في إطار سعيها لحل الأزمة الداخلية: هل تسعى السودان لإعادة التموضع إقليميًا؟

في إطار سعيها لحل الأزمة الداخلية: هل تسعى السودان لإعادة التموضع إقليميًا؟

  في وقتٍ تتصاعد فيه الدعوات إلى الحشد لتظاهرات مفصلية في السودان، تعيش القيادة العسكرية والسياسية هناك مأزق إعادة تموضع البلاد إقليميًا. والذي بدأت العمل على مواجهته بنشاط ديبلوماسي مُكثَّف في مارس، شمل الإمارات والسعودية ومصر في محيطها العربي، وتشاد وأوغندا وجنوب السودان في محيطها الإفريقي. وفي هذا التقرير نسعى لتحليل أهمية الزيارات العربية لعبد الفتاح البرهان في محاولاته لإعادة التموضع الإقليمي. فكيف يُمكن قراءة مبررات تلك الزيارات؟ وماذا كانت مُخرجاتها؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال التقرير.. دوافع زيارات البرهان: يشهد السودان احتجاجات مستمرة منذ 5 أشهر تقودها لجان مقاومة الاحتجاجات الشعبية للمطالبة بالحكم المدني واستعادة مسار الانتقال، بعد قرارات قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، في أكتوبر الماضي، القاضية بحل الحكومة وإعلان الطوارئ. ويرى البعض أن زيارات البرهان الخارجية في إطار البحث عن سند وعضد دولي لمجابهة تحديات الفترة الانتقالية ما بعد قرارات 25 أكتوبر، خاصةً فيما يتعلق بالدعم الاقتصادي وعملية الدفع السياسي الداخلي في ظل إحجام المجتمع الدولي عن دعم حكومة البرهان. وبالرغم من إمكانية تحقيق هذه الزيارات أهدافها ونتائجها في المدى القريب، لكنه من المحتمل أن تكون عواقبها وخيمة على الدولة في المستقبل. ويرى البعض أن الزيارات الخارجية التي يقوم بها الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لن تساهم في حل الأزمة الداخلية للسودان، حيث تبحث الدول عن مصالحها في المقام الأول. والأزمة السودانية تتمثَّل في الصراع ما بين المكونين المدني والعسكري، والحل لابد أن يكون داخليًا بعيدًا عن اللجوء للدول الخارجية التي يرى هؤلاء أنها ستُعقِّد الأزمة السودانية أكثر. وجاءت زيارات رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان الخارجية في وقت كشفت فيه مصادر سودانية بارزة عن وجود وساطة إماراتية سعودية مصرية لتقريب وجهات النظر بين العسكريين والمدنيين في السودان؛ من أجل التوصُّل إلى حلٍّ مرضٍ للطرفين يُخرج البلاد من أزمة الفترة الانتقالية المتعثرة.[1] وفيما يلي تفنيد لكل زيارة على حدة.. الإمارات: مثّلت زيارة عبد الفتاح البرهان لأبي ظبي (10 – 13 مارس) محاولة أخيرة لاستعادة الدعم الاقتصادي والأمني بعد فتور ملموس منذ نوفمبر 2021. وأكَّدت مصادر سودانية موافقة محمد بن زايد على ضخ كميات كبيرة من الأموال في البنوك السودانية، وإقامة ما وصفه جبريل إبراهيم، وزير المالية السوداني، بـ”شراكات اقتصادية استراتيجية هائلة” في الطرق والسكك الحديدية والموانئ، ورفع مستوى التعاون العسكري، في ما اعتبره البعض خطوات جادة نحو خصخصة ميناء بورتسودان لصالح شركات إماراتية. وكانت الخرطوم رفضت، بشكل متكرّر (ولا سيّما في ذروة تأزّم الموقف بخصوص سد النهضة الإثيوبي)، مقترحات إماراتية بشمول منطقة الفشقة السودانية بمبادرةٍ سحبتها أبو ظبي قبل نحو عام (مايو 2021)، وكانت تنص على تسهيل استثمارات زراعية إماراتية- إثيوبية في المنطقة، بعد تحرير الجيش السوداني لها. كما كانت القيادة السودانية الجديدة أرسلت إشارات إلى إمكانية السماح لتركيا أو روسيا بإقامة قواعد لوجيستية أو عسكرية على ساحل البحر الأحمر. لكن يبدو أن الضغوط الإماراتية على مجلس السيادة قد حقَّقت أهدافها، في ظل فشل المجلس في انتهاج سياسات متماسكة تحظى بقبول شعبي، وتصاعُد الغضب الشعبي ضده على خلفية الظروف الاقتصادية الطاحنة في البلاد. وبدت دلائل هذا النجاح في إعلان الخرطوم، قبيل نهاية مارس، بدء ضخ عملة صعبة في البنوك حتى منتصف إبريل، بعد تلقِّي البنك المركزي السوداني ودائع من الإمارات والسعودية.[2] السعودية: توجه البرهان إلى جدة (21 – 22 مارس)، حيث عقد اجتماعًا موجزًا مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي أكَّد استعداد بلاده للاستثمار في السودان في جميع المجالات ذات النفع المشترك، مع التشديد على أهمية التعاون في مجال أمن البحر الأحمر والتعاون العسكري وتبادل الخبرات. وكشف الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عن مبادرة سعودية استثمارية ضخمة سيعمل السودان على تهيئة البيئة المناسبة لاستيعابها قريبًا، مُشدِّدًا على أن هجمات الحوثيين المتكررة على المملكة، تتجاوز زعزعة أمن واستقرار المملكة إلى كل المنطقة، مؤكدًا وقوف الخرطوم إلى جانب الرياض، واستمرار تعاونهما الاستخباراتي والأمني والسياسي لدرء أي عمل إرهابي وتأمين ملاحة البحر الأحمر.[3] كما وقَّعت الرياض على البيان المشترك لـ”أصدقاء السودان” (29 مارس)، والذي أكَّد الالتزام بمواصلة تقديم دعم مباشر للسودانيين خلال هذه الفترة العسيرة، داعيًا في الوقت نفسه إلى استعادة حكومة انتقالية ذات مصداقية، وإفساح الطريق أمام استعادة المساعدات الاقتصادية والإعفاء الدولي من الديون. وفيما تُمثِّل أي تهدئة في الجبهة اليمنية تراجعًا لأهمية السودان في الملف العسكري والأمني لدى الرياض، التي أعلنت بالفعل وقفًا لإطلاق النار في اليمن طوال شهر رمضان، فإنه لا يُتوقع -بأي حال- تراجُع أهميته لناحية توفيره رافدًا مهمًا ومستدامًا للأمن الغذائي السعودي. ويُعزِّز حضور الاستثمارات السعودية في قطاع الزراعة في السودان؛ سعي مجلس السيادة إلى تعويض تشوُّه هيكل الاقتصاد السوداني، ترقُّبًا لاستئناف برنامج إعفاء السودان من ديونه الخارجية. ومن المتوقّع، في هذا المجال، اتفاق الخرطوم والرياض على تقديم الأولى حزمًا معقّدة لتحفيز الاستثمارات السعودية، الزراعية تحديدًا، فيما سيقود إلى تحقيق طفرة في واردات السعودية من السودان، وإعادة فتح السوق السودانية أمام الاستثمارات السعودية المباشرة.[4] مصر: بدت زيارة البرهان للقاهرة (30 مارس) لمقابلة عبد الفتاح السيسي، منطقية تمامًا في أعقاب النشاط الديبلوماسي الإقليمي الذي أسفر عن بعض الترتيبات السياسية والاقتصادية والعسكرية الجديدة. كما يُمكن قراءة هذه الزيارة في ضوء عدة اعتبارات، أهمها ما تردَّد في النصف الثاني من مارس، عن إطلاق الإمارات واستضافتها وساطة بين أطراف أزمة سد النهضة (وهي تقارير أكدها البرهان خلال وجوده في الرياض)؛ وكذلك انفتاح مجلس السيادة على جميع المبادرات التي تسهم في تحقيق استقرار السودان قبيل نحو أسبوع من تظاهرات 6 إبريل؛ إضافةً إلى وجود مبعوث الأمم المتحدة الخاص للسودان، فولكر بيرثيس، في القاهرة بالتزامن مع زيارة البرهان، ولقائه وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في اختتام مشاورات مُطوَّلة للأول مع المعنيين السودانيين لوضع أساس لحوار وطني، تمهيدًا للخروج من مأزق المرحلة الانتقالية الحالي. وجاء على قمة أجندة البرهان في مصر التوصُّل لرؤية مقبولة، بوساطة مصرية، لمواجهة تعطُّل مسار المرحلة الانتقالية، وتفادي مزيد من التصعيد. كذلك، يرى البعض اعتبار الزيارة مناسبة لاستكشاف مصر مزيدًا من فرص تعزيز التعاون الزراعي مع السودان، ولاسيما في مجال زراعة القمح، لتفادي أكبر قدر ممكن من التداعيات السلبية على وارداتها من القمح من أوكرانيا وروسيا، إلى جانب عدد من الملفات التقليدية مثل التعاون في أمن البحر الأحمر، ودعم التعاون العسكري- الأمني، فضلًا عن ملف سد النهضة. حيث جاء ملف سد النهضة كقضية أساسية على مائدة المباحثات بين السيسي والبرهان، إذ جرى التوافق بشأن استمرار التشاور المكثف والتنسيق المتبادل في هذا السياق خلال الفترة المقبلة، مع التأكيد على الأهمية القصوى لقضية المياه بالنسبة للشعبين المصري والسوداني باعتبارها مسألة أمن قومي، ومن ثمَّ تمسُّك البلدين بالتوصل إلى اتفاق قانوني عادل…

