ملامح التحول السلطوي في تونس والموقف الشعبي منه .. مع الإشارة للتجربة المصرية

ملامح التحول السلطوي في تونس والموقف الشعبي منه .. مع الإشارة للتجربة المصرية

كان الاستفتاء على مشروع الدستور هو الخطوة الثالثة في خارطة الطريق التي أعلنها الرئيس التونسي، في كلمته التي وجهها للتونسيين، في 13 ديسمبر 2021، بعد 5 أشهر من انقلابه على دستور 2014[1]، وقد تضمنت هذه الخارطة 7 بنود، يهمنا منها: (1) مواصلة تعليق أعمال مجلس النواب إلى حين تنظيم انتخابات جديدة، (2) تنظيم “استشارة شعبية افتراضية” من خلال طرح أسئلة عبر منصة إلكترونية، تتزامن مع تنظيم “استشارات مباشرة”، وتعيين لجنة تتولى التأليف بين المقترحات المقدمة من المشاركين بخصوص النظام السياسي والدستوري والانتخابي. (3) تنظيم استفتاء على الدستور يوم 25 يوليو 2022. (4) تنظيم انتخابات لمجلس النواب، وفق القوانين الجديدة يوم 17 ديسمبر 2022[2]. ورغم أن خريطة الطريق التي أعلنها “سعيد” كانت تعني رفضه للحوار السياسي والاجتماعي، وفي المقابل؛ تشكيل لجنة لصياغة الإصلاحات الدستورية والسياسية يختار أعضاءَها بنفسه، وإجراء انتخابات تشريعية وفق رؤية جديدة تبدو قائمة على نظام الترشح الفردي وإقصاء القائمات الحزبية”[3]، إلا أنها استمرت في التحقق بمرور الوقت، ولم يبق منها سوى الانتخابات البرلمانية المقررة بعد 4 أشهر، ولم تنجح قوى المعارضة والمجموعات المناوئة لسياساته في عرقلة مساعيه لإعادة تشكيل النظام السياسي في تونس بصورة تقضي على كل مكتسبات الثورة في تونس. في هذه السطور نتتبع ملامح التحول السلطوي في تونس، ونحاول أن نقف على الأطراف وخريطة القوى الداعمة لتحركات سعيد، خاصة أن الرجل ليس عسكرياً، ولم يتولى أية مناصب سياسية قبل توليه الرئاسة، ولم يعرف له أية نشاط سياسي، بالتالي كيف لرجل يقف وحده أن يجهض تجربة تحول ديمقراطي عمرها عشر سنوات ؟، كذلك نحاول الوقوف على ردة الفعل الشعبية المناهضة لـ “سعيد” ودلالاتها.   ملامح التحول السلطوي في تونس: من خلال تسليط الضوء على ملامح خارطة التحول السلطوي التي يتبناها قيس سعيد، نريد أن نقف على أبرز سمات هذه الخطة ودلالاتها. ويفترض التقرير أن هناك تشابه كبير بين اجراءات التحول السلطوي الذي تشهده تونس، وإجراءات التحول السلطوي الذي شهدته القاهرة قبل سنوات، ويفترض التقرير كذلك أن هذا التشابه ليس مصادفة، ولم ينجم عن تأثر الرئيس التونسي بتجربة مصر في الثالث من يوليو 2013 وما بعدها، إنما هذا التشابه ناتج عن اعتقاد النخب السلطوية في كلا البلدين أن حدوث تحول سلطوي ناجح وإجهاض محاولات التحول الديمقراطي يستلزم عدة شروط، هذه الشروط هي: الاستناد إلى الشارع مباشرة: في تونس وقبلها في مصر عملت قوى الانقلاب على العودة للشارع مباشرة دون وسيط من مؤسسات أو إجراءات قانونية ودستورية متعارف عليها؛ وذلك بهدف شرعنة إجراءاتها الاستبدادية عبر إجراءات شعبوية –التفويض في مصر، والاستشارة الالكترونية في تونس- ما يمكنها من الحصول على شرعية سريعة ناجزة، ومن تجاهل أي صوت معارض لهذه الاجراءات ومناهض لها قد يظهر صوته لو جرى الاعتماد على إجراءات قانونية. كذلك فإن العودة للشارع من خلال إجراء شعبوي بدون ملامح واضحة يحول الشعب إلى “عصا موسى” التي يلقف بها كل مكتسبات الثورة والتحول الديمقراطي، فيتم استدعاء اسطورة الشعب عند كل إجراء سلطوي جديد يخالف الدستور والقانون وحتى حقوق الإنسان المتعارف عليها. في الحالة التونسية قرر الرئيس تنظيم استشارة الكترونية كي يتمكن من خلالها الوقوف على تصورات التونسيين بشأن شكل النظام السياسي الذي يريدوه. والاستشارة الإلكترونية: هي جزء من ترتيبات المرحلة الانتقالية التي دعا لها الرئيس التونسي، وقد استمرت خلال الفترة من يناير 2022 وحتى 20 مارس من العام نفسه، وهي تشبه استبيان لآراء المواطنين حول تصوراتهم بشأن النظام السياسي والشأن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي. وقد عبئت الدولة وسائل الإعلام، واستنفرت الجهاز الإداري، وجندت فرق جوالة في القرى والمدن، وسخرت مراكز إعلامية ودور الشباب والثقافة، ومنحت مستخدمي الإنترنت مجانية الوصول إلى المنصة، مع السماح بمشاركة القصر للتشجيع على المشاركة في الاستشارة، مع ذلك فقد شهدت الاستشارة عزوفًا كبيرًا، ولم تتجاوز نسبة المشاركين فيها 5.9% من مجموع البالغين 16 عامًا فأكثر؛ وهي نسبة، على ضعفها، جرى التشكيك فيها[4]. وبحسب الخارطة الطريق فإن نتائج الاستشارة (5.9%) هي مرجعية الحوار الوطني، الذي كان من المرجح أن ينطلق مسفراً في النهاية عن صياغة دستور جديد، بمشاركة الجميع في صياغته، ومرجعيته هو رأي الشارع الذي عبر عنه في الاستشارة الالكترونية[5]، لكن ما حدث أن مخرجات الاستشارة التي لم يشارك فيها إلا حوالي نصف مليون تونسي واعتبرها الرئيس ناجحة ومعبّرة عن إرادة الشعب، لم تنشر أبداً، وبدأ الحوار الوطني لكن بدون أحزاب[6]. ما يعني أن الاستشارة كانت مجرد إجراء شعبوي الغرض منه شرعنة إجراءات وضعها هو بشكل مسبق. تفكيك المؤسسات المنتخبة والمستقلة: الخطوة المكملة لـ “خطوة الاستناد إلى الشارع مباشرة” كانت قرارات حل البرلمان، وحل المجلس الأعلى للقضاء، وحل هيئة مكافحة الفساد، وكل هيئة أو مؤسسة من شأنها تعرقل المسار السلطوي، وهي مكملة من جهة أن القوى الانقلابية لا تريد وجود مؤسسات ذات شرعية تنازعها احتكارها صنع القرار، أو تدخل معها في معركة على استقطاب الشارع، بالتالي تلجأ القوى الانقلابية إلى التخلص من المؤسسات المستقلة والمنتخبة المعبرة عن الشارع. ينبغي هنا أن نشير إلى أن أحد أسباب فشل عمليات التحول الديمقراطي في بلادنا أنها كانت تعتمد فقط على الشرعية الانتخابية، ولم تترجم قوتها إلى ترتيبات أكثر استدامة، فكانت أولى خطوات أي تحول سلطوي هو حل هذه الهيئات المنتخبة المعبرة عن صوت الشارع ليعود الجميع بعدها إلى مربع صفر. الاستناد لشريعة البقاء للأعنف في مواجهة مناهضي الترتيبات الانقلابية: فقد “مُنعت الأحزاب المعارضة من القيام بأي دعاية ضد مشروع الدستور، واقتصرت الحملة التلفزيونية المُبْتسرة والتسجيلات الإذاعية على عدد محدود من الأشخاص والجمعيات والأحزاب المساندة”، وواجهت السلطات جميع التحركات المعارضة؛ المناهضة للاستفتاء، بعنف مفرط[7]، وقبل ذلك كان هناك تزايد مستمر في حدة القمع الأمني تزامن مع أتساع رقعة المعارضين للإجراءات السلطوية للرئيس التونسي، هذا القمع والممارسات غير القانونية طالت الجميع، برلمانيين[8]، ومسئولين سابقين في الحكومة[9]، وقضاة[10]، ونشطاء سياسيين، ومتظاهرين[11]. بالطبع لم يصل الأمر في تونس إلى مستوى ما حدث في مصر، ففي مصر بعد أن فككت الثورة المضادة مكتسبات ثورة يناير، ولجأت إلى إجراء شعبوي لشرعنة قراراتها من خلال اللجوء لـ “التفويض”، فإنها استندت إلى عنف غير مسبوق ضد مناهضيها في محاولتها لاستعادة السيطرة على الشارع.   من يقف وراء قيس سعيد: يكتسب سؤال من يقف وراء سعيد جاذبيته انطلاقا من كون الرئيس التونسي ليس عسكرياً سابقاً، ولا حتى مسئولاً أمنياً، ولم يتولى أية مناصب في وقت سابق، فهو وصل إلى سدة الحكم على أكتاف الثورة، من ثم هو ليس محسوباً على قوى الدولة العميقة -كما هو حال السيسي في مصر-  بالتالي هو وحيد ومنفرد فكيف له أن يتخذ هذه الاجراءات الانقلابية دون دعم من جهات داخل جهاز الدولة، يبدو هذه الاحتمال مستبعداً، أضف إلى ذلك أنه يصعب القول أن قرار سعيد بتجميد البرلمان وإقالة الحكومة وما تلاها…

