أزمة مصر المالية.. الأسباب والمآلات

أزمة مصر المالية.. الأسباب والمآلات

      يعاني الاقتصاد المصري من أزمة غير مسبوقة دفعت الخبير الأمريكي المتخصص في الشأن المصري روبرت سبرينجبورج إلى وصف مصر ــ في الدراسة التي أعدها مؤخرا ــ بالدولة المتسولة تحت حكم الجنرال عبد الفتاح السيسي. ويؤكد أن مصر باتت تعيش على المعونات والقروض الخارجية سواء من حلفائها الإقليميين أو الدوليين، وذلك حتى وصلت ديونها الخارجية إلى معدلات غير مسبوقة تقدّر بحوالي 137 مليار دولار في يونيو 2021م وفقا لبيانات البنك المركزي. الوضع في مصر ــ وفقا لدراسة سبرينجبورج التي نشرها موقع مؤسسة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (يوميد) في الأسبوع الأول من يناير 2022م بعنوان: «تتبع مسار المال لتعرف حقيقة مصر السيسي»ــ  ــ لا يمكن أن يستمر على هذا النحو، والحل الوحيد أمام السيسي لمواجهة ذلك مزيد من الاقتراض الأجنبي، وهو مجرد حل مؤقت. ويرى “سبرينجبورج” وهو أستاذ دراسات دولية مرموق في جامعة سيمون فريزر، ومستشار سابق في إدارة وسياسة الشرق الأوسط لصالح الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ووزارة الخارجية الأمريكية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن السيسي يدير مصر كما لو كانت واحدة من الدول الريعية الغنية بالنفط كالسعودية، أو دولة تجارية ناجحة تحت حكم أوتوقراطي، على غرار الصين. لكن الحقيقة أن الاقتصاد المصري بات يعتمد على الدعم الخارجي والقروض أكثر من أي وقت مضى”. من جانب آخر ــ وفقا للدراسة ــ فإن السيسي، الذي جاء إلى السلطة عبر انقلاب على الحكومة الشرعية، يضغط على المواطنين من خلال التخفيض المستمر للدعم وفرض المزيد من الضرائب وزيادة رسوم الخدمات العامة، بالرغم من الدعم الأجنبي الهائل الذي تلقاه والاقتراض الكثيف لنظامه من الداخل والخارج حتى وصل حجم الدين القومي لمصر 370 مليار دولار. في الوقت الذي يضغط فيه السيسي على القطاع الخاص بطرق شتى ليس أقلها “استحواذ الجيش على العديد من المؤسسات الخاصة المربحة”. وتحذر الدراسة من شراهة نظام السيسي في إنفاق المال على نحو كبير، لكن الكماليات، وليست الضروريات الأساسية، هي التي تلتهم الجزء الأكبر من إيرادات الدولة، بالرغم من تزايد عدد السكان.. حيث يعتمد السيسي، الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب، على عامل “الإبهار” من خلال المشاريع الضخمة وشراء الأسلحة بهدف تعزيز شرعيته. وحتى تتمكن مصر من سداد تكاليف هذا السَّرَف في الإنفاق (على تلك المشاريع الضخمة وشراء الأسلحة)، تضغط الحكومة على المواطنين من خلال خفض الدعم، والضرائب التنازلية (حيث تمثل الضريبة التنازلية عبئاً أكبر على الفقراء، بالنظر إلى مواردهم مقارنة بالأثرياء)، وزيادة رسوم الخدمات “العامة”. حيث يعاني المصريون من ركود الأجور وارتفاع الأسعار وارتفاع معدل البطالة، إذ يبلغ دخل حوالي 30 مليون مواطن أقل من 3.20 دولار في اليوم.[[1]] يتزامن حديث سبرينجبورج مع عدة مؤشرات أخرى حدثت على مدار الأسابيع الماضية، تعطي انطباعاً بأن مصر تنتظر مخاضاً صعباً خلال الشهور المقبلة. من ذلك ما يتردّد عن وجود عجز في السيولة المالية لدى البنوك المصرية، وهو ما يؤثر على القدرة الاستيرادية للشركات ورجال الأعمال في بلدٍ يعتمد، في معظم احتياجاته الأساسية، على الواردات، والتي وصلت العام الماضي (2020/2021) إلى ما قيمته 61 مليار دولار، وهو ضعف حجم الصادرات التي وصلت قيمتها إلى نحو 29.7 مليار دولار، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء التي نُشرت منتصف (ديسمبر2021). ولذلك، أعلن البنك المركزي المصري عن مجموعة من الشروط، من أجل منح سيولة طارئة للبنوك، أهمها أن يقتصر ذلك على البنوك ذات الملاءة المالية، مقابل ضمانات كافية، أهمها أن يكون سعر العائد المطبق أعلى من متوسط أسعار الإقراض السائدة في السوق، وأن يكون هذا التمويل قصير الأجل. ولعل أسباب ذلك الإجراء الذي اتخذه البنك المركزي هو الشعور بأن ثمّة أزمة مالية واقتصادية تلوح في الأفق، بسبب سياسات الاقتراض الخارجي التي يتبعها نظام السيسي بشراهة غير مسبوقة، من أجل الإنفاق على مشاريعه الكبرى.[[2]] ويُنتظر أن تتزايد احتياجات الحكومة المصرية هذا العام للحصول على تمويلات لضمان الوفاء بالتزاماتها، خصوصًا في ظل استمرار ضعف الاستثمارات الخارجية المباشرة، وعدم كفاية عائدات التصدير بشكل عام. ومن ناحية أخرى، هناك تحديات مختلفة تنتظر منابع الديون المعتادة، بعضها بسبب تقلبات اقتصادية يشهدها العالم هذه الأيام، والأخرى بسبب علاقات إقليمية معقدة. وقد اعتمدت مصر بشكل أساسي على الديون الخارجية بأشكالها المختلفة خلال السنوات الماضية. وبحسب آخر تقارير البنك المركزي، بلغ إجمالي حجم الدين الخارجي المصري 137.9 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي 2021م، (بزيادة قدرها 14.4 مليار دولار عن نهاية يونيو 2020). هذه القيمة لا تمثل كل أشكال الديون الخارجية، لأن الأرقام الرسمية المصرية تستبعد بعض الأشكال من حساباتها، مثل السندات المحلية التي يشتريها الأجانب. وهو ما يعني أن حجم الديون الفعلي أكبر من ذلك بكثير. يتعين التنويه أيضا إلى أن ما يحل سداده من أقساط وفوائد ديون قصيرة وطويلة الأجل يتجاوز 36 مليار دولار خلال السنة المالية التي تنتهي آخر يونيو 2022، بحسب أرقام البنك المركزي. يمثل هذا نحو ربع إجمالي الدين الخارجي لمصر، كما أنه يقارب فعليًا نحو 90% من إجمالي احتياطي النقد الأجنبي المصري في يونيو 2021. وبسبب هذه التعقيدات، أصبح اللجوء إلى صندوق النقد الدولي مرة ثالثة في غضون ستة أعوام خيارًا مطروحًا بل ضروريا لنظام السيسي.[[3]] كيف يواجه السيسي الأزمة المالية؟ لمواجهة هذه الأزمة المالية غير المسبوقة يعمل نظام السيسي على عدة مسارات: أولا، العمل على الحصول على المزيد من الدعم والمساعدات من ممالك الخليج الثرية التي دعمت انقلاب السيسي في 2013م، ورعته دوليا وقدمت له عشرات المليارات من المساعدات في السنوات التي تلت الانقلاب مباشرة. وترتبط الزيارة التي قام بها السيسي للإمارات يوم الأربعاء 26 يناير 2022م، بهذه المساعي الحثيثة من أجل حلحلة الأزمة المالية التي تواجه النظام ، وهي الزيارة ــ وفقا لموقع مدى مصر ــ  الأولى ضمن عدد من الزيارات يتم ترتيبها لعدد من العواصم الخليجية خلال الأسابيع القادمة، قد تثمر عن اتفاقات تعاون مالي مباشر. لكن، حتى الآن، لا توجد ملامح واضحة لهذه الاتفاقات. وحتى تتضح هذه الملامح، يظل الوضع الراهن كما هو. الوضع الآن هو أن إجمالي الودائع الخليجية انخفض بقيمة 2.2 مليار دولار في نهاية السنة المالية الأخيرة عن السنة التي سبقتها. وفي المقابل، تحتاج الحكومة بصورة مستمرة لسيولة من الدولارات لتغطية واردات منها ما يتعلق بإمدادات الغذاء الرئيسية مثل الأرز والزيت، وضمان استقرار المخزون الآمن من السلع الغذائية الرئيسية التي ارتفعت أسعار بعضها في السوق الدولية لأسباب متنوعة، من بينها تأثر خطوط الإمداد بفعل الوباء، وتأثر بعض المحاصيل بسبب التغير المناخي. يتعين التنويه أيضا إلى أن بعض الديون المصرية جاءت من دول الخليج (على رأسها السعودية والإمارات)، حصلت عليها الحكومة المصرية في صورة ودائع قبل سنوات. بلغ إجمالي ودائع الخليج 15 مليار دولار (حوالي 11% من إجمالي الدين الخارجي المصري) بنهاية العام المالي الماضي 2020/ 2021م. تبلغ قيمة…