تابع القراءة
تسريب «الاختيار3» لمرسي مع المشير.. تحليل المحتوى والمضامين

تسريب «الاختيار3» لمرسي مع المشير.. تحليل المحتوى والمضامين

  يحتوي الجزء الثالث من مسلسل «الاختيار3» الذي يبث في رمضان (1443هـ) على عدة تسريبات للرئيس الشهيد محمد مرسي وعدد من قيادات الإخوان المسلمين والقوى السياسية، يستهدف بها النظام العسكري الحاكم وأجهزته الأمنية محاولة إضفاء شيء من التوثيق للتخديم على توجهات وأهداف النظام من العمل الدرامي الذي يتم توظيفه سياسيا لخدمة أجندة النظام. لكن التسريب الذي حظى باهتمام واسع هو ما تم بثه في حلقة السبت 09 إبريل 2022م الموافق 08 رمضان 1443هـ من مسلسل «الاختيار 3»، بوصفه (تسريبا) للرئيس الشهيد محمد مرسي مع المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري، بحضور اللواء عبدالفتاح السيسي، مدير جهاز المخابرات الحربية وقتها وآخرين، الحق أنه  ليس تسريبا بالمعنى الصحيح والمتعارف عليه؛ وهو التنصت وتسجيل مكالمات سرية تتعلق بأسرار لا يود الشخص المسرب له أن يكشف عنها للرأي العام لأنها تدينه وتفضحه، كما حدث مع تسريبات السيسي  ومدير مكتبه عباس كامل، والتي كشفت أسرارا يخفيها النظام عن رعايته لحركة تمرد والتمويل الإماراتي السخي لإنجاح الانقلاب العسكري على مرسي، وإدارة الجيش لهذه المؤامرات وإمساكه بكل خيوط اللعبة ضد الرئيس والمسار الديمقراطي كله، كما أنه لا يرقى مثلا لتسريب اللواء ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع للشئون القانونية، الذي تناول تستيف الأمور مع النائب العام بشأن مكان احتجاز الرئيس مرسي والذي كان يخالف القانون كما ورد بالتسريب. هناك أيضا تسريب الضابط بأحد الأجهزة الأمنية النافذة مع رئيس حزب الوفد الأسبق سيد البدوي والذي كشف فيه عن كل مخططات الدولة العميقة بعد شهور قليلة من ثورة يناير، ونشر العنف والإرهاب والقتل وذبح الإخوان من قبل مجهولين، وهي الجرائم التي حدثت بالتفصيل كماء جاء بالتسريب؛ ورغم خطورته لم يتم فتح أي تحقيق في هذه التسريبات الخطيرة التي تكشف تفاصيل  المؤامرة ومن يقف وراء المذابح المروعة التي شهدتها مصر في أعقاب ثورة يناير وانقلاب 3 يوليو 2013م؛ حيث ثبت بالدليل القاطع أن أجهزة الدولة العميقة (الجيش ـ المخابرات ــ الأمن الوطني) هي الطرف الثالث الذي كان يقف وراء الفوضى والفلتان الأمني والجرائم التي لم يكشف عن المتورطين فيها. قبل التسريب يظهر صبري فواز، الممثل القائم بدور الرئيس مرسي في صورة “أراجوز” يعاتب طنطاوي لأنه لم يبارك له فوزه في جولة الإعادة بانتخابات الرئاسة؛ ليتساءل طنطاوي الذي قام بدره أحمد بدير: أبارك لك على إيه؟ هي النتجة طلعت؟ ليتدخل السيسي (قام بدوره  الممثل ياسر جلال) بالرد: إن شاء الله، النتيجة هتعلن يوم الخميس القادم.  ليتحدث طنطاوي لمرسي عن الفترة اللي بعد إعلان النتيجة في حال لو نجح مرسي في الانتخابات. ليبتسم مرسي الممثل ابتسامة غريبة قائلا بشكل ساخر: “على بركة الله” مع نظرات وحركات غربية بالفم  والجسد مقصودة في المسلسل لمزيد من التشويه والتنفير من صورة مرسي. ثم يبدأ في التسريب الذي جاء مغايرات تماما للصورة المشوهة التي أرادوها لمرسي من المسلسل. مضامين التسريب التسريب احتوى على المضامين الآتية:[[1]] ضبط كادر كاميرا التسريب على شخصين فقط (مرسي ــ السيسي)، بينما يظهر صوت طنطاوي دون صورته. الفقرة الأولى من التسريب تتعلق بتبرير طنطاوي حضور السيسي الاجتماع قائلا: « هو المفروض ميكونش موجود عشان دي تبقى بيني وبينك»، لكن مرسي يبدي عدم اعتراضه على حضور السيسي وأنه يتفهم العلاقة بين طنطاوي والسيسي ومدى الثقة المتبادلة بينهما. ثم يشرع طنطاوي في الإشادة بالسيسي وتدينه على وجه التحديد كنوع من أنواع تعزيز ثقة مرسي في السيسي؛ يقول طنطاوي: «وبعدين على فكرة يعني قربه من الله وإخلاصه لله»، ليرد مرسي: «سيادة اللواء عبدالفتاح شخصية الحقيقة .. احنا يعني بنعتبره من الأسس اللي مع حضرتك.. الدراع الأساسية .. مش هنقول دراع يمين لكن الأدرعة كتير»، ليؤكد طنطاوي ذلك «طبعا طبعا.. ده من زمان.. يعني أنا حاطط عيني عليه وهو لسة..»، ثم يجلس السيسي في أدب وخنوع ويكتفي بتدوين أهم ما يقوله مرسي في باقي الحوار. مرسي: يضحك.. طنطاوي: آه  ثم ينتقطع الحوار (حذف) وينتقل إلى فقرة أخرى. الفقرة الثانية، شرع خلالها مرسي في تحذير “طنطاوي” بوصفه أعلى سلطة في الدولة حينها من التدخل في نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية 2012 والتي تنافس فيها مرسي مع الفريق أحمد شفيق، مرشح الجيش والدولة العميقة. ليقول مرسي في حزم وحسم وقوة «النتيجة ما تتغيرش؛ لإن دي لو حصلت ليس لها من دون الله كاشفة» لحدث حذف آخر، ثم  يضيف مرسي: «الموجة اللي موجودة موجة إضرام نيران  لمن لا يقدر المسئولية.. أنا لا أتمنى هذا ولا أريده ولا أوافق عليه.. حذف آخر. ليرد طنطاوي: «أنا عايزك تاخد بالك من إن لو حصل وااااااااا يعني ي ي .. يعني ال.. جهة ما حاولت إنها تضرم النار في البلد، دي هتبقى مصيبة على البلد وعلينا»، ليرد مرسي: «أيوه صحيح.. عشان كدة أنا بتكلم». ليقول  طنطاوي: «بس خد بالك وخليهم مفيش داعي للحاجات دي..»، ليرد مرسي:«بس أنا أقول لحضرتك  إنه التصرف اللي موجود.. الشعور اللي موجود .. شعور تلقائي شعبي وليس مخطط له»، لكن طنطاوي يرد: «لأ  فيه تخطيط معلهش..». حذف آخر. الفقرة الثالثة، يشرع مرسي في الحديث عن النقطة الثانية وهي أزمة حل البرلمان بحكم المحكمة الدستورية قبل أيام من جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة، يقول مرسي: «النقطة التانية هو انعقاد مجلس الشعب»، ليرد طنطاوي: «انعقاد مجلس الشعب أنا مقدرش أعمل في حاجة.. معلش أنا أصارحك القول .. انعقاد مجلس.. هو أنا أقدر أعمل حاجة دلوقتي في مجلس الشعب؟»، مرسي: «آه حضرتك تقدر..»، طنطاوي: أعمل إيه؟ مرسي: تلغي القرار.. طنطاوي: لا .. أنا مقدرش ألغي القرار.. مرسي: ليه؟ طنطاوي: مع احترامي ليس من سلطتي إني أنا ألغي القرار.. مرسي: لا .. هو حضرتك إللي أصدرت القرار.. طنطاوي: مش أنا اللي أصدرت القرار.. القرار  ده قرار محكمة.. مرسي: القرار التنفيذي. طنطاوي: لا  دا  حكم محكمة.. لا  التنفيذ  دا حاجة والقرار … معلش أنا بصارحك إن…. مرسي: استمع لي بس.. طنطاوي: أنا استمعت ليك والله كتير جدا.. مرسي: أنا أخوك الصغير.. طنطاوي: الموضوع دا أنا غير قادرعلى.. مرسي: بس اسمعنى.. عشان متجيش يوم من الأيام بعد يومين تلاتة أربعة .. وتقول إن احنا ضيعنا فرصة.. طنطاوي: أومال أعمل إيه؟  هو انا هطلع قرار؟ أعمل إيه؟ مانا هلغي حكم المحكمة.. مرسي: لأ.. طنطاوي: أنا مقدرش أعمل كدة .. معلش مع احترامي.. مرسي: حكم المحكمة هيطبق يا سيادة المشير. طنطاوي: أنا بقول لحضرتك إيه.. مرسي: ولكن هيطبق بطريقة يتفق عليها في مرحلة لاحقة.. طنطاوي: يعني إيه؟ مرسي: يعني بقول لحضرتك احنا لو .. أنا اقترحت اقتراح واضح .. احنا قدامنا منفذ اتين تلاثة .. المنفذ الأولاني إنه يتلغي القرار .. ودي مسألة مش صعبة .. المنفذ التاني إن الموضوع يحال إلى الفتوى والتشريع وياخد فيه بعض الوقت لغاية ميقول رأيه. طنطاوي: يا محمد بيه…

