أحداث المسجد الأقصى وحالة التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين: قراءة في الدوافع وردود الأفعال (1)

أحداث المسجد الأقصى وحالة التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين: قراءة في الدوافع وردود الأفعال (2)

ثالثًا: الموقف العربي والغربي من التصعيد: الموقف العربي: يمكن تلخيص ردود الفعل العربية فيما يتعلق بالتصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين كما يلي: 1- أصدرت جامعة الدول العربية بيانًا تحث فيه إسرائيل على عدم اقتحام المسجد الأقصى، وقد جاء توقيت البيان بعد انتهاء أعياد اليهود، وبعد أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية رسميًّا أن المتطرفين الصهاينة لن يقتحموا المسجد الأقصى في العشر الأواخر من شهر رمضان[1]. 2- غياب الدعم العربي حتى على المستوى اللفظي للشعب الفلسطيني في وجه ما يواجهه من عدوان صهيوني يومي، وحتى عندما صدرت تلك الإدانات بعد تأخر لافت “لمدة يومين”، فقد جاءت بصيغة “خجولة” مقارنة بمواقفهم من السنوات الماضية، حين دأبوا على إدانة الاحتلال بلغة قاسية[2]. ناهيك عن عدم اقدام أي دولة عربية على قطع علاقتها مع دولة الصهاينة، ولم يتم طرد أي سفير من الدول العربية، ولم يتم سحب أي سفير عربي من تل أبيب. 3ـ عدم التفاعل الجماهيري العربي مع أحداث المسجد الأقصى، وباستثناء بعض المسيرات والحشود الشعبية في الأردن، مع بعض الدعاء في الكويت وبعض البلاد، دون ذلك؛ لم تسجل تحركات جماهيرية كبيرة[3]. وإن كان هذا مفهوم في ظل القبضة الأمنية في الدول العربية الرافضة لخروج أي مظاهرات حتى لو كانت مناصرة للقضية الفلسطينية فقط. ويمكن تفسير تخاذل الموقف الرسمي العربي الحالي فى ظل تصاعد وتيرة التطبيع، والذي وصل إلى حد التحالف بين الكيان الصهيوني والدول العربية المطبعة، وخصوصاً الإمارات والبحرين. وكانت صور المسؤولين العرب في “تل أبيب” وصور المسؤولين الصهاينة في العواصم العربية، إشارة إلى انسداد أفق الدعم العربي لنضال الشعب الفلسطيني. ومع بداية عام 2022، تصاعدت موجة التطبيع من خلال القمم العربية الإسرائيلية، في أبو ظبي، والمنامة، وشرم الشيخ وعمّان والنقب[4]. ولا يقف ضرر هذا التطبيع في المجال السياسي والتنكر للقضية الفلسطينية فحسب، بل يمكن القول اعتماداً على بيانات وزارة الأمن الإسرائيلية، إن دول الخليج الموقعة على “اتفاقيات أبراهام”، تساهم في تمويل وتغذية ميزانية جيش الاحتلال بنحو 770 مليون دولار، دفعتها الإمارات والبحرين ثمناً لأسلحة ومنظومات عسكرية اشترتها خلال العام الماضي من دولة الاحتلال الإسرائيلي. ما يعتبر مساهمة عربية – خليجية بالأساس – غير مباشرة في حالة القمع التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. بموازاة ذلك أيضاً، لا يمكن عزل العدوان الإسرائيلي، أو نفي كونه أيضاً تغذى من الوهم بإمكانية البناء على التفاهمات و”التعهدات” الإسرائيلية لأطراف عربية أخرى بينها مصر والأردن. إذ تبين أن الاستعدادات الإسرائيلية لهذا العدوان كانت تجري بموازاة عملية تضليل إسرائيلية لهذه الأطراف، وإيهامها بإمكانية بناء تعاون اقتصادي وأمني، وصولاً إلى تهدئة شاملة ريثما يكون ممكناً إطلاق عملية سياسية جديدة في حال تغيّرت موازين القوى الداخلية في إسرائيل[5]. ليس هذا فحسب، بل إن بعض الدول العربية أصبحت هي التي تقف في المقدمة دفاعًا عن الأمن الإسرائيلي، حيث تلعب كلًا من مصر وقطر دور الوساطة لمنع المقاومة من التصعيد بما يهدد أمن الاحتلال، وذلك عبر ممارسة سياسة العصا والجزرة حيث تقوم مصر بالضغط عبر إغلاق معبر رفح، فيما تقوم قطر بتقديم المساعدات المالية. وبات واضحاً أن هذه الدول على أهبة الاستعداد دوماً للوساطة عندما تكون إسرائيل في أزمة، بينما تغيب عندما يحتاج الفلسطينيون هذه الوساطة. فالدول العربية التي سارعت منذ بداية شهر رمضان للعمل من أجل التهدئة في القدس المحتلة وتخفيف الاحتقان في المسجد الأقصى، كانت شبه غائبة العام الماضي عن حرب ضروس بدأت في القدس، ثم امتدت إلى كل الأرض الفلسطينية، وشهدت أعنف عدوان على قطاع غزة استمر 14 يوماً متواصلة، ثم تدخلت للوساطة من أجل التهدئة بعد أن فشل الإسرائيليون في تحقيق أي من أهدافهم، ولم يعد أمامهم سوى البحثُ عن مخرج[6]. أكثر من ذلك، فقد أصبحت القضية الفلسطينية بالنسبة لبعض الدول العربية ورقة مساومة وقربان يتم تقديمه لتحقيق مصالحها الخاصة. حيث أن دخول مصر على خط الوساطة ومنع التصعيد بين المقاومة والاحتلال يأتي في ظل توقع مصري لتعامل أمريكي مماثل عبر دعم موقفها في القضايا الإقليمية الرئيسية ولا سيما سد النهضة الأثيوبي وليبيا. وفى محاولة لتهدئة الغضب الأمريكي خلال إدارة بايدن، والتي أظهرت تجاهلاً معيناً لحكومة السيسي بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان. وقد قدرت مصر، وهي محقة بذلك، أن المساعدة على إنهاء الصراع بين «حماس» وإسرائيل الذي اندلع العام الماضي من شأنها تحسين اتصالاتها مع واشنطن. فبعد أشهر من الصمت عقب تنصيب بايدن، اتصل الرئيس الأمريكي بالسيسي مرتين خلال القتال، في 20 و24 مايو. ولكن الرئيسين لم يتحدثا بشكل مباشر منذ ذلك الحين، على الرغم من محاولات السيسي للقاء بايدن على هامش مؤتمر المناخ في نوفمبر، وفقاً لبعض التقارير[7]. لا يختلف الموقف الأردني كثيرًا عن الموقف المصري، فعلى الرغم من أن عمان كانت صاحبة الصوت الأعلى في رفض الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، حيث استضافت، في 21 إبريل الحالي، اجتماعاً طارئاً للجنة الوزارية العربية المُكلفة بالتحرك الدولي لمواجهة السياسيات والإجراءات الصهيونية غير القانونية في مدينة القدس المحتلة؛ لبحث الأوضاع في القدس والمسجد الأقصى، وسبل وقف التصعيد الصهيوني واستعادة التهدئة الشاملة[8]. كما قدم البرلمان الأردني، في 18 إبريل الجاري، مذكرة لحكومة بلاده موقعة من 87 نائبًا (من إجمالي 130) تُطالب بطرد ​السفير الإسرائيلي، أمير وايسبورد، من الأردن، وفق وكالة الأنباء الأردنية، وبعد ساعات قليلة من هذا التحرك استدعت الخارجية الأردنية القائم بأعمال السفارة في عمان، الخطوة التي قوبلت برد فعل استنكاري من حكومة نفتالي بينيت. إلا أن هذا الموقف الأردني الغاضب من إسرائيل يعود في الحقيقة لتهديد مصالح الأردن بصورة مباشرة، وليس حبًا أو دفاعًا عن القضية الفلسطينية. فالأردن غاضبة من تهميش دورها إزاء القضية الفلسطينية، هذا التهميش عززته بعض المؤشرات الأخيرة أبرزها عدم دعوة المملكة لحضور القمة السداسية التي استضافتها دولة الاحتلال في منطقة النقب المحتلة (جنوب)، التي شارك فيها 6 وزراء خارجية عرب (مصر والإمارات والمغرب والبحرين و”إسرائيل” والولايات المتحدة)، التي عُقدت على مدار يومين، 27 و28 مارس 2022، هذا بخلاف تجاهل حضور عبد الله الثاني للقمة التي عقدت في شرم الشيخ قبل 5 أيام فقط من قمة النقب بمشاركة الرئيس المصري وولي عهد أبو ظبي ورئيس الحكومة الإسرائيلية. وأخيرًا فإن تهديد الوضع القانوني للقدس، يهدف في أحد جوانبه إلى تقزيم إسرائيل للنفوذ الأردني على المقدسات الإسلامية في القدس وهو النفوذ الذي أقره القانون الدولي للحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني لتلك المقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى. فعامًا تلو الآخر باتت المقدسات الإسلامية تخضع عمليات ترميمها وتجديدها وإدارتها والإشراف عليها حكرًا على السلطة الإسرائيلية فيما تراجع نفوذ وحضور الأوقاف الأردنية[9]. وربما ذلك ما يفسر لماذا تكون الأردن صاحبة الصوت الأعلى عندما يتعلق الأمر بتصاعد الأوضاع فى القدس، بينما لا يكاد يكون لها أي صوت عندما يتعلق الأمر بقطاع غزة. باختصار، يمكن القول أنه أصبح هناك انحياز عربي لإسرائيل…

تابع القراءة
أحداث المسجد الأقصى وحالة التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين: قراءة في الدوافع وردود الأفعال (1)

أحداث المسجد الأقصى وحالة التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين: قراءة في الدوافع وردود الأفعال (1)

