أحداث المسجد الأقصى وحالة التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين: قراءة في الدوافع وردود الأفعال (2)
ثالثًا: الموقف العربي والغربي من التصعيد: الموقف العربي: يمكن تلخيص ردود الفعل العربية فيما يتعلق بالتصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين كما يلي: 1- أصدرت جامعة الدول العربية بيانًا تحث فيه إسرائيل على عدم اقتحام المسجد الأقصى، وقد جاء توقيت البيان بعد انتهاء أعياد اليهود، وبعد أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية رسميًّا أن المتطرفين الصهاينة لن يقتحموا المسجد الأقصى في العشر الأواخر من شهر رمضان[1]. 2- غياب الدعم العربي حتى على المستوى اللفظي للشعب الفلسطيني في وجه ما يواجهه من عدوان صهيوني يومي، وحتى عندما صدرت تلك الإدانات بعد تأخر لافت “لمدة يومين”، فقد جاءت بصيغة “خجولة” مقارنة بمواقفهم من السنوات الماضية، حين دأبوا على إدانة الاحتلال بلغة قاسية[2]. ناهيك عن عدم اقدام أي دولة عربية على قطع علاقتها مع دولة الصهاينة، ولم يتم طرد أي سفير من الدول العربية، ولم يتم سحب أي سفير عربي من تل أبيب. 3ـ عدم التفاعل الجماهيري العربي مع أحداث المسجد الأقصى، وباستثناء بعض المسيرات والحشود الشعبية في الأردن، مع بعض الدعاء في الكويت وبعض البلاد، دون ذلك؛ لم تسجل تحركات جماهيرية كبيرة[3]. وإن كان هذا مفهوم في ظل القبضة الأمنية في الدول العربية الرافضة لخروج أي مظاهرات حتى لو كانت مناصرة للقضية الفلسطينية فقط. ويمكن تفسير تخاذل الموقف الرسمي العربي الحالي فى ظل تصاعد وتيرة التطبيع، والذي وصل إلى حد التحالف بين الكيان الصهيوني والدول العربية المطبعة، وخصوصاً الإمارات والبحرين. وكانت صور المسؤولين العرب في “تل أبيب” وصور المسؤولين الصهاينة في العواصم العربية، إشارة إلى انسداد أفق الدعم العربي لنضال الشعب الفلسطيني. ومع بداية عام 2022، تصاعدت موجة التطبيع من خلال القمم العربية الإسرائيلية، في أبو ظبي، والمنامة، وشرم الشيخ وعمّان والنقب[4]. ولا يقف ضرر هذا التطبيع في المجال السياسي والتنكر للقضية الفلسطينية فحسب، بل يمكن القول اعتماداً على بيانات وزارة الأمن الإسرائيلية، إن دول الخليج الموقعة على “اتفاقيات أبراهام”، تساهم في تمويل وتغذية ميزانية جيش الاحتلال بنحو 770 مليون دولار، دفعتها الإمارات والبحرين ثمناً لأسلحة ومنظومات عسكرية اشترتها خلال العام الماضي من دولة الاحتلال الإسرائيلي. ما يعتبر مساهمة عربية – خليجية بالأساس – غير مباشرة في حالة القمع التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. بموازاة ذلك أيضاً، لا يمكن عزل العدوان الإسرائيلي، أو نفي كونه أيضاً تغذى من الوهم بإمكانية البناء على التفاهمات و”التعهدات” الإسرائيلية لأطراف عربية أخرى بينها مصر والأردن. إذ تبين أن الاستعدادات الإسرائيلية لهذا العدوان كانت تجري بموازاة عملية تضليل إسرائيلية لهذه الأطراف، وإيهامها بإمكانية بناء تعاون اقتصادي وأمني، وصولاً إلى تهدئة شاملة ريثما يكون ممكناً إطلاق عملية سياسية جديدة في حال تغيّرت موازين القوى الداخلية في إسرائيل[5]. ليس هذا فحسب، بل إن بعض الدول العربية أصبحت هي التي تقف في المقدمة دفاعًا عن الأمن الإسرائيلي، حيث تلعب كلًا من مصر وقطر دور الوساطة لمنع المقاومة من التصعيد بما يهدد أمن الاحتلال، وذلك عبر ممارسة سياسة العصا والجزرة حيث تقوم مصر بالضغط عبر إغلاق معبر رفح، فيما تقوم قطر بتقديم المساعدات المالية. وبات واضحاً أن هذه الدول على أهبة الاستعداد دوماً للوساطة عندما تكون إسرائيل في أزمة، بينما تغيب عندما يحتاج الفلسطينيون هذه الوساطة. فالدول العربية التي سارعت منذ بداية شهر رمضان للعمل من أجل التهدئة في القدس المحتلة وتخفيف الاحتقان في المسجد