تابع القراءة
حل برلمان تونس: الخلفيات والمآلات

حل برلمان تونس: الخلفيات والمآلات

  “إنها محاولة فاشلة للانقلاب وتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي وسيتم ملاحقتهم جزائيًا”. بهذه اللهجة الصارمة رد الرئيس التونسي قيس سعيد على اجتماع، عقده نواب في البرلمان عبر الإنترنت، في تحدٍّ للإجراءات الاستثنائية التي فرضها سعيد منذ يوليو 2021، ليتولى بعد ذلك السلطة التنفيذية والتشريعية. وكان رد سعيد على هذا الاجتماع بخطوة اختلفت الآراء في تقييمها، وهي حل البرلمان. لتفرض الإشكالية الدستورية نفسها مُجددًا على الساحة السياسية في البلاد. فإن كان البعض يرى أن الخطوة التزمت بمقتضيات الدستور، فالبعض الآخر ينتقدها بشراسة ويعتبرها غير دستورية وبأنها محاولة أخرى للرئيس لتعزيز سلطاته. فماذا كانت خلفيات قرار حل البرلمان؟ وما مدى دستوريته؟ وكيف كانت ردود الفعل حوله؟ خلفيات قرار حل البرلمان: يأتي قرار الرئيس قيس سعيد بحل البرلمان التونسي في ظل سياق مضطرب تعيشه تونس على كافة المستويات. فأولًا؛ جاء قرار حل البرلمان عقب جلسة البرلمان التي تمت عن بعد وشارك فيها 121 نائبًا. وافق 116 من جملة 217 نائبًا بالبرلمان المعلقة أعماله على مشروع قانون يلغي الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس سعيد في 25 يوليو الماضي، وشملت حل الحكومة وتعليق عمل البرلمان، والتي اعتبرها معارضوه انقلابًا على الدستور. كما يلغي القانون الذي وافق عليه النواب المراسيم والأوامر التي أصدرها الرئيس منذ ذلك التاريخ.[1] كما أكد النواب المشاركون في الجلسة على عدم اعترافهم بشرعية المجلس المؤقت الجديد، وندَّد المشاركون بما وصفوه بـ”محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية”، ودعوا إلى فتح حوار وطني شامل لإنقاذ البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وثانيًا؛ تزامن قرار حل البرلمان المُجمَّد مع تعقُّد المشهد السياسي التونسي، ودعوة العديد من القوى السياسية إلى إجراء حوار وطني شامل بالبلاد، يُمهِّد لتوافق بين القوى السياسية حول آليات التعاطي مع أزمات البلاد، واعتبار “الاستشارة الإلكترونية” التي بدأت مطلع العام الحالي وانتهت في 20 مارس الحالي، غير مُجدية لحلحلة الأزمات، ولا تُمثِّل بديلًا للحوار الوطني -حيث لم يتجاوز معدل المشاركة فيها نسبة الـ5%-، لكن الرئيس سعيّد لم يُصدر أي رد فعل تجاه دعوات إجراء حوار وطني، واكتفى بالإشارة إلى أنها تُظهر رغبةً في التوجه نحو النظام الرئاسي. وثالثًا؛ لم تقتصر حالة الاستقطاب والتشتت التي تشهدها تونس، والتي تزامن معها قرار حل البرلمان، على المشهد السياسي فقط، إذ أنه يأتي بالتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، في ضوء تأخر دفع رواتب بعض مؤسسات القطاع الحكومي، ونقص بعض المواد الأساسية من السوق التونسية، والخلاف بين حكومة نجلاء بودن والاتحاد التونسي العام للشغل حول خطة الإصلاح الاقتصادي، إذ يرفض الاتحاد الإصلاحات الاقتصادية؛ التي تقترحها الحكومة التونسية للحصول على تمويل من صندوق النقد، خصوصًا وأنها تتضمن “وقف التوظيف، وتجميد الأجور لمدة 5 سنوات في القطاع العام، وبيع بعض الشركات العامة، ورفع الدعم نهائيًا في غضون 4 سنوات”.[2] دستورية قرار حل البرلمان: ينص الفصل 72 من دستور 2014 في تونس على أن “رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور”. وهي المادة التي اعتمد عليها الرئيس قيس سعيد في اتخاذ خطوة حل البرلمان. وإن كان لا يوجد ما يشير حرفيًا إلى أن الرئيس بإمكانه حل المؤسسة التشريعية، إلا أن البعض يرى في تأويله أنه يُخوِّل للرئيس القيام بذلك، حيث أن القرار ليس تطبيقًا حرفيًا للفصل 72 من الدستور بل قراءة تستند على نظرية الدفاع الشرعي قياسًا على نظرية الدفاع الشرعي لدى الأفراد والأشخاص، وهو مبرر لارتكاب أفعال إجرامية للدفاع عن النفس والمال والحرمة، فالدولة أيضًا لها الحق في ذلك بالاستناد إلى هذه النظرية، إلى جانب نظرية الضرورة. ويعتبر أصحاب هذا التأويل أن جلسة النواب التي عُقدت افتراضيًا هي تهديد لوحدة الدولة واستقرارها، ولذلك فالدستور يخول للرئيس دفع الخطر الذي يُمكن أن يرتِّبه مجلس نواب الشعب بالإعلان عن حكومة جديدة وسحب الثقة من الحكومة الحالية، وهنا نصبح أمام حكومتين، حكومة قانونية وحكومة غير قانونية، وتشريعين: تشريع نافذ وتشريع غير نافذ. وهذا يقسم الدولة. واعتبر رئيس الجمهورية هذا اعتداء على أمن الدولة الداخلي الذي يجرمه القانون الجزائي التونسي. ويرى البعض الآخر أنه مع هذا الوضع الجديد فإن ما يبرز اليوم من اختلافات حول قراءة الدستور هو امتداد لما حدث في السابق. فمنذ 25 يوليو 2021 صدرت مواقف تُبرِّر الطرح الذي قدَّمه قيس سعيد للفصل 80، لكن أغلب القراءات عارضته لأن هذا الفصل ينص بوضوح على أنه في حالة تفعيل الفصل 80 يبقى البرلمان في حالة انعقاد دائم، ولا يُمكن حله ولا الدعوة للانتخابات في تلك الفترة، كما تبقى الحكومة تباشر مهامها. وحل البرلمان هو امتداد للاختلافات الموجودة، وحسب الدستور التونسي لا يُمكن للرئيس حل البرلمان إلا في حالة واحدة؛ وهي أن يعرض حكومتين ولا تتم المصادقة عليهما، فيحل البرلمان ويدعو إلى انتخابات تُجرى في غضون ثلاثة أشهر. لذلك لا يمكن حل البرلمان الآن، حسب أغلب القراءات الدستورية.[3] ردود الفعل الداخلية على قرار سعيد: اختلفت ردود فعل القوى السياسية التونسية بين مؤيد ومعارض لقرارات سعيد؛ حيث قال الغنوشي إن “التحرك لحل البرلمان يعمق الأزمة السياسية ويشكل تهديدًا أكبر للوضع الاقتصادي وسيقضي على المؤسسات”، واصفًا وعد سعيد بإجراء استفتاء على دستور جديد بأنه “استعراض مسرحي”. وأكد أن حزب النهضة لن يشارك في الاستفتاء إلا إذا أجرى سعيد مشاورات وطنية بشأن إصلاحاته السياسية. وقال إنه على الرغم من رفضه حل سعيد للبرلمان، فإن هذا الإجراء يعني أن الرئيس يجب أن يجري انتخابات جديدة في غضون ثلاثة أشهر بدلًا من الانتظار حتى يفرض دستورًا جديدًا. وكان سعيد قد قال بأن إجراء الانتخابات التشريعية خلال الـ 90 يومًا المقبلة “غير مُرجَّح”، وذلك خلال اجتماع مع رئيسة الوزراء، نجلاء بودن، ونشرتها صفحة الرئاسة التونسية على فيسبوك. وبينما دعت عدة شخصيات، بما في ذلك عبير موسي، زعيمة الحزب الدستوري الحر العلماني، إلى “إجراء انتخابات برلمانية في غضون 90 يومًا” مستشهدة بالمادة 89 من الدستور. إلا أن سعيد رفض تلك الدعوات، وأصر على إجراء الانتخابات في 17 ديسمبر كما أعلن سابقًا.[4] بدورها، قالت حركة “مواطنون ضد الانقلاب” إن قرار الرئيس التونسي حل البرلمان تحريف جديد وتأويل تعسفي لفصل دستوري واضح. وكان الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي دعا البرلمان إلى تجاهل قرار الحل، والسعي إلى جمع النصاب لعزل الرئيس سعيد، كما دعا القوات العسكرية والأمنية إلى أن تختار بوضوح مع من تقف. من جهته، أعرب حزب التيار الديمقراطي التونسي عن رفضه قرار حل البرلمان، ووصفه بأنه “خرق آخر للدستور، ويؤكد النية الانقلابية لقيس سعيد”، داعيًا إلى “حوار وطني هادئ وعقلاني من أجل خريطة طريق تحترم الشرعية الدستورية”. وفي السياق نفسه، اعتبر الحزب الجمهوري أن حل البرلمان خطوة تصعيدية من شأنها أن تدفع البلاد إلى حافة الهاوية، ويندرج ضمن ما وصفها بالقرارات غير الدستورية الصادرة عن رئيس الجمهورية. وأصدر 40 من…

تابع القراءة
«الاختيار 3».. قراءة في الأبعاد السياسية

«الاختيار 3».. قراءة في الأبعاد السياسية

    الجزء الأول من «الاختيار»، يضفي قداسة على الجيش، والثاني يمجد دور «الأمن الوطني»، والثالث يضفي القداسة على الدكتاتور عبدالفتاح السيسي، عبر معالجة درامية كشفت حجم السقوط الذي انزلقت له الدراما المصرية حتى تحولت إلى أداة بيد السلطة توجهها لخدمة أجندتها بعيدا عن مصالح الوطن وأحلام الشعب المقهور على يد السلطة وأجهزتها الأمنية والقضائية والتشريعية والإعلامية. ما يفعله السيسي غير مسبوق في تاريخ مصر؛ فعندما عرض الفنان الراحل أحمد زكي عمل فيلم “الضربة الأولى» تمجيدا في الرئيس الأسبق حسني مبارك بعدما انتقدته أبواق قريبة من السلطة لأنه مجد في جمال عبدالناصر بفيلم “ناصر 56″، وامتدح السادات بفيلم “أيام السادات”، لكن المقربين  من مبارك رفضوا الفكرة خوفا من فشل الفيلم بما يعتبر استفتاء على شعبية الرئيس في حياته، لكن السيسي فعلها دون اكتراث! فلماذا أقدم السيسي على هذه الخطوة في سياق ليس في صالحه بالمرة في ظل الغلاء الفاحش والتضخم المجنون؟ ألا يخشى من ردة الفعل الشعبية في ظل انهيار شعبيته إلى ما دون الحضيض؟ وهل يمكن أن تقنع الدراما المزيفة المصريين بأن السيسي بطل قومي وهم يرونه طاغية يحكم البلاد بالحديد والنار وفشل في إدارة مواردها على نحو صحيح فأفقرهم وأغرق بلادهم في الديون الباهظة وفرط في بعض ترابها الوطني وأضعف موقفها في أزمة سد النهضة بعدما شرعن عمليات بناء السد التي تخالف القانون  الدولي للأنهار؟  وهل يمكن أن  يرمم مسلسل شعبية طاغية فاشل أم أن توقيت البث خاطئ في ظل الغضب الشعبي العارم من النظام ورموزه؟! الأبعاد والتفسيرات التفسير الأول، الإنفاق الباهظ على عمل درامي لتكريس رواية النظام العسكري حول ثورة يناير ومذابح رابعة والنهضة يؤكد أن النظام لا يزال يعاني أزمة كبيرة في مجالين رئيسَين هما الشرعية والثقة. ولو كان النظام يؤمن أنه يمتلك شرعية حقيقية بين الناس لما اضطر لصرف الملايين على عمل درامي يسعى من خلاله لتثبيت شرعيته في الحكم، وتحويل الانقلاب في وعي الناس إلى ثورة.  ولو لم يكن السيسي وأركان حكمه يعلمون أن أغلبية الشعب المصري لا تثق بهم لما اضطر لمثل هذا العمل لإعادة بناء الثقة. المسلسل في هذا  التوقيت وفي وقت تتعرض فيه مصر لتهديدات وجودية متمثلة في إصرار أثيوبيا على حجز مياه النيل يمثل برهان على خلل الأولويات لدى النظام وأن يتسم بقدر هائل من الغباء يستحق معه أن يكون مسئولو هذا النظام في مستشفى للأمراض العقلية وليس على كراسي الحكم في أكبر دولة عربية. فأي سلطة استبدادية لا تلجأ إلى تزوير التاريخ القريب وتزييف الواقع وفرض سرديتها بتوظيف أدوات الإعلام والدراما المكثفة إلا إذا كانت هذه السلطة تدرك يقينا أن روايتها ضعيفة ولا تحظى بالقبول في أوساط المجتمع؛ فلو كانت رواية السلطة محل قبول لما لجأت السلطة ـ أي سلطة ــ إلى إنتاج أعمال سينمائية أو درامية ضخمة وباهظة التكاليف وتستمر لسنوات من أجل تسويق روايتها وفرض سرديتها بقوة التضليل الإعلامي. معنى ذلك أن مسلسل «الاختيار» بأجزائه الثلاث بحد ذاته «دلالة على إصرار النظام على كتابة تاريخ على مقاسه لأحداث لا تزال قريبة العهد، شهدت معظم الأجيال التي على قيد الحياة تفاصيلها. لم يكن قائد الانقلاب بحاجة لتزوير التاريخ لو كان مقتنعا أن الشعب يؤمن بروايته لهذه الأحداث، ولذلك فإن كثرة الأعمال الدرامية التي تعرض أحداثا تاريخية قريبة هي دليل واضح على إدراك النظام لضعف روايته، ما يدفعه لمحاولة تقويتها وإقناع الناس بها».[[1]] التفسير الثاني، أن السيسي خائف من المستقبل، وأمام حالة الإفلاس التي يعيشها ويحياها في ظل الفشل المستمر والظلم المتواصل والقمع المفرط لا يخشى الحساب والوقوف أمام الله بقدر ما يخشى ما سيكتبه عنه التاريخ كأحد الطغاة والفراعين الذين حكموا مصر بالحديد والنار ولم ينجز شيئا يستحق التقدير؛ وهو بهذه المسلسل إنما يريد أن يصادر حق المصريين والأجيال القادمة في كتابة التاريخ كما حدث فعلا وليس كما يدعيه الجنرال وأجهزته ونظامه القمعي. فالسيسي بهذه الأعمال الدرامية وما يصاحبها من حشود إعلانية وإعلامية وفقهية وفتاوى يبرهن على أن الجنرال يخوض المسلسل بأدوات الحرب في محاولة للتفلت والهروب من حكم التاريخ عليه، ومصادرة شهادات المستقبل عن ماضيه الدموي، متبعًا آلية الهروب إلى الأمام، فيقفز إلى كتابة التاريخ، وإغلاق صفحاته، متخيلًا أنه بذلك لن يبقى مجال لأحد غيره لتسجيل عصره، وهذا في الأغلب تعبير عن كابوس يطارده ويصرخ فيه بأنّ جحيمًا من الحكايات والروايات سوف يبتلعه بعد رحيله، وهو ما يعني من ناحية أخرى، أنّه يعلم أنّ سوابق أعمال حاضره وماضيه لا تؤهلانه إلا للتواجد في تلك المساحة البارزة في مكبّ مخلفات التاريخ.[[2]] التفسير الثالث، أن النظام بإنتاج مسلسل «الاختيار» بأجزائه الثلاثة وقبله فيلم الممر ومسلسل كلبش وغيره من الأعمال السينمائية والدرامية التي تمجد في السلطة وأجهزتها الأمنية، إنما يبرهن على أنه فشل في الواقع فشلا ذريعا، ويسعى لتحقيق نجاح ــ أي نجاح ــ في العالم الافتراضي الوهمي، وهو ما يمثل أداة أخرى من أدوات القهر والقمع التي يجيد نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي توظيفها لخدمة أجندته وأهدافه  وعلى رأسها ضمان بقاء النظام ونشر سرديته المزيفة عن أحداث ثورة 25 يناير 2011، وما تلاها بانتخاب برلمان ورئيس جمهورية مدني بنزاهة لأول مرة في تاريخ مصر وصولا إلى الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي وأركان الدولة العميقة ونسف المسار االديمقراطي؛ لأن  تضليل عقول البشر هو على حد قول “باولو فرير” “أداة للقهر” فهو يمثل إحدى الأدوات التي تسعى السلطة الحاكمة من خلالها إلى تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة. فباستخدام الأساطير التي تفسر وتبرر الشروط السائدة للوجود بل وتضفي عليها أحيانا طابعا خلابا يضمن المضللون داخل السلطة وأجهزتها التأييد الشعبي لنظام اجتماعي لا يخدم في المدى البعيد أو حتى القريب المصالح الحقيقية للأغلبية، وعندما يؤدي التضليل الإعلامي للجماهير دوره بنجاح تنتفي الحاجة إلى اتخاذ تدابير اجتماعية بديلة. على أن تضليل الجماهير لا يمثل أول أداة تتبناها النخب الحاكمة من أجل الحفاظ على السيطرة الاجتماعية؛ فالحكام لا يلجأون إلى التضليل الإعلامي إلا عندما يبدأ الشعب في الظهور بصورة فجة كإرادة اجتماعية معاكسة لإرادة السلطة في مسار العملية التاريخية، أما قبل ذلك فلا وجود للتضليل بل نجد بالأحرى قمعا شاملا؛ إذ لا ضروروة هناك لتضليل المضطهدين عندما يكونون غارقين لآذانهم في بؤس الواقع.[[3]] فلا يوجد نظام يسعى لبناء شرعيته عبر المسلسلات والدراما إلا إذا كان فاشلا في بناء شرعية حقيقية تقوم على الإنجاز في المجال السياسي والاقتصادي، ولم يسبق أن طلب نظام من كبار نجوم السينما في بلاده أداء شخصية رئيسه وهو على قيد الحياة، إذ أن شرعية الرئيس الذي لا يزال في منصبه تبنى على إنجازاته ويعبر عنها من خلال خطاباته وظهوره الإعلامي، وإذا احتاج لشرعية أخرى فإنه يلجأ لإرث رؤساء سابقين أو مؤسسين للدولة التي يقودها، أما أن يسعى الرئيس لتغيير شكله وترويج إنجازات…