تابع القراءة
الانتخابات الكينية

الانتخابات الكينية

اتجه الناخبون الكينيون في التاسع من أغسطس إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد في تنافس بين المرشح للمرة الخامسة رايلا أودينغا 77 عامًا، والمدعوم من كينياتا الرئيس السابق، وويليام روتو 55 عامًا الذي تمحورت حملته حول قصة انتقاله من الفقر إلى الثراء. ويراقب كثيرون من خارج البلاد هذه الانتخابات عن كثب إذ أن كينيا دولة مستقرة في منطقة مضطربة، وهي حليف غربي وثيق. لكن داخل كينيا، يتجاهل البعض المشاركة في الانتخابات التي جاءت في وقتٍ يعاني العديد من المواطنين من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والفساد المتأصل، فلا يثقون في قدرة الحكومة المقبلة على إحداث أي تغيير. فما هي الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي صاحبت الانتخابات في كينيا؟ وكيف سارت العملية الانتخابية؟ وكيف يُمكن قراءة شبكة التحالفات ونتائج الانتخابات؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير..   الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للكينيين: يضم شعب كينيا البالغ عدده 51 مليون نسمة حوالي 44 مجموعة عرقية، وتسبَّبت الانقسامات بين أكبرها في أعمال عنف مرتبطة بالانتخابات. وصل التضخم في كينيا إلى 7.9% في يونيو، مدعومًا بارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية والأسمدة والوقود التي نتجت عن أسوأ جفاف شهدته البلاد منذ أربعة عقود وغزو روسيا لأوكرانيا، ويُتوقَّع أن تصل تكلفة خدمة الدين العام إلى أكثر من نصف إيرادات الدولة المتوقَّعة. وارتفعت ديون كينيا بأكثر من خمسة أضعاف منذ تولي كينياتا منصبه في 2013، مع لجوء إدارته المتزايد إلى القروض لتمويل أجندة توسيع البنية التحتية. قدَّم صندوق النقد الدولي 1.21 مليار دولار للحكومة في إطار برنامج مدته 38 شهرًا بقيمة 2.34 مليار دولار يهدف إلى معالجة نقاط ضعف ديون البلاد بالإضافة إلى تأثير وباء كوفيد- 19.[1]   الأوضاع السياسية في كينيا: في كينيا، يُعتبر الانتماء العرقي أساسي في عملية الانتخاب، مع انتشار 44 إثنية عرقية في البلاد. والسياسة الكينية شديدة التقلُّب، إذ أن روتو وأودينغا تحالفا في عام 2007، بعد فوز الرئيس السابق مواي كيباكي بالرئاسة في مواجهة أودينغا، الذي رفض الاعتراف بالنتائج، لتندلع اشتباكات عرقية، بين كالنجين وكيكويو (التي ينتمي إليها كيباكي)، أسفرت عن مقتل بين 800 و1500 شخص، في الفترة بين 7 ديمسبر 2007 و28 فبراير 2008، ونزوح أكثر من 600 ألف شخص. وزار الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، نيروبي، فوقّع كيباكي وأودينغا اتفاقًا لتقاسم السلطة. وأكد المرشحان، أنهما سيقبلان بنتائج الاقتراع.[2] وفي 2017، قضى عشرات الأشخاص في قمع تظاهرات انطلقت بعد قيام أودينغا بالاعتراض مجدَّدًا على نتائج انتخابات ألغتها المحكمة العليا في نهاية المطاف، في قرار شكَّل سابقة تاريخية.[3] وعمليًا لم تشهد نيروبي انقلابًا منذ استقلالها، بل محاولة انقلابية حصلت ضد الرئيس السابق دانيال أراب موي في 1 أغسطس 1982، قادها مجموعة من الجنود المتمردين، بقيادة هيزيكياه أوشوكا، ومدعومة من كوريا الشمالية والاتحاد السوفييتي وكوبا وألمانيا الشرقية، غير أنها فشلت بفعل دعم تنزانيا وأوغندا وبريطانيا لحكومة أراب موي.[4]   الحملات الانتخابية بين روتو وأودينغا: المرشحان الرئيسيان اللذان كانا يتنافسان على المقعد الرئاسي ليسا من الوجوه الجديدة، إذ أن وليام روتو (55 عام) هو نائب كينياتا منذ 9 سنوات، رغم الخلاف بين الرجلين. أما رايلا أودينجا (77 عام) فهو زعيم معارض مخضرم يخوض المنافسة هذه المرة بتأييد من كينياتا.[5] ويدير روتو حملته على أساس ما يسميه “النموذج الاقتصادي التصاعدي”، الذي يسعى لتوجيه الأموال الحكومية إلى القطاعات القادرة على توليد معظم الوظائف، وتعهَّد باستثمار ما لا يقل عن 500 مليار شلن في الزراعة التي توظف أكثر من 40% من القوة العاملة، وفي الأعمال التجارية الصغيرة. قال روتو في مقابلة مع “بلومبرغ”: “أنا أتحدث عن تنمية الاقتصاد عن عمد لإيجاد فرص عمل”. وكثيرًا ما وُصف روتو بأنه “محتال” انتقل من بيع الدجاج الحي على جانب الطريق السريع ليصبح مالك إحدى أكبر مزارع الدواجن في البلاد، وتوسَّع في الأعمال التجارية بما فيها الضيافة والعقارات. صوَّرت حملة أودينغا روتو على أنه زعيم تحيطه الفضائح، ومنها الخسارة المحتملة لإيرادات الحكومة في صفقة تضمَّنت تطوير سدود في منطقة ريفت فالي، وهي مزاعم نفاها روتو. تعهد أودينغا من خلال بيان في يونيو “بمحاربة الفساد بجميع أشكاله”، ويُنظر إليه على نطاق واسع كمحارب عقائدي بسبب دوره في ضمان تكريس دستور كينيا في 2010 لحقوق المرأة والأقليات والمجتمعات المهمشة والحد من سطوة السلطة التنفيذية. كما تعهَّد أودينغا أنه في حال انتخابه سيقر راتبًا شهريًا قدره 6,000 شلن للأسر الأشد فقرًا للتخفيف من وطأة التضخم. كما قال إنَّه سيساعد 47 مقاطعة في كينيا على تطوير القدرة التصنيعية لمنتج واحد على الأقل، ويعمل على زيادة مساهمة الزراعة في الاقتصاد إلى 30% من 22% العام الماضي. وطلب كينياتا من الجماهير خلال المحافل الانتخابية التصويت لصالح أودينغا الذي يمكنه توجيه البلاد بأمان إلى مستوى آخر من التنمية الاجتماعية والاقتصادية -على حد وصفه-، في حين وصف نائبه بأنه غير مفيد في أوقات الأزمات.[6]   قراءة في شبكة التحالفات: خاض روتو انتخابات 2013 إلى جانب الرئيس المنتهية ولايته أوهورو كينياتا، رغم كون الاثنين كانا على طرفي نقيض سياسيًا خلال الانتخابات السابقة. وكان ذلك تحالف منفعة، إذ كانت المحكمة الجنائية الدولية قد وجَّهت إلى كليهما تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية تتعلق بمزاعم تأجيجهما أعمال العنف التي تلت معركة عام 2007 الانتخابية الشرسة، والتي أسفرت عن مصرع 1200 شخص. خلال انتخابات عام 2007، كان روتو يدعم مرشح المعارضة رايلا أودينغا -الذي خسر أمامه في الانتخابات الأخيرة- في حين كان كينياتا يدعم رئيس البلاد آنذاك، مواي كيباكي، الذي كان يسعى إلى الحصول على فترة رئاسية ثانية. التحالف أتى أُكله، ووصل الرجلان إلى السلطة، ما جعلهما في وضع قوي لدرء تهديد المحكمة الجنائية الدولية، وبالفعل تحقَّق ذلك عندما أسقط الادعاء التهم الموجهة ضد الرئيس كينياتا عام 2014، ورفض القضاة الدعوى القضائية المقامة ضد روتو في عام 2016. بيد أن ذلك التحالف تلاشى عام 2018، عندما تصالح كينياتا بشكل مفاجئ وغير مُتوقع مع أودينغا، مُحطمًا آمال روتو في دعم الرئيس المنتهية ولايته لخلافته في المنصب خلال الحملة الرئاسية الأخيرة. واتهم حلفاء الرئيس روتو بالخروج عن طاعته، وهو ما ينفيه روتو، وإن كان قد اعترف بوجود شقاق بينه وبين كينياتا عندما قال إن الرؤية السياسية لكل منهما مختلفة. لكن روتو مكث في منصبه، بفضل بنود الدستور التي تكفل لنائب الرئيس البقاء في منصبه طوال الفترة الرئاسية. وخلال الانتخابات الأخيرة، بذل كينياتا جهدًا كبيرًا لحشد الأصوات لأودينغا، قائلًا إن روتو “لا يستحق” تولي أرفع منصب في البلاد ولا ينبغي له توليه. ورد روتو على ذلك الهجوم بمثله، قائلا إن كينياتا يريد أن يخلفه أودينغا لأنه يرغب في “رئيس دمية”.[7]   نتائج الانتخابات: أعلنت المفوضية المستقلة للانتخابات أن عدد المقترعين بلغ 14 مليون من أصل 22 مليون ناخب، أي ما نسبته نحو 65.6%…

