق سامي عنان، والمستشار أحمد سليمان وزير العدل الأسبق، والدكتور ياسر علي، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، وغيرهم.[[2]] وكان من اللافت أن تصريحات ممدوح حمزة لدى عودته إلى القاهرة، بعد سنوات قضاها بالخارج في انتظار إسقاط اسمه من قوائم ترقب الوصول، والتي رحب خلالها بما وصفها بـ”الانفراجة”، قوبلت بانتقادات من جانب كثير من النشطاء حيث اعتبروا أن ترويج حمزة لحدوث “انفراجة” في ملف الحريات العامة أمر “مضلل” و”غير واقعي”. وقال حمزة، الذي يتوقع نظر محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بإعادة إجراءات محاكمته، في 26 إبريل/ نيسان المقبل(2023)، في مقطع فيديو مباشر صوره من صالة كبار الزوار عقب وصوله إلى مطار القاهرة: “بعد دخولي المطار لواء استقبلني وقال لي: مصر ترحب بأولادها المخلصين وفاتحة دراعاتها ليعودوا لبلدهم وتستفيد منهم”. وتابع حمزة: “ما حدث اليوم يجعلني متفائلاً جداً، وما فهمته وأسعدني جداً أن هناك انفراجة وبالتأكيد لن تقتصر عليّ”. فهل مصر مقبلة حقا على انفراجة سياسية في ظل نظام 3 يوليو؟ وما المؤشرات على ذلك؟ وما العقبات التي تحول دون ذلك؟ وهل يمكن أن تشهد مصر انفراجة سياسية حقيقية؟ ومتى يمكن أن يحدث ذلك؟ وما شروط تحققها والنتائج المترتبة حال حدوثها على مسقبل البلاد؟ قراءة في المؤشرات الذين يروجون لهذه الانفراجة إنما يستدلون على ذلك بعمليات الإفراج التي تمت (الفريق سامي عنان ـ المستشار هشام جنينة ـ المستشار أحمد سليمان)، وعودة بعض المحسوبين على المعارضة العلمانية (ممدوح حمزة ـ عمرو حمزاوي) وبعض المحسوبين على شباب الثورة (وائل غنيم)، وبعض المقربين من الإسلاميين (حمزة نمرة)، لكن هناك عدة ملاحظات على هذه المؤشرات. الأولى، ضآلة هذه الأعداد مقارنة بأعداد المعتقلين السياسيين والتي تزيد عن (60) ألفا، كذلك ضآلة أعداد العائدين من الخارج والذين لا يزيدون عن عدد أصابع اليدين مقارنة باعداد المهاجرين والذين يقدرون بالآلاف؛ والزعم أن عودة هذا الرقم الصغير مؤشر على انفراجة سياسية هو من قبيل التضليل والخداع الذي لا ينطلي إلا على السذج وخفاف العقول. الثانية، أن الذين أفرج عنهم وآخرهم المستشار هشام جنينة، والعائدون وآخرهم (المهندس ممدوح حمزة)، لم يتم حلحلة أزمتهم إلا بناء على شروط النظام؛ ففي حالة المستشار هشام جنينة؛ فإن الرجل كان قد قضى عقوبة سجنه 5 سنوات من محكمة عسكرية في 2018م بعدما كشف عن امتلاك الفريق سامي عنان مستندات وصفها بـ”بئر الأسرار”، تتضمن وثائق وأدلة “تدين الكثير من قيادات الحكم بمصر الآن، وهي متعلقة بالأحداث التي وقعت عُقب ثورة 25 يناير” عام 2011 التي أزاحت الرئيس الراحل حسني مبارك عن الحكم. وقبل الإفراج عن جنينة تم التحقيق معه في قضية جديدة (رقم 441 لسنة 2018)، المعروفة إعلاميا باسم “الحراك الإخواني”. الأمر الذي اعتبره كثيرون ترهيبا لرئيس الجهاز المركزي السابق قبل الإفراج عنه من أجل إجباره على الصمت لأنه على الدوام سيبقى تحت تهديد الاعتقال على ذمة هذه القضية، وتفيد أنباء مسربة إعلاميا إلى أن جنيه مورست عليه ضغوط لإجباره على التوقف عن ممارسة أي أنشطة سياسية أو إعلامية أو حتى الحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ويرى الحقوقي جمال عيد أن أنه “حتى الآن لا توجد أي مؤشرات لانفراجة سياسية كما يدّعون، وخروج المستشار جنينة كان بعد قضاء عقوبته كاملة، ورجوع المهندس ممدوح حمزة بعد 3 سنوات من الغياب عن بلده هو بمثابة الرجوع عن قرار خاطئ من البداية. كل ما في الأمر أن شخصين استعادا حريتهما، لا أكثر ولا أقل”!.[[3]] وحتى الفريق سامي عنان وغيره لم يخرجوا ليمارسوا حياتهم بكل حرية؛ بل تم الإفراج عنهم بصفقات اشترطت عليهم الصمت والابتعاد عن السياسة؛ ومنذ الإفراج عن عنان في مارس 2019م في إطار صفقة تبنتها بعض القيادات العسكرية (المشير طنطاوي) حينها، فلم يصدر عن عنان أي شيء تصريحا أو تلميحا أو حتى نشاطا يمكن أن يمثل شكلا من أشكال المعارضة للنظام. الثالثة، ما يتعلق بالإسلاميين بشكل عام والإخوان منهم على وجه خاص فإن أي حديث عن انفراجة لا تتضمن الإسلاميين فهي خداع وتضليل؛ لأن الغالبية الساحقة من المعتقلين السياسيين هم من الإسلاميين. فهم الفصيل الأكبر الذي تعرض لكل أشكال الظلم والاضطهاد وصنوف التعذيب والانتقام خلال سنوات ما بعد الانقلاب حتى اليوم. وكذلك فإن القاعدة الشعبية العريضة التي يتمتع بها الإسلاميون لا يمكن الاستخفاف بها؛ فما داموا مضطهدين، وتصادر حياتهم وحرياتهم وأموالهم بتهم ملفقة وأحكام قضائية مسيسة، فإن الانقسام سيبقى قائما بلا حل،…