    منذ أشهر، كانت هناك تحذيرات من احتمال انفجار الأوضاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين بسبب تزامن شهر رمضان مع أعياد الفصح اليهودية، ودعوة جماعات المعبد واليمين الصهيوني إلى ذبح قرابين في ساحات المسجد الأقصى[1]. ولتنفجر الأوضاع بالفعل قبل بدء شهر رمضان المبارك بأيام، واستمر في التصعيد خلال الشهر الفضيل، حيث نفذ فدائيون فلسطينيون من داخل فلسطين المحتلة عام 1948، ومن الضفة الغربية المحتلة، عمليات بطولية أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات المستوطنين وجنود العدو. ما دفع العدو لإطلاق عملية عسكرية سماها “كاسر الأمواج”، بهدف استعادة الردع المفقود، ونشرَ كتائب قتالية إضافية في الضفة الغربية، نفذت عمليات اغتيال وخطف، أسفرت عن استشهاد وأسر العشرات من الفلسطينيين. ولتزداد الأوضاع سخونة مع إعلان مستوطنون متدينون يهود عزمهم ذبح قرابين “ماعز”، داخل باحات المسجد الأقصى، خلال أيام ما يسمى عيد الفصح اليهودي، وأعلنوا تقديم جوائز نقدية إلى من يتمكن من ذلك، وهي الخطوة التي تمهد (بحسب زعمهم) لهدم المسجد الأقصى وإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه. وقد جاءت تلك الاقتحامات بدعم من قوات العدو الإسرائيلي التي قامت، فجر الجمعة الموافق 15 إبريل 2022، باقتحام باحات المسجد الأقصى، واعتدت على جموع المصلّين والمرابطين الفلسطينيين، وأصابت وخطفت المئات، وذلك بهدف منع الرباط في المسجد، تمهيداً لاقتحامه لاحقاً من قطعان المستوطنين. الأمر الذي دفع قوى المقاومة الفلسطينية إلى التداعي وعقد اجتماع عاجل في مكتب يحيى السنوار، قائد حركة “حماس” في قطاع غزة، تمخض عنه إطلاق تهديد صريح للعدو، وأعلنت الفصائل النفير العام لحماية المسجد الأقصى، وأطلقت دعوة إلى استهداف العدو في كل أماكن وجوده[2]. وعليه تسعى هذه الورقة إلى محاولة الوقوف على أهم أسباب ودوافع هذا التصعيد، وكيفية التعامل الإسرائيلي والفلسطيني (السلطة والمقاومة) معه، ثم الموقف العربي والغربي من هذا التصعيد.    أولًا: أسباب التصعيد الحالي ودوافعه: هناك دوافع كامنة أسست حالة المواجهة وساهمت في إشعالها، ويمكن تقسيمها ضمن محورين: دوافع أساسية قائمة تتمثل فيما يلي: – وجود الاحتلال، حيث إنه من الطبيعي أن تبقى هناك حالة وطنية رافضة له، وإن تراجعت هذه الحالة نتاج عوامل مرحلية، إلا أن أساسها يبقى قائمًا لوجود الاحتلال كمسبب أساسي[3]. – الاستيطان الجارف الذي يحاصر ويفتت الضفة الغربية، واستهداف القدس بمخططات التهويد والاستيطان، والاستهداف المتكرر للمسجد الأقصى، فضلًا عن عنف المستوطنين المتزايد الذي يستهدف الفلسطينيين وممتلكاتهم وأراضيهم. – استمرار الحصار “الإسرائيلي” على قطاع غزة، وتزايد معاناة الغزيين من آثاره، وخاصة الاقتصادية[4]. – انسداد الأفق السياسي، حيث إنه من الواضح أن القضية الفلسطينية تمر منذ سنوات بحالة انغلاق في أفقها السياسي، في ظل قضاء “إسرائيل” على إمكانية التوصل لسلام قائم على حل الدولتين بفعل الاستيطان والسيطرة “الإسرائيلية” الفعلية على الأرض، ما من شأنه أن يولد حالة تململ ورفض شعبي[5]. دوافع أساسية مرحلية تتمثل فيما يلي: – تقاطع المناسبات الدينية والوطنية الفلسطينية مع مناسبات دينية لدى الاحتلال، يجعلها، عند مرحلة معينة، تنفجر. وفى حالة التصعيد الحالي؛ فقد تزامن شهر رمضان الكريم مع عيد الفصح اليهودي والذي وافق الأيام من 15 إلى 22/4/2022، وهي الأيام التي توافق من 14 إلى 21 رمضان 1443هـ. وفي خلفية التصعيد المنتظَر، يبرز «يوم القدس»، المناسبة السنوية لتوافد الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه في الجمعة الأخيرة من رمضان. في الخلفيّة أيضاً، ثمّة مناسبة أليمة لا تغادر الوعي الفلسطيني، وهي ذكرى ما يسميه الاحتلال «استقلال إسرائيل»، أي يوم النكبة عام 1948، والذى يوافق يوم 15 من الشهر القادم (مايو) والذي يحمل سنوياً عوامل تصعيد، ليس في القدس فقط، بل أيضاً في أراضي عام 48 وغيرها من الساحات[6]. –  قرب العهد من أحداث مايو 2021 (معركة سيف القدس)، والتي مثّلت تحوّلاً مهماً في السياق الكفاحي الفلسطيني، في حدود الضفة الغربية والقدس، وعلى المستوى الفلسطيني العام، فالمسافة الزمنية الفاصلة بين الحدثين هي أقل من عام. – ارتباط أحداث مايو 2021 بالقدس عموماً، والمسجد الأقصى خصوصاً (أحداث باب العمود، وحيّ الشيخ جراح، واقتحام المسجد الأقصى في أثناء رمضان، ومسيرة الأعلام في القدس)، وارتباط الأحداث التي كانت متوقعة في رمضان 1443هـ – أبريل 2022، بالمسجد الأقصى خصوصاً، ولا سيّما توقعات اقتحامه في أثناء عيد الفصح المتزامن مع رمضان. – رصد التصاعد الفعلي في العمل المقاوم المنطلق من الضفة الغربية والقدس، على نحو متصل عضوياً بأحداث مايو 2021، مما يعني أن تلك الأحداث لم تستمر في حدود المفاعيل التعبوية فحسب، بل وأيضاً في أنماط المقاومة العملية المتصاعدة، وهو ما رصدته الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية المتعددة، والتي لاحظت في الربع الأول من سنة 2022 تصاعداً في أعمال المقاومة في الضفة الغربية والقدس، بما يزيد على ما كانت عليه في الربع الأخير من سنة 2021، بالرغم من كون سنة 2021 هي السنة المركزية في إيجاد هذه التحوّلات، وهو الأمر الذي يعني أن حالة التمرد الكفاحي الآخذة بالظهور، كانت في طور ملاحظ من الثبات، أو الاستعصاء على الرجوع إلى الخلف، مما يزيد من احتمالات تعاظمها في حال حصلت مواجهات متصلة باقتحام المسجد الأقصى[7]. – حالة النشاط التنظيمي للمقاومة، فبالرغم من أن العمليات الفدائية ضد إسرائيل (مثل بنى براك وبئر السبع والخضيرة وتل أبيب) هي عمليات فردية، إلا أن هناك محاولات من قبل الفصائل الفلسطينية، لاستنهاض المقاومة في شمال الضفة الغربية، مما يؤدي إلى تصعيد حوافزها ودوافعها. ما أدى إلى ظهور ما بات يُعرف بـ “كتيبة جنين”، وهي محاكاة لغرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة بغزة. – هناك حالة تخص مخيم جنين، فقد تعرض لاقتحامات واغتيالات إسرائيلية عديدة ومتزامنة مع حملات الاعتقال التي مارستها أجهزة السلطة بحق المقاومين هناك، مما ولد نوعًا من التمرد المضاعَف، وشجع على الانخراط بالعمل المقاوم والمسيرات والاحتجاجات. – السلوك الإسرائيلي على الأرض من خلال الاقتحامات والاعتقالات والجرائم والإعدامات، كما حدث في عملية اغتيال الشبان الثلاثة في مدينة نابلس يوم 8 فبراير 2022، وعملية اغتيال المقاوِمين في مخيم جنين، وقد أخذ هذا السلوك منحى تصاعديًا، ما يمثل سلوكًا استفزازيًا يولد ردة فعل رافضة له بأشكال متعددة. – تقاطع الأوضاع بالضفة مع شرارة الداخل المحتل عام 48، في ظل مشهد العنصرية والتمييز وسياسيات التهجير التي تمارس ضد فلسطينيي 48، وبالتحديد ممارسات الاحتلال في النقب، وعمليات الاقتلاع والهجمات عليه. ويمكن على نحو ما إدراج عمليتَي بئر السبع والخضيرة (مارس 2022)، اللتين نفذهما فلسطينيون من الداخل المحتل، في المخاوف الإسرائيلية تجاه الداخل المحتل[8]. – تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على مدينة القدس، خاصة المسجد الأقصى، خلال العامين الماضيين، وبات واضحاً أن ثمة مشروعًا إسرائيليًا يتم تنفيذه في المدينة، ويهدف لتغيير الواقع الديني والسكاني فيها، وفرض حقائق جديدة تُعرقل أي مطالبة للفلسطينيين بالمدينة، وتُخفي المعالم العربية منها، ولذلك يتم استهداف حي الشيخ جراح بالهدم والترحيل، وإحلال المستوطنين بدل السكان الأصليين. وقد صدر مؤخراً تقرير عن الأمم المتحدة وكشف أن عمليات هدم المنازل…

تابع القراءة
نجل السيسي في «إسرائيل».. الخلفيات والمآرب

نجل السيسي في «إسرائيل».. الخلفيات والمآرب

    أجرى العميد محمود السيسي، نجل الجنرال عبد الفتاح السيسي ووكيل جهاز المخابرات العامة المصرية، زيارة خاطفة إلى تل أبيب يوم الأحد 17 إبريل 2022م، على رأس وفد من المخابرات، في ظل أجواء ساخنة حيث تتصاعد أعمال المقاومة الفلسطينية بالضفة الغربية وداخل المناطق المحتلة. الزيارة هي الثانية للسيسي الابن لتل أبيب خلال الشهور الأربعة الأولى من سنة 2022م؛ الأمر الذي دفع  صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية في 20 يناير 2022، إلى التأكيد على حرص السيسي الأب على تعزيز نفوذ السيسي الابن حيث كتبت: «بات جليا أن عبد الفتاح السيسي لا  يثق بأحد حوله من كبار رجال الدولة. وهو ما يفسر لماذا خص ابنه محمود بهذه المكانة دون غيره، وأوفده إلى زيارة إسرائيل، وجعله على قمة جهاز المخابرات العامة، وبهذا أصبح عمليا الرجل الثاني في مصر».[[1]]  ويؤكد موقع  Intelligence Online الفرنسي، في تقرير له  الخميس 3 فبراير 2022، أنَّ السيسي الأب أوكل  ملفات المخابرات العامة المصرية عن إسرائيل إلى نجله الأكبر محمود السيسي، الذي سيعمل إلى جانب مدير جهاز المخابرات الراسخ عباس كامل. وحسب الموقع الفرنسي فإن قرار السيسي يوضح الخطط الكبرى التي يضعها الرئيس لابنه الذي يبدو أنه في طرقه لتولي دور رئيس داخل النظام الأمني الذي تأسس سنة 2013على حد قول الموقع.[[2]] فما خلفيات هذه الزيارة الخاطفة والملفات التي جرى بحثها؟ ولماذا وضع السسي نجله على رأس ملف “إسرائيل”؟ وما أثر السياق الذي جرت فيه؟ ولماذا في هذا التوقيت في ظل التحالف الوثيق بين النظامين منذ انقلاب السيسي في يوليو 2013م؟ وهل للأمر علاقة بمخططات السيسي بعيدة المدى لتوريث الحكم لنجله؟ الخلفية والسياق للزيارة شقان مهمان: الأول يتعلق بسياق الأوضاع داخل الأراضي المحتلة ومخاوف حكومة الاحتلال من التصعيد في القدس والضفة وغزة. والثاني، يتعلق بتعزيز مكانة السيسي الابن داخل جهاز المخابرات وفق المخططات بعيدة المدى التي يستهدف السيسي الأب من ورائها تمكين نجله في الجهاز وصولا إلى تعزيز مكانته  ونفوذه  داخل النظام ليكون ورثيا للحكم من بعده. أما فيما يتعلق بسياق الأوضاع داخل الأراضي المحتلة؛ فكما هو معتاد جرى التعرف على الزيارة وتفاصيلها من الإعلام الإسرائيلي، بينما بقي الإعلام المصري في غرفة الإنعاش محكوما بأوامر السلطة التي تفرض عليه الصمت وعدم تناول أي شيء يتعلق بالجيش أو المخابرات أو الشرطة أو العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي إلا  بإذن مباشر من المخابرات العامة والاكتفاء بما يصدر عن هذه الجهات من بيانات مع الالتزام بها حرفيا. وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” وإذاعة صوت إسرائيل “مكان” قد كشفتا تفاصيل الزيارة الخاطفة التي استغرقت ساعات حيث ترأس نجل السيسي الوفد المصري الذي ضم عميلين من عملاء الجهاز، وقالت إن الهدف من الزيارة هو تسريع وتيرة المفاوضات غير المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين بهدف نزع فتيل التصعيد.[[3]] تزامنت الزيارة مع رغبة إسرائيلية في تخفيف حدة التصعيد الذي تشهده القدس  والضفة الغربية المحتلتان، بعد اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى قبل الزيارة بيوم واحد، والاعتداء على المصلين وسط حراسة مشددة من قوات الاحتلال تزامنا مع عيد الفصح اليهودي الذي بدأ الجمعة 15 إبريل ويستمر أسبوعا، وصدور بيان من حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، حكومة الاحتلال المسؤولية عن تداعيات الأوضاع في المسجد الأقصى، بمدينة القدس. كما تزمنت زيارة نجل السيسي مع تصاعد العمليات الفدائية داخل الضفة الغربية ومدينة جنين على وجه الخصوص؛ ومنذ بداية العام 2022، وحتى منتصف إبريل استُشهد 32 فلسطينياً، وشهد شهر مارس وحده تصعيداً كبيراً في عمليات المقاومة، وصلت إلى ثماني عمليات طعن وإطلاق نار معلنة، أدت إلى مقتل 11 من جنود الاحتلال ومستوطنيه؛ ما دفع الاحتلال لإطلاق عملية أسماها “كاسر الأمواج” للقضاء على المقاومين الفلسطينيين. لكن هذه الحملة الإسرائيلية فشلت في وقف موجات المقاومة التي امتدت واتسعت دائرتها لتضم مقاومين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، نفذ ثلاثة منهم عمليات في العمق الإسرائيلي الشهر الماضي، أدت لمقتل ستة إسرائيليين على الأقل.[[4]] واعتقلت قوات الاحتلال منذ بداية العام الحالي 1400 فلسطيني حسب إحصائيات نادي الأسير، وقتلت 32 فلسطينياً. ويعتبر محللون إطلاق هذه الحملة الأمنية الإسرائيلية تعبيرا عن حالة الإفلاس التي تمر بها حكومة الاحتلال؛ ذلك أن نفتالي بينيت رئيس حكومة الاحتلال دعا المستوطنين إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم بالتزامن مع إطلاق الحملة؛ فإذا كانت الحملة قادرة على حماية المستوطنين من هجمات المقاومة؛ فلماذا يطالبهم بينيت بحمل السلاح وحماية أنفسهم؟! ويستنتج  قسم التحليل السياسي والشؤون العسكرية في موقع “واي نيت” الإسرائيلي، من عملية “بين براك” التي نفذها  الشهيد ضياء حمارشة، وأوقعت أربعة قتلى إسرائيليين، وعملية الشهيد رعد حازم؛ «أنّ أجهزة الأمن الإسرائيلية تواجه مصاعب في العمليات الفردية، رغم تمكنها من إحباط العمليات المرتبطة بخلايا منظّمة. ويرى أن العمليات الفردية الحالية تختلف عن العمليات الفردية بين عامي 2015-2016 بعنصرين رئيسين؛ الأول هو القرار الفردي لمنفذي العمليات دون إطلاع أحد، ولا سيما الابتعاد عن الإشارة أو التلميح لاعتزامهم تنفيذ عمليات على شبكات التواصل الاجتماعي، التي ميزت عمليات انتفاضة الأفراد عام 2015، وكانت مراقبتها عاملاً مساعداً للاحتلال في إحباطها. والعامل الثاني هو أنّ العمليات الحالية تعتمد على استخدم الأسلحة النارية، والتخطيط للعمليات بشكل مسبق، بعد تأمين الحصول على السلاح، بشكل فردي أو بمساعدة العائلة، وتنفيذ هذه العمليات في قلب المدن الإسرائيلية».[[5]] حسب تعبيره. تعزيز نفوذ السيسي الابن أما فيما يتعلق بتعزيز نفوذ السيسي الابن،  فإن الزيارة هي الثانية لنجل السيسي إلى تل أبيب منذ بداية سنة 2022؛ حيث سبق وأن  زار السسي الابن تل أبيب في 16 يناير، والتقى خلالها بمدير الموساد ديفيد بارنيا، وزعيم الشاباك رونين بار، ورئيس المخابرات العسكرية “أمان”، أهارون هاليفا، حيث تناول اللقاء وقتها عدة نقاط: أولها، إعادة تقييم اتفاقيات كامب ديفيد لعام 1978م، وانتهى بسماح “إسرائيل” للجانب المصري بزيادة عدد قواته في المنطقة “ج” التي يفترض وفق الاتقاقية أن تكون خالية من الأسلحة الثقيلة باستثناء عناصر الشرطة بأسلحتهم الخفيفة. ثانيها، الحصول على الضوء الأخضر من حكومة تل أبيب من أجل الشروع في بناء منطقة صناعية شمال سيناء بالقرب من قطاع غزة. ثالثها، بحث القضايا المتعلقة بإعادة مسار التفاوض المتوقف منذ عدة سنوات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. رابعها، بحث إعادة إعمار قطاع غزة؛ حيث يرغب السيسي في دور مصري كبير لشركات الجيش والمخابرات في عمليات إعادة الإعمار. خامسها، بحث تطورات صفقة تبادل الأسرى المحتملة والتي يقود النظام المصري الوساطة فيها منذ فترة دون تقدم يذكر. سادسها، رغبة النظام المصري في استخدام تل أبيب نفوذها من أجل الضغط على الإدارة الأمريكية لتخفيف انتقاداتها الحادة تجاه النظام المصري في ملف حقوق الإنسان. وبمجرد عودة السيسي الابن إلى القاهرة شرع في تنظيم اجتماع رباعي بين ممثلي مصر والأردن وإسرائيل وفلسطين، في منتجع شرم الشيخ، لمناقشة المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية المتوقفة. وهي المساعي التي أسفرت عن: انعقاد قمة “شرم الشيخ” يوم الثلاثاء 22…

