إخلاء سبيل علا القرضاوي.. رسائل ودلائل

إخلاء سبيل علا القرضاوي.. رسائل ودلائل

    من أجمل ما قرأت عن السجون في مصر، تصريحات للفنان الراحل سعيد صالح الذي قضى عدة شهور في السجن لأسباب سياسية بعدما انتقد الأوضاع في مصر بعض مسرحياته وأعماله الفنية. وفي لقاء تلفزيوني بعدما خرج من السجن، سألته المذيعة: بعد ما خرجت.. السجن أحسن ولا برة؟ قالها بصي: «السجن كل شيء فيه واضح.. فلان ده تاجر مخدرت.. فلان ده قتال قتلة.. فلان ده  حرامي وهجام.. فلان ده قواد وده بتاع مصلحته، وفلان ده مظلوم وبريء. كلنا نتلم على حصيرة ونصلي وندعي ربنا ونقول: يارب.  في السجن كل حاجة هناك واضحة جدا،  ومحدش بيلبس توب مش بتاعه، ويقول: أنا شريف وهو قواد.. ولا الحرامي بيقول إنه أمين.. ولا بتاع المخدرات بيغسل أموال ويبني عمارات بتقع على الناس. السجن هو العالم الحقيقي النقي.. لدرجة أننا كننا نتخيل أنهم عاملين أسوار وحاطين حرس بسلاح علشان يحمونا من السجن الكبير والعالم الكداب اللي بره.. أنا  خرجت أهه.. بس لسة بروح أزورهم لأنهم ناس حقيقية.. مش مزيفين». بعد هذه المقدمة الصغيرة، يتعين الإقرار أن الإفراج عن أي معتقل سياسي هو بحد ذاته شيء إيجابي يستوجب الشكر لله، لا سيما وأن سجون الدكتاتور عبدالفتاح السيسي تكتظ بعشرات الآلاف من الأبرياء بين علماء وأساتذة جامعة وأطباء ومهندسين ودعاة إلى الله وطلاب جامعيين، وبالتالي فإن إخلاء سبيل السيدة: علا القرضاوي، نجلة الفقيه الإسلامي الكبير الدكتور يوسف القرضاوي، الرئيس السابق للاتحاد العام لعلماء المسلمين، يمثل بشرى خير لكل مؤمن أو صاحب ضمير حي. وكانت وكالة أنباء الشرق الأوسط  الحكومية،  قد نشرت ظهر الجمعة 31 ديسمبر 2021م، خبرًا مقتضبًا بإخلاء سبيل القرضاوي على ذمة التحقيقات بقرار من النيابة العامة، نقلًا عن مصدر وصفته بالـ«مسؤول» دون تسميته، ما تبعه محاميها أحمد أبو العلا ماضي، بعد دقائق، بالتأكيد عبر حسابه على فيسبوك على خروجها ووصولها منزلها. ورغم ما يحمله هذا الإجراء من بشرى، فإنه أيضا يحمل في طياته الكثير من الرسائل والدلائل. أولا،  يتعين التنبيه إلى أن مصر هي البلد الوحيد التي ذكر في القرآن أنها سجنت نبيا من أنبياء الله ظلما وعدوانا، وهو نبي الله يوسف عليه السلام، رغم سطوع أدلة براءته للجميع؛ لكنهم كادوا له ولفقوا له تهمة لا أساس لها، وزجوا به في السجن ظلما وبهتانا بضع سنين. كما أن مصر البلد الوحيد التي اقترن اسمها بالسجن كثيرا في القرآن الكريم. ثانيا، يتعين التنويه إلى أن السيدة علا القرضاوي، جرى الزج بها في السجن ظلما لا لتهمة فعلتها ولا لجريمة اقترفتها، ولكن جرى التنكيل بها انتقاما من والدها العلامة يوسف القرضاوي، وهو الفقيه الذي أفنى حياته في خدمة الإسلام والمسلمين، وألف مئات الكتب وألقى آلاف المحاضرات والخطب والدروس ليُعلم الناس أمور دينهم، وله مواقف صريحة ضد الظلم والطغيان في بلادنا. وكان أحد أهم الداعمين لثورة يناير والربيع العربي وحق الشعوب في اختيار الحكام وعزلهم وفقا لمدى نجاهم في إدارة البلاد من ناحية، والتزامهم بحماية هويتها وسماتها الحضارية من جهة ثانية. فقد اعتلقت علا القرضاوي  برفقة زوجها حسام خلف القيادي بحزب الوسط، أثناء قضاء إحدى الإجازات  في الساحل الشمالي في شاليه عائلي، في 30 يونيو 2017، ووجهت لهما في البداية تهم بنقل بعض المفروشات من الشاليه، بحجة أن هذا الشاليه مملوك لوالدها رئيس الاتحاد العام لعلماء المسلمين السابق يوسف القرضاوي الموجود في قطر، المدرج اسمه على قوائم الإرهاب وقوائم التحفظ على الأموال وبعد إثبات القرضاوي أن الشاليه مملوك لوالدتها، أدرجتهما النيابة على ذمة القضية رقم 316 لسنة 2017 ووجهت لهما تهم بالانضمام لجماعة على خلاف القانون وتمويلها، وهي التهم التي استمر حبس القرضاوي وخلف على إثرها لمدة عامين، قبل أن تعيد النيابة حبسها على ذمة قضية جديدة برقم 800 لسنة 2019 بنفس التهم في يوليو 2019، وهو ما دخلت على إثره علا في إضراب عن الطعام وقتها. وأصر نظام السيسي على إيقاع المزيد من الظلم عليها وعلى زوجها، ورغم أن محكمة جنايات القاهرة قررت في  19 فبراير 2020 إخلاء سبيلها إلا أن النيابة استأنفت على هذا القرار في اليوم التالي لتستمر القرضاوي في الحبس حتى 12 ديسمبر 2021م، فيما لم  يتم الكشف عن مصير زوجها، وما إذا  كان ما زال محبوسًا على ذمة القضية الأولى طوال قرابة الخمس سنوات الماضية، أم تم تدويره على ذمة قضية جديدة. ثالثا، إخلاء سبيل علا القرضاوى تم فعليا في 12 ديسمبر 2021م، وذلك وفقا لتقرير أعده موقع “مدى مصر” السبت غرة يناير 2020م، نقلا عن ثلاثة مصادر حكومية مطلعة، وأنه جرى الاتفاق معها على عدم نشر أسرتها أو المقربين منها أية معلومات بشأن خروجها خصوصا وأن زوجها ما زال محبوسًا وهناك وعود بإخلاء سبيله، وترك لأجهزة الأمن مسؤولية تحديد الموعد المناسب لإعلان إخلاء سبيلها. وينقل الموقع عن عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، جورج إسحاق إنه عرف بإخلاء سبيل علا القرضاوي منذ فترة، مضيفًا: «لا نعرف سبب تأجيل نشر الخبر في وسائل الإعلام حتى أمس وقد يكون جزءًا من مفاوضات لخروج عدد من المساجين». ووفقا للتقرير فإن الدائرة الرابعة جنايات إرهاب نظرت تجديد حبس القرضاوي على ذمة التحقيقات في القضية رقم 800 لسنة 2019 في جلسة  12 ديسمبر الماضي في غيابها، وهو ما اعترض عليه المحامون، لكنهم عرفوا في اليوم التالي بقرار إخلاء سبيلها  من سجن القناطر دون معرفة أية تفاصيل أخرى عن مصدر القرار». وطالبت أسرة القرضاوي بعدم نشر أية معلومات عن إخلاء سبيل علا أملا في خروج زوجها حسام خلف قريبا. رابعا، قد يبدو أن السبب في تأخير الإعلان عن إخلاء سبيل السيدة علا القرضاوي هو محاولة إنهاء سنة 2021التي حملت الكثير من الفواجع والآلام بقرار إيجابي على أمل تبييض صورة النظام. لكن الأمر لا يخلو من مفارقة؛ إذ إن النظام لا يمكنه التباهي بإطلاق سراح نجلة القرضاوي لأنها بالأساس لم ترتكب جرما تستحق عليه كل هذا التنكيل والعذاب؛ كما أن الإعلان عن إخلاء سبيل القرضاوي وإن كان مفرحا ويدخل السرور على قلب كل مؤمن أو صاحب ضمير حي. إلا منظمات حقوقية رصدت شيئا من جرائم النظام خلال سنة 2021م، فقد كشفت منظمة “نحن نُسجّل” الحقوقية عن مئات الانتهاكات في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة في مصر، التي أدّت إلى وفاة 60 سجيناً نتيجة الإهمال الطبي، مُقسّمين إلى 52 ضحية من السجناء السياسيين، و8 جنائيين، بينهم 6 أطفال، فضلاً عن تعرض 277 سيدة للاحتجاز والإخفاء القسري على مدار عام 2021. وأكدت المنظمة، خلال إحصائياتها التي وثّقتها هذا العام وأصدرتها الخميس 30 ديسمبر 2021م. وتنوّعت حالات الوفاة الستين ما بين 27 سجيناً بسبب الإهمال الطبي، و7 سجناء بفيروس كورونا، و6 نتيجة حريق، و4 نتيجة التعذيب، بخلاف حالة وفاة نتيجة شجار، وحالة وفاة واحدة نتيجة غرق في مياه السيول داخل الزنزانة، وحالة انتحار…

