الانفراجة السياسية في مصر.. قراءة في المؤشرات

الانفراجة السياسية في مصر.. قراءة في المؤشرات

خلال الأسابيع الماضية برز مصطلح «انفراجة سياسية»[[1]]، للحديث عن مستقبل الأوضاع في مصر، لا سيما في أعقاب العودة المفاجئة للناشط السياسي  المهندس ممدوح حمزة، والإفراج «المشروط» عن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق المستشار هشام جنينة، وقبل عودة حمزة المفاجئة بأسبوعين، أفرجت السلطات عن رجل الأعمال ثابت ونجله سيف، بعد أكثر من عامين من التوقيف، ورفعت اسمه من قوائم الإرهاب. من يقف وراء الترويج لهذه «الانفراجة السياسية» إنما هم نفر ينتمون إلى ما تسمى بالقوى المدنية الديمقراطية، والتي تتشكل أساسا من الأحزاب العلمانية التي أيدت انقلاب 03 يوليو 2013م، في إطار تبرير مشاركتهم في مسرحية «الحوار الوطني»، كذلك تتحدث صحف النظام وفضائياته عن هذه الانفراجة (المزعومة) كشكل من أشكل تبييض صورة النظام منذ الدعوة للحوار الوطني في إبريل (2022). في المقابل جاءت تصريحات لبعض المحسوبين على الإخوان لتثير شيئا من اللبس والاحتمالات؛ حيث أشار كل من القيادي الإخواني الدكتور حلمي الجزار والصحفي قطب العربي كل على حسابه الخاص بمواقع التواصل الاجتماعي إلى دعم كل توجه من شأنه أن يعيد المهاجرين إلى وطنهم. فقد كتب الدكتور حلمي الجزار الذي ينتقل بين لندن وإسطنبول على موقعه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: «أرجو أن تُسهم عودة ممدوح حمزة في دعم المهاجرين في العودة لوطنهم». وبالمثل أشار قطب العربي، في تدوينة له، إلى أن «مصر بلدنا ونشتاق للعودة إليها»؛ الأمر الذي فسره مراقبون ومحللون باعتباره مؤشرا على هذه الانفراجة. وتم السماح للمخرج خالد يوسف بالعودة إلى القاهرة بعد فضيحة الفيديوهات الجنسية الشهيرة، وهروبه عندما أدرك أنه مستهدف من  أجهزة  النظام. كما عاد الناشط السياسي وائل غنيم، إلى القاهرة، بعد فترة طويلة قضاها في الولايات المتحدة الأميركية. وقال حينها عضو «لجنة العفو الرئاسي» في مصر، طارق العوضي: «انتظروا مزيداً من العائدين قريباً… وطن يتسع للجميع». أعقبه عودة الفنان الشهير حمزة نمرة. وفي منتصف 2022م، وفي أعقاب إطلاق ما يسمى بالحوار الوطني، فتح النظام ذراعيه للناشط السياسي الدكتور عمرو حمزاوي، الذي كان يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عدة سنوات؛ حيث دعي إلى المشاركة في الحوار الوطني فلبى مرحبا مطالبا بعودة المصريين بالخارج على أرضية  الإيمان بشرعية دستور 2014م؛ حيث قال نصا: «لدي شعور غامر بالسعادة لخدمة بلدي» مضيفا: «لا مكان في الحوار الوطني لمن لا يقبل بشرعية دستور 2014». وخلال السنوات الماضية تم الإفراج عن الفريق سامي عنان، والمستشار أحمد سليمان وزير العدل الأسبق، والدكتور ياسر علي، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، وغيرهم.[[2]] وكان من اللافت أن تصريحات  ممدوح حمزة لدى عودته إلى القاهرة، بعد سنوات قضاها بالخارج في انتظار إسقاط اسمه من قوائم ترقب الوصول، والتي رحب خلالها بما وصفها بـ”الانفراجة”، قوبلت بانتقادات من جانب كثير من النشطاء حيث اعتبروا أن ترويج حمزة لحدوث “انفراجة” في ملف الحريات العامة أمر “مضلل” و”غير واقعي”. وقال حمزة، الذي يتوقع نظر محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بإعادة إجراءات محاكمته، في 26 إبريل/ نيسان المقبل(2023)، في مقطع فيديو مباشر صوره من صالة كبار الزوار عقب وصوله إلى مطار القاهرة: “بعد دخولي المطار لواء استقبلني وقال لي: مصر ترحب بأولادها المخلصين وفاتحة دراعاتها ليعودوا لبلدهم وتستفيد منهم”. وتابع حمزة: “ما حدث اليوم يجعلني متفائلاً جداً، وما فهمته وأسعدني جداً أن هناك انفراجة وبالتأكيد لن تقتصر عليّ”. فهل مصر مقبلة حقا على انفراجة سياسية في ظل نظام 3 يوليو؟ وما المؤشرات على ذلك؟ وما العقبات التي تحول دون ذلك؟ وهل يمكن أن تشهد مصر انفراجة سياسية حقيقية؟ ومتى يمكن أن يحدث ذلك؟ وما شروط تحققها والنتائج المترتبة حال حدوثها على مسقبل البلاد؟   قراءة في المؤشرات الذين يروجون لهذه الانفراجة إنما يستدلون على ذلك بعمليات الإفراج التي تمت (الفريق سامي عنان ـ المستشار هشام جنينة ـ المستشار أحمد سليمان)، وعودة بعض المحسوبين على المعارضة العلمانية (ممدوح حمزة ـ عمرو حمزاوي) وبعض المحسوبين على شباب الثورة (وائل غنيم)، وبعض المقربين من الإسلاميين (حمزة نمرة)، لكن هناك عدة ملاحظات على هذه المؤشرات. الأولى، ضآلة هذه الأعداد مقارنة بأعداد المعتقلين السياسيين والتي تزيد عن (60) ألفا، كذلك ضآلة أعداد العائدين من الخارج والذين لا يزيدون عن عدد أصابع اليدين مقارنة باعداد المهاجرين والذين يقدرون بالآلاف؛ والزعم أن عودة هذا الرقم الصغير  مؤشر على انفراجة سياسية هو من قبيل التضليل والخداع الذي لا ينطلي إلا على السذج وخفاف العقول. الثانية، أن الذين أفرج عنهم وآخرهم المستشار هشام جنينة، والعائدون وآخرهم (المهندس ممدوح حمزة)، لم يتم حلحلة أزمتهم إلا بناء على شروط النظام؛ ففي حالة المستشار هشام جنينة؛ فإن الرجل كان قد قضى عقوبة سجنه 5 سنوات من محكمة عسكرية في 2018م بعدما كشف عن امتلاك الفريق سامي عنان مستندات وصفها بـ”بئر الأسرار”، تتضمن وثائق وأدلة “تدين الكثير من قيادات الحكم بمصر الآن، وهي متعلقة بالأحداث التي وقعت عُقب ثورة 25 يناير” عام 2011 التي أزاحت الرئيس الراحل حسني مبارك عن الحكم. وقبل الإفراج عن جنينة تم التحقيق معه في قضية جديدة (رقم 441 لسنة 2018)، المعروفة إعلاميا باسم “الحراك الإخواني”. الأمر الذي اعتبره كثيرون ترهيبا لرئيس الجهاز المركزي السابق قبل الإفراج عنه من أجل إجباره على الصمت لأنه على الدوام سيبقى تحت تهديد  الاعتقال على ذمة هذه القضية، وتفيد أنباء مسربة إعلاميا إلى أن جنيه مورست عليه ضغوط لإجباره على التوقف عن  ممارسة أي أنشطة سياسية أو إعلامية أو حتى الحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ويرى الحقوقي جمال عيد أن أنه “حتى الآن لا توجد أي مؤشرات لانفراجة سياسية كما يدّعون، وخروج المستشار جنينة كان بعد قضاء عقوبته كاملة، ورجوع المهندس ممدوح حمزة بعد 3 سنوات من الغياب عن بلده هو بمثابة الرجوع عن قرار خاطئ من البداية. كل ما في الأمر أن شخصين استعادا حريتهما، لا أكثر ولا أقل”!.[[3]] وحتى الفريق سامي عنان وغيره لم يخرجوا ليمارسوا حياتهم بكل حرية؛ بل تم الإفراج عنهم بصفقات اشترطت عليهم الصمت والابتعاد عن السياسة؛ ومنذ الإفراج عن عنان في مارس 2019م في إطار صفقة تبنتها بعض القيادات العسكرية (المشير طنطاوي) حينها، فلم يصدر عن عنان أي شيء تصريحا أو تلميحا أو حتى نشاطا يمكن أن يمثل شكلا من أشكال المعارضة للنظام. الثالثة، ما يتعلق بالإسلاميين بشكل عام والإخوان منهم على وجه خاص فإن أي حديث عن انفراجة لا تتضمن الإسلاميين فهي خداع وتضليل؛ لأن الغالبية الساحقة من المعتقلين السياسيين هم من الإسلاميين. فهم الفصيل الأكبر الذي تعرض لكل أشكال الظلم والاضطهاد وصنوف التعذيب والانتقام خلال سنوات ما بعد الانقلاب حتى اليوم. وكذلك فإن القاعدة الشعبية العريضة التي يتمتع بها الإسلاميون لا يمكن الاستخفاف بها؛ فما داموا مضطهدين، وتصادر حياتهم وحرياتهم وأموالهم بتهم ملفقة وأحكام قضائية مسيسة، فإن الانقسام سيبقى قائما بلا حل،…