تابع القراءة
زيارة وزير الخارجية المصري إلى واشنطن: القضايا المطروحة ونقاط الاتفاق والاختلاف حولها

زيارة وزير الخارجية المصري إلى واشنطن: القضايا المطروحة ونقاط الاتفاق والاختلاف حولها

  قام وزير الخارجية المصري سامح شكري بزيارة إلى واشنطن فى 12 إبريل الجارى، التقى خلالها بنظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، كما عقد لقاء مع ممثلي الغرفة التجارية الأمريكية، بجانب لقاء روبرت مالي، المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران[1]. وتتمثل أهم القضايا التي من المتوقع أن يناقشها الطرفان فى: – سياسيًا: 1- الأزمة الأوكرانية: تتخذ مصر في الملف الأوكراني “موقفًا محايدًا” يحافظ على مصالحها مع روسيا مصدر القمح الأول للقاهرة، برفض العقوبات الاقتصادية والسعي عربيًا لحل سلمي. وبجانب ذلك تحاول مصر عدم خسارة حليف كواشنطن الداعم العسكري البارز لها، من خلال رفضها تدخل موسكو بأوكرانيا كموقف مبدئي[2]. فمنذ أن شنت روسيا الحرب على أوكرانيا، أبدت القاهرة تخوفًا صريحًا من إدانة العدوان. وخلال الأيام الأولى للحرب، اتصل الرئيس عبد الفتاح السيسي بنظيره الروسي. وذكر بيان صادر عن مكتب الرئيس المصري أن الرئيسين ناقشا «تعزيز التعاون الاستراتيجي» في ضوء «العلاقات التاريخية». بعد فترة وجيزة من ذلك البيان، صدر بيان أمريكي مُقتضب عن إلغاء زيارة ويندي شيرمان، مساعدة بلينكن، المُحددة سلفًا إلى مصر. كان الهدف من زيارتها إلى القاهرة، كجزء من جولة إقليمية، أن تجتمع مع مسؤولين وأعضاء منظمات غير حكومية. وبينما أعلن الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الأمريكية أن الزيارة أُلغيت لأسباب لوجستية. فقد أشار بعض الدبلوماسيين الأمريكيين في القاهرة أن الإلغاء كان رد فعل على المكالمة الهاتفية مع بوتين، وإن إلغاء زيارة شيرمان مجرد جزء من رد فعل أمريكي أوسع نطاقًا على تردد مصر في دعم واشنطن في مواجهتها ضد موسكو بشأن غزو أوكرانيا، كما إن الولايات المتحدة أرجأت أيضًا خططًا مشتركة أخرى كانت مُقررة مع مصر في مارس الماضي، من بينها بعض الأنشطة العسكرية. وربما تكون القاهرة قد استشعرت حجم الغضب الأمريكي من موقفها المحايد فى الأزمة الأوكرانية، ما دفعها إلى التصويت، فى 24 مارس الماضي، لصالح قرار غير ملزم للجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية في أوكرانيا ووقف الحرب على الفور[3]. ولكن سرعان ما أعادت القاهرة التأكيد على موقفها المحايد، عندما امتنعت، فى 7 إبريل، عن التصويت في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على تعليق عضوية روسيا في المنظمة الدولية[4]. ويبدو أن هذا الموقف المصري المحايد لا يرضى الولايات المتحدة، بل وينظر الأمريكيون إلى أن هذا الموقف هو أصدق تعبير عن مدى التحالف الذي وصلت إليه العلاقات بين الدولتين تحت حكم السيسي وبوتين. وعليه، يبدو أن شكري يسعى خلال زيارته لواشنطن إلى شرح أسباب ودوافع هذا الموقف المصري المحايد، ومحاولة إقناع واشنطن بعدم ممارسة أي ضغوطات على القاهرة لتغيير هذا الموقف. 2- الملف الإيراني: يتفاوض دبلوماسيون من إيران والولايات المتحدة وخمس دول أخرى (الصين وروسيا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا) منذ أشهر، في العاصمة النمساوية فيينا حول صفقة لإعادة فرض قيود على برنامج طهران النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية التي أعاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرضها بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق في مايو 2018. وتسعى مصر إلى التعرف على إمكانية توقيع واشنطن اتفاقًا نوويًا مع طهران من عدمه، وشروط هذا الاتفاق[5]. وربما يكون للملف الإيراني أولوية كبيرة فى زيارة شكري لواشنطن خاصة أنها تأتى عقب انعقاد قمة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمدينة شرم الشيخ في 22 مارس 2022، تبعها انعقاد قمة، في 28 مارس، بين وزراء خارجية كل من إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات والبحرين والمغرب ومصر في النقب. وكان الموضوع الأبرز خلال هاتين القمتين هو الملف الإيراني. حيث تتخوف مصر – إلى جانب إسرائيل ودول الخليج –  من إحياء الاتفاق النووي الإيراني بين طهران والقوى الغربية، خاصة فى ظل الرغبة الأمريكية برفع العقوبات عن الغاز الإيراني ليحل محل الغاز الروسي لأوروبا، وكذلك النفط لتخفيض أسعاره؛ ما يعنى رفع عقوبات الولايات المتحدة عن حكومة طهران، وفك الحظر المفروض على مليارات الدولارات الإيرانية، ما يتيح الفرصة أمام توسيع نطاق التمويل الإيراني لأنشطتها والتوسع في المنطقة العربية. وقد تزايد تخوف مصر مع إعلان  واشنطن أنها “مستعدة لأخذ قرارات صعبة” للتوصل إلى اتفاق مع طهران بشأن البرنامج النووي الإيراني[6]. ومن ضمن هذه القرارات الصعبة التي قد تلجأ إليها واشنطن، ما كشفته صحيفة “وول ستريت جورنال” عن اقتراب واشنطن من الموافقة على طلب طهران رفع “الحرس الثوري الإيراني” من قائمة التنظيمات الإرهابية[7]. وعليه فمن المؤكد أن يطرح شكري هذه المخاوف المصرية – والخليجية – على طاولة الاجتماعات مع المسئولين الأمريكيين، وسيطلب شكري من الإدارة الأمريكية بضرورة أن يكون وقف التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية (سوريا والعراق ولبنان واليمن) من ضمن الشروط الأساسية في المفاوضات الجارية مع طهران حول برنامجها النووي. وربما يسعى شكري إلى اقناع الولايات المتحدة بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، فالولايات المتحدة لا تزال تعارض عودة سوريا إلى الجامعة العربية، إلا أن الإمارات والبحرين ومصر دعت إلى ضرورة عودة سوريا إلى المنظومة العربية، لما يعنيه ذلك، بالنسبة إلى الجامعة العربية، من ابتعاد سوريا عن إيران[8]. نقطة أخرى تهتم بها مصر فيما يتصل بالملف الإيراني، تتمثل في حرص القاهرة على عدم المشاركة في تحالف ضد طهران، وهو ما أكد عليه شكري قبل أسبوعين بقمة النقب (جنوب إسرائيل) المعنية بـ “ردع طهران”، عندما قال: ” لا نشارك في حلف ضد أحد”. وتتخوف القاهرة من إمكانية أن تضغط الولايات المتحدة عليها للانضمام إلى تحالف إقليمي (يضم إلى جانب مصر، إسرائيل والأردن والسعودية والإمارات والبحرين) ضد طهران؛ حيث تخشى القاهرة من أن يتسبب انضمامها إلى تحالف ضد إيران فى اغضاب طهران التي تمتلك نفوذ سيأسى وعسكري واقتصادي فى العديد من الدول العربية خاصة سوريا والعراق، ما قد يدفع طهران نحو عرقلة المشاريع الاقتصادية التي عقدتها القاهرة مؤخرًا مع كل من العراق وسوريا ولبنان، خاصة فى مجال إعادة الاعمار، وإمكانية الحاق الضرر بالعمال المصريين فى تلك الدول. ومن ناحية ثانية، تخشى القاهرة فى حالة اظهار عدائها لإيران، قيام الأخيرة بخطوة مماثلة تتمثل بصورة رئيسية فى دعم طهران لجماعة الإخوان المسلمين (العدو الرئيسي للنظام المصري) خاصة عبر توفير ملآذات آمنة لهم، وقد تكون المقر البديل لهم بعد توجه تركيا للتصالح مع النظام المصري. ومن ناحية ثالثة، ترى مصر أن هذا التحالف يقوى من الموقف التركي (الخصم الرئيسي للنظام المصري)؛ فهو من جانب يجعل من مواجهة التدخلات التركية فى ليبيا وسوريا وغيرها فى مرتبة أدنى من مواجهة التدخلات الإيرانية. أكثر من ذلك، فإن تركيا ستكون جزءًا من هذا التحالف الموجه ضد طهران ما يعنى النظر إلى أنقرة كحليف وليس كخصم. ومن ناحية رابعة، فإن هذا التحالف الذي تتواجد فيه إسرائيل قد يسحب البساط من تحت اقدام القاهرة باعتبارها الحليف العسكري الأهم لدول الخليج فى مواجهة إيران، وهي الورقة التي تعتمد…