تابع القراءة
صفقة السلاح الأمريكية لمصر.. لماذا يكافئ بايدن السيسي؟

صفقة السلاح الأمريكية لمصر.. لماذا يكافئ بايدن السيسي؟

    أثناء ترشح جو بايدن للرئاسة الأمريكية في منتصف 2020م، انتقد رئيس الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، مؤكدا أن إدارته لن تمنح دكتاتور ترامب المفضل شيكا على بياض، مشددا على انتهاكات نظام السيسي المتكررة لحقوق الإنسان لن تقابلها إدارته بالتجاهل والصمت كما تفعل إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب. من ناحية أخرى، وعد أنتوني بلينكن مستشار حملة بايدن للسياسة الخارجية  وقتها والذي يتولى وزارة الخارجية حاليا- خلال محادثة بالفيديو مع نشطاء الجالية العربية الأميركية- بالتزام إدارة بايدن بالمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في تعاملها مع الدول العربية، خاصة السعودية ومصر”.  وقال بلينكن “إن ترامب يفعل الكثير لتقويض مكانتنا الأخلاقية على مستوى العالم وقدرتنا على القيادة، ولنتذكر أنه يطلق على السيسي لقب: دكتاتوري المفضل”. وتعهد بلينكن -الذي سبق أن عمل نائبا لمستشار الأمن القومي في إدارة باراك أوباما- “بأن علاقات الولايات المتحدة مع السعودية ومصر تحت حكم بايدن ستبدو مختلفة تماما عما هي عليه الآن”.[[1]] وعندما فاز بايدن بالرئاسة، ماذا جرى؟ وأين ذهبت هذه الوعود؟ أولا، فاجأت إدارة بايدن العالم وصدمت أنصار حقوق الإنسان في مصر والعالم عندما قررت في فبراير 2021م، وبعد شهر واحد فقط من تولي الرئاسة بموافقة الخارجية  الأمريكية على صفقة صواريخ ومعدات عسكرية لنظام السيسي تقدر بنحو 197 مليون دولار، وفقا لتقرير الواشنطن بوست. ومع تناقض هذه الخطوة مع الوعود التي قطعها بايدن وإدارته حاولت واشنطن التخفيف من الصدمة بالمشاركة في البيان الذي وقع عليه 31 دولة في مارس 2021م، في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهو البيان الذي انتقد الانتهاكات الحقوقية في مصر، وحضَّ سلطات الانقلاب على التوقف عن اللجوء إلى قوانين مكافحة الإرهاب لإسكات المعارضين والحقوقيين والصحافيين وإبقاء المنتقدين في الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى.[[2]]  وفي إبريل 2021، صدر تقرير الخارجية الأمريكية متهما قوات الأمن المصرية بارتكاب “انتهاكات عديدة”، وأن الحكومة المصرية لم تحقق بشكل “شامل” ما ساهم في “خلق بيئة من الإفلات من العقاب”. وتضمن التقرير توجيه الاتهام لنظام السيسي بارتكاب عدة جرائم تشمل “القتل غير القانوني، الاختفاء القسري، التعذيب والعقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة من قبل الحكومة”. ثانيا، رغم أن الإدارة الأمريكية شرعت في سبتمبر 2021م بحجب نحو 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية للنظام المصري بسبب انتهاكاته الواسعة وعدم التزامه في الملف الحقوقي ــ حيث تتلقى مصر 1.3 مليار دولار سنويا كمساعدات عسكرية أمريكية منها 300 مليونا مشروط بحالة حقوق الإنسان ــ   وهي الخطوة التي اُعتبرت مسكا للعصا من المنتصف في ظل رغبة  الإدارة الأمريكية في توثيق العلاقات مع نظام السيسي لاعتبارات تتعلق بالدور الوظيفي الذي يؤديه محليا وإقليميا لخدمة المصالح الأمريكية لا سيما في ملفات فلسطين ومكافحة الإرهاب والأمن الإقليمي، وعلى رأسه ضمان حماية أمن إسرائيل،  إلا أن واشنطن في يناير 2022، فاجأت العالم من جديد بالإعلان  عن صفقتي سلاح ضخمتين لنظام السيسي بقيمة 2.5 مليار دولار، على الرغم من انتقادات الكونجرس الصريحة لسجل مصر في مجال حقوق الإنسان.  الصفقة الأولى بقيمة 2.2 مليار دولار نظير طائرات ومعدات خاصة بها، والثانية بقيمة 355 مليون دولار لأنظمة رادار الدفاع الجوي.[[3]] وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، الثلاثاء 25 يناير/كانون الثاني 2022، إن وزارة الخارجية وافقت على صفقة محتملة لبيع 12 طائرة من طراز C-130J Super Hercules والمعدات ذات الصلة مقابل 2.2 مليار دولار، وثلاثة رادارات أرضية من طراز SPS-48 ومعدات ذات صلةٍ مقابل 355 مليون دولار. ورغم التدهور الحاد في الاقتصاد المصري، وتضخم الديون التي وصلت إلى 137 مليار دولار في يونيو 2021 بحسب بيانات البنك المركزي المصري، واعتماد النظام على القروض وفرض الرسوم والضرائب الباهظة على الشعب،  تشير تقديرات وبيانات معهد”ستوكهولم” المتخصص في صفقات السلاح الدولية إلى زيادة جنونية في صفقات السلاح التي أبرمها نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي في مصر منذ سنة 2014م،  الأمر الذي جعل مصر تحتل الترتيب الثالث عالميا بين الدول المستوردة للسلاح بزيادة بلغت نحو 206%  في الفترة بين 2014 إلى 2019م. وخلال الشهور القليلة الماضية أبرم نظام السيسي عدة صفقات مليارية رغم الوضع الاقتصادي المأزوم وتضخم حجم الديون المصرية إلى نحو 137 مليار دولار في يونيو 2021م وفقا لبيانات البنك المركزي المصري. ومن أشهر صفقات السلاح المصرية خلال الشهور الماضية بخلاف الصفقتين الأمريكتين ما يلي: أولا، في عام 2020، بدأت حكومة السيسي في إبرام أضخم صفقة تسليح مع إيطاليا بقيمة وصلت نحو 10 مليارات دولار، في وقت تأزَّمت فيه العلاقات بين البلدين على خلفية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني. وشملت الصفقة 6 فرقاطات، و20 قاذفة صواريخ، و24 قاذفة مقاتلة من طراز “إم-346″، وقمرا صناعيا. ثانيا، في 3 مايو 2021، وقَّعت مصر عقدا مع فرنسا لشراء 30 طائرة مقاتلة من طراز “رافال” بقيمة 4.5 مليارات دولار، تُدفَع عبر قرض تصل مدته إلى 10 سنوات على الحد الأدنى، ليزداد أسطول مصر من تلك الطائرات إلى 54، بعد صفقة مماثلة عام 2015 شملت 24 مقاتلة. ثالثا، امتدت صفقات العتاد العسكري لعقد صفقات مع ألمانيا بنحو 865 مليون دولار، شملت شراء معدات تجسُّس من ألمانيا، بحسب ما كشفته صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية.[[4]] وقبل رحيل المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل بيوم واحد وافقت على صفقة سلاح ضخمة لنظام السيسي تصل إلى 4.5 مليارات يورو. وتشمل صفقتا الأسلحة الألمانية الأخيرة لمصر توريد شركة “تيسن كروب” الألمانية للأنظمة البحرية ثلاث فرقاطات من طراز “ميكو إيه 200- إي إن” إلى مصر، بالإضافة لتوريد شركة “ديل ديفينس” الألمانية 16 نظام دفاع جوي من طراز “إيريس-تي إس إل إس/إس إل إكس” إلى مصر. رابعا، في غرة فبرير 2022م، أعلن المتحدث العسكري للجيش المصري عن إبرام صفقة أسلحة كبرى مع شركة “هانوا” الكورية الجنوبية للصناعات الدفاعية والعسكرية، لشراء أسلحة مدفعية من طراز “كيه-9 هاوتزر” وهي مدفعية متطورة إضافة إلى أن الصفقة تتضمن التصنيع المشترك للمنظومة الدفاعية المتطورة.[[5]] مدافع الهاوتزر ذاتية الدفع الكورية “K-9” التي يتم نشرها وتشغيلها في كوريا الجنوبية منذ عام 2000 يبلغ مداها 40 كيلومتراً، ويمكنها إطلاق ست طلقات في الدقيقة، وتصل سرعتها القصوى إلى 67 كم/ساعة. كما تمثل تمثل K9 ما يقرب من 50% من سوق مدافع الهاوتزر ذاتية الدفع العالمية، حيث تعمل في سبع دول: كوريا الجنوبية وتركيا وبولندا والهند وفنلندا والنرويج وإستونيا. كما وقعت أستراليا مؤخراً صفقة لـK9 في إطار مشروعها “LAND 8116 المرحلة 1”. ملاحظات على الصفقة الأمريكية الجدير بالملاحظة في الصفقتين الأمريكيتين الأخيرتين في (يناير2022): أولا، أنهما أكبر بنحو 20 مرة من حجم المساعدات المحتجزة (الـ130 مليونا). وفي مؤتمر صحفي، تفادى المتحدث باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، الأسئلة حولهما. عندما سأل أحد الصحفيين: «ما الفائدة من حجب 130 مليون دولار من التمويل العسكري الأجنبي في حين أنك تبيع (لمصر) سلاح بقيمة 2.5 مليار دولار؟»، وهو ما أجاب برايس…

تابع القراءة
إفريقيا بين عامي 2021 و2022

إفريقيا بين عامي 2021 و2022

  شهدت القارة الإفريقية في العام 2021 تطورات مُتفاوتة؛ حيث نجحت في تجاوز بعض عقبات وتداعيات سلبية ألمَّت بالعالم كله جرّاء جائحة كوفيد-19 وما تلاها، وحقَّقت العديد من دولها اختراقات اقتصادية مهمة يُتوقع تعميقها في العام 2022. غير أن العام 2021 شهد وقوع العديد من الانقلابات العسكرية، فيما وُصفه بعودة عهد الانقلابات؛ بعد سلسلة من الانقلابات الناجحة في غينيا ومالي والسودان وتونس والمحاولات الانقلابية في دول أخرى. كما تعاظمت في هذا العام كبرى الأزمات الإفريقية الراهنة في إثيوبيا التي تضم مقر الاتحاد الإفريقي، إضافةً إلى توتر إفريقي- فرنسي ملحوظ، في مُقابل صعود روسي تركي. كما شهد عام 2021 تآكل واضح لأدوار منظمة الاتحاد الإفريقي بشكل كبير، وفي كافة ملفاته تقريبًا، وعجز المنظمات الإقليمية الفرعية مثل إيكواس عن معالجة الأزمات المتصاعدة داخل دول المجموعة لاسيما مالي وغينيا كوناكري، وتعطل مسار منطقة التجارة القارية الإفريقية والاقتصار على إعلانات متكررة عن خطوات مستقبلية وتحالفات محتملة مع دول أخرى (مثل ما تم في القمة التركية- الإفريقية في ديسمبر 2021). انقلابات إفريقيا عام 2021 ومعضلة الانتقال الديمقراطي: شهدت دول تشاد ومالي وغينيا والسودان عودة إلى سبعينات وثمانينيات القرن الماضي حين كان الجنود يقومون بانقلابات على الحكومات المدنية بانتظام، وبعدما تغير هذا النهج؛ عاد من جديد للظهور بقوة في إفريقيا هذا العام. وفي تونس انقلب الرئيس المُنتخب قيس سعيد على الحكومة والبرلمان؛ مُستئثرًا بمعظم السلطات في خطوات وُصفت بالانقلاب الناعم، بعد  تجميده للبرلمان وتعليق العمل بالكثير من مواد الدستور، لكنه ظل يدافع وأنصاره عن شرعية إجراءاته وقانونيتها معتمدًا على مواد من الدستور نفسه. هذا وتتمركز معضلة الانتقال الديمقراطي في إفريقيا في حالتين بارزتين؛ أولهما السودان الذي يمر بمرحلة انتقالية منذ سقوط الرئيس عمر البشير (أبريل 2019)؛ وثانيهما إثيوبيا ثاني أكبر دول إفريقيا عددًا في السكان، والتي أطلق رئيس وزرائها قبل نهاية العام 2021 دعوة لحوار وطني شامل، ربما تكون لها تداعياتها الحقيقية في العام 2022. وقد تسارعت الأحداث في السودان منذ انقلاب رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ثم عودة حمدوك ثم استقالته. أما إثيوبيا، التي مثَّلت البؤرة الأكثر دموية في إفريقيا في العام 2021؛ إلا أن العام 2021 قد انتهى بإعلان رئيس الوزراء آبي أحمد نهاية المرحلة الأولى من عمليات القوات الفيدرالية العسكرية في عدد من أقاليم البلاد أبرزها العفر والأمهرا المجاورين لإقليم التيجراي، ثم إطلاقه حوارًا وطنيًا شاملًا يتوقع أن يشمل إقليم التيجراي وقيادته السياسية رغم التحفظات المبدئية التي أعلنها نظام آبي أحمد وفسَّرها البعض بأنها لتعزيز موقفه التفاوضي ليس أكثر. ارتدادات ديمقراطية تقابلها تطورات: من الارتدادات الديمقراطية التي حدثت في القارة عام 2021؛ نجد إعادة انتخاب يوري موسيفيني حاكمًا لأوغندا لولاية سادسة في يناير. والذي فاز رسميًا في الانتخابات بنحو 59% من الأصوات، والتي اعتُبرت أكبر عملية تزوير انتخابي في تاريخ أوغندا. وتحت دريعة كورونا؛ تمكَّن الحكام المستبدين على غرار يويري موسيفيني من توسيع سلطتهم في عام 2021. برغم كل ما سبق تظل شعوب دول إفريقيا تفضل الديمقراطية على أي شكل آخر من أشكال الحكم. ويتضح هذا من خلال الاحتجاجات الحاشدة في العديد من دول إفريقيا، كما حدث في السودان ضد الانقلاب العسكري للبرهان، وفي السنغال ضد الرئيس الاستبدادي ماكي سال. كما اندلعت مظاهرات عنيفة ضد الملك الاستبدادي مسواتي الثالث في إيسواتيني أيضًا، لكن قوات الجيش والشرطة نكلوا بهم وقمعوا تظاهراتهم. وفي الشمال الإفريقي شهد عام 2021 تراجع للتيار الإسلامي بدا واضحًا في انتخابات الجزائر والمغرب، وكذلك في الانقلاب الناعم للرئيس التونسي قيس سعيد. لكن في دول أخرى ما زالت المؤسسات الديمقراطية تواصل عملها، ففي زامبيا مثلًا قادت انتخابات أغسطس إلى تغيير سلمي للسلطة. وفي جنوب إفريقيا قضت إحدى المحاكم بسجن الرئيس السابق جاكوب زوما، الذي تم إطلاق سراحه بعد ذلك بوقت قصير لأسباب صحية. وشهدت صوماليلاند تجربة انتخابية رائدة. القوى الدولية وإفريقيا عام 2021: شهد عام 2021 صعودًا للنفوذ الروسي في المنطقة على حساب التراجع الفرنسي، مع محاولات تركية للتوغل في منطقتي القرن والساحل الإفريقيين، وكذلك محاولات أمريكية لاستعادة السيطرة في إفريقيا. ومن المُلاحظ خلال العام أن الاعتبارات الجيوسياسية أضحت هي الحاكمة في تعاملات القوى الكبرى مع إفريقيا. وقد أدَّى التكالب الدولي المتزايد على استغلال الموارد الإفريقية إلى نشوب صراعات بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة؛ حيث تتنافس الولايات المتحدة والصين وروسيا وغيرها من القوى الكبرى التقليدية والقوى المتوسطة الصاعدة من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية وطرق التجارة الاستراتيجية. وقد صاحب ذلك وجود اتجاهين رئيسيين: أولهما؛ يتمثل في تمدُّد الشبكات الإرهابية العابرة للحدود في الساحل وشرق إفريقيا بالمعنى الواسع، والذي يستند على وجود وفرة من المقاتلين الأجانب المتجولين. وثانيهما؛ يتمثَّل في انتشار القواعد العسكرية الأجنبية وسط التوترات الجيوسياسية الصينية الأمريكية المتزايدة. ومن المُرجَّح أن يؤثِّر الوجود الأجنبي على تأجيج الصراعات الإفريقية، كما باتت السياسة الأمريكية تؤكد على مفاهيم الاحتواء القديمة التي تعتبر الحروب بالوكالة أرخص تأمين في العالم؛ نظرًا لمخاطرها السياسية المحدودة، والتكاليف البشرية التي تتحملها الأطراف المحرِّكة لها من الخارج. إفريقيا عام 2022: سيأتي عام 2022 باختبارات جديدة لميل سكان دول إفريقيا إلى الديمقراطية، وهناك ثلاثة اتجاهات حاكمة تُشكِّل ملامح المستقبل الإفريقي خلال المرحلة القصيرة القادمة. أولها؛ زيادة النفوذ الروسي؛ فمن المرجَّح أن تحاول روسيا استغلال الفراغ الناجم عن خفض الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، ممَّا سيؤدِّي إلى تغيير بِنية التحالفات مع الجماعات المسلحة وفيما بينها. وقد دفعت خطة فرنسا لخفض عدد القوات الموجودة في منطقة الساحل اعتبارًا من فبراير 2022 حكام مالي العسكريين إلى اللجوء إلى روسيا لملء هذا الفراغ الأمني. وإذا قررت فرنسا التركيز على مهام مكافحة الإرهاب في جنوب الساحل؛ فإن ذلك يعني تخفيف الضغط على الجماعات الإرهابية التي تستفيد منه لتوسيع نطاق سيطرتها على السكان المدنيين في شمال ووسط مالي، واستخدام الأراضي التي تم الاستيلاء عليها كقواعد لشن هجمات إقليمية. ومن المرجَّح أيضًا أن تتغير التحالفات بين الجماعات الإرهابية مع تغيُّر النفوذ الجيوسياسي. ربما ينشق مسلحون من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتنظيم داعش في غرب إفريقيا، وينضمون إلى الجماعات المتنافسة مع تغيُّر ديناميات السيطرة على الأراضي، ممَّا قد يتسبَّب في تشكيل تحالفات فضفاضة بين الجماعات، وتكون النتيجة هي زيادة قدرة هذه الجماعات على البقاء والتمدُّد نتيجة زيادة قدرتها على شنّ الهجمات. وثانيها؛ استمرار الصراع في القرن الإفريقي؛ فحتى إذا تم التوصل إلى حل للنزاع الإثيوبي بين النخب السياسية، فسوف تتعمق التوترات العرقية، وستتفاقم الأزمة الإنسانية خلال العام المقبل، مما يُلحق الضرر بالاقتصادات الإقليمية في القرن الإفريقي بأَسره. حيث ستُلحق تلك الأزمة الإنسانية الضرر بالاقتصادات المجاورة في الصومال وإريتريا وكينيا، فضلًا عن الأضرار التي تلحق بالجهود الجارية لدمج اقتصادات إثيوبيا والصومال وإريتريا فيما عُرف بتجمع القرن الإفريقي. علاوةً على ذلك، قد تتأثر…