تابع القراءة
النهضة المستوردة.. قراءة في كتاب معالم على طريق تحديث الفكر العربي

النهضة المستوردة.. قراءة في كتاب معالم على طريق تحديث الفكر العربي

النهضة المستوردة.. قراءة في كتاب معالم على طريق تحديث الفكر العربي النقطة الأولى: أن التاريخ يتخذ مسار صاعد، فكل مرحلة تاريخية تقود لمرحلة جديدة أفضل منها بالضرورة؛ فاليوم أفضل من أمس، وغداً أفضل من اليوم وهكذا، بدون انقطاعات أو ارتدادات؛ ألم ترى أن المعارف الإنسانية تتطور بشكل تراكمي، وقدرة الإنسان على استخدام الأدوات وتطوير التقنية تتخذ مسار تصاعدي، والرفاهية تتنامى بمرور السنين. النقطة الثانية: ليس لشيء قيمة في ذاته، إنما تتحدد قيمة الأشياء بحسب أعمارها؛ فكل ما هو جديد وحديث أفضل من كل ما هو قديم أو تقليدي. وكل قديم مصيره إلى الأفول وسيطويه النسيان. النقطة الثالثة: أن هذا المسار الصاعد للتاريخ ينتظم كل الأمم والدول والحضارات، فلا يفلت من صيرورة التاريخ أحد، كل ما هنالك أن تدرك كل أمة موقعها على سلم التطور، لتعرف أين تقف وإلى أين تصير. النقطة الرابعة: ضرورة الاستفادة من المنجزات الحضارية للأمم التي سبقتنا، فالاستيراد والتقليد والتبعية هي شروط المرور من مرحلة إلى التي تليها على سلم الصعود الحضاري؛ إن دول الغرب المتقدم تقف على قمة سلم التطور، بالتالي يجب على غيرها من الدول أن تضع بلدان العالم الأول نصب عينيها وتسعى جاهدة لمحاكاتها واستيراد تجاربها وتبني رؤاها وقيمها، عل هذه البلدان النامية تواصل مسيرتها التحديثية فتلحق بدول العالم الأول. النقطة الخامسة: هذا الاستيراد والتقليد والتبعية يكتسب شرعيته من كون العالم كله ينتمي لحضارة واحدة، ومسيرة تاريخية واحدة، ومصير واحد، فإن قلدت أوروبا الحداثة فتلك بضاعتنا ردت إلينا. النقطة السادسة: من يتجاهل قانون التطور أو سنة التقدم سيتجاوزه التاريخ، سينقرض ويلحق بأسلافه من الديناصورات، وسيواصل التاريخ مساره التصاعدي الراسخ. هذه الرؤية سادت بشكل واضح، خاصة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، لدى كثير من المفكرين والمثقفين العرب. وقد جرى استخدامها لتبرير وشرعنة الاستيراد والتبعية والمحاكاة لكل ما هو وافد من دول الشمال. كما جرى استخدامها دون مساءلتها أو تعريضها لحد أدنى من النقد والتفكيك، ودون مساءلة تضميناتها الفلسفية أو الفرضيات التي أنبنت عليها، فقد طرحت في كثير من الكتابات العربية باعتبارها مسلمة يجدر الإذعان لها. ومن الجدير ذكره أن هذا الطابع التبشيري يغلب على كثير من الكتابات العربية -التي سلطت الضوء على التجربة الغربية فيما يتعلق بالنظريات والقيم والمؤسسات والممارسات- التي ظهرت بداية من الخمسينات وحتى نهاية القرن العشرين؛ فهي كتابات منبهرة طرحها أصحابها وهم مأخوذون بالتجربة الغربية دفعهم شعورهم نحوها بالهزيمة إلى الولع بتقليدها. ضمن هذا اللون يندرج كتاب “معالم على طريق تحديث الفكر العربي” للكاتب والأكاديمي اللبناني معن زيادة، أستاذ الفلسفة والفكر العربي الحديث في الجامعة اللبنانية، والمحاضر في الجامعة الأمريكية ببيروت، كما ورد في نهاية كتابه، الصادر عن سلسلة عالم المعرفة (عدد 115، يوليو 1987). ويتكون معمار الكتاب من 5 فصول، مع مقدمة وخاتمة لا يتجاوزان الثلاث صفحات. أما الغاية من استدعاء الحديث عن كتاب مر على نشره أكثر من ثلاث عقود؛ هو مواصلة التفكير في السؤال الذي ما فارق العقل العربي والإسلامي خلال القرنين الأخيرين، وهو سؤال النهضة، أي “لماذا تأخرنا؟”، بالتالي استدعاء الكتاب هو خطوة في مسار النقاش حول النهضة وسبل تحقيقها، وعوامل إجهاضها خلال القرنين الماضيين. هنا قد يطرح سؤال مفاده: هل لم يخرج كتاب إلى النور تناول القضية نفسها خلال الفترة الماضية مما دفعك للعودة لهذا الكتاب دون غيره؟ يمكن القول أن على الرغم من كثرة الجدل الذي أثير بشأن النهضة وسبب تأخرنا، إلا أن ثمة إجابات ثلاث كبرى تشكلت على جانبي الجدل بشأن النهضة؛ التيار الأول: التيار المحافظ الذي يرى أن طريق النهضة هو العودة إلى تقاليد الأجداد، واستكمال المسار الذي بدأوه والعودة إلى المرجعية التي انطلقوا منها. التيار الثاني: هو التيار الذي يجوز تسميته بالتيار التحديثي، ويسمى بالتيار الحداثي أو التغريبي، ويرى أصحابه أن تحقيق النهضة يكون باتباع المسار الذي ابتدره الغرب، وتبني المشروع الحداثي. التيار الثالث: هو التيار التوفيقي –ويسميه البعض التلفيقي- الذي حاول التوفيق بين الأصالة لدى التيار الأول والمعاصرة لدى التيار الثاني، ومحاولة بناء تركيب جديد يجمع بين الحداثة وبين الثقافة الإسلامية. ومن ثم لن يخرج كتاب عن سؤال النهضة وسبل تحقيقها، وعن سر تأخرنا، لن يخرج كتاب تناول هذا الموضوع عن إحدى هذه التيارات الثلاث، بالتالي هذا الكتاب يقودنا إلى قلب هذا الجدل.   المجتمع الحديث والعقل الحديث: في الفصل الأول من الكتاب يسعى المؤلف إلى تقديم صورة تقريبية للمجتمع الحديث كما يتجلى في دول العالم المتقدم، ويتسم هذا المجتمع بـ (1) أن العلم والتكنولوجيا هما المحدد الأساسي للمجتمع الحديث. العلم بمعنى المعرفة القائمة على التجربة الحسية، وعلى ملاحظة الوقائع المادية الملموسة، وليس المعرفة الحدسية أو الفلسفية أو الأيديولوجية أو الدينية القائمة على الإيمان، وهو العلم القائم على فرضيات مؤقتة قابلة للتحقق من صدقها أو إثبات زيفها ومن ثم استبدالها بغيرها. (2) وجود أنظمة اقتصادية جديدة، وأنماط إنتاجية مستجدة، قائمة على التصنيع والميكنة والرأسمالية. (3) وجود أنظمة سياسية علمانية، حيث تبرز الهوية القومية كبديل للهويات الدينية والأثنية. أنظمة تبلورت بعد مسار صراعي ونضالي مع الكنيسة، ومع الملوك المتغطرسين كونهم يحكمون باسم الإله. (3) تتأسس العلاقات الاجتماعية بين أبناء هذه المجتمعات على قاعدة “المصلحة المشتركة”، كبديل للعلاقات القائمة على روابط الدم والنسب أو الروابط الدينية، فقد تم استبدال هذه الأخيرة بروابط تعاقدية برجماتية. لم ينبثق هذا المجتمع الجديد من فراغ، إنما هو نتاج عقل حداثي تشكل عبر مروره بالمخاضات نفسها التي تولد عنها المجتمع الحديث، وقد تشكل هذا العقل الحداثي نتيجة ثلاث حركات تغيير رئيسية؛ الأولى: محطة الإصلاح البروتستانتي، والتي أسفرت عن تقويض الوحدة الشكلية للمسيحية الكاثوليكية في أوروبا الغربية خلال ألف عام، نشوء قيم التسامح الديني مع المخالف، وفصل الدين عن الدولة، مع التخفيف من تدخل الكنيسة في حياة الأفراد. الثانية: الحركة الإنسانية، التي شارك فيها فنانون، وفلاسفة، وعلماء وسياسيون، والتي عملت على أحياء التراث اليوناني والروماني. الثالثة: الحركة العقلانية، وهي الحركة التي اضطلعت بتثوير مناهج النظر للعالم والمجتمع، فانتقدت مكونات فكر العصر الوسيط، وأدواته المعرفية التي تستبعد الحس والعقل، وبدأت تشكل مناهج جديدة تتأسس على التجريب والنظر العقلي مع مكيافللي، ومونتاني، وكوبرنيكوس، وبيكون. في هذا الفصل قدم الكاتب المجتمع والعقل الغربيين باعتبارهما المثال الذي يجدر بنا تمثله والسراج الذي يفترض أن نتحرك صوب المستقبل في ضوئه، فهما النافذة التي ننظر من خلالها للمستقبل المأمول. فهو مجتمع يتأسس على العلم التجريبي معيار للنظر، وعلى اقتصاد السوق والتصنيع معيار للعمل وطريق للنهوض، وعلى العلمنة والهوية القومية في المجال السياسي، وعلى العلاقات البرجماتية بديل لروابط الدم والنسب والدين في الاجتماع. أما العقل الغربي فهو عقل علماوي يجعل من الحس مصدر وحيد للمعرفة، ويجعل من العقل مصدر وحيد للقيم.   ماهية الثقافة: بينما استعرض الفصل الأول صور التقدم التي حققتها أوروبا الحداثة والتنوير،…

تابع القراءة
بعد زيارة وزير الخارجية المصري... هل تطبع مصر علاقاتها مع سوريا وتركيا؟