تابع القراءة
الجولات الدولية في إفريقيا ومستقبل التنافس الدولي هناك

الجولات الدولية في إفريقيا ومستقبل التنافس الدولي هناك

في إطار الزخم الدولي المتزايد  والتهافت الواضح على إفريقيا من جانب مختلف القوى والفعاليات الدولية وحتى الإقليمية، خاصةً من الولايات المتحدة والقوى الأوروبية كافة، والصين وروسيا والهند وغيرها، جاءت الجولات المتعاقبة الأخيرة من جانب ماكرون ووزيرة خارجيته، وكذلك وزيري خارجية كلٍّ من: روسيا والولايات المتحدة إلى القارة من أجل حشد الأنصار وتبنِّى استراتيجيات جديدة للتحالف مع إفريقيا، لاسيما في ضوء ما يشهده الوضع الدولي من ارتباك بخصوص الصراع العسكري المحتدم بين روسيا وأوكرانيا وتداعياته المحتملة، وتباين مواقف الأطراف المختلفة منه. وفى ضوء هذه الأوضاع تبرز إفريقيا، والتي بالرغم من أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية المتردية لكنها تمتلك كيانًا دبلوماسيًا متميزًا على الساحة الدولية يضم 54 دولة أو نحو ثلث أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة. فماذا كانت أهداف الجولات الفرنسية والروسية والأمريكية؟ وكيف يُمكن قراءة مستقبل التنافس الدولي في إفريقيا من خلالها؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير..   أولًا: الجولة الفرنسية: بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبرفقته وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا ووزير القوات المسلحة سيباستيان لوكورنو، والوزير المفوض للتجارة الخارجية أوليفييه بيشت، ووزيرة الدولة للتنمية كريسولا زاشاروبولو، أولى جولاته خارج أوروبا عقب فوزه بولاية رئاسية ثانية، وذلك خلال الفترة (26 يوليو- 28 يوليو)، وشملت الجولة الكاميرون وبنين وغينيا بيساو. سعى ماكرون خلالها لاستعادة نفوذ فرنسا في القارة، وإعادة تشكيل وصياغة المنظور الإفريقي الشعبي تجاه باريس عقب تصاعد الأصوات الإفريقية المُعارِضة للوجود الفرنسي في ظل وضع معقَّد على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية الإفريقية. وفي هذا الإطار؛ تمثَّلت أهداف ماكرون من الجولة في ثلاثة أهداف رئيسية: أولها؛ تجديد الالتزام الفرنسي بمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل وغرب إفريقيا: حيث حرص ماكرون خلال زيارته إلى الكاميرون على التأكيد على التزام فرنسا بحماية أمن دول القارة، متجاوزًا النطاق الجغرافي التقليدي للوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل ليشمل كذلك غرب إفريقيا، حيث يخطِّط لمَد التواجد الفرنسي خارج منطقة الساحل ليشمل دول خليج غينيا، مع التأكيد على التزام باريس بدعم دول حوض بحيرة تشاد في محاربة الإرهاب، وسيكون ذلك -كما أوضح ماكرون- عبر تعزيز مشاركة باريس في التدريب العسكري والمعدات وتوفير الدعم للجيوش الإفريقية لمساعدتها في زيادة قدراتها، بالربط بين الجهاز الأمني والعسكري الفرنسي بثلاثية (الأمن والدفاع والدبلوماسية والتنمية) التي يُنظر إليها على أنها الحل الأمثل لمكافحة الإرهاب، وهو ما حرص ماكرون على إثباته عبر التعهُّد بتقديم باريس مزيد من الأسلحة إلى بنين في ضوء ما تواجهه من هجمات إرهابية شمال البلاد. وثانيها؛ مواجهة نفوذ القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في القارة: حيث حرص ماكرون على بث رسالة واضحة خلال جولته الإفريقية على إعادة تأكيد التزامه بتجديد علاقة فرنسا مع القارة الإفريقية، عبر طرح رؤية استراتيجية جديدة تُعيد تنظيم العلاقات الفرنسية مع دولها في إطار من الشراكات الأمنية والتنموية للتخفيف من حدة تصاعد الأصوات المعارضة للوجود الفرنسي في دول منطقة الساحل. وثالثها؛ تعزيز الاستثمارات الفرنسية في القارة: حيث تكمن القوة الاقتصادية للكاميرون في قطاعات الزراعة والطاقة والمعادن التي لم تُستغلَّ بعد، والتي تُعد ذات أهمية بالغة للاقتصاد الفرنسي، كما أنها ضمن الدول الإفريقية العشر الأكثر إنتاجًا للنفط في إفريقيا بمعدل سنوي وصل إلى نحو 67 ألف برميل يوميًا. أما غينيا بيساو فتحتل المرتبة الثامنة على مستوى إفريقيا في إنتاج النفط بمعدل إنتاج يومي يصل إلى نحو 148 مليون برميل، بالإضافة إلى امتلاكها كميات غير مُحدَّدة من الغاز البحري، وإمكانات زراعية هائلة يعتمد عليها الاقتصاد، كما أن لديها القدرة على إنتاج كميات هائلة من القمح، إلى جانب تمتُّعها بالثروة السمكية. بينما تُعد بنين أكبر مُنتِج ومُصدِّر للقطن في غرب إفريقيا.[1]   ثانيًا: الجولة الروسية: قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بجولة إفريقية شملت مصر والكونغو وأوغندا وإثيوبيا. وجاءت جولة الوزير الروسي عقب توقيع روسيا وأوكرانيا اتفاقًا مع الأمم المتحدة وتركيا يهدف إلى تخفيف أزمة الغذاء العالمية الناجمة عن منع تصدير شحنات الحبوب والقمح من الموانئ المطلة على البحر الأسود. حيث تعتمد العديد من الدول الإفريقية بشكلٍ كبير على واردات القمح والحبوب سواء من روسيا وأوكرانيا، بيد أن تعطُّل الإمدادات جراء الحرب أدى إلى تفاقم خطر الجوع في القارة السمراء. ويُمكن تلخيص أهداف لافروف من الزيارة في مجموعة أهداف: أولها؛ طمأنة الدول التي تعتمد على الحبوب الأوكرانية بشكل كبير. ففي القاهرة، محطته الأولى، أبلغ لافروف نظيره المصري سامح شكري بأن روسيا ستُلبِّي طلبات مصر من الحبوب. وثانيها؛ الدعم الإفريقي للموقف الروسي: حيث ينظر مراقبون إلى جولة لافروف باعتبارها محاولة لحشد دعم الدول الإفريقية التي تتمتع بعلاقات تاريخية قوية مع روسيا للاصطفاف إلى جانب موسكو وسط إدانة الدول الغربية للحرب في أوكرانيا وفرض عقوبات غربية على روسيا. وقبل الجولة بعدة أشهر، أبرمت روسيا اتفاقيات سياسية وعسكرية مع عدد من البلدان الإفريقية. وثالثها؛ تقديم روسيا نفسها كبديل للغرب: حيث تسعى روسيا لإيجاد موطئ قدم لها في إفريقيا عن طريق إبراز نفسها كوسيط أمني لمواجهة “الإجماع الغربي” وتصدير نفسها في صورة “المدافع عن إفريقيا” في هدف يبدو أن الدول الغربية فشلت في تحقيقه، وقد هيمنت على تصريحات لافروف خلال الزيارة التأكيد على فكرة تقديم روسيا كصديق جدير بالاحترام لإفريقيا على عكس القوى الغربية “المتعجرفة ذات العقلية الاستعمارية”. ووصف لافروف في تصريح له في إثيوبيا الدول الإفريقية التي تحاول تقرير مستقبلها وحل مشاكلها بأنها جزء من نزعة لتشكيل عالم متعدد الأقطاب والذي اتهم الغرب بالوقوف ضده لصالح الهيمنة الأمريكية. وفي هذا السياق، فإن روسيا الآن في وضع قوي إلى حدٍّ ما حيث يمكن لإفريقيا الاستفادة من الاستثمارات ذات المنفعة المتبادلة والتعاون التجاري. في المقابل، التزمت روسيا الصمت حيال القضايا والأوضاع السياسية في إفريقيا، لكنها استبدلت ذلك بشركات عسكرية خاصة مثل مجموعة فاغنر التي كانت بمثابة حلقة وصل وفتحت طريق إفريقيا أمام روسيا.[2]   ثالثًا: الجولة الأمريكية: زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والوفد المرافق له، إفريقيا جنوب الصحراء من يوم 7 حتى 12 أغسطس، وشملت الجولة: جنوب إفريقيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ورواندا. وكان للزيارة مجموعة من الأهداف، أولها؛ البناء على زيارته التي قام بها في نوفمبر الماضي، وتعزيز العلاقات بين الدول الإفريقية والولايات المتحدة من أجل تقوية المصالح المشتركة، حيث تأتي الزيارة في سياق المنافسة الشديدة بين القوى المتقدمة والناشئة في العالم، وقدرة البلدان في إفريقيا على المساهمة في حل التحديات العالمية. وثانيها؛ تعزيز العلاقات الثنائية عن طريق التركيز على القضايا المهمة داخل البلدان الثلاثة التي زارها بلينكن، وخاصةً القضايا التي لها تأثير بالغ على القارة بشكلٍ عام، وعلى العلاقات بين هذه الدول والولايات المتحدة بشكلٍ خاص، وفي هذا الإطار تأتي زيارة بلينكن أيضًا في أعقاب إعلان إدارة بايدن عن قمة إفريقية- أمريكية على مستوى القادة ستُعقد في العاصمة واشنطن في ديسمبر 2022. وثالثها؛ رغبة واشنطن في طمأنة الدول…

تابع القراءة
قراءة في الأبعاد السياسية لتوجهات السيسي الفرعونية على حساب الهوية الإسلامية

قراءة في الأبعاد السياسية لتوجهات السيسي الفرعونية على حساب الهوية الإسلامية

نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي كسابقيه من الجنرالات الذي سطوا على حكم مصر بانقلاب 23 يوليو 2013م، مفتون بالفرعونية، يجاهر بذلك ويفتخر به ويحرص على تكريس نزعة التباهي والتفاخر بهذه الفرعونية كحضارة ونظام حكم وحتى هوية للبلاد. في سبيل ذلك يتم تسخير كل مؤسسات الدولة من أجل الإشادة والفخر بـ«الفرعونية»؛ فالإعلام والسينما والدراما وحتى مناهج التعليم تكرس هذه النظرة تجاه الفرعونية بوصفها حضارة قل لها نظير في العالم، ومنذ عقود وحتى اليوم تصر الآلة الإعلامية للسلطة العسكرية في مصر على وصف المنتخب المصري لكرة القدم  بمنتخب الفراعنة، باستثناء فترة قصيرة في العقد الأول من الألفية الجديدة عندما أطلق على المنتخب وصف منتخب الساجدين لوجود نخبة من اللاعبين المتدينين على رأسهم أمير القلوب محمد أبو تريكة. تجلت هذه النزعة بوضوح شديد خلال السنوات الماضية التي تلت انقلاب 03 يوليو 2013م من خلال الإجراءات الآتية: الأول، أن كل حملات الدعاية التي تقوم بها وزارة السياحة والحكومة تركز باستمرار على الحضارة الفرعونية ، وتعمل على الدوام على الترويج للسياحة في مصر من خلال بوابة الحضارة والفترة الفرعونية. الثاني، هو الشروع في بناء المتحف المصري الكبير بمنطقة الفسطاط بمصر القديمة بدلا من المتحف المصري بالتحرير؛ وذلك بهدف استغلال مكان المتحف بالتحرير في إقامة مشروع فندقي أو بيع الأرض في ظل عمليات بيع أصول الدولة التي يتوسع فيها السيسي للتغلب على أزمة السيولة؛ وقد تكلف متحف الفسطاط نحو مليار دولار (نحو 20 مليار جنيه بسعر سنة 2022) بحسب تصريحات الدكتور طارق توفيق، مدير المتحف المصري الكبير في حوار مع موقع “مصراوي” في أغسطس 2018م.[[1]] ورغم أن مصر تعيش منذ 1400″ سنة في ظل الحضارة الإسلامية، ولا يزال الإسلام مهيمنا على عقائد الناس وأفكارهم إلا أن النظام وضع تصميم المتحف بالكامل على الطراز والنمط الفرعوني في برهان على انحيازه الصارخ للفرعونية على حساب الإسلام وقيمه وحضارته. الثالث، هو الحفل الأسطوري الضخم الذي أقامه النظام في 03 إبريل 2021 م؛ حيث تم نقل المومياوات الملكية  من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بمنطقة الفسطاط بمصر القديمة،  في احتفال أسطوري أنفقت عليه السلطة مئات الملايين من الدولارات. الرابع، افتتاح طريق المواكب المقدسة “الكباش” في حفل أسطوري آخر في 25 نوفمبر 2021م وسط زفة إعلامية ودعائية صاخبة واستدعاء سفراء الكثير من سفراء ا لدول الأجنبية لحضور هذه الاحتفالات الأسطورية. الخامس، هو الاستعداد لإقامة حفل أسطوري أكثر ضخامة من كل ما سبق في افتتاح المتحف المصري الكبير والمقرر له أن يكون خلال هذه السنة (2022). فلماذا يتبنى السيسي هذه التوجهات نحو الفرعونية؟ ولماذا يريد تكريسها وفرضها على المجتمع المصري؟ ولماذا يعمل على تهميش الهوية  الإسلامية؟ وهل يمكن أن ينجح في مسعاه  بشأن الفرعونية؟ وهل ينجح في زعزعة إيمان المصريين الذين يرون في الفرعونية نظاما تسلطيا ظالما يمثل كل القيم السيئة والقبيحة؟ وما دور الشيوخ المقربين منه في هذه المخططات؟ وما العقبات التي تحول دون نجاح هذه المخططات؟   الخصومة مع الإسلام في مقابل هذا الاهتمام الواسع بالفرعونية فإن النظام في مصر حريص كل الحرص على تهميش الهوية الإسلامية من خلال الأدلة والشواهد الآتية: أولا، تجاهل وتهميش المبادئ والقيم الإسلامية بل العداء السافر أحيانا لأحكام الإسلامية وأوضح مثال على ذلك هو تكريس الظلم وغياب العدل رغم أنه أحد أهم أحكام ومبادئ الشريعة،  وتحريم الربا رغم أنه يستجلب الحرب من الله ورسوله، وتحريم الخمر والعري، وإشاعة الفساد والسرقة والرشوة والواسطة والمحسوبية وشهادة الزور وفبركة الاتهامات للأبرياء وكلها سلوكيات محرمة في الإسلام ومجرمة في شريعته وأحكامه. وحتى في القانون الوضعي. ثانيا، سحق أكبر حركة إسلامية في البلاد وهي الإخوان المسلمين وممارسة أبشع صور الظلم والاضطهاد بحقها والتعامل مع الملايين من أبنائها بوصفهم أعداء يجب استئصالهم والتخلص منهم.  واضطهاد الإسلاميين عموما وعدم توليهم أي مناصب عليا في الدولة على الإطلاق وحرمانهم من دخول الجيش والشرطة والمخابرات والإعلام وفصل من كان منهم في سلك النيابة والقضاء. ثالثا، تعزيز وتكريس العلمانية وتقديم كل من يعتقد بها في وسائل الإعلام ومنحهم مناصب حساسة بالدولة من أجل تسويق العلمانية كأحد أدوات السلطة للحد من الهوية الإسلامية وتهميشها. وكذلك الاهتمام بكل الأدوات الحديثة من إعلام وسينما ودراما وصحافة وفضائيات ومسارح وأوبرا من أجل التسويق لنمط الحياة الغربي وتعزيز الهوية الفرعونية للبلاد. رابعا، الحرب على المساجد، وهي حرب عاينها كل المصريين على مدار السنوات التي تلت الانقلاب؛ بدأت باستباحة المساجد واقتحامها وقتل واعتقال من فيها كما جرى مع مساجد رابعة والنور والفتح برمسيس والقائد إبراهيم بالإسكندرية والإيمان بجوار رابعة العدوية.  ثم تكفل لاحقا مختار جمعة وزير الأوقاف بغلق نحو 25 ألف مسجد وزاوية ومنع صلاة الجمعة بها.[[2]] وفي مناورات تدريبية يوم الأربعاء 20 يوليو 2016م خلال حفل تخرج دفعة جديدة من طلبة الكلية الجوية، كانت الصدمة المدوية أن  التدريب الأساسي لهؤلاء الطلاب المتخرجين حديثا من القوات الجوية المصرية هو استهداف مجسم لمسجد بكامل تفاصيله! [[3]] وحين أبدى المسلمون استياءهم من هذه “الإهانة الصادمة” لم يكترث رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي وقادة الجيش الذين كانوا شهودا على الجريمة؛ ولم يقدم نظام الانقلاب ولا المؤسسة العسكرية المصرية اعتذارا عن هذه الإساءة وتلك الجريمة حتى اليوم. وبين عامي 2019 و2020 شن السيسي حربا على المساجد وراح يهدم العشرات منها بدعوى أنها بنيت بالمخالفة للقانون، وشوهدت عشرات المآذن تنهار تحت جنازير معدات الجيش. لكن الجيش الذي هدم المساجد المخالفة هو نفسه الذي سن قانونا خاصا يقنن به الكنائس المخالفة؛ حيث جرى سن قانون رقم 80 لسنة 2016، كل ذلك بهدف استرضاء الكنيسة والتظاهر أمام الغرب بأن مصر تشهد تسامحا دينيا غير مسبوق، وجرى بالفعل تقنين آلاف الكنائس المخالفة؛ فلماذا لم يتم التعامل مع المساجد المخالفة كما يجري مع الكنائس المخالفة؟ لماذا تهدم المساجد وتقنن الكنائس؟ لماذا هذا الاضطهاد الديني ضد المسلمين في بلد يفترض أنه مسلم وينص دستوره على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع؟! هذه الازدواجية من النظام تجاه دور العبادة لا تتوقف عند تقنين الكنائس وهدم المساجد في مشهد عنصري بالغ الإساءة للإسلام والمسلمين بل يمتد إلى التعامل بشكل عام؛ فبينما يستبيح السيسي وأجهزته الأمنية المساجد ولا يرى لها ولا لأئمتها حرمة ويسمح لأجهزته الأمنية بتدنيسها متى شاءت وكيف شاءت، فإنه شديد التبجيل والاحترام لدور العبادة الخاصة بالأقباط واليهود. وحتى اليوم لا تقدر أجهزة السيسي الأمنية على هدم كنيسة واحدة حتى لو كانت مخالفة أو اقتحامها ولا تستطيع أن تتدخل في شئونها ولا تفرض على القائمين عليها من الرهبان والقساوسة خطابا معينها أو تمنع نشاطا من أنشطتها بخلاف الحصار الصارم على المساجد، فقد جرى تأميم المساجد لحساب وزارة الأوقاف الحكومية التي يشرف الأمن الوطني عليها من الألف إلى الياء. عداء السيسي للمساجد لم يتوقف على حصار مساجد مصر بل إنه…