تابع القراءة
«الإخوان هيحكموا وهيمشوا».. قراءة في اعتراف السيسي للسفيرة الأمريكية

«الإخوان هيحكموا وهيمشوا».. قراءة في اعتراف السيسي للسفيرة الأمريكية

    خلال جلسات النسخة الرابعة من منتدى شباب العالم التي أقيمت في الفترة من 10 إلى 13 يناير 2022م بمدينة شرم الشيخ، اعترف عبدالفتاح السيسي ــ خلال لقاء “شركاء التنمية” على هامش المنتدى، أنه في سنة 2011م، التقى السفيرة الأمريكية (يقصد آن باترسون)، فسألته: مين اللي ممكن يحكم مصر؟، فرد عليها: الإخوان. قالت: وبعدين؟ قال لها: وهيمشوا. وتابع: قالت لي: ليه؟ قلت لها: الشعب المصري ده لا يحكم بالقوة، ميخشش الجامع والكنيسة بالعافية، وده اللي حصل، والكلام مسجل في محاضر رسمية”.[[1]] هذا الاعتراف من السيسي نفسه هو بحد ذاته دليل إدانة جديد ضده؛ فما فعله هو الخيانة والتآمر ضد الأمن القومي للبلاد وفق المفاهيم القانونية المجرة؛ الأمر الذي يستوجب محاكمته بتهمة الخيانة العظمي؛ إذ كيف لمدير جهاز المخابرات الحربية أن يناقش أسرار الدولة مع سفيرة أجنبية؟ ألا يعد اعتراف السيسي برهانا على أن التجهيز للانقلاب كان مبكرا جدا؟ ألا يمكن أن نفهم من اعترافه هذا أن العسكر ربما كانوا قد وضعوا خطة استدراج للإخوان؟ هذه الخطة التي تضمنت أكثر من سيناريو، الأول هو دعم مرشح عسكري للفوز بالرئاسة وهو ما حدث من خلال الدفع بالفريق أحمد شفيق، فإذا فاز تعود السلطة للجيش بشكل شرعي ورسمي. وإذا خسر يتم التعامل مع السيناريو الآخر وهو شيطنة الإخوان ثم الانقضاض عليهم بانقلاب عسكري، وهو ما جرى تماما بانقلاب 03 يوليو 2013م. من جانب آخر تكشف اعترافات السيسي أن السفيرة الأمريكية سكتت عندما أخبرها الجنرال أنه الإخوان سيحكمون البلد وهيمشوا بعد ذلك، وهو ما تكرر لاحقا في مارس 2013م، أثناء الزيارة التي قام به وزير الخارجية الأمريكية وقتها جون كيري إلى القاهرة؛ حيث التقى الرئيس مرسي، والتقى بعدها بالسيسي؛ ووفقا للمعلومات التي جمعها  الصحفي الأمريكي “كيركباتريك”، مدير مكتب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية بالقاهرة خلال فترة الانقلاب في كتابه “بين أيدي العسكر.. الحرية والفوضى في مصر والشرق الأوسط”، كان اللقاءان مختلفين، فقد ازدرى كيري الرئيس مرسي، ورآه غير جدير بالدعم الأميركي. لكنه خرج مرتاحا من لقائه بالسيسي، وحكى لاحقا للصحفي كيركباتريك أن السيسي قال له “لن أدع بلدي تنزلق إلى المجهول”، وحينئذ علم الوزير الأميركي أن أمر مرسي قد انتهى، كما يقول كيباتريك. تفسير ذلك أن كيرى والمسئولين الأمريكيين عموما دائما ما يجدون انصياعا من المسئولين في مصر للأوامر والتوجيهات الأمريكية ويضعون اعتبارا كبيرا للمصالح الأمريكية في مصر والمنطقة حتى لو كانت على حساب الأمن القومي المصري، وانتهاكا للسيادة المصرية والقرار الوطني، فلما وجد كيرى من مرسي ندية غير معهودة من حكام مصر السابقين أبدى غضبه الشديد في تحريض واضح للجيش على الانقلاب، وتعزز هذا التحريض السافر للانقلاب بصمت كيرى إزاء تصريح السيسي بأنه “لن يترك بلاده تنزلق إلى المجهول”  فهي عبارة تؤكد أن السيسي يستأذن الأمريكان في تدبير الانقلاب قبل 4 شهور من تنفيذه، وجاء صمت كيرى بمثابة ضوء أخضر من أجل حماية المصالح الأمريكية وعلى رأسها ضمان وجود نظام مصري يعطي أولوية للعلاقة مع إسرائيل وضمان أمنها. وللسيسي اعتراف آخر  نادر في فحواه ومحتواه، عندما أقر بأنه كان على تواصل دائم في الشهور التي سبقت الانقلاب بوزير الدفاع الأمريكي تشاك هيجل؛ حيث مثلت العلاقة بينهما في هذا التوقيت محطة فارقة في الإشراف الأمريكي المباشر على الانقلاب قبل وقوعه بعدة شهور؛ وقد أورد “كيباتريك” في كتابه توثيقا لهذه اللقاءات التي تؤكد أن السيسي كان يمارس جريمة الخيانة العظمى والتآمر مع دولة أجنبية من أجل تنفيذ الانقلاب، وقد نشر “كيباتريك” تفاصيل هذه اللقاءات في كتابه كما نشرتها “نيويورك تايمز” في 27 يوليو 2018م. فهيجل الذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري واليمين المتطرف استعان به أوباما المنتمي للحزب الديمقراطي كوزير للدفاع؛ لكنه لم يعمل بانسجام مع رؤية الرئيس وفقا لمصادر عديدة. وقد أفصح هيجل عن ذلك في حوار أجراه معه “كيباترك” عام 2016م، أوضح فيه أن الشكاوى بحق الرئيس مرسي انهالت عليه من إسرائيل والسعودية والإمارات. وأضاف هيجل أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد “الحاكم الفعلي للإمارات” وصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها “أعظم خطر يتربص بالشرق الأوسط في يومنا هذا”. ومثل «الخط الساخن» بين السيسي وهيجل محطة مركزية في الرعاية الأمريكية للانقلاب والإشراف على أدق تفاصيله قبل شهور من التنفيذ. وبينما كانت آن باترسون -مرؤوسة كيري- توجه في القاهرة دعوات للمصريين لاحترام الممارسة الانتخابية ونتائجها، وألا ينجروا إلى حراك مجهول العواقب، كان وزير الدفاع تشاك هيجل يجري اتصالات هاتفية شبه يومية بالسيسي من أجل وضع النقاط على الحروف لمخطط الانقلاب. يقول كيركباتريك إن البيت الأبيض أرسل إلى هيجل نقاطا لاستخدامها في حديثه مع السيسي لتحذيره من أن واشنطن ستعاقب أي انقلاب على السلطة في مصر. لكن الرسالة التي نقلها هيغل للسيسي كانت “مختلفة كليا”.  وبحسب مسئول رفيع في مجلس الأمن القومي الأمريكي اطلع على نصوص المحادثات الهاتفية بين السيسي وهيجل، فإن البيت الأبيض أراد من هيجل نقل رسالة للسيسي تقول إن الديمقراطية مهمة في إشارة إلى التحذير من انقلاب وشيك،  لكن هيجل نقلها بشكل مختلف، قائلا: “نريد علاقة طيبة”! وهي عبارة تمثل في مضمونها تحريضا على سياسات الرئيس مرسي وتمثل ضوءا أخضر جديدا من مسئول أمريكي رفيع للسيسي بالشروع في انقلابه المشئوم. بل إن هيجل خاطب السيسي قائلا «أنا لا أعيش في القاهرة، أنت تعيش فيها. عليك أن تصون أمنك وأن تصون بلادك»، وهي عبارة بالغة التحريض على الانقلاب، وتؤكد أن جنرالات الجيش الأمريكي والسي آي إيه يفضلون أن يكون رؤساء مصر من نظرائهم الجنرالات في الجيش المصري لسهولة التعامل معهم وحتى تجنيدهم لخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية، بحكم العلاقة الوثيقة التي تربط بين الجيش المصري والأمريكي منذ  اتفاق “كامب ديفيد” 1979م، والمساعدات العسكرية الأمريكية للمؤسسة العسكرية المصرية التي تصل إلى نحو 1.3 مليار دولار سنويا، بخلاف الدورات التي يجريها الجيش الأمريكي لكبار القادة في الجيش المصري والتي مكنت الأمريكان من تحقيق اختراقات واسعة في صفوف الجيش المصري وفي أعلى رتبه العسكرية. ويمكن الجزم بأنه لا يصل إلى الرتب الرفيعة داخل المؤسسة العسكرية المصرية إلا من ترضى عنهم واشنطن تمام الرضا وهو ما يمكنها من تحقيق مصالحها بأقل تكلفة وضمان أمن إسرائيل باعتباره أولوية أمريكية مطلقة. كما تلقى السيسي تشجيعا على الانقلاب ضد مرسي والمسار الديمقراطي من مسئول أمريكي رفيع آخر هو مايكل فلين الذين كان يشغل رئيس وكالة المخابرات  الدفاعية الأمريكية، والذي زار القاهرة  في ربيع 2013م من أجل الحديث مع كبار جنرالات الجيش حول مستقبل حكم الرئيس محمد مرسي؛ ولكي نفهم أبعاد الدور الذي قام به فلين خلال زيارته التي حظيت بالسرية والكتمان حول طبيعة النقاشات التي دارت وقتها فإن “كيباتريك” يقول إن فلين أخبره في 2016م أن «الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة “أيديولوجيا واحدة”. وهي ذات أفكار اليمين المتطرف بالحزب الجمهوري ولذلك…