تابع القراءة
السياسة الخارجية المصرية فى الفترة من 30 إبريل إلى 15 مايو 2022

“مصر” صراع الأجهزة بين التسريبات والعوائد الاقتصادية

  خلال الأسابيع الماضية في أواخر 2021م، طفت على السطح من جديد مؤشرات على صدام نفوذ بين أجهزة نظام 3 يوليو في مصر، تتعلق أولا بالتسريبات  الأخيرة سواء تلك التي تتعلق بتحقيقات موقع “ديسكلوز” الفرنسي حول تورط الدولة الفرنسية في الجرائم التي يرتكبها نظام السيسي أو حتى التسريبات الأخيرة لأحد مستشاري السيسي والتي تكشف حجم الفساد في صندوق “تحيا مصر” الذي أسسه السيسي في 2014م ليكون نافذة له يغترف منه ما يشاء دون حسيب أو رقيب. وتتعلق ثانيا بالصراع بين الأجهزة على العوائد المالية والاقتصادية من المشروعات القومية والتي تهيمن عليها المؤسسة العسكرية وسط تململ من جانب الأمن الوطني، بعدما تمت ترضية جهاز المخابرات بإسناد عدد من الشروعات له. ولذلك يسعى الأمن الوطني إلى الحصول على نصيب أكبر من كعكة هذه المشروعات وعوائدها. يبرهن على ذلك عدة أحداث جرت وقائعها خلال الأسابيع والشهور الأخيرة، أبرزها قضية الفساد الكبرى في وزرة الصحة والتي أسفرت عن الإطاحة بالوزيرة هالة زايد، رغم أنها كانت إحدى المقربات من السيسي قبل حرقها ــ ومحاكمة عدد من مستشاريها والمقربين منها، كذلك عملية تهريب الآثار الكبرى التي تورط فيها لواءات كبيرة بالجيش مع السفير الإماراتي بالقاهرة، وما يتعلق بالحملة التي قادتها منابر ونوافذ إعلامية يديرها أحد الأجهزة السيادية ضد وزير السياحة والآثار خالد العناني. وقبل شهور حين تمت الإطاحة بتامر مرسي من شركة “سينرجي” للإنتاج الإعلامي والتي يهمين عليها جهاز سيادي. كذلك تعرض وزير النقل كامل الوزير لحملة إعلامية أواخر سنة 2020م، انتقدت مستوى أدائه وتردي المشروعات التي تقوم بها الوزارة؛  الأمر الذي فهم على أنه أحد أشكال صراع الأجهزة بين مؤسسات الدولة. لا ينبغي فهم ذلك على أنه صراع وجود بين الأجهزة، بل هو صراع على بسط النفوذ والهيمنة سياسيا واقتصاديا، ومحاولة اغتنام ملفات ومكاسب في ظل المكاسب الهائلة التي تحققها أجهزة دون الأخرى. في هذه الأجواء، طفت على السطح ظاهرة “سماسرة العلاقات” التي بدأت تتوسع في مصر منذ انقلاب  يوليو 2013م، فلقب سماسرة العلاقات هو لقب دارج في جلسات رجال الأعمال في مصر ويطلق عادة على عدد من ضباط الجيش وجهاز الأمن الوطني السابقين الذين أحيلوا إلى التقاعد لكنهم لا يزالون يحظون بعلاقات ودية مع مسؤولين حاليين في الجيش والمخابرات العامة والحربية والأمن الوطني نفسه بجانب علاقات نافذة مع أغلب الهيئات والمؤسسات الحكومية. يقوم هؤلاء بترتيب أو تنسيق العلاقات بين تلك الأجهزة ورجال أعمال سواء الكبار الراغبين في الحصول على نصيب من المشروعات الكبرى الجارية، أو رجال الأعمال الصغار أصحاب الطموح في دخول سوق الاستثمار في مصر، ويحصل هؤلاء السماسرة بالطبع على عمولات ضخمة من كل عملية تنسيق يقومون بها، وبعضهم أغدقت عليه الأجهزة بمناصب حزبية ومقاعد نيابية لتحصين وضعه من أي مساءلة قانونية.[[1]] تنصت متبادل بين الأجهزة البرهان الأول على صحة صدام الأجهزة وصراعها على النفوذ والسلطة، هو ما كشفته تسريبات موقع “ديسكلوز” الفرنسي في فبراير 2021؛ وهو التحقيق الذي كشف في حلقتين عن انتهاكاتٍ ارتكبها الجيش الفرنسي في مصر، إضافة إلى تسريبات أخرى كشفت أنّه على مدار آخر سبع سنوات استثمر نظام السيسي في منظومة مراقبةٍ شاملة، مشكلة من ثلاثة أجزاء، شكّلتها ثلاث شركات فرنسية. عمل كلٌّ منها على هذه المنظومات بعلم من الرئاسة الفرنسية، وقدّمت الإمارات الدعم المالي. كانت شركة Nexa Technologies الفرنسية مسؤولةً عن تطوير وتركيب نظام اسمه Cerebro لمراقبة شبكات الإنترنت في مصر، بينما كانت شركة Ercom-Suneris مسؤولة عن تطوير وتركيب نظام اسمه Cortex Vortex لتتبع أرقام محمول بدقة شديدة، والتنصت الفوري على المكالمات في مصر، ثم قامت الشركة الفرنسية الثالثة Dassault Système بتطوير (وتسليم) محرّك بحث شديد التطور اسمه Exalead، وهو مسؤول عن تسليم نتائج ذكية مبنية على قواعد بيانات ومخازن معلومات وزارة الدفاع في مصر (أشبه بما يفعله غوغل من تخزين للبيانات)، وهي قاعدة بيانات ضخمة عن الناس وحياتهم، ويعتقد أنّه قد تم بناؤها منذ عام 2014م. اللافت في هذه التسريبات أن الأجهزة السيادية المصرية التي لها حق الرقابة (المخابرات العامة، الحربية، الأمن الوطني، الرقابة الإدارية)، لها ميزانيات منفصلة، لا رقابة برلمانية عليها؛ هذه الأجهزة اشترت هذه المنظومات، وهو أمرٌ يمكن فهمه في إطار أنّ هذه الأجهزة تابعة للنظام، لكن ما لم يتم فهمه أن يشتري كلّ جهاز أمني هذه الأنظمة من تلك الشركات الفرنسية، كلّ على حدة، وهو ما ذهب بعضهم إلى تفسيره، لتسهيل مهمة كل جهاز في التجسّس والتنصت على الجهاز الآخر.[[2]] تسريب “تحيا مصر” البرهان الثاني، هو التسريب الذي بثه الناشط عبدالله الشريف، والذي احتوى على مكالمة هاتفية بين أحد مستشاري رئاسة الجمهورية (لواء جيش) مع مستشارة أيضا داخل رئاسة الجمهورية، وهو التسريب الذي أعاد للواجهة صراع الأجهزة؛ فمحتوى التسريب يعكس حجم الفساد في صندوق “تحيا مصر”، حيث أبلغ اللواء مستشارة السيسي بأنه يمكنها الحصول على فيلا بالعاصمة الإدارية مقابل دفع مبلغ 700 ألف جنيه فقط على أن يتولى الصندوق دفع باقي الأقساط. التسريب الذي حاولت أجهزة السيسي نفيه والترويج على أنه مفبرك أو مختلق أو جرى لأطراف متهمة بالنصب وليس لواء حقيقيا، يعكس حجم تضارب المصالح وتقسيم الغنائم داخل القيادات العليا المقربة من السيسي وأجهزة النظام. كما يبرهن على أن إجراءات السيطرة على جهاز المخابرات العامة ــ الذي يتهم دائما بالوقوف وراء التسريبات ــ لم تنجح خلال السنوات الماضية. وفي ظلّ هذه الفوضى التي تضرب تلك الأجهزة نتيجة لتضارب المصالح، فالسؤال: من سرّب لمن؟ ولماذا؟ وهل هذا الأمر أحد نتائج أجهزة التنصّت الفرنسية؟ ويبدو أنّ هذه المسألة هي التي ستكون قادرةً على تقويض أركان النظام من الداخل. فما هو شكل التحالفات الجديدة (خصوصاً حينما قال اللواء: أنا لواء شرطة وليس جيش!!)؟، وإلى أي مدىً وصل صراع الأجهزة؟ وما هي الدوافع والأسباب خلف هذا التسريب؟ وما مدى سيطرة رجال السيسي داخل جهاز المخابرات العامة على الجهاز؟ وكيف سيردّ السيسي والذين معه على هذا الأمر؟[[3]] هذه التسريبات تسببت في حالة ارتباك داخل أروقة النظام وأجهزته الأمنية؛ ورغم بيان وزارة الداخلية الذي ينفي صحة هذه التسريبات ووصفها بالمفبركة إلا أن الرواية الأمنية لم تقنع أحدا. فيما تشير تقارير إعلامية نقلا عن مصادر بوزارة الداخلية عن حركة تنقلات مرتقبة في جهازي الأمن الوطني والمخابرات العامة، خلال الفترة القريبة المقبلة، وذلك بناء على تقارير أداء، شارك فيها جهاز الرقابة الإدارية، بتكليف من مكتب رئيس الجمهورية.[[4]] صراع على المخصصات البرهان الثالث، أن هناك حالة استياء داخل جهاز الأمن الوطني ووزارة الداخلية؛ بسبب إسناد الغالبية العظمى من المشروعات الكبرى التي تجري في عدد من المحافظات، لجهات عسكرية تابعة للقوات المسلحة، في الوقت الذي تراجعت فيه مخصصات الجهاز المعلوماتي من المشروعات الجاري تنفيذها لصالح الأفرع المختلفة في القوات المسلحة. فالتنافس الحاد على بسط النفوذ السياسي والاقتصادي بين أجهزة الدولة في مجمله…

تابع القراءة
القمة التركية- الإفريقية الثالثة ومُستقبل العلاقات بين الجانبين

القمة التركية- الإفريقية الثالثة ومُستقبل العلاقات بين الجانبين

  مثَّلت قمة شراكة إفريقية– تركية التي استضافتها العاصمة التركية أنقرة في السابع عشر من ديسمبر 2021، فصلًا جديدًا لأردوغان في ضوء إحداث موازنة بين ضغوطات الداخل والرغبة في الهيمنة الإقليمية، خاصةً على مستوى القارة الإفريقية. وتُعد تلك القمة الثالثة من نوعها؛ إذ سبقها عقد قمتين في عام 2008 وعام 2014، في إطار مساعي تركيا لترسيخ علاقاتها الاستراتيجية طويلة الأمد مع دول القارة الإفريقية. وتأتي هذه القمة في مناخ تطبعه الثقة المتبادلة بين الطرفين، وبهدف دفع الشراكة التركية الإفريقية نحو التقدم وتكثيف مجالات عملها. بالمقابل أصبح الأفارقة يرون في تركيا الشريك الأنسب لتطلعاتهم التنموية والأمنية، بديلًا عن العلاقات غير المتكافئة التي تفرضها عليهم القوى الاستعمارية القديمة وتلك الصاعدة مؤخرًا. فما هي أهداف تركيا من القمة؟ وماذا كانت مُخرجاتها؟ وكيف يُمكن قراءتها في إطار السياسة التركية تجاه إفريقيا؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها.. افتتاح القمة التركية- الإفريقية: افتتح الرئيس التركي القمة التركية- الإفريقية الثالثة في اسطنبول الجمعة 17 ديسمبر، مبديًا اهتمامًا بالغًا بالقارة ليس فقط على مستوى تركيا، بل لمنح إفريقيا صوتًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي، لبناء تحالفاتٍ قويةٍ بين تركيا والدول الإفريقية في المحافل الدولية أيضًا، عبر تعزيز الشراكة الاقتصادية بين الجانبين، إذ تسعى تركيا إلى مضاعفة جهود التعاون التركي الإفريقي في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، على الرغم من التحديات الأمنية والسياسية التي تزداد في مناطق الحضور التركي، خصوصًا الصومال وإثيوبيا وليبيا. وفيما يبدو أمرًا طبيعيًا، فإن استراتيجية تركيا الاقتصادية لتسويق منتجاتها المختلفة ترافقها سياسة التدخل الناعم عبر دعم القطاعات الخدمية وإعادة إعمار البنى التحتية ودعم المؤسسات الحكومية، والاستجابة العاجلة للكوارث الطبيعية المتخمة في إفريقيا. ولتحقيق هذه الغاية، ضمَّت خطة تتضمن خمسة مجالات، منها دعم التنمية والتعليم والمعلوماتية والصحة والشباب والمرأة والبنية التحتية والزارعة من بين جدول أعمال القمة، تأكيدًا على أن الجوانب الإنسانية جهدٌ مشتركٌ بين تركيا وإفريقيا لمد أواصر الصداقة والتعاون بين تركيا والقارة، وأن لا تكون العلاقة مبنيةً بالتبادلية النفعية فقط. وهي سياسةٌ أخذت حيزًا كبيرًا في مبدأ التوسع والانتشار نحو إفريقيا، ما يميزها عن بقية اللاعبين الدوليين في إفريقيا. واختتمت أعمال القمة السبت 18 ديسمبر، لتكون إحدى أهم روافع تمدُّد تركيا في القارة السمراء واستراتيجياته، وقد حظيت هذه القمة بمشاركة 16 رئيس دولة إفريقية، و102 وزير إفريقي، بينهم 26 وزيرًا للخارجية، وهو ما قد يمثِّل اختبارًا حقيقيًا لمدى التأثير التركي في القارة التي لا تزال تئن من جراحات الماضي، وتواجه موجات القحط والجفاف في شرقيها ومخاوف من تمدُّد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في قلبها، وتداعيات المتحور أوميكرون في جنوبها، وهو ما قد يُنهك اقتصادات الدول الإفريقية التي تعتمد مداخيلها على حركة التنقلات والسياحة والتبادل التجاري العابر بين القارات والمحيطات. [1] تصريحات أردوغان خلال القمة: عُقدت القمة الأولى للشراكة التركية- الإفريقية في إسطنبول عام 2008، والثانية في مالابو (عاصمة غينيا الاستوائية) عام 2014.  والقمة الثالثة احتضنتها مدينة إسطنبول، وأجرى خلالها أردوغان 15 لقاءً ثنائيًا، وأشار في تصريحاته إلى الارتقاء بالعلاقات التركية- الإفريقية إلى مستوى جديد وأكثر تقدمًا مع القمة التي استضافتها إسطنبول تحت شعار تعزيز الشراكة من أجل التنمية والازدهار المشترك. كما أشار إلى البيان الختامي وخطة العمل المشتركة التي أقرت في ختام القمة، وأنه تم الاتفاق على خريطة طريق من شأنها تعزيز العلاقات التركية- الإفريقية. وأوضح أردوغان أن تركيا فتحت صفحة جديدة في العلاقات مع القارة السمراء من خلال إعلان 2005 عام إفريقيا. وبيَّن أن تركيا سعت إلى تعزيز تعاونها على أساس الشراكة المتساوية والربح المشترك، ورفضت دومًا النظر إلى القارة بنظرة تفوح منها رائحة العلو والاستفراد بالنبل والاستشراق. ولفت إلى أن تركيا أصبحت شريكًا استراتيجيًا للاتحاد الإفريقي في 2008، ورفعت حجم التبادل التجاري من 5.4 مليارات دولار إلى 25.3 مليار عام 2020. وأضاف أن حجم التبادل التجاري التركي الإفريقي بلغ 30 مليار دولار في أول 11 شهر من 2021، ووصل حجم الاستثمارات التركية 6 مليارات دولار في عموم القارة. وأشار إلى ارتفاع عدد السفارات التركية في دول قارة إفريقيا من 12 في 2005، إلى 43 في العام الحالي. كما لفت أردوغان إلى ارتفاع عدد سفارات الدول الإفريقية في أنقرة من 10 إلى 37 سفارة في الوقت الحالي. وقال إن أنقرة افتتحت أكبر تمثيل دبلوماسي لها بالعالم في الصومال، وتجاوز عدد الطلاب الأفارقة المستفيدين من المنح الدراسية في تركيا 14 ألف. وبيَّن أنه أجرى حتى الآن 50 زيارة إلى 30 دولة إفريقية، مشيدًا بـ “كفاح ومثابرة الأشقاء الأفارقة رغم جميع الصعوبات”.[2] أهداف تركيا من القمة التركية- الإفريقية: تستهدف تركيا من خلال استضافتها لتلك القمة عددًا من الأهداف: أولها؛ إيجاد آلية للانخراط في اتفاقية التجارة الحرة:  حيث تسعى أنقرة إلى تعزيز الحضور داخل القارة عبر الاستثمارات المختلفة في مجال البنية التحتية والصحة وكذلك مجالات الطاقة، والبحث عن منفذ للانخراط بشكل أو آخر في إطار اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. وتتضح معالم ذلك في كلمة أردوغان خلال افتتاح القمة، والذي ألمح خلالها إلى رغبة تركيا في تقديم الدعم وتبادل الخبرات حيال تلك الاتفاقية. وثانيها؛ تطوير التعاون مع إفريقيا في قطاع الدفاع: ويتم ذلك من خلال آليتين: الأولى بفتح 37 مكتبًا عسكريًا لأنقرة داخل الدول الإفريقية، والثانية بفتح سوق جديدة أمام المنتجات العسكرية المختلفة لتركيا في إفريقيا، حيث تحظى الصناعات الدفاعية التركية، على رأسها الطائرات المُسيَّرة، بشعبية كبيرة بين حكومات القارة السمراء. ذلك بعد البلاء الحسن الذي أبلته خلال الحرب الليبية، وتوقيع المغرب على صفقة استيراد 12 من مسيرات بيرقدار TB2 تسلم منها دفعته الأولى، وطلبت الحكومة الإثيوبية هي الأخرى تزويدها بهذه الأسلحة. وبلغت قيمة صادرات الصناعات الدفاعية التركية إلى إثيوبيا 94,6 مليون دولار بين يناير ونوفمبر، مقارنةً بنحو 235 ألف دولار خلال نفس الفترة من العام السابق. وتُشير الأرقام التي قدَّمتها جمعية المستوردين الأتراك إلى ارتفاع مشابه بالمبيعات إلى دول أنجولا وتشاد والمغرب. كما تعتزم توجو خطة لتحديث جيشها بدعم من تركيا، التي توفر التدريب والعربات المدرعة بالإضافة إلى الأسلحة والمعدات الأخرى.[3] وثالثها؛ تطويق حركة “الخدمة”: والتي تتبع لفتح الله جولن، ولا تزال تُمثل مصدرًا للقلق داخل تركيا، في ضوء تخوفات أنقرة من إحياء تلك الحركة ونشاطاتها المختلفة، مستغلة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة. مُخرجات القمة وفائدتها لتركيا ودول القارة: شملت القمة مجموعة من المخرجات، وتتمثَّل في: توقيع مذكرة تفاهم للفترة الممتدة من 2022 إلى 2026 نحو تعزيز التعاون مع إفريقيا في مجالات التجارة والاستثمار والسلام والأمن والحكومة، إلى جانب التعليم والشباب، وتنمية المرأة، والبنية التحتية، والتنمية الزراعية، وتعزيز الشراكة في النظم الصحية المختلفة. كما تمثَّلت أحد أهم مخرجات القمة في دبلوماسية اللقاحات؛ والتي برزت في تعهُّد أردوغان بإرسال 15 مليون جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا إلى إفريقيا.[4] وتسعى تركيا من خلال هذه القمة…