تابع القراءة
رمز الهيمنة الأمريكية.. من يزيح الدولار عن عرش العملات العالمية؟

رمز الهيمنة الأمريكية.. من يزيح الدولار عن عرش العملات العالمية؟

رمز الهيمنة الأمريكية.. من يزيح الدولار عن عرش العملات العالمية؟ الإثنين 08 أغسطس 2022م هناك  شبه إجماع بين الخبراء والمحللين على أن الحرب الروسية الأوكرانية ما هي إلا ستار لمعركة خلفية تدور رحاها منذ فترة طويلة من أجل إعادة تشكيل العالم اقتصاديا وسياسيا بما يتفق وموازين القوى الجديدة وصعود الصين وآسيا بصفة عامة، وتطلعات روسيا نحو كسر الهيمنة الغربية واستعادة هيبة الإمبراطورية السوفيتية التي كانت ندا للأمريكان بعد الحرب العالمية الثانية وحتى سقوطها بنهاية ثمانينات القرن العشرين. وفي خضم هذه الحرب الروسية الأوكرانية التي يؤكد حلف شمالي الأطلسي «الناتو» أنها طويلة الأمد و«قد تستمر لسنوات»ـ تقاطعت ملفات الغاز والطاقة مع العملية العسكرية، وكثر الحديث عن الأضرار الاقتصادية المؤلمة التي باتت تؤرق الغرب نتيجة للعقوبات على موسكو، والتي رفعت من نسب التضخم المستعر بالفعل في أوروبا  وجميع دول العالم جراء تداعيات هذه الحرب من جهة والصعود الجنوني للدولار أمام معظم العملات الأخرى من جهة أخرى. وهو الصعود الذي خلف وراءه خرابا عظيما لم يستثن أحدا؛ بدءا من الدول الناشئة التي تتعرض لهزات مالية واقتصادية مؤلمة جراء هروب الاستثمارات والأموال الساخنة مع تفشي الفقر والجوع بين شعوبها، وصولا إلى الدول الصناعية الكبرى التي تراجعت عملاتها أمام الدولار بما يهدد اقتصادها المستقر ويصيب ميزانها التجاري بالخلل والاضطراب. وتعبيرا عن هذه الحرب الاقتصادية التي تتواري خلف الحرب العسكرية في أوكرانيا، يزعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن «زمن أحادية الجانب قد انتهى»، لافتًا إلى أن بلدان مجموعة «بريكس» تستعد لإنشاء عملة موحدة كوسيلة للدفع في التسويات الدولية،» لمواجهة «أنانية الغرب» ما يراه بعض المحللين خطوة نحو تغيير النظام الاقتصادي العالمي القائم على هيمنة وانفراد الدولار الأمريكي على اقتصادات العالم. فكيف هيمن الدولار على اقتصاد العالم؟ وما تداعيات ومخاطر هذه الهيمنة؟ وما تأثير هذه الهيمنة على اقتصادات الدولة الناشئة مع صعود قيمة الدولار؟ وهل يمكن التحرر من هيمنة الدولار؟ وكيف يتم ذلك؟  وهل يتمكن تحالف “بريكس” من زحزحة الدولار عن عرشه؟ وما تداعيات ذلك وسيناريوهاته؟   كيف هيمن الدولار؟ بدأ الأوربيون غزو أمريكا قبل خمسة قرون حيث كان يقطنها الهنود الحمر وهم السكان الأصليون لأمريكا والذي تعرضوا لعمليات إبادة على يد الأوروبيين الغزاة الذين تمكنوا من قتل عشرات الملايين من السكان الأصليين واحتلال القارة الجديدة التي كانت تسمى بالعالم الجديد. وظلت أمريكا خاضعة للتاج البريطاني حتى سنة  1776م حيث أعلن الأميركيون الجدد (الغزاة) الاستقلال عن بريطانيا، ودخلوا في حروب طويلة معها، وانتصروا بعد 7 سنوات، عرفت بحرب الاستقلال عن بريطانيا وتلتها الحرب الأهلية الأميركية بين الشمال والجنوب والتي قتل فيها عشرات الملايين أيضا. بعد نجاح “الثورة الأميركية”، نشأت ولايات أميركية متحدة، تسودها الفوضى المالية. وكانت الحرب مع قوى عظمى (بريطانيا ثم الحرب الأهلية) ذات تكلفة هائلة على الأميركيين. في 6 يونيو/حزيران 1785، تبنى الكونجرس الدولار الأمريكي كعملة بعد الثورة الأميركية على بريطانيا، وأخرت الخلافات تنفيذ القرار عدة سنوات. وبعد 70 عاماً أخرى، بدأ طبع الأوراق النقدية باللونين الأخضر والأسود المعروف بهما حتى الآن. كانت العملة الخضراء متذبذبة وأثيرت الشكوك حول مصداقيتها، ولم يكن بالمقدور تحويل الدولار حينها إلى ذهب، لكن الكونغرس أصدر تشريعاً يجرّم فيه من يرفض التعامل بالدولار الأميركي. وتعرّضت العملة بنهاية القرن الـ 19 لخسارة هائلة في القيمة، وحينها أعيد تغطية الدولار بالذهب، وأصبح بمقدور من يملك دولاراً استبداله بالذهب، وتحسن الاقتصاد بعد هذه القرارات. بعد الحرب العالمية الأولى، وبالتحديد في العام 1929 بدأ “الكساد الكبير”، واضطر الرئيس الأميركي آنذاك فرانكلين روزفلت، الذي وصل لمنصبه بعد 4 سنوات من الكساد، إلى إصدار قرار بتحويل ذهب المواطنين إلى دولارات، فانخفضت العملة، وارتفع سعر الذهب، وطبع البنك الفيدرالي المزيد من النقود لإنعاش اقتصاد البلاد. تعززت المكانة الدولية للولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 1945)، وخرجت من الحرب كقوة سياسية وعسكرية واقتصادية جبارة. وفي يوليو 1944 نظمت الولايات المتحدة «مؤتمر النقد الدولي» والذي أعقبه توقيع 44 دولة على اتفاقية «بريتون وودز» لاعتماد الدولار كعملة ارتكاز دولية، معتبرين أن ذلك يستهدف» استقرار النظام العالمي المالي وتشجيع إنماء التجارة. اشتملت الاتفاقية على إنشاء مؤسسات مالية دولية؛ حيث تولت أميركا إدارة البنك الدولي، بينما قام الأوروبيون بإدارة صندوق النقد. وربطت الاتفاقية عملة كل دولة إما بالذهب أو الدولار، الذي أصبح منذ ذلك الحين عملة دولية تمتلك الولايات المتحدة أغلبية رصيده، ويحتفظ بسعر ثابت أمام العملات الأخرى. وبحسب معاهدة “بريتون وودز” أصبحت الأوراق النقدية (الدولار) بديلاً للذهب، وتعهدت أميركا أن تقدم أونصة ذهب لكل من يملك 35 دولاراً، وبذلك تعززت قوة الدولار والثقة فيه، وأصبح يسمى “عملة صعبة”. ومع دخول اتفاقية التجارة العالمية “جات” حيز التنفيذ، في سنة 1947 تعززت قيمة الدولار، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة راعية التجارة العالمية.  ثم  تراجعت قيمة الذهب، وتعزَّزت الثقة بالدولار الأميركي بعد خطة “مارشال 1948″، التي منحت فيها أميركا للحكومات الأوروبية لشراء ما يلزمها لإعادة بناء اقتصادها بعد الحرب.   دور النفط في تعزيز سطوة الدولار هذا الوضع (سيطرة الدولار) دام لأقل من ربع قرن فقط، فقد قرر الرئيس ريتشارد نيكسون سنة 1971م في أعقاب حرب فيتنام التي كلفت أميركا الكثير، أن يلغي مقايضة الدولار بالذهب، وأن يعرض الدولار في السوق للمضاربة ويتحدد سعره بناءً على العرض والطلب، وليس ما يعادله من الذهب وهي القرارات التي أطلق عليها “صدمة نيكسون” (Nixon shock). إلغاء ربط الدولار بالذهب كان من نتائجه إنهاء أسعار الصرف الثابتة للدولار، وتعويمه طبقًا للعرض والطلب، فتهاوت قيمته بسرعة مقابل الذهب، ولم يتعافَ إلا عندما أبرمت الولايات المتحدة في نفس العام صفقة مع السعودية لتوحيد جميع معاملات النفط بالدولار، وأصبح النفط بديلا عن الذهب بالنسبة للدولار باعتباره سلعة استراتيجية. ولكن النفط غير الذهب، فنظرًا لتغير أسعاره من وقت لآخر، أدى لانتشار ظاهرة التضخم خاصة في الولايات المتحدة، لأن تعويم الدولار أعطى الولايات المتحدة حرية طبعه دون حسيب أو رقيب، وعليه تآكلت قيمته.[[1]] لكن واشنطن حرصت على تعزيز مكانة الدولار عبر عدة وسائل سياسية واقتصادية وعسكرية. مع منع البترول العربي عن الغرب أثناء حرب أكتوبر 1973 م رمضان 1393هــ ارتفع سعر برميل النفط من أربعة إلى أربعين دولار؛ وهو ما أصاب اقتصاد الغرب والعالم بشلل تام؛ الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض المزيد من وصايتها على دول النفط العربي بعدة إجراءات: أولا، الانتقام من صاحب هذا القرار التاريخي (وقف تصدير النفط لأنصار إسرائيل) باغتيال الملك فيصل  بن عبدالعزيز ـ عليه رحمة الله ــ في 25 مارس 1975م، على يد أمراء سعوديين مواليين لواشنطن، وهي الجريمة التي لم يتم التحقيق فيها بشكل شفاف وعادل حتى اليوم لكشف أسرارها وتقديم الجناة الحقيقيين للمحاكمة وعلاقتهم بأطراف خارجية لها نفوذ واسع في صناعة القرار السعودي. ثانيا، تهدئة الموقف في المنطقة باتفاقية…