تابع القراءة
النسخة الرابعة لمنتدى شباب العالم.. أسئلة الجدوى والرسائل

النسخة الرابعة لمنتدى شباب العالم.. أسئلة الجدوى والرسائل

    لا ينكر أحد أن ديون مصر في السنوات الأخيرة منذ انقلاب 03 يوليو 2013م بلغت مستويات مرعبة؛ فقد ارتفعت الديون الخارجية من 43 مليار دولار في يونيو 2013م إلى أكثر من 140 مليارا في يونيو 2021م، بينما قفزت الديون المحلية من 1.3 تريليون جنيه إلى نحو 6 تريليونات حاليا. هذه حقيقة لا تقبل الجدل أو الإنكار، ورغم تراجع إيرادات الدولة لأسباب كثيرة أبرزها عدم قدرة النظام على إدارة موارد الدولة بشكل صحيح، والفساد المستشري كالسرطان في مفاصل الدولة من جانب آخر، وتداعيات تفشي جائحة كورونا من جهة ثالثة، إلا أن نظام السيسي خلال النصف الأول من يناير 2022م، ارتكب خطيئتين تكشفان كم تدار الدولة المصرية بعقول السفهاء: الخطيئة الأولى، هي تنظيم رحلات لمجموعات شبابية موالية للنظام (تضم المئات) معظمهم أبناء لواء وجنرالات كبار، وأقارب نواب بالبرلمان إلى الكاميرون بدعوى تشجيع المنتخب الوطني لكرة القدم الذي يشارك حاليا في بطولة كأس الأمم الإفريقية، على أن يدفع المشاركون الذين تم اختيارهم من جانب الأجهزة الأمنية وحزب “مستقبل وطن”، اشتراكا رمزيا، بينما تتولى وزارة الشباب والرياضة وشركة “برزنتيشن سبورتس” التابعة لصندوق استثماري تملكه المخابرات العامة تكاليف هذه الرحلات من سفر وإقامة ونفقات من الألف إلى الياء. بما يعني أن هذه الفسحة لأبناء الموالين للنظام  مدفوعة الأجر من ميزانية الدولة وجيوب الشعب المصري![[1]] وحرص أبناء وأقارب أعضاء مجلسي النواب والشيوخ على اصطحاب الأعلام والطبول الخاصة بتشجيع منتخب مصر، خلال توجههم إلى الكاميرون على متن رحلة خاصة تنظمها شركة “مصر للطيران” الوطنية. الخطيئة الثانية، هي إصرار النظام على إقامة النسخة الرابعة من منتدى شباب العالم، بمدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء في الفترة من 10 إلى 13 يناير 2022م، تحت شعار «العودة معا»، بحضور رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي وقرينته، وولي عهد الأردن الأمير الحسين بن عبد الله الثاني. ومشاركة شباب من 160 دولة بالعالم.  وهو المنتدى الذي تحول إلى طقس سنوي في أعوام 2017و2018و2019م، ثم توقف بسبب تفشي جائحة كورونا. ومن عجائب الأمور أن الجنرال عبدالفتاح السيسي الذي اغتصب الحكم بانقلاب عسكري، وقتل آلاف المصريين، واعتقل عشرات الآلاف ويمارس أبشع صور التعذيب والانتهاكات بعدما أطلق يد أجهزته الأمنية تفعل ما تشاء دون خوف من مساءلة أو حساب، تحدث في كلمته الافتتاحية في المنتدى عن حتمية الحوار لحل الخلافات!! والسيسي الذي يرتكب كل الموبقات والجرائم يدعو العالم إلى العمل معاً على تجاوز تحديات البقاء وإنهاء الأزمات الراهنة، من أجل الإنسانية وإحلال السلام!! مؤكدا ــ وهو الذي أغلق جميع منافذ الحوار بعدما أمم الحياة السياسية في مصر ــ أن “إخلاص النوايا هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراعات وإدارة الاختلاف في العالم”!. مبلغ الدهشة هنا، أن السيسي الحريص كل الحرص على خفض الدعم ورفع أسعار الخبز وسلع التموين الأساسية التي يستفيد منه عشرات الملايين من الفقراء ، نراه في منتهى التبذير على  مؤتمراته ومنتدياته ومشروعاته التي لم تحقق للشعب سوى البؤس والفقر والشقاء؛ فلماذا التقتير على الشعب والتبذير على شلته ومناصريه؟ ولم التقشف للشعب والمنح والمزايا والعطاءات لأنصاره ومؤيديه؟!  فقد تم حجز 6 فنادق كبيرة في شرم الشيخ (5 نجوم)، بخلاف نحو 5 آلاف شاب وفتاة من المتطوعين لتنظيمه، واستضاف المنتدى 15 ألف شاب وفتاة من 160 دولة، أقاموا من يوم 7 حتى 15 يناير 2022م، ويبلغ سعر الغرفة الفندقية في الليلة الواحدة من 2000 جنيه (130 دولار)، إلى 7000 جنيه (450 دولار). كما يصل سعر تذكرة الطائرة من القاهرة للمدينة نفسها، إلى 3 آلاف جنيه؛ معنى ذلك أن مصاريف المنتدى تصل  إلى أكثر من 700 مليون جنيه، بخلاف النفقات الأمنية واللوجستية والإعلامية وتسخير جميع مؤسسات الدولة لهذا المهرجان السنوي. وكان مصدر مطلع في اللجنة المنظمة للنسخة السابقة من منتدى شباب العالم في أواخر عام 2019، قد كشف أن تكلفة النسخة الثالثة من المنتدى تجاوزت 600 مليون جنيه مصري (نحو 38 مليون دولار)، تحمّلت الجانب الأكبر منها عدة مصارف حكومية، بالإضافة إلى شركة “وي” للاتصالات، التي تستحوذ الاستخبارات على حصة حاكمة فيها؛ وسط توقعات بارتفاع تكلفة النسخة الحالية من المنتدى بسبب الإجراءات المصاحبة لأزمة تفشي جائحة كورونا. وكشفت الاستعدادات والتجهيزات في مدينة شرم الشيخ، لاستقبال النسخة الحالية، عن تمويل ضخم تم رصده لهذا الحدث السنوي الذي يتم تنظيمه برعاية السيسي، دون الإفصاح عن ميزانية أو مصادر تمويله رسمياً؛ الأمر الذي لاقى انتقادات كثيرة، وسط تساؤلات عن جدوى إقامة مثل هذه المنتديات وتسخير كل أجهزة الدولة في عملية الاستعداد للمناسبة، وإهدار طاقات هائلة واستنزاف جهود الآلاف وأوقاتهم، وتبذير مئات الملايين على «مكلمة» مفتعلة، لا يكف فيها السيسي عن التشبث بالميكروفون مديرا ظهره للجميع ليعزف نشازا من هذيان لا يتوقف ولا خير فيه، ورغم التبذير الواسع إلا أن المحصلة هي «صفر كبير»، ومزيد من إفقار الدولة وإهدار أموالها على أمور عبثية. وحتى مبررات النظام ومزاعمه بأن الرعاة يتكفلون بتغطية ميزانية جميع أحداث وفعاليات المنتدى بالكامل، حرصاً منه على عدم المساس بالموازنة العامة للدولة، وأن كل مصروفات المنتدى من خارج الموازنة العامة ولا تحمّلها أي أعباء، إلا أن الواقع غير ذلك، ولم تعد تنطلي هذه الأكاذيب على الناس، وخير برهان على ذلك مشروع العاصمة الإدارية الذي يتم الإنفاق عليه من ميزانية الدولة بعدما هربت جميع الشركات الأجنبية ورفضت المشاركة فيه. والحقائق تؤكد أن شركة مصر للطيران تحملت تكاليف نقل الآلاف من ضيوف المهرجان من خارج مصر ومن داخلها إلى مدينة شرم الشيخ، وهي بالطبع فاتورة كبيرة جداً، حيث أعلنت الشركة عن تنظيم 80 رحلة من مطار القاهرة إلى مطار شرم الشيخ خلال الفترة من 7 إلى 15 يناير، بأحدث طائرات الشركة لنقل الضيوف المشاركين.  ذلك بالإضافة إلى الأموال التي ترصدها محافظة جنوب سيناء ووزارة الداخلية من أجل التأمين وما إلى ذلك من أمور لوجستية، بخلاف مصاريف إقامة الضيوف في مدينة شرم الشيخ السياحية في الفنادق ذات الخمس نجوم، حتى وإن تتحمّلها تلك الفنادق أو تتحمّلها شركات خاصة أخرى، فإن ذلك يعتبر أيضاً إهداراً لموارد الدولة، لأن تلك الفنادق والشركات هي جزء من الدولة ومن المنظومة الاقتصادية للدولة. فالرعاة هم مؤسسات حكومية بالأساس مثل بنوك الأهلي المصري، ومصر، والقاهرة، والبريد المصري، والمصرية للاتصالات”.[[2]] بالإضافة إلى مؤسسات وجهات أخرى منها بنوك التجاري الدولي، والعربي الأفريقي الدولي، والأهلي القطري، والمصرف المتحد، ومجموعة طلعت مصطفى، ومجموعة سيراميكا كليوباترا، وحديد عز، وشركة بنية، وشركة بالم هيلز للتطوير العقاري، وموقع طلبات، وشركة بيبسيكو الدولية، وجامعة MSA، وجامعة المستقبل، وجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وشركة almentor للتعليم عن بعد، وشركة ايفا فارما، وأبو غالي موتورز، والمجموعة المالية “هيرميس”، وشركة هواوي. وبالطبع فإن كل دولار تدفعه هذه المؤسسات يخصم فورا من المستحقات الضريبية عليها،  أو يستبدل بامتيازات أخرى تحقق لها…

تابع القراءة
قرار مجلس النواب باسقاط حكومة الدبيبة: قراءة فى الدوافع وردود الأفعال