تابع القراءة
التداعيات الاجتماعية المحتملة للغلاء.. قراءة في الحالة المصرية

التداعيات الاجتماعية المحتملة للغلاء.. قراءة في الحالة المصرية

    تشهد مصر حاليا أكبر موجة غلاء وارتفاع لأسعار السلع والوقود في تاريخها كله؛ فلم ير المصريون مطلقا مثل هذا الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الغذائية والملابس وكل شيء في توقيت واحد متزامن. أسباب ذلك متعددة أبرزها تبني نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي سياسات نيوليبرالية متوحشة تنحاز للشركات العالمية متعددة الجنسيات المحسوبة على دول كبرى من جهة كما تنحاز للمؤسسة العسكرية ومشروعاتها من جهة ثانية فتمنحها امتيازات ضخمة تجعل منها أكبر مهيمن على مفاصل السلطة السياسية والاقتصادية في البلاد، كما تنحاز هذه السياسيات إلى طبقة الأثرياء من رجال الأعمال من جهة ثالثة على حساب جموع المواطنين الذين يتساقط منها عشرات الملايين تحت خط الفقر على نحو مرعب؛ لم يحدث من قبل. هذه الأوضاع الشديدة لها تداعيات اجتماعية بالغة الخطورة على أوضاع البلاد وقد تهدد بمزيد من التمزق والتفكك والانقسام؛ فما أبرز هذه التداعيات الاجتماعية؟ وهل يمكن أن يؤدي هذا الوضع الهش ماليا واقتصاديا إلى ارتفاع معدلات  الجريمة والطلاق والتفكك الأسرى؟ وهل تملك السلطة روشتة حقيقية لمواجهة هذه التداعيات؟ أم تكتفي كعادتها بتأمين النظام على حساب أمن الوطن والمواطن استنادا  إلى أدوات البطش والقمع الأمني لتخويف الناس وإرهابهم؟ وهل يمكن أن تستمر هذه الأدوات السلطوية في حماية النظام والحفاظ على الاستقرار الهش القائم على الخوف أم يتمرد الناس بدافع الجوع والفقر؟ تحاول هذه الورقة رصد هذه التداعيات والإجابة عن هذه التساؤلات الملحة حول مستقبل البلاد في ظل هذه الانعطافة الحادة في الوضع المالي والاقتصادي في مصر في ظل تداعيات تفشي كورنا من جهة والغزو الروسي لأوكرانيا من جهة ثانية والتعويم الجزئي للجنيه من جهة ثالثة. أولا، ارتفاع معدلات الفقر وفقا لآخر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حول معدلات الفقر في مصر، فقد تراجعت من 32.5% في 2018، إلى 29.7% في 2020، (نحو 30.6 مليون فقير)، وأرجع الجهاز ذلك إلى ما تسمى بالمشروعات القومية التي زادت معدلات التشغيل إلى جانب إجراءات الحماية الاجتماعية التي تقدمها الدولة  ومنها برامج “فرصة ومستورة وسكن كريم” وغيرها من المبادرات. لكن فات الحكومة التي تتباهى بهذه الأرقام أمران: الأول، أن رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الذي يعد بيانات الفقر، أوضح أن فترة إجراء بحث الدخل والإنفاق الذي يتم على أساسه حساب معدلات الفقر كانت من بداية أكتوبر/تشرين الأول 2019 وحتى مارس/آذار 2020، أي قبل ظهور تداعيات فيروس كورونا الاقتصادية، وقبل ارتفاع معدل التضخم، وفقدان الجنيه المصري لكثير من قوته الشرائية. تلك التداعيات تفاقم تأثيرها خلال الربع الثاني من عام 2020، وقال جهاز الإحصاء الرسمي عنها إنها تسببت في فقدان 2.3 مليون شخص وظائفهم، إلى جانب تخفيض الأجور في منشآت أخرى عديدة. ثانيا، نشرت صحيفة اقتصادية مصرية بالتزامن مع إعلان نتائج الفقر تقريراً مفاده أن النتائج قد تأخر إعلانها بضعة أسابيع، نظراً لاعتراض جهة سيادية على النتائج، ومطالبتها بـ”تحسين” النتائج، ورغم قيام جهاز الإحصاء بتحسين النتائج فقد طلب الجهاز السيادي تعديل نتائج معدلات الفقر مرة ثانية، أي أن النتائج المُعلنة قد تم تحسينها مرتين.[[1]] في المقابل، تذهب تقديرات للبنك الدولي أن نسبة الفقراء في مصر أو أولئك الذين يقبعون على خط الفقر تزيد عن نحو 60%، بما يعني أن نحو 62 مليون مصري باتوا فقراء. وما يبرهن أن معدلات الفقر الرسمية ملعوب فيها أيضا أن الاستثمارات الأجنبية في مصر لم تشهد ارتفاعا يعزز من تراجع مستويات الفقر، بل إن الحكومة خفضت مخصصات الدعم وفقا لأرقام الموازنة في سنوات 2019 و2020، فكيف يتراجع الفقر في ظل هذه الحقائق؟! أما عن أسباب اختلاف التقديرات بين الأرقام الرسمية الحكومية (29.7%) وتقديرات البنك الدولي للفقراء في مصر (60%)، فإن ذلك يعود إلى أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حدَّد خط الفقر القومي في بحث الدخل والإنفاق 2017-2018 عند مستوى 8827 جنيهاً للفرد في السنة، وهو ما يعادل حوالي 735.5 جنيه شهرياً، أي ما يعادل نحو 24.5 جنيه مصري (1.5 دولار أمريكي). بينما استند البنك الدولي في تقييمه لمصر لخط الفقر عند 1.9 دولار أمريكي للفرد يومياً، أي 894 جنيهاً للفرد شهرياً و10725 جنيهاً سنوياً، مع العلم أن مؤشر الفقر وفقاً للبنك يبدأ من 5.5 دولار للفرد يومياً وصولاً إلى الفقر المدقع بالعيش على 1.9 دولار أمريكي أو أقل للفرد يومياً.[[2]] يعزز  من اقتراب تقديرات البنك الدولي من النسب الصحيحة للفقر، أن الجائحة قد تكفلت بانخفاض دخول نحو 91%  من القوة العاملة بمصر؛ وفقا لأحدث دراسات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يناير 2022، حيث أوضحت الدراسة أن انتشار فيروس كورونا أثر على دخل الأفراد المشتغلين بنسبة 91.3% في حين أن 0.5% فقط زادت دخولهم بسبب الوباء. وتعددت أسباب انخفاض الدخول في فترة الوباء، ومنها فرض الإجراءات الاحترازية، والتعطل، وانخفاض الطلب على النشاط، وتوقف بعض المشاريع نهائيا.[[3]] وكانت دراسة أعدها الجهـاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي، صدرت في 20 يونيو 2020م، قد كشف أن (73.5%) من المصريين انخفض دخلهم، بينما أفاد حوالي “25% أن دخولهم ثابتة، وأقل من 1% أفادوا أن دخولهم ارتفعت. وأن 26.2 % باتوا عاطلين عن العمل، و55.7% باتوا يعملون بشكل أقل من المعتاد، و18.1% باتوا يعملون بشكل متقطع.[[4]] علاوة على كل ذلك؛ فإن أعداد الفقراء في مصر مرشحة للارتفاع مجددا في أعقاب التعويم الجديد للجنيه أمام الدولار، حيث انخفض الجنيه بنحو 16% في أعقاب قرار البنك المركزي رفع الفائدة بقيمة 1% ليرتفع سعر صرف الدولار من 15.74 إلى 18.2 ظهر الإثنين 21 مارس 2022م، وهو ما سينعكس على الأسعار من جديد لترتفع بنسبة أعلى  من نسبة ارتفاع الدولار.[[5]] ثانيا، تزايد معدلات الجريمة من التداعيات الناتجة عن الغلاء تزايد معدلات الجريمة؛ حيث تحتل مصر المركز الثالث عربيا والـ24 عالميا في جرائم القتل، بحسب تصنيف “ناميبو” لقياس معدلات الجرائم بين الدول. وكشفت دراسة صادرة عن جامعة عين شمس، أن جرائم القتل العائلي وحدها باتت تشكل نسبة الربع إلى الثلث في إجمالي جرائم القتل، فيما أكدت دراسة أخرى للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن نسبة 92% من هذه الجرائم تُرتكب بدافع العرض والشرف، فضلا عن العوامل الاقتصادية التي أصبحت من بين أبرز أسباب تضاعف معدلات القتل العائلي.[[6]] وآخر تقارير الوزارة كان في يناير 2019م، حيث كشفت الوزارة معدلات الجريمة في البلاد وأسباب ارتفاعها، التي أرجعها إلى انتشار الأسلحة النارية، والإفراج عن عدد كبير من العناصر الإجرامية، وشيوع ظاهرة العنف الاجتماعي، والتأثيرات الناجمة عن الأعمال الفنية من الأفلام والمسلسلات، وانعكاسها على تقليد المواطنين لها، والظروف الاقتصادية والمتغيرات المحيطة بالدولة. ويؤكد التقرير أن وراء زيادة معدل الجرائم، ظهور أنماط جديدة للجريمة، وتكوين تشكيلات عصابية جديدة من الشباب العاطلين، وسهولة تنفيذ البعض لجرائم السرقات بسبب قصور المواطنين في وسائل تأمين ممتلكاتهم، وغياب الوعي الاجتماعي والثقافي، واستغلال البعض للحرب التي تخوضها الدولة على…