تابع القراءة
حكومة الببلاوي العلمانية في ميزان الديمقراطية وحقوق الإنسان.. توثيق وتحليل

حكومة الببلاوي العلمانية في ميزان الديمقراطية وحقوق الإنسان.. توثيق وتحليل

  حكومة الببلاوي العلمانية في ميزان الديمقراطية وحقوق الإنسان.. توثيق وتحليل الأربعاء 03 أغسطس 2022م منذ انتخابه رئيسا للجمهورية بإرادة الشعب الحرة لأول مرة في تاريخ مصر في يونيو 2012م وحتى اليوم؛ تعمل القوى العلمانية على شيطنة العام الذي حكم فيه الإسلاميون مصر بعد فوز الرئيس محمد مرسي، بانتخابات الرئاسة، يصرون على تشويه هذه الفترة عبر أدوات التضخيم والافتراء والاجتزاء؛ رغم أن هذه الفترة تحديدا كانت الأكثر حيوية وديمقراطية في تاريخ مصر الحديث؛ أحزاب متعددة تعبر عن كل أطياف الشعب المصري، انتخابات حرة نزيهة، مجتمع مدني قوي، إعلام متنوع بل منفلت لحسابهم على حساب السلطة المنتخبة، انتهاء عصر زوار الفجر وتبييض السجون والمعتقلات من كل المعتقلين السياسيين، فهي فترة لم يكونوا يحلمون بها على الإطلاق. رغم ذلك تمردوا عليها وحرضوا على الانقلاب العسكري حتى نجح مسعاهم وعادت مصر ديكتاتورية عسكرية مستبدة من جديد، فلا سياسة ولا إعلام ولا حقوق إنسان ولا كرامة إنسانية ولا حتى خبز أو حرية.. مصر اليوم في عهد ما بعد 30 يونيو حتى اليوم (يوليو 2022) ظلام دامس لا نكاد نتلمس فيها بصيصا من نور أو أمل. وفي ذات الوقت يغضون الطرف عن الفترة التي شكلوا فيها حكومتهم الخاصة برئاسة الدكتور حازم الببلاوي (يوليو 2013 ــ فبراير 2013)، والتي كانت مكافأة من الجيش للقوى العلمانية على دورها الملموس كغطاء مدني للانقلاب العسكري الذي قاده الجيش ومؤسسات الدولة المتمردة على السلطة الشرعية المنتخبة. إزاء ذلك تسعى هذه الورقة البحثية إلى رصد وتحليل أداء  حكومة الدكتور حازم الببلاوي العلمانية والتي كانت تمثل  جبهة الإنقاذ التي تصدرت مشهد المعارضة للرئيس المنتخب الشهيد الدكتور محمد مرسي خلال العام الذي كان فيه رئيسا للبلاد بعد فوزه بالرئاسة بإرادة الشعب الحرة؛ فعرقلت كثيرا من خطواته، واستنزفت كثيرا من وقته وجهده كان الأولى أن يوجه لبناء البلاد في مرحلة التحول الديمقراطي بدلا من التركيز على المعارك الوهمية المفتعلة؛ ما أأتاح للدولة العميقة (الجيش ــ الشرطة ــ القضاء) ذبح الثورة والمسار الديمقراطي كله، وعادت مصر بمباركة العلمانيين إلى أبشع عهود الظلم والطغيان؛ فكانوا ستارا للمؤسسات العميقة المتمردة التي كانت القائد الفعلي للانقلاب العسكري. فهل كانت حكومة الببلاوي ديمقراطية؟ وهل كانت توافقية؟ وهل نجحت في اختبار الديمقراطية وحقوق الإنسان أم مارست أبشع صور الانتهاكات وكانت سببا في تمزيق الصف الوطني؟ ولماذا ارتضت تشكيل الحكومة بطريقة غير ديمقراطية وأداة غير دستورية؟ ولماذا باركت المذابح بحق الإسلاميين المدافعين عن الديمقراطية؟ وكيف كان أداؤها الاقتصادي والسياسي رغم الدعم اللامحدود الذي حصلت عليه محليا وإقليميا؟   صلاحيات مطلقة ودعم لا محدود تشكلت حكومة الدكتور حازم الببلاوي التي تسلمت مهامها في 16 يوليو 2013م من ثلاثة مكونات: الأول هي القوى العلمانية التي استحوذت على نصيب الأسد وأبرزها منصب رئاسة الحكومة، الثاني مجموعة اللواءات التي سيطرت على الوزارات المهمة، الثالث،  بقايا نظام مبارك. وضمت حكومة الببلاوي قيادات بارزة  من جبهة الإنقاذ العلمانية (الديمقراطية!) أبرزهم حازم الببلاوي، رئيس الحكومة والقيادي بالحزب المصري الديمقراطي، والدكتور محمد البرادعي، نائبا للموقت عدلي منصور ورئيس حزب الدستور ومنسق جبهة الإنقاذ، والدكتور حسام عيسى نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم العالي، والدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، والوفدي منير فخري عبدالنور، وزيرا للتجارة والصناعة، والناصري كمال أبو عيطة (حزب الكرامة)، وزيرا للقوى العاملة والهجرة، وأحمد البرعي، لوزارة التضامن الاجتماعي، والدكتورة سكينة فؤاد، مستشارة المؤقت عدلي منصور لشئون المرأة،  وكانت نائبة لرئيس حزب الجبهة  الديمقراطية،  والدكتور أحمد  المسلماني، المستشار الإعلامي للمؤقت عدلي منصور، والدكتور مصطفى حجازي، مستشار المؤقت عدلي منصور للشئون السياسية. وخالد تليمة (التجمع) نائبا لوزير الشباب. بينما تم تعيين مئات آخرين من العلمانيين في مؤسسات أخرى كالمجلس القومي لحقوق الإنسان والقومي لحقوق المرأة وغيرها. حظيت هذه الحكومة بدعم مطلق  وصلاحيات مفتوحة؛ فعكس حكومة الدكتور هشام قنديل التي كانت مؤسسات الدولة العميقة تعرقلها وتتمرد عليها وعلى الرئيس المنتخب، فإن هذه الحكومة العلمانية جاءت بها الدولة العميقة لتبييض صورة الانقلاب وإرسال رسالة للغرب أن مصر تتخلص من الإسلاميين وتتجه نحو العلمانية بشكل مباشر.  وفي أول أسبوعين من عملها تلقت هذه الحكومة مساعدات قدرها  12 مليار دولار  من دول  الخليج، بخلاف التعهد الخليجي بمد مصر بما تحتاجه من وقود. وينقل عن  محمد بن زايد، رئيس الإمارات حاليا وحاكم أبو ظبي، قوله في جلسات خاصة «سنتكفل بإسقاط مرسي حتى لو كلفنا الأمر أكثر من موازنة أبو ظبي».[[1]] ، ففي سبتمبر 2013م، اعترف الببلاوي، أن حكومته حصلت في الأيام التي تلت الانقلاب مباشرة على 12 مليار دولار مساعدات من السعودية والإمارات والكويت.[[2]] وهي مساعدات تبلغ قيمتها أربعة أضعاف المساعدات المالية الأمريكية و البريطانية مجتمعين. هذا بخلاف الأموال الأخرى (السرية) التي حصل عليها الجيش والتي قدرها السيسي نفسه في أحد التسريبات بنحو 30 مليار دولار حتى منتصف 2014م فقط. وحول الصلاحيات فقد فوضها المؤقت عدلي منصور بكل الصلاحيات من خلال مرسوم رئاسي في 4 أغسطس 2013 يقضي بتفويض رئيس الوزراء حازم الببلاوي في اختصاصات لرئيس الجمهورية تتنوع بين مجالات أراضى الدولة، والتحكم فى قطاعى الأعمال والأعمال العام، والمعاشات والمكافآت، والأزهر والجامعات، والآثار، وكذلك فى مجال العاملين بالدولة، والهيئات الكبرى كقناة السويس، والإدارة المحلية. وهي الاختصاصات التي جعلت حكومة الببلاوي ــ وفقا لوكالة رويترز ــ الأوسع صلاحية في تاريخ البلاد.[[3]]   موقف حكومة الببلاوي من الديمقراطية كل ما فعلته حكومة الببلاوي هو نقض واضح للديمقراطية ومبادئها ونسف لفلسفتها والقيم التي تقوم عليها للأسباب  الآتية: أولا، على عكس الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة بتفويض شعبي في انتخابات حرة نزيهة، جاء العلمانيون إلى السلطة على ظهور دبابات الجيش. فهذه الحكومة ممثلة لجبهة الإنقاذ العلمانية التي شاركت في الانقلاب العسكري من أجل الإطاحة بالرئيس المنتخب بإرادة الشعب الحرة. وارتضت بل حرضت على الإطاحة برئيس منتخب ديمقراطيا بأداة غير ديمقراطية وغير دستورية (الانقلاب العسكري). وهو ما يعني عدم إيمان حقيقي بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وهي القيم التي طالما تشدقت بها هذه القوى على مدار عقود طويلة؛ وأمام الاختبار العملي سقطت سقوطا مروعا،  ستكون له تداعيات لاحقا على مستقبل هذه القوى في مرحلة ما بعد السيسي. وقد تعرض بعض رموز هذه الحكومة للإحراج من دبلوماسيين أجانب في الفترة التي تلت الانقلاب؛ حيث طالب أحدهم دبلوماسيا غربيا بعدم الذهاب إلى اعتصام رابعة؛ لأن الإسلاميين متطرفون لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بدولة القانون؛ فما كان من الدبلوماسي الغربي إلا أن نظر شذرا إلى صاحبنا العلماني هذا وقال: أنت لست مؤهلا لأن تعطيني محاضرة عن القانون والديمقراطية، فأنا أدرى منك بالقانون، ولا تنس أنك جئت إلى منصبك هذا على ظهر دبابات الجيش وليس بتفويض من الشعب! ثانيا، القوى العلمانية التي عارضت بشدة الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس  مرسي في 21 نوفمبر 2012م والذي استهدف به تحصين…

تابع القراءة
المحاولات الأمريكية لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط وموقع مصر منها

المحاولات الأمريكية لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط وموقع مصر منها