تابع القراءة
اتفاق الغاز الجزائري الإيطالي: هل تحل الجزائر محل روسيا؟

اتفاق الغاز الجزائري الإيطالي: هل تحل الجزائر محل روسيا؟

  في خضم العقوبات الغربية على روسيا وحظر صادراتها من النفط والغاز، تسعى إيطاليا إلى زيادة وارداتها من الغاز الجزائري. ولذا وقَّعت إيطاليا مع الجزائر اتفاقية تعاون في مجال الطاقة بين عملاقي النفط “سوناطراك” و”إيني”، والتي تقضي بزيادة إمدادات الغاز الجزائري نحو روما. وجاء ذلك على هامش الزيارة الرسمية التي يقوم بها إلى الجزائر رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، بدعوة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. فما هي أهمية الغاز الجزائري لإيطاليا؟ وما هي تفاصيل الاتفاق وأهميته؟ وهل يُمكن للغاز الجزائري أن يحل محل الإيطالي؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير.. أهمية الغاز الجزائري لإيطاليا وأوروبا: تُعد إيطاليا ثاني أكبر أسواق الغاز لشركة “غازبروم” الروسية، وتستهلك إيطاليا نحو 29 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويًا، ووفقًا لوزير التحول البيئي الإيطالي روبرتو سينجولاني فإن روسيا تمثل 40% من إجمالي الغاز المستورد لإيطاليا. ويتفق الخبراء على أن استهلاك إيطاليا من الغاز الروسي كان سينمو لولا الأحداث المرتبطة بأوكرانيا والموقف الأوروبي، خاصةً وأن الاتحاد الأوروبي يشهد فترة من التعافي بعد جائحة كورونا.[1] وللجزائر أنبوبان للغاز، أحدهما المسمى “ترانسماد”، ويربط الجزائر بأوروبا، بطول 2485 كيلومتر، ويضمن تزويد تونس وإيطاليا وسلوفينيا بالغاز الطبيعي، وتُقدَّر قدرة نقله للغاز الطبيعي نحو 33.7 مليار متر مكعب، يضمن تزويد تونس وإيطاليا وسلوفينيا بالغاز الطبيعي، وينقل حاليًا نحو 60 مليون متر مكعب يوميًا من الغاز الجزائري نحو إيطاليا. أما الأحدث فهو “جالسي” بطول 860 كيلومتر، ومن المُتوقع أن يبدأ تشغيله خلال النصف الثاني من العام الجاري، وهو باتجاه إيطاليا، ويضمن سعة تقدر بـ238 مليار قدم مكعب سنويًا.[2] أما عن حصص الدول الأوروبية من الغاز الطبيعي الجزائري، فتحتل إيطاليا المرتبة الأولى بنسبة 60 %، ثم إسبانيا بـ 20 % ثانية، وفرنسا ثالثة بـ 12 %، والبرتغال رابعة بـ 6 %، وتأتي سلوفينيا في المركز الخامس بـ 1 %.[3] نشاط دبلوماسي إيطالي في الجزائر يسبق الاتفاق: دفعت الحرب في أوكرانيا وحزمة العقوبات الاقتصادية ضد موسكو، إيطاليا إلى نشاط دبلوماسي مُكثَّف للبحث عن موارد أخرى خاصةً أن الغاز يُمثِّل 42% من استهلاك البلاد للطاقة. وسبقت زيارة دراغي للجزائر زيارة كلاوديو ديسكالزي الرئيس التنفيذي لمجموعة “إيني” الإيطالية العملاقة للطاقة الناشطة للجزائر، بداية الشهر، حيث التقى الرئيس تبون لمناقشة “إمداد إيطاليا بالغاز”. وكان وزير خارجيته لويجي دي مايو زار الجزائر أيضًا في 28 فبراير حيث ناقش مع نظيره زيادة إمدادات الغاز لتعويض الخفض المحتمل للواردات من روسيا. وأكَّد دي مايو حينها أن “الحكومة الإيطالية ملتزمة زيادة إمدادات الطاقة، ولاسيما الغاز، من مختلف الشركاء الدوليين” ومن بينهم الجزائر “التي لطالما كانت موردًا موثوقًا”. من جانبها، أعلنت مجموعة النفط والغاز الجزائرية العملاقة “سوناطراك” نهاية فبراير استعدادها لتزويد أوروبا بمزيد من الغاز خصوصًا عبر خط الأنابيب الذي يربط الجزائر بإيطاليا. وأعلن المدير التنفيذي لسوناطراك توفيق حكار أن “للمجموعة قدرة غير مستخدمة على خط أنابيب ترانسميد” العابر لتونس والبحر المتوسط والتي يُمكن استخدامها “لزيادة الإمدادات إلى السوق الأوروبية”. مؤكدًا بأن أوروبا هي “السوق الطبيعية المفضلة” للجزائر التي تُساهم حاليًا بنسبة 11% من وارداتها من الغاز.[4] وقال دي مايو لتلفزيون راي الإيطالي الحكومي بعد لقاء مع نظيره الجزائري ووزير الطاقة “الزيارة أتت بنتيجة إيجابية”. وأضاف “الجزائر ستدعم إيطاليا في إمدادها بالغاز وستصبح شراكتنا أقوى على المدى القصير والمتوسط والطويل”.[5] تفاصيل الاتفاق: توصَّلت الجزائر وإيطاليا، يوم الاثنين 11 إبريل، إلى اتفاق لزيادة كميات الغاز التي تستوردها روما من الجزائر بهدف التقليص من التبعية للغاز الروسي. وقالت الشركة الجزائرية المملوكة للدولة في بيان إن “سوناطراك” حدَّدت أيضًا مع شركة “إيني” أسعار جديدة لمبيعات الغاز للعامين 2022 و2023. وجرى التوقيع بحضور الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، ورئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، بحسب بيان صدر عن “سوناطراك”. وجاء في البيان أن التعاون يهدف إلى تسريع وتيرة تطوير مشاريع إنتاج الغاز الطبيعي، من خلال تضافر جهود الشركتين، وزيادة حجم الغاز المُصدَّر باستخدام القدرات المتاحة لخط أنبوب الغاز إنريكو ماتيي (ترانسمد) الذي يربط البلدين عبر تونس والبحر المتوسط. وأوضح المصدر ذاته، أن هذه الاتفاقية ستسمح للشركتين “بتحديد مستويات أسعار مبيعات الغاز الطبيعي تماشيًا مع معطيات السوق وذلك للسنة 2022-2023 وفقًا للبنود التعاقدية المُتعلِّقة بمراجعة الأسعار”. وأضاف البيان أن هذه الاتفاقية تأتي لتؤكد التعاون الوثيق بين الشركتين في مجال الاستكشاف وإنتاج المحروقات وكذا في مجال الطاقات الجديدة والمتجددة، مثل الطاقة الشمسية والهيدروجين والوقود الحيوي واحتجاز وتخزين واستخدام ثاني أكسيد الكربون.[6] أهمية الاتفاق: يحمل الاتفاق في طياته أهمية للشريكين المُوقِّعين عليه؛ فبالنسبة للشريك الإيطالي؛ أشار رئيس الوزراء الإيطالي إلى مساعي روما لـ “تعزيز قدراتها في مجال الغاز بعد الأزمة في أوكرانيا”، وكشف عن أن الاتفاق المُوقَّع مع الجزائر “تسعى من خلاله الحكومة الإيطالية لحماية حقوق مواطنيها حتى لا تبقى مُتعلِّقة بالأزمة الأوكرانية”. وعشية زيارته إلى الجزائر رفقة رئيس الوزراء الإيطالي، كشف وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو عن أن بلاده “ستُوقِّع اتفاقية مهمة حول الغاز لمواجهة أزمة محتملة بشأن الغاز الروسي”. وأكَّد على أن الاتفاقية المُوقَّعة مع الجزائر “تجعل من روما أكثر استقلالية عن ابتزازات الطاقة”. وأكَّد على رغبة إيطاليا في تقوية علاقاتها مع الجزائر لاسيما في مجالات الطاقة والطاقات المتجددة، وكذا المساهمة في دعم سوق العمل بالجزائر.[7] ويقول الأمين العام للحزب الديمقراطي الإيطالي، إنريكو ليتا، إن التخلِّي عن الغاز والنفط الروسي يُمثِّل أولوية مُطلقة بالنسبة إلى إيطاليا. وأن “تسريع ذلك يعني تسريع إنهاء الحرب وتعجيل عمليات السلام”. أما بالنسبة للشريك الجزائري؛ فتحاول الجزائر الاستفادة من السياق الحالي للحرب في أوكرانيا، وتريد أن تظهر وكأنها شريك موثوق به لأوروبا على صعيد الطاقة، كما تريد زيادة مداخيلها من الغاز. والجزائر باعتبارها الحليف التاريخي لموسكو، أكَّدت مرارًا أن قدراتها لتصدير كميات إضافية من الغاز إلى أوروبا محدودة للغاية، ولا يمكنها تعويض الغاز الروسي. والراجح أن الجزائر ستلتزم بسياسة متوازنة للحفاظ على علاقاتها مع روسيا وأوروبا في الوقت نفسه. فقد امتنعت عن التصويت أو صوَّتت ضد قرارات اتخذتها الأمم المتحدة لفرض عقوبات على روسيا بعد اندلاع الحرب. لكن الحفاظ على العلاقات مع روسيا لا يعني أن الجزائر ستُضيِّع فرصًا تجارية لجني أرباح من تصدير غازها.[8] وفي تصريح لماريو دراغي، عقب محادثات أجراها مع الرئيس الجزائري، أكَّد أن بلاده ستقوم بمزيد من الاستثمارات في قطاعات الطاقة النظيفة على غرار الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر. ولفت إلى أن الجزائر وروما ستُعزِّزان الشراكة وملفات الاستثمار، خلال القمة الثنائية رفيعة المستوى الرابعة بين البلدين، التي ستُعقد في الجزائر العاصمة في 18 و19 يوليو المقبل. وخلال لقائه بالجالية ورجال الأعمال الإيطاليين في مقر سفارة بلاده في الجزائر، أكَّد دراغي أن روما ستضخ استثمارات ليس في قطاع الطاقة فقط بل أيضًا في مجالات أخرى عديدة، حيث تعتزم بلاده الاستثمار في الجزائر في…