تابع القراءة
قراءة في أثر الأزمة الاقتصادية على المشهد السياسي في مصر

قراءة في أثر الأزمة الاقتصادية على المشهد السياسي في مصر

نظام قلِق ومعارضة متحفزة   رغم التأميم الكامل للمجال العام، ومصادرة المجال السياسي من جانب الأجهزة الأمنية، وكون الشارع فعليا لم يعد مملوكاً للناس، ولم يعد للمواطنين سوى بيوتهم مساحة وحيدة لـ “الفضفضة”، حتى مواقع التواصل الاجتماعي صارت أكثر من أي وقت مضى خاضعة لتضييق شديد من جانب السلطة السياسية في مصر، رغم كل ذلك يتملك النظام قلق شديد على مستقبله، وما قد يحمل هذا المستقبل من مفاجآت. قلق يبدو في أحيان كثيرة غير مبرر، في ظل الصمت المطبق من جانب المواطنين تجاه ما يحدث، وفي ظل الحالة البائسة للقوى المعارضة والثورية، وفي ظل أعداد المعتقلين، والمختفين قسرياً، والمهاجرين اختياراً أو قسراً خوفاً من الملاحقة، وفي ظل أعداد الإعدامات الكبيرة، في ظل كل هذه السياقات غير المسبوقة تبدو مخاوف النظام غير مبررة. لكن يبقى المبرر الوحيد لكل هذا الخوف، أن السلطة قبل غيرها تعلم أن الأوضاع القائمة يصعب أن تستمر بدون عنف مستمر يحميها ويضمن بقائها، فالأوضاع الاستثنائية تستلزم عنف استثنائي يفرضها قسراً. في كتابه تاريخ العصامية والجربعة ينقل الكاتب عن أناس –من غير المهتمين بالشأن السياسي- ممن عاصروا العامين السابقين لهزيمة يوليو 1967، القول أنهم كان يسيطر عليهم شعور بأن ثمة أزمة كبرى تلوح في الأفق[1]، لم يكن لديهم تصور عن طبيعة الأزمة أو مجالها أو حجمها، لكن حالة الانسداد التي كانت قائمة أوصلتهم لهذه النتيجة، ويبدو أن النظام الحالي ومعه جزء كبير من المواطنين ومن المهتمين بالشأن العام في مصر باتوا يستشعروا ذات الشعور، يصاحبه كثير من القلق والترقب. حالة القلق والترقب التي يستشعرها النظام يمكن رصدها في عدد من الاجراءات التي اتخذتها الحكومة خلال الأيام الماضية. من الجهة الأخرى، فإن قلق النظام واكبه ما يمكن اعتباره مياه جديدة باتت تتحرك -وإن بشكل وئيد- في مجرى الحياة السياسية الآسنة في مصر. في هذا التقرير نرصد الاجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية تحسباً لما قد يحمله المستقبل القريب من مفاجآت، في ظل الأوضاع المعيشية التي تزداد سوءاً مع مرور الوقت، وفي ضوء حالة السخط الشعبي وتآكل جسور الثقة بين الحكومة والمجتمع. كما نرصد الشواهد التي تعكس وجود نشاط في الحياة السياسية يقطع مع حالة الموات الممتدة لسنوات سابقة. أولاً: السياسات الحكومية للحد من التداعيات السلبية للأوضاع الاقتصادية الصعبة: اتخذت الدولة عدة إجراءات في محاولة امتصاص أثار الأوضاع المعيشية المتردية، وللحيلولة دون حدوث ردود فعل غير متوقعة من المواطنين، وللحفاظ على حالة الاستقرار الهش القائمة، هذه الاجراءات كان منها الاقتصادي والأمني والاجتماعي والسياسي، وإن كانت السياسات الأمنية هي أكثر ما يعول عليه النظام. على المستوى الاقتصادي: جرى التأكيد من جانب الحكومة على وجود مخزون كافٍ[2] من كافة السلع الأساسية[3]، كما اتخذت الحكومة عدة إجراءات لمتابعة الأسواق وضبط الأسعار، فتم تكليف المحافظين بمتابعة حركة الأسواق وتوافر السلع المختلفة بها بصفة يومية، والتدخل الفوري لمواجهة حدوث نقص في أي سلعة، فضلًا عن التأكد بصفة مستمرة من أن أسعار السلع المطروحة تعد أسعارًا عادلة، وأن تتابع وزيرة التجارة والصناعة مدى توافر السلع الغذائية في الأسواق وأسعارها من خلال البيان المفصل الذي ترسله الغرفة التجارية يومياً للوزارة. كذلك صدر قرار رئيس الوزراء، في 20 مارس الجاري، بوضع تسعيرة إجبارية –تستمر مدة 3 أشهر- للخبز غير المدعم و”الفينو”، مع إلزام منافذ البيع بالإعلان عن أسعار الخبز في أماكن ظاهرة للمستهلكين، مع فرض غرامات على المخالفين[4]. هذا فيما يتعلق بضبط الأسعار ومتابعة حركة السوق. وفيما يتعلق بالدعم المباشر للمواطنين، فقد أعلنت الحكومة تقديم موعد معارض أهلًا رمضان[5]، الموجودة بـ27 محافظة، بنحو 7724 منفذا، مع 200 قافلة متجولة بالقرى والنجوع، لتبدأ اعتبارًا من 15 مارس، حيث ستطرح كافة السلع بتخفيض يتراوح من 15% إلى 30%، كما أعلنت الحكومة أن عدد منافذ مشروع جمعيتي[6] بلغ 6740 منفذ؛ بهدف توفير السلع بأسعار مخفضة للمواطنين، كما أعلنت وزارة الداخلية عن إطلاق المرحلة 22 من مبادرة “كلنا واحد[7]“؛ لتوفير السلع المختلفة، في منافذ الوزارة “أمان” وفي أخرى غيرها، بأسعار مخفضة عن مثيلاتها بالأسواق بنسبة تتراوح من 25% إلى 60%، لمدة ثلاثين يومًا اعتبارًا من يوم 15/3/2022 وحتى يوم 13/4/2022[8]. وفي السياق ذاته، فقد طالب السيسي المؤسسة العسكرية السلع الغذائية الأساسية للمواطنين بأسعار مناسبة، ومن ثم أعلنت هيئة الإمداد والتموين من خلال إدارتها التخصصية، بتجهيز وتعبئة أكثر من مليون ونصف عبوة غذائية لطرحها فى الأسواق بنسبة خصم تصل إلى 60 %، كما أعلن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية ضخ المنتجات الغذائية عبر 1200 منفذ متحرك و 212 منفذا ثابتا في كافة المحافظات[9]. وقد شكك مراقبون في قدرة هذه الاجراءات على التخفيف عن كاهل المواطنين؛ باعتبار أن كل هذه المنافذ لا تقارن من حيث العدد مع أعداد مواطنين جاوزت المائة مليون، وأن الحكومة مطالبة بتوفير السلع الأساسية لأكثر من نصف مليون سوق تجاري بـ27 محافظة، ولنحو 234 مدينة، وحوالي 4800 قرية كبيرة، و26 ألف كفر. ورأى آخرون أن الحكومة تناقض نفسها، فهي من جهة تؤكد أنها تبذل قصارى جهدها لخفض الأسعار، ومن جهة أخرى تقرر رفع أسعار السلع الاستراتيجية وبينها أسعار أسطوانات الغاز المنزلي والتجاري التي ارتفعت للمرة الثانية خلال 3 أشهر بنسبة 15.3%، وتخطط لرفع سعر البنزين، وتعلن رفع سعر الفائدة 1%، وخفض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وتفاوض صندوق النقد على قرض جديد، وكل هذه الاجراءات تزيد من معاناة المواطن بصورة غير محتملة[10]. في السياق ذاته، أعلنت الحكومة تقديم موعد الزيادات المقررة على المعاشات ومرتبات العاملين في الجهاز الإداري للدولة إلى 1 إبريل المقبل، بدلاً من بداية السنة المالية الجديدة في 1 يوليو[11]، بنسبة 12% للأجور، وزيادة المعاشات بنسبة 13%، وهي نسب أقل من معدلات التضخم القائمة والمتوقعة، كما أنها موجهة لموظفي الجهاز الإداري للدولة فقط، وعددهم 5 مليون موظف من إجمالي 28 مليون عامل في مصر، ومن الجدير ذكره هنا أن نسبة الأجور في الموازنة العامة للدولة انخفضت من 25% إلى 11% في الفترة من 2014 وحتى الوقت الحالي. وفيما يخص الفئات الأفقر، أعلنت الوزارة ضم ما يقرب من 450 ألف أسرة لقوائم المستفيدين من تكافل وكرامة بتكلفة حوالي 2.7 مليار، ليصبح عدد المستفيدين من البرنامج 3.8 مليون أسرة، كما قررت زيادة المخصصات المالية للأسر المستفيدة من البرنامج بـ 800 جنيه سنوياً، ليصبح ما تحصل عليه الأسرة 5236 جنيه سنوياً، ما يعني أن لكل أسرة 438 جنيه شهرياً لكل أسرة[12]. وكلها إجراءات غير كافية في ظل مستويات التضخم العالية وسياسات رفع الدعم خلال السنوات الماضية[13]. على الصعيد الأمني: هناك حالة تحفز أمني واضحة، وتضييق للخناق على أية تحرك في الشارع يرى فيه رجال الأمن مصدر خطر، في هذا الإطار نفهم قرار إلغاء عزاء زوجة رجل الأعمال صفوان ثابت، بعد أن كان مقررا له أن يعقد بمسجد الشرطة بالشيخ زايد[14]، كردة فعل…