تابع القراءة
قراءة في تلويح حمدوك بالاستقالة: الدوافع والمحركات

قراءة في تلويح حمدوك بالاستقالة: الدوافع والمحركات

  ازدادت الأزمة السودانية احتقانًا في ظل تظاهرات ضخمة وصلت إلى قرب القصر الرئاسي، رافضةً لاتفاق رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وتزايد احتمالات حدوث مواجهة حادة بين المحتجين وقوات الجيش. حيث شهد السودان الأحد 19 ديسمبر 2021، احتجاجات واسعة؛ تمكَّن خلالها المتظاهرون، للمرة الأولى، من اختراق الحواجز الأمنية الكبيرة حول القصر الرئاسي، وتلك المؤدية إليه، رغم إطلاق الشرطة والقوات الأمنية الرصاص وقنابل الغاز بكثافة على أجساد المحتجين مباشرة، ما أدى إلى إصابات عديدة. كل هذا بالتزامن مع فشل حمدوك في تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، بعد إبعاد قادة الانقلاب لأعضاء حكومته من قوى الحرية والتغيير، وعدم وجود حاضنة سياسية لحكومته المنتظرة، مع تخوُّف المرشحين للمناصب الوزارية من الأوضاع الدقيقة في البلاد وطلبهم ضمانات لقبول الترشيح، فضلًا عن خلافات بين حمدوك والحركات المسلحة بخصوص حصصها الوزارية حسب اتفاق سلام جوبا، خاصةً الحركات التي ساندت الانقلاب. الأمر الذي دعا حمدوك للتلويح باستقالته، وتسريب الخبر لوكالة رويترز. فما هي احتمالات استقالة حمدوك؟ وكيف يُمكن قراءة هذا التلويح؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عنها.. ظروف وأسباب التلويح بالاستقالة: أكد مصدران لوكالة رويترز، ليلة الأربعاء 22 ديسمبر، أن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، يعتزم الاستقالة من منصبه خلال ساعات، وذلك بعد نحو شهر على اتفاق مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على تشكيل حكومة جديدة. وقال مصدر مُقرَّب من مكتب حمدوك إن رئيس الحكومة السودانية كان “يعتزم خلال الأسبوعين المقبلين تقييم موقف شراكته مع الشق العسكري الذي وقَّع معه اتفاقًا سياسيًا في 21 نوفمبر؛ لكن طريقة التعامل الأمني مع المحتجين، والتقارير التي تحدثت عن قمع مفرط وقتل واغتصاب بحق المحتجين، جعلته يفكر في تسريع استقالته”. فمنذ توقيعه على الاتفاق مع البرهان، يتعرض حمدوك لضغوط كبيرة من الشارع السوداني، الذي خرج في عدة مسيرات احتجاجية كان أضخمها تلك التي وصلت إلى محيط القصر الرئاسي الأحد 19 ديسمبر، لكنها تعرضت لقمع مفرط من قبل الأجهزة الأمنية، مما أثار انتقادات دولية ومحلية واسعة. وطالبت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بالتحقيق السريع في تقارير خطيرة تلقتها عن عمليات قتل واغتصاب وعنف مفرط طالت المئات من السودانيين. وكشفت المفوضية خلال مؤتمر صحفي عقدته بجنيف عن تلقي مكتب حقوق الإنسان المشترك في السودان تقارير تتعلق بتعرض 13 امرأة وفتاة للاغتصاب أو الاغتصاب الجماعي، إضافةً إلى عمليات تحرش جنسي من قبل قوات الأمن ضد النساء اللواتي كن يحاولن الفرار من المنطقة المحيطة بالقصر الرئاسي. وأشارت المفوضية إلى مقتل اثنان من المتظاهرين بعد إطلاق النار عليهما، وإصابة نحو 300 آخرين بالذخيرة الحية وقنابل الغاز المسيل للدموع أو الضرب المبرح من قبل أفراد الأجهزة الأمنية.[1] وترجع أسباب رغبة حمدوك في الاستقالة إلى ضيقه من ابتعاد مجموعة الحرية والتغيير الحاضنة السياسية السابقة لحكومته، ورفضها التعاون معه، أو المشاركة في صياغة إعلان سياسي جديد كان يرتب له. كما أنه يجد صعوبة في تشكيل وزارة تكنوقراط، لعزوف معظم المكون المدني عن التعامل معه في ظل الاتفاق الذي أبرمه مع قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان.[2] وعزا مصدران بمجلس الوزراء السوداني، توجه حمدوك للاستقالة إلى اعتراضه على تدخلات العسكريين في تعييناته قيادات الخدمة المدنية. وبحسب المصدران: كان هناك خلاف دبَّ بين حمدوك والمكون العسكري في مجلس السيادة حول قرار رئيس الوزراء الأخير الخاص بإعادة لقمان أحمد، لمنصب مدير هيئة التلفزيون السوداني بعد استبعاده خلال الفترة الماضية. وأضافا أن إعادة لقمان كانت أحد مطالب حمدوك، في وقت يرفض المكون العسكري ذلك، ويتمسك بأن يكون مدير هيئة التلفزيون يخضع في عمله لسلطة إدارة التوجيه المعنوي التابعة للجيش السوداني. وأفصحت المصادر أن من بين الأسباب الأخرى التي دفعت حمدوك إلى التهديد بالاستقالة هو أنه لا يشعر بقدرته على إحداث توافق سياسي مع تصاعد الاحتجاجات الرافضة للاتفاق مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.[3] قراءة في تلويح حمدوك بالاستقالة: تلويح رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بالاستقالة ربما تكون خطوة تتضمن عدة رسائل: أولها؛ رسالة للقوى السياسية والمهنية والشبابية التي تعارض اتفاق ٢١ نوفمبر، مفادها إما تدعموا الاتفاق وتتجهوا نحو اتفاق سياسي شامل وفق مبادرات رئيس الوزراء والمبادرات الأخرى دعمًا للانتقال الديمقراطي، وإما الاستقالة وفي استقالة حمدوك في الوقت الراهن تفقد قوى الحرية والتغيير أكثر مما تكسب؛ بينما لم يتبقى من قرارات البرهان الانقلابية سوى هيكلة مجلس السيادة، ولجنة التفكيك والتي يرى البعض أنها قادمة بقوة ضمن الاتفاق السياسي الشامل الذي يريده حمدوك ويشرف عليه منذ اتفاق ٢١ نوفمبر. وثانيها؛ رسالة للجنرالات بأنه ماضي في ممارسة صلاحياته كرئيس للوزراء وأي عرقلة في ذلك سيقدم الاستقالة، وهي رسالة لتمرير عدة قرارات مقبلة كانت موقوفة بسبب العسكر، وإذا استقال سيضعهم أمام ضغط الشارع والضغط الدولي، لذلك فهم متمسكون به ليعبر بهم بالمرحلة وينجيهم من الضغوطات الداخلية والدولية. وثالثها؛ رسالة للمجتمع الدولي، بأنه إن كان خيارهم فعليهم دعمه فورًا وفك تجميد التمويل الدولي حتى يستطيع مواصلة وإكمال ما بدأه من إصلاحات اقتصادية قبل انقلاب البرهان، وحتى يستطيع أن يقنع الشارع المتوهج برفضه لاتفاق ٢١ نوفمبر. ونشر خبر التلويح بالاستقالة في وكالة رويترز؛ القصد منه التأثير القوي والسريع وإيصاله لقادة المجتمع الدولي الداعمين للانتقال في السودان.[4] هل يستقيل حمدوك؟ يرى البعض أن حمدوك يغازل المانحين والداعمين للموازنة القادمة بعد توقُّف الدعم الخارجي، ويرى هؤلاء أن التسريبات باستقالة حمدوك تشمل رسالة داخلية للقوى السياسية وخاصةً الحرية والتغيير المجلس المركزي مفادها أن حمدوك يغازل المعارضة بأن تتقدم للحوار على برنامج يفضي إلى انتخابات مقابل الدعم لحكومته المقبلة. والتسريبات تأتي غداة إلغاء قرارات أصدرها القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الحالي، وهو ما يُعتبر مغازلة وتهديد بتمرير هذه القرارات وعدم الاعتراض عليها، وكان حمدوك قد ألغى قبل ساعات قرارات تتعلق بهيئة الإذاعة والتلفزيون والبنك الزراعي وغيرها من القرارات. واعتبر هؤلاء أن استقالة حمدوك في هذا التوقيت غير واردة، وإن حدثت ستكون نهاية لحمدوك نفسه وستبعد المجلس المركزي للحرية والتغيير عن المشهد بشكل كبير، وأن الاستقالة تعني تمديد الفترة الانتقالية لعامان إضافيان وستربك المشهد وستقلبه رأسًا على عقب.[5] وهذا هو الأرجح. في حين يرى آخرون أن حمدوك لن ينجح لوحده وقد يستقيل بعد أيام، حيث تفكيك الوضع الراهن في السودان يتطلب توحيد قوى الثورة واستمرار معركتها في الشارع، بينما يواصل حمدوك عمله على عدم سقوط الجهاز التنفيذي للدولة في يد الانقلابين، الذي يُعتبر أمرًا بالغ الخطورة. ودور حمدوك مرحلي ويرتبط بالأساس بمنع اكتمال الانقلاب وانتزاع المزيد من الصلاحيات، بالإضافة إلى إنجاز ما يمكن إنجازه من مهام الانتقال وإيصال البلاد بشكل آمن للانتخابات. واستقالة رئيس الوزراء ستخلق فراغًا واسعًا، واختيار بديل له سيحتاج لوقت طويل بسبب مشاكل عدم وجود الحد الأدنى من التوافق، الأمر الذي…