قرار مجلس النواب بإسقاط حكومة الدبيبة: قراءة فى الدوافع وردود الأفعال

  دفع مجلس النواب الليبي بعدة قرارات جملة واحدة إلى مشهد البلاد السائر في متاهات الغموض، لتزيد من شدة غموض المراحل المقبلة، بدلاً من تحديدها وتوضيح مصيرها، ومن أبرز تلك القرارات انتهاء ولاية الحكومة، والاعلان عن تشكيل غيرها منفرداً، من دون إشراك المجلس الأعلى للدولة. فقد أنهى مجلس النواب جلستيه، فى 24 و25 يناير 2022، من دون أن يحدد مصير الانتخابات، التي تُركت مواعيدها مفتوحة، ومن دون أن يبين أساسها الدستوري، وحتى أمر الحكومة، التي أكد انتهاء ولايتها، وأعلن فتح باب الترشح لمنصب رئيس الحكومة، وتركه معلقاً من دون أن يحدد موعداً لتقديم الترشيحات. فضلًا عن اسقاط شرط تقاسم مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة تزكية المرشح لرئيس الحكومة بناءً على تصويت بين النواب، بواقع 30 صوتاً رفض الشرط مقابل 21 صوتاً قبل ببقائه، في خطوة اعتبرها العديد من المراقبين ضرباً جديداً للمسار التوافقي، وجهود التقارب الأخيرة مع مجلس الدولة[1]. ويمكن قراءة الدوافع التى تقف خلف قرار مجلس النواب باسقاط حكومة الدبيبة واستبعاد المجلس الأعلى للدولة من تشكيل الحكومة الجديدة، وكذلك ردود الأفعال التى أثارتها تلك القرارات، كما يلى: أولًا: حكومة الدبيبة: تأتى قرارات مجلس النواب باسقاط حكومة الوحدة الوطنية الحالية فى ظل الصراع الدائر بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، وهو الصراع الذى تحول إلى ما يشبه المعركة السياسية، والذى لجأ كلًا منهما إلى استخدام أوراقه وأسلحته لِلَي ذراع الآخر. فقد سبق أن صوت مجلس النواب، في سبتمبر 2021، على سحب الثقة من حكومة الدبيبة، بيد أن عملية تنفيذ هذا القرار تعثرت بسبب الرفض الدولي الواسع. وعلى الرغم من ذلك، لم تتوقف محاولات عقيلة لاسقاط حكومة الدبيبة، فقد عقد عقيلة صالح لقاءً مع نائب رئيس المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، في 15 يناير الجاري، لبحث مسار الانتخابات، وسرت إشاعات على مواقع التواصل الاجتماعي أنه تم الاتفاق على تشكيل حكومة تكنوقراط مصغرة، وعلى الرغم من نفي بعض أعضاء البرلمان صحة هذه الوثيقة، فإن مصادر حكومية وبرلمانية رفضت التعقيب عليها، وهو ما أضفى مصداقية عليها. كما أن ثمة أخباراً متداولة أشارت إلى وجود مساعٍ لتشكيل حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، خاصة بعد اللقاء الذى عقده مؤخرًا مع خليفة حفتر فى أواخر ديسمبر الماضى. وبعد يومين من لقاء عقيلة واللافى، فقد أعلن الأول، في 17 يناير الحالى، أن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة لم تعد لها شرعية، مشيراً إلى ضرورة إعادة تشكيل حكومة جديدة تتولى قيادة المرحلة الانتقالية لحين إجراء الانتخابات. وجاءت هذه التصريحات خلال الجلسة الأولى، التي ترأسها صالح للبرلمان الليبي منذ عودته لمباشرة مهام عمله كرئيس للبرلمان. وجاءت هذه التصريحات بعد أن تقدم 15 نائباً من البرلمان الليبي بطلب رسمي إلى صالح لإقالة حكومة الدبيبة، وتشكيل حكومة تكنوقراط تكون محددة المهام، متهمين الحكومة ورئيسها بالفساد، ومطالبين النائب العام بضرورة فتح تحقيقات في هذا الشأن[2]. وليأتى، أخيرًا، اقرار مجلس النواب خلال جلستى 24 و25 يناير الحالى، تأسيسًا على إقرار تقرير لجنة خارطة الطريق المنبثقة عن المجلس، بانقضاء الولاية القانونية لحكومة الوحدة الوطنية في 24 ديسمبر الماضي، وتكليف اللجنة بتحديد آلية لاختيار رئيس الحكومة الجديد، بما يتضمن شروط ترشحه ومتطلبات التقدم للمنصب[3]. وقد شرع مجلس النواب فعلياً في تحديد الإجراءات الخاصة باختيار حكومة بديلة بوضع13  شرطاً للترشح لمنصب رئيس “حكومة الاستقرار”، التي تقرر تشكيلها في غضون أسابيع. وكانت أبرز الشروط التي حددها البرلمان، غير الشروط المتعارف عليها عادة في مثل هذه الحالات، أن يُقدم المرشح تعهداً مكتوباً بعدم ترشحه للانتخابات المقبلة، بعد الجدل الذى تسبب فيه الدبيبة بترشحه للانتخابات الرئاسية التي تعثر إجراؤها في ديسمبر الماضي[4]. وأكد أعضاء من مجلس النواب أن فتح باب الترشح وقبول المرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة سيبدأ منذ الجلسة القادمة لمجلس النواب. وأن المجلس وضع شروطا واضحة للترشح، ومن تنطبق عليه هذه الشروط بإمكانه التقدم لمجلس النواب، الذي سيجري المفاضلة بين المتقدمين لتكليف أفضلهم بتشكيل الحكومة القادمة[5]. وفى المقابل، فقد تمسك الدبيبة بمنصبه كرئيس للحكومة، وأعلن عن تمسكه بمنصبه لحين تسليم السلطة لحكومة منتخبة، ومعتبرًا أن قرار اسقاط حكومته ما هو إلا قرار فردى من قبل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح انتقامًا من الدبيبة الذى ترشح ضده فى الانتخابات التى كانت مقررة فى ديسمبر الماضى، ومشيرًا إلى عقيلة صالح باعتباره المتسبب الأول فى الأزمة الحالية التى تعيشها البلاد. وهو ما ظهر فى إعلان المتحدث باسم حكومة الدبيبة، محمد حمودة، في 17 يناير الجاري، أن تصريحات صالح (التى طالب فيها بإعادة تشكيل حكومة جديدة) لا تعبر عن موقف رسمي للبرلمان الليبي، وإنما هي مجرد رأي شخصي له، مشيراً إلى وجود عدد كبير من النواب يختلفون معه[6]. وسبق أن شددت حكومة الدبيبة في مناسبات عدة على استمرارها في عملها لحين التسليم إلى سلطة جديدة منتخبة[7]. كما اجتمع الدبيبة بعدد من النواب، في العاصمة طرابلس، فى 22 يناير الحالى، أصدروا مبادرة حملت توقيع 62 نائبًا، تضمنت دعوة رئيسي السلطتين التشريعية (عقيلة) والتنفيذية (الدبيبة) للتوقيع على خطة عمل المرحلة المقبلة، والتي تتضمن 8 نقاط. أبرز هذه النقاط دعم استمرار حكومة الوحدة، مع اشتراط إجراء تعديلات وزارية والالتزام بتمثيل كافة الدوائر (الإدارية)، ومنح الدبيبة حرية اختيار الوزراء الجدد، وتحمل مسؤولية خياراته. كما اقترحت المبادرة أن تتولى دول تركيا ومصر والإمارات وقطر “بالتنسيق في ما بينها، ومن خلال أطراف تتم تسميتها من طرفي الاتفاق، تشكيل تنسيقية دولية عليا تشرف على تنفيذ الاتفاق والنظر في كل ما تحتاجه عملية تنفيذها من متطلبات وتعديلات وفقا لما يتماشى وطبيعة المرحلة ومستجداتها وضروراتها”[8]. وهى المبادرة التى رفضها عقيلة صالح، لأن التعديل الوزاري الجزئي الذى تطالب به تلك المبادرة يُضعف موقف عقيلة، الذي يريد الإطاحة بالدبيبة، من خلال إنهاء ولاية الحكومة، وليس مجرد تعديل يعزز صلاحياته ونفوذه على الوزراء. كما أن الأمر الأكثرإثارة للاهتمام، هو اقتراح المبادرة أن تستغرق ولاية الحكومة عامين ابتداء من تاريخ توقيع الدبيبة وعقيلة على هذه المبادرة، في حال لم تجر الانتخابات خلال هذه الفترة. وهذه المرة الأولى التي يتم الحديث فيها عن تمديد ولاية حكومة الوحدة عامين، بينما يرى عقيلة أن ولاية الحكومة انتهت في 24 ديسمبر الماضي، بعد فشل إجراء الانتخابات في موعدها[9]. وفى إشارة ضمنية من جانب الدبيبة لتحميل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح مسئولية الأزمة الحالية التى تعيشها البلاد، فقد أكد الدبيبة، فى 23 يناير الجارى خلال مشاركته في ندوة بعنوان “الدستور أولاً” في طرابلس، على الحاجة إلى دستور في البلاد قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مشيرًا إلى “محاولة أطراف تعميق الأزمة بدلاً من حلها وتقييد إرادة الشعب الليبي، من خلال تفصيل بعض القوانين لمنع أشخاص وتمكين آخرين، واليوم بعدما قال القضاء كلمته، تحاول الأطراف ذاتها الالتفاف من جديد عن أصل المشكلة، والذهاب في مسارات…

تابع القراءة
الدعوة الجزائر لعقد لقاء مصالحة بين الفصائل الفلسطينية: الدوافع والتحديات