تابع القراءة
العلاقة بين الدولة والمجتمع في مصر في ظل الأزمة الاقتصادية

العلاقة بين الدولة والمجتمع في مصر في ظل الأزمة الاقتصادية

  قراءة في مستقبل النظام وموقف المجتمع وسيناريو الثورة   أوضاع معيشية صعبة يعيشها المواطنون في مصر؛ جراء سياسيات اقتصادية ومالية مأزومة وغير رشيدة؛ مأزومة من جهة الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاديات العالمية كلها خاصة الدول النامية، وغير رشيدة من جهة كونها سياسات غير تنموية، قائمة على الاقتراض وتدشين المشروعات غير الانتاجية، كما أنها لا تعبأ بالمواطن ولا بتداعياتها عليه. بدت الحكومة واعية بالارتدادات السلبية للوضع الاقتصادي على المواطنين، والضغوط المفروضة على الناس، والتي تصير بمرور الوقت غير محتملة أكثر، لذلك جاء الخطاب الإعلامي للسلطة إما يدعو الناس للتقشف، أو يحذرهم من النظر للاحتجاجات كوسيلة للتعبير عن سخطهم، أو يحاول إيهامهم بأن القائمون على السلطة إلى أي مدى مستغرقون في عملية البحث عن حلول للمشكلات المعيشية التي يعيشها المواطنون. وعلى مستوى السياسات اتخذت الحكومة عدة خطوات –تبدو قليلة الجدوى- للتقليل من الانعكاسات السلبية للاقتصاد على الأوضاع المعيشية للناس. السؤال الذي يطرحه التقرير، هل تتجه الأمور صوب الانفجار؟ هل يلجأ الناس للاحتجاج تعبيراً عن سخطهم ويأسهم حيال ما هو قائم وخوفهم مما هو آت؟ من ناحية ثانية: هل يؤثر ذلك على استقرار السلطة للنظام الحاكم أم يهدد سيطرته واستقراره؟ هل ينقلب القائمون على السلطة على بعضهم البعض أم يظل تحالفهم قائماً بل قد يزداد قوة في مواجهة المخاطر التي تتهددهم جميعاً؟ من جهة أخيرة: هل تتأثر علاقة الدولة بالمجتمع بما يجري؟ أم تظل كما هي على وضعها الراهن بدون تغيير؛ حيث تسيطر الدولة ويواصل المجتمع انسحابه من المجال العام مكتفياً بتململه الصامت الحزين؟ بالتالي يدور التقرير حول محورين؛ المحور الأول: أثر الأوضاع المعيشية الصعبة على علاقة المجتمع بالسلطة وموقفه منها ومن القائمون عليها. المحور الثاني: أثر الأوضاع الاقتصادية الضاغطة على النخبة الحاكمة أو على التحالف القائم هل يدعم تحالفهم أم يشعل الخلافات بينهم؟ أولاً: هل يتغير موقف المجتمع من السلطة القائمة: العلاقة بين الدولة والمجتمع يحكمها تعاقد عرفي غير مكتوب بين الجانبين، بموجبه تعترف فئات اجتماعية بحق الدولة في الحكم، مقابل التزامات يقع على عاتق الدولة الوفاء بها في المقابل. على سبيل المثال قام العقد الاجتماعي في الفترة من (1952-1978) على التزام الدولة بتقديم الرعاية الاجتماعية للمواطنين، وحفاظها على الكرامة القومية في سياساتها الخارجية، مقابل احتكار الدولة لصنع القرار السياسي وتحكمها في المجال العام. لكن ينبغي أن نلاحظ؛ أن هذه العقود الاجتماعية بين الدولة والمجتمع لا تقبل بها كل القوى الاجتماعية بالضرورة، بل هناك فئات اجتماعية ترفضها، لكن عادة ما تكون هذه الفئات غير قادرة على تقويض شرعية الدولة أو تهديد بقاء العقد الاجتماعي القائم[1]. كانت احتجاجات 26 يناير 1952، إيذاناً بأن العقد القائم بين الدولة والمجتمع لم يعد موضع رضا من الفئات الاجتماعية الداعمة له؛ خرج الطلاب وأفراد الشرطة صوب مقر الحكومة في شارع القصر العيني، للمطالبة بالمقاطعة الكاملة للإنجليز بعد جريمتهم بحق الشرطة في الإسماعيلية. غصت القاهرة بالمظاهرات، ومع المظاهرات اشتعلت النار في قلب العاصمة، حيث منطقة “وسط البلد” هي مركز المنشآت الاقتصادية الأجنبية، وأماكن ترفيه طبقة النصف بالمائة، في ذلك اليوم بين الساعتين الثانية عشرة والنصف والحادية عشرة مساءً، احترقت 700 منشأة، ما بين محل وسينما وكازينو وفندق ومكتب ونادي في شوارع وميادين الأوبرا والإسماعيلية (التحرير). في توصيف هذه اللحظة يقول المستشار طارق البشري أن الغضب المشتعل أعلن «أن النظام القديم قد انتهى وإن كان النظام الجديد لم يولد بعد»[2]. حتى الحريق نفسه لم يكن من فعل “بروليتاريا رثة” بمصطلح كارل ماركس، أو من فعل “العناصر الرديئة من المجتمع” بمصطلح عبد الرحمن الرافعي[3]، وإنما من فعل مواطنين أعماهم الغضب مما يحدث، وتحرروا من التزامهم تجاه النظام القائم؛ فقد فشلت مفاوضات الجلاء، وألغت حكومة الوفد المعاهدة مع الإنجليز، ودعا النحاس باشا العمال بالمعسكرات البريطانية لمغادرتها، وتصاعدت الأعمال الفدائية بالقنال، ورد الإنجليز باجتياح الاسماعيلية، ورفضت قوة الشرطة ببطولة التسليم، فأباد الجيش الإنجليزي ٦٠ ضابطا وجنديا قاتلوا بأبسط الأسلحة جيش الإمبراطورية[4]. ماذا عن اللحظة الراهنة؟ هل يثور الشارع على احتكار النظام الحاكم للسلطة، ومصادرته لكل المجال العام، وسعيه المحموم لاحتكار الثروة، والذي يظهر في عمليات التأميم التي طالت ممتلكات سيد رجب السويركي صاحب سلسلة محلات التوحيد والنور، وصفوان ثابت مالك شركة جهينة للألبان، وفي عمليات تهجير السكان من قلب العاصمة لبيعها للمستثمرين، وفي التمدد الاقتصادي للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية؟ ومن ثم خروجه على أي عقد اجتماعي كان يمكن أن يكون قائماً، فالدولة التي يؤسسها النظام الحالي هي دولة مفترسة[5] وليست دولة تعاقدية من أي نوع. يرى علماء وباحثو الثورات والانتفاضات أن الفقراء لا يقومون بثورة ولا يدشنونها، ربما يلحقون بها، ولكنهم لا يبدؤونها، وأن الدول الفقيرة نادرا ما تشهد ثورات، وأن الثورات التي حدثت خلال القرون الثلاثة الأخيرة كانت في بلدان متوسطة الدخل وليست فقيرة، وأن الفقراء إنما يتمردون أو ينتفضون نتيجة للاحتقان والغضب المتراكم[6]، وثمة من يرى أن هذه الانفجارات الشعبية لا تتكرر أبدا في نفس الجيل؛ كأن هذه الطاقة الجمعية الرهيبة تتكثف طويلا ثم تنطلق دفعة واحدة مفاجئة، فتعود خامدة قد تحتاج عقودا كاملة للشحن[7]. تتأسس هذه النظرية التي تفترض أن الفقراء لا يثورون على تصور للثورة؛ باعتبارها فعل عقلاني رشيد، فعل يبرز فجأة لكنه يمتد لفترة طويلة، ومن ثم يستند بالضرورة على وجود مجتمع مدني ناشط، وقوى سياسية فاعلة وقادرة على حماية الثورة ومواصلة مسيرة التغيير، وهي الشروط التي تفتقدها بلادنا حالياً. أما عن الأسباب، فبحسب استطلاع للرأي، أجري في مصر، خلال الفترة من 2 إلى 11 نوفمبر 2016، على عينة عشوائية، وتم استلام إجابات ٣٠٤ شخصاً شاركوا في الاستطلاع من مختلف المهن والتيارات والمستويات الفكرية والاجتماعية، وقد جاءت إجاباتهم على النحو الآتي: “٤٠٪ من أفراد العينة برروا ذلك بالمخاوف الأمنية، 20٪ برروا ذلك لافتقاد الغلابة المعرفة والوعي، و١٥٪ أرجعوا سكون الغلابة إلى مناخ الفقر والجوع والمرض الذي يعيشونه، و٢٠٪ عزوا ذلك الخنوع من قبل الغلابة لأسباب سياسية، في حين قال 1% إن الغلابة سوف يثورون، و٣٪ توجهوا بشتائم ضد الغلابة جراء صمتهم”[8]. من الجيد هنا استحضار الطرح الذي قدمه أصف بيات، حول الطريقة التي يعبر بها الفقراء والمهمشون عن مواقفهم وسياساتهم، ويقاومون بها عمليات التهميش والإقصاء الممارس ضدهم، وأول سمات هذه المقاومة، أنها تجري خلال الحياة اليومية وليس من خلال أعمال استثنائية مثل حضور اجتماعات ، أو عرض التماسات، أو ممارسة ضغوط واحتجاجات… الخ، كما أنها مقاومة غير ناطقة، لا تعبر عن أيديولوجيا معينة، ولا تتبع قيادة موحدة، ولا يحكمها تنسيق أو اتفاق بين المنخرطين فيها، فهي ممارسات عفوية تكتسب قوتها وقدرتها على إحداث التغيير من مشاركة أعداد كبيرة من الناس العاديين فيها، فهي نتاج “تجاوزات هادئة لأناس عاديين”[9]، مثل: من يضيفون غرفا إلى بيوتهم دون ترخيص رسمي من الدولة. واحتلال ملايين…