بعد زيارة وزير الخارجية المصري… هل تطبع مصر علاقاتها مع سوريا وتركيا؟

استهل وزير الخارجية المصري سامح شكري جولته لسوريا وتركيا، في 27 فبراير 2023، بزيارة لدمشق، التقي خلالها بالرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد. وبعد ساعات، وصل شكري إلى مدينة أضنة (جنوبي تركيا)، والتقي بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو. وتأتي جولة شكري في سياق التعاطي المصري مع كارثة الزلزال في تركيا وسوريا يوم 6 فبراير؛ حيث تحركت مصر على المستوى الدبلوماسي بالاتصال بين وزير الخارجية سامح شكري ونظيريه السوري فيصل المقداد والتركي مولود تشاووش أوغلو في نفس اليوم لتنسيق التحرك الإنساني والإغاثي بما يحتاجه البلدان للتعامل مع تداعيات الكارثة، ثم جاء اتصال الرئيس عبد الفتاح السيسي بنظيريه السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب أردوغان في اليوم التالي لنقل التعازي والتأكيد على دعم مصر المتواصل بكل ما يحتاجه البلدان من مساعدات إنسانية وإغاثية، والتي وصلت إلى 1500 طن إلى سوريا، و6 شحنات إلى تركيا[1]. ولكن يبدو أن هذه الزيارة تحمل ما هو أبعد من الدعم الإنساني وتتخطاه لتحقيق أهداف سياسية، خاصة وأن زيارة شكري لتركيا وسوريا تعد الأولى من نوعها منذ 10 سنوات، كما كان من الممكن أن تكتفي القاهرة بإرسال المساعدات دون القيام بهذه الزيارة. ما يوحي بأن الزيارة تأتي في سياق استكمال مسار طويل لاستعادة علاقات القاهرة وأنقرة من جانب، والقاهرة والنظام السوري من جانب آخر، بعد أن مرت بعدة منعطفات خلال العقد الماضي[2]. وعلي ضوء ذلك، تسعى هذه الورقة إلى قراءة إمكانية نجاح زيارة شكري في كسر عزلة رئيس النظام السوري بشار الأسد عربيًا، ومسار تطبيع العلاقات المصرية التركية.   أولًا: إمكانية نجاح الزيارة في كسر عزلة رئيس النظام السوري عربيًا: يمكن الإشارة إلي مجموعة من الأسباب التي قد تدفع في اتجاه نجاح زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري في تطبيع العلاقات المصرية- السورية، وكسر عزلة رئيس النظام السوري بشار الأسد عربيًا، تتمثل أبرزها في: 1- إن العلاقات بين نظامي السيسي والأسد مستقرة إلى حد كبير منذ تولي الأول للسلطة، فمنذ الوهلة الأولى أعلن دعمه للجيش السوري ونظام الأسد بشكل كبير في مواجهة المعارضة التي دومًا ما كانت توصف في الخطاب الرسمي والإعلامي المصري بـ”الجماعات الإرهابية”. وخلال السنوات الثمانية الماضية كانت هناك قنوات اتصال بين القاهرة ودمشق، لعل أبرزها اللقاء الذي تم على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر 2021، الذي جمع وزير الخارجية المصري مع نظيره في النظام السوري فيصل المقداد. وخلافًا لذلك كان نظام السيسي أحد أبرز الأنظمة التي دعمت الأسد لوجستيًا وعسكريًا، حيث سمحت بوصول الأسلحة الإيرانية إليه عبر قناة السويس دون اعتراض البواخر الإيرانية المحمّلة بها[3]، بجانب التعاون الاستخباراتي والتنسيق الأمني، وهو ما كشفت عنه الزيارة التي قام بها رئيس مكتب “الأمن الوطني” التابع للنظام، اللواء علي مملوك، إلى القاهرة، في عام 2018 بدعوة من رئيس جهاز المخابرات المصرية، عباس كامل[4]. بخلاف تأييد القاهرة للدعم الروسي للنظام السوري، ولوزير الخارجية المصري تصريح شهير في هذا الأمر حين قال: “دخول روسيا بإمكاناتها وقدراتها في هذه الحرب، بتقديراتنا، سيحد من تأثير الإرهاب في سوريا، والقضاء عليه”. ورغم تلك القنوات المفتوحة بين القاهرة ودمشق، فإن السيسي لم يهاتف الأسد مباشرة – ناهيك عن لقائه – إلا غداة زلزال 6 فبراير الحالي[5]. كما أن زيارة شكري لدمشق هي الزيارة الأولي منذ عام 2011 عندما علقت الدول العربية عضوية سوريا في جامعة الدول العربية. وهو ما يؤشر علي وجود حالة من الزخم في العلاقات بين البلدين، وقد تكون الزيارات الدبلوماسية والتي جاءت بدوافع إنسانية مقدمة لزيارات قد تتم في المستقبل بدوافع سياسية. 2- حالة الانفتاح العربي المتزامن والمتصاعد علي النظام السوري، فقد تزامنت زيارة شكري إلى دمشق مع تحركات على المستوي العربي في التعاطي مع كارثة الزلزال، مثل طائرات وشحنات المساعدات العربية التي حطت في الأراضي السورية بالتنسيق مع الحكومة السورية، ومنها طائرات المساعدات السعودية التي هبطت في مطار حلب للمرة الأولى، علاوة على التحركات الدبلوماسية مثل زيارة الأسد إلى سلطنة عمان في 20 فبراير، وزيارة كلُا من وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق في 12 و15 فبراير على الترتيب، وصولًا إلى زيارة الوفد البرلماني العربي الذي تشكل من رؤساء برلمانات مصر والعراق والإمارات والأردن وفلسطين وليبيا وسلطنة عمان ولبنان إلى دمشق في 26 فبراير[6]. وللمرة الأولى منذ أكثر من عقد، تلقى الأسد اتصالًا هاتفيًا من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة. وبعد أيام من الزلزال، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد قراره رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بسوريا، وهي خطوة ربما تمهد لإعادة العلاقات بشكل كامل مع نظام الأسد. فيما نقل وفد وزاري لبناني مكلف من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الأسد استعداد لبنان لفتح مطاراته وموانئه لاستقبال مساعدات ترد إلى سوريا من أي دولة أو جهة. وهذا أول وفد وزاري رسمي لبناني يزور دمشق منذ اندلاع النزاع 2011، بينما توجه إليها في السابق وزراء لبنانيون بمبادرات شخصية، بعدما كانت الحكومات المتعاقبة في بيروت قد اتبعت سياسة “النأي بالنفس” عن النزاع في سوريا[7]. 3- تلعب الإمارات علي وجه التحديد، بجانب مصر والأردن، الدور الأبرز في مساعي إعادة النظام السوري إلي الجامعة العربية، والذي يتماشى مع رغبة الجزائر والعراق وسلطنة عمان ولبنان والذين في الأصل لم يقطعوا علاقاتهم مع النظام السوري منذ بداية الثورة. فيما تتمثل الدول الرافضة لتعويم النظام السوري عربيًا في السعودية وقطر والكويت. وفي هذا السياق، وقبل زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق في 12 فبراير، فقد استقبلت الإمارات في 18 من مارس 2022 بشار الأسد وكانت الزيارة الأولى من نوعها لدولة عربية منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، كما قام وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في وقت سابق بزيارتين لدمشق الأولى في 11 نوفمبر2021 والزيارة الثانية في تاريخ 4 يناير 2023. وكجزء من عملية التعويم تدعم الإمارات النظام السوري في عدد من المجالات، ففي وقت سابق كشف تقرير في عام 2020 لموقع XXI الفرنسي أن الإمارات تدرب ضباط المخابرات العسكرية السورية وتقدم المساعدة لنظام بشار الأسد في المجالات اللوجستية والتقنية والعلمية، كما قدم الضباط الإماراتيون الدعم لهيئة الأركان العامة للجيش السوري، حيث سُمح لخمسة طيارين سوريين بالتدريب في أكاديمية خليفة بن زايد العسكرية، كما تقدم الإمارات مساعدات لبناء المرافق العامة ضمن مناطق سيطرة النظام، فضلاً عن تمويل إعادة إعمار المباني العامة ومحطات الطاقة ومحطات تنقية المياه داخل العاصمة دمشق. وتبرر الإمارات هدفها في تعويم نظام الأسد بهدف تغيير سلوك النظام فيما يتعلق بنشاط الميليشيات الإيرانية جنوبي سوريا، عن طريق إغرائه باستعادة شرعيته العربية والدولية[8]. كما تسعى الإمارات من خلال دعم الأسد إلي المحافظة على الوضع الراهن في المنطقة العربية، بمعنى العودة إلى ما قبل…

تابع القراءة
منافسة محتملة بين جمال والسيسي بالانتخابات الرئاسية المقبلة 2024

منافسة محتملة بين جمال والسيسي بالانتخابات الرئاسية المقبلة 2024

في اطار الأوضاع المأزومة بمصر، على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية، جاء التسريب المقتضب الذي نشره موقع “أفريكا إنتليجنس” مؤخرا، ليثير المزيد من التكهنات في كافة الاتجاهات.. بل ويثير أيضا العديد من التساؤلات، حول صحة اللقاء الذي جمع بين جمال مبارك والسفير الأمريكي الستبق ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى،  وتوقيت الكشف عن اللقاء بعد نحو عام كامل، واحتمالات أن تكون ورائه جهات من الداخل أو الخارج، تسعى لوضع السيسي في ركن معين سواء لابتزازه أو إجباره على اتخاذ سياسات وقرارات معينة، أو أن هناك نوايا اقليمية ودولية معينة، أو أن هناك رأي وموقف يتبلور داخل المؤسسة العسكرية المصرية إزاء السيسي. وغيرها من التساؤلات الاستراتيجية التي يزيد غموضها خروج دعوات سابقة من الداخل المصري بأن السيسي لن يترشح لانتخابات 2024، أو دعوات المعارضين بالخارج لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، زاعمين أن يوليو المقبل هو حده وموعدها … السطور التالية تحاول استقراء المشهد السياسي المصري وصولا لتقدير موقف حول مستقبل تلك الدعوات واحتمالات وقوعها في ضوء المستجدات المحلية والاقليمية والدولية..   أولا : محتوى التسريب: قال موقع “أفريكا إنتليجنس” المقرب من الاستخبارات الفرنسية، إنّ الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر، تغذي طموح جمال مبارك، نجل الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، لمنافسة عبد الفتاح السيسي على الرئاسة. وكشف الموقع عن لقاء سري عقده جمال مبارك مع السفير الأميركي، وأوضح أنّه في بداية أزمة النقص في العملة الأجنبية في مصر، تحدث جمال مبارك إلى الولايات المتحدة بشأن احتمال الترشح في الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها عام 2024.  وقالت مصادر الموقع إنّ جمال مبارك عقد في مارس من العام الماضي اجتماعاً سرياً بقصر تابع لعائلة مبارك، مع السفير الأميركي وقتها، جوناثان كوهين، ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، ولكي يضمن دعمه من الجيش المصري، فقد أراد جمال مبارك أن يطمئن على استمرار المساعدة العسكرية الأميركية لمصر، والتي تبلغ قيمتها 1.17 مليار دولار، إذا ترشح للرئاسة.  وكان لافتا أنه بعد نحو شهر من اجتماع شرم الشيخ، رفعت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي العقوبات المفروضة على عائلة مبارك، فأنهت بذلك إجراءات التجميد لأصولهم والحظر الذي كان مفروضاً على دخول مواطني الاتحاد الأوروبي في معاملات مالية مع المقربين من حسني مبارك. وجاء قرار الاتحاد الأوروبي بعد أكثر من عقد من ثورة عام 2011، التي أطاحت بالرئيس الراحل حسني مبارك من منصبه. وفي تبريره لأسباب اللقاء السري، يرى الموقع الاستخباري أنه جاء محاولة من نجل مبارك للحصول على ضمان دعمه من قبل الجيش المصري، موضحا أنه أراد أن يطمئن على استمرار المعونات العسكرية الأمريكية لمصر، البالغة 1.17 مليار دولار سنويا، إذا ترشح للرئاسة. بغض النظر عن صحة التسريب من عدمه، فإنه سيجري التعاطي مع الأمر وكأنه حقيقي، وأن اللقاء تم بالفعل وتماهى هدفه مع ما نشره الموقع، فسيجري تحليله والتعاطي معه.. أيا كان هدف نشر التسريب، سواء أكان للدفع باتجاه الضغط على السيسي لأهداف ما، أو لإحداث حراك مهندس ومتحكم فيه من قبل أطراف دولية أو محلية. ثانيا: توقيت التسريب: ويأتي التسريب  في وقت يعد فيه نظام السيسي العدة لاعادة ترشيح السيسي في انتخابات 2024.. سواء بشكل منفرد أو باختيار مرشح محلل، كما في الجولتين السابقنين، حينما جاء بحمدين صباحي ورئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى، لمنافسته بشكل صوري وكان السيسي قد هندس لنفسه إمكانية خوض الانتخابات لجولتين قاددمتين، ففي إبريل 2019، أجرى السيسي تعديلات على الدستور المصري، منحته الحق في الترشح لانتخابات رئاسية لدورة ثالثة ورابعة مدة كل منهما 6 سنوات، بعد دورتين فاز بهما عامي 2014 و2018. وتعد اللحظة الراهنة، من أخطر اللحظات الفارقة في تاريخ السيسي السياسي، اذ أنه يواجه تحديات جمة، وسط تراجع شعبيته في جميع الاوساط المصرية، كما تتفاقم الأزمات المجتمعية على وقع قراراته غير المدروسة، على المستوى الاقتصادي، ما يدفع ملايين المصريين لاتخاذ مواقف مضادة للسيسي وقراراته، سواء عبروا عنها  عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجدوا المتنفس لهم بالانحياز لشخصية سياسية غير محسوبة على المعارضة، ولها امتدادات ما تلت قائمة  في عمق الدولة المصرية والنظام السياسي. كما أن ظهور جمال مبارك المتكرر في الساحة السياسية والشعبية بل والإقليمية بشكل متزايد، خلال الفترة الماضية يضع الكثير من القيود على السيسي. بل إن استقبال جمال مبارك وأخيه علاء، بالإمارات استقبال الرؤوساء، لتقديم واجب العزاء لمحمد بن زايد في وفاة شقيقه، خليفة بن زايد، يثير الكثير من علامات الاستفهام، في ظل توارد الكير من الروايات حول اجبار السيسي على السماح بإجراءات سفر نجلي مبارك خارج مصر، لأول مرة منذ 2011، وهو ما قد يشيء إلى أنه يمكن أن يستخدم كورقة للضغط على السيسي، من قبل أطراف قليمية ودولية. وعلى الرغم من عدم اعلان مبارك أو إشارته  من قريب أو بعيد لمسألة ترشحه بعد إزالة كافة القيود على ترشحه قانونيا، الا أنه يمكن دراسة فرصه ومناقشتها وتأثيراتها على المشهد السياسي المصري ومواقف القوى المعارضة  وتأثيرات الأمر عليها.. ثالثا: فرص جمال مبارك: وتنقسم فرص منافسة جمال مبارك للسيسي، بين، فرص تتعلق بامكاناته الذاتية، وأخرى مرتبطة بالسيسي وسياساته وانعكاسات قراراته على الساحة المصرية.. أ-الظروف المحيطة بالمشهد المصري القائم: -تفاقم الأزمة الاقتصادية : ووفق تقديرات الموقع الفرنسي، فإن الأزمة الاقتصادية بمصر تغذي طموح جمال مبارك لمنافسة السيسي على الرئاسة، وذلك بعد نحو 12 عاما من الإطاحة بوالده عبر ثورة شعبية في يناير 2011. إذ يعاني نظام السيسي من هروب نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من السوق المصرية إثر الحرب الروسية الأوكرانية 2022. بجانب ارتفاع أسعار كل السلع والخدمات بشكل غير مشبوق، وارتفاع نسب التضخم لنحو 103% وفق تقديرات دولية، فيما الأرقام الرسمية تصل إلى 26%.. وهو ما ينعكس على حالة السخط الشعبي المتزايد، والذي لم يعد خافيا على السيسي نفسه، الثابت في التقارير الأمنية التي ترفع إليه.. -تصاعد الغضب الشعبي ضد السييسي: ويتزامن الحديث عن احتمالات منافسة جمال مبارك للسيسي بالرئاسيات المقبلة، مع أزمات نظام السيسي الداخلية وعجزه عن توفير السلع والخدمات، مع تفاقم الديون الداخلية والخارجية، ووصول نسب التضخم أرقاما قياسية، وسط غضب شعبي متصاعد كما يأتي ذلك الحديث بالتزامن مع ما  يعانيه نظام السيسي من أزمات خارجية تتفاقم، خاصة مع شركائه الإقليميين وممولي وداعمي انقلابه على الرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013، وخاصة السعودية والكويت. -موقف الأطراف الاقليمية والدولية: ويمثل الموقف الاقليمي لدول الجوار العربي، عنصرا مهما في الأمر، ويرتبط مستقبل أي رئيس في الفترة المقبلة على رضاء دول الخليج ودور القوى الاقليمية وموقفها من المرشح. وفي ضوء تعقد الموقف الخليجي الحالي مع السيسي، يمكن أن يغسل الخليج يديه من السيسي بدعم جمال مبارك، إلا أن الأمر يبدو صعبا مع الامارات، التي يتمتع السيسي بدعم قوي من قبلها، خاصة وأن انحياز السيسي للامارات ودور محمد بن زايد في المنطقة، وفي موازة الدور…