الدعوة الجزائر لعقد لقاء مصالحة بين الفصائل الفلسطينية: الدوافع والتحديات

    أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، فى 6 ديسمبر 2021، خلال الزيارة التي أجراها الرئيس الفلسطينى محمود عباس، خلال الفترة من 5-7 ديسمبر، للجزائر، عن استضافة “الجزائر مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية قريبًا”. وبالفعل، فقد بدأت الفصائل الفلسطينية بالوصول إلى الجزائر تباعًا بداية من منتصف يناير 2022، وتمثلت تلك الفصائل فى فتح، وحماس، والجهاد الإسلامى، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية[1]، على أن تجرى اللجنة الجزائرية المُكلَفة بملف المصالحة لقاءات منفصلة مع كل فصيل على حدة، وبعدها ستقرر الجزائر ما إن كان هناك حاجة لجولة ثانية تجتمع فيها كل الفصائل لاستكمال الحوارات أم سيتوقف الأمر عند الجولة الأولى[2]. وسنحاول خلال السطور القادمة التعرف على الدوافع الجزائرية التى تقف خلف دعوتها لعقد هذا اللقاء، ومدى إمكانية نجاحها فى تحقيق اختراق فى جدار الانقسام الفلسطينى. أولًا: الدوافع الجزائرية من خلف هذا اللقاء: تتمثل أهم الدوافع التى تقف خلف دعوة الجزائر للفصائل الفلسطينية لعقد لقاء للمصالحة فيما بينهم فى: – اقتراب انعقاد القمة العربية: حيث تستعد الجزائر لاستضافة القمة العربية في مارس 2022، وفي هذا الإطار، بدا أن الجزائر تحاول استثمار القمة العربية كمدخل لإضفاء المزيد من الزخم على دورها الإقليمي من خلال تعزيز الانخراط في العديد من الملفات الإقليمية المحورية، على غرار الملف الليبي الذي يتسم بالتعقيد ولا سيما بعد تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر 2021. كما شهدت الشهور الأخيرة كثافة في التحرك الجزائري تجاه الملف التونسي، وهو ما عكسته زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تونس يومَيْ 15 و16 ديسمبر 2021، بالتوازي مع التوسع في التحرك بعيداً عن نطاق جوارها المباشر لتطرح مبادرة للمصالحة الفلسطينية، وتشارك في مساعي تعزيز الانفتاح الإقليمي على النظام السوري، وربما الدفع نحو عودة سوريا إلى الجامعة العربية[3]. – إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية: تسعى الجزائر إلى إعادة وضع القضية الفلسطينية في قلب اهتمامات الجامعة العربية، وجعلها القاسم المشترك الأكبر بين العرب، وذلك من خلال إحياء منطلقات مشتركة مثل «المبادرة العربية للسلام» لقمة بيروت 2002، والتي تعيد الجزائر في كل المناسبات الدولية التذكير بها. ويظهر التحرك الجزائري في هذا التوقيت كما لو أنه سباحة ضد التيار في العالم العربي، كون القضية الفلسطينية تراجعت في سلم الاهتمامات ودخلت دائرة النسيان في دبلوماسيات بعض الدول المؤثرة، في مقابل ظهور نزعة تطبيعية غير مسبوقة مع إسرائيل، أدت إلى إقامة دول عربية (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب) علاقات كاملة بهذا الكيان، وصلت في حالة دول مثل المغرب، الجارة الغربية للجزائر، إلى بناء تحالف استراتيجي والدخول في اتفاقيات أمنية وعسكرية مشتركة، في انقلاب تام على المعايير العربية التي ظلت تنظر إلى إسرائيل كعدو أول ومشترك، على الأقل في الوجدان العربي[4]. – الحد من توسع التطبيع مع إسرائيل وتقليل أثاره السلبية: تميزت الجزائر، في الأيام الأولى لظهور «اتفاقيات أبراهام» أيام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بموقف شديد الوضوح من هذه المسألة، عبر تصريح الرئيس تبون الذي قال بنبرة أسف إن “الجزائر تلاحظ نوعاً من الهرولة نحو التطبيع، وهي ترفض الانخراط فيها أو مباركتها”. ولم تتجرع الجزائر، بعد ذلك، انخراط المغرب في هذا المسعى، عبر مقايضة التطبيع مع إسرائيل بالحصول على اعتراف أميركي بسيادته على الصحراء الغربية، التي تطالب الجزائر بتمكينها من حق تقرير المصير بناءً على قرارات الأمم المتحدة. وذهبت الجزائر بعيداً في رفضها لما قام به المغرب، وأعلنت في أغسطس 2021 قرار قطع العلاقات مع هذا البلد وحظر الأجواء الجزائرية على طائراته، استناداً إلى جملة معطيات أهمها السماح لوزير الخارجية الصهيوني بتهديد الجزائر مِن على الأرض المغربية، في ما اعتبره وزير الخارجية الجزائرية، رمطان لعمامرة، سابقة في تاريخ العلاقات العربية – العربية منذ ظهور الكيان الصهيوني[5]. وعليه، تريد الجزائر أن يكون لها تأثير في الملف الفلسطيني، لإزعاج إسرائيل التي باتت على حدودها الغربية من خلال اتفاقياتها الأمنية والعسكرية مع جارتها المغرب. وتخشى الجزائر من تمدد النفوذ الإسرائيلى فى منطقة المغرب العربى، وهو التمدد الذى لا يتوقف على التطبيع الإسرائيلى مع المغرب فقط، بل هناك تطبيع مرتقب مع ليبيا، وهو ما ظهر فى زيارة صدام حفتر، نجل قائد ما يسمى الجيش الوطني الليبي، الجنرال خليفة حفتر، إلى إسرائيل، فى نوفمبر 2021، حاملا رسالة من والده تطلب مساعدة عسكرية سياسية إسرائيلية، وفي المقابل تعهد بإقامة علاقات دبلوماسية في المستقبل بين ليبيا وإسرائيل[6]. كما تعتبر الجزائر الدولة العربية الوحيدة التى تعمل على مواجهة التمدد الإسرائيلى فى المنطقة، ولعل أبرز دليل على ذلك؛ هو رفضها لانضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقى بعضوية مراقب، وبعد نجاح تل أبيب في الانضمام، تعمل الجزائر على تشكيل جبهة أفريقية تضم 13 دولة إفريقية (جنوب أفريقيا، تونس، أريتريا، السنغال، تنزانيا، النيجر، جزر القمر، الجابون، نيجيريا، زمبابوي، ليبيريا، مالي، جزر سيشل( لطرد إسرائيل من الاتحاد الأفريقي[7]. – البناء على العلاقة الخاصة مع الفلسطينيين: ترتكز الجزائر فى تدخلها فى الملف الفلسطينى على علاقتها الخاصة، شعبًا وحكومة، مع فلسطين تعود لزمن انطلاق الثورة الفلسطينية حيث استلهمت هذه الأخيرة تجربة الثورة الجزائرية في مواجهة الاستعمار الفرنسي وكانت الجزائر بعد الاستقلال من أول وأهم الدول التي ساندت الثورة الفلسطينية ودعمتها عسكرياً ومادياً وأقامت قواعد للثورة على أراضيها واستمرت الجزائر تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني بالرغم من تغير القيادات والأحوال في الجزائر وفلسطين[8]، ولذلك ليس غريباً أن تتردد جملة على ألسنة الساسة الجزائريين تدلل على عمق الانتماء لقضية فلسطين حينما يقولون: “إننا نختلف على كل شيء حتى على وجود الله ولكن لا نختلف على القضية الفلسطينية”. ربما كان كل هذا الدعم من القيادة والشعب الجزائريين للقضية الفلسطينية نابعًا من عمق المأساة التي عاشها الشعب الجزائري التي تشبه إلى حد كبير المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني حالياً، وهي مأساة الاحتلال الاستيطاني الإحلالي، فكما تتعرض فلسطين حالياً لهجمة صهيونية استيطانية شرسة تعرضت الجزائر لهجمة استيطانية فرنسية شرسة. حيث اعتبر الاحتلال الفرنسي أن الجزائر هي الامتداد الطبيعي لفرنسا من جهة الجنوب التي لا يفصلها عن “الوطن الأم” إلا البحر، ولذلك قامت السلطات الاستعمارية الفرنسية آنذاك بإنشاء المدن ذات الطراز الفرنسي ونقلت ملايين المواطنين الفرنسيين إليها وأنشأت لهم المزارع والمصانع لاستيطان الجزائر، واستخدمت ذات الوسائل التي يستخدمها الاحتلال الصهيوني حالياً من اقتلاع وقتل وتشريد في سبيل تنفيذ المخططات الاستيطانية، ولكن كما كل احتلال واستعمار في التاريخ زال الاستعمار الفرنسي وبقيت الجزائر وبقي الشعب الجزائري البطل فوق أرض آبائه وأجداده بعد أن قدم مليون شهيد، لذلك فأن الوجدان الجمعي للشعب الجزائري يعشق فلسطين كما يعشق الجزائر، لأن المعاناة المشتركة التي عاشها الشعبان ولدت هذه الروح التي التقت في العنفوان الثوري والعشق الأزلي للأرض[9]. وبالتالي فالجزائر صادقة وجادة في تحقيق ولو بعض الانجازات في ملف المصالحة. ثانيًا: إمكانية نجاح الجزائر فى تحقيق المصالحة الفلسطينية: على الرغم من استجابة الفصائل الفلسطينية للدعوة…