تابع القراءة
لماذا يفرض السيسي ضرائب جديدة في هذا التوقيت؟

لماذا يفرض السيسي ضرائب جديدة في هذا التوقيت؟

    في 29 نوفمبر 2021م، أعلن محمد معيط، وزير المالية، خلال ورشة العمل التي تم تنظيمها بالتعاون مع مشروع إصلاح واستقرار الاقتصاد الكلى، التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، أن الوزارة تسعى إلى تغيير جذري متكامل في منظومة الإدارة الضريبية، لتوسيع القاعدة الضريبية دون الاعتماد على إضافة أعباء ضريبية جديدة لتحفيز الاستثمار.[[1]] وفي 3 ديسمبر 2021م، نفي المركز الإعلامي لمجلس الوزراء ما انتشر من أنباء بشأن اعتزام الحكومة إضافة أعباء ضريبية جديدة على المواطنين خلال الفترة المقبلة تزامنا مع أزمة التضخم العالمية. وأوضح المركز الإعلامي في بيان له أنه قام بالتواصل مع وزارة المالية، والتي نفت تلك الأنباء، مؤكدة أنه لا صحة لإضافة أعباء ضريبية جديدة على المواطنين خلال الفترة المقبلة، وأنه لا توجد نية لإضافة أعباء ضريبية على المواطنين، كما أنه لا يتم فرض أي ضرائب جديدة إلا بقانون يوافق عليه مجلس النواب. وناشد المركز الإعلامي وسائل الإعلام المختلفة ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي ضرورة توخي الدقة قبل نشر مثل هذه الشائعات، والتي تؤدي إلى بلبلة الرأي العام.[[2]] وعوضا عن فرض ضرائب جديدة في ظل هذه الأوضاع مع تفشي جائحة كورونا، أوضح بيان مجلس الوزراء أن الحكومة تقوم بتنفيذ خطة شاملة لتطوير المنظومة الضريبية، من خلال عدة إجراءات: أولا، تبسيط الإجراءات وتوحيدها وفقا للمعايير الدولية، مع التوسع في الحلول التكنولوجية لتوفير أنظمة ضريبية إلكترونية، تسهم في تعظيم جهود دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي، وحصر المجتمع الضريبي بشكل أكثر دقة، على النحو الذي يسهم في رفع كفاءة التحصيل الضريبي. ثانيا، لتحقيق المستهدفات الضريبية وتعظيم مواردها تم إصدار أول قانون للإجراءات الضريبية المبسطة والموحدة، والاستعانة بكبرى الشركات العالمية في ميكنة هذه الإجراءات، عبر بنية تكنولوجية قوية؛ لتعزيز الحوكمة، ورفع كفاءة التحصيل الضريبي، وتأهيل الكوادر البشرية ببرامج تدريبية متطورة تلبي متطلبات الأنظمة الضريبية المطورة والمميكنة، وتهيئة بيئة عمل محفزة، على نحو يؤدي إلى التيسير على الممولين، وقد أسهمت مشروعات رقمنة المنظومة الضريبية في زيادة أعداد الإقرارات ونمو الإيرادات الضريبية. ثالثا، يجرى العمل حاليا على استكمال منظومتي الفاتورة الإلكترونية، والإيصال الإلكتروني، كما سيتم في أول يوليو المقبل (2022) اكتمال ميكنة 16 إجراء من الوظائف الرئيسية لمصلحة الضرائب منها: التدقيق، والفحص، والطعون. ضرائب جديدة! وبعد أقل من أسبوعين، خالفت الحكومة هذه التعهدات من خلال إجراءين: الأول، سن تعديلات جديدة على بعض أحكام قانون الضريبة على القيمة المضافة رقم 67 لسنة 2016، حيث أقر البرلمان بشكل نهائي يوم الثلاثاء 14 ديسمبر 2021م هذه التعديلات التي تقر عشرات الضرائب التي تتضمن عشرات السلع والخدمات.[[3]] وركزت التعديلات على تحريك سعر الضريبة على سلع وخدمات بعينها في نطاق السعر العام المقرر في القانون بـ 14% سواء بالإعفاء أو بالإخضاع أو بتغيير موقعها من أو إلى ضريبة الجدول (ضريبة ثابتة محددة بنسبة مغايرة لسعر الضريبة العامة). وتضمن مشروع القانون خمس مواد بخلاف مادة النشر، شملت تعديلًا بالحذف أو الإضافة على مواد القانون المعمول به حاليًا، كما استحدثت مواد إضافية. أولا، ينص مشروع القانون الذي وافق عله البرلمان بشكل نهائي وينتظر تصديق السيسي على فرض رسوم جديدة بواقع 10% على 35 سلعة وهي أسماك السالمون، وشرائح سمك السلمون الطازجة أو المبردة أو المجمدة، والأسماك الواردة ببند التعرفة الجمركية، والروبيان (جمبري واستاكوزا)، والأجبان ذات العروق الزرقاء، وأسماك الأنشوجة والكافيار، والقشريات والرخويات والفقاريات المائية المحضرة أو المحفوظة، والأثمار القشرية، والفواكه سواء الطازجة أو المجففة. وتضمنت قائمة تلك السلع البن المحمص، والشكولاتة، والعطور ومستحضرات التجميل، وطواحين وخلاطات المأكولات، وأجهزة الحلاقة ذات المحرك الكهربائي، ومجففات الشعر، والأجهزة الحرارية الكهربائية الأخرى لتصفيف الشعر، ومجففات الأيدي، والأجهزة الحرارية الكهربائية لإعداد القهوة والشاي، ومحمصات الخبز للاستعمال المنزلي، وسماعات الرأس والأذن. وشملت أيضاً ساعات اليد وساعات الجيب، والساعات المماثلة وتفريعاتها، والتروسيكلات والاسكوترات، والعربات ذات البدال، واللعب المماثلة ذات العجلات وحاملات الدمى، فضلاً عن لعب الأطفال الأخرى، وقداحات السجائر، وغيرها من القداحات القابلة أو غير القابلة لإعادة التعبئة. ثانيا، نص مشروع قانون التعديلات على نقل منتجات الصابون والمنظفات الصناعية للاستخدام المنزلي من الجدول المرافق للقانون، وخضوعها للسعر العام للضريبة بواقع 14% بدلاً من 5%، تحت ذريعة الاستجابة لمتطلبات الصناعة الوطنية. كما أخضعت التعديلات سيارات المعاقين المجهزة طبيًا للسعر العام للضريبة بدلًا من إعفائها، كما أدرجت التعديلات إيجار أو بيع المحال التجارية ضمن ضريبة الجدول بواقع 10% بعد أن كانت معفاة بالقانون. أي ما يعادل 1% من إجمالي قيمة الإيجار أو البيع. ثالثا، في مقابل الزيادات الضريبية التي طالت عشرات السلع، أقرت التعديلات إعفاءات لعدد من السلع والخدمات، أبرزها إعفاء أعمال الإنشاءات والمقاولات لدور العبادة من الضريبة، وكذلك خدمات النولون على ما يستورد من الحبوب والبقول وملح الطعام والتوابل المصنعة مع التجاوز عن الضريبة المستحقة قبل إصدار هذا القانون، كما أعفت التعديلات مادة «الباجاس» وعجائن الورق المعدة لسك العملة. وبموجب التعديلات الأخيرة تم إعفاء خدمات استئجار وتأجير الطائرات مع التجاوز عن السابق لمشروع القانون، وكذلك الأمصال واللقاحات والدم ومشتقاته وأكياس جمع الدم ووسائل تنظيم الأسرة. لكن أبرز ما تم أعفاؤه هو الخدمات التي تؤديها هيئة قناة السويس للسفن العابرة بها بما فيها مقابل العبور، والنص على التجاوز عن المبالغ السابقة لمشروع القانون يسقط نحو 23 مليار جنيه ضريبة قيمة مضافة (كانت مستحقة) على هيئة قناة السويس لمصلحة الضرائب.[[4]] الثاني، هو موافقة البرلمان من حيث المبدأ على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون ضريبة الدمغة رقم 111 لسنة 1980، وقانون فرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة رقم 147 لسنة 1984، وقانون فرض ضريبة مقابل دخول المسارح وغيرها من محال الفرجة والملاهي رقم 74 لسنة 1999، والذي يهدف إلى فرض عشرات من الضرائب والرسوم الجديدة على الأنشطة والفعاليات والخدمات المقدمة للمواطنين. وأرجأ البرلمان موافقته النهائية على مشروع القانون لمزيد من الدراسة، بناءً على طلب النائب عن حزب “مستقبل وطن” الحائز على الأغلبية عاطف ناصر، لا سيما مع إصرار عدد من النواب على رفض المشروع. تضمنت التعديلات فيما يخص ضريبة الدمغة، رفع الضريبة بنسبة 1% على أقساط ومقابل التأمين، إلى جانب فرض 100 جنيه كرسوم لتنمية موارد الدولة، عند مغادرة البلاد، وتقليصها للأجانب القادمين لغرض السياحة لمحافظات (البحر الأحمر، جنوب سيناء، الأقصر، أسوان، مطروح) لـ 50 جنيهًا. وتضمنت التعديلات أيضًا، فرض ضريبة 2% من قيمة المنتج النهائي للسلع المعمرة، و5 % للمشروبات الغازية بأنواعها بحد أدنى 25 قرشًا، و10% من قيمة الفاتورة الجمركية لعدد من أنواع الأسماك المستوردة. كما تضمنت التعديلات المقترحة على القانون الثالث، بشأن ضريبة دخول الملاهي والسينما والمسرح، ضرائب تتراوح  بين 5 و20%.[[5]] وفي حين جرى تمرير التعديلات على قانون القيمة المضافة، فقد جرى تأجيل الموافقة على قوانين الدمغة وزيادة رسوم وموارد الدولة وضريبة دخول المسارح والملاهي، لحين إجراء نقاش مجتمعي حولها حسب مبررات…