تابع القراءة
الموقف مصر من تشكيل تحالف ضد إيران

الموقف مصر من تشكيل تحالف ضد إيران

    انعقدت قبل الشهر قمة بين السيسي ورئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمدينة شرم الشيخ في 22 مارس 2022، تبعها انعقاد قمة، في 28 مارس، بين وزراء خارجية كل من إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات والبحرين والمغرب ومصر في النقب. وكان الموضوع الأبرز خلال هاتين القمتين؛ تشكيل جبهة موحدة ضد إيران فى ظل اندفاع الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووى الإيرانى، فى محاولة من واشنطن لرفع القيود المفروضة على الغاز والنفط الإيرانى وتصديره بما يعوض النقص فى إمدادات الطاقة لأوروبا على خلفية توقفها عن استيراد الغاز من روسيا، وتقليل حدة ارتفاع أسعار البترول بعد رفض السعودية طلبًا أمريكيًا بزيادة انتاجها النفطى. وتخشى الدول الخليجية وإسرائيل على وجه الخصوص من أن تتسبب هذه الاندفاعة الأمريكية نحو طهران فى اسقاط واشنطن مخاوف هذه الدول من حساباتها فى مفاوضاتها مع طهران، وهى المخاوف التى تتمثل فى استكمال البرنامج النووى (وهو تخوف إسرائيلي بالأساس)، واستمرار التوغل الإيرانى فى المنطقة العربية فى سوريا والعراق ولبنان واليمن (وهو ما يغضب دول الخليج ومصر على وجه التحديد). وقد تزايدت هذه التخوفات بصورة كبيرة على خلفية ظهور تقارير إعلامية تشير إلى وجود توجه أمريكى لإزالة “الحرس الثورى الإيرانى” من قائمة “الإرهاب”. وقد أثارت مشاركة مصر فى قمة النقب تساؤلات عن طبيعة الموقف المصرى الحقيقى من الانضمام لتحالف اقليمى موجه ضد إيران، خاصة فى ظل تأكيد تقارير إعلامية على أنه رغم مشاركة مصر فى اجتماع النقب، إلا أنها ترددت كثيرًا في المشاركة فيه، وكانت آخر دولة توافق على دعوتها إليه. ويمكن توضيح الأسباب التى تقف خلف الموقف المصرى المتردد من تكوين تحالف اقليمى ضد إيران كما يلى: أولًا: الأسباب التى تدفع القاهرة للانضمام إلى تحالف ضد إيران: 1- الأسباب الداخلية: حيث تعانى القاهرة من أوضاع اقتصادية صعبة طالت جميع قطاعات الشعب المصرى ناتجة عن الحرب الحالية بين روسيا وأوكرانيا، ومن قبلها جائحة كورونا، ما تسبب فى فرض مزيد من الأعباء على الاقتصاد المصرى الذى يعانى بالأساس قبل هذه الأزمات. ولعل أخطر نتائج تلك الأزمات أنها أثرت بالسلب على غذاء المصريين سواء من حيث ارتفاع أسعار القمح أو توفره بالكميات المطلوبة من الأساس، ما يجعل النظام المصرى يشعر بحالة قلق شديد من إمكانية أن يتسبب هذا الوضع فى انفجار الاحتجاجات والاضطرابات ضده. ومن هنا فإن دول الخليج وإسرائيل والولايات المتحدة تعمل على ربط المساعدات الاقتصادية للنظام المصرى بالانضمام لتحالفهم ضد طهران. وكان من الملاحظ أنه بالتزامن مع انعقاد هاتين القمتين عودة الاستثمارات والمساعدات والودائع الخليجية مرة أخرى إلى مصر بعد توقفها لفترة. كذلك فقد وافق صندوق النقد الدولى على منح مصر قرض أخر، ويجادل العديد من المراقبين بأن لأمريكا وإسرائيل الدور الأكبر فى التأثير على قرار الصندوق بالموافقة على هذا القرض. سبب أخر، وإن لم يكن له تأثير كبير على توجهات النظام المصرى الخارجية، ولكنه يمكن أن يكون عامل مساعد فى حالة توجه النظام للانضمام لهذا التحالف، وهو وجود حالة من العداء والشعور بالكراهية تجاه إيران من قبل بعض حلفاء النظام مثل السلفيين والقوميين واليساريين. حيث يرى السلفيون أن إيران دولة شيعية بالأساس تهدف إلى نشر المذهب الشيعى على حساب المذهب السنى، ويروا أن عودة العلاقات مع طهران قد تسمح للإيرانيين ومشايخهم بدخول مصر ونشر التشيع بين المصريين. فيما يرى القوميين واليساريين أن إيران تمثل القومية الفارسية ذات العداء التاريخى والحديث مع القومية العربية. ولعل ردود الأفعال على زيارة الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد إلى القاهرة فى عام 2013 وتحفظ حزب النور السلفى عليها، ومحاولات الأعتداء عليه فى مسجد الحسين لهو خير دليل على وجود حالة من الرفض الشعبى لعودة العلاقات مع إيران. وعليه فإن النظام المصرى قد يستند إلى حالة الرفض تلك فى الترويج لوجود موافقة شعبية للانضمام للتحالف ضد إيران. 2- الأسباب الاقليمية: فكما ذكرنا فى الأسباب الداخلية، فإن دول الخليج وإسرائيل قد ترهن تقديم المساعدات الاقتصادية لمصر بانضمام القاهرة للتحالف ضد طهران. كما قد تشترط الإمارات والسعودية وإسرائيل  قيامهما بالضغط على إثيوبيا في قضية سد النهضة؛ من أجل التجاوب مع المقترحات المصرية بشأن هذه القضية، بمدى تجاوب القاهرة بالانضمام لهذا التحالف. من جانب أخر، فإن الدول العربية المجتمعة مع إسرائيل تصنف بأنها “دول محافظة”، أى تهدف إلى بقاء الأوضاع القائمة كما هي، وترفض أى نوع من التغيير خاصة الثورى، وتتحالف فيما بينها من أجل القضاء على أى قوى تطالب بالتغيير وعلى رأسها جماعات الإسلام السياسى (وفى القلب منها جماعة الإخوان المسلمين). وترى هذه الدول أن إيران أصبحت حاليًا هى الدولة الوحيدة التى تدعم قوى التغيير والمقاومة بكافة أشكال الدعم خاصة العسكرى، وذلك بعدما تم تحجيم الدور التركى الداعم لقوى الثورة والتغيير. وفى الإطار الكلى، فمن الملاحظ أن هذه الدول تتخذ موقفًا مشابهًا فى الأزمة الأوكرانية الحالية، حيث تقف على الحياد بين روسيا من جانب وأوكرانيا وأمريكا والدول الأوروبية من جانب أخر، فيما يبدو محاولة من هذه الدول لتأسيس موقف موحد أشبه بتجربة “حركة عدم الانحياز”  التى كانت نتيجة مباشرة للحرب الباردة بين المعسكرين (الغربي بقياده الولايات المتحدة الامريكية والتي تضم حلف الناتو) و(المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي الذي يضم حلف وارسو). وتخشى هذه الدول من أن تعرضها مواقفها تلك إلى ضغوط أمريكية كبيرة، ما يدفعهم إلى التنسيق فيما بينهم لمواجهة هذه الضغوطات. كذلك، تدرك هذه الدول أن النظام الدولى الذى تهيمن عليه حليفتهم (الولايات المتحدة) قد تغير بصورة كبيرة، ما يجعل من الحتمى تنسيق الجهود للتعامل مع هذه التغيرات. وفى هذا السياق، تصاعد الحديث عن تشكيل “الشرق الأوسط الجديد” الذى ارتبط فى التاريخ المعاصر بالمبادرات الأمريكية تجاه المنطقة، وكذلك شيمون بيريز رئيس إسرائيل ورئيس وزرائها وواحد من أعلامها التاريخيين والذى جعل السلام العربى – الإسرائيلى حجر الزاوية فى نظام إقليمى جديد يقوم على التعاون الذى أصاب أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وأدى من خلال الاقتصاد والتكنولوجيا إلى الاتحاد الأوروبي. 3- الأسباب الدولية: فربما تضغط الولايات المتحدة على القاهرة للانضمام إلى هذا التحالف؛ وذلك فى ظل رغبة واشنطن بتقليل التزاماتها الأمنية والعسكرية فى الدفاع عن حلفائها بالمنطقة من أجل التفرغ لمواجهة كلًا من روسيا والصين. وفى ظل إدراك الولايات المتحدة أن انسحابها من المنطقة قد يخلف فراغًا تملًاه قوى معادية مثل روسيا وإيران، وفى ظل إدراكها بأن هذا الفراغ لن تستطيع أن تملأه دولة من الدول الحليفة لها بصورة منفردة، فإنها تدفع إلى إنشاء نوع من التحالف الأمنى بين الدول الحليفة معها. وترى واشنطن أن هذا التحالف لن يكون فعالًا بدون انضمام القاهرة إليه لما تمتلكه من قوة عسكرية كبيرة، وأنه باتباع سياسة العصا والجزرة مع مصر فإنها ستنضم لهذا التحالف. وفى هذا السياق، يمكن تفهم قيام…

تابع القراءة
انتخابات الصومال: اتفاق جديد وتعثُّر جديد

انتخابات الصومال: اتفاق جديد وتعثُّر جديد

  يتلخَّص الوضع الحالي في الصومال في وجود رئيس منتهية ولايته حصل على تمديد بالبرلمان، وتم التراجع عنه، ومجلس وزراء قائم بالأعمال، وهذا وضع سيستمر حتى مجيء رئيس جديد، مع ضغوط دولية لإنهاء هذا الفراغ الدستوري، حيث أن شكل البرلمان الجديد هو الذي يحدد بدرجة حاسمة من هو الرئيس القادم المقرر انتخابه. فالصومال ليس لديها حاليًا سلطة وطنية شرعية، بعدما انتهت صلاحيات المؤسسات الفيدرالية في فبراير 2021 والتي لا يُمكن تمديدها دستوريًا. فما هي التحديات التي تواجه الدولة الصومالية؟ وما هي التطورات الجديدة التي تشهدها العملية الانتخابية؟ وكيف يُمكن قراءة الوضع الحالي في الصومال في ضوء تفاعلات القرن الإفريقي؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عنها.. البرلمان الصومالي: يتكون البرلمان الصومالي من غرفتين: الأولى (مجلس الشعب) تتضمن التشريع والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وهي الغرفة السفلى وتكون وهي الأكبر عدداً من حيث الأعضاء، ويُمثِّل العشائر الصومالية ويتكون من 275 عضو، وانطلقت الانتخابات الخاصة به في الأول من نوفمبر الماضي وتستمر حتى الآن. أما الغرفة الأخرى فهي الغرفة العليا وتُسمى الهيئة العليا للبرلمان (مجلس الشيوخ)، والذي يُمثِّل الولايات ويتألف من 54 عضو، وتم استكمال انتخاب أعضائه في 13 نوفمبر الماضي. وتأخر إجراء العملية الانتخابية أكثر من عام على خلفية التوتر في رأس الدولة بين الرئيس محمد عبد الله محمد المعروف بفرماجو ورئيس وزرائه محمد حسين روبل. وانتهت ولاية فرماجو الذي تولى الرئاسة منذ عام 2017، في 8 فبراير 2021 بدون التوصُّل إلى اتفاق مع القادة الإقليميين حول الانتخابات التي تجري في الصومال وفقاً لنظام مُعقَّد وغير مباشر.[1] ووفق لوائح العملية الانتخابية بالصومال، ينتخب مجلسا البرلمان الفيدرالي (الشعب والشيوخ) رئيس الجمهورية وذلك في جلسة عامة مشتركة. التحديات التي تواجه انتخابات الصومال: يتمثَّل التحدي الأول أمام سير العملية الانتخابية في الصومال في التحدي الأمني؛ حيث تعهَّدت جماعة الشباب المرتبطة بالقاعدة في الصومال بتعطيل العملية الانتخابية. وأسفر القتال بين القوات الإقليمية المدعومة من الجيش الفيدرالي والميليشيات الصوفية المعتدلة المتحالفة فيما مضى في إقليم جلجدود بوسط الصومال عن مقتل أكثر من 100 شخص، وأصابت الاشتباكات 200 آخرين. ونتيجة لذلك، فرَّ أكثر من 100 ألف شخص إلى القرى المجاورة.[2] أما التحدي الثاني؛ فيتمثَّل في العشوائية في إجراء الانتخابات وتجزئة المقاعد المُتنافس عليها دون اتباع جدول زمني واضح ومُتفق عليه من جميع الولايات الإقليمية، والتي أثارت تساؤلاً في الأوساط المحلية والدولية المعنية بالانتخابات، وذلك بغرض التعرف على العوامل التي تفرض مثل هذا الواقع الانتخابي، والنتائج الذي قد يسفر عنه. وبناءً على ذلك، كثرت الشكوك والمخاوف حول رغبة المُتحكمين في سير العملية الانتخابية على المستويين الفيدرالي والإقليمي، في تحقيق مصالحهما السياسية الخاصة عبر هذا الواقع الانتخابي العشوائي. فمن ناحية؛ هناك من يرى بأن العشوائية بحد ذاتها هدف لبعض رؤساء الولايات الإقليمية الذين رأوا في الانتخابات موسم لجمع الأموال والتبرعات من الدول المانحة، ومن المرشحين، أو لتحقيق مكاسب سياسية، ولكي يحصل هؤلاء على الكثير من الأموال قاموا بتجزئة الانتخابات وعشوائيتها، ووضع الشروط على المرشحين فمن أوفى بالشروط التي تخدم مصالحهم، تم تقديمه، ومن لم يستوف تم استبعاده، كما حدث في معظم انتخابات أعضاء مجلس الشيوخ المُشكَّل قريبًا. ومن ناحية أخرى؛ هناك من يرى أن العشوائية والتجزئة في الانتخابات البرلمانية، تهدف إلى تحقيق تمديد غير مباشر للمؤسسات المنتهية ولايتها، وذلك بعدما فشلت أحلام الرئاسة في تمرير هذا القرار عبر مجلس الشعب بالبرلمان الفيدرالي العاشر في إبريل الماضي، وشهد الجميع النتائج الكارثية لهذه المحاولة، مما دعا الأطراف إلى التوقيع على اتفاقية ٢٧ مايو بشأن الانتخابات، وعليه؛ فإنها تسعى إلى أن تُحقِّق التمديد بشكل غير مباشر، دون إحداث ضجة في الأوساط السياسية، وذلك بواسطة إجراءات انتخابية تتخذ بشكل بطيء، يتحقق من ورائها هدف التمديد الإداري غير المباشر.[3] اتفاق جديد لاستكمال الانتخابات: في مطلع العام الجاري توصَّل قادة ورؤساء الولايات بالصومال إلى اتفاق جديد، ينص على استكمال الانتخابات التشريعية في البلاد خلال 40 يوم، وسط مخاوف من عوائق وتحديات أمنية وسياسية واقتصادية قد تتسبَّب في فشل الاتفاق وإنهاء الفراغ الدستوري. جاء ذلك في ختام مؤتمر تشاوري استمر لمدة أسبوع في العاصمة مقديشو، بحضور جميع رؤساء الولايات الإقليمية الـ5 وعمدة مقديشو، فيما كان يرأسه رئيس الوزراء محمد حسين روبلي. وتطرَّق المجتمعون خلال المؤتمر إلى عدة ملفات، منها سُبل إكمال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتحديد سقف معين للانتخابات، إلى جانب الملف الأمني خلال المرحلة الانتقالية التي يمر بها الصومال. وتضمَّنت بنود الاتفاق الانتهاء من انتخابات البرلمان باستكمال انتخابات الغرفة الأولى منه (مجلس الشعب) خلال 40 يوم بدايةً من 15 يناير إلى 25 فبراير الماضي. وشدَّد على أهمية إعطاء فرص متساوية لجميع المرشحين في الانتخابات البرلمانية، وعدم الانحياز لمرشح على حساب مرشح آخر. كما دعا المؤتمر التشاوري اللجان الانتخابية للحفاظ على حصة المرأة بنسبة 30% في انتخابات مجلس الشعب، مُطالبًا لجان الانتخابات بحماية الاتفاقيات حول الانتخابات التي توضح مسار العملية الانتخابية في البلاد. وأشار إلى أنه يجب على الولايات الفيدرالية السماح للمراقبين المستقلين والإعلام وشيوخ القبائل، بالإشراف على الانتخابات من أجل تحقيق نزاهتها. كما دعا المؤتمر التشاوري الجيش إلى عدم الانخراط بالعملية السياسية في البلاد وأداء واجباته المتمثلة بحماية أمنها. وحث البيان الختامي للمؤتمر بعثة الاتحاد الإفريقي لدى الصومال (أميصوم)، على تعزيز أمن القصر الرئاسي الذي يضم مقرات ومكاتب حكومية، بما فيها مكتب رئيس الحكومة. ويأتي المؤتمر بعد أزمة سياسية بين رئيس الحكومة ورئيس البلاد، محمد عبد الله فرماجو، تطورت إلى تبادل اتهامات بين الجانبين بفشل مسؤولية إجراء الانتخابات في البلاد. واتخذت الأزمة مسارًا تصاعديًا بعد إعلان فرماجو عن توقيف عمل رئيس الحكومة وتقليص صلاحياته، ليرد الأخير بأن خطوة الأول “محاولة للانقلاب على الشرعية”.[4] انفراجة تواجه 3 تحديات: وقد اعتبر المهتمون بالشأن الصومالي أن الاتفاق خطوة مهمة وانفراجة كبيرة نحو استقرار جزئي للصومال، خاصةً بعد الاضطرابات التي شهدتها الفترة الماضية بين روبلي وفرماجو، وقد يكتب له النجاح في حال توافر الدعم الدولي. حيث بدون دعم دولي كبير، هناك تحديات سياسية واقتصادية وأمنية تعرقل إتمام أطول انتخابات يشهدها العالم، وهي الانتخابات الصومالية. فالتحديات الاقتصادية تتمثَّل في الشركاء الدوليين الذين لم يعطوا الحكومة الصومالية حصتهم في تمويل الانتخابات، رغم طلب الحكومة مبلغًا إضافيًا على الميزانية الكلية المُقترحة بـ27.2 مليون دولار. والشركاء الدوليين كانت حصتهم حوالى 7 ملايين دولار، ولم يدفعوا إلا 3.7 مليون دولار، مطالبين بشفافية ونزاهة وإنجاز الانتخابات في مواعيدها، وهو ما لم يحدث حيث تغيرت الجداول الانتخابية أكثر من مرة. أما بالنسبة للتحديات الأمنية؛ فإن خطر حركة الشباب الإرهابية يتنامى في كافة البلاد حتى بالعاصمة مقديشو، كما أنها وجَّهت تحذيرًا للمواطنين بعدم المشاركة، وأن الانتخابات لا تُمثِّل الصوماليين، فباتت هناك حالة خوف من أي عمليات إرهابية قد تعرقل سير الانتخابات. أما عن الجانب السياسي؛ فإن انتخابات…