تابع القراءة
صفقة  طائرات الـ(F 15) الأمريكية لمصر.. الدوافع والسياق والأهداف

صفقة  طائرات الـ(F 15) الأمريكية لمصر.. الدوافع والسياق والأهداف

    قد يمثل توجه الإدارة الأمريكية نحو إبرام صفقة طائرات (إف 15) للقاهرة نقلة نوعية في العلاقات المصرية الأمريكية، لا سيما وأن إعلان واشنطن عن الصفقة يأتي بعد عقود من الرفض الأمريكي، كما تأتي في ظل انتقادات أمريكية حادة لسجل نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي المتخم بالانتهاكات في الملف الحقوقي، لكن الأهم في الصفقة أنها تعبر عن تغيُّر في مواقف حكومة الاحتلال الإسرائيلي من النظام في القاهرة في ظل انتقال العلاقات من دائرة السلام البارد قبل ثورة 25 يناير 2011م، إلى السلام الدافئ في أعقاب انقلاب 3 يوليو 2013م،  ثم القفز إلى مرحلة التحالف والتعاون الأمني والمخابراتي الوثيق بين البلدين تحت حكم الجنرل عبدالفتاح السيسي؛ لا سيما وأن تل أبيب كانت دوماً أكبر عائق أمام توريد هذه النوعية من الطائرات بعيدة المدى للقاهرة. الإعلان عن الصفقة جاء على لسان قائد القوات العسكرية في الشرق الأوسط رئيس القيادة المركزية الأمريكية الجنرال فرانك ماكنزي، يوم  الثلاثاء 15 مارس 2022، حيث قال في جلسة استماع بالكونجرس، “أعتقد أن لدينا أخباراً جيدة لمصر تتمثل في أن الولايات المتحدة ستزود مصر على الأرجح بطائرات مقاتلة من طراز F-15”. لكنه لم يكشف عن عدد الطائرات المرتقب بيعها للقاهرة أو موعد إتمام الصفقة. لكنه أوضح أمام  لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، أن الصفقة الوشيكة للطائرات تأتي بعد عملية طويلة الأمد. وقال إنها “عملية طويلة وصعبة. لقد شعروا أن الأمر استغرق وقتاً طويلاً”. الأمر الذي يشير إلى أن القاهرة سعت لاقتناء هذه النوعية منذ عقود، في أعقاب اتفاق كامب ديفيد في مارس 1979م. وهو الاتفاق الذي دشن مرحلة جديدة من العلاقات بين القاهرة وتل أبيب بعد عقود من العداء منذ إقامة (إسرائيل) في مايو 1948م على أنقاض معظم الأراضي الفلسطينية بعدما تمكنت العصابات الصهيونية من تنفيذ مئات المذابح التي قتلت الآلاف وأبادت عشرات القرى عن بكرة أبيها بدعم واسع من الحكومات الأوروبية. فما أهمية هذه الصفقة للجانب المصري؟ وما دلالتها في سياق العلاقات المصرية الأمريكية؟ ولماذا وافقت واشنطن عليها في هذا التوقيت؟ وما الدوافع والأسباب التي أدت إلى تغير الموقف الأمريكي؟ ولماذا أبدت الحكومة الإسرائيلية قبولها بالصفقة رغم عرقلتها لسنوات طويلة؟ وهل يمكن أن تغير موازين القوى في المنطقة سواء على الجهة الشرقية مع إسرائيل أو الجهة الجنوبية حيث إثوبيا؟  وما النتائج المحتملة لها في هذا التوقيت وفي ظل سياق عالمي ملتهب بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا؟ تطور العلاقات المصرية الأمريكية الصفقة تأتي في سياق تعزيز العلاقات المصرية الأمريكية في تناقض صارخ مع تعهدات بايدن عندما انتقد السيسي ووصفه بدكتاتور ترامب المفضل أثناء فترة الترشح للرئاسة، ثم التوقيع على بيان 31 دولة ينتقد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر في مجلس حقوق الإنسان الدولي في مارس 2021م، ثم تلاه بيان الخارجية الأمريكية الذي انتقد بشدة هذه الانتهاكات، ثم الإعلان عن تجميد 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية ورهنها بتحسين ملف حقوق الإنسان في عدد من القضايا،  لكن هذه الصفقة على هذا النحو تجعل من تجميد إدارة بايدن نحو 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية مزحة سخيفة لا يتعين منحها حجما  أكبر بفضل المكافآت السخية التي قدمتها واشنطن تحت إدارة بايدن للسيسي ونظامه لاعتبارات كثيرة. هذه الصفقة هي الثانية خلال شهرين فقط، شرعت إدارة بايدن في يناير 2022، بالإعلان عن صفقتي سلاح ضخمتين لنظام السيسي بقيمة 2.5 مليار دولار، على الرغم من انتقادات الكونجرس الصريحة لسجل مصر في مجال حقوق الإنسان.  الصفقة الأولى بقيمة 2.2 مليار دولار نظير طائرات ومعدات خاصة بها، والثانية (لم يوافق عليها الكونجرس) بقيمة 355 مليون دولار لأنظمة رادار الدفاع الجوي.[[1]] وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، الثلاثاء 25 يناير/كانون الثاني 2022، إن وزارة الخارجية وافقت على صفقة محتملة لبيع 12 طائرة من طراز C-130J Super Hercules والمعدات ذات الصلة مقابل 2.2 مليار دولار، وثلاثة رادارات أرضية من طراز SPS-48 ومعدات ذات صلةٍ مقابل 355 مليون دولار. في فبراير 2021م، وافقت واشنطن على صفقة صواريخ ومعدات عسكرية لنظام السيسي تقدر بنحو 197 مليون دولار، وفقا لتقرير الواشنطن بوست. وفي سبتمبر 2021، شاركت الولايات المتحدة في مناورات النجم الساطع في سبتمبر 2021م، بمشاركة جيوش 21 دولة، وتعتبر  من أكبر التدريبات العسكرية متعددة الجنسيات في العالم. ونشر الجيش المصري مقطع فيديو  لجزء من هذه التدريبات المشتركة التي تجري كل سنتين بمصر منذ اتفاقية “كامب ديفيد” سنة 1979م. وقّعت الولايات المتحدة الأميركية ومصر في 27 أبريل (2021) مذكرة تفاهم لتسهيل تبادل الدعم اللوجستي العسكري والإمدادات والخدمات، وذكر موقع السفارة الأميركية في القاهرة أن واشنطن تبرم مثل هذه الاتفاقيات مع “الدول الشريكة الرئيسة حول العالم. وتعزز هذه الاتفاقيات ذات المنفعة المتبادلة القدرة على دعم التدريبات وعمليات حفظ السلام وبعثات الدعم الإنساني وجهود الإغاثة في حالات الكوارث في جميع أنحاء العالم. وتُسهّل اتفاقيات ومذكرات التفاهم للاستحواذ والخدمات المتبادلة، التشغيل البيني اللوجستي والتعاون العسكري وجاهزية الوحدات وتعزز عنصر المرونة لقادة العمليات”.[[2]] منذ سبتمبر 2021 وحتى مارس 2022، زار قائد القيادة المركزية الأمريكية الفريق أول “كينيث ماكينزي” القاهرة مرتين، حيث التقى والوفد المرافق له رئيس الأركان المصري محمد فريد على هامش متابعة فعاليات “النجم الساطع” بقاعدة محمد نجيب العسكرية. وفي 09 مارس 2022، التقى ماكينزي الفريق أول محمد زكي، وزير الدفاع المصري، بحضور الفريق أحمد خالد قائد القيادة الاستراتيجية والمشرف العام على التصنيع العسكري، وعدد من قادة القوات المسلحة وسفير واشنطن جوناثان كوهين، وفق بيان للجيش المصري آنذاك. وتناول اللقاء “سبل تعزيز علاقات التعاون العسكري”، وسط تبادل وزير الدفاع وماكنيزي التأكيد على أهمية دعم “علاقات الشراكة الاستراتيجية وزيادة التعاون لإرساء دعائم الأمن والاستقرار بالمنطقة”، بحسب البيان ذاته. القدرات القتالية تكتسب هذه الصفقة أهميتها لأن نوعية الطائرة الـ(F 15) أكثر تطورا من الطائرة الـ(F 16)،  فقد سعت واشنطن إلى مكافأة النظام المصري بعد اعترافه بإسرائيل باتفاق كامب ديفيد في مارس 1979م، وذلك بمنح مصر مساعدات عسكرية سنوية تقدر بنحو 1.3 مليار دولار، لا تزال القاهرة تتسلمها حتى اليوم بما يعني أن الجيش المصري تلقى مساعدات أمريكية تقدر بنحو (56 مليار دولار على مدار نحو 43 سنة)، بخلاف مساعدات اقتصادية كانت تصل إلى نحو 800 مليون دولار، جرى تقليصها إلى 200 مليونا ثم توقفت. لكن المساعدات العسكرية لم تتوقف أبدا نظرا للعلاقات الوثيقة التي تربط قيادات الجيش المصري بالولايات المتحدة الأمريكية التي تحرص باستمرار على ضمان أن يكون ولاء الجيش المصري للمصالح الأمريكية في المنطقة. وفي سياق المكافآت الأمريكية أيضا للنظام المصري في أعقاب كامب ديفيد، زودت واشنطن القاهرة بأكثر من 200 طائرة من الأف 16، كما زودت واشنطن القاهرة بأكثر من ألف دبابة من طراز أبرامز، وبهذه الترسانة من طائرات الأف 16 باتت القاهرة رابع دولة تمتلك هذه الطائرات بعد أمريكا وإسرائيل وتركيا. لكن معظم…