المحاولات الأمريكية لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط وموقع مصر منها: قراءة في زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية   بمجرد الإعلان عن موعد الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن لمنطقة الشرق الأوسط، والتي تم تحديدها في المدة 13-16 يوليو 2022، والتي ستشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة والسعودية، حيث سيشارك في قمة جدة التي ستضمّ قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إضافة إلى مصر والأردن والعراق[1]. فقد شهدت المنطقة العربية حراكًا دبلوماسيًا يؤشر علي إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وتشكيل محاور جديدة تطوي صفحة السنوات السابقة بكل ما فيها من تشظ وخلافات. وقد أخذ هذا الحراك الدبلوماسي الذي تعيشه المنطقة اتجاهين رئيسيين؛ الأول: بين دول عربية من جهة وبين تركيا من جهة أخرى. والثاني: بين دول عربية وتركيا من جهة، ودولة الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى[2]. فقد انعقدت قمة شرم الشيخ، في 19 يونيو الحالي، التي جمعت بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والملك الأردني عبد الله الثاني، وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة[3]. أعقبها قيام ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان بجولة إقليمية خلال الفترة من 20 إلي 22 يونيو، تضم كلاً من مصر والأردن وتركيا[4]. وفي 23 يونيو قام العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بزيارة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة[5]. وفي اليوم نفسه، قام وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد بزيارة إلي تركيا[6]. وفي 24 يونيو، قام أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بزيارة إلي القاهرة[7]. فيما استضافت العاصمة البحرينية المنامة، في 27 يونيو الحالي، اجتماعا لدبلوماسيين كبار من الولايات المتحدة وإسرائيل ومسؤولين من وزارات خارجية الإمارات والبحرين والمغرب ومصر. وسبق أن التقى وزراء خارجية تلك الدول لأول مرة في منطقة النقب جنوبي إسرائيل، في 29 مارس الماضي، وحضر اللقاء أيضًا وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن”. وذلك عقب الاجتماع الثلاثي الذي ضم الرئيس السيسي مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في شرم الشيخ يوم 22 مارس 2022، ثم اجتماع رباعي استضافه ملك الأردن بمدينة العقبة يوم 25 مارس ضم إلى جانبه الرئيس السيسي والشيخ محمد بن زايد، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي[8]. وفي 28 يونيو، قام السيسي بزيارة إلي كلًا من مملكة البحرين وسلطنة عمان[9]. ويمكن تلخيص أهداف هذا الحراك الدبلوماسي المكثف في تأكيد الهيمنة الأمريكية علي النظام الدولي القائم وإفشال المحاولات الروسية والصينية لإزاحة تلك الهيمنة الأمريكية، بجانب إعادة رسم وترسيخ التحالفات الاقليمية في منطقة الشرق الأوسط بما يخدم الأهداف الأمريكية. وهو ما سنوضحه بمزيد من التفاصيل في هذه الورقة، مع الإشارة إلي موقع مصر من هذا الحراك وأهدافه.   أولًا: تأكيد الهيمنة الأمريكية علي النظام الدولي: حيث تسعي الولايات المتحدة إلي الحفاظ علي النظام الدولي القائم وتثبيت مكانتها كقائد أوحد لهذا النظام والقضاء علي المحاولات الروسية والصينية لتقويض هذا النظام وإطاحة الولايات المتحدة من قيادته. ولذلك فإن بايدن يعمل من خلال زيارته المرتقبة للمنطقة إلي تحقيق هدفين رئيسيين هما: الهدف الأول: إعادة ضبط العلاقات الأمريكية مع دول المنطقة: حيث تمثل زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى منطقة الشرق الأوسط في الفترة من 13 إلى 16 يوليو 2022، نقطة تحول في سياسة إدارته تجاه المنطقة، وعودة إلى الاهتمام بها وبقضاياها بعد تجاهل طويل، على الأقل على المستوى الرئاسي. ومنذ حملته الانتخابية للرئاسة، نادراً ما تحدث بايدن عن قضايا الشرق الأوسط، فيما عدا إشارات سريعة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، الذي انسحب منه الرئيس السابق، دونالد ترامب، في مايو 2018. وقد استمر هذا التوجه بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض. وقد عكس هذا السلوك اقتناعاً لدى عدد من دوائر صُنع القرار في الولايات المتحدة بأن منطقة الشرق الأوسط أصبحت أقل أهمية للمصالح الاستراتيجية الأمريكية؛ في ظل انخفاض حاجة واشنطن لواردات النفط من المنطقة، وانخفاض وتيرة التهديدات الإرهابية المُرتبطة بها. كما أن المواطن الأمريكي أصبح أقل تأييداً للتورط الخارجي، خاصةً في الشرق الأوسط؛ في ظل التحديات الاقتصادية الداخلية والانتكاسات التي تعرضت لها بلاده في العراق وأفغانستان. ويُضاف إلى ذلك، أن الوجود الأمريكي في المنطقة لحماية إسرائيل لم يعد له ما يبرره؛ في ظل تمتع الأخيرة بمستوى أمن غير مسبوق على المستوى الإقليمي، ومن دون حاجة لمظلة الولايات المتحدة. وبالتالي فإن كل هذه الأسباب أدت إلى انخفاض اهتمام إدارة الرئيس بايدن بالشرق الأوسط، وتحول الاهتمام إلى مناطق أخرى؛ على رأسها القارة الآسيوية لمواجهة الصعود الصيني. ولذا كان الإعلان عن زيارة بايدن للمنطقة بمنزلة مراجعه لسياسة التجاهل، وعودة جديدة للاهتمام بالشرق الأوسط وبعض قضاياه[10]. عودة الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط تقف خلفها عدة عوامل رئيسية، قد يكون أهمها تداعيات الحرب في أوكرانيا التي كشفت عن عدم قدرة واشنطن على إقناع الدول الحليفة لها بالتماهي التام مع سياساتها تجاه روسيا. فقد فشلت واشنطن في إقناع غالبية دول الشرق الأوسط باتخاذ مواقف معادية أو ناقدة للحرب، والتصويت ضد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في المنظمات الدولية. وقد حرصت هذه الدول على اتباع موقف أقرب إلى الحياد خلال الأزمة مع وجود توجهات أقرب إلى الموقف الروسي من بعض الدول في المنطقة. وبالتالي، يسعى بايدن إلى دعوة دول الإقليم إلى تبني مواقف ناقدة للتدخل العسكري الروسي والاصطفاف مع الدول الغربية في المعسكر المضاد لموسكو. علاوة على ذلك، كشفت الحرب الأوكرانية عن الأهمية التي تحظى بها منطقة الشرق الأوسط في الحفاظ على توازنات سوق الطاقة عالمياً في ظل الأزمة الراهنة[11]. وتُعدّ إعادة ضبط علاقة الولايات المتحدة مع حلفائها خاصة السعودية أحد أبرز أهداف زيارة بايدن للمنطقة، كما صرّح هو نفسه، بعد أن شهدت هذه العلاقة توترًا ملحوظًا منذ تولّيه الرئاسة مطلع عام 2021، خصوصًا أنه كان تعهّد خلال حملته الانتخابية بالتشدد مع السعودية بسبب استمرار حرب اليمن، واغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وغيرهما من انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان. وبعد انتخابه رئيسًا، رفض بايدن التعامل مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وحصر التواصل مع والده، الملك سلمان، وتعهد كذلك بالعودة إلى الاتفاقية النووية المبرمة مع إيران عام 2015، وبالوقوف ضد انتهاكات حقوق الانسان في العالم. ثمّ أعلن عن وقف دعم الولايات المتحدة للسعودية والإمارات في حرب اليمن، وحظر عليهما الحصول على أسلحة هجومية. وأتبع ذلك برفع السرية عن تقرير لوكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) يلمّح ضمنًا إلى وقوف محمد بن سلمان شخصيًا وراء إصدار الأمر بقتل خاشقجي، وفرض عقوبات على المسؤولين عن الجريمة، مستثنيًا إياه، أي وليّ العهد. ثمَّ إنه تحت ضغط أقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001، الذين يتهمون الحكومة السعودية بالتورط فيها مباشرة، سمح بايدن برفع السرية كذلك عن وثائق مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) بشأنها. كما قامت إدارة بايدن، في فبراير 2021، برفع جماعة الحوثي من…

تابع القراءة
موقف القوى المدنية من الحوار الوطني .. الدوافع والتداعيات

موقف القوى المدنية من الحوار الوطني .. الدوافع والتداعيات

موقف القوى المدنية من الحوار الوطني الدوافع والتداعيات   دعا عبد الفتاح السيسي، إلى الحوار السياسي، في 25 أبريل 2022، الموافق 25 رمضان، خلال حفل إفطار الأسرة المصرية، بحضور عدد من الوزراء والرموز السياسية والنيابية والنقابيين والفنانين والمواطنين، على رأسهم رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وبابا الإسكندرية البابا تواضروس الثاني[1]. وقد جاءت الدعوة للحوار في إطار حديثه عن أهداف الحكومة خلال الفترة القادمة، كأن الدعوة للحوار الذي سيشمل كل القوى الوطنية، هو جزء من توجهات الحكومة المستقبلية، وليست استدراكا لخطأ وقعت فيه الحكومة فيما مضى، وليست تصحيحاً للمسار؛ وإنما جاءت الدعوة لتكلل نجاحات النظام التي حققها خلال سنوات حكمه الثمانية الماضية[2]. وقد دفعنا ذلك في حينه للتساؤل؛ عن الهدف من الدعوة للحوار في هذا التوقيت، إن كانت السلطة ترى أنها حققت إنجازات ونجاحات كبيرة خلال سنواتها في الحكم، وبالتالي لا تعاني من تحديات حقيقية تدفعها للحديث مع الفرقاء السياسيين بحثاً عن حلول ومعالجات لهذه المشكلات. ثم ما جدوى الحوار إن كانت السلطة لا ترى أنها أخطأت بسبب إقصائها لكل القوى المعارضة بدون تفريق أو تمييز بين إسلامي وعلماني، أو بين من مارس العنف ومن ألتزم بالقانون في معارضته، فأسكتت الجميع وغلقت كل قنوات الحوار، وأممت كل مساحات الحركة. كذلك لما الدعوة للحوار بينما يرى النظام نفسه قد حقق إنجازات تنموية غير مسبوقة، وبذل وجاد على المواطنين بكل ما يجعل حياتهم كريمة ومرفهة –بحسب ما جاء في كلمة الرئيس خلال الحفل المشار إليه- وأن ما يعاني المواطنين من تحديات ومشكلات ناجم الزيادة السكانية التي تلتهم كل فائض ولا يستشعر الناس بسببها جهود الحكومة وإنجازاته، بالتالي لا يستشعر النظام أنه قصر بحق مواطنيه، ولا يرى أن حكومته مسئولة عما يعاني المواطنين من سوء أوضاع، فلما الحوار أذن. النظام يرى أنه أجاد وأنجز في علاقته بالمعارضة، وفي مسئوليته تجاه مواطنيه، وفي أداء حكومته خلال سنواته في الحكم، فلما أذن الدعوة للحوار! ما الدافع أذن إن كان يرى النظام أن أدائه فيما مضى كان مثالياً، ولا يحمل له المستقبل إلا مزيد من النجاح والتنمية والإنجاز. كانت هذه التساؤلات نتيجة طبيعية لطرح الرئاسة لفكرة الحوار الوطني بدون أي تبرير يفسر خطوته تلك، خاصة مع حرص النظام الحالي خلال سنوات حكمه على إسكات كل الأصوات وعدم السماع لأحد. وقد بدأت فاعليات الحوار بالفعل بانعقاد الجلسة الافتتاحية من الحوار الوطني، في 5 يوليو الجاري، بحضور مجلس أمناء الحوار (19 عضوا بينهم محسوبون على المعارضة ومستقلون نسبيا)، وبرئاسة منسق الحوار نقيب صحفيي مصر ضياء رشوان[3]. وبانعقاد الجلسة الثانية في 17 يوليو الجاري، بحضور مجلس الأمناء، وكلا الجلستين عقد بمقر الأكاديمية الوطنية للتدريب التابعة للرئاسة. وقد وتلقت إدارة الحوار، 15 ألف ورقة مقترح ووجهت 500 دعوة لجهات وشخصيات وأحزاب، وتشمل المقترحات 3 محاور سياسية بنسبة 37%، واجتماعية بنحو 33%، واقتصادية 29%. فيما جرى تسجيل 96 ألفا و532 طلب مشاركة بالحوار حتى الآن عبر استمارات إلكترونية من جميع محافظات مصر (27)، وفق بيانات رسمية[4]. وقد أعلن المنسق العام للحوار الوطني، ضياء رشوان، في مؤتمرًا صحفيًا، عقب انتهاء ثاني جلسات الحوار، عن مخرجات الجلسة، والتي دارت بحصب تصريحات “رشوان” حول الملامح التنظيمية للحوار؛ فالمحاور الثلاثة (السياسي والاقتصادي والمجتمعي) هي التي سيجرى الحوار عليها، وسيكون هناك لجان فرعية مسئولة عن صياغة مخرجات كل محور من المحاور الثلاث، ومسئولة عن تقديم مقترحاتها بخصوص تنظيم عملها لمجلس أمناء الحوار، وأن الجلسة القادمة ستكون قبل نهاية الشهر الجاري، ولفت إلى أن الحوار لن يتطرق لقضايا السياسة الخارجية المصرية، إنما سيتركز عمله على القضايا الداخلية[5]. الغاية من الحوار: ولما كان النظام قد أعلن نيته إجراء حواراً وطنياً يشمل الجميع ولم يعلن عن سبب إقدامه على هذه الخطوة، حاول كثيرون تقديم تفسيرات لهذا القرار المفاجئ، ودارت معظم التعليقات حول تفسيرات أربعة؛ (1) أن القرار محاولة لكسب مزيد الوقت وليس أكثر، وخلط أوراق اللعب مجددا أمام قوى المعارضة والمهتمين بالشأن العام، وفتح باب التفاؤل أمام الجميع لثنيهم عن التفكير في سبل للخروج من الوضع القائم، وقضية جديدة ينشغل بها الرأي العام لفترة. (2) ثمة من يربط بين الدعوة للحوار السياسي التي أطلقها الرئيس، وبين زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة؛ وأن الدعوة للحوار وتفعيل لجنة العفو محاولة لمغازلة واشنطن قبل الزيارة، و”تحضيرا للمثول بين يدي الرئيس الأميركي، الذي أشاح وجهه عنه في مناسبات عدة، ويشهر في وجهه ملف التصحّر الديمقراطي، والجفاف الضارب في حالة الحريات وحقوق الإنسان”[6]، فالقاهرة لم تنجح في ترتيب زيارة للرئيس المصري إلى العاصمة الأمريكية، أو لقاء يجمع بين السيسي والرئيس الأمريكي، على هامش قمة المناخ التي عقدت في جلاسكو، نوفمبر الماضي، كما لم تتمكن القاهرة من دفع مصر لاستضافة بايدن وعدد من القادة في شرم الشيخ، واستقر الأمر على قبول مصر أن تشارك على المستوى الرئاسي في الانضمام إلى قادة الخليج في لقاء مع بايدن في المملكة العربية السعودية[7]. (3) هناك من أشار إلى أن فكرة الحوار السياسي طرحها صندوق النقد الدولي إطار مفاوضات حصول مصر على قرض جديد، وقد جاء الاقتراح ردًا على القلق الذي أبداه المسؤولون المصريون بشأن رد فعل شعبي غاضب على مجموعة جديدة من الإجراءات التقشفية الصارمة[8]. (4) كذلك ثمة من أعتقد أن الدعوة للحوار وإعادة إحياء لجنة العفو محاولة لـ “إعفاء النظام الحاكم من المساءلة والمحاسبة عن حصاد السنوات الثمانية التي تنتهي منتصف العام الجاري”، و “شهادة مرور أو تفويض ثاني ليكمل في السلطة 8 سنوات مقبلة تنتهي حسب المخطط في 2030، تفويض جديد لكن في شكل وإخراج مختلف”[9]. فهو إبراء ذمة مما مضى، وتفويض جديد يجدد شرعية النظام للسنوات القادمة. وفق هذه الرؤية فالحوار السياسي هو فقط محاولة لترميم تحالف 30 يونيو المتهدم، ولجنة العفو محاولة لاسترضاء هذا التيار من خلال العفو عن معتقليه[10]. يلاحظ بشكل عام أن كل التفسيرات المطروحة تكشف أن من طرحها لا يثق في النظام، ولا يصدق أن الدعوة للحوار غرضها تخفيف القبضة الأمنية على المجال العام، أو لفتح المجال السياسي أمام عودة قوى المعارضة، أو تهدئة الأجواء بين الحكومة والمعارضة؛ فكل التفسيرات المطروحة تعتبر القرار مجرد تكأة أو قربان يتوسل به النظام لتحقيق أهدافه ولا يعكس رغبة حقيقية في الإصلاح. لكن على خلاف كل ما سبق، طرح موقع مدى مصر، نقلاً عن مصدر لم يسمه من ادخل جهاز الحكم، ما يفيد أن غرض النظام من مبادرة الحوار الوطني هدفه دمج المعارضة والإسلاميين في المشهد السياسي كما كان وقت [الرئيس السابق حسني] مبارك هو الهدف الذي تسعى إليه السلطة منذ بداية العام الجاري[11]. كما سبق لـ “مدى مصر” أن طرح أكثر من مرة، أن النظام لن يستبعد جماعة الإخوان من الحوار، لكن تفاوض النظام…