تابع القراءة
رئاسة مصر لـ الكوميسا ونظرة على العلاقات المصرية الإفريقية

رئاسة مصر لـ الكوميسا ونظرة على العلاقات المصرية الإفريقية

  تعالت الدعوات المصرية خلال السنوات الماضية بضرورة العودة للحضن الإفريقي؛ لاسيما مع تصاعد أزمة المياه في مصر، والتي بدا خلالها تحامل دول منابع نهر النيل على الدولة المصرية التي شهدت سياستها الخارجية فترة كبيرة من القطيعة مع عمقها الإفريقي بعد محاولة اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا عام 1991. ومع تصاعد أزمة سد النهضة مع تولِّي نظام السيسي؛ اتجهت الإدارة المصرية نحو مزيد من الإجراءات للتقارب مع إفريقيا في محاولة لحل أزمة سد النهضة ومحاولة تفادي المزيد من الأزمات. وتصدَّرت العلاقات المصرية الإفريقية الواجهة من جديد بعد تولِّي مصر رئاسة الكوميسا نهاية نوفمبر الماضي، وبالرغم من كون الحدث دوريًا يتناوب عليه رؤساء الدول الأعضاء؛ إلا أنه طرح مجموعة من التساؤلات يسعى هذا التقرير للإجابة عنها، مثل: ما هي الكوميسا؟ وكيف تستطيع مصر الاستفادة منها؟ وما هي محددات السياسة الخارجية المصرية في إفريقيا؟ وكيف يُمكن تقييمها؟ وما هو وضع الإخوان المسلمين في إفريقيا؟ وكيف سيكون مستقبله؟ أولًا: الكوميسا ورئاسة مصر: تسلَّمت مصر الثلاثاء 23 نوفمبر 2021، الرئاسة الدورية لتجمع قمة السوق المشتركة لدول شرق وجنوب القارة الإفريقية “الكوميسا”، وذلك بمشاركة رؤساء بعض الدول من أعضاء التجمع، في مستهل انعقاد القمة في العاصمة الإدارية الجديدة، شرقي العاصمة المصرية القاهرة. وسلَّم رئيس دولة مدغشقر، أندريه راجولينا، السيسي الرئاسة الدورية لتجمع الكوميسا، ومن المُقرر أن يُطلق السيسي خطة العمل الاستراتيجية متوسطة المدى للتجمع عن الفترة (2021 – 2025)، والتي تهدف إلى تعميق الاندماج الاقتصادي والتكامل الإقليمي والتنمية بين دول التجمع، في إطار اتفاقية منطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية.[1] ما هي الكوميسا؟ تُعتبر الكوميسا بمثابة اتفاقية السوق المشتركة لدول الشرق والجنوب الإفريقي، ويُعد التجمع أحد الدعامات الرئيسية للجماعة الاقتصادية الإفريقية التي تم إقرارها في قمة أبوجا لعام 1991، واستهدف إنشاء التجمع إلغاء كافة القيود التجارية فيما بين دول أعضاء التجمع تمهيدًا لإنشاء وحدة اقتصادية للمنطقة، وهو ما يخدم تحقيق هدف الوحدة الإفريقية، وتم إنشاء الكوميسا في ديسمبر عام 1994 خلفًا لمنطقة التجارة التفضيلية التي بدأت في عام 1981، وتستضيف العاصمة الزامبية لوساكا مقر سكرتارية الكوميسا. كما أن تجمع الكوميسا يُعد أحد تجمعات التكامل الاقتصادي الإقليمية، ويستهدف تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول الشمال والشرق والجنوب الإفريقي، من خلال إقامة منطقة تجارة حرة، يتبعها إقامة اتحاد جمركي ثم الوصول إلى مرحلة السوق المشتركة بين الدول الأعضاء. وتُعد الكوميسا من أهم التجمعات الاقتصادية في القارة السمراء، إذ تضم 21 دولة؛ هي مصر، وبوروندي، وجزر القمر، والكونغو الديمقراطية، وجيبوتي، وإريتريا، وإسواتيني، وإثيوبيا، وكينيا، وليبيا، ومدغشقر، ومالاوي، وموريشيوس، ورواندا، وسيشل، والصومال، والسودان، وتونس، وأوغندا، وزامبيا، وزيمبابوي. والتي تتفق على السماح بمرور البضائع فيما بينها دون حواجز جمركية، الأمر الذي من شأنه تعزيز التبادل التجاري.[2] ويزيد عدد سكان الدول الأعضاء عن 583 مليون نسمة، ويبلغ الناتج المحلى الإجمالي 805 مليارات دولار، ويصل حجم تجارة هذه الدول في السلع مع العالم إلى 324 مليار دولار، وتشكِّل الكوميسا سوقًا رئيسيًا للتجارة الداخلية والخارجية. وجغرافيًا تصل مساحة الدول الأعضاء بالكوميسا إلى ما يقرب من ثلثي القارة الإفريقية بمساحة 12 مليون كيلومتر مربع.[3] أهداف وتحديات الكوميسا: للكوميسا مجموعة من الأهداف؛ أولها؛ التوصل إلى النمو المتواصل والتنمية المستدامة في الدول الأعضاء، وذلك عن طريق تشجيع هيكل إنتاج وتسويق متوازن ومتناسق. وثانيها؛ دفع عجلة التنمية المشتركة في كافة مجالات النشاط الاقتصادي، وكذا التبني المشترك لسياسات الاقتصاد الكلي وبرامجه، وذلك لرفع مستويات المعيشة السكانية وتشجيع العلاقات الحميمة بين الدول الأعضاء. وثالثها؛ التعاون في خلق مناخ مواتي للاستثمار المحلي والأجنبي والعابر للحدود. ورابعها؛ التعاون في تعزيز العلاقات بين السوق المشتركة وبقية دول العالم. وخامسها؛ التعاون في مجال دفع مسيرة السلام والأمن والاستقرار بين الدول الأعضاء، وذلك لتقوية أواصر التنمية الاقتصادية في المنطقة. أما غن التحديات؛ فمن أهم التحديات التي تواجه التجمع في المرحلة المقبلة كيفية تأهيل البنية الأساسية لمتطلبات التجارة البينية والتكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، حيث إن استكمال المشروعات المتعلقة بها سيسهم في خفض تكلفة الاستثمار بين الدول الأعضاء. وهناك أيضًا تحديات تتعلق بنقص الطاقة والمياه ومعوقات التمويل الاستثماري وندرة النقد الأجنبي، نظرًا لتخلف القطاع المصرفي في العديد من دول الكوميسا، مما قد يعرقل عمليات التصدير والاستيراد.[4] فضلًا عما سبق، هناك التحديات السياسية التي تتعلق باستتباب الأمن والسلام في بعض دول الكوميسا، وفى مقدمتها التوترات في الداخل الإثيوبي والسوداني والصومالي، والأزمات السودانية- الإثيوبية والصومالية- الكينية والإثيوبية- الصومالية، وغيرها من الأزمات التي تعصف بالمنطقة وتؤثر على استقرارها. مصر والكوميسا: ووقَّعت مصر على الانضمام إلى اتفاقية السوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي “الكوميسا” في 29 يونيو 1998، وتم البدء في تطبيق الإعفاءات الجمركية على الواردات من باقي الدول الأعضاء اعتبارًا من 17 فبراير 1999 على أساس مبدأ المعاملة بالمثل للسلع التي يصاحبها شهادة المنشأ معتمدة من الجهات المعنية بكل دولة، بحسب موقع هيئة تنمية الصادرات. وتتمتع جميع السلع المصرية المصدرة إلى الدول الأعضاء بإعفاء تام من جميع الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى ذات الأثر المماثل وفقًا لنسب التخفيضات التي تقرها كل دولة وعلى أساس مبدأ المعاملة بالمثل. وتشمل أهم بنود الصادرات المصرية إلى دول الكوميسا اللدائن، والملح، والكبريت، والجير والأسمنت، ومنتجات السيراميك، والآلات والأجهزة الكهربائية، ومنتجات المطاحن، والورق، والسكر، والصابون، والزيوت العطرية، والعطور.[5] وضمن هذا السياق فإن التبادل التجاري المصري مع دول الكوميسا سجل حوالي 3 مليار دولار في العام 2020، وهو ما يعادل نحو 60% من إجمالي قيمة التبادل التجاري المصري مع القارة الإفريقية خلال العام نفسه، والذي سجل 5 مليارات دولار أميركي. كما تحظى مصر في علاقاتها التجارية مع دول الكوميسا، بتحقيق فائض تجارى خلال الفترة من (2015- 2020) بلغت قيمته نحو 1.4 مليار دولار أميركي. وتبلغ قيمة إمكانات التصدير غير المستغلة إلى تلك الدول نحو 1.8 مليار دولار أميركي بحلول 2025، وهو ما يعادل نحو 1.8% من القيمة المستهدفة لتعزيز الصادرات المصرية. كما سجلت إمكانات التصدير غير المستغلة إلى دول الكوميسا نسبة 9% من إجمالي الفرص التصديرية غير المستغلة لمصر بحلول 2025. من جانب آخر، بلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي للكوميسا 5.6% خلال عام 2019، إلا أن هذا المعدل شهد تراجعًا كبيرًا خلال عام 2020 بسبب تبعات جائحة كورونا على معظم اقتصادات الدول الأعضاء، بحسب ما ذكرته السكرتير العام لتجمع الكوميسا.[6] ثانيًا: إفريقيا في السياسة الخارجية المصرية: سجَّلت السياسة الخارجية المصرية منذ عام 2014 نشاطًا متزايدًا في القارة عمومًا وفي إقليم شرق إفريقيا خصوصًا، عبر حزمة من الآليات متعددة الأبعاد، في ظل ما يتمتع به الإقليم من أهمية جيوستراتيجية بالغة. ويعكس هذا الحضور المصري في القارة المصالح المصرية المتعددة في إقليم شرق إفريقيا، والتي يأتي من بينها: ضمان حماية حقوقها المائية، وتأمين حركة الملاحة الدولية المارة عبر قناة السويس. واستنادًا لما يشهده الإقليم من تحديات سياسية وأمنية جعلت منه إقليمًا مضطربًا،…