تابع القراءة
الخلافات المصرية السعودية .. المؤشرات والدوافع وتداعياته المستقبلية

الخلافات المصرية السعودية .. المؤشرات والدوافع وتداعياته المستقبلية

تراشق إعلامي وسجال سياسي متصاعد شهدته الساحة المصرية والخليحية الأيام الماضية، عبر تصريخات اعلامية ومقالات صحفية وتغريدات لمقربين من دوائر السلطة.. دارت حول موضوع الدعم المالي الخليجي للنظام المصري، الذي يواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة، في ظل عجز الميزان التجاري واتساع الفجوة التمويلية لأكثر من 40 مليار دولار، وتصاعد الديون المصرية وخدماتها التي تبتلع العوائد الاقتصادية، وسط تزايد الفقر والجوع وارتفاع الأسعار بصورة غير مسبوقة، منذ تعويم الجنية المصري ما يهدد بغضب شعبي قد يقود لانفجار سياسي ومجتمعي يهدد نظام السيسي وكأحد الإفرازات المعبرة عن حجم التوتر الخفي بين الجانبين، تصاعد التراشق الإعلامي بشكل غير مسبوق، تحول الفضاء الإعلامي والرقمي في مصر والسعودية والإمارات والكويت  إلى ساحة تراشق لفظي مستعر تبادل بموجبه إعلاميون مقربون من السلطات اتهامات قاسية وتذكيراً بـ”أفضال” كل بلد على الآخر. فيما استمرت السلطات الرسمية تؤثر الصمت، إلى أن اعترف به السيسي، الخميس 9 فبراير الجاري، خلال افتتاحه المرحلة الثانية من مشروع المدينة الغذائية “سايللو فودز” بمدينة السادات بمحافظة المنوفية، التابعة للقوات المسلحة، حيث شدد  عبد الفتاح السيسي على ضرورة وقف الاساءات الاعلامية والاتهامات التي تنشر عبر وسائل الاعلام، متذرعا بحرية الإعلام  في مصر!!! ومتناسيا سيطرة أجهزته الأمنية على كل كلمة تقال عبر وسائل الإعلام المختلفة عبر الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ومقراً بأفضال دول الخليج ودورها في دعم نظامه لسنوات طويلة.. أما السعودية؛ لازالت التصريحات العامة لمسئولين، بحجم وزير المالية محمد الجدعان، الذي كشف عن تغير استراتيجية بلاده في تقديم المساعدات لحلفائها والخاصة بتقديم منح مباشرة وودائع دون شروط ورغم أن التصريح جاء في صيغته العمومية، خلال مشاركتته بقمة دافوس، ولم يتحدث بشكل مباشر عن دولة بعينها، فإن كل التكهنات أشارت إلى أن المستهدف الرئيسي هو مصر بصفتها أحد أكبر زبائن المملكة في خريطة الدعم خلال السنوات الأخيرة، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات بشأن دوافع هذه الخطوة وما تحمله من دلالات عن العلاقات المصرية والسعودية التي يبدو أنها تمر بمنعطف من التوتر وغياب التناغم.   الورقة التالية ، تتبع بدايات الأزمة ومكنونها وما تخفيه من توتر سياسي ، وأسبابه ودوافعه، وانعكاساته المستقبلية.. أولا: بدايات الأزمة: توقيت بداية الأزمة يبدو غير محدد، إلا أن اللحظة الفارقة التي فجرت الخلافات والتوترات، كانت مع شهر ديسمبر الماضي، حينما أقر صندوق النقد الدولي، القرض الذي ظلت مصر تنتظره لسنوات، والمقدر بـ3 مليار دولار على 46 شهرا.. فبخلاف الأموال التي يقدمها الصندوق والمؤسسات المانحة الدولية، أشار الاتفاق الثنائي بين القاهرة وصندوق النقد أن باقي الفجوة التمويلية المصرية العاجلة (حوالي 14 مليار دولار) سوف يتم سدها عن طريق “بيع الأصول المملوكة للدولة إلى صناديق الثروة السيادية الخليجية” وتتكفل الدول الداعمة الحليجية بتوفير الدعم المالي اللازم لمصر. فيما ترفض السعودية ودول الخليج التي قدمت للنظام المصري ما يربو على 90 مليار دولار منذ استيلاء الجيش على السلطة في صيف 2013، بحسب مصادر البنك المركزي المصري التي أظهرت هذا الرقم للعلن عام 2019، ترفض أن تواصل سياسة المساعدات غير المشروطة، وهو ما أشار إليه وزير المالية السعودي “محمد الجدعان” في تصريحاته الميرة، خلال مشاركتته قمة دافوس الدولية، في يناير المنقضي، حيث أكد أن “عصر المنح والمساعدات الاقتصادية ولّى” وأن المملكة سوف تربط مساعدتها التمويلية بإجراء إصلاحات اقتصادية. وقد أشار مراقبون أن تصريحات “الجدعان” كانت رسالة إلى بعض دول المنطقة التي تعتمد على الدعم السعودي وفي مقدمتها مصر ولبنان، والأردن. ويبدو أن التبرم من المساعدات لم يكن موقف المملكة وحدها، حيث خرجت أصوات خليجية مؤخرا تنتقد المساعدات الضخمة التي تلقتها القاهرة من دول الخليج خلال العقد الأخير، أبرزها ما صدر عن أمين سر مجلس الأمة الكويتي “أسامة الشاهين” الذي طالب حكومته بعدم الانصياع لمطالب الصندوق بتمويل مصر، معتبرا أن الكويت أولى بأموالها. ثانيا: انطلاق شرارة التلاسن والتراشق الإعلامي: ومع استمرار تمسك الأطراف بمنطلقات معينة، سواء على الصعيد السيسي والاقتصادي، جاء الإذن -على ما يبدو- باطلاق حملات التشوية والاستهداف من قبل أطراف التوتر “الخليج من ناحية ومصر من جهة ثانية”، وجاءت البداية مع سلسلة تغريدات للكاتب  والأكاديمي السعودي “تركي الحمد” تطرق خلالها للوضع السياسي والاقتصادي المصري، وقال إن “مصر بواقعها الحالي، هي مصر البطالة والأزمات الاقتصادية والسياسية ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة” وذكر في حديثه ثلاثة أسباب لتلك المشكلات تتعلق بـ”هيمنة الجيش المصري المتصاعدة على الدولة وخاصة الاقتصاد، والبيروقراطية المصرية الهرمة المقاومة للتغيير، والثقافة الشعبية المستسلمة والمستكينة”. ووصف الحمد وضع مصر الحالي بأنه “الصعود إلى الهاوية” وأثار حديث الكاتب السعودي الكثير من الجدل في الأوساط المصرية، واعتبر بعض النشطاء أن حديثه عن أزمات مصر يعد “تدخلا متعمدا في الشأن الداخلي المصري” في ظل قربه من دوائر صناعة القرار بالمملكة. وبعد ذلك بأيام خرج الكاتب السعودي خالد الدخيل، ليتحدث عن الوضع السياسي والاقتصادي المصري، وقال في تغريدة عبر حسابه بموقع “تويتر” إن “ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952”. وكتب “مصر انكسرت في يونيو 67 وتبخر وهج 23 يوليو كما عرفه المصريون والعرب، لكن سيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر لم يسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف”. ومن بعده الكاتب علي الشهابي، الذي يوصف بالمستشار الاعلامي لمحمد بن سلمان، والتي وصف مصر بأنها باتت “ثقب أسود” يبتلع أموال الخليج  بصورة مستمرة بسبب فساد النظام والعسكر.. ثم جاءت تصريحات النائب الكويتي  أسامة الشاهين، الذي طالب حكومته باسترداد أموالها المودعة بالبنك المركزي المصري، ومن بعده مقالات لكتاب كويتيون كأحمد السلامي، وعلي الفضالة وغيرهم، تنتقد توغل المؤسسة العسكرية المصرية في الاقتصاد، وسفه انفاق السيسي على مشاريع بلا جدوى اقتصادية.. وقبل شهر تقريبًا شن مستشار رئاسة أمن الدولة السعودي، والمقرب من ابن سلمان، اللواء بسام عطية، خلال مشاركته في ندوة في القصيم (وسط) هجومًا ساخرًا على الدولة المصرية، قائلًا بشكل مباشر: “احمدوا ربنا أننا مش زي مصر”، وتابع “من يستجدي قوت يومه على أبواب وأروقة دول العالم” وعقد مقارنة بين الوضع المصري الحاليّ والوضع السعودي. وأمام تلك التصريحات الكاشفة، لا بد من الإشارة إلى أن تصريحات بتلك النبرة وهذا المستوى غير المسبوق من الهجوم على نظام السيسي والجيش المصري لا يمكن أن تكون مبادرة من تركي الحمد وبسام عطية أو غيرهم دون الحصول على ضوء أخضر بذلك، فهم مقربون من ابن سلمان، لا سيما أنه لم يعقبها أي تراجع أو اعتذارات أو اتخاذ أي رد فعل بشأنهما.   الرد المصري: وعلى الجانب الآخر، شن الإعلامي المصري، نشأت الديهي، هجوما على تركي الحمد، وقال له “أنت مالك ومال مصر”، وفي حديثه ببرنامج “بالورقة والقلم” المذاع على قناة “تن” الفضائية المصرية، وجه حديثه لتركي الحمد قائلا: “أنا بقول لتركي الحمد وأمثاله عيب”، مضيفا “من أنت لكي تتحدث عن تاريخ مصر، مصر…