تابع القراءة
علاقات مصر بدول حوض النيل في ظل تفاعلات القرن الإفريقي

علاقات مصر بدول حوض النيل في ظل تفاعلات القرن الإفريقي

علاقات مصر بدول حوض النيل في ظل تفاعلات القرن الإفريقي تلعب التفاعلات الأخيرة التي تعرضت لها منطقة القرن الإفريقي دورًا كبيرًا في مستقبل التحالفات والتوجهات السياسية لدول المنطقة، فمن جهة تصاعد التوترات في الداخل الإثيوبي، ومن جهة أخرى توتر العلاقات الإريترية الإثيوبية، ومن جهة ثالثة التطورات في الداخل السوداني وتأثيرها على محيط علاقاته، ومن جهة رابعة صعود حسن شيخ محمود في الصومال، كل هذا يفتح المجال أمام الجانب المصري لإعادة تموضعه في تلك المنطقة التي تُعد بوابة هامة لأمنه القومي. فما هي مُحددات العلاقات المصرية بدول حوض النيل؟ وما هي التحديات التي تواجه تلك العلاقات؟ وما هي إمكانيات التعاون مع تلك الدول؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير..   أولًا: مُحدِّدات العلاقات المصرية بدول حوض النيل: تتنوَّع محددات العلاقات المصرية بدول حوض النيل بين محددات مائية وأمنية وسياسية واقتصادية، ويقوم كل محدِّد منها بدوره في رسم ملامح ومسار العلاقة بين تلك الدول؛ كالتالي..   المُحدِّد المائي: يُعد ملف المياه، وبالتالي أزمة سد النهضة محددًا مهمًا ورئيسيًا للتحركات المصرية تجاه دول إقليم شرق إفريقيا، وفي القلب منها دول حوض النيل، وذلك بالنظر إلى أهمية نهر النيل كمورد رئيسي للمياه لا غنى عنه في مصر؛ ومن ثمَّ تسعى مصر في سياستها تجاه الإقليم إلى الحفاظ على حقوقها المائية التي تتيحها لها الاتفاقيات الدولية، مُتبعة في ذلك الوسائل الدبلوماسية، وذلك بغية تحقيق هدفين رئيسيين: أولهما؛ استمالة مواقف دول حوض النيل في تلك الأزمة وإقناعها بأحقية المخاوف المصرية من تداعيات السد على حقوقها المائية، مع التأكيد على ضرورة التوصل لاتفاق ملزم لقواعد ملء السد وتشغيله. وترى القاهرة أن اتساع الدائرة الإفريقية الداعمة لموقفها، سيُمثِّل قيمة مضافة لها في طرح تلك القضية أمام المجتمع الدولي. وثانيهما؛ السعي إلى تحييد موقف بعض دول الإقليم التي لا تدعم الموقف المصري في الأزمة.[1]   المُحدِّد الأمني: بعد تطور مفهوم الأمن القومي الذي كان يركَّز في البداية على حماية الدولة من الأخطار الخارجية وبخاصةٍ الأخطار العسكرية، ثم اتسع نطاقه ليشمل الحماية من الأخطار الداخلية والخارجية في آنٍ واحد، ليظهر فيما بعد مفهوم الأمن الإنساني الذي يتضمن مجموعة من الأبعاد التي تُهدِّد الإنسان، ومنها الأبعاد العسكرية والأمنية، والأبعاد الاقتصادية، والبيئية، والمائية؛ اعتُبر الأمن المائي (وهو قدرة السكان على ضمان الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه ذات جودة مقبولة للحفاظ على الحياة وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية) أحد أهم جوانب الأمن الإنساني. وفي هذا السياق؛ يُمكن القول إن أبعاد الأمن القومي المصري بمفهومه العسكري والأمني الضيق يرتبط بالسودان تحديدًا كونه يُشكِّل حدود مصر الجنوبية. وكذلك بمفهومه الواسع؛ فالسودان، رغم كونه دولة الممر لمصر بنسبة 100 %، إلا أنه لا يُشكِّل أي تهديد مائي لها نظرًا لوجود اتفاقية العام 1959 المائية والتي تُحدِّد حصة كلٍّ منهما، فضلًا عن وجود وفرة مائية سودانية؛ إذ تُقدِّر الإحصاءات الرسمية السودانية الموارد المائية التقليدية ب 30 مليار متر مكعب، لا يتم استغلالها بالكامل؛ ومن ثمَّ فإنه لا يُشكِّل تهديدًا للأمن المائي لمصر. بل إن جانبًا من حصته يُقدَّر بحوالي 6 مليارات متر مكعب تذهب لمصر سنويًّا بسبب عدم قدرة السدود السودانية على تخزينها. أما بالنسبة للبُعد الأمني المصري صوب إثيوبيا فإنه يرتبط مباشرةً بالأمن المائي؛ ذلك لأن الهضبة الإثيوبية تسهم بحوالي 71 مليار متر مكعب من مياه النيل عند أسوان (أي 85% من إيراد نهر النيل) تأتي منها 60% فقط من النيل الأزرق الذي يُقام عليه سد النهضة.[2]   المُحدِّد السياسي: تشهد البيئة السياسية لدول حوض النيل حالة من الاضطراب الناتجة عن مجموعة من العوامل من بينها مثلًا ما تواجهه عملية الانتقال السياسي للجار السوداني من تحديات، وما تمر به إثيوبيا من تطورات للحرب مع التيجراي، والأزمة التي تمر بها العلاقات بينها وبين إريتريا بعد فترة من المصالحة، وكذلك صعود حسن شيخ محمود في الصومال القريب من جبهة تحرير تيجراي والذي أسقط صعوده للحكم مثلث التحالف بين الصومال وإريتريا وإثيوبيا. كل هذا إلى جانب ما تشكَّل من تحالفات ساهمت في رسم المسار السياسي في الإقليم كتحالف “مجلس تعاون الدول المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن” الذي أُطلق في يناير 2020 بمشاركة كلٍّ من إثيوبيا وإريتريا والسودان مع بعض دول الخليج وبعض دول القرن الإفريقي، بالإضافة إلى تنامي نشاط التنظيمات الإرهابية التي دفعت القوى الإقليمية والدولية إلى تعزيز حضورها في الإقليم عبر عدة آليات، من بينها: نشر القواعد العسكرية، والاستثمار في سدود دول حوض النيل وموانئ الساحل الشرقي الإفريقي بما يُمكن تلك القوى من إعادة توجيه وتسيير المعادلة السياسية والأمنية في الإقليم وفقًا لمصالحها وأهدافها، الأمر الذي قد يترتب عليه خلق حالة من التجاذبات السياسية والتوترات الأمنية. وتُهدِّد تلك التغيرات أمن واستقرار المنطقة، كما أنها تؤثِّر بشكلٍ أو بآخر على المصالح المصرية هناك.[3]   ثانيًا: تحديات التعاون بين مصر ودول حوض النيل وكيفية التعامل معها: في ضوء ما تشهده دول حوض النيل من أنماط متعددة من التفاعلات بين القوى الإقليمية والدولية، وما تواجهه من تحديات سياسية وأمنية، تواجه التحركات المصرية نحو توطيد التعاون مع دول الحوض مجموعة من التحديات، والتي يُمكن إجمالها في التالي..   الخلافات المُتعلِّقة بالمياه: قضية تنظيم المياه وتوزيعها واستغلالها تزداد خطورة للعديد من الأسباب: أولها؛ عدم وجود تنظيم حقيقي حتى الآن بين دول الحوض يحسم عملية توزيع المياه واستغلالها، خاصةً أن مبادرة حوض النيل لا تزال أمامها أشواط عدة حتى يتم التوافق على أُطرها وتتحول إلى كيان وبناء تنظيمي ملزم وفعَّال، ولاسيما في ظل وجود بعض الدعوات التي تظهر من وقت إلى آخر في بعض دول المنبع مثل كينيا وأوغندا تطالب بحق هذه الدول في التعامل مع مياه النهر عبر إجراءات منفردة، كما أن إثيوبيا التي تسهم وحدها بأكثر من 80% من جملة إيرادات النهر، تُمثِّل عقبة حتى الآن أمام قيام تنظيم قانوني حقيقي يجمع كل دول الحوض، حيث ترى أن من حقها الاستفادة من هذه المياه. بالإضافة إلى أن القيادة الإثيوبية تسعى إلى تقديم نفسها كفاعل إقليمي قوي في منطقتي حوض النيل والقرن الإفريقي. وثانيها؛ وجود تنافس حقيقي بين دول حوض النيل حول إنتاج أنواع معينة من المحاصيل التي تحتاج إلى كميات غزيرة من المياه. وثالثها؛ وجود العديد من الصراعات والعداوات بين دول الحوض، والاقتتال الداخلي في بعضها الآخر كما هو الحال في الكونغو الديموقراطية وأوغندا.[4]   وبالنظر إلى تطورات الأوضاع في دول أعالي النيل، خلال السنوات العشر الماضية، نجد أن الفكر الاستراتيجي المصري عجز عن فَهم متغيرات المحيط الإقليمي لمصر، وظل حبيس الأوهام القديمة التي تنظر إلى مصر بحسبانها قوة إقليمية مهيمنة؛ مع بقاء الأوضاع على ما هي عليه في دول حوض النيل. ويُمكن الإشارة هنا إلى ثلاث تحولات كبرى، أثَّرت في التفاعلات المائية بدول حوض…