تابع القراءة
السينما في بلاد الحرمين.. قراءة في المآرب والمآلات

السينما في بلاد الحرمين.. قراءة في المآرب والمآلات

      تتسارع وتيرة الانقلاب الذي يقوده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على هوية بلاد الحرمين الشريفين معتمدا على أدوات القمع والإرهاب؛ حيث يقود ولي العهد تحولات ضخمة تعصف بكل الأسس والمرتكزات التي تأسست عليها الدولة السعودية التي أسسها الجد عبد العزيز آل سعود في العقد الرابع من القرن العشرين. هذا الانقلاب الناعم خطير في جوهره وأهدافه كارثي في نتائجه ومآلاته، يدهس كل الأسس والثوابت الدينية التي طالما تظاهر نظام الحكم السعودي باحترامها  استنادا على أن مشروعية النظام يستمدها من حماية الشريعة والعمل بها وخدمة الحرمين الشريفين، قبلة الإسلام ومهده. وتحت لافتة «الإصلاح» البراقة والخادعة يجري العصف بكل هذه القيم والثوابت والمرتكزات جملة واحدة في سنوات قليلة، منذ أن تولى محمد بن سلمان ولاية العهد في منتصف 2017م؛ لكن شهر ديسمبر 2021م كان حافلا وعاكسا لحجم ومدى هذه التحولات؛ فلأول مرة في بلاد الحرمين الشريفين يتم إقامة مهرجان سينمائي، تتبارى خلاله الممثلات في التباهي بعريهن وملابسهن الشفافة التي تكشف أكثر مما تستر. وخلال الأسابيع القليلة الماضية شهدت الرياض عدة أحداث وفعاليات ترفيهية لافتة. أبرزها إقامة ــ لأول مرة في تاريخ بلاد الحرمين ــ  «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» بمدينة جدة الساحلية خلال الفترة من 7 إلى 15 ديسمبر 2021م. عاريات في بلاد الحرمين لأول مرة في التاريخ تفرش حكومة (خادم الحرمين الشريفين) السجادة الحمراء لمشاهير صناعة السينما حيث شارك مئات الممثلات من جميع الجنسيات العربية والأجنية، واللاتي ظهرن بفساتين السهرة وملابسهن المثيرة الشفافة، في بلد كان حتى سنوات قليلة ماضية يفرض العباءة على جميع النساء.[[1]] تقول إلهام شاهين: «لا أصدق أنني أشارك في أول مهرجان سينمائي في جدة، أنا سعيدة جدا من أجل السعودية، تعودت المجيء من أجل الحج أو العمرة، لكني هذه المرة جئت لأشارك في مهرجان سينما وسط نجوم من كل أنحاء العالم؛ هذه طفرة،  وهذا تطور عظيم في تاريخ المملكة».[[2]] احتفت السعودية بالمهرجان وعدته آلتها الإعلامية دليلا على مدى الإصلاح الهائل والتطور الحضاري الذي تشهده المملكة على يد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ويصف مدير المهرجان محمد التركي يوم الافتتاح بأنه يوم تاريخي في المملكة.[[3]] وشارك على جوائز المهرجان 138 فيلما طويلا وقصيرا من 67 بلدا بـ34 لغة، كما يأتي المهرجان بعد أربع سنوات من السماح بفتح دور السينما في بلاد الحرمين الشريفين في أبريل 2018م. وتوجد حاليا في بلاد الحرمين أكثر من 39 دار سينما بعدد شاشات تجاوز 385 تشغّلها خمس شركات.[[4]]  من جهة ثانية، حظيت المخرجة والمنتجة السعودية هيفاء المنصور بتكريم لافت خلال فعاليات المهرجان بوصفها أول من أخرجت وأنتجت أول عمل سعودي سينمائي طويل جرى تصويره داخل المملكة (فيلم «وجدة» سنة  2012م)، وهو الفيلم الذي نال جوائز عالمية عدة كترحيب دولي  ومباركة لهذه الخطوات السعودية، وبعدها أخرجت المنصور عدة أعمال في مدينة هوليود الأمريكية عاصمة صناعة السينما في العالم. تتزامن هذه التوجهات التي يقودها ولي العهد السعودي مع أكبر حملة قمع شنتها أجهزتها الأمنية بحق مئات العلماء والدعاة إلى الله؛ الذين جرى  اعتقالهم في 2017م، بتهم سياسية كيدية؛ ثبت أن الأسباب الحقيقية تتعلق بأن هؤلاء العلماء يمثلون أكبر عائق أمام توجهات ولي العهد بوصفهم يمثلون تيار الصحوة الإسلامية الذي يحظى بشعبية جارفة في بلاد الحرمين، وعلى رأسهم الدكتور سلمان العودة وعوض القرني، وعلي العمري وسفر الحوالي وأولاده والشيخ محمد صالح المنجد صالح العمر ومحمد سعد الشريف وعبدالعزيز الطريفي وغيرهم. تجاوز عدد المعتقلين الحقوقيين 20 شخصية، و24 صحفيا وإعلاميا، وأكثر من 60 من حملة الدكتوراه وأكثر من 40 شخصية لهم كتب ومؤلفات هامة. وتعرض معظهم وفقا للحساب “للتعذيب الجسدي بالصعق والضرب والتعليق لساعات من الأذرع والسحل في ساحات السجن، وسط محاكمات سياسية شكلية أمام قضاة يفتقدون إلى أدنى معايير النزاهة والعدالة. كما تتزامن مع حصار شديد تفرضه السلطات السعودية على كل الحركات الإسلامية المعتدلة التي تقود دعوات الإصلاح والتغيير حيث تم حظر جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها منظمة إرهابية، كما تم حظر جماعة “التبليغ والدعوة” المعروفة باسم “الأحباب” في بلاد الحرمين وسط اتهامات لها بالوثنية والإرهاب.[[5]] في الوقت الذي فتحت فيه السلطات أبوابها لكل منافق يبرر للسلطة أفعالها حتى لو كانت بالغة الشذوذ والانحراف ومناقضة لأحكام الإسلام ومبادئه، مثل التيار الجامي المدخلي. السينما السعودية في محطات في عام 2017، حذر مفتي المملكة من تقنين دور السينما في السعودية، معتبرا أن ذلك أمر “مفسد للأخلاق ومدمر للقيم”. وآنذاك، عرضت السينما الوحيدة في البلاد أفلاما وثائقية في متحف للعلوم. وفي العام التالي (2018)، شهدت العاصمة في الرياض افتتاح أول دور سينما منذ أكثر من 3 عقود، من قبل سلسلة “إيه إم سي” (AMC) الأمريكية، بعرض فيلم “النمر الأسود” (Black Panther). ومن ذلك الحين، تم افتتاح حوالي 500 سينما أخرى في المملكة.[[6]] وتستهدف المملكة أن يصل عدد دور السينما إلى “2000” دار في 2030م. هذا التحول المتواصل الذي تشهد بلاد الحرمين الشريفين له ثلاثة دوافع: فالمملكة تحتاج ــ أولا ــ فطام اقتصادها عن النفط. وثانيا، يجب أن تحافظ على رضى سكانها الشباب في مواجهة القمع السياسي. وثالثا، النظام بقيادة ولي العهد في حاجة ماسة لتحسين سمعته على الساحة الدولية في أعقاب مقتل الصحفي  جمال خاشقجي  بطريقة وحشية داخل القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية، على يد فرقة موت سعودية بتكليف من ولي العهد، في أكتوبر 2018م. وخلال السنوات الماضية ــ أيضا ـ  تضاعفت الأعمال السينمائية والتلفزيونية السعودية بشكل كبير في ظل التوجهات الجديدة التي يفرضها ولي العهد والدعم الواسع الذي تحظى به صناعة الترفيه في بلاد الحرمين الشريفين. وجرى إنتاج أعمال بميزانيات ضخمة غالبا ما كانت تستهدف إبراز صورة ما يسمى بالانفتاح الاجتماعي الذي تعيشه المملكة بعد قرون من الإرث المحافظ وفق قيم الإسلام وأحكامه التي كانت تهيمن سابقا على بلاد الحرمين حكاما ومحكومين، حتى جاء ابن سلمان، ولم ترقه سياسة الأقنعة المتعددة للحكام والملوك؛ فأظهر للعلن ما كان يخفيه صناديد الأسرة المالكة، والذين كان يمارس معظمهم جميع صور وأشكال الفجور والانحراف والانفلات الأخلاقي خلف أبواب قصورهم المغلقة، بعيدا عن أعين الناس، أو يضطرون لممارسة ذلك خارج المملكة في لبنان والقاهرة ودبي أو في أشهر وأرقى الفنادق العالمية. ولعل شبكة إم بي سي ودورها التدميري لشباب الأمة منذ أكثر من عشرين سنة خير برهان على ذلك. فهي أكبر شبكة تبث الأفلام والمسلسلات الأجنبية والعربية والهندية والتي تمولها الحكومة السعودية وتديرها مخابرات بلاد الحرمين! ورغم هذه الانحرافات المعروفة عن معظم ملوك وأمراء آل سعود، لكنهم كانوا في الظاهر حريصين على إبداء الالتزام بالإرث المحافظ والادعاء بالتزام قيم الإسلام وفق مذهب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الذي تنسب له الحركة الوهابية التي سيطرت على بلاد  الحرمين لعقود طويلة. وحاليا تستهدف الحكومة السعودية  أن يكون مهرجان جدة السينمائي من بين…