تابع القراءة
قمة مقديشيو: قراءة في الخلفيات والمُخرجات

قمة مقديشيو: قراءة في الخلفيات والمُخرجات

في مطلع الشهر الجاري؛ استضافت مقديشيو قمة أمنية رباعية؛ دعا إليها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بمشاركة ثلاثة من قادة دول الجوار (إثيوبيا، وكينيا، وجيبوتي). وذلك للتباحث بشأن دعم إقليمي للصومال في حربها على الإرهاب، الذي يُهدِّد بدوره أمن الإقليم. وقد شاركت الدول الثلاث في القمة من ناحية بغرض الحفاظ على أمنها الداخلي الذي يمتد تهديد حركة الشباب إليه، ومن ناحية أخرى في إطار بحث قادة تلك الدول على زعامة الإقليم، وهو ما جعل من الأهمية بمكان الوقوف على مخرجات تلك القمة ونتائجها المحتملة. فماذا كانت خلفيات القمة على المستويين الإقليمي والدولي؟ وكيف جرت القمة؟ وماذا كانت نتائجها؟ وكيف يُمكن قراءة مُخرجاتها؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها خلال هذا التقرير..   خلفيات القمة: من يهيمن على القرن الإفريقي يؤثر بدرجة كبيرة في الاقتصاد العالمي، ولا غرو؛ فالإقليم يُشرف على الممر الملاحي البحري الأهم عالميًّا (خليج عدن- باب المندب- قناة السويس)، والذي تمر عبره ذهابًا وإيابًا جُلّ التجارة العالمية. ومن أجل ذلك تداعت القوى الدولية والإقليمية على دول الإقليم، متعاونةً أحيانًا ومتآمرةً أخرى، وتتخذ هذه القوى مداخل مختلفة للتغلغل في الإقليم؛ كل بحسب ما يملكه من أوراق اللعب، وهي كثيرة، وخاصةً في ظل الحاجات اللامتناهية لدول الإقليم في شتى المجالات. وقد خلق هذا التهافت، بل والتدافع الدولي، حالةً من التنافس بين دول الإقليم على مركز الزعامة، وخاصةً بين إثيوبيا وكينيا، فمن يتزعَّم الإقليم يكن بلا شك محطَّ اهتمام القوى الكبرى، وهو ما حدا برؤساء دول الجوار الصومالي المباشر: “آبي أحمد”، و”وليم روتو”، و”إسماعيل جيلة” إلى المسارعة في تلبية دعوة الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود”، إلى قمة رباعية تجمعهم في “مقديشو”، على الرغم مما يكتنف مثل هذا الاجتماع من مخاطر أمنية. وتفترض زعامة الإقليم فيمن يصبو إليها، القدرة على مواجهة التحديات، والتأثير على مسارات الأحداث. ومن أبرز التحديات والأحداث الجارية: ذلك الإرهاب المتمركز في الصومال، والذي يطال من حين لآخر دول الجوار الصومالي المباشر، ويهدِّد بتقويض استقرار القرن الإفريقي بأجمعه. ومن هنا خُصِّصت هذه القمة الرباعية للتباحث بشأن دعم الصومال في حربها على الإرهاب، وتوجيه ضربة مشتركة قاضية له. ويُحقِّق القضاء المأمول على الإرهاب من منابعه في الصومال منافع جمَّة للمؤتمرين؛ أهمها: تحقيق الأمن والاستقرار لهم جميعًا، ومن ثمَّ التفرغ لغير ذلك من القضايا، تصاعد أسهم مَن يُسهم بفعالية في القضاء على الإرهاب باتجاه امتلاك الكلمة العليا وزعامة الإقليم.[1]   نشاط الحركة بالتزامن مع القمة: تزامنًا مع انعقاد القمة سُمع دوي انفجارات بواسطة قذائف الهاون، في أحياء متفرقة من مقديشو، خاصة حي ورطيغلي الذي يضم القصر الرئاسي ومقار حكومية. وأشارت مصادر أمنية وشهود عيان إلى سقوط 5 قذائف في مناطق قرب القصر الرئاسي. وتبنّت حركة الشباب مسؤوليتها عن الهجوم، وقالت إنها هاجمت بعشرة مقذوفات، القصر الرئاسي ونقاط تفتيش أمنية قريبة. وذكرت وسائل إعلام محلية أن التفجيرات يعتقد أنها قذائف هاون سقطت في الحي المذكور، لكنها لم تتسبَّب في خسائر بشرية. إلا أن البعض قلَّل من أهمية الموضوع، بالإشارة إلى أن ما شهدته العاصمة لم يكن بسبب هجمات بقذائف هاون، بل عبارة عن مفرقعات وضعت في بعض المناطق في العاصمة، ولم تسفر عن إصابات، وكان هدفها فقط زعزعة الأمن وبث الرعب. وكانت الحكومة الصومالية أقرّت قبل يوم من القمة، قانون مكافحة الإرهاب. وقالت الحكومة إن القانون سيلعب دورًا رئيسيًا في القضاء على حركة الشباب الإرهابية. وكان مشروع القانون مقدّمًا منذ سنوات لكن لم يمرّر عبر البرلمان.[2] وتواصل القوات الحكومية منذ منتصف العام الماضي 2022 -بالتعاون مع عشائر مسلحة- عمليات عسكرية ضد حركة الشباب، وأعلنت مقتل المئات من عناصر الحركة واستعادة السيطرة على مناطق إستراتيجية عدة.[3]   مُجريات القمة ونتائجها: قُبيل انعقاد القمة، عقد وزراء دفاع الصومال وجيبوتي وكينيا وإثيوبيا، الثلاثاء، اجتماعًا ناقش استكمال العمليات العسكرية لتحرير المناطق المتبقية من أيدي حركة الشباب الإرهابية، وتصفية فلولها. وخلال القمة؛ طالب الرئيس حسن شيخ محمود بالتزام ودعم دول الجوار التي لها قوات في الصومال في المشاركة مع قوات الدولة الصومالية في هزيمة الجماعات الإرهابية وتدميرها. ومن جانبهم، رحَّب القادة بتقديم الدعم لتجهيز الوحدات الجديدة من القوات المسلحة الوطنية وزيادة القدرة التسليحية لوحدات القوات المسلحة الوطنية العاملة حاليًا. واتفق القادة الأربعة -بحسب ما ورد في بيان صحفي صادر عن القمة- على مجموعة من النقاط: أولها؛ ضرورة زيادة التعاون في دعم دول الجوار في حرب الصومال ضد حركة الشباب. وثانيها؛ القيام بعملية مشتركة لتخليص ما تبقى من مناطق الإرهاب من أجل تحرير الصومال بالكامل من حركة الشباب. وثالثها؛ تسهيل تقليص قوات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام “أتمس” العاملة ضد حركة الشباب، وتحميل المسؤولية تدريجيا عن أمن الصومال للقوات الصومالية. ورابعها؛ التخطيط المشترك وتنظيم حملة عمليات قوية في دول المواجهة، واستهداف المناطق المهمة التي تتواجد فيها حركة الشباب، خاصة في جنوب ووسط الصومال. وخامسها؛ التعاون في تأمين المناطق الحدودية، بمنع عبور العناصر الإرهابية إلى دول الجوار، وإرساء نهج مشترك لأمن الحدود، وضمان الوصول القانوني إلى التجارة والحركة الشعبية. ومن النتائج المرجوة من هذا التعاون؛ أولًا؛ أن تُشكِّل القمة بداية لتنسيق وتعاون بين دول القرن الإفريقي لقطع الطريق أمام تمدد الإرهاب في القارة والشرق الأوسط. ثانيًا؛ أن يؤدي التعاون إلى دعم جهود الجيش الصومالي، مع نجاحه في توجيه ضربات قوية لحركة الشباب وتحرير بلدات استراتيجية. ثالثًا؛ الاجتماع العسكري يُعزِّز من تعاون دول الجوار مع الصومال في تدريب القوات الصومالية، وتحسين قدراتها العسكرية.[4]   البيان الختامي للقمة: أصدر قادة كل من الصومال وجيبوتي وكينيا وإثيوبيا بيانًا ختاميًا للقمة الأمنية الإقليمية، ويضم البيان الختامي 15 بندًا، أبرزها احترام سيادة الصومال، والإشادة بالتزامه الواضح بالخلاص من حركة الشباب الإرهابية، بالإضافة إلى تجديد الالتزام بمواصلة مساعدة مقديشو في جهود القضاء على التطرف. ودعا البيان قادة الصومال من الحكومة الفيدرالية وزعماء الولايات إلى توجيه جميع جهودهم وتركيزهم على هزيمة الإرهاب، مشيرًا إلى التقدم الكبير المحرز في العملية العسكرية المستمرة. وأشاد بالتقدم المحرز في بناء الجيش وتنمية قدراته ومده بالسلاح، مؤكدًا طلب الحكومة لدعم ملموس من الدول المجاورة، فيما شدَّد على وجود حاجة ملحة للتخطيط المشترك لاستراتيجية عملياتية حاسمة ضد حركة الشباب وحشد الدعم الإقليمي. وشدَّد البيان أيضًا على تعزيز خطة الصومال الانتقالية وتحمل المسؤولية الأمنية نهاية 2024، وتنظيم حملة عسكرية مشتركة بقوات الدول الأربع لمنع تسلل الشباب إلى المنطقة. كما تقرَّر إنشاء آلية عمليات مشتركة تنسق القدرات الشاملة للعمليات ومضاعفاتها لردع العدو ودحره. ورحَّب القادة بطلب الحكومة الصومالية الحصول على دعم فني وأسلحة للجيش الصومالي، ووجَّه البيان الختامي نداءً دوليًا يقضي بدعم الشركاء لجهود تحقيق الاستقرار في الصومال وبالمناطق المحررة حديثًا، لتسهيل قيام الحكومة الفيدرالية بتعزيز تقديم خدماتها وبسط سلطتها. وأثنى البيان على التقدم المحرز في تطوير القدرات في إدارة نظام الأسلحة والذخائر،…

تابع القراءة
القمة الإفريقية السادسة والثلاثون وقراءة في قرار حظر الإخوان المسلمين في جزر القمر

القمة الإفريقية السادسة والثلاثون وقراءة في قرار حظر الإخوان المسلمين في جزر القمر