تابع القراءة
رفع اسم الجماعة الإسلامية من القوائم الأمريكية للإرهاب قراءة في القرار والدلالات والتداعيات

رفع اسم الجماعة الإسلامية من القوائم الأمريكية للإرهاب .. قراءة في القرار والدلالات والتداعيات

رفع اسم الجماعة الإسلامية من القوائم الأمريكية للإرهاب قراءة في القرار والدلالات والتداعيات   أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في 20 مايو الماضي، رفع 5 كيانات من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، هي (الجماعة الإسلامية في مصر، ومجلس شورى المجاهدين في محيط القدس، وحركة كهانا حي، وجماعة إيتا الباسكية، وجماعة أوم شينريكيو)[1]. وفسرت واشنطن، قرارها بحسب شبكة “سي أن أن” الأمريكية، بالقول: “بينت مراجعتنا الأخيرة لهذه التصنيفات الخمس لمنظمات إرهابية أجنبية، أن تلك المنظمات لم تعد منخرطة في الإرهاب أو النشاط الإرهابي ولا تحتفظ بالقدرة والنية على القيام بذلك، لذلك، كما هو مطلوب من قبل قانون الهجرة والتجنس، فقد تم إلغاء هذه التصنيفات كمنظمات إرهابية أجنبية”[2]. فيما يتعلق بالجماعة الإسلامية، فقد أدرجتها الخارجية الأمريكية على قوائم التنظيمات الإرهابية في أغسطس 1997، بعد شهر واحد من إعلام الجماعة مبادرتها لوقف العنف[3]، وظلت الجماعة على هذه القائمة رغم مراجعة السلطات الأمريكية لهذه القائمة بشكل دوري كل 5 سنوات، وكانت آخر مراجعة في 2017، وبحسب وثيقة سرّبها موقع “ويكيليكس” من السفارة الأمريكية في القاهرة، فإن قرار رفع اسم الجماعة من قوائم الإرهاب قد تأخر إعلانه رغم اتخاذه منذ عام 2008[4]. سنستعرض في هذه السطور، العوامل المفسرة للقرار والأسباب التي تقف وراءه، سواء التي جاءت في بيان الخارجية الأمريكية، أو التي أشار إليها مراقبون. ويستعرض كذلك تداعيات القرار وتأثيراته المحتملة على الصعيد المصري وعلى المستوى الخارجي. ويقف على ردود الفعل التي أثارها القرار. وفي الأخير يطرح التقرير استنتاجاته بشأن الموضوع.   تفسير القرار.. الأسباب والتوقيت: التفسير الأساسي للقرار، هو جاء في بيان الخارجية الأمريكية، الذي أعلن أن مراجعة “تصنيف التنظيمات الإرهابية الأجنبية مرة كل خمس سنوات، لتحديد ما إذا كانت الظروف التي كانت سبب التصنيف قد تغيرت بشكل يستدعي الإلغاء”، وأن أعمال المراجعة الأخيرة للتنظيمات الخمس –بما فيها الجماعة الإسلامية- بينت أنها لم تعد منخرطة في الإرهاب أو النشاط الإرهابي، وأن التنظيمات التي تم شطبها ليس لديها القدرة أو النية على القيام بالأنشطة الإرهابية[5]. وبالتالي فإن توقف الجماعة الإسلامية عن ممارسة العنف، وكونها لا تنوي ممارسته، أو تملك القدرة على ذلك، كان السبب وراء رفع أسمها من قوائم الإرهاب. مع ذلك، انتشرت تفسيرات أخرى تربط القرار بأسباب سياسية، منها، (1) أن قرارات الخارجية الأمريكية برفع بعض التنظيمات من قوائم الإرهاب يخضع بالأساس لحسابات المصالح الأمريكية بشكل أساسي، وليس لاعتبارات قانونية، وبالتالي فإن القرار الأمريكي برفع الجماعة الإسلامية من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية يخدم المصلحة الأمريكية، فواشنطن قد تستخدم الجماعة كورقة ضغط على النظام المصري، وقد يكون القرار تمهيداً لاستخدمها في الحرب الروسية الأوكرانية[6]. (2) في ذات السياق السابق، ثمة من يرى في القرار ضغط أمريكي على النظام المصري؛ يستهدف دفع النظام نحو جعل الحوار الوطني الذي أعلن عنه الرئيس المصري، في 26 أبريل الماضي، حواراً “حقيقيا لا وهميا”، وإشراك قوى إسلامية فيه[7]. (3) أن القرار ربما يكون متعلقا بعزم واشنطن رفع “الحرس الثوري الإيراني” من قوائمها لـ”الإرهاب”، ضمن شروط اتفاقها النووي مع طهران، واحتمالات أن يكون رفع اسم الجماعة الإسلامية هو “بروفة” لرفع الجماعة الإيرانية[8]. (4) أن قرار شطب اسم “الجماعة الإسلامية” من لائحة الإرهاب؛ قد يكون “جزءا من مقاربة أميركية جديدة للتنسيق المشترك مع إسلاميين، للتصدي للنفوذ الروسي والصيني الذي اخترق المنطقة”[9]، وهو ما يدعمه تقرير مدى مصر الذي تحدث عن ضغط سعودي على القاهرة للتصالح مع الإخوان كجزء من محاولتها التقارب مع واشنطن[10]، وقريب من هذا، جاء تفسير طارق الزمر، القيادي بالجماعة الإسلامية، للقرار، حيث عزاه للرغبة الأمريكية في تأمين الجبهة الإسلامية في ظل صراعها مع روسيا[11].   تأثيرات القرار: تباينت وجهات النظر حول التداعيات المحتملة للقرار، بين من رأى أن القرار سيكون له ما بعده، ومن رأى أن القرار تحصيل حاصل ولن يسفر عن تغيير حقيقي، بينما كان هناك شبه اتفاق بين المعلقين على أن تأثيرات القرار على وضع الجماعة في الداخل المصري، ستختلف عن تأثيراته على وضع الجماعة في الخارج. الرأي الأول: أن القرار سيكون له تأثيراته. (أ) على الصعيد الخارجي: أن القرار سيتيح لقيادات الجماعة حرية أكبر في الحركة بمختلف دول العالم، دون التخوف من الملاحقات الأمنية، وسيعطيها القدرة على الدخول للولايات المتحدة، كما أن القرار سيتيح للجماعة إنشاء حسابات بنكية باسمها، والدخول في أنشطة اقتصادية دون التخوف من المصادرة[12]، كذلك سينتج عنه إلغاء مجموعة من العقوبات التي استلزمتها التصنيفات، وتشمل تجميد الأصول وحظر السفر، إضافة إلى حظر أي أميركي من تزويد الجماعات أو أعضائها بأي دعم مادي[13]. (ب) على مستوى الدولة المصرية: سيعرقل القرار ملاحقة القاهرة لقيادات الجماعة خارج مصر –معظمهم مقيم في تركيا- والمطلوبين لتنفيذ أحكام في مصر؛ لارتكابهم وتحريضهم على جرائم عنف بعد أحداث 2013، بهذا ربما تكون الولايات المتحدة فتحت المجال لعناصر الجماعة الإسلامية للسفر هربا إلي أراضيها كملاذ آمن[14]. لكن يجب الأخذ في الاعتبار أن الجماعة الإسلامية لم تعد مندرجة ضمن القوى الثورية المناهضة بشكل جذري للنظام القائم؛ فالجماعة رحبت بالحوار مع النظام في بيان 11 مايو 2022، بدون شروط مسبقة، داعية لـ “عدم إقصاء أحد”[15]، ما يعني أن الجماعة تعترف بشرعية نظام يوليو 2013، وفي وقت سابق انسحبت الجماعة من تحالف دعم الشرعية، المناهض للانقلاب في مصر، وتبنت مبادرات لمصالحة سياسية لكنها لم تحدث اختراقا[16]. الرأي الثاني: أن القرار تأثيراته محدودة. (أ) على الصعيد الخارجي: (1) على الرغم من رفع اسم الجماعة الإسلامية من القائمة، إلا أنها ستظل مصنفة كتنظيم إرهابي عالمي بموجب الأمر التنفيذي 13224، وهو القرار الذي أصدره “الرئيس الأمريكي الأسبق “جورج دبليو بوش” في 23 سبتمبر 2001، ردًا على هجمات 11 سبتمبر 2001، إذ يهدف إلى تعطيل شبكة الدعم المالي للإرهابيين والمنظمات الإرهابية من خلال تفويض وزارة الخارجية الأمريكية، بالتشاور مع وزارتي الخزانة والعدل، لتحديد الأصول الأجنبية للأفراد والكيانات الذين يرتكبون أو يشكلون خطرًا كبيرًا لارتكاب أعمال إرهابية”، وهو ما يعني بقاء العقوبات المفروضة على ممتلكاتها وأصولها؛ بهدف دعم إجراءات إنفاذ القانون[17]. (2) أن قرار رفع الجماعة الإسلامية من القوائم الأمريكية للتنظيمات الإرهابية لن تكون له تأثيرات كبيرة؛ فالجماعة الإسلامية لم تمارس العنف مطلقاً منذ “مبادرة نبذ العنف” التي جرى تبنّيها في نهاية عام 1997، لذا لم يكن هناك داعٍ للبقاء على تصنيفها ضمن قائمة الإرهاب في الولايات المتحدة، كما أن عملية تمويل الجماعة تتم من خلال أشخاص، وليس باسم الجماعة، كذلك فإن قيادات الجماعة الإسلامية عملت بشكل حر على مدار العقود الماضية، ويتحركون بحرية في قطر وتركيا ودول أوروبية عدة، بما في ذلك بريطانيا، مما يؤكد أن بقائها في التصنيف أو حذف اسمها غير ذات تأثير[18]. (ب) على الصعيد الوطني: لن يكون للقرار تأثير يذكر على الصعيد الوطني؛ لن يؤثر على المشهد السياسي العام؛ فإن القاهرة وضعت الجماعة الإسلامية على…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022