تابع القراءة
الانتخابات المحلية بـ الجزائر

الانتخابات المحلية بـ الجزائر: قراءة في المواقف والنتائج

    جرت يوم السبت 27 نوفمبر، أول انتخابات بلدية وولائية في الجزائر بعد الحراك الشعبي في فبراير 2019، وهي سابع انتخابات بلدية تجري منذ دخول البلاد عهد التعددية السياسية عام 1989. وتُجري الانتخابات المحلية للمرة الأولى، تحت إشراف هيئة مستقلة للانتخابات، بعدما كانت تشرف وزارة الداخلية عليها. فما هو دور تلك المجالس وآلية انتخابها؟ وما هي المواقف المُختلفة من تلك الانتخابات؟ وما هو موقف الأحزاب المُشاركة من التحالفات مع غيرها من الأحزاب؟ وكيف يُمكن قراءة نتائج الانتخابات؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها.. دور وصلاحية المجالس المحلية بالجزائر وآلية الانتخاب: تتولى المجالس البلدية تسيير البلديات والشؤون العامة وثائق الحالة المدنية والمسائل الخدمية، كالنظافة والطرقات والمياه والتسيير الإداري للمدارس، والتنسيق مع شركات الغاز والكهرباء لتوصليها للسكان، والنقل الريفي والمدرسي، والإشراف على برامج التضامن الاجتماعي. كما تشارك في اختيار المستفيدين من المساكن الاجتماعية التي توزعها الدولة، لكن صلاحياتها محدودة بسبب وجود رئيس الدائرة (حاكم مقاطعة تضم ثلاث أو أربع بلديات) المعين من قبل السلطات، وكذا الوالي (حاكم الولاية) الذي يُمكن له وقف رئيس البلدية وحل المجلس البلدي. وتطالب الأحزاب السياسية بتعديل قانون البلدية لمنح المجالس البلدية سلطة مستقلة وصلاحيات أوسع. أما المجالس المحلية فهي برلمانات محلية تتولى متابعة تنفيذ البرامج الإنمائية في الولاية والمصادقة على توزيع الموازنات على القطاعات المختلفة، ومساعدة حاكم الولاية في التخطيط للبرامج والمشاريع الخدمية، لكنها تظل في الغالب بلا سلطة أو صلاحيات فعلية.[1] ويتم التصويت بنظام القائمة المفتوحة، بحيث يمكن للناخب أن يختار من قائمة واحدة فقط من يريد من المرشحين الذين يصوت لصالحهم، وبعد فرز الأصوات يتم توزيع عدد المقاعد التي حصلت عليها كل قائمة أولا، ثم يتم احتساب عدد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح من القوائم الفائزة بالمقاعد. ويحصل على المقاعد المرشحون الذين حصلوا على أكبر عدد من الأصوات، وتتشكل المجالس البلدية والولائية من المنتخبين التابعين لحزب أو أكثر حسب المقاعد التي حصل عليها كل حزب، وعند تشكيل المجلس البلدي والولائي يتم تقديم مرشح من بين الأعضاء الفائزين لشغل منصب رئيس المجلس البلدي والمجلس الولائي، ويحدث انتخاب داخلي لتحديد ذلك، وفقًا للتحالفات التي تحدث بين الأحزاب الفائزة. ولم تُجرى الانتخابات البلدية في ثماني بلديات، أربع في ولاية تيزي وزو، وأربع في ولاية بجاية شرقي الجزائر، حيث لم تتقدم فيها أية قائمة مرشحين. ولم يشر القانون الانتخابي إلى كيفية التصرف في هذه الحالة، إلا أنه من الممكن اللجوء إلى انتخابات جزئية، تخص فقط تلك المجالس، على أن تتخذ السلطات قبل ذلك إحدى الخيارات بشأن وضع المجالس البلدية في هذه المناطق، لضمان عدم تعطل مصالح المواطنين، بحيث يُمكن أن تلجأ السلطات إلى الإبقاء على المجالس الحالية، أو تعيين متصرف إداري يدير هذه البلديات إلى غاية إجراء انتخابات جزئية. الحملة الانتخابية والخطاب السياسي للمرشحين: عُقدت الانتخابات المحلية في الجزائر بعد 21 يومًا من الحملة الانتخابية التي جاب فيها قادة الأحزاب السياسية والمستقلون المدن والأحياء الشعبية، لإقناع الناخبين بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، وإنهاء حالة العزوف الانتخابي، الذي بات ملازمًا للاستحقاقات الانتخابية في الجزائر، منذ الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر 2019. وباستثناء حزبين سياسيين نجحا في تحقيق تقدم نسبي على صعيد التعبئة الشعبية خلال الحملة الانتخابية، وهما “جبهة التحرير الوطني” كبرى أحزاب الموالاة و”حركة مجتمع السلم” كبرى أحزاب المعارضة، فإن هناك إجماعًا عامًا على أن الحملة الانتخابية هذه المرة قد تُعد الأضعف والأكثر فتورًا، مقارنةً مع الاستحقاقات الماضية، التي جرت منذ الحراك الشعبي في فبراير 2019. مع العلم أن الاستحقاق هو أول انتخابات بلدية وولائية تجرى منذ الحراك الشعبي، وأول انتخابات محلية تشرف عليها سلطة مستقلة للانتخابات. وتتباين التفسيرات بشأن ضعف الحملة وفتور تفاعل الجزائريين مع الانتخابات، بين دوافع وعوامل اجتماعية تتعلق بالظروف المعيشية وغلاء الأسعار من جهة، وبين مأزق الخطاب السياسي لغالبية الأحزاب السياسية خصوصًا من كتلة الموالاة التي استدعت نفس الخطاب الذي يبرر خيارات السلطة، من جهة أخرى. كما يُظهر ضعف حماسة الجزائريين، استمرار حالة الشك إزاء امكانية تحقيق تغيير جدي عبر آلية الانتخابات. وهي عوامل ستؤدي الدور الأبرز في تحديد سقف المشاركة الشعبية في عمليات التصويت بعد غد السبت. ويُحمِّل الكثير من المحللين مسؤولية ضعف الحملة الانتخابية إلى السلطة أولًا، بسبب إفسادها العمل السياسي والتضييق على الأحزاب الحقيقية وسياساتها الفاشلة، التي عمَّقت الشرخ بين المواطن والصندوق، جراء تلاحق الأزمات الاجتماعية. لكن المحللين يحمِّلون أيضًا الأحزاب النصيب الأكبر من المسؤولية، بسبب عدم وجود أي تطور في الأداء السياسي وعودة الخطاب الشعبوي. وتُظهر هذه المسألة حصول تغيرات وتحولات كبيرة خلال الفترة الأخيرة في علاقة الجزائريين بالمجتمع السياسي والأحزاب، التي باتت في الغالب ومن دون تعميم، مجرد غطاء وتفويض انتخابي بالنسبة للمرشحين، فيعفيهم من بعض الأعباء التقنية والفنية، خصوصًا بعد أن أدَّت مرحلة الحراك الشعبي إلى انكشاف الكثير من الأحزاب التي كانت تدعم سياسات السلطة والرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وترجع هشاشة المؤسسة الحزبية والبيئة السياسية غير السليمة في الجزائر إلى ضعف التكوين السياسي، وإهمال التنشئة السياسية، والظرفية في مرحلة الانتخابات.[2] موقف الرئيس والحكومة من الانتخابات: قانونيًا، تنتهي الولاية الحالية للمجالس الشعبية (البلديات والولايات) في نوفمبر 2022، لكن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قرَّر إجراء انتخابات محلية مبكرة لتجديد هذه المجالس لولاية من 5 سنوات. وفي 31 أغسطس الماضي، وقَّع تبون القرار الخاص باستدعاء الناخبين، تحسبًا للانتخابات المسبقة للمجالس الشعبية البلدية والولائية. وتُعتبر هذه الاستحقاقات ثاني موعد انتخابي مُسبق تنظمه الجزائر في أقل من 6 أشهر، بعد الانتخابات النيابية التي نُظمت في 12 يونيو الماضي. وتأتي هذه العمليات الانتخابية، ضمن الالتزامات الرئيسية لتبون في الجانب السياسي، الذي استهله بتعديل دستور البلاد (مطلع عام 2021 الجاري)، ثم قانون الانتخابات (في مارس الماضي) فإجراء الاستحقاقات على ضوء التعديلات الدستورية والقانونية التي تكفَّلت بصياغتها لجنة خبراء في القانون. ويعتبر الرئيس الجزائري، الانتخابات المحلية “آخر محطة في مسار تجديد مؤسسات الجزائر الجديدة”، مثلما صرَّح في خطابه أمام ندوة رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية. ولطالما اعتبر تبون، أن التغيير الذي طالب به الجزائريون في مسيرات الحراك الشعبي، منذ 22 فبراير، يتحقق من خلال تغيير المؤسسات وليس الأشخاص، وشدَّد في العديد من المناسبات على أن تعديل الدستور يُعتبر القاعدة الأساسية لبناء نظام حكم جديد. وبتنظيم الانتخابات المحلية، يكون الرئيس الجزائري قد أغلق الورشة السياسية الكبرى التي استهل من خلالها ما يُطلق عليه “الإصلاحات العميقة الرامية للخروج من منطق الحكم الفردي إلى حكم المؤسسات”. من جانبها تعتبر الحكومة الجزائرية التي أبعدت من الإدارة والإشراف على العمليات الانتخابية، محليات 27 نوفمبر “استكمالًا للبناء المؤسساتي للبلاد”، مثلما صرَّح به وزير الداخلية كمال بلجود، خلال إشرافه على تنصيب والٍ جديد للعاصمة الجزائر.[3] موقف الأحزاب من الانتخابات: بلغ عدد القوائم 5848 قائمة في البلديات (مجموع البلديات 1541 بلدية)، بينها 4860 قائمة…

تابع القراءة
قراءة في رسائل فيلم «أميرة»

قراءة في رسائل فيلم «أميرة»

  تباينت الآراء حول فيلم «أميرة» الأردني الذي تم بإنتاج مشترك مصري أردني سعودي إماراتي؛ حيث تم عرضه أول مرة في 03 سبتمبر 2021م، للمخرج المصري محمد دياب، الفيلم من بطولة تارا عبود في دور أميرة، إلى جانب كُل من صبا مبارك و‌علي سليمان في أدوار ثانوية. حظي الفيلم بمباركة وترحيب دولي واسع، وحصل على عدة جوائز؛ فقد عرض، للمرّة الأولى، ضمن فعاليات الدورة الـ78 من مهرجان فينيسيا السينمائي حيث شارك في مسابقة “آفاق”، ونال ثلاث جوائز: جائزة لانتيرنا ماجيكا التي تمنحها جمعية تشينيتشيركولي الوطنية الاجتماعية الثقافية للشباب (CGS)، جائزة إنريكو فولتشينيوني التي يمنحها المجلس الدولي للسينما والتليفزيون والإعلام السمعي البصري بالتعاون مع منظمة يونسكو، وجائزة إنترفيلم لتعزيز الحوار بين الأديان. كما شارك الفيلم في مهرجان «الجونة» بمصر في أكتوبر 2021م،  ثم «قرطاج» بتونس، وفي مهرجان “كرامة لأفلام حقوق الإنسان” في عمّان، جرى فضحه والكشف عن رسائله المشبوهة؛ وأمام الضغوط الشعبية ورفض الرأي العام العربي للفيلم اضطر المخرج محمد دياب إلى سحبه من التسابق في أول دورة لمهرجان البحر الأحمر بمدينة جدة السعودية في ديسمبر 2021م، كما اضطرت الهيئة الملكية الأردنية إلى سحب ترشيحها للفيلم ليكون ممثلا عن الأردن على جائزة الأوسكار. تدور قصة الفيلم حول مراهقة فلسطينية تدعى أميرة، تفتخر أنها ولدت نتيجة تهريب نطفة لأسير فلسطيني، وأثناء زيارتها لوالدها في سجن مجدو الإسرائيلي، يطلب الزوج الأسير (والد أميرة) من زوجته تكرار التجربة من جديد وإنجاب طفل آخر بتهريب نطفة جديدة، لكن الزوجة ترفض ثم تقبل تحت الضغط والإلحاح؛ وتحدث  المفاجأة عندما يتم تهريب النطفة حيث تثبت التحاليل أن صاحب هذه النطفة “عقيم” ولا يمكن أن ينجب أبدا! ليبدأ فصل جديد من حياة “أميرة” للبحث عن والدها الحقيقي وبتحليل الـ DNA  تكتشف أن والدها الحقيقي هو ضابط إسرائيلي وضع نطفته مكان نطفة الزوج (الأسير الفلسطيني). حيثيات المدافعين عن الفيلم وعلى الرغم من الرفض الشعبي العارم لرسائل الفيلم، إلا أن فريقا من النقاد والمحللين دافعوا عن الفيلم من باب حرية الإبداع والتعبير، وأن الرد على رسائله حتى لو كانت مسيئة لا يكون بالمنع والإقصاء بل بالنقد وأعمال فنية مماثلة تتبنى الرؤية المقابلة. ومن هؤلاء الكاتب والمحلل السياسي حسام كنفاني في مقاله «أميرة.. وتصاعد الإقصاء»، المنشور بصحيفة “العربي الجديد” اللندنية في 12 ديسمبر 2021م؛ حيث يؤكد أولا أن كثيرا ممن انتقدوا الفيلم لم يشاهدوه أساسا لأنه لم يعرض سوى في مهرجانات، ولم يتم بثه على الشبكة العنكبوتية. ويرى أن الفكرة العامة المطروحة أمام الجمهور لا تستوجب مثل هذا الغضب، وخصوصاً المنع، ولا سيما أن الحديث هو عن عمل إبداعي، وعادة ما تكون هناك مساحة واسعة فيه للخيال، ويحتاج أيضاً إلى حبكةٍ درامية، صادفت هنا أنها عبر تبديل النطف. ويؤكد أنه ليس بصدد الدفاع عن الفيلم، بل في انتقاد فكرة المنع التي تزايدت جداً في الآونة الأخيرة، وهو أمرٌ لم يكن موجوداً في السابق، خصوصاً أن هناك روايات كثيرة حملت مضامين ورسائل يمكن القول إنها إشكالية، لكنها مع ذلك بقيت موجودة، وفتحت أبواباً واسعة للسجال المفيد. ويستدل على ذلك برواية «عائد إلى حيفا» للأديب والمناضل الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، التي تحمل فكرة مشابهة، لكن بطريقة معكوسة، فالرواية، لمن لم يقرأها، عن عائلة فلسطينية اضطرّت إلى ترك ابنها في حيفا في أثناء الهروب في النكبة عام 1948، لتربيه عائلة إسرائيلية. وبعد سنوات، تتمكّن هذه العائلة الفلسطينية من زيارة حيفا، وبعد البحث عن الابن، يتّضح أنه أصبح جندياً في الجيش الإسرائيلي. الرواية التي تعد من أهم أعمال كنفاني، ووجدت طريقها إلى السينما والتلفزيون، لم تثر أي جدلٍ في ذلك الحين، لكنها لو صدرت في هذه الأيام لكان من الممكن أن تتعرّض إلى حملة شيطنة، ويتهمها بعضُهم بأنها عن أسرلة الفلسطينيين الذين بقوا في الداخل، واندماجهم مع المجتمع الإسرائيلي، فيما قد يدافع عنها آخرون، ويشيرون إلى أنها تنتقد التجاهل العربي لفلسطينيي الداخل وإزالتهم من حسابات القضية الفلسطينية. لينتهي إلى أنه من المفهوم أن هناك من قد يرى رسائل مختلفة في فيلم “أميرة”، أو في أي فيلم آخر، وهو أمر حمّال أوجه، شانه شأن أي عمل إبداعي، وهو ما يستوجب النقاش، وليس الإقصاء.[[1]] وفي مقاله («أميرة» واقع أم خيال؟) يدعو الناقد الفني طارق الشناوي، إلى ضرورة التعامل مع العمل الدرامي بوصفه عملا افتراضيا وليس واقعيا؛ ويضيف أن «الشريط السينمائى «فيلم أميرة» لا يوحى من قريب أو بعيد بالتسامح أو الغفران أو المصالحة أو حتى التعايش مع الاحتلال، إلا أنه فى نفس الوقت لا يدعو إلى توجيه السلاح مباشرة إلى قلب إسرائيل، البطلة أميرة 18 عاما اغتالها الجنود الإسرائيليون، أثناء عبورها الحدود إلى دولة إسرائيل، لو تخيلت النهاية العكسية، (أميرة) تمسك بالمسدس وتطلق نيرانها على الجنود المدججين بالسلاح، لتغير الموقف 180 درجة، وهتف الناس للفيلم وصُناعه. مضيفا: “الفيلم قطعًا تجاوز الواقع والمطلوب من المتفرج ألا يقرأه واقعيًا، حتى لو لم تكن الحكاية واقعية فإن الشريط بكل مفرداته يظل واقعيًا، ولهذا لا نلوم الجمهور، الذى قرأه واقعيًا وليس افتراضيًا”. وتابع: “لم ألمح ولو بالإيحاء رسائل سياسية أو فكرية مضمرة، ولكن طالما أن هناك قطاعًا لا يستهان به، وصلته رسالة ملتبسة وقرأ أشياء أخرى، لم يقصدها المخرج، فهذا يعنى أن شفرة التواصل والأبجدية بين صانع الفيلم وجمهوره ممن تكتوى أياديهم بالنار لاتزال قابلة للاشتعال، وتلك هى المشكلة الحقيقية لفيلم (أميرة)!!”. وينتهي إلى أن الفلم قائم على واقعة حقيقية، وهى أن الفلسطينى يقاوم الاحتلال بسلاح لا يمكن قهره وهو التفوق البشرى، يزداد معدل المواليد، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للكيان الإسرائيلى عندما تصبح الأغلبية عربية.[[2]] دفوع الرافضين في المقابل، يرى فريق الرافضين للفيلم، أنه تجاوز حدود حرية الإبداع ليقدم عملا يستهدف به تزييف الواقع وإضعاف مناعة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية التي تقاوم عمليات التجريف والتزييف التي تقودها أنظمة التطبيع العربي، وأن رواية غسان كنفاني «عائد إلى حيفا» التي جرى تحويلها إلى إعمال درامية وسينمائية لم تتهاون في نقد الحالة الفلسطينية بجرأة لا تقبل اللبس، قدمت درسا مهما يقول إن الإنسان قضية وليس علاقة دم ووراثة فقط، ورأت أن الانخراط في المقاومة هو الحل. ولم يكن من باب الصدفة أن رواية “عائد إلى حيفا” ساهمت في تطوع آلاف الشبان في المقاومة. أما فيلم أميرة الذي أراد أن يقول إن الطفلة التي كانت نتاجا لنطفة إسرائيلية بديلة للنطفة الفلسطينية بقيت ملتزمة بقضيتها وبأسرتها الفلسطينية، لكن النتيجة الأكثر حضوراً من فرضية الفيلم كانت تشكيكا بإنجاز الأسرى في تهريب نطفهم. وافتراض مخرج الفيلم، أدى إلى نتائج معنوية وخيمة ليس أقلها تقديم الإسرائيلي كطرف قادر على إلغاء إنجاز الأسرى في تهريب النطف، وتحويل عناصر قوة الأسرى إلى عناصر ضعف وشك. وبالتالي فإن فيلما من هذا النوع تحول موضوعيا إلى جزء من الحرب النفسية الموجهة ضد…