اختتمت أعمال القمة الإفريقية لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي والتي استمرت خلال يومي 18-19 فبراير 2023، هذه القمة هي السادسة والثلاثون للاتحاد الذي يضم 55 دولة. وكانت الحكومة الإثيوبية قد أعلنت إن 35 رئيس دولة وأربعة رؤساء حكومات على الأقل يشاركون فيها. كما تبع القمة مباشرةً صدور قرار دولة جزر القمر، يوم السبت 25 فبراير 2023، بحظر 69 كيانًا حول العالم بصفتهم جماعات وتنظيمات إرهابية، ومن بينهم جماعة الإخوان المسلمين. فما هي الظروف التي جاءت فيها القمة؟ وما هي أهم الملفات والقرارات التي ناقشتها؟ وماذا كانت أهم الأحداث التي جرت خلالها وبعدها؟ وكيف يُمكن قراءة قرار حظر جزر القمر لجماعة الإخوان المسلمين؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير..   أولًا: قمة الاتحاد الإفريقي السادسة والثلاثون.. جاءت القمة تحت عنوان “نحو تسريع مسار تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية”، وناقشت سُبُل تفعيل وتسريع اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية وإزالة المعوقات التي تعتري عملها.   خلفيات القمة وما يواجه القارة الإفريقية من تحديات: تأتي القمة هذا العام في فترة حساسة لإفريقيا، حيث عملية السلام الحديثة في إثيوبيا والنزاعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية ومنطقة الساحل ودولة جنوب السودان وحركات تمرد جهادية في الصومال وموزمبيق.[1] وتعصف بالقارة في تلك الأثناء العديد من التحديات الأمنية والنزاعات المسلحة وخاصةً في منطقتي الساحل والقرن الإفريقيين، وكذلك تنامى الانقلابات العسكرية بصورة تؤثر على استقرار دول القارة وتوفير سبل التنمية المستدامة لشعوبها، بالإضافة إلى آثار موجات الجفاف والفيضانات نتيجة للتغيرات المناخية والتي أدَّت إلى تنامى ظاهرة النزوح؛ حيث ارتفع عدد النازحين في إفريقيا جنوب الصحراء بنسبة أكثر من 15% خلال العام الماضي ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة فإن عدد النازحين قد تزايد من 38.3 مليون إلى 44 مليون نازح خلال عام 2022. وفى ذات السياق، تواجه القارة تحديات أخرى مثل تنامى ظاهرة الإرهاب، حيث شهد العام المُنصرم تصاعد نفوذ الجماعات الارهابية في شرق إفريقيا، في الصومال ومنطقة القرن الإفريقي وصولًا إلى شمال موزمبيق رغم الجهود الدولية والاقليمية لمواجهته، كما زادت هجمات الجماعات الموالية لتنظيم داعش على منطقة غرب إفريقيا وعلى الساحل وصولًا لدول حوض بحيرة تشاد. هذا فضلًا عن تصاعد أزمة الغذاء التي تواجه القارة نتيجة لتداعيات جائحة كورونا والتغيرات المناخية والحرب الروسية -الأوكرانية، وهو ما يُهدِّد حياة أكثر من 15مليون شخص في منطقة القرن الإفريقي، وتُقدِّر اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن نحو 346 مليون شخص في إفريقيا يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهو ما يعني أن ربع سكان القارة ليس لديهم ما يكفى من الطعام، ويعاني قرابة 38 مليون شخص من الجوع، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تتراوح بين 40% و50% في بعض الدول الإفريقية وتراجع القوة الشرائية بنسبة 40% مما أثر على القطاعات الاكثر فقرًا ووضعهم في أوضاع صحية حرجة.[2]   افتتاح القمة: أُقيم حفل الافتتاح الرسمي للقمة في قاعة مانديلا بمركز مؤتمرات الاتحاد الإفريقي، وكان أبرز المتحدثين الرئيسيين، موسى فقي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وأبي أحمد، رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية، والأمين العام لجامعة الدول العربية، وأنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس وزراء فلسطين السيد محمد إشتية، ورئيس الاتحاد المنتهية ولايته، الرئيس ماكي سال، رئيس جمهورية السنغال. وفي خطابه أمام المؤتمر، ذكر موسى فقي محمد أن القمة السادسة والثلاثين للاتحاد الإفريقي تنعقد في وقت يتسم فيه السياق الدولي بشكوك مقلقة، تغذيها الصراعات الجيوسياسية، والحوكمة الاقتصادية المجزأة، مع عواقب لا يُمكن التنبؤ بها على إفريقيا، وأكَّد أنه على الدول الإفريقية الأعضاء أن تُقرِّر خياراتها الاقتصادية والإنمائية في ظل ما تعيشه من أزمات اقتصادية. ودعا إلى الحاجة إلى الوحدة الإفريقية الشاملة للدول الأعضاء، مشيرًا في هذا الإطار إلى ملف الإرهاب. كما أكَّد على الحاجة إلى الإسراع بعزم في مشروع التكامل الاقتصادي، من خلال تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. وأعرب الرئيس موسى فقي عن أسفه لعودة التغييرات غير الدستورية للحكومات مؤخرًا، مما زاد من عدم الاستقرار السياسي وإضعاف الدول. وذكر أن ذلك أدى إلى التطرف العنيف والإرهاب والصراع المتأصل في العمليات الانتخابية والصراعات بين المجتمعات وتغير المناخ. أما آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، فقد رحَّب بنظرائه في أديس أبابا، وشكر الدول الإفريقية على دعمها المستمر ومساهمتها في المساعدة في إيجاد حل دائم لجهود السلام في إثيوبيا. وشدَّد على مبدأ الحل الإفريقي للمشاكل الإفريقية داعيًا الدول الأعضاء إلى إظهار التضامن مع بعضها البعض في أوقات الأزمات. وطالب خلال كلمته بأن يتم الاعتراف بإفريقيا بمقعد دائم على الأقل في مجلس الأمن التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة، نظرًا لأن إفريقيا تقود الآن كلاعب رئيسي في المشهد الدولي. الرئيس ماكي سال، رئيس الاتحاد المنتهية ولايته، قدَّم لنظرائه بعض الإنجازات خلال فترة ولايته كرئيس للاتحاد الإفريقي لعام 2022. وسلَّط الضوء على بعض التحديات التي يتعين على إفريقيا التغلب عليها مثل آثار الاحترار العالمي وتغير المناخ والأزمة الصحية غير المسبوقة والإرهاب في القارة واستمرار الصراعات القديمة أو الجديدة وعودة الانقلابات.[3]   أهم القضايا المُثارة خلال القمة: خلال الاجتماع، شدَّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على أن “إفريقيا بحاجة إلى العمل من أجل السلام”، مشيرًا خصوصًا إلى الوضع في منطقة الساحل وشرق جمهورية الكونغو الديموقراطية. وقبل القمة جرت مناقشات حول الوضع في شرق الكونغو الديموقراطية حيث تنتشر مجموعات مسلحة لاسيما في المنطقة الحدودية مع رواندا، بحضور رئيس الدولة الكونغولي فيليكس تشيسكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي. في هذا الاجتماع، دعا رؤساء دول مجموعة شرق إفريقيا التي تضم سبعة بلدان إلى “انسحاب جميع المجموعات المسلحة” بحلول 30 مارس. القضية الأخرى على جدول الأعمال كانت منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية التي يُفترض أن تضم 1,3 مليار شخص وتصبح أكبر سوق في العالم في عدد السكان. وركَّز قادة الدول على تسريع إنجاز المنطقة الحرة التي تهدف إلى تعزيز التجارة داخل القارة وجذب المستثمرين. تشكل التجارة بين الدول الإفريقية حاليًا 15% فقط من إجمالي تجارة القارة. ويرى البنك الدولي أن الاتفاق سيسمح باستحداث 18 مليون وظيفة إضافية بحلول 2035 و “يُمكن أن يساعد في انتشال ما يصل إلى خمسين مليون شخص من الفقر المدقع”. وتفيد أرقام الأمم المتحدة بان مجموع إجمالي الناتج الخام لهذه المنطقة سيبلغ 3,4 تريليونات دولار. لكن دول القارة لم تتوصَّل إلى الاتفاق بشأن جدول خفض الرسوم الجمركية بعد الاتفاق الذي وقَّعته كل دول الاتحاد الإفريقي باستثناء إريتريا. وقد تولَّى غزالي عثماني رئيس جزر القمر الأرخبيل الصغير الواقع في المحيط الهندي ويبلغ عدد سكانه حوالي 850 ألف نسمة، الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، خلفًا للرئيس السنغالي ماكي سال. ودعا عثماني إلى “إلغاء كامل” للديون الإفريقية. وحول ملف مالي وبوركينا فاسو وغينيا التي يقود كل منها عسكريون تولوا السلطة على إثر انقلابات وعُلِّقت عضويتها في الاتحاد الإفريقي، أرسلت الدول…

تابع القراءة
العمل الخيري تحت تأثير الأزمة الاقتصادية

العمل الخيري تحت تأثير الأزمة الاقتصادية

في منتصف 2013م كانت نسبة الفقراء لا تزيد عن 25%  من مجموع الشعب المصري، ورثها المصريون من عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك (1981 ـ2011)، وفي أعقاب انقلاب 3 يوليو (2013) وصولا إلى سنة 2023م، وخلال هذه السنوات العشر، زادت نسبة الفقراء على نحو كبير لا سيما في أعقاب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016م، وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار وباقي العملات من نحو 8 جنيهات قبل التعويم إلى 16 جنيها بعد التعويم، في ظل هذه الأوضاع جاءت تقديرات البنك الدولي حول معدلات الفقر في مصر سنة 2019م لتصل بها إلى نحو 60%. وفي 2020م جاءت جائحة كورونا لتضع الاقتصاد العالمي كله في أزمة كبرى مع عمليات الإغلاق الواسعة وتوقف طرق الشحن والمصانع وكافة أشكال النشاط الاقتصادي على مدار سنتين. وفي فبراير 2022م اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية والتي أجهزت على ما تبقى من هشاشة في الاقتصاد المصري على نحو خاص؛ الأمر الذي دفع نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي نحو تعويم الجنيه مرة أخرى في مارس 22م، فانخفض سعر الجنيه من 15.7 جنيها إلى نحو17 جنيها، ثم تراجع الجنيه على مدار شهور سنة، وفي 27 أكتوبر جرى تخفيض آخر للجنيه، فتراجعت قيمته إلى نحو 24 جنيها أمام الدولار. وفي يناير 23م تم تخفيض ثالث للجنيه خلال سنة واحدة والرابع منذ 2016م حتى وصل إلى (30.65 جنيها) في منتصف فبراير23م. هذه الانخفاض الهائل والمتواصل في قيمة الجنيه، خلق حالة غلاء فاحش غير مسبوقة طالت كل شيء؛ وارتفعت الأسعار خلال الفترة من (2013 ـ2023) على نحو غير مسبوق. والأرقام المجردة تكشف الأسعار زادت في عهد السيسي بنسبة تصل إلى 600% عما كانت عليه قبل يوليو 2013م في عهد الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، الذي استشهد في سجون الظالمين في يونيو 2019م. فقد كان سعر كرتونة البيض  (30 وحدة) بنحو 15 إلى 18 جنيها فقط، أما اليوم فقد قفزت إلى 120 جنيها بزيادة قدرها 566%  ووصل سعر البيضة الوحدة إلى خمسة جنيهات في بعض المناطق الشعبية، وقفزت الدواجن من 14 جنيها للكيلو إلى 105 جنيهات في فبراير 23م، وبزيادة نسبتها 650%، والدواجن البلدية من 17 جنيهاً للكيلو جرام إلى 115 جنيهاً بزيادة 576%، وصدور البانيه من 30 جنيهاً للكيلوجرام إلى 220 جنيهاً بزيادة 633%. وارتفعت أسعار اللحوم البلدية الطازجة من متوسط 55 جنيهاً للكيلوجرام إلى 270 جنيهاً، بزيادة نسبتها 390%، واللحوم البرازيلية المجمدة من 30 جنيهاً للكيلوجرام إلى 145 جنيهاً بزيادة 383%. وأسعار السمك البلطي من 12 جنيهاً للكيلوجرام إلى 70 جنيهاً، بزيادة نسبتها 483%، والسمك البوري من 22 جنيهاً للكيلوجرام إلى 120 جنيهاً بزيادة 454%. وزاد سعر اللتر من الألبان المعبأة من 5.5 جنيهات إلى متوسط 29 جنيهاً، بزيادة نسبتها 427%، والكيلوجرام من الجبنة البيضاء من 18 جنيهاً إلى 120 جنيهاً بزيادة 566%، والكيلوجرام من الجبن الرومي من 28 جنيهاً إلى 180 جنيهاً بزيادة 542%. وارتفع سعر عبوة زيت الطعام من 6.50 جنيهات إلى 75 جنيهاً (0.8 لتر) بزيادة 1053%، والسكر الأبيض من 3 جنيهات إلى 24 جنيهاً للكيلوجرام بزيادة 700%، والأرز المعبأ من 3.75 جنيهات إلى 25 جنيهاً للكيلوجرام بزيادة 566%، والمعكرونة من 4.5 جنيهات إلى 40 جنيهاً للكيلوجرام بزيادة 987%، والدقيق (الطحين) من 3.50 جنيهات إلى 28 جنيهاً للكيلوجرام بزيادة 700%.[[1]] كما ارتفعت أسعار الوقود والخدمات عل نحو مخيف؛ فأنبوبة غاز الطهي المنزلي ارتفعت من 8 جنيهات إلى 80 بمعدل زيادة (1000%)، ولتر الوقود الشعبي من (0.8 جنيها   إلى 8 جنيهات) بمعدل زيادة ألف في المائة أيضا، وتذكرة المترو من  جنيه واحد فقط لكل المحطات إلى 10 جنيهات بزيادة قدرها ألف في المائة. كما ارتفعت فاتورة المياه والكهرباء وكروت شحن الهواتف بنسب تصل إلى (500%) على  الأقل. فما تأثير هذه الأزمة الطاحنة على النشاط الخيري؟ وما أهم الأبعاد والعقبات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني وتحد من قدرتها على مواجهة هذه التداعيات الكارثية للأزمة الاقتصادية؟ وما دور الدولة في تفاقم الأزمة والحد من قدرة المجتمع على التفاعل الإيجابي مع الأزمات والمشاكل؟ وما النتائج والمآلات المحتملة لهذه المشكلة؟   تآكل النشاط الخيري تبلغ عدد الجمعيات الأهلية المسجلة في مصر نحو 52 ألف جمعية ومؤسسة، وفق آخر إحصاءات رسمية معلنة أواخر (2021). وحسب دراسة حديثة بعنوان “واقع العمل الأهلي في مصر.. الفرص والتحديات”، فإن «الجمعيات الأهلية بمصر تمثّل دورًا رعائيًا كبيرًا تطوّر بتطورها، وذلك منذ نشأتها أواخر القرن الثامن عشر. وقد كشفت الدراسة التي أعدّتها أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية -(جهة حكومية)- هويدا عدلي، أن «غالبية الجمعيات تركّز نشاطها على القرية أو النَّجْع الذي توجد فيه، كما أنها تميل للعمل الخيري بالأساس، غير أن الكثير منها يتم إنشاؤه من قبل عائلات وأسر، فضلًا عن الصبغة الدينية للكثير منها، بينما يعمل بعضها وكلاء لبعض المنظمات الخيرية الكبيرة؛ مثل: بنك الطعام، ودار الأورمان في توزيع الطعام والكساء على الفقراء في قرى مصر». وأوضحت الدراسة -المنشورة على الموقع الرسمي للهيئة العامة للاستعلامات (جهة حكومية تتبع رئاسة الجمهورية)- أن «هذه الجمعيات تتمتع بمصادر تمويل متنوعة ومتدفقة، سواء من الداخل عبر تبرعات رجال الأعمال والزكاة والصدقات، أو عبر التمويل من جهات مانحة دولية، سواء حكومية أو غير حكومية، وتنتشر في جميع أنحاء البلاد مع التركيز على المناطق الأكثر فقرًا، وفقًا لخرائط الفقر؛ مثل: ريف الوجه القبلي».[[2]] لكن  التدهور الحاد في قيمة العملة وسقوط عشرات الملايين في دائرة الفقر انعكس سلبا على النشاط الخيري؛  الأمر الذي رصدته وكالة «فرانس برس» في تقرير لها نشرته في 17 يناير23م؛ حيث تؤكد أن هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية انعكست سلبا على النشاط الخيري، فتقلصت المساعدات التي تقدمها المؤسسات الخيرية للفقراء والمساكين؛ وتنقل الوكالة عن أحمد هشام، المسؤول في مؤسسة “أبواب الخير” الأهلية التي تساعد العديد من الأسر، أن جمهورا مختلفا بات يطرق أبواب المؤسسة. ويضيف: “كثيرون كانت لديهم مدخرات يحتفظون بها من أجل أولادهم أو للمستقبل، يلجؤون إليها اليوم من أجل تغطية مصاريف صحية أو احتياجات يومية”، موضحا أن “غالبية هؤلاء يعملون في القطاع الخاص ويكسبون ما بين أربعة آلاف إلى ستة آلاف جنيه شهريا (133 إلى 200 دولار)”. ويتابع: “بعض من يأتون لم يعرفوا هذا من قبل وكانوا يستطيعون تغطية احتياجاتهم بأنفسهم، ولأنها المرة الأولى التي يواجهون فيها هذا الموقف، يكون الأمر صعبا عليهم ويكادون لا يصدقون أنهم يحصلون على مساعدة من مؤسسة خيرية”. وينقل هشام عن أحد الذين لجأوا الى المؤسسة قوله “كان يتعيّن عليه الاختيار بين أن يشتري الطعام لأبنائه أو أن يسدّد لهم مصاريف المدارس”. ولا تقتصر الصعوبات على العائلات، بل امتدت إلى جمعيات ومؤسسات أهلية زادت مصاريفها في حين قلت التبرعات.[[3]] ومن هذه المؤسسات الخيرية التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية مستشفى سرطان الأطفال 57357، التي أعلنت…