تابع القراءة
انقلاب جديد في غرب إفريقيا: بوركينا فاسو تسير على خُطى الجارة مالي

انقلاب جديد في غرب إفريقيا: بوركينا فاسو تسير على خُطى الجارة مالي

  تبدأ الأحداث بحالة من السخط الشعبي نتيجة عجز الحكومة أو فسادها، يتحرك بعدها مجموعة من الجنود باعتبارهم حماة الأمة، يقومون باحتجاز الرئيس، وإجباره على الاستقالة، والإعلان عن حل الحكومة والبرلمان، وإغلاق الحدود، ووقف العمل بالدستور، والتعهُّد بالعودة إلى النظام الدستوري خلال فترة زمنية معقولة. تلك هي الصورة النمطية المتكررة لنهج الانقلابيين في غرب إفريقيا، والتي تجدَّدت مطلع هذا العام في بوركينا فاسو. الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول ماحدث، وخلفياته، وانعكاساته على محاربة الإرهاب في منطقة الساحل، والدور الفرنسي هناك. والتي سنحاول الإجابة عليها خلال هذا التقرير.. ماذا حدث؟ يوم الأحد 24 يناير 2022 تمرَّد جنود في عدد من الثكنات العسكرية في بوركينا فاسو، مُطالبين بإقالة كبار مسؤولي الجيش وتخصيص موارد إضافية لمواجهة المجموعات الجهادية، فيما سُمع إطلاق نار في وقت متأخر الأحد قُرب منزل الرئيس روش مارك كابوري في العاصمة. وساد التوتر والإرباك في العاصمة الاثنين، إذ قُطعت خدمة الإنترنت عن الهواتف المحمولة منذ الأحد، ما زاد من صعوبة التحقُّق من صحة الشائعات التي تتحدث عن أن البلد يشهد انقلابًا جديدًا.  وبعد إعلان جنود متمردين احتجاز الرئيس روك كابوري في معسكر للجيش، أعلن عسكريون عبر التلفزيون الرسمي الاثنين 25 يناير استيلاءهم على السلطة، وحل الحكومة والبرلمان وإغلاق حدود البلاد. يأتي ذلك غداة يومٍ حامٍ تخلله إطلاق نار وتمرد في عدة ثكنات وقواعد عسكرية نفذه جنود مطالبين بإقالة كبار مسؤولي الجيش وتخصيص موارد إضافية لمواجهة المجموعات الجهادية. وقال العسكريون الانقلابيون في بيان تلاه أحدهم إن البلاد “ستعود إلى النظام الدستوري” في غضون “فترة زمنية معقولة”. وكانت قد تداولت أخبار قبلها بأن جنودًا احتجزوا الرئيس روك كابوري في معسكر للجيش بعد إطلاق نار كثيف على منزله مساء الأحد في العاصمة واغادوغو. وظهرت على شاشة التلفزيون الرسمي مجموعة من العسكريين يتوسطهم ضابط برتبة كابتن تلا بيانًا حمل تلك القرارات، ووُقِّع باسم الكولونيل هنري سانداوغو داميبا، رئيس “الحركة الوطنية للحماية والاستعادة” التي نفذت الانقلاب واستولت على السلطة.[1] وأشار الإعلان إلى أن خطوة الجيش جاءت بسبب تدهور الوضع الأمني؛ حيث وواجه كابوري استياءً متزايدًا بسبب فشله في وقف تمرد تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، وتوحيد الأمة والتعامل بفعالية مع الأزمة الأمنية.[2] والثلاثاء أعلن رئيس جمهورية بوركينا فاسو، روش كريستيان كابوري استقالته من منصبه، عقب احتجازه من قبل الجيش مع رئيسي البرلمان والوزراء في ثكنة سانغولي لاميزانا في واغادوغو. وقال كابوري في رسالة خطية وجَّه فيها خطابه للإدارة العسكرية الجديدة، نشرتها عدة حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، إن قرار استقالته جاء للحفاظ على المصلحة العليا للبلاد.[3] خلفيات الأزمة: لطالما عانت بوركينا فاسو من ثلاثية الإرث الفرنسي الثقيل والاستبداد وفوضى الانقلابات العسكرية المتكررة. ولكن وعلى الرغم من التقلبات الأمنية والسياسية في غرب إفريقيا؛ تمتَّعت بوركينا فاسو باستقرار، وإن كان هشًا، إلى أن شهدت انتفاضة شعبية عام 2014 أطاحت بالرئيس السابق بليز كومباوري. وخلفت محاولة انقلاب عام 2015 الجيش منقسمًا بشدة، وقد انتُخب روش كابوري لأول مرة في ذلك العام بناءً على تعهد بتوحيد البلاد. لكن وقع هجوم شنه متشددون من مالي المجاورة، التي صادر فيها الجهاديون محاولة تمرد انفصالي عام 2012، في عاصمة بوركينا فاسو بينما كان كابوري يستعد لتولي زمام القيادة. وقد استغلت الجماعات المسلحة ضعف الوجود الأمني ​​في المناطق الحدودية المكشوفة في بوركينا فاسو لشن المزيد من الهجمات، وترسيخ وجودها. وأثار الجهاديون أيضًا توترات طائفية بين المجتمعات المسيحية والمسلمة التي كانت موجودة سابقًا ومُتعايشة بشكل سلمي في بوركينا فاسو. كما استفاد المسلحون من حالة شبه غياب للدولة ونقص الدعم الإنساني، الأمر الذي ترك المجتمعات ضعيفة وعُرضة للتجنيد، كما قوَّض الوجود المسلح المشاركة السياسية. وفي عام 2020، لم يتمكن الناخبون الذين فروا من منازلهم في أجزاء من الشمال والشرق من المشاركة في الانتخابات الرئاسية، التي أُعيد فيها انتخاب كابوري وحصل على نسبة 58% من الأصوات. وقد أدى ضغط المتشددين على المجتمعات إلى تنامي السخط العام خلال الولاية الثانية للرئيس. وسبق تنحية كابوري استياءً متزايدًا بين قوات الأمن، بسبب إخفاقه المزعوم في تقديم الدعم الكافي لهم ضد المسلحين المرتبطين بكل من القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. وجرى الإبلاغ عن تمردات في العديد من معسكرات الجيش في العاصمة واغادوغو وبلدتي كايا وواهيغويا الشماليتين. وجاءت الاضطرابات بعد شهور من الاحتجاجات المناهضة للحكومة والمطالبة باستقالة الرئيس؛ حيث تسبَّبت هجمات المتشددين التي بدأت في عام 2015 في مقتل أكثر من 2000 شخص وأجبرت 1.5 مليون شخص على ترك منازلهم، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة. كما أن المدارس مغلقة في أجزاء كبيرة من البلاد لأن فتحها يُشكِّل خطورة كبيرة على الطلاب. وتراجعت ثقة الشعب في إدارة الرئيس للأزمة الأمنية التي انعكست على الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، لاسيما بعد هجوم في قرية سولهان الشمالية في يونيو 2021، وقُتل أكثر من 100 شخص في الهجوم الذي ألقي باللوم فيه على متشددين عبروا الحدود من مالي. وقد أثار هجوم سولهان احتجاجات المعارضة في العاصمة، مما أجبر كابوري على إجراء تعديل في حكومته وتعيين نفسه وزيرًا للدفاع. كما أدى هجوم آخر على قاعدة إيناتا العسكرية الشمالية في نوفمبر 2021 إلى ازدياد حدة الغضب تجاه الحكومة، وأسفر الهجوم عن مقتل أكثر من 50 عنصر من قوات الأمن. وأقال الرئيس حكومته إثر الهجوم، وعيَّن رئيس وزراء ووزير دفاع جديدين قبل محادثات المصالحة الوطنية مع المعارضة.[4] ردود الأفعال الدولية والإقليمية على الانقلاب: توالت الإدانات الدولية للانقلاب العسكري الذي شهدته بوركينا فاسو، مصحوبة بمطالبات للجيش الذي نفذ الانقلاب بالالتزام بمهمته لحماية البلاد والعودة إلى ثكناته، واحترام النظام الدستوري، والإفراج الفوري عن الرئيس المنتخب وكل الأشخاص المقبوض عليه في الانقلاب. ففي نيويورك، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن “الانقلابات العسكرية غير مقبولة”، مُطالبًا العسكر في إفريقيا الغربية بـ”الدفاع عن بلدانهم وليس مهاجمة حكوماتهم”. وقبيل اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول “حماية المدنيين في مناطق النزاعات”، قال الأمين العام الأممي للصحفيين “أناشد جيوش هذه الدول أن تؤدي دورها المهني بوصفها جيوشًا تحمي بلدانها وترسي المؤسسات الديمقراطية”. ونبَّه الأمين العام للمنظمة الأممية إلى أن “دور العسكريين يجب أن يكون الدفاع عن بلدانهم وشعوبهم، وليس مهاجمة حكوماتهم والقتال من أجل السلطة”. من جانبها، قالت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إيكواس في بيان لها أن رئيس بوركينا فاسو المخلوع روك كابوري تنحى “تحت التهديد والترهيب والضغط من الجيش”. وأضافت المجموعة في البيان إنها ستعقد قمة طارئة لبحث الانقلاب في بوركينا فاسو. وأدان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو، وقال إن الوضع في البلد الواقع بغربي إفريقيا “بدا هادئًا”، مُضيفًا أنه تم إبلاغه بأن رئيس بوركينا فاسو المخلوع روك كابوري “بصحة جيدة” ولا يتعرض لخطر. وذكر ماكرون أن حكومته تتابع الوضع “دقيقة بدقيقة”. وفي برلين أدانت الحكومة الألمانية الانقلاب العسكري…

تابع القراءة
تطورات الأوضاع في إثيوبيا والسودان وانعكاساتها على سد النهضة

تطورات الأوضاع في إثيوبيا والسودان وانعكاساتها على سد النهضة

  تمر دولتي السودان وإثيوبيا بظروف متقاربة التحديات، سواء كان واقعًا محليًا تتعقد مشكلاته الداخلية بفعل خلافات سياسية، أو استهدافًا خارجيًا لا يزال يُملي توجيهاته وشروطه للسير وفق إرادته وتحقيق سياساته. وضمن واقع دولي منشغل بهمومه في تحورات كورونا، وغيرها من هموم، يظل التساؤل إلى أين تقود التنبؤات وما تُفضي له قضايا البلدين ضمن ما يواجهان من ظروف داخلية وتحديات خارجية؟ وما هو تأثير ذلك على قضية سد النهضة الإثيوبي وماذا سيكون مصيره المُتوقع خلال عام 2022؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها خلال هذا التقرير… تطورات الأوضاع في إثيوبيا والسودان: بالنسبة لإثيوبيا؛ تمكَّنت قوات آبي أحمد -بفضل دعم إقليمي واضح- من امتلاك اليد العليا في الصراع العسكري، والعودة إلى أجواء ما قبل نهاية يونيو 2021. ورغم خطوات حكومة آبي أحمد مطلع العام الجاري 2022؛ من قبيل الإعلان عن البدء الفعلي في إطلاق مسار حوار وطني شامل، والإفراج عن عدد من أبرز قادة المعارضة السياسية؛ فمن ناحية تظل تسوية الأزمة الإثيوبية مرهونة بأكملها تقريبًا بمسار الوساطات الدولية والإقليمية وتفاعلاتها وضوابط تأثيراتها في القوى الداخلية الفاعلة في هذه الأزمة، والتي ستحكم في النهاية مخرجات الأزمة الإثيوبية، وسُبُل وضع نهاية للاقتتال الأهلي وسيناريوهات التسوية السياسية، وتفادي تعميق الأزمة الإنسانية القائمة. ومن ناحية أخرى فبالرغم من إيجابية تقديم التيجرانيون مقترحات لتسوية يتم التفاوض حولها، وتتعلق بعمل دولي ملزم، إلا أنها تظل مقترحات غير واقعية، ومن ثمَّ فإنه ليس هناك تقدم حقيقي في مسار تسوية سلمية لمسألة غربي التيجراي؛ إضافةً إلى عقبة أخرى لا تزال ماثلة أمام السلام، تتمثَّل في امتلاك التيجراي جيشًا نظاميًا كبيرًا ربما يفوق عدده مئات الآلاف، وعقيدته الأساسية هي حماية إقليم التيجراي الذي يواجه تهديدًا وجوديًّا.[1] وبالنسبة للسودان؛ ففي ظل التهديدات الغربية على الحكومة المقبلة بعد استقالة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، جدَّد رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان التأكيد على التمسك بالمكتسبات الوطنية، وحماية بلاده من الانزلاق نحو الفوضى والعمل الجاد للمحافظة علـى الفترة الانتقالية ونجاحها واستكمال مهامها ومواصلة مسيرة السلام، وبناء كل مؤسسات الحكم الانتقالي وتنظيم انتخابات حرة في وقتها المُحدد في 2023 يفوض فيها الشعب السوداني من يختاره لحكم البلاد. [2] إثيوبيا والسودان: ماذا بعد؟ تبقى خيارات المجتمع الدولي محدودة في فرض تسوية عاجلة للأزمة الإثيوبية، ويُمكن أن يكون العامل الأول في هذا القصور متمثلًا في عدم رغبة الأول في الضغط بشكل كامل على نظام آبي أحمد تخوفًا من انفلات الأوضاع في إثيوبيا، وقدرة الأخير، كما في حالة نظام أسياس أفورقي، على الاستفادة من تناقضات السياسات والمصالح الدولية والإقليمية في إقليم القرن الإفريقي لصالح “استدامة التخلف” والقمع السياسي دون أي محاسبة دولية على انتهاكات ترقى -وفق تقارير أممية موثقة- إلى جرائم الحرب. وتُعزِّز فرص هذا السيناريو التشاؤمي حقيقة الأوضاع الراهنة من تسارع الوساطات الأمريكية والأوروبية والإفريقية وبعض الدول الإقليمية لتثبيت وقف إطلاق نار بين قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية ومقاتلي جبهة تحرير التيجراي دون تحقيق نجاح يُذكر حتى منتصف يناير 2022، مع وجود دلائل خطيرة على نزوع نظام آبي أحمد لمواصلة الضربات الجوية التي عاد لتوجيهها ضد أهداف في إقليم التيجراي. لكن رغم ذلك يظل العامل الحاسم في الأسابيع المقبلة في مسار الوساطات الدولية والإقليمية ومدى قدرة أو عجز الإدارة الأمريكية على العودة القوية لإقليم القرن الإفريقي، والانخراط بشكل ملموس في قضاياه وفي قلبها الأزمة الإثيوبية.[3] وبالنسبة للسودان؛ فإن السنوات المقبلة وإلى حين إجراء الانتخابات المرتقبة لترشيح حكومة مدنية في 2023، ستشهد مزيدًا من الصراع بين الأطراف السودانية في ظل تمسك المؤسسة العسكرية بالسلطة إلى حين إيداعها في أيدٍ مدنية ترعى حقوق ومصالح أهل السودان.[4] التأثير على سد النهضة: أيا كانت نتائج الفصل الأخير للمعارك في إثيوبيا، فإن السيناريو الوحيد الذي يُمكن أن ينعكس إيجابيًا على قضية سد النهضة هو تفتت إثيوبيا نفسها إلى دويلات عرقية، سيكون إقليم بنى شنقول الذي يوجد السد على أراضيه أحد هذه الدويلات أو أن ينضم إلى السودان. وهذا السيناريو مُستبعد تمامًا في ظل الظروف الإقليمية والقارية الراهنة، فشرارة التفتُّت إذا اندلعت في إثيوبيا تُهدد بإشعال حرائق مدمرة في معظم دول القارة الإفريقية التي تعاني من انقسامات عرقية وقبلية كبيرة وسط مجتمعاتها. أما إذا انتصر آبى أحمد، فسوف يكون أكثر شراسة في مفاوضات السد، وسوف يسرع في بنائه ليصبح هو شخصيًا أسطورة إثيوبية، باعتباره أول حاكم إثيوبي على مدار التاريخ كله منذ عهد الفراعنة حتى الآن، ينجح في التحكم في سريان نهر النيل، خاصةً وأنه يتبنَّى مشروعًا سياسيًا في بلاده يحاول من خلاله تجاوز فكرة الحصص العرقية في مناصب الدولة القيادية، ومنع سيطرة عرقية على الحكم، من خلال حزب الازدهار. أما السيناريو الثالث فيتمثَّل في انتصار جبهة تحرير تيجراي واختفاء آبى أحمد من المسرح السياسي، وهو على عكس ما يتصور الكثير من المصريين بأنه الحل الأمثل لسد النهضة، فسمعة التيجراويين عندما كانوا يمسكون بمقاليد الحكم في أديس أبابا لم تكن جيدة، بسبب سياسة التمييز العرقي التي كانوا يتبعونها، ولا أحد يضمن أنهم لن يكونوا أكثر تشدُّدًا في مفاوضات سد النهضة، لكى يكسبوا شعبية وسط الإثيوبيين، الذين نجح آبى أحمد في تعبئتهم ضد مصر، وتصويرها على أنها العدو التاريخي لهم.[5] إلا أنه رغم ذلك فإن التوتر في الداخل الإثيوبي انعكس بشكلٍ أو بآخر على تعطيل العمل بسد النهضة؛ حيث بيَّنت صورًا للأقمار الصناعية صدرت يوم السبت 25 ديسمبر 2021، لبحيرة السد ‏ونسب الملء فيها، أن بحيرة سد النهضة تراجع مستواها بعدة أمتار خلال الشهريين ‏الماضيين لتصل إلى منسوب 573 متر، فوق سطح البحر بإجمالي تخزين 8 مليار م3، ومازالت ‏المياه تفيض من أعلى الممر الأوسط بكميات قليلة حوالي 10 مليون م3/ يوم، وهى ناتج التصريف ‏من بحيرة تانا البالغ 3.8 مليار م3/ سنة، مع استمرار غلق بوابتي التصريف في الجناح الغربي ‏للسد.‏ وهو ما يُشير إلى كون الحرب الدائرة حاليًا في إثيوبيا ترتَّب ‏عليها تسخير الأموال الإثيوبية للمجهود الحربي، لذلك لم يعد هناك فائض للإنفاق على ‏إتمام العملية الإنشائية للسد؛ تمهيدًا للملء الثالث، مما أدى إلى تعطُّل عمليات البناء في الوقت ‏الحالي.[6] الأمر الذي كان يستوجب تحركًا مصريًا سودانيًا في المسار التفاوضي؛ إلا أن الوضع في السودان وإيقافها من قِبل الاتحاد الإفريقي قد حال دون ذلك. كل ما سبق يخص الوضع الداخلي في كلٍّ من إثيوبيا والسودان، أما فيما يخص الوضع الخارجي؛ فيُمثِّل التنافس الأمريكي- الصيني في الإقليم ورقة رابحة في يد آبي أحمد، فبينما كانت الولايات المتحدة المانح الأكبر لإثيوبيا حتى اندلاع حرب التيجراي على خلفية اعتبار واشنطن لإثيوبيا شريكها المستقر في الإقليم، مقابل دعم الأخيرة لواشنطن في كافة مجالات اهتمامها في القرن الإفريقي لاسيما الحرب على الإرهاب في الصومال؛ فإن تراجع هذا التأثير الأمريكي في إثيوبيا والقرن الإفريقي؛ أظهر استعداد الصين التام لشغل فراغ القوة،…