تابع القراءة
كيف يمكن فهم الموقف المصرى من الانتخابات الليبية؟

الانتخابات الليبية بين حتمية التأجيل وآفاق إنهاء الانقسام

  بعد كثير من التجاذبات بين الفرقاء الليبيين، أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا، في 11 ديسمبر 2021، عن تأجيل إعلان القوائم النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية، بهدف مراجعة كافة الأحكام القضائية الخاصة بالطعون التي تم تقديمها من أو ضد المترشحين. وقد كان من المفترض -وفقاً للجدول الزمني المعلن للتجهيزات الخاصة بالانتخابات الرئاسية الليبية- أن يتم الإعلان عن القوائم النهائية للمرشحين يوم 6 ديسمبر الماضي، مع إغلاق باب الطعون النهائية وبدء الدعاية الانتخابية. وبتأجيل إعلان قائمة المرشحين يكون من المستبعد، عملياً، الالتزام بالموعد المقرر لإجراء الانتخابات فى 25 ديسمبر القادم أى خلال أقل من أسبوعين، وبذلك يكون ملف الانتخابات الليبية قد انتهى إلى المسار المرجح من قبل أغلب المراقبين، وهو إرجاء الانتخابات، ومن ثم إطالة أمد المرحلة الانتقالية[1]. أولًا: حتمية تأجيل الانتخابات: يمكن القول أن تأجيل عملية إجراء الانتخابات الليبية عن موعدها المقرر فى 24 ديسمبر القادم أصبح أمرًا حتميًا؛ لمجموعة من الأسباب منها: 1- غياب التوافقات السياسية: فلايزال الانقسام بين الشرق والغرب على أشده، وكانت أخر تجليات هذا الأمر فى موضوع الانتخابات؛ الخلاف حول الأسس القانونية التى تقوم عليها تلك الانتخابات، والتى واجهت انقسامًا حادًا بين المجلس الأعلى للدولة بطرابلس ومجلس النواب بطبرق، حيث تجاهل مجلس النواب المجلس الأعلى للدولة (نيابي واستشاري) فيما يتعلق بإعداد قوانين الانتخاب الرئاسية والبرلمانية طبقا للاتفاق السياسي، بجانب الخلاف حول إجراء الانتخابات الرئاسية أولًا (كما يرغب مجلس النواب) أم إجراء الانتخابات البرلمانية أولًا (كما يرغب المجلس الأعلى للدولة)[2]. فضلًا عن رغبة مجلس النواب فى الاستفتاء على الدستور أولًا قبل إجراء الانتخابات وهو ما يرفضه مجلس النواب. كذلك، فهناك الخلاف حول الشخصيات الجدلية، ففى حين ترفض المنطقة الغربية ترشح اللواء المتقاعد خليفة حفتر بدعوى ارتكابه جرائم حرب، وصدور حكم غيابي ضده بالإعدام من محكمة مصراتة العسكرية، وحمله للجنسية الأمريكية (وهى الأشياء الكفيلة باستبعاده من الانتخابات وفق القانون الخاص بالانتخابات الرئاسية). فإن المنطقة الشرقية ترفض ترشح رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة بدعوى أنه لم يتخلى عن منصبه قبل 3 أشهر من موعد الانتخابات (وفقًا لأحد بنود القانون الخاص بالانتخابات الرئاسية)، بجانب ترشحه للانتخابات بعد تعهده بعدم الترشح أثناء اختياره رئيسًا لحكومة الوحدة الوطنية فى فبراير الماضى من قبل ملتقى الحوار السياسى. ولتزداد الأمور تعقيدًا بعد ترشح سيف القذافى نجل الرئيس الراحل معمر القذافى بإعلان ترشحه، وهو ما ترفضه المنطقتين الشرقية والغربية، خاصة وأن سيف الإسلام مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية، ومحكوم عليه غيابيًا بالإعدام من محكمة طرابلس (2015)، ولكن يبدو أن القذافى يحظى بدعم فى المنطقة الجنوبية، وهو ما ظهر خاصة بعد ظهوره فى منطقة سبها تحت حماية مليشيات عسكرية تتبعها، وهو ما تأكد أكثر بعدما أعادته محكمة سبها القذافى للسباق الرئاسى. وقد انتقل هذ الخلاف إلى القضاء، حيث ثبتت محكمة طرابلس الدبيبة في قائمة المترشحين رغم استبعاده في الطعون الابتدائية. وبالنسبة لحفتر، فأن محكمة الزاوية الابتدائية استبعدته من الرئاسيات ثم أعادته محكمة استئناف طرابلس للسباق الرئاسي مجددًا. وبالنسبة للقذافى، فقد استبعدته مفوضية الانتخابات ثم أعادته محكمة سبها للسباق الرئاسى مرة أخرى. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففى أحدث حلقات مسلسل تسيس القضاء، فقد أصدر مجلس النواب قانوناً بشأن تعديل بعض أحكام قانون نظام القضاء يجعل رئيس التفتيش القضائي رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء، بعد أن كان رئيس المحكمة العليا هو من يتولى هذا المنصب، وبناء عليه لم يعد رئيس المحكمة العليا محمد الحافي رئيساً للمجلس، وهو القرار الذى رفضه الحافى[3]. 2- اشتداد التوترات الأمنية: فقد واكب الاستعداد لعملية الانتخابات توترًا أمنيًا واضحًا، حيث أقدمت بعض المليشيات المسلحة على إغلاق مقرات المفوضية في الزاوية ثم طرابلس غرب البلاد، كما صاحبت عملية الطعن على ترشح سيف الإسلام القذافي في محكمة سبها جنوب البلاد ثم استئنافه مظاهر مماثلة، وبالتالي لا يمكن استبعاد تنامي مستوى التوتر الأمني، على نحو لا يتوافق مع إجراء الانتخابات في أجواء آمنة[4]. كذلك فقد اشتكت مفوضية الانتخابات من تعرض 5 مراكز تابعة لها لسطو مسلح، واختطاف موظف، والاستيلاء على عدد من بطاقات الناخبين في كلًا من طرابلس ومدينة العزيزية[5]. ما دفع وزير الداخلية الليبي خالد مازن إلى التحذير من أن استمرار عرقلة الخطة الأمنية الخاصة بالانتخابات سينعكس على الالتزام بموعدها في الرابع والعشرين من ديسمبر الجاري[6]. كما هدد قائد “لواء الصمود” في العاصمة الليبية طرابلس، صلاح بادي، بغلق كل مؤسسات الدولة في طرابلس، لأنها “تشتغل للخارج وليس للداخل”. جاء ذلك في مقطع مصور، جرى تداوله على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ويظهر بادي وهو يتحدث خلال اجتماع مع مجموعة من قادة المجموعات المسلحة الليبية، وشن هجومًا عنيفًا على مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني وليامز، واعتبر أن لها “دورًا إجراميًا” خلال الهجوم على طرابلس، قائلاً: “لن تبقى على أراضينا”. وتناقل نشطاء على مواقع التواصل أنباء تفيد بقيام مجموعة مسلحة لا يعرف تبعيتها بالسيطرة على مقر رئاسة الوزراء بطريق السكة في العاصمة طرابلس[7]. أيضًا فقد شهدت مدينة سبها عاصمة الجنوب الليبي، فى 14 ديسمبر، اندلاع اشتباكات مسلحة بين كتيبة الـ116 التابعة لـ”حكومة الوحدة الوطنية” التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وكتائب تتبع القيادة العامة لـ”الجيش الوطني الليبي” الذي يقوده خليفة حفتر. هذا الاشتباك يُعتبَر تطوراً جديداً في الصراع بين القوتين المحليتين في سبها، فمنذ أن غيرت كتيبة الـ116 ولاءها عن حفتر وصارت تتبع الحكومة الجديدة في طرابلس، بدأ الاحتقان بينها وبين الكتائب الأخرى، ولكنه لم يُترجَم في الفترة الماضية إلى اشتباك مسلح[8]. 3- الارتباك الأممي: لا شك أن استقالة المبعوث الأممي يان كوبيتش في توقيت حرج قبيل شهر من موعد الانتخابات تعد مؤشراً على حجم الإشكاليات والتحديات الداخلية والخارجية التي لم يتمكن معها كوبيتش من المضى قدماً في المسار حتى النهاية. ورغم تجاوز هذه العقبة، بإعادة ستيفاني وليامز المبعوثة السابقة بالإنابة إلى المشهد، كمبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، في محاولة لإنقاذ الموقف، إلا أن ذلك لا يخفي الارتباك الأممي، على نحو بدا جلياً في تعثر عملية تعيين نيكولاس كاى، حيث أن تعيين مبعوث جديد سيستغرق المزيد من الوقت للتوافق عليه كما أنه سيكون في حاجة لوقت إضافي للتعرف على المشهد وأطرافه وأبعاده، في حين تمتلك وليامز خبرة كبيرة، إضافة لكونها الأكثر دراية بتفاصيل الملف بحكم أنها مهندس خريطة طريق عملية الانتقال السياسي، لكن فى الوقت ذاته من الصعوبة بمكان حلحلة الأزمة خلال أسبوعين فقط (الفترة ما بين انتهاء مهمة كوبيتش في 10 ديسمبر وبين موعد الانتخابات في 24 من الشهر ذاته)[9]. 4- لا يشكل سيناريو تأجيل الانتخابات سابقة: ففي المشهد الليبي القريب، دخلت خريطة الطريق حيز التنفيذ الفعلي بعد إعلان وقف إطلاق النار (أكتوبر 2020) بعدة أشهر، وكان مخططاً أن تجرى عملية تشكيل السلطة التنفيذية الانتقالية (حكومة الوحدة الوطنية- المجلس الرئاسي)…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022