الأقصى، كانت شبه غائبة العام الماضي عن حرب ضروس بدأت في القدس، ثم امتدت إلى كل الأرض الفلسطينية، وشهدت أعنف عدوان على قطاع غزة استمر 14 يوماً متواصلة، ثم تدخلت للوساطة من أجل التهدئة بعد أن فشل الإسرائيليون في تحقيق أي من أهدافهم، ولم يعد أمامهم سوى البحثُ عن مخرج[6]. أكثر من ذلك، فقد أصبحت القضية الفلسطينية بالنسبة لبعض الدول العربية ورقة مساومة وقربان يتم تقديمه لتحقيق مصالحها الخاصة. حيث أن دخول مصر على خط الوساطة ومنع التصعيد بين المقاومة والاحتلال يأتي في ظل توقع مصري لتعامل أمريكي مماثل عبر دعم موقفها في القضايا الإقليمية الرئيسية ولا سيما سد النهضة الأثيوبي وليبيا. وفى محاولة لتهدئة الغضب الأمريكي خلال إدارة بايدن، والتي أظهرت تجاهلاً معيناً لحكومة السيسي بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان. وقد قدرت مصر، وهي محقة بذلك، أن المساعدة على إنهاء الصراع بين «حماس» وإسرائيل الذي اندلع العام الماضي من شأنها تحسين اتصالاتها مع واشنطن. فبعد أشهر من الصمت عقب تنصيب بايدن، اتصل الرئيس الأمريكي بالسيسي مرتين خلال القتال، في 20 و24 مايو. ولكن الرئيسين لم يتحدثا بشكل مباشر منذ ذلك الحين، على الرغم من محاولات السيسي للقاء بايدن على هامش مؤتمر المناخ في نوفمبر، وفقاً لبعض التقارير[7]. لا يختلف الموقف الأردني كثيرًا عن الموقف المصري، فعلى الرغم من أن عمان كانت صاحبة الصوت الأعلى في رفض الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، حيث استضافت، في 21 إبريل الحالي، اجتماعاً طارئاً للجنة الوزارية العربية المُكلفة بالتحرك الدولي لمواجهة السياسيات والإجراءات الصهيونية غير القانونية في مدينة القدس المحتلة؛ لبحث الأوضاع في القدس والمسجد الأقصى، وسبل وقف التصعيد الصهيوني واستعادة التهدئة الشاملة[8]. كما قدم البرلمان الأردني، في 18 إبريل الجاري، مذكرة لحكومة بلاده موقعة من 87 نائبًا (من إجمالي 130) تُطالب بطرد السفير الإسرائيلي، أمير وايسبورد، من الأردن، وفق وكالة الأنباء الأردنية، وبعد ساعات قليلة من هذا التحرك استدعت الخارجية الأردنية القائم بأعمال السفارة في عمان، الخطوة التي قوبلت برد فعل استنكاري من حكومة نفتالي بينيت. إلا أن هذا الموقف الأردني الغاضب من إسرائيل يعود في الحقيقة لتهديد مصالح الأردن بصورة مباشرة، وليس حبًا أو دفاعًا عن القضية الفلسطينية. فالأردن غاضبة من تهميش دورها إزاء القضية الفلسطينية، هذا التهميش عززته بعض المؤشرات الأخيرة أبرزها عدم دعوة المملكة لحضور القمة السداسية التي استضافتها دولة الاحتلال في منطقة النقب المحتلة (جنوب)، التي شارك فيها 6 وزراء خارجية عرب (مصر والإمارات والمغرب والبحرين و”إسرائيل” والولايات المتحدة)، التي عُقدت على مدار يومين، 27 و28 مارس 2022، هذا بخلاف تجاهل حضور عبد الله الثاني للقمة التي عقدت في شرم الشيخ قبل 5 أيام فقط من قمة النقب بمشاركة الرئيس المصري وولي عهد أبو ظبي ورئيس الحكومة الإسرائيلية. وأخيرًا فإن تهديد الوضع القانوني للقدس، يهدف في أحد جوانبه إلى تقزيم إسرائيل للنفوذ الأردني على المقدسات الإسلامية في القدس وهو النفوذ الذي أقره القانون الدولي للحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني لتلك المقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى. فعامًا تلو الآخر باتت المقدسات الإسلامية تخضع عمليات ترميمها وتجديدها وإدارتها والإشراف عليها حكرًا على السلطة الإسرائيلية فيما تراجع نفوذ وحضور الأوقاف الأردنية[9]. وربما ذلك ما يفسر لماذا تكون الأردن صاحبة الصوت الأعلى عندما يتعلق الأمر بتصاعد الأوضاع فى القدس، بينما لا يكاد يكون لها أي صوت عندما يتعلق الأمر بقطاع غزة. باختصار، يمكن القول أنه أصبح هناك انحياز عربي لإسرائيل…