تابع القراءة
الدولة العربية المعطوبة.. سر الإخفاق

الدولة العربية المعطوبة.. سر الإخفاق

مما لا شك فيه أن الدولة في عالمنا العربي كانت هي الفاعل الرئيسي خلال القرنين الماضيين، ولا تزال هي المكون دائم الحضور في كل التفاعلات التي تشهدها بلادنا خلال العقدين الماضيين، ودورها مرشح للاستمرار على الأقل في المدى المنظور؛ كل ذلك يعطي محاولات فهم الدولة في بلادنا وتفسير نشأتها وتطورها، أهمية مركزية ويجعلها مقدمة ضرورية لأي تفكير في مستقبل بلادنا. في كتاب “المحنة العربية الدولة ضد الأمة”[1]، لـ برهان غليون، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون، وأول رئيس للمجلس الوطني السوري المعارض، الصادر في طبعته الأولى عام 1993، عن مركز دراسات الوحدة العربية، وفي طبعته الثانية وحتى الرابعة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في سبتمبر 2015، محاولة للإجابة على عدد من التساؤلات بخصوص الدولة العربية، أسئلة تتعلق بمحاولة فهم بداياتها واستشراف مآلاتها؛ فبينما يتساءل في الفصل الأول عن إشكالية الدولة في عالمنا العربي، نجده يتساءل في الفصل الأخير بخصوص “إلى أين يسير العالم العربي”، وبينهما يستعرض تاريخ الدولة العربية خلال عصور (التكوين – التنظيم – التغيير – المحنة). كتاب برهان غليون يقدم إحدى التفسيرات التي حاولت فهم وتفسير الدولة الوطنية الحديثة منذ نشأتها عربيا وحتى اللحظة. سيدور الحديث في هذه السطور حول الأفكار التي طرحها “غليون” في مقدمة كتابه، وفي الفصل الأول منه، مع التركيز بشكل أساسي على مقدمتي الكتاب وقد جاءا في 26 صفحة؛ وتضمنا أهم الافتراضات والتصورات التي أستند عليها الكاتب في بناء كتابه، وخرج بها من دراسة وتأمل تأريخ الدولة الوطنية في العالم العربي.   السؤال البحثي: في بداية الكتاب حدد المؤلف الدوافع والتساؤلات التي بدء منها، ودفعته لدراسة الدولة العربية، وهي كما جاءت في المقدمة؛ (1) محاولة فهم السياقات التاريخية، الآليات، السياسات التي حولت الدولة الحديثة من أداة للتحرر والانعتاق إلى غول ابتلع الحداثة والمجتمع في الوقت نفسه؟ وأخضعهما لمصالح خاصة غير إنسانية. (2) تفسير القطيعة والعداء الذي أظهرته الدولة العربية للمجتمع، ووقوفها ضد تطلعات الشعوب. (2) فهم الآلية التي تحولت فيها الدولة إلى مفرخه لـ “نخبة” اجتماعية هي أقرب إلى نخبة المستوطنين الأجانب منها إلى نخبة وطنية.   التفسيرات المطروحة: ثمة تفسير شائع، عادة ما يتم طرحه عند الحديث عن توحش الدولة العربية وعن حالة العداء التي تُكنها نخب الحكم للمجتمعات العربية التي تحكمها؛ وهو تفسير “جوهراني”، ذات أصول استشراقيه، يتأسس على افتراض أن الثقافة العربية الإسلامية في طبيعتها مناهضة لقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؛ وأن هذه القيم يستحيل استزراعها في تربة الثقافة الإسلامية؛ وأن توطينها في البيئات العربية يستوجب القطيعة التامة والكاملة مع التراث الإسلامي. وقد تسربت هذه الرؤية إلى كثيرين من الكتاب الحداثيين العرب؛ فانطلق هؤلاء لدراسة التراث والتنقيب فيه؛ إما لتأكيد هذه الرؤية ودعمها بمزيد من الشواهد، وإما لإثبات زيفها. يرفض برهان غليون هذا التفسير، ويؤكد في المقابل على أن الشعوب العربية –كغيرها من الشعوب- تتطلع إلى التحرر والانعتاق، والنخب العربية منذ القرن التاسع عشر وإلى ما بعد منتصف القرن العشرين كانت تطلعاتها حداثية تحررية ذات منابت إنسانية من ليبرالية وقومية واشتراكية. فالمجتمعات والنخب العربية ليست أقل رغبة من الشعوب الأخرى في الدخول إلى الحداثة وقيمها ومؤسساتها. في المقابل يطرح الكاتب تفسير بديل لما أسماه “”المحنة العربية: الدولة ضد الأمة”؛ وهو أن  السبب وراء إعاقة مسيرة التطور والتقدم الحضاري والسياسي، في المجتمعات العربية، هي الدولة التحديثية نفسها، “الدولة التي راهن عليها المجتمع من أجل تقدمه وتحريره”، والسبب هي السلطات والصلاحيات الاستثنائية التي أعطاها المجتمع المتأخر نفسه لهذه الدولة، وفي الثقة التي أولاها للنخب الحاكمة.   المحنة… الدولة ضد الأمة: ما السبب وراء فشل الدولة العربية في إنجاز التحديث الذي وعدت به، لما لم تنجح هذه الآلة الضخمة “المستوردة” في تحقيق ما حققته مثيلاتها في الغرب؟ في هذا السياق يميز الكتاب بين الدولة كما ظهرت في السياق الغربي، ويسميها “الدولة الحديثة الناجزة”، التي تحركها القيم والمبادئ، وتحكمها قواعد العمل القانونية والسياسية، ويتحكم بها مجتمع منظم تجاوز أزمة مراحل الانتقال، وبين ما يسميها “الدولة التحديثية الفجة/ غير الناجزة”، وهي دولة تحركها أيضاً إرادة اللحاق بركب الحداثة، والسعي إلى استيعاب وسائلها وتقنياتها، لكنها فشلت في إنجاز مشروع التحديث؛ من ثم تحولت هذه الدولة إلى دولة طائفة ومنها إلى دولة مافيا. (دولة تتبنى مشروع استعماري داخلي يتناقض مع تحرر المجتمعات والأفراد ويقاومه بشراسة. حدث هذه نتيجة فشلها في تحقيق مشروعها ومن ثم الانقلاب عليه. فهي دولة حاضنة لنخبة طفيلية (عصبة الدولة أو الطائفة الاجتماعية المتحكمة فيها)، منفصلة عن الشعب ومعادية له، وحولت الحداثة إلى إيديولوجيا لردع وإخضاع المجتمعات. بالتالي فإن مشكلة الاستبداد في بلادنا هي مشكلة نخب الحكم التي هي أقرب للنخب الاستعمارية منها للنخب الوطنية الممثلة للمجتمع والمعبرة عن هموم ومصالح وتطلعات مجموعاته. يتوسع الكاتب في وصف “الدولة التحديثية التي ظهرت في بلادنا، في محاولة للتفريق بينها وبين الدولة الحديثة التي ظهرت في الغرب؛ تفريق ومقارنة غرضها فهم سبب إخفاق الدولة العربية، فيذكر؛ (1) أنها –أي الدولة التحديثية- دولة المركزية الشديدة والسلطة المطلقة، تنشأ من رحم الحاجة إلى تكسير التوازنات وقلب الأوضاع الاجتماعية والتقنية السائدة التي تحد من الفاعلية الاجتماعية والاقتصادية، فهي أداة لاستدراك التأخر التاريخي؛ بتحديث القوى العسكرية والبيروقراطية المرتبطة بالدولة والسلطة، ومن ثم هي تؤدي إلى عدم توازن متزايد وخطر بين السلطة والمجتمع. (2) أن هذه الدولة تقوم في الأساس على مبدأ تفويض جماعي افتراضي غير معلن وغير مكتوب، وتتصرف كما لو كانت النائب الأعلى والوريث الشرعي لسلطة تاريخية، هي بالتعريف دولة غير تمثيلية وغير ديمقراطية. (3) هي دولة ذات نزعة قومية أو وطنية، بمعنى التمحور على الذات والدفاع عن السيادة والفضاء اللذين يخصاها. (كأنه يقول أنها دولة يحركها الهم العام، والرغبة في إنجاز التحديث، أو أنها تتحرك وفق منطق ذاتي يخصها) هي دولة جاءت لتعبر عن مخاوف نخبها على هويتهم وثقافتهم وذاتيتهم جراء عدم أخذهم بالحداثة، جاءت لتنجز مشروع التحديث. (4) هي دولة استبدادية، لكنها ليست بالضرورة دولة غير قانونية وجائرة وطغيانية، إن هويتها الحقيقية نابعة من مفهوم بيروقراطية الدولة، ومن العناصر الرئيسة المكونة لبيروقراطية الدولة كمفهوم، عناصر العقلنة واحترام النظام ورعاية القانون. يرى الكاتب أن الدولة التحديثية[2] هي مرحلة ضرورية في إنجاز التحديث، فأية تجربة تحديثية حقيقية كانت الدولة التحديثية بسماتها المذكورة تلك مرحلة من مراحلها؛ فالدولة التحديثية تعمل على إنجاز التحديث وبقدر نجاحها في تحديث مجتمعاتها وتحقيق رسالتها وغاياتها بقدر زيادة فرصها في التحول إلى الديمقراطية، وبقدر فشلها في إنجاز مشروعها التحديثي بقدر ردتها وفقدانها هويتها وتحولها إلى عقبة ضد التحديث، وتتحول نخبها إلى غول يلتهم الدولة والمجتمع معاً. إن تجاوز الدولة التحديثية يتم فقط في حال نجحت في إنجاز التحديث ومعالجة التأخر الحضاري الذي قامت من أجل تداركه، يتم تجاوزها نحو دولة ديمقراطية حديثة، أما في…