تابع القراءة
التداعيات الاقتصادية المحتملة للتعويم الجزئي.. مصر نموذجا

التداعيات الاقتصادية المحتملة للتعويم الجزئي.. مصر نموذجا

    موجات الغلاء الراهنة تعد الأكثر تأثيرا على الطبقات الاجتماعية التي تضم شريحة واسعة من المصريين تقدر بعشرات الملايين من الفقراء والمهمشين وحتى من الطبقة الوسطى، ويمكن عزو أسباب هذه الموجة من الغلاء إلى عدة أسباب، أبرزها تبني النظام العسكري في مصر سياسيات نيو ليبرالية متوحشة لا تضع اعتبارا للبشر بقدر ما يعنيها تستيف الأرقام التي تبرز قوة الاقتصاد فترتفع معدلات النمو وفق الأرقام الحكومية بينما يرتفع عدد الفقراء في الواقع. وكان آخر هذه الإجراءات قرار البنك المركزي يوم الإثنين 21 مارس 2022، بخفض قيمة الجنيه المصري[[1]]  الأمر الذي عده خبراء ومتخصصون «تعويما جزئيا» يترتب عليه المزيد من الغلاء وارتفاع أسعار جميع السلع وعلى رأسها السلع الغذائية الأساسية؛ لأن مصر تستورد أكثر من 65% من غذائها. بالطبع هناك أسباب أخرى لموجات الغلاء الحالية أهمها التداعيات السلبية لتفشي جائحة كورونا منذ مارس 2020 ولمدة سنتين وما تلى ذلك من عمليات إغلاق واسعة لمئات الآلاف من الشركات والمصانع والمحال والأنشطة الاقتصادية، ثم جاء الغزو الروسي لأوكرانيا كسبب ثالث أسهم في ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة إلى مستويات مرعبة تركت الطبقات الفقيرة والمتوسطة تعاني من نزيف مستمر لا يتوقف ويفضي فعليا إلى هبوط عشرات الملايين من المصرين تحت خط الفقر؛ حيث تجاوزت نسبة الفقراء حاليا في مصر بعيدا عن الأرقام الرسمية الملعوب فيها أكثر من 75% من المصريين. هذه المعطيات تركت جراحا عميقة  على المستويين الاقتصادي والاجتماعي على نحو ينذر بحدوث انفجار اجتماعي واسع رفضا لهذه الأوضاع الكارثية وغير المسبوقة، رغم إقرار الحكومة حزمة تحفيزات  مالية طفيفة بهدف الحد من خطورة التدهور المالي والاقتصادي. فما التداعيات الاقتصادية المحتملة للغلاء؟ وما تأثيرها على الشرائح الاجتماعية الأقل دخلا؟ وهل تكفي حزمة التحفيز والدعم الحكومي لمواجهة صحيحة للأزمة؟ أم تؤدي تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية إلى انفجار اجتماعي ضد هذه الأوضاع المتدهورة بما يفضي إلى زعزعة استقرار النظام وصولا إلى الإطاحة به؟ في هذه الورقة نرصد أبرز التداعيات الاقتصادية  للغلاء وارتفاع الأسعار ونحاول الإجابة على الأسئلة الملحة بهذا الشأن. حزمة تحفيزات حكومية وفي محاولة لتخفيف حدة الأزمة قرر النظام  تقديم حزمة الحوافز للبدء بالعمل بها ابتداء من إبريل بدلا من يوليو 2022،  تتضمن الحزمة ــ يدعي النظام أنها 130 مليار جنيه ــ  تحسينا طفيفا للأجور والمعاشات وبعض برامج الحماية الاجتماعية؛ حيث شملت صرف علاوة دورية للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 8٪ من الأجر الوظيفي، بدلًا من 7٪ كما كان مُقررًا بمشروع الموازنة الجديد، وصرف علاوة خاصة لغير المخاطبين بالخدمة المدنية بنسبة 15٪ من الأجر الأساسي، بدلًا من 13٪، على أن يكون الحد الأدنى للعلاوتين 100 جنيه شهريًا، وهو ما يُضيف 36 مليار جنيه على المخصصات المالية المقررة للأجور فى مشروع الموازنة المُقدرة بـ 400 مليار جنيه. فيما استقرت الحوافز الإضافية الشهرية للموظفين المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية والعاملين غير المخاطبين به، بفئات مالية مقطوعة تتراوح ما بين 175 جنيهًا و400 جنيه تبعًا للدرجات الوظيفية، وهي نفس الحوافز بمشروع الموازنة الجديد دون أي زيادة، والتي تم إقرارها في يناير الماضي. كما رفعت «المالية» حد الإعفاء الضريبي من 24 ألف جنيه إلى 30 ألف جنيه وذلك بزيادة قدرها 25٪. ولشبكات الحماية الاجتماعية، أعلنت وزارة المالية تدبير 2.7 مليار جنيه لضم نحو 450 ألف أسرة لقوائم المستفيدين من برنامج «تكافل وكرامة» ليزيد عدد المستفيدين بنسبة 12٪، بينما ستزيد حصة كل أسرة من المخصصات المالية، فقط بنسبة 1.5٪ ما قيمته 80 جنيهًا. ولم تشهد مخصصات برامج «تكافل وكرامة» أي زيادة خلال موازنة العام المالي الجاري، مقارنة بالعام المالي السابق، إذ ظلت المُخصصات عند مستوى 20 مليار جنيه سنويًا لإجمالي 3.8 مليون أسرة مستفيدة، كان نصيبها سنويًا 5260 جنيه للأسرة.[[2]] كما أرجأ النظام تأجيل بعض القوانين في محاولة لامتصاص غضب الشارع وتهدئته، وقد طلبت الحكومة من البرلمان إرجاء مناقشات تشمل تعديلات قوانين: الإيجارات القديمة لأغراض السكن، والأحوال الشخصية (الأسرة)، والإدارة المحلية، والمرور، على أن يتم الاكتفاء في دور الانعقاد الثاني/الحالي بـ”تمرير تعديلات قوانين الضريبة على الدخل، في ما يخص ضريبة التصرفات العقارية، والتأمين الموحد والعمل، بالإضافة إلى مشاريع ربط الموازنة العامة للدولة عن العام المالي 2022-2023″.[[3]] وتبقى هذه  الحزمة التحفيزية طفيفة قياسا إلى حجم التضخم وارتفاع الأسعار، وبالتالي فإن تأثيرها سيكون محدودا في الحد من خطورة الأوضاع؛ الأمر الذي يتعين معه جملة من الإجراءات الأخرى والتوقف عن تقليص مخصصات الدعم وهي الإجراءات التي يبدو أن نظام السيسي غير مستعد لها بدليل أنه تم حذف ملايين المصريين الذين تتجاوز دخولهم نحو 9600 جنيه من الدعم، رغم أن هذا الرقم يجعل صاحبه ضمن قائمة الفقراء المستحقين للدعم قياسا لأسعار الإيجارات والسلع والخدمات الحكومية والصحية والتعليمية والدروس الخصوصية وأسعار الملابس والأجهزة التي ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة. الغلاء المسعور وفقا لاتحاد الغرف التجارية المصري، ارتفع متوسط أسعار اللحوم البلدية من 120 جنيها إلى أكثر من 170 جنيها، كما وصل سعر كيلو الدجاج إلى نحو 45 جنيها بعد أن كان 30 جنيها بينما ارتفع سعر كيلو البانيه من 60 جنيها إلى أكثر من 90 جنيها، ووصل سعر زجاجة زيت القلي بجودة متوسطة إلى 31 جنيها، بينما وصل متوسط سعر زيت الطهي والسمن الصناعي إلى نحو 40 جنيها. ووصل سعر البيضة الواحدة لأكثر من جنيهن ونصف، كما ارتفع سعر كيلو السكر- الحُر غير المدعوم – ليصل إلى 15 جنيها، بينما زاد سعر الأرز بنحو 5 جنيهات مصرية ليصل سعر الكيلو الواحد إلى 15 جنيها مصريا، وهي أسعار غير مسبوقة، قد تعود بشكل عام إلى أزمة في سلاسل التوريد والإنتاج، وارتفاع أسعار التجزئة، وتكلفة الشحن والتخزين وغيرها.[[4]]  كما ارتفعت أسعار جميع الأجهزة المنزلية والإلكترونية والسيارات والدراجات البخارية والملابس المستوردة، ومن أبرز القطاعات التي تأثرت أيضا قطاع الدواء؛  ووفقًا للمحللين، ستتأثر القطاعات بشكل متفاوت جراء خفض قيمة العملة المحلية ورفع سعر الفائدة. وجاء قطاع تصنيع الأدوية في مقدمة القطاعات المتأثرة سلبًا نظرًا لأن نحو 90% من المواد الفعالة المُستخدمة في إنتاج الأدوية مستوردة، وبالتالي تشهد تأثرًا مزدوجًا، من ناحية ارتفاع أسعارها عالميًا، ومن ناحية أخرى انخفاض قيمة العملة المحلية، لذا يُتوقع أن ترتفع أسعار الأدوية خلال الأشهر القادمة.[[5]] هذه الارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع مرشح للزيادة من جديد في أعقاب تقدم الحكومة بطلب إلى صندوق النقد الدولي من أجل قرض جديد هو الرابع خلال السنوات الست الماضية منذ الاتفاق الأول في نوفمبر 2016م.[[6]] حيث تلقى النظام نحو 20 مليار دولار من الصندوق حتى الآن. كما يتجه النظام نحو رفع أسعار الوقود بنسبة تصل إلى نحو 10% بسبب ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق الـ140 دولارا،  وبالتالي فإن اسعار جميع السلع مرشحة للزيادة في اعقاب زيادة أسعار الوقود المرتقبة.  وقابلت الحكومة ذلك بافتعال الأزمات مع عدد من التجار…

تابع القراءة
مشاركة مصرية في المنتدى العالمي التاسع للمياه وحضور لقضية سد النهضة

مشاركة مصرية في المنتدى العالمي التاسع للمياه وحضور لقضية سد النهضة

  انطلقت في العاصمة السنغالية داكار الاثنين أعمال المنتدى العالمي للمياه الذي يستمر من 21 إلى 26 مارس، بحضور دولي كبير، والذي تُسلم خلاله جائزة الملك الحسن الثاني العالمية الكبرى للمياه. وتحت عنوان “الأمن المائي من أجل السلام والتنمية”، يناقش المنتدى في نسخته التاسعة أزمات المياه حول العالم، وهي المرة الأولى التي يُنظم فيها هذا المنتدى في دول إفريقيا جنوب الصحراء. والمنتدى الذي ينظمه المجلس العالمي للمياه، يُعتبر أكبر فعالية عالمية حول المياه، ويجمع قادة دول وحكومات وخبراء ومهتمين بالمياه من المجتمع المدني، يناقشون فيه التحديات التي تواجه العالم في هذا المجال. فما هو المنتدى العالمي للمياه؟ وما هي أهميته؟ وكيف كانت مشاركة مصر في المنتدى؟ وكيف يُمكن الاستفادة من التجارب الناجحة التي تم طرحها في المنتدى؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها خلال هذا التقرير.. المنتدى العالمي التاسع للمياه وأهميته: المنتدى العالمي للمياه هو منتدى عالمي يرتكز على تحديات المياه الرئيسية في إفريقيا والعالم، وهو منتدى محفز للعمل بشأن الالتزامات المتعلقة بالمياه والصرف الصحي، ويتصل بأجندة أهداف التنمية المستدامة، والتزامات اتفاقية سينداي بشأن الأخطار الطبيعية والكوارث، واتفاقية باريس للمناخ، وأجندة إفريقيا 2063. ويركز المنتدى العالمي التاسع للمياه على إعداد متكامل قائم على التبادلات النوعية، والجهات الفاعلة المتعددة حول عدد محدود من الأولويات. ويركز منتدى داكار 2021 على أربع أولويات، هي: تأمين إمدادات المياه والصرف الصحي، وإدارة المياه إدارة جيدة بغية ضمان تحقيق التنمية الريفية، والتعاون، والأدوات والوسائل التي تشمل مسائل التمويل والإدارة بوجه خاص. ويتم تسهيل العملية من خلال مجموعات عمل متخصصة تتمحور حول الأولويات الأربع، وتقود السنغال والمجلس العالمي للمياه مجموعات العمل، وبدعم من الشركاء الاستراتيجيين (الحكومات، والمنظمات الحكومية الدولية، والمنظمات الثنائية والمتعددة الأطراف، والمؤسسات المالية والمنظمات غير الحكومية). وإلى جانب عمل المجموعات، من المُقرر عقد قمة لرؤساء الدول والمؤسسات الدولية الرئيسية للنهوض بجدول الأعمال السياسي الدولي في منتصف جدول أعمال عام 2030 فيما يتعلق بتنفيذ أهداف المياه والصرف الصحي وأهداف التنمية المستدامة.[1] هذا وينظم المجلس العالمي للمياه، الذي يتخذ من مارسيليا مقرًا له، المنتدى العالمي للمياه كل ثلاثة أعوام منذ عام 1997، ويُعد المنتدى فعالية دولية أساسية من بين الفعاليات التي تتناول مسائل المياه العذبة. ويجمع المنتدى حكومات ومؤسسات متعددة الأطراف والقطاع الخاص والمجتمع المدني وجميع الأطراف المعنية من أجل التعاون في التصدي للتحديات العالمية التي يواجهها مجال المياه وإحراز تقدم طويل الأمد في هذا الصدد. وتُمثِّل الدورة التاسعة من هذا المنتدى الذي يُنظم قبل عام من المؤتمر الدولي للمياه الذي سيُعقد عام 2023 برعاية الأمم المتحدة، مرحلة أساسية من أجل قطع التزامات سياسية ومالية فعلية في سبيل بلوغ أهداف التنمية المستدامة، ولاسيما الهدف السادس الذي يرمي إلى ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع وإدارتها إدارة مُستدامة.[2] ويُعد هذا المؤتمر الأول من نوعه الذي ينظم في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث يسعى المنظمون أن تصدر عنه قرارات قوية لتحسين الوصول إلى المياه والتطهير ومعالجة الندرة وقضايا التغيرات المناخية التي تلقي بتحديات كبيرة على مختلف الدول الإفريقية بالخصوص. ومن هنا أهمية هذا المؤتمر العالمي الذي يعرف مشاركة رؤساء دول وحكومات، ومؤسسات دولية ومنظمات من المجتمع المدني، لبحث سُبل معالجة الاختلالات الراهنة في مجال المياه والوصول إليها، وتعزيز السياسات الوطنية بشأن حصول الجميع على المياه والتطهير. وفي مؤتمر دكار سيتم تنظيم عدد من المعارض الموازية لهذا الاجتماع تتمحور جميعها حول موضوع الماء. واعتبر لويك فوشون، رئيس مجلس المياه العالمي، أن هذا المؤتمر هو “منتدى عالمي ولكنه أيضًا منتدى إفريقي وسنغالي”. وأضاف أن المجلس العالمي للمياه الذي يضم ما يقرب من أربعمائة عضو، ودولة، وبرلمانات وحكومات محلية، وسلطات أحواض، وأيضًا منظمات غير حكومية وشركات وجامعات، وجمعيات علمية ومهنية، أراد أن يُعقد على أرض جنوب الصحراء الكبرى لأن إفريقيا تحتاج أكثر من أي مكان آخر إلى حلول لقضايا المياه.[3] مصر في المنتدى العالمي التاسع للمياه: وصل الدكتور محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري، إلى العاصمة السنغالية داكار؛ للمشاركة في المنتدى العالمي التاسع للمياه، نيابةً عن عبد الفتاح السيسي. وصرَّح عبد العاطي بأن المشاركة في هذا المؤتمر المهم تأتي في إطار الشراكة الاستراتيجية بين وزارة الموارد المائية والري والمنتدى العالمي للمياه، والدعم المصري للسنغال في تنظيم المنتدى طبقًا لمذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين في مجال المياه. وأشار إلى حرص الوزارة على نجاح المنتدى نظرًا لما تُمثِّله مثل هذه اللقاءات الدولية من أهمية كبرى في تحقيق التنسيق والتعاون بين مختلف دول العالم، وتبادل الرؤى والأفكار في مجال المياه، الأمر الذي ينعكس على تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمياه في العديد من دول العالم. وأوضح عبد العاطي أنه من المُقرر تنفيذ أنشطة مشتركة بين مصر والسنغال خلال فعاليات المنتدى مع السعي لأن يعكس المنتدى القضايا الإفريقية وتسليط الضوء على تحديات القارة وإيجاد حلول مستدامة لها، ودراسة تبنِّي مسار مشترك يبدأ من المنتدى العالمي التاسع للمياه ويستمر في مؤتمر المناخ القادم المُزمع عقده في مصر في شهر نوفمبر المقبل (COP27). ويُذكر أن مذكرة التفاهم المُوقعة بين مصر والسنغال في شهر أكتوبر الماضي تهدف إلى تحقيق التعاون بين الجانبين في الإعداد للفعاليات المائية التي يستضيفها الطرفان، مثل: المنتدى العالمي التاسع للمياه، وأسابيع المياه في القاهرة، والتعاون المتبادل من أجل تنفيذ المشروعات تحت مظلة “مبادرة داكار ٢٠٢٢”، وتحفيز التبادل المشترك بين المنظمات العامة ومنظمات القطاع الخاص في قطاع المياه من كلا الدولتين، وتبادل الخبراء والمتدربين في جميع مجالات إدارة الموارد المائية وخصوصًا في المجالات التكنولوجية التي تتعلق بنظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد والتنبؤ بالفيضان.[4] وأشار وزير الري إلى التحديات الكبيرة التي تشهدها مصر والعديد من دول العالم في سبيل تحقيق خطة التنمية المستدامة 2030، الأمر الذي يتطلب تحقيق المزيد من التنسيق والتعاون بين مختلف الدول في مجال المياه والذي يُعد أحد ركائز التنمية المستدامة، مستعرضًا حجم التحديات التي يواجهها قطاع المياه في مصر وعلى رأسها الزيادة السكانية ومحدودية الموارد المائية والتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية. وأوضح عبد العاطي أنه تم خلال المنتدى استعراض خطة العمل الدولية بشأن الدفع نحو وضع خطط وسياسات وطنية بدول العالم، والتأكيد على ضرورة اتخاذ عدد من الإجراءات الهامة لتحقيق الأهداف المعنية بالمياه طبقًا لأجندة عام 2030 لتحقيق التنمية المستدامة، مثل ضمان توفير خدمات مياه الشرب والصرف الصحي، وزيادة معدلات تنفيذ مشروعات محطات مياه الشرب والصرف الصحي بالمناطق الريفية. وبحث المنتدى وضع خطط لتحسين نوعية المياه حفاظًا على الصحة العامة، والعمل على زيادة مرونة منظومات المياه والأراضي للتعامل مع التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية، والحفاظ على البيئات المائية، ووضع السياسات والاستراتيجيات لتحقيق التطوير المؤسسي.[5] ويأتي المنتدى في الوقت الذي تواجه فيه مصر أزمة سد النهضة الذي عمدت إثيوبيا إلى بنائه وتشغيله دون النظر لمصالح مصر والسودان المائية. سد النهضة حاضر في…