تابع القراءة
دلالات ورسائل التنكيل برجل الأعمال محمد الأمين

دلالات ورسائل التنكيل برجل الأعمال محمد الأمين

    ما يجرى مع رجل الأعمال محمد الأمين منذ يوم الجمعة 07 يناير 2022م، حيث تم اعتقاله والتحقيق معه بتهم مخلة بالشرف، تتعلق بانتهاك عرض فتيات قاصرات لديه في دار رعاية الأيتام التي يشرف عليها وينفق عليها  في محافظة بني سويف، يمثل حلقة من حلقات سلسلة التنكيل التي يقوم بها نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي ضد رجال الأعمال غير المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، لأن هؤلاء المنتمين للجماعة قد جرى الانتقام منهم بكل عنف وقسوة في أعقاب انقلاب 03 يوليو 2013م، حيث تم السطو على أموال وممتلكات 1345 شخصية مقربة من جماعة الإخوان المسلمين، وأكثر من 100 مدرسة، ونحو 60 شركة، و500 مقر، تصل قيمتهم السوقية نحو 50 مليار جنيه وفق أقل بعض التقديرات المقربة من السلطة. لكن محمد الأمين كان بيدقا من بيادق نظام 03 يوليو، وهو من أوقف إمبراطوريته الإعلامية الجبارة (على رأسها شبكة سي بي سي، وصحيفة  الوطن) من أجل تشويه صورة الرئيس الشهيد محمد مرسي وشيطنة نظامه وجماعته التي ينتسب إليها (الإخوان المسلمون)، وحرض على الانقلاب ضده والتمرد عليه، وبارك جميع خطوات الجيش ومذابحه المروعة التي قتل فيها آلاف المصريين من أنصار الرئيس؛ وبالتالي فإن التنكيل به على النحو الذي جري هو شيء لا يمكن إلا أن يكون من قبيل تصفية الحسابات بين أجنحة داخل النظام، أو تصفية حسابات  مع جهات إقليمية يرى نظام السيسي أنها باتت تمثل له تهديدا لا يمكن التهوين من شأنه، تربطها علاقات خاصة برجل الأعمال المنكول به. الاتهامات الموجهة للأمين من جانب الآلة الإعلامية للنظام وحتى النيابة العامة لا تستهدف فقط التنكيل بالرجل بل شطينته واغتياله معنويا وتدمير سمعته على نحو مشين بالغ الانتقام والإهانة. فقد تم التحفظ عليه داخل قسم شرطة التجمع الخامس بعد صدور قرار  بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق في القضية رقم ١٨٨ / ٢٠٢٢ بتهمة الاتجار في البشر  والتعدي على بعض الفتيات بداري أيتام “الأيدي الأمينة” التي أسسها بنفسه. وطلبت جهات التحقيق تحريات إدارة مكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية لكشف ملابسات القضية.[[1]] وذكرت النيابة ــ في بيان لها ــ  أن تحريات الشرطة حول الواقعة أكدت صحة ارتكاب المتهم الجريمة، وأشارت لأسماء فتيات أخريات مجني عليهن، فأمرت النيابة العامة بضبط المتهم الذي أُلقي القبض عليه، وباستجوابه ومواجهته بما لدى النيابة العامة من أدلة قِبَله أنكر ما نُسِب إليه من اتهامات، وتستمع النيابة العامة اليوم لعدد من الفتيات المجني عليهن، وجارٍ استكمال التحقيقات.[[2]] تم حبسه لاحقا 15 يوما على ذمة التحقيقات. كما تم الأمين من مغادرة البلاد، وإدراج اسمه على قوائم الممنوعين من السفر، وذلك لاتهامه بالتهرب الضريبي بما يقدر بـ 427 مليون جنيه قيمة بيع أسهم في إحدي الشركات التي شغل منصب عضو مجلس إدارتها، وفقا لبوابة أخبار اليوم الحكومية.[[3]] بينما ينفي الأمين كل هذه التهم، مدعيا أن أحد الموظفين لفقها له.[[4]] لغز دار اليتيمات! الملاحظة المثيرة في الأمر هي ما يتعلق بنشأة وتأسيس هذه الدار (الأيدي الأمينة) لرعاية اليتيمات، فقد نشرت  جريدة الوقائع المصرية، الإثنين 10 يناير 2022م، قرارًا أصدرته وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، في منتصف ديسمبر 2021م، باستمرار إيقاف تراخيص دور الإيواء الخاصة بالأيتام لمدة سنة تنتهي في 16 ديسمبر المقبل “2022”. كشف القرار أن توقف وزارة التضامن عن منح تراخيص لدور الأيتام مستمر منذ أغسطس 2014م؛ فكيف ــ إذًاــ  تم إنشاء وتأسيس دار رعاية اليتيمات لمحمد الأمين في 2021؟ وكيف يمكن فهم ذلك لا سيما وأن وزيرة التضامن نفسها شاركت هي ومحافظ بني سويف في افتتاح الدار في مارس 2021م؟ والأكثر دهشة أن الوزيرة بنفسها هي التي طالبت الأمين بإنشاء هذه الدار، وهي التي منحته المقر أيضا![[5]] وقد كشفت تصريحات سابقة لوكيلة «التضامن» ببني سويف، إحسان أبو زيد، عن تواصلها مع الأمين في أغسطس 2020 لمطالبته بإنشاء دار كمأوى للفتيات اليتيمات، وموافقته على تحمل تكلفة تأسيسها، ثم أعطته الوزارة مقر دار أيتام «مركز ناصر»، الذي حوله الأمين إلى دار إيواء للفتيات بلا مأوى تحت اسم «الأيدي الأمينة»، بعدما تكفل بفرشه وتجهيزه والإنفاق على ما به من أطفال ومشرفات. الملاحظة الثانية أن الدار استقبلت طفلة وحيدة في 2020م من دار رعاية بالقاهرة، واستقبلت عشر طفلات أخريات في 2021م، أعمارهن تتراوح بين ستة إلى 18 عامًا ـ وفقا لتصريحات مصدر بوزارة التضامن لموقع “مدى مصر”. غير أن المشكلة، بحسب المصدر، أن الدار لم تخضع لأية رقابة من الوزارة منذ تسليمها للأمين، لافتًا إلى أنه عندما اشتكت ثلاث فتيات من التحرش الجنسي بداية من سبتمبر 2021، وانتشرت المعلومة داخل مديرية التضامن ببني سويف، قام عدد من الموظفين بسؤال المشرفات المتواجدات بالدار، اللاتي أجبن بأن الفتيات سيئات السمعة ولا يُعتد بكلامهن، مشددًا على أن العاملين بـ«التضامن» في بني سويف وفي الوزارة، لم يتخذوا أي إجراء تجاه الجمعية سوى بعد صدور قرار القبض على الأمين وتحري أجهزة الأمن عن الواقعة. معنى ذلك أن الوزيرة والوزارة لم تتحرك إلا بعد تحرك الدولة والأجهزة الأمنية بهذا الشأن.  وبحسب المصدر فإن الوزيرة قررت بعدها توزيع البنات اللاتي ظللن متواجدات في دار الأمين على أربعة دور، منها مؤسسة بناتي بمدينة السادس من أكتوبر، التي استقبلت سبع بنات، أعمارهن تتراوح بين خمس وسبع سنوات، وعندما وصلت البنات اشتكين من التهاب بمجرى البول، وبالكشف عليهن داخل الدار تبين تعرضهن لهتك عرض، وهو ما أبلغت به الدار النيابة العامة. ولفت المصدر المطلع على عمل دور الأيتام أن وقائع الاغتصاب أمر شائع الحدوث في دور الرعاية، وذلك بسبب عدم وجود رقابة كافية من وزارة التضامن على تلك الدور لقلة عدد موظفيها، وعدم وجود عقاب رادع لهم في حال حدوث مخالفات.[[6]] الملاحظة الثالثة، تتعلق بموقف وتصريحات وزيرة التضامن الاجتماعي، ففي اليوم التالي للتحفظ على محمد الأمين، أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي ـ السبت 09 يناير 2022 ــ  إلغاء ترخيض دار “الأيدي الأمينة”. وصرِّحت الوزيرة أن الوزارة هي من أبلغت النيابة عن واقعة التعدي الجنسي من الأمين على فتيات الدار، بعد التنسيق مع الجهات المعنية، وأنها أغلقت الدار بعد اكتشاف المخالفات، غير أن النيابة العامة أكدت في بيانها التالي لبيان التضامن أن المجلس القومي للأمومة والطفولة هو من تقدم بالبلاغ في 10 ديسمبر 2021، بشأن ما نشره مدير صفحة أطفال مفقودة، رامي الجبالي، على مواقع التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع ما رصدته وحدة الرصد والتحليل بمكتب النائب العام. مبلغ الدهشة هنا أن الوزيرة التي كانت تتمتع بعلاقات وثيقة مع الأمين وأسرته، تعاملت بكل قسوة وعنف مع الموقف، وقامت بتجاهل جميع الاتصالات من جانب الأمين، ورفضت الوساطة التي قام بها محافظ بني سويف حتى ترضى وتلتقي بالأمين لتسوية الأمر. معنى ذلك أن الوزيرة تقلت توجيهات وأوامر عليا بذلك، وباعتبارها موظفة حكومية لا تملك سوى الانضياع الكامل لهذه الأوامر. وعندما…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022