تابع القراءة
إفريقيا! ماذا بعد فوز ماكرون بالانتخابات؟

إفريقيا والانتخابات الفرنسية

  تأهل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ليواجه ماري لوبان في الجولة الثانية يوم 24 أبريل الجاري لتحديد من سيفوز برئاسة قصر الإليزيه، وسط تباين كبير في رؤية كلٍّ منهما للسياسة الخارجية خاصةً ما يتعلق بإفريقيا والقضايا المرتبطة بها. فما هي مواقف كلا المرشحين من إفريقيا؟ وكيف يُمكن قراءة أهمية نتائج الانتخابات لإفريقيا؟ وكيف يُمكن أن يؤثر الأفارقة في تلك النتائج؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير.. نتائج الدورة الأولى من الانتخابات: حصل إيمانويل ماكرون في الدورة الأولى للانتخابات على 27.8%، بينما حصلت مارين لوبان على 23.1%. ليصبح اليمين المتطرف أقرب أكثر من أي وقت مضى من الحكم في فرنسا. فالدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي أجريت الأحد 10 أبريل، حملت مُجددًا، على غرار استحقاق 2017، مارين لوبان وإيمانويل ماكرون إلى المرحلة المقبلة والحاسمة في المعركة الانتخابية. وأظهرت نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية أن اليمين المتطرف في فرنسا في أزهى أيامه، وبلغ التأييد لأفكاره مستوى غير مسبوق في مساره السياسي. ورغم أن أصوات أنصاره توزَّعت بين أكثر من مرشح، إلا أن مارين لوبان مُمثلة التجمع الوطني في الاستحقاق حصدت أكبر عدد من هذه الأصوات. وتبرز نتائج الدورة الأولى أن أكثر من ربع الناخبين صوتوا لليمين المتطرف، باحتساب نسبة الأصوات التي حصل عليها مرشح حزب الاسترداد إيريك زمور (7.1٪) ونيكولا ديبون إينيان مرشح انهضي فرنسا (2.1٪)، وكلاهما دعوا للتصويت لصالح مارين لوبان في الدورة المقبلة.[1] أهمية نتائج الانتخابات الفرنسية لإفريقيا: تُعد نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية مهمة لإفريقيا لما لها من آثار عليها. فبغض النظر عن الفائز؛ عند انتخابه سيتعين عليه مواجهة إفريقيا التي باتت سريعة التغير حيث تعمل الجغرافيا السياسية على تشكيل القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في القارة من جديد. حيث تتزايد المنافسة العالمية على الشراكات الصديقة لإفريقيا، فقد باتت إفريقيا وجهة للصراع على النفوذ بين العديد من القوى الدولية والإقليمية مثل: الصين وروسيا وتركيا وإيران ودول الخليج وغيرها من الدول. على هذا النحو، سيتعين على فرنسا إعادة تعريف وتطبيق سياسة خارجية إفريقية أكثر واقعية ومربحة للجانبين، سواء أكان رئيسًا يمينيًا أم لا. بشكلٍ عام، فإن تصور العلاقة بين فرنسا وإفريقيا محفوف بالريبة وعدم الرضا. فمن سجل استعماري مُختلط إلى سجل مشكوك فيه في العصر الحديث، عملت فرنسا كقوة مهيمنة في إفريقيا، لاسيما في مستعمراتها السابقة الناطقة بالفرنسية. وسيواجه الفائز في هذه الانتخابات إرث من القضايا الهائلة في إفريقيا؛ أولًا في الداخل؛ حيث تواجه فرنسا اضطرابات اجتماعية مع السترات الصفراء من جهة (حركة السترات الصفراء التي ظهرت عام 2018 بعد انتخاب ماكرون رئيسًا في عام 2017، حيث أثارت زيادة الأسعار والإصلاحات العاصفة التي أجراها ماكرون على معاشات التقاعد وضريبة الثروة غضب المواطنين)، وملف المهاجرين من جهة أخرى؛ حيث ألقى المرشحان اليمينيان المتطرفان لوبان وزيمور باستمرار خطابات معادية للمهاجرين ومعادية للمسلمين خلال حملتهما، مما خلق جوًا اجتماعيًا سامًا ومستقطبًا من كراهية الأجانب في فرنسا. ثانيًا في الخارج؛ حيث يجب أن تستعد السياسة الخارجية الفرنسية للمنافسة غير المستقرة من القوى العالمية، فسيظل التنافس مع الصين وروسيا في إفريقيا من السمات المهيمنة على المشهد الجيوسياسي الجديد في إفريقيا. وقد خلقت هذه المنافسة عداوة مريرة بين ماكرون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا. ويجب أن يتعامل الرئيس الفرنسي الجديد بشكلٍ عاجل مع الأزمات الدبلوماسية العالقة في بوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا وموزمبيق، حيث توجد روسيا، وخاصةً في مالي، حيث أضر توبيخ مالي لفرنسا بعلاقتهم. لذلك، عند انتخابه، سيتعين على ماكرون أو لوبان إعادة هندسة علاقة فرنسا بإفريقيا بسرعة.[2] ماكرون وإفريقيا: مع فوز ماكرون برئاسة فرنسا في انتخابات 2017، سعى للتقارب مع العديد من الدول الإفريقية والاعتراف بانتهاكات باريس خلال فترة الاستعمار، فسبق أن اعترف ماكرون، عام 2021 بمسؤوليات فرنسا في حملة إبادة التوتسي عام 1994 في رواندا من قِبل متطرفي الهوتو، والتي قُتل فيها حوالي مليون فرد. وفي فبراير الماضي دعا ماكرون بصفته رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، الدول الأعضاء إلى دعم القارة الإفريقية، مُشيرًا إلى أن الأوروبيين والأفارقة يواجهون العديد من التحديات. وأوضح ماكرون، خلال فعاليات الدورة السادسة لقمة المشاركة بين الاتحادين الإفريقي والأوروبي، أن الجانبين تمكنا من بلورة محور مشترك أوربي إفريقي دون الوقوع في فخ الأنانية الوطنية. وحذَّر ماكرون من أن أوروبا أول المتأثرين سلبًا بفشل إفريقيا إن لم تنجح في مواجهة التحديات الراهنة، ومن ثمَّ فإن أوروبا تحاول إرساء تحالف جديد لمساعدة إفريقيا على النجاح. وفي يناير الماضي دعا ماكرون أيضًا إلى توثيق علاقة أوروبا بإفريقيا واصفًا إياها بالقارة الصديقة واقترح إبرام اتفاق اقتصادي جديد بين القارتين، مُشيرًا إلى أن فرنسا اقترحت على صندوق النقد الدولي تقديم المساعدات لدول القارة. أيضًا حمل ماكرون العديد من وجهات النظر المُتقاربة مع بعض دول القارة السمراء مثل الملف الليبي حيث يرفض بقاء القوات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا، وقد رعت باريس عدة لقاءات في هذا الشأن.[3] إلا أنه رغم ذلك؛ فقد حدثت خلال حكم ماكرون مجموعة من التطورات التي عكست مواقف إفريقية سلبية من بروز فرنسا كفاعل رئيسي في الفارة؛ ومنها التطورات التي جرت في مالي وبوركينا فاسو والعديد من الدول الأخرى تشير إلى رغبة الأفارقة في التخلص من الهيمنة الفرنسية هناك. ومن الشواهد على تراجع النفوذ الفرنسي، إعلان التلفزيون الوطني في مالي قرار المجلس العسكري طرد السفير الفرنسي في باماكو جويل ميير وأمهله 72 ساعة للمغادرة. وفي وقتٍ سابق قال وزير خارجية مالي عبد الله ديوب إن التوتر بين باريس وباماكو يعود إلى أن المجلس العسكري المالي عمد إلى “المساس” بمصالح فرنسا عبر استبعاد إجراء الانتخابات. ودان ديوب انتقادات فرنسا للمجلس العسكري، بالقول: “كل ذلك لأننا مسسنا بمصالحهم”. وفي بوركينا فاسو، أعلنت الحركة المنفذة للانقلاب في بوركينا فاسو تعيين قائد الانقلاب، هنري دامبيا رئيسًا للبلاد وقائد أعلى للقوات المسلحة. وهكذا يتراجع النفوذ الفرنسي بصورة كبيرة في منطقة الساحل الإفريقي لاعتبارات عديدة. حيث هناك تغيُّرًا جذريًا على كل المستويات الفكرية والسياسية والاقتصادية. فالمنطقة التي كانت منذ القدم منطقة مواجهة مع الوجود الفرنسي، تجتاحها الآن مطالب في العديد من دولها تتمثَّل في وجود عملة إفريقية مستقلة عن فرنسا وسيادة وإخراج الجيوش الفرنسية، خاصةً أن الجيل الجديد يطالب بضرورة الخروج من تحت الهيمنة الفرنسية. وما حدث في مالي وبوركينا فاسو يُمثِّل بعض أوجه التمرد في وجه فرنسا، في حين أن العديد من الأفارقة يتحدثون في الوقت الراهن عن توحيد الصفوف في وجه فرنسا.[4] لوبان وإفريقيا: في المقابل تحمل لوبان نظرة عدائية تجاه العديد من الملفات التي تخص الدول الإفريقية، من بينها مكافحة الإرهاب والهجرة، حيث تعتبر أن القوانين الحالية يجب أن تصبح أكثر تشدُّدًا تجاه المهاجرين لحماية الهوية الفرنسية. وبحسب تقرير…