تابع القراءة
انعقاد القمة الثلاثية فى شرم الشيخ: الدوافع والتداعيات

انعقاد القمة الثلاثية فى شرم الشيخ: الدوافع والتداعيات

    عقد عبد الفتاح السيسي، فى 21 و22 مارس 2022، لقاء ثلاثياً مع ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء الكيان الإسرائيلي نفتالي بينيت، في منتجع شرم الشيخ السياحي على البحر الأحمر بجنوب سيناء، وهى القمة التى تعد الأولى من نوعها بين البلدان الثلاثة. وقال بيان نشره المتحدث الرسمي بسام راضى، إن اللقاء تناول التباحث بشأن تداعيات التطورات العالمية خاصة ما يتعلق بالطاقة، واستقرار الأسواق، والأمن الغذائي، فضلا عن تبادل الرؤى ووجهات النظر تجاه آخر مستجدات عدد من القضايا الدولية والإقليمية. من جانبه، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن الزعماء الثلاثة “بحثوا العلاقات بين الدول الثلاث في ظل آخر التطورات العالمية والإقليمية وسبل تعزيزها على جميع الأصعدة”. فيما ذكرت وكالة أنباء الإمارات الرسمية، أن الاجتماع الثلاثي “تناول تعزيز العلاقات بين الدول وأهمية التعاون والتنسيق والتشاور بما يلبي طموحات التنمية والاستقرار في المنطقة، وأمن الطاقة واستقرار الأسواق العالمية”[1]. ويبدو من البيانات الرسمية للدول الثلاثة أن هناك نوع من التحفظ عن الافصاح عن فحوى هذا اللقاء وما تمخض عنه من نتائج. فيما خرجت أغلب التغطيات والتقارير الإعلامية لهذا اللقاء بنتيجة واحدة وهى؛ سعى كل دولة من الدول الثلاثة إلى الاستفادة من هذه القمة؛ حيث تعمل إسرائيل على أن تكون بديلاً للولايات المتحدة الأمريكية عبر طرح تطمينات للمنطقة ضد عدوين موجودين (الإسلام السياسي المتمثل فى الإخوان المسلمين وتركيا، والتمدد الفارسي الإيراني في لبنان أو سوريا واليمن). أما المصلحة المصرية من هذا اللقاء فتتمثل في إيجاد دعم اقتصادي يمكن أن تلقاه من الإمارات “عرابة التطبيع في الوطن العربي”، كما يبحث السيسي عن أخذ أسعار تفضيلية فيما يتعلق بأسعار الغاز الذي تشتريه مصر من إسرائيل، وتخفيف العبء الاقتصادي على بلاده التي تعاني بشكل كبير خلال الأعوام الأخيرة. أما الإمارات فتستفيد وتوجد لنفسها مكانة قوية وبأوراق كبرى، من خلال توجيه رسالة احتجاج للإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن، والتي تخلت عنها، وجعلتها في مرمى مسيرات وصواريخ الحوثيين[2]. وعليه نسعى فى هذا التقرير إلى التعرض بمزيد من التفاصيل لأهم دوافع هذا اللقاء، وأبرز القضايا المتوقع مناقشتها، فضلًا عن محاولة توقع ما قد يسفر عنه هذا اللقاء من نتائج وتداعيات مستقبلية. أولًا: إنقاذ الاقتصاد المصرى: فقد أثرت الحرب الروسية- الأوكرانية في أسواق الطاقة العالمية، كما طاولت تداعياتها الأمن الغذائي العالمي، إذ تخشى القاهرة، أحد أكبر مستوردي الحبوب في العالم، من تبعات الحرب على حاجاتها من هذه السلعة، التي تستوردها أساساً من البلدين المتحاربين. وقد نالت الحرب من الاقتصاد المصري الذي يعتمد على الاستيراد بدرجة كبيرة. وأعلن البنك المركزي المصري، فى 21 مارس الحالى، خفض سعر الجنيه بنسبة تقارب 18 في المئة، في إطار مساعيه لمواجهة هذه التداعيات، وتأمين اتفاقيات مع مؤسسات دولية لتمويل حاجات البلاد. وقد تسبب ذلك فيما يعتبره كثيرون تعويماً ثانياً أدى إلى انخفاض مفاجئ لقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار بنسبة 15%[3]. ما أدى إلى تزايدت الأضرار الناجمة أصلاً عن تعويم الجنيه سنة 2016. والأرقام غير الرسمية تشير إلى تسرب ما قيمته 14 مليار دولار أمريكي من الديون المستحقة للاستثمارات الأجنبية[4]. وسبق أن أكدت وكالة “رويترز” نقلًا عن مصدر مصرفي إن المستثمرين الأجانب سحبوا ثلاثة مليارات دولار من مصر منذ 24 فبراير الماضي، بالتزامن مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، مع فرار المستثمرين من الأسواق الناشئة بحثًا عن أخرى أكثر أمانًا. يأتى ذلك فى وقت تحتاج مصر إلى الدولارات لمواجهة التقلبات في السوق العالمية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، مع ارتفاع أسعار النفط والقمح بشكل كبير، إضافة إلى فقدها عائدات سياحية من الزائرين الروس والأوكرانيين لمنتجعات البحر الأحمر[5]. وفى ظل هذا الوضع الكارثى الذى يتعرض له الاقتصاد المصرى، والذى قد ينتج ثورات واحتجاجات ضد نظام السيسى، فقد سارعت كلًا من الإمارات وإسرائيل إلى مد يد العون إلى حليفها السيسى. وفى حين تقوم أبو ظبى بضخ مزيد من الاستثمارات فى السوق المصرى لتعويض هروب الاستثمارات الأجنبية من مصر، فإن إسرائيل تقوم بالتوسط لدى المؤسسات الدولية المانحة لتسهيل حصول مصر على قروض جديدة. وإن كان ذلك لم يمنع الدولتين من انتهاز الفرصة للضغط على القاهرة للقبول بمجموعة من المشاريع المشتركة بين أبو ظبى وتل أبيب والتى كانت تعارضها القاهرة. وبالتزامن مع زيارة بن زايد ومشاركته في القمة المصرية الإماراتية الإسرائيلية، فقد اتفق صندوق ثروة في أبوظبي مع مصر على استثمار حوالي ملياري دولار عن طريق شراء حصص مملوكة للدولة المصرية في بعض الشركات، وفقاً لما نقلته وكالة  Bloomberg الأمريكية. وأن جزءاً من الاتفاقية مع الصندوق ينطوي على شراء حوالي 18% من البنك التجاري الدولي (CIB)، ويعد من أكبر البنوك المصرية وأكثرها نجاحاً. كما سيشتري الصندوق حصصاً في أربع شركات أخرى مدرجة في البورصة المصرية، بما في ذلك فوري التي تعد المزود الرئيسي بخدمة الدفع الإلكتروني في البلاد ولها أهمية كبيرة في الاقتصاد والأمن القومي المصري. في غضون ذلك، وافقت شركة الدار العقارية ش.م.ع، بدعم من شركة ألفا أبوظبي القابضة ش.م.ع، على شراء شركة تطوير مصرية تعرف باسم سوديك[6]. كما يشمل الاتفاق الاستحواذ على حصص الحكومة المصرية في شركات: أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، مصر لإنتاج الأسمدة «موبكو»، الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع[7]. وتعتبر الإمارات من أكبر الداعمين الاقتصاديين لنظام السيسي، حيث قدمت دعماً اقتصادياً تشتد الحاجة إليه في شكل استثمارات أو مساعدات أخرى. وأقامت مصر والإمارات منصة استراتيجية مشتركة بقيمة 20 مليار دولار في عام 2019 للاستثمار في مجموعة من القطاعات والأصول. تتم إدارتها من خلال صندوق الثروة السيادي المصري[8]. وفيما يتعلق بالدعم الاقتصادى الذى يمكن أن تقدمه إسرائيل إلى نظام السيسى، فإنه يتركز بصورة رئيسية على الدور الذى يمكن أن تلعبه إسرائيل فى التوسط لدى المؤسسات الدولية المانحة من أجل تسهيل حصول مصر على قروض خارجية. وهنا يمكن الربط بين تزامن انعقاد قمة شرم الشيخ وبين إعلان صندوق النقد الدولي، فى 23 مارس، عن أن مصر طلبت دعمه «لتنفيذ برنامجها الاقتصادي الشامل». وأوضح الصندوق، فى بيانه، أن موظفيه يعملون حاليًا مع المسؤولين المصريين للتحضير لمناقشات برنامج الدعم الجديد، وذلك بعدما رحّب بالإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة «لتوسيع الحماية الاجتماعية وتنفيذ مرونة سعر الصرف»، مشيرًا إلى أن «استمرار مرونة سعر الصرف سيكون ضروريًا لامتصاص الصدمات الخارجية وحماية الهوامش المالية خلال هذه الفترة المضطربة، فضلًا عن الحاجة إلى سياسات مالية ونقدية حكيمة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي»[9]. ومن جانب ثان، فإن إسرائيل قد تساهم فى انعاش السياحة فى مصر. وفى هذا السياق، فقد سبق وأن اتفق السيسى وبينيت، في لقائهما المنعقد فى سبتمبر الماضي بمدينة شرم الشيخ، على إنشاء خط طيران مباشر بين مطار بن غوريون الدولي وشرم الشيخ من شأنه أن يعزز السياحة، حيث ستستأنف الرحلات الجوية من “إسرائيل”، إلى شرم الشيخ. يأتي ذلك،…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022