تابع القراءة
طبقة الفقراء الجدد.. كيف تشهد مصر تحولات اجتماعية ضخمة؟

طبقة الفقراء الجدد.. كيف تشهد مصر تحولات اجتماعية ضخمة؟

تشهد مصر تحولات اقتصادية ضخمة لها تأثير بالغ على التركيبة الاجتماعية للسكان؛ فشبح الفقر يلتهم قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى التي كادت تختفي في ظل التدهور الحاد في الوضع الاقتصادي وخفض قيمة العملة والتضخم المتزايد باستمرار بعدما  تخطى سعر صرف الدولار 30 جنيها لأول مرة في تاريخ مصر قبل أن يتراجع إلى 29.55 جنيها؛ هذه التحولات تدفع  الكثيرين من أبناء الطبقة الوسطى إلى تغيير نمط عيشهم بصورة جذرية وسط أنين وشكوى مستمرة من سوء الأوضاع. وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير لها  نشرته في 17 يناير23م تنقل عن السيدة: منار وهي أم لطفلين قولها: «نحن كمن هبطت به الأرض فجأة وأصبح مضطرًا للتنازل عن كل شيء»، مشيرة إلى أنها قررت إلغاء أي عطلات خارج البلاد لضبط مصروف العائلة. وتضيف منار (38 عامًا) التي رفضت الإفصاح عن اسم عائلتها “كنا نعيش حياة ليست مرفهة لكن مكتفية. الآن كل ما أفكر فيه هو سعر الخبز والبيض”. وتشكك الوكالة الفرنسية في معدلات التضخم الرسمية المعلنة من جانب الجهاز المركزي للإحصاء في مصر؛ فحسب الأرقام الرسمية ارتفع التضخم إلى 24.4%، وزادت أسعار السلع الغذائية بنسبة 37.9%. وتنقل الوكالة عن أستاذ الاقتصاد بجامعة جون هوبكنز في ميريلاند ستيف هانك، المتخصص في التضخم البالغ الارتفاع، يقول إن نسبة التضخم الحقيقية السنوية في مصر “تصل إلى 88%”. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تحدّث مصريون عن تأثرهم بارتفاع الأسعار الذي جعلهم يهبطون إلى طبقة اجتماعية أدنى. كما نقل بعضهم مشاهداته عن مواطنين لم يكونوا يستخدمون المواصلات العامة، إلا أنهم اضطروا إلى ذلك بعد تأثرهم بالأزمة الاقتصادية. هذه الأوضاع الاقتصادية المتدهور انعكست سلبا على النشاط الخيري، فتقلصت المساعدات التي تقدمها المؤسسات الخيرية للفقراء والمساكين؛ وتنقل وكالة «فرانس برس» عن أحمد هشام، المسؤول في مؤسسة “أبواب الخير” الأهلية التي تساعد العديد من الأسر، إن جمهورا مختلفا بات يطرق أبواب المؤسسة. ويضيف: “كثيرون كانت لديهم مدخرات يحتفظون بها من أجل أولادهم أو للمستقبل، يلجؤون إليها اليوم من أجل تغطية مصاريف صحية أو احتياجات يومية”، موضحا أن “غالبية هؤلاء يعملون في القطاع الخاص ويكسبون ما بين أربعة آلاف إلى ستة آلاف جنيه شهريا (133 إلى 200 دولار)”. ويتابع: “بعض من يأتون لم يعرفوا هذا من قبل وكانوا يستطيعون تغطية احتياجاتهم بأنفسهم، ولأنها المرة الأولى التي يواجهون فيها هذا الموقف، يكون الأمر صعبا عليهم ويكادون لا يصدقون أنهم يحصلون على مساعدة من مؤسسة خيرية”. وينقل هشام عن أحد الذين لجأوا الى المؤسسة قوله “كان يتعيّن عليه الاختيار بين أن يشتري الطعام لأبنائه أو أن يسدّد لهم مصاريف المدارس”. ولا تقتصر الصعوبات على العائلات، بل امتدت إلى جمعيات ومؤسسات أهلية زادت مصاريفها في حين قلت التبرعات.   تآكل الطبقة الوسطى في ظل هذه الأوضاع المتردية، وسط التفاوت الكبير في الدخول ومستويات المعيشة في مصر، يصعب تحديد الطبقة المتوسطة، وفق الباحثة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة هدى عبد العاطي التي تقول “المشكلة أن هؤلاء الذين لم يكونوا قريبين من خط الفقر يمكن أن يقتربوا أكثر وأكثر منه بسبب التصاعد الكبير في التضخم”. ووفق أحدث دراسة نُشرت عام 2020، يبلغ متوسط الأجور في مصر 69 ألف جنيه سنويًّا (نحو 2300 دولار)، أي أعلى قليلًا من خط الفقر الذي حدده البنك الدولي بـ3.8 دولارات يوميًّا. اليوم ــ حسب هدى عبد العاطي ــ فإن هؤلاء الذين يحصلون على هذا الدخل لم يعودوا قادرين على تأمين حاجات المعيشة الأساسية، ولكن لا تنطبق عليهم شروط الحصول على المساعدات الاجتماعية التي تمنحها الحكومة”. في ظل هذه الأوضاع فإن الفجوة الطبقية في مصر تتسع على نحو مرعب يهدد بتماسك المجتمع وينذر باشتعال حرب طبقية قد تسهم في المزيد من تفكيك المجتمع وإضعافه؛ ففي الوقت الذي يزداد فيه عدد الفقراء وتعاني الدولة نفسها من الفقر وتضخم الديون والاعتماد على القروض فإن نخبة الحكم والأثرياء يزدادون غنى وثراء؛ وهو أمر غريب؛ إذ كيف تفتقر البلاد ويغتني هؤلاء؟ وكيف يتراجع الدخل ويزداد عدد الأثرياء؟ هذا هو الفساد بعينه في أبسط صوره. وفي أحدث تقرير أعدته مؤسسة “هينلي أند بارتنرز” في يونيو (2022)، حول الثروات في أفريقيا لعام 2022م،  فهناك نحو 17 ألف مصر يمتلكون  أكثر من مليون دولار، يبلغ عدد الذين يملكون أكثر من 10 ملايين دولار نحو   (880) شخصا، في حين لا يزيد عدد من يملكون أكثر من 100 مليون دولار على 57 شخصا. أما من تقدر ثرواتهم بأكثر من مليار دولار فعددهم 7 أشخاص من إجمالي 21 ملياردير في القارة، وبذلك تضم مصر أكبر عدد من المليارديرات في أفريقيا. وتحتل مصر الترتيب الثاني  كأغنى دولة في القارة السمراء من حيث ثروة الأفراد بمبلغ 307 مليارات دولار، بفارق يزيد الضعف على الدولة الأغنى، وهي جنوب أفريقيا التي يبلغ حجم الثروات بها 651 مليار دولار.[[1]]   الغلاء بمعدل يومي وفي مصر  دون باقي دول العالم فإن أسعار الكثير من السلع الاستراتيجية التي تشهد انخفاضا عالميا نجد الأسعار عندنا في مرحلة ارتفاعات مستمرة، فقد انخفضت أسعار الزيوت والألبان واللحوم والحبوب عالميا عن مستوى ما قبل الحرب الأوكرانية. حسب المنظمات الرسمية، وانخفضت أسعار الأقماح في البورصة العالمية إلى 300 دولار للطن بنهاية ديسمبر 2022م أي ما يعادل 7500 جنيه للطن، وإذا ما أضفنا للطن مصروفات استيراده وشحنه التى قد تصل إلى ألف جنيه يصل سعره إلى 8500 جنيه للطن، لكنه سعر الدقيق في الأسواق يباع بسعر 17 جينها للكيلو بمعنى أن الطن الذي يوازي سعره العالمي نحو (8500 جنيها) يباع للمستهلك في مصر بـ17 ألف جنيها!! ومع ذلك تتزايد اسعار المخبوزات وتقل من حيث الحجم. وعليها فقس كل أسعار السلع! حتى لو سلمنا بقفزات في سعر الصرف وانخفاضه بنسبة 90% أمام الدولار منذ شهر مارس (22م) بعد أن خفض البنك المركزي المصري قيمة العملة المحلية ثلاث مرات، فقد خسر الجنيه 50%  من قيمته خلال السنة الماضية؛ ورغم ذلك لا تزال الأسعار في مصر أعلى من الأسعار العالمية رغم بؤس مقدار الأجور والمرتبات في مصر مقارنة بالدول الأخرى في أوروبا وأمريكا؛ فقد ارتفعت الأسعار في مصر خلال السنة الماضية بنحو 150% عما كانت عليه قبل سنة واحدة فقط!!   البنك الدولي يرفع خط الفقر العالمي واعتبارا من أكتوبر الماضي “2022”، رفع البنك الدولي الخط العالمي للفقر من 1.90 دولار كحد أدنى للدخل اليومي للفرد، إلى 2.15 دولار، استنادا إلى التحول في الأسعار فيما يتعلق بالطعام والسكن والملابس والاحتياجات الأساسية للسكان في الدول النامية. واستند البنك في ذلك إلى أسعار سنة 2017م وليس إلى الأسعار الراهنة في 2023م والتي ارتفعت بشدة بعد جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية؛  الأمر الذي يؤدي تلقائيا إلى دخول ملايين المصريين في دائرة الفقر المدقع. بمعنى أن الدخل اليومي للفرد الواحد على خط الفقر كان نحو (57)…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022