تابع القراءة
أحداث المسجد الأقصى وحالة التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين: قراءة في الدوافع وردود الأفعال (1)

تصاعد العمليات الفدائية فى الضفة الغربية: الدلالات والتداعيات والسيناريوهات

    شهد شهر مارس 2022 رقماً قياسياً في عدد العمليات الفدائية “الذئاب المنفردة” التي نفّذها عناصر المقاومة الفلسطينية، وبلغ عددها 10 عمليات، أسفرت عن مقتل 11 مستوطناً وجندياً إسرائيلياً وإصابة العشرات، وشهدت ساحتا الضفة الغربية والداخل الفلسطيني المحتلتين، تنفيذ أبرز تلك العمليات، التي تنوّعت ما بين عمليات إطلاق نار وطعن ودهس[1]. ولم يختلف الوضع كثيرًا خلال شهر إبريل الجاري، حيث استمرت العمليات الفدائية على نفس الوتيرة المتصاعدة، ولعل أبرز تلك العمليات عملية «ديزنجوف» بتل أبيب، الذي قام بها ابن مخيم جنين رعد فتحي حازم، في 7 إبريل 2022، وقد أسفرت تلك العملية عن مقتل إسرائيليين وإصابة تسعة أخرون. وسبق هذا الهجوم، 3 عمليات، آخرها كان بتاريخ 29 مارس الماضي، في مدينة بني براك، وأدى إلى مقتل 5 أشخاص، وقبلها أطلق فلسطينيان النار بمدينة الخضيرة (شمال) وقتلا شخصين؛ وسبقها هجوم شنه فلسطيني في مدينة بئر السبع وأدى إلى مقتل 4 إسرائيليين[2]. ومن المتوقع وقوع المزيد من العمليات خلال شهر إبريل الحالي الذي يتزامن مع شهر رمضان المبارك، والذي يشهد كثافة توجه المسلمين للعبادة في ساحة المسجد الأقصى، وما يصاحبها من طقوس وعبادات تؤدّي إلى مزيد من الاحتكاك والحماسة والدافعية لمواجهة العدو. وما يزيد عوامل التفجير تزامن أعياد يهودية مع الشهر الفضيل، واعتزام المستوطنين تنفيذ عمليات اقتحام للمسجد الأقصى[3]. وعليه تسعى هذه الورقة إلى التطرق إلى دلالات تصاعد العمليات الفدائية، ومدى تأثيرها على الاحتلال الإسرائيلي، وطرق ووسائل الاحتلال للتعامل مع تلك العمليات الفدائية. أولًا: دلالات تصاعد العمليات الفدائية: قبل البحث عن دلالات تصاعد العمليات الفدائية فى الضفة الغربية مؤخرًا، يجب التأكيد هنا على أن العمليات الفدائية فى حد ذاتها تمثل أهمية كبرى فى مسار النضال الفلسطيني، وذلك لما تتمتع به تلك العمليات من خصائص ومزايا عدة؛ فهي لا تحتاج الكثير من الإمكانات ولا تحتاج بنية تنظيمية يمكن التغول عليها إسرائيلياً[4]، ولذلك رأينا أن الهجمات الأخيرة تنوعت بمختلف الأشكال، فأخذت شكل إطلاق النار حيناً، والطعن بالسكين حيناً آخر، والدعس بالسيارة حيناً ثالثاً. فهذه العمليات يقدر عليها جميع الشبان الفلسطينيين، ولا تقتصر فقط على ذوي الانتماء الحزبي والتأطير التنظيمي والعاملين في كتائب المقاومة الذين تسعفهم وتمكنهم حدود قدراتهم وإمكانياتهم على تخطيطها وتنفيذها، بل يجري الأمر على أي فلسطيني يريد التصدي للاحتلال، فيندفع حائزاً السلاح بداية، لينقض على أي هدف إسرائيلي، بأقل قدر من التعقيدات الإجرائية والتنظيمية التي تفرض نفسها في سلك العمل المقاوم المنظم. كما أن هذا اللون من العمل المقاوم لا غنى للمقاومة عنه، رغم بساطته، وقلة التعقيدات الكامنة فيه، لأنه يكرس أحد أشكال العمل المقاوم التقليدية، وفي ذات الوقت يحقق مستوى واسع من الانفتاح الشعبي على الانخراط في المقاومة عبر تبني هذا الأسلوب الذي يقترب من إمكانات وقدرات الجماهير[5]. كذلك فإن هذا النوع من المقاومة يتميز بأنها مقاومة ليست موسمية أو ترتبط بأحداث بعينها، بل هي عملية مستمرة باستمرار الاحتلال. ونظرًا لتلك الخصائص التي تتميز بها تلك العمليات الفدائية الفردية، فإن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الصهيونية تتحمل ضررًا كبيرًا في استراتيجيتها المعهودة بالملاحقة والردع[6]. كما أن تلك العمليات تتجاوز أيضاً السلطة الفلسطينية وقواها الأمنية المسخرة لمنع المقاومة الفلسطينية المُنظمة[7]. وذلك لصعوبة التنبؤ بزمان تلك العمليات ومكانها وشخوصها، وكذلك سُبل الرد عليها. ومن هنا، يرى محللون صعوبة قيام عمل عسكري إسرائيلي واسع، ردًا على هذه الهجمات؛ نظرًا لعدم وجود ارتباط واضح بين المنفذين والفصائل الفلسطينية.[8] وبالعودة لدلالات تصاعد العمليات الفدائية فى الضفة الغربية، يمكن الإشارة إلى أبرزها كما يلي: 1- تشهد الضفة الغربية تحولات اجتماعية باعثة على تمدد السلسلة الكفاحية، وقد كرست “معركة سيف القدس” 2021 هذه التحولات وصولاً للمشاهد التي تتصدّرها منطقة جنين الآن، ولاسيما مخيمها. فقد شهدت ساحة الضفّة الغربية عددًا من الأعمال النوعية سواء بدافع ذاتي خالص أم بدافع مشوب بالانتماء التنظيمي، لكن يمكن وسم ما يجري، بسمتين أساسيتين: أولاً، كثافة العمل النوعي في وقت قياسي، فقد سقط في مارس (2022) 11 قتيلاً إسرائيليّا وأصيب 27 آخرون، في عشر عمليات متتابعة، واحدة منهما عملية طعن ودعس مزدوجة، واثنتان منها نفذهما فلسطينيون من الداخل المحتل عام 1948، وأربع منها وقعت في القدس، واثنتان في بلدة حزما في ضواحي القدس، وواحدة في بلدة السيلة الحارثية بجنين، وأبرزها وقعت في قلب “تل أبيب” وانطلقت من بلدة يعبد بالضفة الغربية، وذلك من بين 190 عملاً (لا تشمل رشق الحجارة)، سجّلها جهاز الشاباك الإسرائيلي. في حين شهد إبريل الجاري تنفيذ عملية في قلب “تل أبيب” وانطلق منفّذها من مخيم جنين، وأودت بثلاثة إسرائيليين، وإصابة 12 آخرين. وبالمقارنة تتضح الكثافة، فالعام المركزي، في الدفع نحو الوصول إلى هذه الدورة، أي العام 2021، قُتل فيه إسرائيليان فقط، من بين أكثر من 6000 عمل مقاوم (تشمل الرشق بالحجارة)، وذلك بحسب إحصائية للجيش الإسرائيلي. السمة الثانية المركزية لما يجري، بعد سمة الكثافة، هي تطوّر نمط من العمل المنظّم، المنتسب للتنظيمات الفلسطينية، في جنين بالدرجة الأولى، ثم في نابلس، وذلك بعدما تمكّن الاحتلال من تفكيك خلايا عسكرية لتنظيمات المقاومة في عموم الضفة، في السنة المنصرمة، وعلى طول السنوات الأخيرة. هذا العمل المنظّم، انتقل بالمشهد إلى الأمام، بتكثيف عمليات إطلاق النار، والأهم بالتصدّي المسلح لاقتحامات الاحتلال لعدد من المناطق (مخيم جنين، وبعض البلدات في محيط جنين، ومدينة نابلس)، وتميّز هذا التطوّر التنظيمي بنوع من الوحدة الميدانية المتجاوزة فعليّا للانتماءات التنظيمية الضيقة، وهو الأمر الذي تشهد به الأوساط الإسرائيلية الاستخباراتية والإعلامية، وهو ما يبدو أنه قد أفاد في توسيع دائرة العمل على النحو الذي يبطّئ من قدرة الاحتلال على تفكيكها[9]. 2- تطور قدرات المقاومة، فوقوع العمليات الفدائية بشكل متزامن ومتتابع يوحى بأنها تتحول من شكلها الفردي إلى شكل جماعي مُخطط، كما أنها كشفت عن فشل الاحتلال فى كشف ووقف هذه العمليات. فعلى الرغم من أنه مع هجوم بئر السبع لم يعُد عنصر المفاجأة عاملاً محورياً، لأن العدو بات يتحسّب لإمكانية وقوع عمليات جديدة في الداخل المحتل، وبالتالي، بات المشهد أمام المقاومين أكثر تعقيداً. ولكن، على الرغم من ذلك، نجح هؤلاء في تنفيذ ثلاث عمليات نوعية أخرى، آخرها كانت في تل أبيب. وهو ما يكشف عن قدرة المقاومة على اختراق الإجراءات الأمنية المستجدّة والمكثّفة (عقب عملية بئر السبع). تأمين نقل المنفّذين وأسلحتهم من الضفة الغربية إلى المدن الرئيسية في الكيان (هذا التطوّر برز في عمليتَي بني براك وتل أبيب)، وهو الأخطر بالنسبة إلى العدو. التنويع في نقاط العمليات جغرافياً، حيث يُضعف ذلك تركيز الجهود الأمنية للعدو. وأخيرًا، اختيار المنفّذين بعناية، وبمميّزات خاصّة، وبانتماءات غير واضحة وبارزة، وبخبرة واحترافية واضحة (تجلّت في الهجومَين الأخيرَين، من خلال دقّة الإصابة عند إطلاق النار)[10]. 3- أن هذه الهجمات التي ينفذها فلسطينيون لا ينتمون لأي فصيل سيأسى، سواء في السلطة أو المقاومة، تعبر عن حالة إحباط عام…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022